العقائد الحقّة

السيد علي الحسيني الصدر

العقائد الحقّة

المؤلف:

السيد علي الحسيني الصدر


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الغدير
المطبعة: سرور
الطبعة: ١
ISBN: 964-8485-25-1
الصفحات: ٦٦٧

٢٩ ـ حديث داود الرقي قال : سألت أبا عبداللّه عليه‌السلام عن قول اللّه : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللّه الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ) (١)؟

قال :

«إنّ اللّه هو أعلم بما هو مكوّنه قبل أن يكوّنه وهم ذرّ ، وعلم من يجاهد ممّن لا يجاهد ، كما علم أنّه يميت خلقه قبل أن يميتهم ولم يرهم موتى وهم أحياء» (٢).

٣٠ ـ حديث الحسين بن خالد قال : سألت أبا عبداللّه عليه‌السلام عن قول اللّه : (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الاْءَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (٣)؟

فقال :

«الورق : السقط يسقط من بطن اُمّه من قبل أن يهلّ الولد (٤).

قال : فقلت : وقوله (وَلاَ حَبَّةٍ)؟

قال : يعني الولد في بطن اُمّه إذا أهلّ ويسقط من قبل الولادة.

قال : قلت : قوله (وَلاَ رَطْبٍ)؟

قال : يعني المضغة إذا استكنت في الرحم قبل أن يتمّ خلقها قبل أن ينتقل.

قال : قوله (وَلاَ يَابِسٍ)؟

__________________

(١) سورة آل عمران : (الآية ١٤٢).

(٢) بحار الأنوار : (ج٤ ص٩٠ الباب٢ ح٣٥).

(٣) سورة الأنعام : (الآية ٥٩).

(٤) يقال : أهلَّ الصبي أي رفع صوته بالبكاء حين الولادة.

١٢١

قال : الولد التامّ.

قال : قلت : (فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)؟

قال : في إمام مبين» (١).

٣١ ـ حديث أبي معمّر السعدي قال : قال علي عليه‌السلام في قول اللّه : (نَسُوا اللّه فَنَسِيَهُمْ) (٢) :

«فإنّما يعني أنّهم نسوا اللّه في دار الدنيا فلم يعملوا له بالطاعة ولم يؤمنوا به وبرسوله فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه نصيبا فصاروا منسيّين من الخير» (٣).

٣٢ ـ حديث حريز رفعه إلى أحدهما [أي الإمامين الباقر والصادق] عليهما‌السلام في قول اللّه : (اللّه يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الاْءَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ) (٤).

قال :

«الغيض كلّ حمل دون تسعة أشهر.

وما تزداد : كلّ شيء يزداد على تسعة أشهر ، وكلّما رأت الدم في حملها من الحيض يزداد بعدد الأيّام التي رأت في حملها من الدم» (٥).

وهذه الأحاديث المباركة المتظافرة تكشف بوضوح عن علمه تعالى بكلّ الأشياء قبل وجودها كعلمه بها بعد وجودها ، وتبيّن إحاطته بجميع المخلوقات ،

__________________

(١) بحار الأنوار : (ج٤ ص٩٠ الباب٢ ح٣٦).

(٢) سورة التوبة : (الآية ٦٧).

(٣) بحار الأنوار : (ج٤ ص٩١ الباب٢ ح٣٨).

(٤) سورة الرعد : (الآية ٨).

(٥) بحار الأنوار : (ج٤ ص٩١ الباب٢ ح٣٩).

١٢٢

ومعرفته لجميع الظواهر والخفيّات ، وعرفانه جميع الأسرار والمطويّات ..

وعلمه نورٌ لا يدرك ولا يُحدّ ، وليس له نهاية وأمد.

٢) أنّه تعالى حيٌّ له الحياة الأزليّة الأبديّة ، وموصوف بهذه الصفة الكمالية التي هي له صفة ذاتية

ومعنى كونه حيّا كما أفاده المحدّث الصدوق أنّه : «الفعّال المدبِّر ، وهو حيٌّ لنفسه لا يجوز عليه الموت والفناء ، وليس يحتاج إلى حياةٍ بها يحيى» (١).

وأفاد الشيخ الكفعمي : «الحي هو الذي لم يزل موجودا وبالحياة موصوفا ، لم يحدث له الموت بعد الحياة ولا العكس ..

فالحي الكامل هو الذي يندرج جميع المُدرَكات تحت إدراكه حتّى لا يشذّ عن علمه مُدرَك ، ولا عن فعله مخلوق ، وكلّ ذلك للّه ، فالحي المطلق هو اللّه تبارك وتعالى» (٢).

وقال السيّد الشبّر : «والمراد بالحياة صفة يتأتّى معها العلم والقدرة ..» (٣).

وقال الشيخ الطريحي : «الحيّ القيّوم أي الباقي الذي لا سبيل للفناء عليه» (٤).

وذكر الراغب : «أنّ الحياة التي يوصف بها الباري تعالى معناها هو أنّه لا

__________________

(١) التوحيد للصدوق : (ص٢٠١).

(٢) المصباح : (ص٣٢٧).

(٣) حقّ اليقين : (ج١ ص٢٩).

(٤) مجمع البحرين : (ص٢٤ مادّة ـ حى ء ـ).

١٢٣

يصحّ عليه الموت ..» (١).

ثمّ ذكر أنّ هذه الحياة ليست إلاّ للّه عزوجل إذ الحياة جاءت لمعانٍ اُخرى أيضا هي :

١ ـ القوّة النامية الموجودة في النبات والحيوان ، كما قال تعالى : (وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَىٍّ) (٢).

٢ ـ القوّة الحسّاسة التي بها سمّي الحيوان حيوانا ، ومنه قوله تعالى : (وَمَا يَسْتَوِي الاْءَحْيَاءُ وَلاَ الاْءَمْوَاتُ) (٣).

٣ ـ القوّة العاملة العاقلة ، كما قال تعالى : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتا فَأَحْيَيْنَاهُ) (٤).

٤ ـ الحياة الاُخروية الأبدية ، كما قال تعالى : (اسْتَجِيبُوا للّه وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (٥).

٥ ـ التلذّذ وارتفاع الغمّ ، كما قال تعالى : (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّه أَمْوَاتا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (٦).

وحياة اللّه تبارك وتعالى فوق هذه الصفات ، وأشرف من كلّ حياة ، ولا تُقاس بها هذه الحيويّات الخمسة ، فحياته أشرف من هذه الحياة وذاتيّة له بلا ممات.

وقد قام الدليل القرآني والروائي والعقلي على حياته العليا بالبيان التالي :

__________________

(١) المفردات : (ص١٣٩).

(٢) سورة الأنبياء : (الآية ٣٠).

(٣) سورة فاطر : (الآية ٢٢).

(٤) سورة الأنعام : (الآية ١٢٢).

(٥) سورة الأنفال : (الآية ٢٤).

(٦) سورة آل عمران : (الآية ١٦٩).

١٢٤

أوّلاً : دليل الكتاب :

وقد صرّح القرآن الكريم بهذه الصفة الجليلة ، في آيات عديدة وهي ما يلي :

١ ـ (اللّه لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ) (١).

٢ ـ (الم * اللّه لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ) (٢).

٣ ـ (وَعَنَتْ الْوُجُوهُ لِلْحَىِّ الْقَيُّومِ) (٣).

٤ ـ (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَىِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ) (٤).

٥ ـ (هُوَ الْحَىُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (٥).

ثانياً : دليل السنّة :

وقد تظافرت بذكر حياته الكريمة روايات كثيرة ، منها ما يلي :

١ ـ حديث منصور الصيقل المتقدّم ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«إنّ اللّه علمٌ لا جهل فيه ، حياةٌ لا موت فيه ، نورٌ لا ظلمة فيه» (٦).

٢ ـ حديث يونس بن عبدالرحمن ، قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام :

«رُوينا أنّ اللّه علمٌ لا جهل فيه ، حياةٌ لا موت فيه ، نورٌ لا ظلمة فيه؟

__________________

(١) سورة البقرة : (الآية ٢٥٥).

(٢) سورة آل عمران : (الآيتان ١ و ٢).

(٣) سورة طه : (الآية ١١١).

(٤) سورة الفرقان : (الآية ٥٨).

(٥) سورة غافر : (الآية ٦٥).

(٦) توحيد الصدوق : (ص١٣٧ الباب١٠ ح١١).

١٢٥

قال : كذلك هو» (١).

٣ ـ حديث جابر الجعفي ، عن أبي جعفر ـ الباقر ـ عليه‌السلام قال : سمعته يقول :

«إنّ اللّه نورٌ لا ظلمة فيه ، وعلمٌ لا جهل فيه ، وحياة لا موت فيه» (٢).

٤ ـ ما تقدّم من حديث هارون بن عبدالملك ، قال : سئل أبو عبداللّه عليه‌السلام عن التوحيد؟

فقال :

«... واللّه نور لا ظلام فيه ، وحيّ لا موت له ، وعالم لا جهل فيه ، وصمد لا مدخل فيه ، ربّنا نوريّ الذات ، حيّ الذّات ، عالم الذّات ، صمديّ الذّات» (٣).

٥ ـ حديث جابر ، عن أبي جعفر ـ الباقر ـ عليه‌السلام ، قال :

«إنّ اللّه تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره ، نورا لا ظلام فيه ، وصادقا لا كذب فيه ، وعالما لا جهل فيه ، وحيّا لا موت فيه ، وكذلك هو اليوم ، وكذلك لا يزال أبدا» (٤).

٦ ـ حديث عبدالأعلى ، عن العبد الصالح موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال :

«إنّ اللّه ـ لا إله إلاّ هو ـ كان حيّا بلا كيف ولا أين ، ولا كان في شيء ، ولا كان على شيء ، ولا ابتدع لمكانه مكانا ، ولا قوي بعد ما كوّن الأشياء ، ولا يشبهه شيء يكوّن ، ولا كان خلوّا من القدرة على الملك قبل

__________________

(١) توحيد الصدوق : (ص١٣٨ الباب١٠ ح١٢).

(٢) توحيد الصدوق : (ص١٣٨ الباب١٠ ح١٣).

(٣) توحيد الصدوق : (ص١٤٠ الباب١١ ح٤).

(٤) توحيد الصدوق : (ص١٤١ الباب١١ ح٥).

١٢٦

إنشائه ، ولا يكون خلوّا من القدرة بعد ذهابه.

كان عزوجل إلها حيّا بلا حياة حادثة ، ملكا قبل أن ينشئ شيئا ومالكا بعد إنشائه ، وليس للّه حدٌّ ، ولا يعرف بشيء يشبهه ، ولا يهرم للبقاء ، ولا يصعق لدعوة شيء ، ولخوفه تصعق الأشياء كلّها.

وكان اللّه حيّا بلا حياة حادثة ، ولا كون موصوف ، ولا كيف محدود ، ولا أين موقوف ، ولا مكان ساكن بل حي لنفسه ، ومالك لم يزل له القدرة ، أنشأ ما شاء حين شاء بمشيّته وقدرته.

كان أوّلاً بلا كيف ، ويكون آخرا بلا أين ، وكلّ شيء هالك إلاّ وجهه ، له الخلق والأمر تبارك ربّ العالمين» (١).

٧ ـ الحديث الذي تقدّم عن هشام بن سالم قال : دخلت على أبي عبداللّه عليه‌السلام فقال لي :

«أتنعت اللّه؟ فقلت : نعم ، قال : هات ، فقلت : هو السميع البصير ، قال : هذه صفة يشترك فيها المخلوقون ، قلت : فكيف تنعته؟ فقال : هو نورٌ لا ظلمة فيه ، وحياة لا موت فيه ، وعلم لا جهل فيه ، وحقٌّ لا باطل فيه. فخرجت من عنده وأنا أعلم الناس بالتوحيد» (٢).

ثالثاً : دليل العقل :

.. وهو حاكم بأنّ اللّه تعالى حيٌّ قيّوم ، غير فانٍ ولا ميّت.

فإنّ العقل حينما يرى تجدّد الحوادث والموجودات في هذا الكون العظيم ،

__________________

(١) توحيد الصدوق : (ص١٤١ الباب١١ ح٦).

(٢) توحيد الصدوق : (ص١٤٦ الباب١١ ح١٤).

١٢٧

ويلاحظ انتظام السير والسير المنتظم في هذا العالم الكبير ، ويتأمّل في التغيّرات العارضة على هذا الرحب الوسيع ، من الإحياء والإماتة ، ونموّ النباتات والأشجار ، ونزول الثلوج والأمطار ، وحركات السحاب ودوران الأفلاك ، وتغيّرات الهواء وسير الشمس وحركة القمر في الفضاء ، وحدوث الليل والنهار ، وما يطرأ من المرض والشفاء ، وإستمرار الحيويّة والإحياء ..

حينما يتدبّر العقل في هذه الاُمور ، يحكم بأنّ خالقها ومدبّرها حيّ يدبّر سيرها ويدير اُمورها ، إذ العقل جازم بأنّ الحيّ يديم حركة الأحياء ؛ وإلاّ ففاقد الحياة لا يعطيها ، والميّت الفاني لا يديمها.

فهو حيّ قيّوم في الصفات ، قائم على جميع الموجودات وكلّ ذي وجود وذي حياة.

حيٌّ أزلاً وأبدا ، به قوام الأحياء ووجود الأشياء ، جلّ جلاله وعمّ نواله.

أمّا الأزليّة في حياته ؛ فلأنّ هذه الصفة يلزم أن تكون ذاتيّة له وإلاّ لاحتاج إلى من يحييه ، وهو يستلزم التسلسل ، وهو باطل ؛ أو يستلزم التوقّف على إحياء نفسه بنفسه ، وهو باطل أيضا.

وأمّا السرمديّة في حياته ؛ فلأنّ الحياة الذاتية لا تنفكّ عن الذات ، فحيث كانت أزليّة فلابدّ وأن تكون سرمديّة أيضا ، فهو الحيّ الأزليّ السرمديّ الأبديّ.

٣) أنّه تعالى قادر ، ليس يعجزه شيء ولا يعجز عن شيء ، وهو على كلّ شيء قدير ، فهو القادر القدير المقتدر

ولتوضيح معناه نقدّم ما يلي :

١٢٨

أفاد شيخ المحدّثين الصدوق : «القدير والقاهر معناهما أنّ الأشياء لا تطيق الإمتناع منه وممّا يريد الإنفاذ فيها ...

والقدرة مصدر قولك : قدر قدرة أي ملك ، فهو قدير قادرٌ مقتدرٌ ، وقدرته على ما لم يوجد وإقتداره على إيجاده هو قهره وملكه له ... قال عزّ ذكره (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (١) ويوم الدين لم يوجد بعدُ ...» (٢).

وأفاد الشيخ الكفعمي : «القادر هو الموجد للشيء إختيارا من غير عجزٍ ولا فتور ...

والقدير الذي قدرته لا تتناهى فهو أبلغ من القادر ولهذا لا يوصف به غير اللّه تعالى ... والقدرة هي التمكّن من إيجاد الشيء ...

والمقتدر هو التامّ القدرة الذي لا يمنعه شيء عن مراده ... وقال الشهيد رحمه‌الله : المقتدر أبلغ من القادر لإقتضائه الإطلاق ، ولا يوصف بالقدرة المطلقة غير اللّه تعالى. وقيل : قدرة الإنسان هيئة يتمكّن بها من الفعل ، وقدرة اللّه عبارة عن نفي العجز عنه ، والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن شاء ترك» (٣).

وأفاد الشيخ الطبرسي في معنى القدير : «هو مبالغة القادر. وقيل قوله سبحانه : (إِنَّ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤) عامٌ ، فهو قادر على الأشياء كلّها على ثلاثة أوجه : على المعدومات بأن يوجدها ، وعلى الموجودات بأن يفنيها ، وعلى

__________________

(١) سورة الفاتحة : (الآية ٣).

(٢) التوحيد : (ص١٩٨).

(٣) المصباح : (ص٣٣٠).

(٤) سورة البقرة : (الآية ٢٠) ، وغيرها.

١٢٩

مقدور غيره بأن يقدر عليه ويمنع منه» (١).

وأفاد العلاّمة الكازراني : «القدرة بمعنى التمكّن من الفعل ضدّ العجز» (٢).

وأفاد الشيخ الطريحي : «قدرت على الشيء من باب ضَرَبَ : قويت عليه وتمكّنت منه ، والإسم القدرة ، والفاعل قدير وقادر ... والإقتدار أبلغ وأعمّ.

والقادر والمقتدر إذا وصف اللّه بهما ، فالمراد نفي العجز عنه فيما يشاء ويريد ... ومحال أن يوصف بالقدرة المطلقة غير اللّه تعالى وإن أطلق عليه لفظا ... والقدرة عبارة عمّا قضاه اللّه وحكم به من الاُمور» (٣).

وذكر الراغب : «إنّ القدير هو الفاعل لما يشاء بما تقتضيه الحكمة لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه ، ولذلك لا يصحّ أن يوصف به إلاّ اللّه تعالى كما قال تعالى : (يَخْلُقُ اللّه مَا يَشَاءُ إِنَّ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤)».

والمقتدر يقاربه نحو : (عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٥) لكن قد يوصف به البشر ، وإذا إستعمل في اللّه تعالى فمعناه معنى القدير ، وإذا استعمل في البشر فمعناه المتكلّف والمكتسب للقدرة.

والمستفاد من ذلك إنّ اللّه تبارك وتعالى له القدرة المطلقة النافذة في جميع الأشياء لا يعجز عن شيء ولا يعجزه شيء وهو قادر على كلّ شيء» (٦).

وهذا ثابت بالبراهين الحقّة من الكتاب والسنّة والعقل بالبيان التالي :

__________________

(١) مجمع البيان : (ج١ ص٥٩).

(٢) مرآة الأنوار : (ص١٨٠).

(٣) مجمع البحرين : (ص٢٩٥ مادّة ـ قدر ـ).

(٤) سورة النور : (الآية ٤٥).

(٥) سورة القمر : (الآية ٥٥).

(٦) المفردات : (ص٣٩٤).

١٣٠

الأوّل : دليل الكتاب :

وقد صرّح القرآن الكريم بقدرة اللّه البالغة في ما يزيد على خمسين آية نظير ما يلي :

١ ـ قوله تعالى : (وَلَوْ شَاءَ اللّه لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١).

٢ ـ قوله تعالى : (وَكَانَ اللّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرا) (٢).

٣ ـ قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللّه الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالاْءَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) (٣).

٤ ـ قوله تعالى : (وَمَا كَانَ اللّه لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الاْءَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيما قَدِيرا) (٤).

٥ ـ قوله تعالى : (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْ ءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٥).

الثاني : دليل السنّة :

وقد دلّت الأحاديث المتواترة ، وصرّحت الروايات المتظافرة بقدرته العظيمة ، واقتداره الكبير في مثل الأحاديث التالية :

١ ـ حديث محمّد بن أبي إسحاق الخفّاف ، قال : حدّثني عدّة من أصحابنا

__________________

(١) سورة البقرة : (الآية ٢٠).

(٢) سورة الكهف : (الآية ٤٥).

(٣) سورة الإسراء : (الآية ٩٩).

(٤) سورة فاطر : (الآية ٤٤).

(٥) سورة النحل : (الآية ٤٠).

١٣١

أنّ عبداللّه الديصاني أتى هشام بن الحكم فقال له : ألك ربّ؟ فقال : بلى ، قال : قادر؟ قال : نعم ، قادر قاهر ، قال : يقدر أن يدخل الدنيا كلّها في البيضة لا يكبر البيضة ولا يصغر الدنيا؟ فقال هشام : النَظِرة ، فقال له : قد أنظرتك حولاً ، ثمّ خرج عنه.

فركب هشام إلى أبي عبداللّه عليه‌السلام فاستأذن عليه فأذن له فقال : يابن رسول اللّه! أتاني عبداللّه الديصاني بمسألة ليس المعوّل فيها إلاّ على اللّه وعليك ، فقال له أبو عبداللّه عليه‌السلام : عمّاذا سألك؟ فقال : قال لي كيت وكيت ، فقال أبو عبداللّه عليه‌السلام :

«ياهشام! كم حواسك؟

قال : خمس.

فقال : أيّها أصغر؟

فقال : الناظر.

فقال : وكم قدر الناظر؟

قال : مثل العدسة أو أقلّ منها.

فقال : ياهشام! فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى.

فقال : أرى سماءً وأرضا ودورا وقصورا وترابا وجبالاً وأنهارا.

فقال له أبو عبداللّه : إنّ الذي قدر أن يدخل الذي ترى العدسة أو أقلّ منها قادر أن يدخل الدنيا كلّها البيضة لا يصغر الدنيا ولا يكبر البيضة.

فانكبّ هشام عليه وقبّل يديه ورأسه ورجليه ، وقال : حسبي يابن رسول اللّه ، فانصرف إلى منزله.

وغدا إليه الديصاني فقال : ياهشام! إنّي جئتك مسلّما ولم أجئك

١٣٢

متقاضيا للجواب.

فقال له هشام : إن كنت جئت متقاضيا فهاك الجواب فخرج عنه الديصاني ؛ فأُخبر أنّ هشاما دخل على أبي عبداللّه عليه‌السلام فعلّمه الجواب فمضى عبداللّه الديصاني حتّى أتى باب أبي عبداللّه عليه‌السلام فاستأذن عليه فاُذن له فلمّا قعد قال له : ياجعفر بن محمّد! دلّني على معبودي ...» (١).

٢ ـ حديث أحمد بن محمّد بن خالد ، عن بعض أصحابنا ، قال : مرّ أبو الحسن الرضا عليه‌السلام بقبر من قبور أهل بيته فوضع يده عليه ، ثمّ قال :

«إلهي بدت قدرتك ولم تبد هيئة فجهلوك وقدّروك والتقدير على غير ما به وصفوك ، وإنّي بريء ياإلهي! من الذين بالتشبيه طلبوك ، ليس كمثلك شيء ، إلهي ، ولن يدركوك ، وظاهر ما بهم من نعمتك دليلهم عليك لو عرفوك ، وفي خلقك ياإلهي! مندوحة أن يتناولوك بل سوّوك بخلقك ، فمن ثَمَّ لم يعرفوك ، واتّخذوا بعض آياتك ربّا فبذلك وصفوك ، تعاليت ربّي! عمّا به المشبّهون نعتوك» (٢).

٣ ـ حديث أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، قال : جاء قوم من وراء النهر إلى أبي الحسن [الرضا] عليه‌السلام فقالوا له : جئناك نسألك عن ثلاث مسائل ، فإن أجبتنا فيها علمنا أنّك عالم ، فقال : سلوا ، فقالوا : أخبرنا عن اللّه أين كان ، وكيف كان ، وعلى أي شيء كان اعتماده؟

فقال :

__________________

(١) إلى آخر الحديث الذي تقدّم تمامه في الحديث الرابع من أدلّة السنّة على وجود اللّه تعالى.

(٢) توحيد الصدوق : (ص١٢٤ الباب٩ ح٢).

١٣٣

«إنّ اللّه عزوجل كيّف الكيف فهو بلا كيف ، وأيّن الأين فهو بلا أين ، وكان إعتماده على قدرته.

فقالوا : نشهد أنّك عالم» (١).

٤ ـ حديث أحمد بن محسن الميثمي ، قال : كنت عند أبي منصور المتطبّب ، فقال : أخبرني رجل من أصحابي قال : كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبداللّه بن المقفّع في المسجد الحرام ، فقال ابن المقفّع : ترون هذا الخلق؟ ـ وأومأ بيده إلى موضع الطواف ـ ما منهم أحدٌ أوجب له اسم الإنسانية إلاّ ذلك الشيخ الجالس ـ يعني جعفر بن محمّد عليهما‌السلام ـ فأمّا الباقون فرعاع وبهائم.

فقال له ابن أبي العوجاء : كيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء؟

قال : لأنّي رأيت عنده ما لم أر عندهم.

فقال ابن أبي العوجاء : ما بدّ من اختبار ما قلت فيه منه.

فقال له ابن المقفّع : لا تفعل ، فإنّي أخاف أن يفسد عليك ما في يدك.

فقال : ليس ذا رأيك ، ولكنّك تخاف أن يضعف رأيك عندي في إحلالك إيّاه المحلّ الذي وصفت.

فقال ابن المقفّع : أمّا إذا توهّمت عليّ هذا فقم إليه ، وتحفّظ ما استطعت من الزلل ، ولا تثن عنانك إلى استرسال يسلمك إلى عقال (٢) ، وسمه مالك أو عليك (٣) قال : فقام ابن أبي العوجاء ، وبقيت أنا وابن المقفّع ، فرجع إلينا ، فقال :

__________________

(١) توحيد الصدوق : (ص١٢٥ الباب٩ ح٣).

(٢) أي لا ترخ عنانك إلى قبول ما يلقى عليك حتّى يعقلك في مقام الجدال بما قبلت منه.

(٣) أي اعلم كلامك وميّز ما فيه نفعك أو ضررك حقّ التمييز حتّى تتكلّم بما فيه نفعك وتسكت عمّا فيه ضررك حتّى لا يخصمك.

١٣٤

«يابن المقفّع! ما هذا ببشر ، وإن كان في الدنيا روحاني يتجسّد إذا شاء ظاهرا ويتروّح إذا شاء باطنا فهو هذا.

فقال له : وكيف ذاك؟

فقال : جلست إليه ، فلمّا لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال : إن يكون الأمر على ما يقول هؤلاء وهو على ما يقولون ـ يعني أهل الطواف ـ فقد سلموا وعطبتم ، وإن يكن الأمر على ما تقولون وليس كما تقولون فقد استويتم أنتم وهم.

فقلت له : يرحمك اللّه وأيُّ شيء نقول وأيّ شيء يقولون؟ ما قولي وقولهم إلاّ واحد؟

قال : فكيف يكون قولك وقولهم واحدا وهم يقولون : إنّ لهم معادا وثوابا وعقابا ويدينون بأنّ للسماء إلها وأنّها عمران وأنتم تزعمون أنّ السماء خراب ليس فيها أحد.

قال : فاغتنمتها منه ، فقلت له : ما منعه إن كان الأمر كما تقول أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتّى لا يختلف منهم إثنان ولِمَ احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل؟! ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به.

فقال لي : ويلك! وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك نشوءك ولم تكن ، وكبرك بعد صغرك ، وقوّتك بعد ضعفك ، وضعفك بعد قوّتك ، وسقمك بعد صحّتك ، وصحّتك بعد سقمك ، ورضاك بعد غضبك ، وغضبك بعد رضاك ، وحزنك بعد فرحك ، وفرحك بعد حزنك ، وحبّك بعد بغضك ، وبغضك بعد حبّك ، وعزمك بعد إبائك ،

١٣٥

وإبائك بعد عزمك ، وشهوتك بعد كراهتك ، وكراهتك بعد شهوتك ، ورغبتك بعد رهبتك ، ورهبتك بعد رغبتك ، ورجاءك بعد يأسك ، ويأسك بعد رجائك ، وخاطرك بما لم يكن في وهمك ، وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنك .. وما زال يعدّ عليَّ قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها حتّى ظننت أنّه سيظهر فيما بيني وبينه» (١).

٥ ـ حديث محمّد بن أبي عمير ، عمّن ذكره ، عن أبي عبداللّه عليه‌السلام قال :

«إنَّ إبليس قال لعيسى بن مريم عليه‌السلام : أيقدر ربّك على أن يدخل الأرض في بيضة لا يصغّر ولا يكبّر البيضة؟

فقال عيسى عليه‌السلام : ويلك! إنَّ اللّه لا يوصف بعجز ، ومن أقدر ممّن يلطف الأرض ويعظم البيضة» (٢).

٦ ـ حديث الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول :

«إنّ اللّه عزوجل لا يوصف.

قال : وقال زرارة : قال أبو جعفر [الباقر] عليه‌السلام : إنّ اللّه عزوجل لا يوصف [بعجز] وكيف يوصف وقد قال في كتابه : (وَمَا قَدَرُوا اللّه حَقَّ قَدْرِهِ) (٣)؟! فلا يوصف بقدرة إلاّ كان أعظم من ذلك» (٤).

٧ ـ حديث الحسين بن أبي حمزة ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه‌السلام يقول :

«قال أبي عليه‌السلام : إنّ محمّد بن علي بن الحنفية كان رجلاً رابط الجأش

__________________

(١) توحيد الصدوق : (ص١٢٥ الباب٩ ح٤).

(٢) توحيد الصدوق : (ص١٢٧ الباب٩ ح٥).

(٣) سورة الأنعام : (الآية ٩١) ، وسورة الزمر : (الآية ٦٧).

(٤) توحيد الصدوق : (ص١٢٧ الباب٩ ح٦).

١٣٦

ـ وأشار بيده ـ وكان يطوف بالبيت فاستقبله الحجّاج ، فقال : قد هممت أن أضرب الذي فيه عيناك.

قال له محمّد : كلاّ! إنّ اللّه تبارك اسمه في خلقه كلّ يوم ثلاث مئة لحظة أو لمحة ، فلعلّ إحداهنّ تكفّك عنّي» (١).

٨ ـ حديث محمّد بن عرفة ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : خلق اللّه الأشياء بالقدرة أم بغير القدرة؟

فقال :

«لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة لأنّك إذا قلت : خلق الأشياء بالقدرة فكأنّك قد جعلت القدرة شيئا غيره ، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء ، وهذا شرك ، وإذا قلت : خلق الأشياء بقدرة فإنّما تصفه أنّه جعلها باقتدار عليها وقدرة ، ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره» (٢).

٩ ـ حديث علي بن الجهم ، قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما‌السلام ، فقال المأمون : يابن رسول اللّه! أليس من قولك إنّ الأنبياء معصومون؟

قال : بلى ، فسأله عن آيات من القرآن ، فكان فيما سأله أن قال له : فأخبرني عن قول إبراهيم : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) (٣)؟

__________________

(١) توحيد الصدوق : (ص١٢٨ الباب٩ ح٧).

(٢) توحيد الصدوق : (ص١٣٠ الباب٩ ح١٢).

(٣) سورة البقرة : (الآية ٢٦٠).

١٣٧

قال الرضا عليه‌السلام :

«إنّ اللّه تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم عليه‌السلام أنّي متّخذ من عبادي خليلاً إن سألني إحياء الموتى أجبته ، فوقع في نفس إبراهيم عليه‌السلام أنّه ذلك الخليل ، فقال : ربّ أرني كيف تحيي الموتى ، قال : أو لم تؤمن؟ قال : بلى ولكن ليطمئن قلبي على الخلّة ، قال : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (١) فأخذ إبراهيم عليه‌السلام نسرا وبطّا وطاووسا وديكا فقطعهنّ قطعا صغارا ، ثمّ جعل على كلّ جبل من الجبال التي كانت حوله ـ وكانت عشرة ـ منهنّ جزءا ، وجعل مناقيرهنّ بين أصابعه.

ثمّ دعاهنّ بأسمائهنّ ، ووضع عنده حبّا وماءا ، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتّى استوت الأبدان ، وجاء كلّ بدن حتّى انضمّ إلى رقبته ورأسه ، فخلّى إبراهيم عن مناقيرهنّ فطرن ، ثمّ وقفن فشربن من ذلك الماء والتقطن من ذلك الحبّ ، وقلن : يانبي اللّه! أحييتنا أحياك اللّه. فقال إبراهيم عليه‌السلام : بل اللّه يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير.

قال المأمون : بارك اللّه فيك ياأبا الحسن! ..» (٢).

والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

١٠ ـ حديث مثنّى الحنّاط عن أبي جعفر ـ أظنّه محمّد بن نعمان ـ قال :

__________________

(١) نفس الآية.

(٢) توحيد الصدوق : (ص١٣٢ الباب٩ ح١٤).

١٣٨

سألت أبا عبداللّه عليه‌السلام عن قول اللّه عزوجل : (وَهُوَ اللّه فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الاْءَرْضِ) (١)؟

قال :

«كذلك هو في كلّ مكان. قلت : بذاته؟

قال : ويحك! إنّ الأماكن أقدار فإذا قلت : في مكان بذاته لزمك أن تقول : في أقدار وغير ذلك ، ولكن هو بائن من خلقه ، محيط بما خلق علما وقدرة وإحاطة وسلطانا وملكا ، وليس علمه بما في الأرض بأقلّ ممّا في السماء ، لا يبعد منه شيء ، والأشياء له سواء علما وقدرة وسلطانا وملكا وإحاطة» (٢).

١١ ـ حديث هشام بن الحكم ، قال : قال أبو شاكر الديصاني : إنّ في القرآن آية هي قوّة لنا.

قلت : وما هي؟

فقال : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الاْءَرْضِ إِلَهٌ) (٣) فلم أدر بما اُجيبه ، فحججت فخبّرت أبا عبداللّه عليه‌السلام فقال :

«هذا كلام زنديق خبيث ، إذا رجعت إليه فقل له : ما اسمك بالكوفة؟

فإنّه يقول فلان.

فقل : ما اسمك بالبصرة؟

فإنّه يقول فلان.

__________________

(١) سورة الأنعام : (الآية ٣).

(٢) توحيد الصدوق : (ص١٣٢ الباب٩ ح١٥).

(٣) سورة الزخرف : الآية ٨٤.

١٣٩

فقل : كذلك اللّه ربّنا في السماء إله وفي الأرض إله وفي البحار إله وفي كلّ مكان إله.

قال : فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته.

فقال : هذه نقلت من الحجاز» (١).

١٢ ـ حديث مقاتل بن سليمان قال : قال أبو عبداللّه الصادق عليه‌السلام :

«لمّا صعد موسى عليه‌السلام إلى الطور فنادى [يناجي] ربّه عزوجل قال : ياربّ! أرني خزائنك.

فقال : ياموسى! إنّما خزائني إذا أردت شيئا أن أقول له : كن فيكون» (٢).

١٣ ـ حديث سليم بن قيس الهلالي قال : سمعت عليّا عليه‌السلام يقول لأبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني :

«ياأبا الطفيل! العلم علمان : علم لا يسع الناس إلاّ النظر فيه وهو صبغة الإسلام ، وعلم يسع الناس ترك النظر فيه وهو قدرة اللّه عزوجل» (٣).

الثالث : دليل العقل :

فهو يحكم جزما ، بل الوجدان أيضا يحكم بداهةً بقدرة اللّه تعالى وعدم عجزه إطلاقا .. وذلك بملاحظة الوجوه العقلية الثلاثة التالية :

__________________

(١) توحيد الصدوق : (ص١٣٣ الباب٩ ح١٦).

(٢) توحيد الصدوق : (ص١٣٣ الباب٩ ح١٧).

(٣) بحار الأنوار : (ج٤ ص١٣٦ الباب٤ ح٢).

١٤٠