العقائد الحقّة

السيد علي الحسيني الصدر

العقائد الحقّة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8485-25-1
الصفحات: ٦٦٧

١ ـ إنّ العجز نقص لا يليق بالذات الكاملة ، ولا يكون الكامل الواجب ناقصا ؛ فإنّ واجب الوجود مستجمع لجميع الصفات الكماليّة ، ومنزّه عن النقائص والصفات الجلاليّة وإلاّ لزم الخُلف وهو محال ، فلابدّ وأن يكون قادرا غير عاجز.

٢ ـ إنّ صدور الأفاعيل العجيبة منه ، ووجود التدبيرات الحكيمة في خليقته تدلّ على قدرته وإقتداره.

ولا يمكن أن يكون صاحبها عاجزا بل يكشف عن أنّه عليم حكيم قادر.

وقد شعّ نور هذا البرهان الواضح من أمير البيان علي بن أبي طالب عليه‌السلام في كلامه الشريف الوارد في غرر الحكم : «عجبتُ لمن شكّ في قدرة اللّه وهو يرى خلقه» (١).

٣ ـ إستحالة الصانعيّة والخالقيّة بدون القدرة المطلقة.

أفاد هذا الدليل الشيخ الصدوق بما نصّه :

«من الدليل على أنّ اللّه عزوجل قادر : أنّ العالم لمّا ثبت أنّه صُنع الصانع ، ولم نجد أن يصنع الشيء من ليس بقادر عليه بدلالة أنّ المُقعَد لا يقع منه المشي والعاجز لا يتأتّى له الفعل صحّ أنّ الذي صنعه قادر ، ولو جاز غير ذلك لجاز منّا الطيران مع فقد ما يكون به من الآلة ، ولصحّ لنا الإدراك وإن عدمنا الحاسّة ، فلمّا كان إجازة هذا خروجا عن المعقول كان الأوّل مثله» (٢).

فاللّه تبارك وتعالى قادر على كلّ شيء ومتمكّن من كلّ أمر .. علما بأنّ قدرته المتعالية جارية مع حكمته وعدله ، فلا يفعل القبيح ولا يصدر منه الشرّ ، بل فعله الخير وعادته الإحسان وهو قادر على كلّ شيء.

__________________

(١) غرر الحكم ودرر الكَلِم : (ص٤٩٣).

(٢) التوحيد : (ص١٣٤).

١٤١

وبذلك يظهر بطلان قول المعتزلة ، بأنّ اللّه لا يقدر على القبيح والشرّ ، بدعوى إستلزامه الظلم.

وجه البطلان أنّ القدرة على القبيح ليست بظلم ، وإنّما يكون فعل القبيح ظلما ؛ واللّه سبحانه وتعالى قادر على ذلك لكنّه منزّه عنه. دليله قوله تعالى : (إِنَّ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١).

مع التعبير بكلمة (أنّ) التحقيقية ، والقدرة التي هي مطلقة ، فتكون لا متناهية ، مع أداة (كل) التعميمية ، بالإضافة إلى كلمة (شيء) المفيد لأتمّ العموم ، حيث يستفاد من ذلك قدرته على جميع الأشياء بلا إستثناء ، لكنّه تعالى لا يظلم أبدا لقوله تعالى : (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (٢).

والمعتزلة بقولهم هذا ، فرّوا من الظلم ووقعوا في العجز.

ويظهر أيضا ممّا قدّمنا بطلان قول الأشاعرة في نسبة الشرّ إلى اللّه تعالى ووقوعه منه ، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

وجه البطلان أنّ إيقاع الشرّ ظلم وهو منافٍ للحكمة والكمالية.

وأفعال اللّه جلّ جلاله خيرٌ لخلقه ، وقد خلقهم لرحمته ، ولا يريد الشرّ لعباده ، ومن فعله من عباده فقد فعله باختياره وسوء عمله.

دليله قوله تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاْءِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) (٣) مع الأحاديث الواردة في تفسير العبادة بالمعرفة والرحمة (٤).

__________________

(١) سورة البقرة : (الآية ٢٠).

(٢) سورة فصلت : (الآية ٤٦).

(٣) سورة الذاريات : (الآية ٥٦).

(٤) البرهان : (ج٢ ص١٠٥١).

١٤٢

فلاحظ تفسيرها وتأمّل في غائيّة العبادة والمعرفة والرحمة للخِلقة.

والأشاعرة فرّوا من الشرك في خلق الأفعال بزعمهم ، ووقعوا في الظلم في هذه النسبة الذي هو كفر كما أفاده في حقّ اليقين (١).

وسيأتي بيان هاتين المسألتين ان شاء اللّه تعالى في باب العدل ، ومن اللّه التوفيق.

٤) أنّه تعالى مريدٌ ومن صفات كماله إرادته

والإرادة في أصل اللغة بمعنى المشيئة ، لكن إرادة اللّه تفترق عن إرادة المخلوقين ، فإرادة اللّه هو فعله كما بيّنه أبو الصلاح الحلبي أعلى اللّه مقامه (٢).

واستدلّ لهذا المعنى قوله تعالى : (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْ ءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٣).

وإلى هذا المعنى ذهب الشيخ الجليل المفيد قدس‌سره ، إستدلالاً له بالأخبار التي يأتي ذكرها.

قال قدس‌سره : «إنّ الإرادة من اللّه جلّ اسمه نفس الفعل ... وبذلك جاء الخبر عن أئمّة الهدى» كما حكاه عنه شيخ الإسلام المجلسي طاب ثراه (٤).

ونقل في مجمع البحرين الحديث عن الإمام الرضا عليه‌السلام :

__________________

(١) حقّ اليقين : (ج١ ص٢٣).

(٢) تقريب المعارف : (ص٨٥).

(٣) سورة النحل : (الآية ٤٠).

(٤) بحار الأنوار : (ج٤ ص١٣٨).

١٤٣

«إنّ الإبداع والمشيئة والإرادة معناها واحد والأسماء ثلاثة» (١).

والحجّة في هذا المعنى إضافةً إلى ما تقدّم ، نصّ حديث صفوان بن يحيى عن الإمام الكاظم عليه‌السلام جاء فيه :

«الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل ، وأمّا من اللّه تعالى فإرادته إحداثه لا غير ذلك ...» (٢).

فالمستفاد من هذه الأدلّة أنّ إرادة اللّه معناها : إحداثه للأشياء وإبداعه وفعله لها.

لكن فسّرها شيخ المحدّثين الصدوق في التوحيد بقوله : «مشيّة اللّه وإرادته في الطاعات الأمر بها والرضا ، وفي المعاصي النهي عنها والمنع منها بالزجر والتحذير» (٣).

ولعلّ نظره قدس‌سره إلى إرادة العزم التي جاء ذكرها في حديث الفتح بن يزيد الجرجاني عن الإمام أبي الحسن الكاظم عليه‌السلام فلاحظ (٤).

وذكر هذا المعنى أيضا السيّد الشبّر بالتعبير التالي :

«ومعنى إرادته لأفعال عبيده أنّه أراد إيقاع الطاعات منهم على وجه الإختيار ... ومعنى كراهته تعالى لأفعال غيره نهيه إيّاهم عن إيقاع المعاصي المفسدة لهم على وجه الإختيار ...» (٥).

__________________

(١) مجمع البحرين : (ص٥٢ مادّة ـ شيأ ـ).

(٢) اُصول الكافي : (ج١ ص١٠٩ ح٣).

(٣) التوحيد : (ص٣٤٦).

(٤) اُصول الكافي : (ج١ ص١٥١ ح٤).

(٥) حقّ اليقين : (ج١ ص٣٠).

١٤٤

لكن أفاد بعد هذا المعنى ما نصّه :

«قد ورد في جملة من الأخبار عن الأئمّة الأطهار عليهم‌السلام الملك الغفّار ، أنّ إرادته عبارة عن إيجاده وإحداثه ، وأنّها من صفات الفعل الحادثة ، كالخالقيّة والرازقية ونحوها لا من صفات الذات بمعنى العلم بالأصلح» (١).

وبهذا يظهر عدم تماميّة قول المتكلّمين في الإرادة وتفسيرهم لها بأنّها هي : «العلم بالخير والنفع وما هو الأصلح».

فإنّ هذا المعنى يرجع إلى كون الإرادة هو العلم الذاتي ، وهذا خلاف ما يأتي من الأخبار في كون الإرادة محدَثة مع ما له من تالي فاسد القِدَم وتعدّد القدماء الذي ثبت بطلانه ، فلا يمكن قبول هذا المعنى في الإرادة.

والمُتَّبَع كلام أهل البيت الذين بهم النجاة ومنهم الهدى ، وفي طريقهم الصواب ، واللّه العاصم.

وعلى الجملة ؛ فالمستفاد من الأخبار الشريفة كون إرادة اللّه تعالى هي نفس فعله وإحداثه وإيجاده ، وهي الإرادة الحتميّة.

وتطلق أيضا على أمره بالطاعات ونهيه عن المعاصي ، وهي الإرادة العزميّة.

ولذلك أفاد العلاّمة الكازراني : «تحقيق المقام أنّ للّه تعالى إرادتين ، إرادة حتم وإرادة عزم.

فالحتمية هي ما لا يقدر العباد على ضدّ مراده ، وهي من صفات فعله يتّصف بها اللّه تعالى عند صدور كلّ فعل منه ، كالإماتة والإحياء والإمراض والشفاء.

والعزمية هي إتيانه تعالى بشيء من جملة مخلوقاته لمصلحة وحكمة ،

__________________

(١) حقّ اليقين : (ج١ ص٣٢).

١٤٥

كخلق جوارح الإنسان وسيلة لصالح أعماله مع إستعمال العبد هذه الجوارح في الحلال أو الحرام بفعل نفسه وقد أمره اللّه تعالى بالحلال ، ونهاه عن الحرام» (١).

وقد دلّت البراهين الحقّة على إرادة اللّه تعالى التي هي صفة من صفات كماله ووصف من أوصاف جماله ، دلّت عليها أدلّة الكتاب والسنّة والعقل ، بالبيان التالي :

١ ـ الكتاب الكريم :

في آيات عديدة مثل :

١ ـ قوله تعالى : (يُرِيدُ اللّه لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (٢).

٢ ـ قوله تعالى : (لَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) (٣).

٣ ـ قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) (٤).

٤ ـ قوله تعالى : (إِنَّ اللّه يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (٥).

٥ ـ قوله تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرا) (٦).

__________________

(١) مرآة الأنوار : (ص١٠٧).

(٢) سورة النساء : (الآية ٢٦).

(٣) سورة المائدة : (الآية ٦).

(٤) سورة هود : (الآية ١٠٧).

(٥) سورة الحجّ : (الآية ١٤).

(٦) سورة الأحزاب : (الآية ٣٣).

١٤٦

٢ ـ السنّة الشريفة :

في أحاديث كثيرة منها ما يلي :

١ ـ حديث محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

(المشيّة مُحدَثة) (١).

٢ ـ حديث عبداللّه بن ميمون القداح قال : دخل على أبي عبداللّه عليه‌السلام أو أبي جعفر عليه‌السلام رجل من أتباع بني اُميّة فخفنا عليه ، فقلنا له : لو تواريت وقلنا ليس هو هاهنا.

قال : بل ائذنوا له فإنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«إنّ اللّه عزوجل عند لسان كلّ قائل ويد كلّ باسط ، فهذا القائل لا يستطيع أن يقول إلاّ ما شاء اللّه ، وهذا الباسط لا يستطيع أن يبسط يده إلاّ بما شاء اللّه ، فدخل عليه فسألـه عن أشياء وآمن بها وذهب» (٢).

٣ ـ حديث الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام :

«أوحى اللّه عزوجل إلى داود عليه‌السلام ياداود! تريد واُريد ولا يكون إلاّ ما اُريد ، فإن أسلمتَ لما اُريد أعطيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لما اُريد أتعبتك فيما تريد ، ثمّ لا يكون إلاّ ما اُريد» (٣).

٤ ـ حديث سليمان بن جعفر الجعفري قال : قال الرضا عليه‌السلام :

«المشيّة والإرادة من صفات الأفعال ، فمن زعم أنّ اللّه تعالى لم يزل

__________________

(١) توحيد الصدوق : (ص٣٣٦ ب٥٥ ح١).

(٢) توحيد الصدوق : (ص٣٣٧ ب٥٥ ح٣).

(٣) توحيد الصدوق : (ص٣٣٧ ب٥٥ ح٤).

١٤٧

مريداً شائيا فليس بموحّد» (١).

٥ ـ حديث أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : قلت له :

«إنّ أصحابنا بعضهم يقولون بالجبر وبعضهم بالإستطاعة.

فقال لي : اكتب : قال اللّه تبارك وتعالى : يابن آدم! بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبقوّتي أدّيت إليّ فرائضي ، وبنعمتي قويت على معصيتي ، جعلتك سميعا بصيرا قويّا ، ما أصابك من حسنة فمن اللّه وما أصابك من سيّئة فمن نفسك ، وذلك أنا أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيّئاتك منّي ، وذلك أنّي لا اُسأل عمّا أفعل وهم يُسألون ، قد نظمت لك كلّ شيء تريد» (٢).

٦ ـ حديث العرزمي ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«كان لعلي عليه‌السلام غلام اسمه قنبر وكان يحبّ عليّا عليه‌السلام حبّا شديدا ، فإذا خرج علي عليه‌السلام خرج على أثره بالسيف ، فرآه ذات ليلة فقال : ياقنبر! ما لك؟

قال : جئت لأمشي خلفك ، فإنّ الناس كما تراه ياأمير المؤمنين فخفت عليك.

قال : ويحك! أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الأرض؟!

قال : لا ، بل من أهل الأرض.

قال : إنّ أهل الأرض لا يستطيعون لي شيئا إلاّ بإذن اللّه عزوجل من

__________________

(١) توحيد الصدوق : (ص٣٣٨ ب٥٥ ح٥).

(٢) توحيد الصدوق : (ص٣٣٨ ب٥٥ ح٦).

١٤٨

السماء ، فارجع ، فرجع» (١).

٧ ـ حديث فضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول :

«شاء وأراد ولم يحبّ ولم يرض.

شاء أن لا يكون شيء إلاّ بعلمه ، وأراد مثل ذلك ، ولم يحبّ أن يقال له : (ثالث ثلاثة) ، ولم يرض لعباده الكفر» (٢).

٨ ـ ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :

«سبق العلم ، وجفّ القلم ، وتمّ القضاء بتحقيق الكتاب وتصديق الرسالة والسعادة من اللّه والشقاوة من اللّه عزوجل.

قال عبداللّه بن عمر : إنّ رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يروي حديثه عن اللّه عزوجل قال : قال اللّه عزوجل : يابن آدم! بمشيّتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء ، وبإرادتي كنت أنت الذي تريد لنفسك ما تريد ، وبفضل نعمتي عليك قويت على معصيتي ، وبعصمتي وعفوي وعافيتي أدّيت إليّ فرائضي ، فأنا أولى بإحسانك منك ، وأنت أولى بذنبك منّي.

فالخير منّي إليك بما أوليت بَداء والشرّ منّي إليك بما جنيت جزاء ، وبسوء ظنّك بي قنطت من رحمتي ، فلي الحمد والحجّة عليك بالبيان ، ولي السبيل عليك بالعصيان ، ولك الجزاء والحسنى عندي بالإحسان ، لم أدع تحذيرك ، ولم آخذك عند عزّتك ، ولم اُكلّفك فوق طاقتك ، ولم اُحمّلك من الأمانة إلاّ ما قدرت عليه ، رضيت منك لنفسي

__________________

(١) توحيد الصدوق : (ص٣٣٨ ب٥٥ ح٧).

(٢) توحيد الصدوق : (ص٣٣٩ ب٥٥ ح٩).

١٤٩

ما رضيت به لنفسك منّي» (١).

٩ ـ حديث أبي الصلت عبدالسلام بن صالح الهروي ، قال : سأل المأمون يوما علي بن موسى الرضا عليه‌السلام فقال له : يابن رسول اللّه! ما معنى قول اللّه عزوجل : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لاَآمَنَ مَنْ فِي الاْءَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّه) (٢)؟ فقال الرضا عليه‌السلام :

«حدّثني أبي موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي ابن أبي طالب عليهم‌السلام : أنّ المسلمين قالوا لرسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو أكرهت يارسول اللّه! من قدرت عليه من الناس على الإسلام لَكَثُرَ عددنا وقوينا على عدوّنا ، فقال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كنت لألقى اللّه عزوجل ببدعة لم يحدث إليّ فيها شيئا وما أنا من المتكلّفين.

فأنزل اللّه تبارك وتعالى : يامحمّد! «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لاَآمَنَ مَنْ فِي الاْءَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعا» على سبيل الإلجاء والإضطرار في الدنيا كما يؤمنون عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة ، ولو فعلتُ ذلك بهم لم يستحقّوا منّي ثوابا ولا مدحا ، لكنّي اُريد منهم أن يؤمنوا مختارين غير مضطرّين ليستحقّوا منّي الزلفى والكرامة ودوام الخلود في جنّة الخلد (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ). وأمّا قوله عزوجل : (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّه) فليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها ولكن على معنى أنّها ما كانت لتؤمن إلاّ بإذن

__________________

(١) توحيد الصدوق : (ص٣٤٠ ب٥٥ ح١٠).

(٢) سورة يونس : (الآيتان ٩٩ و ١٠٠).

١٥٠

اللّه ، وإذنه أمره لها بالإيمان ما كانت مكلّفة متعبّدة وإلجاؤه إيّاها إلى الإيمان عند زوال التكليف والتعبّد عنها.

فقال المأمون : فرّجت عنّي ياأبا الحسن فرّج اللّه عنك» (١).

٣ ـ دليل العقل :

فالعقل حينما يلاحظ الأفعال الكونيّة ، يراها أفعالاً إختيارية ويجد فيها حسن الآثار ، والدقائق الكثار ، وقرائن الإختيار.

ومن المعلوم أنّ العمل الإختياري ، والأثر المنظّم لا يكون إلاّ عملاً إراديا مقصودا.

فوقوع تلك الأفعال المنتظمة مفتقر عقلاً إلى كون فاعلها مريدا لها ، قديرا عليها ، أوجدها بإرادته وصنعها بقدرته ، ولم تصدر عفوا أو اعتباطا بغير مشيئة من حضرته.

فيحكم العقل بداهةً بكون الخالق تعالى مريدا ذا إرادة قاهرة باهرة.

مع أنّها صفة كمال لا يفقدها الكامل ، وفقدها نقص يتنزّه عنه ذو الكمال.

٥) أنّه تعالى مُدرِكٌ

الإدراك في أصل اللغة هو بلوغ أقصى الشيء ومنتهاه.

ويطلق في الإنسان على اطلاعه على الاُمور الخارجيّة التي تدرك بالحواسّ الخمسة زائدا على العلم.

فإنّه قد يعلم الإنسان شيئا فيكون عالما به ، ثمّ يراه عيانا فيكون مدركا له.

__________________

(١) توحيد الصدوق : (ص٣٤١ ب٥٥ ح١١).

١٥١

لكن بالنسبة إلى اللّه تعالى الذي هو منزّه عن الحواس يدرك أقصى الشيء وغايته ومنتهاه إدراكا لا بحاسّة.

بل هو مدرك للأشياء بمعنى أنّه عالم بالمدركات ، أي أنّه عالم بما يدرك بالحواس إدراكا أعظم من إدراكنا ، حيث انّه قد يقع الخطأ فيما ندركه ، ولكن لا يخطئ اللّه جلّ شأنه في إدراكه.

فالمراد بإدراكه تعالى هو العلم الخاصّ ، كما أفاده في حقّ اليقين (١).

ومن هنا يعلم أنّ هذه الصفة الكمالية من صفات ذاته المقدّسة.

ويدلّ على هذه الصفة في اللّه أدلّة العلم الثلاثة المتقدّمة.

ويضاف إلى ذلك ما يستفاد من تقريب المعارف : «إنّ وجود المدرك وارتفاع الموانع تستلزم الإدراك ، واللّه تعالى كامل مستجمع لجميع صفات الكمال ، ولا سبيل للنقص والموانع إلى ذي الجلال ، فيكون مدركا لكلّ محسوس ، وعالما بكلّ ما يحسّ» (٢).

ودلائل مُدركيّته واضحة بالعيان لكلّ ذي حسّ ووجدان ..

وكيف لا يدرك المحسوسات مَن هو عالم بالغيوب والخفيّات ، بل يعلم السرّ وأخفى؟

يعلم ما أسرّه الإنسان وما نساه وغاب عن خاطره ويعلم الغيب والشهادة ، فيكون عالما بالمحسوسات بالأولويّة القطعية.

فاللّه تعالى مدرك لجميع الأشياء المحسوسة ، وعالم بكلّ شيء محسوس وغير محسوس ، حاضر وغائب ، وكلّ غيب وحضور ، كما تلاحظ ذلك في

__________________

(١) حقّ اليقين : (ج١ ص٣٠).

(٢) تقريب المعارف : (ص٨٤).

١٥٢

الأحاديث الشريفة (١).

٦) أنّه تعالى قديم

قال الشيخ الصدوق :

«القديم معناه أنّه المتقدّم للأشياء كلّها ، وكلّ متقدّم لشيء يسمّى قديما إذا بولغ في الوصف ، ولكنّه سبحانه قديم لنفسه بلا أوّل ولا نهاية ، وسائر الأشياء لها أوّل ونهاية ، ولم يكن لها هذا الإسم في بدئها فهي قديمة من وجه ومحدثة من وجه» (٢).

وقال في المجمع : «القديم من أسمائه تعالى وهو الموجود الذي لم يزل ... وإن شئت فسّرته بالموجود الذي ليس لوجوده ابتداء.

وأصل القديم في اللسان : السابق ، فيقال : اللّه قديم ، بمعنى أنّه سابق الموجودات كلّها» (٣).

وقال الشيخ الكفعمي : «القديم هو المتقدّم على الأشياء الذي ليس لوجوده أوّل ، والذي لا يسبقه العدم» (٤).

وقد تطابق على قدمه تعالى الدليل النقلي والعقلي المفيدان للعلم بأنّه تعالى قديم جلّ جلاله وعظم شأنه.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٤ ص٧٩ ب٢ ح٢ و ٣) ، وقد مرّ آنفا الحديثان الدالاّن عليه في بحث «إنّه تعالى عالم ...».

(٢) التوحيد : (ص٢٠٩).

(٣) مجمع البحرين : (ص٥٣١ مادّة ـ قدم ـ).

(٤) المصباح : (ص٣٤٤).

١٥٣

أمّا الدليل النقلي فكما يلي :

١ ـ خطبة أمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة :

«الحمد للّه الذي لا تدركه الشواهد ، ولا تحويه المشاهد ، ولا تراه النواظر ، ولا تحجبه السواتر ، الدالّ على قدمه بحدوث خلقه ...» (١).

٢ ـ رواية أبي الحسن الموصلي ، عن أبي عبداللّه الصادق عليه‌السلام قال :

«جاء حبر من الأحبار إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : ياأمير المؤمنين! متى كان ربّك؟

فقال له : ثكلتك اُمّك! ومتى لم يكن حتّى يقال : متى كان؟! كان ربّي قبل القبل بلا قَبل ، ويكون بعد البعد بلا بَعد ، ولا غاية ولا منتهى لغايته ، انقطعت الغايات عنه فهو منتهى كلّ غاية» (٢).

٣ ـ رواية ميمون البان قال : سمعت أبا عبداللّه عليه‌السلام وقد سُئل عن قوله جلّ وعزّ : (هُوَ الاْءَوَّلُ وَالاْآخِرُ) (٣)؟

فقال :

«الأوّل لا عن أوّل قبله ولا عن بدء سبقه ، وآخر لا عن نهاية كما يعقل من صفات المخلوقين ، ولكن قديم أوّل آخر ، لم يزل ولا يزال بلا بدء ولا نهاية ، لا يقع عليه الحدوث ، ولا يحول من حال إلى حال ، خالق كلّ شيء» (٤).

__________________

(١) نهج البلاغة : (ص١٣٧ رقم الخطبة١٨٠ من الطبعة المصرية).

(٢) بحار الأنوار : (ج٣ ص٢٨٣ ب١٢ ح١).

(٣) سورة الحديد : (الآية ٣).

(٤) بحار الأنوار : (ج٣ ص٢٨٤ ب١٢ ح٢).

١٥٤

٤ ـ رواية نافع بن الأزرق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال :

«أخبرني عن اللّه عزوجل متى كان؟

فقال له : ويلك! أخبرني أنت متى لم يكن حتّى اُخبرك متى كان ؛ سبحان من لم يزل ولا يزال فردا صمدا لم يتّخذ صاحبة ولا ولدا» (١).

٥ ـ رواية أبي بصير قال : أخرج أبو عبداللّه عليه‌السلام حُقّا (٢) فأخرج منه ورقة فإذا فيها :

«سبحان الواحد الذي لا إله غيره ، القديم المبدئ الذي لا بدء له ، الدائم الذي لا نفاد له ، الحي الذي لا يموت ، الخالق ما يرى وما لا يرى ، العالم كلّ شيء بغير تعليم ، ذلك اللّه الذي لا شريك له» (٣).

٦ ـ رواية النزال بن سبرة قال : جاء يهودي إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : ياأمير المؤمنين! متى كان ربّنا؟

قال : فقال له علي عليه‌السلام :

«إنّما يقال : (متى كان) لشيء لم يكن فكان ، وربّنا هو كائن بلا كينونة كائن ، كان بلا كيف يكون ، كان لم يزل بلا لم يزل وبلا كيف يكون تبارك وتعالى.

ليس له قبل ، هو قبل القبل بلا قبل وبلا غاية ولا منتهى غاية ، ولا غاية إليها ، غاية انقطعت الغايات عنه ، فهو غاية كلّ غاية» (٤).

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٣ ص٢٨٤ ب١٢ ح٣).

(٢) الحُقّ والحُقّة بضمّ الحاء : وعاءٌ من خشب.

(٣) بحار الأنوار : (ج٣ ص٢٨٥ ب١٢ ح٤).

(٤) بحار الأنوار : (ج٣ ص٢٨٥ ب١٢ ح٦).

١٥٥

٧ ـ رواية محمّد بن سماعة ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«قال رأس الجالوت لليهود : إنّ المسلمين يزعمون أنّ عليّا من أجدل الناس وأعلمهم ، اذهبوا بنا إليه لعلّي أسأله عن مسألة اُخطّئه فيها ، فأتاه فقال : ياأمير المؤمنين! إنّي اُريد أن أسألك عن مسألة.

قال : سل عمّا شئت.

قال : ياأمير المؤمنين! متى كان ربّنا؟

قال : يايهودي! إنّما يقال : (متى كان) لمن لم يكن فكان ؛ هو كائن بلا كينونة كائن ، كان بلا كيف.

يايهودي! كيف يكون له قبل وهو قبل القَبل؟ بلا غاية ولا منتهى غاية ... انقطعت الغايات عنه فهو غاية كلّ غاية.

فقال : أشهد أنّ دينك الحقّ وأنّ ما خالفه باطل» (١).

وأمّا الدليل العقلي :

فالعقل يحكم ، والضرورة تقضي ، والبرهان يفيد أنّه تعالى قديم ، ثبت له القدم بالوجوه العقليّة الثلاثة التالية :

الأوّل : ما في تقريب المعارف (٢) وهو أنّه لو كان فاعل الأجناس محدَثا غير قديم لاحتاج إلى محدِث ، وذلك المحدِث يحتاج إلى محدِث آخر ، وذلك يقتضي وجود ما لا يتناهى ، أو إثبات قديم بدون دليل ، وكلا الأمرين محال.

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٣ ص٢٨٦ ب١٢ ح٧).

(٢) تقريب المعارف : (ص٧٦).

١٥٦

الثاني : ما في حقّ اليقين (١) ، وهو أنّه تعالى لو لم يكن قديما ، لم يكن وجوده واجبا ، فيكون محتاجا ، يعني محتاجا إلى ما يوجده ، تعالى اللّه عن ذلك فهو الغني بذاته عمّا سواه ، فيكون غنيّا عن الإيجاد وموجودا بالقدم.

الثالث : ما في شرح نهج البلاغة (٢) ، وهو أنّ الأجسام كلّها حادثة ، لأنّها غير خالية عن الحركة والسكون ، وكلّ حادث مفتقر إلى محدِث وخالق له ، وذلك المحدِث الخالق إمّا ان يكون محدَثا فيحتاج إلى خالقٍ ويتسلسل .. وإمّا أن يكون محدِثا لنفسه وهو باطل ، فإنّ ما لا يوجد لا يمكن أن يصدر منه الوجود.

فلابدّ أن يكون المحدِث الخالق قديما أزليّا غنيّا لا بداية لوجوده كما لا نهاية له ، وهو اللّه تعالى.

وأوضح الأدلّة على قدمه تعالى بحكم العقل الجازم ، هو ما أرشد إليه سيّد الموحّدين وأمير المؤمنين عليه‌السلام بقوله :

«الحمد للّه الدالّ على وجوده بخلقه ، وبمحدَث خلقه على أزليّته ...» (٣).

وكذلك قوله عليه‌السلام :

«الدالّ على قِدَمه بحدوث خلقه» (٤).

فإنّ العقل حينما يرى المخلوقات حوادث متّصفة بالحدوث يكشف ويحكم بأنّ خالقها قديم أزليّ ، لمباينته مع خلقه ، وعدم اتّصافه بالصفات التي

__________________

(١) حقّ اليقين : (ج١ ص٢٩).

(٢) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : (ج٩ ص١٧٤).

(٣) نهج البلاغة : (ص٥٣ رقم الخطبة١٤٨ من الطبعة المصرية).

(٤) نهج البلاغة : (ص١٣٧ رقم الخطبة١٨٠ من الطبعة المصرية).

١٥٧

أوجدها في خليقته.

فيستدلّ بحدوث الخلق على قدم الخالق ، تعالى شأنه وجَلّ كماله.

٧) أنّه تعالى متكلّم

الكلام هي الحروف المسموعة المنتظمة ، ومعنى كونه متكلِّما هو أنّه أوجد الكلام (١).

وقال العلاّمة المجلسي : «اعلم أنّه لا خلاف بين أهل الملل في كونه تعالى متكلّما ، لكن اختلفوا في تحقيق كلامه وحدوثه وقدمه.

فالإمامية قالوا بحدوث كلامه تعالى ، وأنّه مؤلّف من أصوات وحروف ، وهو قائم بغيره. ومعنى كونه تعالى متكلّما عندهم أنّه موجد تلك الحروف والأصوات في الجسم كاللوح المحفوظ أو جبرئيل أو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو غيرهم كشجرة موسى» (٢).

وفي منهاج البراعة (٣) أفاد أنّه قد تواترت الأنباء عن الرسل والأنبياء ، وأطبقت الشرائع والملل على كونه عزوجل متكلّما ، لا خلاف لأحدٍ في ذلك ، وإنّما الخلاف في معنى كلامه تعالى وفي قدمه وحدوثه.

فذهب أهل الحقّ من الإماميّة إلى أنّ كلامه تعالى مؤلّف من حروف وأصوات قائمة بجوهر الهواء ، ومعنى كونه متكلّما هو أنّه موجد للكلام في جسم من الأجسام ، كالمَلَك والشجر ونحو ذلك.

__________________

(١) مجمع البحرين : (ص٥٣٦ مادّة ـ كلم ـ).

(٢) بحار الأنوار : (ج٤ ص١٥٠).

(٣) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : (ج١٠ ص٢٦٣).

١٥٨

وعلى مذهبهم فالكلام حادث ، لأنّه مؤلّف من أجزاء مترتّبة متعاقبة في الوجود وكلّ ما هو كذلك فهو حادث.

هذا ؛ ومن المعلوم أنّ الكلام من صفات الفعل فيكون حادثا ، فمثل الصوت الذي أوجده في شجرة موسى لابدّ وأن يكون حادثا ويكون بحدوثه غير مجرّد أيضا شأن سائر المخلوقات ؛ فإنّ الخلقة تساوي الجسميّة.

وعلى الجملة فإيجاد الكلام ناش ء من قدرته الخاصّة الذاتية ، إلاّ أنّ نفس كلامه تعالى حادث محدَث ، ومن صفات الفعل ، بدليل تصريح نفس كلامه المجيد : (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ) (١) كما أفاده في حقّ اليقين (٢).

ثمّ إنّ الدليل على متكلّميته تعالى ثابت قائم من الكتاب والسنّة والعقل :

أمّا الكتاب فآيات كثيرة منها :

١ ـ قوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللّه مُوسَى تَكْلِيما) (٣).

٢ ـ قوله تعالى : (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي) (٤).

٣ ـ قوله تعالى : «وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّه إِلاَّ وَحْيا أَوْ مِنْ وَرَاءِ

__________________

(١) سورة الأنبياء : (الآية ٢).

(٢) حقّ اليقين : (ج١ ص٣٣).

(٣) سورة النساء : (الآية ١٦٤).

(٤) سورة الأعراف : (الآية ١٤٣).

١٥٩

حِجَابٍ» (١).

وأمّا السنّة : فأحاديث عديدة منها :

١ ـ كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام في جواب ذعلب اليماني الوارد في نهج البلاغة ، قال فيها :

«متكلّم لا برويّة ، مريد لا بهمّة» (٢).

٢ ـ حديث أبي بصير قال : سمعت أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول :

«لم يزل اللّه جلّ اسمه عالما بذاته ولا معلوم ، ولم يزل قادرا بذاته ولا مقدور. قلت : جعلت فداك! فلم يزل متكلّما؟

قال : الكلام محدَث ، كان اللّه عزوجل وليس بمتكلّم ثمّ أحدث الكلام» (٣).

٣ ـ حديث صفوان بن يحيى قال : سأل أبو قرّة المحدّث من الرضا عليه‌السلام فقال : أخبرني ـ جعلني اللّه فداك ـ عن كلام اللّه لموسى؟

فقال : اللّه أعلم بأي لسان كلّمه بالسريانية أم بالعبرانية ؛ فأخذ أبو قرّة بلسانه فقال : إنّما أسألك عن هذا اللسان.

فقال أبو الحسن عليه‌السلام :

«سبحان اللّه ممّا تقول! ومعاذ اللّه! أن يشبه خلقه أو يتكلّم بمثل ما هم متكلّمون ، ولكنّه تبارك وتعالى ليس كمثله شيء ، ولا كمثله

__________________

(١) سورة الشورى : (الآية ٥١).

(٢) نهج البلاغة : (ص١٢٠ رقم الخطبة ١٧٤ من الطبعة المصرية).

(٣) بحار الأنوار : (ج٤ ص١٥٠ ب٦ ح١).

١٦٠