الرسائل الفقهيّة

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

الرسائل الفقهيّة

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-93094-1-1
الصفحات: ٧٠٨

المتنجّسات المذكورة يكفي ورود الماء عليها وصدق الإصابة في الجملة وإن لم يصدق الغسل عقلا بل عرفا ؛ إذ عرفت أنّه ليس مدار الأحكام الشرعيّة على الدقّة العقليّة ، فما ذكر من الموانع ليست إلّا الاستبعادات المحضة الّتي لا تعارض الأدلّة المطلقة بل العامّة ، مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خلق الله الماء طهورا» (١).

هذا ؛ مضافا إلى الروايات الخاصّة في المقام ، مثل روايات طهارة السطح النجس بالمطر ، والسقف ، حيث قال عليه‌السلام بأنّ ما يكف منه ويتقاطر منه طاهر (٢) مع أنّ ماء المطر لا يسري إلى الطرف الداخل من السقف والسطح إلّا بالرطوبة.

وكذلك أمره عليه‌السلام بتطهير اللحم المتنجّس في القدر بالماء (٣) ، وأمثال ذلك من الروايات الواردة في الأبواب المختلفة ، وقد أفتى بمضمونها الجلّ.

فعلى هذا يندفع شبهة اعتبار خروج الغسالة أيضا ، فتدبّر.

هذا ؛ ولكن في التطهير بالقليل لا ينبغي ترك الاحتياط ، خصوصا في مثل الصابون ، وأمّا قابليّة تطهير ظاهر ما ذكر بالماء مطلقا فهي مسلّمة ، وشبهة سراية نجاسة الباطن إلى الظاهر مندفعة.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١ / ١٣٥ الحديث ٣٣٠.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ١٤٤ الباب ٦ من أبواب الماء المطلق ، نقله بالمعنى.

(٣) وسائل الشيعة : ١ / ٢٠٦ الحديث ٥٢٩.

٨١
٨٢

ما يعفى عنه في الصلاة من النجاسات

الأوّل : دم القروح والجروح (١) وعمدة البحث فيه من جهة أنّ العفو عنهما مختصّ بما إذا كان في التطهير مشقّة بحيث تكون أدلّتها مساوقة لأدلّة الحرج ، أم لا ، بل الأمر أوسع منه ، فيكون معفوّا عنه حتّى يبرأ ، وما دام مقتضى سيلان الدم موجودا فدم القروح لا يلزم تطهيره؟ الّذي يظهر من أكثر أخبار الباب وعمدتها الثاني ، ولا دليل على التقييد بالمشقّة سوى دعوى الانصراف أو الاستفادة من مناسبة الحكم والموضوع.

نعم ما يمكن أن يستدلّ به من الدليل اللفظي المقيّد لإطلاقات الباب موثّقة سماعة المضمرة (٢) ، حيث علّل الإمام عليه‌السلام عدم لزوم التطهير بأنّه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة ، ومن المعلوم أنّه ظاهر في التقييد ، ولكن يفترق المقام مع أدلّة الحرج أنّ فيها المناط الحرج الشخصي ، ولذلك تكون حاكمة على سائر الأدلّة ، إذ ميزان الحكومة صدق العنوان الموجب للتوسعة أو التضييق على التفصيل في محلّه ، بخلاف المقام ، فغاية ما نلتزم به هي المشقّة النوعيّة ، كما يستفاد من التعليل المذكور.

الثاني : الدم مطلقا غير الدماء الثلاثة ، والبحث فيه ...

__________________

(١) الّذي يظهر من اللغة أنّهما بمعنى واحد ، وهو الجراحة (مجمع البحرين : ٢ / ٤٠٣) ، فمثل الدماميل لها عنوان على حدة ، «منه رحمه‌الله».

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٣ الحديث ٤٠٨٢.

٨٣
٨٤

جواز بيع المتنجّس وعدمه

فرع :

قالوا : لا يجوز التسبيب في ارتكاب النجس ، ونحن بيّنّا سابقا ما هو مقتضى الأدلة في هذه المسألة ، والغرض هنا بيان ما فرّعوا عليها من عدم جواز بيع النّجس وإعارته.

فنقول : التحقيق أنّ الحكم يختلف بالنسبة إلى ما يتصوّر من الأقسام ؛ إذ التنجّس إن كان ممّا لا يقبل التطهير أصلا كالسمن المائع أو العسل الّذي فيه نجاسة ، ففي مثله لمّا كان يخرج عن الماليّة رأسا ويصير كالأعيان النجسة ، فمقتضى قوله عليه‌السلام : «إنّ الله إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه» (١) عدم جواز بيعه وكذا إعارته ؛ لأنّه إيقاع في الحرام الذي قلنا : إنّه بحكم الشرع والعقل قبيح وحرام.

وأمّا في ما يقبل التطهير فهو على قسمين : أحدهما ما يكون استعماله مشروطا بالطهارة ، كالأواني ونحوها ، فلا بدّ فيه من الإعلام ؛ إذ المفروض ملازمة الاستعمال في مثله مع الطهارة ، فتكون من المصاديق الواضحة لتسبيب الحرام.

إنّما الكلام في بطلان المعاملة فيه ، لا أرى له وجها سوى النهي المستفاد من التسبيب المنطبق على البيع ونحوه ، مع أنّ النهي في المعاملات لا يدلّ على

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٢ / ١١٠ الحديث ٣٠١ ، و ٣ / ٤٧٢ الحديث ٤٨.

٨٥

الفساد ، كما هو التحقيق ، والمسألة تحتاج إلى مزيد تأمّل.

وثانيهما ؛ ما لم يشترط في استعماله الطهارة ، كالفرش واللحاف ، بل واللباس الّذي يكون استعماله في المشروط بالطهارة اتّفاقيّا أو كثيرا ، ففي أمثاله لمّا لا يصدق التسبيب فلا حرمة ، ولا يجب الإعلام أيضا عند البيع ونحوه.

والحاصل ؛ أنّ الحكم دائر مدار التسبيب ، وإلّا فلا حرمة ، فلا يجب رفع المانع ، والإعلام في ما لو علم بابتلاء الغير بالنجاسة حتّى في بيت نفسه ، فتدبّر!

واعلم! أنّه يدلّ على بطلان البيع مع عدم الإعلام في القسم الأوّل من القسمين الأخبار الخاصّة الواردة في بيع الدهن النجس ، قال عليه‌السلام : «يبيّنه (١) لمن يشتريه (٢) ليستصبح به» (٣) وإن ناقش فيه شيخنا قدس‌سره بأنّه لا ملازمة بين البيان والاستصباح ، إلّا أنّه سلّم أنّ غاية التقييد عدم استعماله في الأكل ونحوه (٤) ، والمستفاد من التقييد والأمر بالبيان هو الاشتراط ، كما هو الأصل في المركّبات.

ثمّ إنّ التحقيق أنّ الأصل في النجاسات عدم جواز الانتفاع وبيعها إلّا ما دلّ عليه الدليل ، كما أنّ الأصل في المتنجّسات هو العكس.

__________________

(١) في المصدر : «وبيّنه».

(٢) في المصدر : «اشتراه».

(٣) وسائل الشيعة : ١٧ / ٩٨ الحديث ٢٢٠٧٧ ، و ٢٤ / ١٩٤ الحديث ٣٠٣٢٣.

(٤) المكاسب : ١ / ٧٣.

٨٦

رسالة الصلاة

لباس المصلّي

صلاة الجماعة

٨٧
٨٨

لباس المصلّي

[لا يخفى أنّه وقع التسالم بين الفقهاء على جريان أصالة عدم التذكية عند الشكّ في اللحوم والجلود فلا تجري فيها أصالة الحليّة والطهارة ، فلا تصحّ فيها الصلاة للنهي عن الصلاة في غير المذكّى ، وهو كما يحرز بالوجدان يحرز بالأصل أيضا ، فعند الشكّ في التذكية تجري أصالة عدم التذكية.

فاللازم هنا بيان امور :

الأوّل : أنّ الأصل عند الشكّ هو عدم التذكية ، لأنّ الحيوان لم يكن مذكّى في زمان ويشكّ الآن في وقوع التذكية عليه ، وأنّه مات بالتذكية والذبح مع الشرائط أم لا؟ فيستصحب عدمها.

ولا يقال : إنّ عنوان الميتة أمر وجودي فلا يثبت باستصحاب عدم التذكية إلّا على القول بالأصل المثبت.

فإنّه يقال : كما أنّ الحكم بالحرمة والنجاسة رتّب في الأدلّة على عنوان الميتة كذلك رتّب على غير المذكّى ، فعند الشكّ يستصحب عدم التذكية ، وهذا الأصل هو المرجع عند الشكّ ما دام ليس على اللحم أو الجلد] (١) أثر استعمال المسلم حتّى تصير واردا وحاكما على الأصل.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين أوردناه لتتميم البحث.

٨٩

ولا يخفى أنّ الظاهر من الأدلّة (١) مانعيّة [مثل قوله عليه‌السلام : «لا تصلّ فيها» (٢) وغيره كما يظهر لمن تأمّل في الأدلّة] الميتة ، وإن كان يظهر من ذيل رواية ابن بكير (٣) اشتراط التذكية ، إلّا أنّه بعد كونها مصدّرة بحكم آخر ، فالظاهر أنّها ليس في مقام تأسيس الشرطيّة واهتمام فيها مستقلّا ، بل يكون إشارة إلى مدخليّة التذكية.

فكيف كان ، فقد عرفت عدم الفرق ، فقد ظهر ممّا ذكرنا أنّه لا مجال للمناقشة في الاستصحاب المذكور إمّا من جهة كونه معارضا بعد ما عرفت من توقّف حليّة الأكل على التذكية ، مع أنّ في الأخبار وارد أنّ : «كلّ ما لم يذكّ فهو ميتة» (٤) ، وإمّا من جهة تعدّد الموضوع وتبدّله ؛ لأنّه بعد الغضّ عمّا ذكرنا في جوابه للإشكال فيه ، بأنّ ما هو موضوع للحكم هو العدم النعتي ، ولا ربط له بالعدم المحمولي فإنّه قد تغيّر يقينا.

فأقول : إنّما العدم النعتي الّذي كان مقارنا للحياة ، وما تغيّر ذاك العدم قطعا ، فإنّ من الواضح أنّ العدم في جميع هذه الأحوال واحد ، وإنّما الوجودات والأحوال مقارنات له ، ولا يكون لها دخل في قوام حقيقته حتّى يقال : إنّه إذا كان حيّا كان عدم آخر غير حال موته ، فإنّه لا أثر لهذا التبدّل أصلا.

وبالجملة ، فنقول : إنّ هذا الحيوان إذا كان حيّا ما كان فعل التذكية واقعا

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الحديث ٥٣٤٥.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٩٧ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٢ الحديث ٨١٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الحديث ٥٣٤٤.

(٤) وسائل الشيعة : ٢٣ / ٣٧٦ الباب ٢٤ من أبواب الصيد ، نقله بالمعنى.

٩٠

عليه ، فيستصحب عدم هذا الفعل إلى بعد الموت.

الثاني : اختلفوا في أنّ القابليّة في الحيوان ـ أي كونه مأكول اللحم ـ أن يكون من مقوّمات التذكية الشرعيّة وأجزائها ، أم لا ، بل هي إنّما الأفعال الخاصّة ، وهو خارج عنها؟

يمكن استفادة الثاني من الأخبار ؛ لأنّه إذا يسأل الراوي من الإمام عليه‌السلام ويقول : أليس التذكية بالحديد؟ فيقول عليه‌السلام : «نعم إذا علمت أنّه مأكول اللحم» (١) فالظاهر من الرواية أنّه شرط خارج وغير ذلك من الأدلّة ممّا يأتي الإشارة إليها إن شاء الله.

وكيف كان ، تظهر الثمرة في أنّه إذا قلنا بالأوّل ، فإذا شككنا في المأكوليّة (القابليّة) فالمرجع أصالة عدم التذكية ؛ لأنّ الشكّ فيها يرجع إلى الشكّ في التذكية ، بناء عليه فيقال : إذا كان هذا الحيوان حيّا ما كان هذا المعنى ـ أي التذكية ـ واقعا فيستصحب.

فلا يقال : إذا احرز فعل الذابح وشكّ في القابليّة فلا بدّ أن يرجع إلى القاعدة.

لأنّا نقول : الأصل الموضوعي هنا حاكم ، فالشكّ في الأجزاء يوجب الشكّ في الموضوع ، بخلاف الثاني ، فإذا شككنا فيها بناء عليه ، فالمرجع قاعدة الحليّة والطهارة ؛ لأنّه ليس للمشكوك حالة سابقة حتّى تلاحظ ، فإذا علمنا بتذكية حيوان وشككنا في مأكوليّة لحمه ، فهو محكوم بالحليّة والطهارة ، لأنّه لا مانع من الأصلين مع عدم أصل موضوعيّ حاكم ، فإذا شكّ في التذكية ؛ فإمّا أن يكون المنشأ مأكوليّة اللحم وعدمه ، وإمّا أن يكون الفعل الواقع ، أي من جهة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الحديث ٥٣٤٥ ، و ٣٤٨ الحديث ٥٣٥٤ ، نقله بالمعنى.

٩١

سائر الشرائط المعتبرة فيها ، مع فرض القطع بكون الحيوان من مأكول اللحم ، وعلى كليهما فالمرجع أيضا أصالة عدم التذكية ؛ لأنّه في الصورة الاولى يكون الشكّ ، وإمّا يكون على الأوّل منشأ الشكّ هو فعل الذابح مع القطع بالقابليّة ، فالمرجع أيضا أصالة عدم التذكية ؛ لأنّ الشكّ في الأجزاء يرجع إلى الشكّ في المركّب ، وعلى الثاني أيضا إمّا أن يكون منشأ الشكّ وقوع الفعل عليه فالمرجع أيضا أصالة عدم التذكية ، فالصور أربع ، وعلى كلّ حال فلا يثمر هذا النزاع في مقامنا ، ولا يمنع من إجراء الأصل إلّا في صورة واحدة كما عرفت.

واختلاف آخر واقع في المقام وهو أنّ غير مأكول اللحم من الحيوان يقع عليه التذكية أم [لا؟] ، والأقوال المعروفة في المسألة أربعة ، يتبيّن كلّها مع مداركها في محلّه.

والّذي استقرّ عليه رأي الأستاذ ـ دام ظله ـ هو أنّ ما عدا الحشرات ونجس العين يقع عليه التذكية ؛ لورود خبرين صحيحين بوقوعها على السباع (١) مع الرواية الدالّة على أنّ أكثرها مسوخ (٢) ، يثبت المدّعى.

اعلم! أنّ ما حكمنا به من لزوم العلم واشتراطه بعدم كون لباس المصلّي من الميتة ، أو قيام الأمارة عليه ، استفدناه من الأخبار (٣) ، وأمّا ما ورد في بعض الأخبار من أنّ كلّ ما شكّ في كونه ميتة يحكم بصحّة الصلاة فيه (٤) ولا يخفى أنّها لا تثبت الطهارة والحليّة لأنّه لا يصير الشك أمارة حتّى يثبت جميع الآثار ، وكيف

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٤ / ١١٤ الحديث ٣٠١١٣ ، و ١٨٥ الحديث ٣٠٣٠٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٧ الحديث ٥٣٥٠ ، وفيها : «ما لا يؤكل لحمه لأن أكثرها مسوخ».

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٣ الباب ١ من أبواب لباس المصلّي.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٤٢٧ الباب ٣٨ و ٤٥٥ الباب ٥٥ من أبواب لباس المصلّي.

٩٢

كان فهي منزّلة على صورة قيام الأمارة ؛ لأنّها وإن كانت مطلقة إلّا أنّها مقيّدة ، لأنّ مساقها يقتضي ذلك ، فإنّ منشأ السؤال كانت الجهات الثلاث :

إمّا لأنّ الجماعة يطهّرون جلد الميتة بالدباغ.

وإمّا لأنّهم يستحلّون ذبائح الكفّار.

وإمّا لأن الكفار كانوا مخلوطين في بلاد المسلمين فيشتبه حكم كثير من الجلود ، ولتلك الاحتمالات كانوا يسألون من الإمام عليه‌السلام فقال عليه‌السلام : «كلّ ما أخذتم من المسلمين وشككتم فيه من هذه الجهات فلا تعتنوا به ، واحملوا فعلهم على الصحّة ورتّبوا عليه أثر الواقع لا أثر اعتقاده» (١).

كلّ ذلك ، إذا كان مسلما أو سوق المسلمين ، فإنّ المراد من لفظ السوق هو هذا لا مطلق السوق ؛ ومع ذلك كلّه مقيّدة بالصحاح المقيّدة (٢).

الثالث : اختلفوا في أنّه كما تكون يد المسلم أمارة على الحلّ والطهارة (٣) كذلك تكون يد الكفار أمارة على عدم التذكية ، أم لا بل تكون لا أمارة ، وتظهر الثمرة في مسألة التعارض إذا وردتا على الجلد؟ الأظهر الثاني ، لأنّ المستفاد من الأخبار لا يكون أكثر من ذلك ، فإنّ الإمام عليه‌السلام يأمر الآخذ من يد الكافر بالتحقيق ، مع أنّا ما استكشفنا ذلك إلّا من اختصاص أدلّة الأماريّة بيد المسلم ، وهي لا تثبت أكثر ممّا ذكرنا.

مسألة : هل تكون أرض المسلمين أمارة عرضيّة في مقابل يدهم أم لا ، بل هي راجعة وطريق إلى اليد؟

__________________

(١) لاحظ! مستند الشيعة : ١٥ / ١٤٧ ـ ١٤٩ ، ظاهر العبارة مستفاد من روايات واصول ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٠ الباب ٥٠ من أبواب النجاسات.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٠ الباب ٥٠ من أبواب النجاسات ، و ٢٤ / ٧٠ الباب ٢٩ من أبواب الذبائح.

(٣) الحدائق الناضرة : ٧ / ٥٢ ـ ٥٤.

٩٣

من اشتراط بعضهم وجود أثر الاستعمال على المطروح فيها يظهر الثاني ، ومن إطلاق بعض آخر يظهر الأوّل ، ومدرك أصل المسألة رواية السكوني (١) ، وهو وإن كان عاميّا ممدوحا إلّا أنّهم اختلفوا في العمل برواياته ، ففي بعض المقامات يعملون به وفي بعض آخر لا يعملون بها ، لأنّ رواياته تحتمل التقيّة مطلقا ، ولكن لمّا كان منشأ السؤال إحدى الجهات الّتي قلنا ، والإمام عليه‌السلام كان في مقام بيان حمل فعل المسلم على الصحّة ، ولذا يبيّن عليه‌السلام أنّ اليد أمارة ، ومعلوم أنّ الأرض من حيث هي أرض لا تكون أمارة ، فلا بدّ أن يحمل على ما لو كان عليه أثر الاستعمال حتّى يرجع إلى اليد ، مع إمكان حملها على التقيّة.

وبالجملة ؛ هي لا تكون دليلا معتبرا يوجب رفع اليد عن الأصل المستفاد عن المعتبرات ، والأخذ بإطلاقها ، مع إمكان تقييدها وتخصيصها.

مع أنّه يمكن أن يكون السؤال عن النجاسة والطهارة لا من جهة التذكية والميتة ، لأنّ من الواضحات أنّه لا يمكن الحكم بكون مطلق المطروح من المذكّى ، مع احتمال كونه من بقيّة ما أكلته الكلاب وغيره ، والأخذ بإطلاق هذه الرواية ، والجمود على ظاهرها يوجب القول به.

فالإنصاف أنّها مجملة ، وإلحاق الأرض بالسوق لا محصّل له ، لأنّ السوق أيضا طريق إلى اليد ، لا أن يكون بنفسه أمارة موضوعيّة ، فلو أخذ الجلد من يد الكافر من سوق المسلم لا يكون محكوما بالتذكية ما لم يكن مسبوقا بيد المسلم أو مجهول الحال حتّى يوجب الحكم بالتذكية بها للغلبة في الأخير ، وفي الأوّل باستصحاب اليد.

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٢٩٧ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٢٤ / ٩٠ الحديث ٣٠٠٧٧.

٩٤

متى تصير يد المسلم أمارة؟

مسألة : إنّما يد المسلم مفيدة وتصير أمارة إذا لم يكن الجلد المأخوذ منه مسبوقا بيد الكافر أو مجلوبا من أرضهم ، فلو كان المأخوذ من يد المسلم هكذا لم يكن محكوما بالتذكية ، وذلك لأنّ الأدلّة الدالّة على حجيّة اليد لا تدلّ على كون الحكم واقعيّا ، فإنّ الأدلّة إمّا أن تكون في مقام بيان قضايا حقيقيّة واقعيّة ، وإمّا أن تكون قضايا خارجيّة ، فيصير مفاد الاولى بيان الحكم الكلّي ، والثانية الحكم الجزئي الخارجي وبعد أن عرفت أنّ أخبار اليد ناظرة إلى ما كانوا مبتلين به وسألوا عنه ، ومن المسلّم أنّه ما كان في زمن ورود الروايات الجلود مجلوبة من بلاد الكفر ، بل كان [من] بلد المسلمين وكان المسلمون فيها أغلب ، بخلاف ما يجلب في عصرنا من الجلود ونحوها من بلاد الكفر ، ويقطع بكون أصل منشأها تلك البلاد الّتي لا يفرّق فيها بين المأكول مأكول اللحم وغيره ، ولا بين المذبوح والميتة ، وما يكون فيها سلطنة للمسلمين.

وبالجملة ، شمول أدلّة السوق واليد لمثلها في غاية الإشكال ، فالأقوى الاجتناب ، إلّا أن يظنّ بأنّ من اشترى من المسلمين منهم أوّلا قد تحرّى وثبت عنده عدم كون المجلوب من الميتة ، فيحمل على الصحّة ويجوز الاستعمال.

ولا يخفى أنّه لا يجوز في المقام التمسّك بالإطلاق المستفاد من ترك الاستفصال ، فإنّ مقام التمسّك إنّما هو إذا كان للمسئول حين السؤال فردان أو أكثر ، حتّى يحمل الجواب على كلّ الأفراد ، وقد قلنا : إنّ حمل الجلود ونحوه ما كان معمولا من البلاد المختصّة بالكفّار في عصر ورود الأخبار.

٩٥

الرابع : اختلفوا في أنّ الميتة من حيث هي عنوان للمانعيّة بنفسها ، أم هي راجعة إلى النجاسة؟ فإن قلنا بالأوّل ؛ فلا يجوز الصلاة في جلد الميتة الّتي لا نفس سائلة لها مثل السمك وغيره ، وإلّا فلا.

الّذي يستفاد من الأدلّة الثاني ، فإنّه بعد ما عرفت وجه السؤال عن الميتة والصلاة فيها من الموجبات فلا يبقى مجال لجعلها مانعا بنفسه (١) كما هو ظاهر بعض أخبار الباب وإن كان فيها مطلقا مثل قوله عليه‌السلام : «لا تصلّ في شي‌ء من الميتة» (٢) فيحمل على المقيّدات.

فرع : الظاهر أنّ اعتبار اليد (٣) هنا إنّما يكون من باب حمل الفعل على الصحّة (٤) ؛ لأنّه القدر المتيقّن من الأدلّة ، لا من باب الملكيّة ، بأن يقال : إنّ الميتة لا يملكه المسلم فيكشف كونه مذكّى إذا كان على يده ، حتّى لا يحتاج أن يكون عليه أثر الاستعمال ، بل يكون صرف القبض كاشفا ، ولو احتمل إرادة إراقته بخلاف الأوّل فلا بد أن يكون عليه أثر الاستعمال ، ويعامل معه معاملة لا يعامل المسلم مع الميتة كما يشعر به قوله عليه‌السلام : «إذا رأيت منهم يصلّون فيه» (٥) وكذلك

__________________

(١) أي نجاسته ومانعيّته من هذه الجهة ، لا كونه عنوانا مستقلّا ، «منه رحمه‌الله».

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٣ الحديث ٥٣٤١.

(٣) أقول : في المقام صاحب «الجواهر» قدس‌سره يفرّق بين المقتضى على المبنيين ، فعلى كونها من باب أمارة الملكيّة يحكم بعدم لزوم أثر الاستعمال بخلاف كونها من باب الحمل على الصحّة (جواهر الكلام : ٨ / ٥٦) ، ولكن رأيت في بعض تعليقات «الرسائل» في بحث تعارض الاستصحابين لبعض الأجلّة قدس‌سرهم ينقل عن مجلس درس صاحب «الجواهر» رحمه‌الله بجعله قاعدة اليد من جزئيّات حمل فعل المسلم على الصحّة ، «منه رحمه‌الله».

(٤) جواهر الكلام : ٨ / ٥٤ ـ ٥٥.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٢ الحديث ٤٢٦٦.

٩٦

اعتراضه في السوق يكون في معرض البيع وغير ذلك ، فلو شكّ في شي‌ء فلا بدّ أن يرجع إلى أصالة عدم التذكية الّتي لا يعارضها صرف الأخذ باليد والسلطنة عليه الّتي هي علامة للملك.

فرع آخر : لو سبقت على جلد يد المسلم ولحقته يد الكافر أو بالعكس ، أو تشاركتا ، يحكم بتذكيته ؛ لأنّ يد الكافر ليست بأمارة على ما قلنا ، كما هو المفهوم من قوله عليه‌السلام : «حتّى تسألوا» (١) فلا يعارض مع الأمارة ، وإن كان يمكن القول بتقدّم يد المسلم أيضا وإن قلنا بأماريّة يد الكافر ـ كما يظهر عن بعض (٢) ـ لأنّ أماريّته لا يفيد إلّا النفي ، فتأمّل! وفي قبال المشهور تفاصيل ثلاثة تمسّكوا بأخبار مؤوّلة (٣) مع أنّها ليست قابلة لما تمسّك به المشهور بوجه أصلا مذكورة في «الجواهر» (٤) فالحريّ الدخول في بيان الأمر. لا يقال : يد الحادثة متقدّمة لأنّها أمارة ترفع بها أثر الأمارة السابقة ، كما في الملك.

لأنّنا نقول بعدم الحكم بكونه مذكّى لسبق يد المسلم عليه ، فلا ينقلب المذكّى إلى الميتة ، ولا يتصوّر له موجب بخلاف الملك ، فيكون للانقلاب فيه موجبات كثيرة.

الخامس : وهو اشتراط كون الملبوس والمحمول من مأكول اللحم في الجملة ، فلا يجوز الصلاة في جلود السباع ولا المسوخ مطلقا ، ولا في شعرها

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٩٩ الحديث ١٥٤٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٢ الحديث ٤٢٦٦ ، وفيه : «أن تسألوا».

(٢) ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٠ الحديث ٤٢٦١ و ٤٩٣ الحديث ٤٢٦٨.

(٤) جواهر الكلام : ٦ / ٣٤٦ و ٨ / ٥٣ ـ ٥٥.

٩٧

ولا في سائر أجزائها ، والعمدة في الدليل هي الموثّقات (١) أو الصحاح المستفيضة (٢).

إنّما الإشكال في المقام هو أنّه علّل في رواية السنجاب بأنّه يجوز الصلاة فيه لأنّه «لا يأكل اللحم» (٣) فيتخيّل كونها مخصّصة لروايات المنع ، فهي دالّة على عدم الجواز في أجزاء السباع خاصّة لا مطلق ما لا يؤكل إذا ذكّي.

وفيه ؛ أنّه علّل في رواية مضمونها : «لا يجوز الصلاة في ما لا يؤكل بأنّ أكثرها المسوخ» (٤) فيستفاد من مفهوم هذه الرواية كون العلّة أعمّ ممّا هي مذكورة في رواية السنجاب ، وكونها علّة للتشريع لا علّة للحكم حتّى يدور مدارها ، لظهور أنّه إمّا أن تكون النسبة بينهما (بين الروايتين) عموما من وجه أو التباين ، ولا معارضة بينهما على ما ذكرنا من عدم انحصار العلّة ، حتّى يخصّص.

لا يقال : العلّة في الاولى أخصّ من الثانية ، فلا بدّ [من] العمل فيها بما يعمل في مطلق العامّ والخاصّ.

لأنّا نقول : ليس الأمر كذلك ، فإنّه إذا وردت علّتان للحكم بحيث يكون أحدهما أخصّ والآخر أعمّ يستكشف ذلك عن كون العلّة شيئين ، وعدم انحصار العليّة بالأولى ، لعدم التعارض بينهما لأنّ تخصيص العامّ بالخاصّ في غير مورد العلّة إنّما يكون للتعارض ، فإنّ المقام يصير من قبيل ما لو قال : أكرم العلماء ثمّ

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الحديث ٥٣٤٥ ، و ٣٥٣ الحديث ٥٣٦٧ ، و ٣٥٤ الحديث ٥٣٧٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٥٥ الحديث ٥٣٧٥ ، و ٣٤٧ الحديث ٥٣٥١ ، و ٣٤٥ الحديث ٥٣٤٤.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣ ، و ٤٠١ الحديث ١٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٨ الحديث ٥٣٥٣ و ٥٣٥٤.

(٤) علل الشرائع : ٣٤٢ الحديث ١ ، الباب ٤٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٧ الحديث ٥٣٥٠.

٩٨

قال : أكرم زيدا وكان منهم ، فيصير نتيجة ذكره إمّا أهميّته أو غير ذلك.

لا يقال : إنّ العلّة في الاولى ظاهرة في كونها علّة للحكم ، بخلاف الثانية فإنّها ظاهرة في كونها علّة للتشريع لقوله عليه‌السلام : «لأنّ أكثرها مسوخ» (١) فلو لم تكن علّة للتشريع فاللازم عدم المنع عمّا لم يكن من السباع مسوخا ، فكيف يرفع اليد عمّا هو ظاهر ويصرفه إلى خلافه لما هو خلاف الظاهر.

لأنّا نقول : ظهور الاولى في العليّة والانحصار إنّما كان بمقدّمات الحكمة ، بأن يقال : إنّما كان عليه‌السلام في مقام البيان وقد ذكر هذه العلّة ، ولو كانت علّة اخرى لكان اللازم أن يذكر ، وغير ذلك ، كما هو طريق استفادة انحصار العلّة في باب المفاهيم وغيرها ، فعلى هذا فلو ثبتت من دليل آخر علّة اخرى أعمّ فتبطل المقدّمات من أصلها ، فلا يبقى للانحصار مجال ، وتصير العلّة الثانية بالنسبة إلى المسوخ نصّا ، فيدور الحكم مدارها نفيا وإثباتا ، مثل ما لو قال : لا تأكل الرمّان لأنّه حامض ، بخلاف الاولى إنّما يدور الحكم مداره ثبوتا.

وتظهر الثمرة فيما لو كان ذا مخلب ولم يكن مسوخا ، مع أنّ الجمود بظاهر العلّية في الاولى يوجب استهجانها ؛ لظهور تعليق الجواز بعدم أكله اللحم ، مع أنّ كثيرا ممّا جوّز فيه هذه القضيّة يكون من السالبة بانتفاء الموضوع ، فتأمّل!

فالمحصّل ؛ أنّه لا يجوز الصلاة في أجزاء غير المأكول مطلقا إلّا السنجاب والخزّ ، لورود الروايات الصحيحة (٢) المعمول بها على الجواز فيهما ، أمّا السنجاب فالظاهر أنّه الّذي الآن موجود ، وأمّا الخزّ فهو اسم لحيوان بحريّ قد

__________________

(١) مرّ آنفا.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٧ الباب ٣ ، و ٣٥٩ الباب ٨ من أبواب لباس المصلّي.

٩٩

كان وبره في غاية اللطافة والرقّة ، قد كان معمولا في قديم الزمان يأخذون من وبره ومنسوجه ألبسة وأثوابا ثمينة ـ غالي القيمة ـ حتّى كانوا لكثرة لطافته ونعومته يخلطونه بوبر الأرنب والثعلب ، والظاهر أنّه ليس الآن بموجود ، بل من زمن بعد العباسيّة صار مفقودا على ما قاله ـ دام ظلّه ـ فلو شكّ في جلد في زماننا أنّه منه أو من غيره فلا بدّ أن يرجع إلى الأصول العمليّة.

وأمّا الصلاة في غيرهما مثل الثعالب والأرانب فلا إشكال في عدم جواز الصلاة فيهما ، ولا في غيرهما ممّا لا يؤكل لحمه ، عملا بالإطلاقات (١) ، فلا بدّ من حمل ما دلّ على الجواز على التقيّة (٢) ، إذ ليست قابلة للتعارض مع العمومات ؛ لإعراض المشهور عنها وموافقتها لمذهب العامّة ، مع معارضتها لما دلّت بالخصوص على المنع (٣) ، ومع ذلك كلّه فلدفع شبهة مخصّصية رواية السنجاب فنقول : إنّ ما ذكر فيها بصورة التعليل ليس مسوقا للعليّة ، بل المراد من ذكره أنّه لمّا كانت للسنجاب سبلة وصورة كصورة السنّور والسباع فيتوهّم كونه منها ، فقال : إنّه ليس منها ، لأنّها تأكل اللحم ولها ناب ومخلب ، والسنجاب لا يكون له هذه الآثار ، فعلى هذا لا يستفاد منه العليّة أصلا.

ومع الغضّ عن ذلك فأقول : لا بدّ أن يعلم أنّ لكلّ قضيّة تعليليّة أمران : عموم مستفاد من منطوقه ، ومفهوم مستفاد من دليله ، ولا ريب في المقام أنّه لا تعارض بين مفهوم هذه العلّة وما يقوله عليه‌السلام : «لأنّ أكثرها مسوخ» (٤) في رواية ما

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٥٢ الباب ٥ من أبواب لباس المصلّي.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٥٠ الباب ٤ من أبواب لباس المصلّي.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٥٥ الباب ٧ من أبواب لباس المصلّي.

(٤) مرّ آنفا.

١٠٠