الرسائل الفقهيّة

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

الرسائل الفقهيّة

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-93094-1-1
الصفحات: ٧٠٨

البحث في اللواحق

الجهة الخامسة في اللواحق ؛ قال في «الشرائع» : (إذا زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب فإن كانت أثرا) .. إلى آخره (١).

لا إشكال أوّلا أنّ ما يحدثه الغاصب في العين المغصوبة لو لم يزد فيها شيئا عينا فلا يتعلّق بها له حقّ ؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بلا إذنه ، فلمّا يكون الأمر المحدث من توابع العين فيصير مالا للمالك ، ولذا فلو تصرّف فيها بإزالة ما أحدث يكون ضامنا لما زيد عليها من القيمة تبعا للأثر الحادث ، لأنّه أيضا تصرّف في مال الغير بتنقيص في عينه.

إنّما الكلام في بعض فروع المسألة ؛

الأوّل : لو أمر المالك بإزالة الزيادة الحاصلة في العين بإلزام الغاصب على إزالة الصنعة الّتي أوجدها فيها ، كما لو صاغ النقرة حليّا فهل يضمن الغاصب قيمة هذه الصنعة ، أم لا؟ فالمشهور على أنّه لا يضمن ؛ لأنّها وإن تكون ملكا لصاحب العين ، ولكن لمّا هو بنفسه أمر بإتلافها فلمّا يستند التلف بنفسه فلا يؤثّر حينئذ ما يقتضيه الضمان اليدي للغاصب ، فليس موجبا لضمانه بعد أصلا.

وأشكل عليهم بأنّ الأمر بإتلاف لو كان موجبا لرفع الضمان الثابت باليد للصنعة لكان اللازم أن يرتفع بذلك ضمان العيب المحدث في العين من الكسر وغيره تبعا لإزالة الصنعة مع أنّه لا إشكال في ضمانه لذلك ، ومن هذه الجهة قيل فيها ـ أي الصنعة ـ بالضمان أيضا لأنّها ليست في الحقيقة مستندا بأمر المالك ، بل

__________________

(١) شرائع الإسلام : ٣ / ٢٤٣.

٦٦١

الإزالة من لوازم ردّ العين إلى حالها الأصلي.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ مقتضى قاعدة اليد ضمان الكسر ونحوه وعدم ضمانه الصنعة ، وذلك لأنّ المستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (١) أنّ ارتفاع الضمان عن العين بما لها من المراتب والتوابع إنّما موقوف ومغيّا بأداء العين على حالها الّذي أخذها ، فيختلف بذلك أنحاء الأداء على حسب الأوقات ، ولا ينافي ذلك كون ما يزيد في العين من حين الأخذ إلى حين الأداء مضمونا أيضا ، لأنّ على هذا يكون المعنى أنّ العين مضمونة في كلّ آن بحالها الّذي هي عليه إلى أن يؤدّيها على حالها الّذي أخذها ، ففي حالها الّذي يكون عليها زيادة فيجب على الغاصب أن يؤدّيها مع الزيادة ، ولكن لو عصى ولم يؤدّها حتّى زالت عنها الزيادة ، فإن أدّاها بعد ذلك على حالها الّتي كانت عليها وقت الغصب والاستيلاء فليس عليه شي‌ء وإلّا فعليه النقص الحاصل ، ولازم ذلك أنّه لو عصى وما أدّاه فتلفت في حال يكون عليها زيادة فهو ضامن للعين والزيادة ؛ لأنّ ضمان كلّ وقت إنّما هو يكون على الكيفيّة الّتي تكون العين عليها ، فلمّا تلفت في هذه الحالة فمضمونة عليها والمفروض أنّه ما حصلت التأدية أيضا بحال الّذي كان عليها حين الغصب حتّى يرتفع ضمان الزيادة.

وبالجملة ؛ فإن استظهر هذا المعنى من الحديث الشريف كما يشعر بذلك قوله في «الجواهر» في المقام : (واحتمال الفرق) .. إلى آخره (٢).

__________________

(١) مستدرك الوسائل : ١٧ / ٨٨ الحديث ٢٠٨١٩.

(٢) جواهر الكلام : ٣٧ / ١٥١.

٦٦٢

فالفرق بين الكسر الحاصل في العين والصنعة الزائلة (١) واضح ، وعلى ذلك فليس النقض الّذي أورده بعد ذلك من أنّ لازم هذا الاحتمال عدم الضمان أيضا ، ولو تعمّد الغاصب في إزالة الصنعة بلا إذن من المالك ، فتأمّل!

هذا ؛ ولكن لازم هذا المبنى عدم ضمان الغاصب ـ مثلا ـ للسمن الحاصل في الغنم ونحوه عنده لو زال ولم يبق إلى حين الردّ ، مع أنّ الظاهر أنّ ضمانه لذلك إجماعيّ.

فالتحقيق ؛ هو الالتزام بالفرق بين مقدّمة المأمور به ، ولوازمه من مقارناته ، وتفصيل ذلك هو أنّه لا إشكال أنّ بعض الامور يكون من مقدّمات المطلوب والمأمور به كما إذا أمر الغاصب بإخراج الخشب المغصوب من مكان لا يمكن إخراجه منه إلّا بكسره وتنصيفه ـ مثلا ـ حتّى يخرج ، وبعضها من لوازمه مثل ما لو كان المغصوب في مكان بعيد يوجب إحضاره نقصانه من هزالة ونحوه ، وبمثل ذلك بيّنا الضابطة بين الضدّ والمقدّمة.

وكيف كان ؛ ففي مثل الأوّل لا موجب للضمان ؛ لأنّ المفروض كون النقصان من مقدّمات المأمور به وما يتوقّف عليه مطلوب المالك ، ومن أنّ الأمر بالشي‌ء أمر بمقدّماته ، فإذا أمر بردّ العين إلى حالها الأوّل ، سواء أمر بإتلاف الصنعة بالصراحة أو لا ، فلمّا يكون إتلافها مقدّمة لردّ العين بحالها بحيث يرى العرف ذلك من موانع الأمر ، فالنقص من الهزال ونحوه يستند إلى المالك ، مثل ما لو أمر بإخراج غنمه عن مكان يتوقّف خروجه منه على إراءتها الذئب حتّى يهزل

__________________

(١) لأنّ الكسر يوجب تغيير العين عن الحالة الّتي كانت عليها عند الغصب بخلاف الصنعة الزائلة ، «منه رحمه‌الله».

٦٦٣

فيخرج فهو بنفسه متلف لماله.

وأمّا في الثانية ، فالضمان على الغاصب لأنّ نقصان العين نشأ من إيجاد المأمور به ، بمعنى أنّ الهزال الناشئ من جهة إحضار الغنم من المسافة البعيدة إنّما هو إمّا مؤخّر عن وجود المطلوب وهو إحضاره ، أو مقارنه لا أن يكون مقدّمة له حتّى ينتسب إلى الآمر من ناحية المالك ، ولا ريب أنّ الكسر الحاصل في عين الفضّة إنّما هو من هذا القبيل إذ هو متأخّر عن إتلاف الصنعة الّذي هو المأمور به دون نفس الكسر ، وكذلك الهزال المتوقّف إحضاره على سيره بمسافة بعيدة ، بل هما متأخّران رتبة وخارجان عن موجبهما ، وهما إتلاف الصنعة وسيره المسافة المترتّبان هما على الأمر وطلب المالك ، فظهر من ذلك أنّ ما عليه المشهور في المقام هو ما تقتضيه القاعدة أيضا ، كما لا يخفى.

الفرع الثاني : في حكم مطلق تغيير العين المغصوبة ، ففي «الشرائع» : (إذا غصب دهنا كالزيت أو السمن) .. إلى آخره (١).

لا بدّ أن يعلم أوّلا أنّ لتغيير العين بسبب الاختلاط والامتزاج صورا : لأنّ الاختلاط إمّا أن يكون بالجنس أو بغيره ، وفي الفرض الأوّل ؛ إمّا أن يكون العين المغصوبة بالنسبة إلى المخلوط به بمثابة من القلّة لا يرى العرف بعد خلطه به له وجودا بحسب المادّة والصورة ، كما إذا خلط قطرة من الدهن بمقدار منه الّذي يكون نسبته إليه كنسبة قطرة من الماء بالنسبة إلى كرّ منه.

وإمّا أن لا يكون العرف يراه كذلك ، بل يرون العين المغصوبة المختلطة باقية بمادّته وصورته ، وإنّما الخلط تبدّل حدّه بحدّ ، وعلى هذا الفرض إمّا أن

__________________

(١) شرائع الإسلام : ٣ / ٢٤٤.

٦٦٤

يكون مخلوطا بمماثله ذاتا ووصفا بأن لا يكون أحدهما أجود من الآخر أو أردأ ، وإمّا أن يكون ما يماثله مغايرا معه من حيث الجودة والرداءة ، وعلى الفرض الثاني ـ يعني الخلط بغير الجنس ـ فتارة يكون متميّزا عنه في الخارج كما إذا خلط الحنطة بالشعير ، وإمّا لا يكون متميّزا في الخارج عرفا ، وإن كان متميّزا واقعا ، وعلى هذا الفرض فإمّا أن يوجب الخلط تغيّر العنوان كما لو خلط الخلّ بالسكر فصار سكنجبينا ، وإمّا أن لا يكون موجبا لذلك بل صار مستهلكا بالنسبة إلى المخلوط به ، كما إذا خلط مقدارا من الزيت بكثير من الشيرج فصار شيرجا مدهونا ، أو بالعكس فصار دهنا حلوا ، هذا ما يتصوّر من أقسام الخلط.

وأمّا حكمها ؛

ففي الصورة الاولى : فلمّا تكون العين المخلوطة في نظر العرف بحكم التلف فيكون الغاصب ضامنا لمثله ، ولا مجال لتوهّم الشركة ؛ إذ مناطها هو وجود المال المشترك بحيث يكون المخلوطان أمرين موجودين بوجود واحد ، ولا ريب أنّ فيما إذا صبّ مقدار قليل من الماء في حوض الحمّام ليس الأمر كذلك ، أي لا يرى العرف شيئين موجودين ، حتّى يكون لازم ذلك الحكم بكون ذاك الحوض بحكم المغصوب فيترتّب عليه الشركة القهريّة ، والظاهر أنّ مثل هذا الفرض خارج عن منصرف الكلمات من القول بالشركة في الخلط بالجنس ، بل هذا الفرض بحكم ما إذا خلط بغير الجنس على وجه صار مستهلكا ، كما سيأتي.

وأمّا الصورة الثانية ؛ ففيما لو كان المخلوط به مماثلا للعين المغصوبة ذاتا ووصفا ، كما إذا خلط كأسا من اللبن المغصوب بلبن نفسه ، ففي مثله ينبغي عدم توهّم الإشكال في تحقّق الشركة بالنسبة إلى العين الخارجي حقيقة أو حكما ،

٦٦٥

ولا وجه لتوهّم ضمان القيمة أو المثل بتخيّل أنّه في حكم التلف ؛ لعدم إمكان ردّه ، فلا بدّ من ردّ بدل الحيلولة ، كما لا يخفى.

وأمّا إذا خلطه بالأجود أو الأردإ من جنسه ؛ فمقتضى القاعدة أيضا هو الشركة ؛ لبقاء عين المال بحاله ، غاية الأمر من جهة اختلاط أجزائه بأجزاء مال الغير وتفرّقها فيها على وجه لا يمكن الامتياز تحصل الشركة فيهما بنسبة مقدار كلّ واحد من المالين بالنسبة إلى الآخر إمّا حقيقة أو حكما.

نعم ؛ هنا كلام آخر ، وهو أنّه إذا كان مال المغصوب منه أجود ومال الغاصب أدون فلا إشكال في أنّه لو أخذ المالك من المخلوط ما يساوي ماله بحسب المقدار يلزم فوت مقدار من الماليّة الّتي كانت ثابتة لعينه لجودته ، ففوت وصف الجودة صار موجبا لفوت مقدار من الماليّة ، فحينئذ هل يضمن الغاصب أرش النقصان أو تحصل الشركة في المجموع على حسب الماليّة؟ فلو كانت ماليّة العين المغصوبة قبل الخلط بمقدار ضعف ماليّة مال الغاصب يصير بالخلط ثلث المجموع للغاصب وثلثاه للمغصوب منه؟

قد يحتمل تعيّن الوجه الثاني ؛ لما أوضحناه في بعض مباحث الخيار من أنّ العين الواحدة ليست لها إلّا ماليّة واحدة ، وتلك الماليّة إذا اضيفت إلى اثنين كانت لكلّ منهما بالنسبة إلى تمام العين ماليّة ضمنيّة ، ومن لوازم كون كلّ منهما مالكا لتمام العين ضمنا هو اعتبار الشركة في العين على حسب ما كان قائما بكلّ واحد منهما في مقدار إضافة الماليّة ، ففي ما نحن فيه إذا فرضنا أنّه خلط الجيّد بالردي‌ء فمقتضى الكسر والانكسار بسط الجودة القائمة بالبعض على المجموع والرداءة كذلك ، فيكسب كلّ من المالين عرضا من الآخر ، والمفروض عدم فوت

٦٦٦

وصف الجودة رأسا ، بل كان موجودا قائما بالمجموع ، فحينئذ لا بدّ وأن يكون مقدار الماليّة الثابتة لكلّ واحد من العينين قبل الخلط مضافا إلى مالكه ، ولازم ذلك هو الشركة في العين على حسب الماليّة ، كما لا يخفى ، وليس أخذ المالك أزيد ممّا كان ملكا له قبل الخلط والتفرّق بحسب المقدار موجبا للربا ؛ لعدم كون المقام داخلا في أقسام الربا المحرّم ؛ لاختصاص أدلّته بباب المعاوضات.

ولكنّ التحقيق هو الوجه الأوّل ؛ لعدم الدليل على خروج مال كلّ واحد منهما عن ملكه بحسب المقدار ، وأمّا الماليّة الثابتة لصاحب الجيّد ليست ترى في المجموع الآن موجودة ، بل العرف يحكم ببقاء ماله فيه الآن موجودا كمّا لا كيفا ، بحيث يرون وصف الجودة معدوما ، ولذلك لا بدّ من الالتزام بأخذ المغصوب منه ماله من المجموع بمقدار ما غصب منه دون الزيادة ، مع أرش وصف الجودة الزائلة ، كما لا يخفى.

وأمّا فيما لو اختلطت العين المغصوبة بالأجود ، فالظاهر هو تحقّق الشركة ، فيستحقّ كلّ من الغاصب والمغصوب منه من المجموع بمقدار عين ماله ، ولا ريب أنّ وصف الجودة الحاصلة للعين المغصوبة بالخلط إنّما هو بمنزلة زيادة وصف فيه عند الغاصب ، لا أن تكون زيادة عينيّة حتّى يقال بأنّه لا دليل على خروجها عن ملك الغاصب ، كما لا يخفى.

وأمّا في الفرض الثاني ، أي الاختلاط بغير الجنس ، فإن كان المغصوب بعد الخلط متميّزا فلا مجال للشركة ، بل يجب التفكيك وأداؤه إلى صاحبه إن أمكن ، وإن لم يمكن ـ كما لو اختلط مقدارا من الشيرج في السمن ، بحيث يصدق عليهما بعد الخلط كلّ واحد من العنوانين ، فيقال : شيرج مخلوط بالسمن عرفا ـ

٦٦٧

ففي مثله لا وجه للشركة في العين ، كما لا وجه للحكم بالتلف ، بل يكون كلّ واحد من المالين باقيا على ملك صاحبه ، ولازم ذلك الشركة في الثمن بالنسبة إلى كلّ واحد من المالين بحسب الماليّة ، أو الحكم بضمان بدل الحيلولة.

أقول : يمكن دعوى جريان مناط الشركة فيما لو كانا ـ أي المالان ـ من جنس واحد هنا أيضا ، لأنّ المفروض بقاء المالين وعدم إمكان تجزئتهما وبقاء الاسم وصحّة إطلاق اسم كلّ من المالين عليهما ، مع عدم إمكان التجزئة في الخارج لا يضرّ بالدعوى ، إلّا أن يقال : إنّ الشركة الحقيقيّة خلاف الأصل ، والدليل الدالّ عليها ـ وهو الإجماع ـ إنّما يكون فيما لو اتّحد الخليطان جنسا ، وأمّا في المقام فهو مفقود ، فتدبّر!

وإن لم يكن بعد الخلط متميّزا أصلا ، فحينئذ تارة تكون العين المغصوبة بالنسبة إلى عين الغاصب بمقدار من القلّة بحيث لا يرى العرف بعد الخلط لها بقاء لا مادّة ولا صورة ، بل يراها معدوما ومستهلكا ، كما إذا خلط مقدارا قليلا من الشيرج بمقدار كثير من الزيت كانت نسبته إلى الزيت نسبة المثقال إلى الأمنان ، ففي مثله لا إشكال في أنّه ملحق بالتلف عرفا فلا مقتضي للشركة ، فالغاصب ضامن للمثل أو القيمة.

واخرى كانت العين المغصوبة بحيث كان الخلط موجبا لاستهلاكها بحسب الصورة لا المادّة وانقلابها إلى صورة ما خلط به ، ولكن كانت مادّته باقية في نظر العرف بحسب الكمّ ، كما إذا خلط منّا من الشيرج بمقدار من السمن ، بحيث يصدق على المجموع أنّه سمن ولكنّه زاد مقداره منّا بخلط الشيرج ففي

٦٦٨

مثله ظاهر كلماتهم أيضا إلحاقه بالتلف للاستهلاك (١).

ولكن فيه : إنّه بعد بقاء المادّة عرفا يكون من قبيل اكتساب العين المغصوبة لون المخلوط به ، ومن باب انقلاب الصورة بصورة اخرى ، ولا إشكال أنّ المالية وكذا الملكيّة إنّما هما قائمان بنفس المادّة مع أنّ الحكم بكون مجموع العين للغاصب الّذي لازم ذلك الإلزام بعدم تغيّر عين ماله ترجيح بلا مرجّح ، إلّا أن يقال بأنّ الغرض عدم انقلاب ماله ، وإنّما حصل بالاختلاط تغيّر وصفه ، بحيث يقال له : دهن فيه شي‌ء من الشيرج ، بخلاف مال المغصوب منه.

فعلى ذلك ، لا وجه للحكم بالتلف ، بل حكمه حكم ما لو خلط أحد الجنسين بالآخر ، مع كون أحدهما جيّدا زال عنه وصف الجودة ، لا بدّ من القول بالشركة الحقيقيّة في العين ، مع ضمان أرش النقصان للمالك لو حدث نقصان بالخلط.

وثالثة : كان الاختلاط موجبا لزوال عنوان الخليط والمخلوط به وحدوث العنوان الثالث ، فحكمه حكم الفرض المتقدّم من حصول الشركة العينيّة ، لو كان العرف مساعدا لبقاء المادّة مع أرش النقصان لو كان نقص في الماليّة ، وأمّا مع مساعدتهم في ذلك فقد عرفت أنّه ملحق بالتلف ، فتأمّل جيّدا!

[قال في «الشرائع»] : ([لا خلاف في أنّ] فوائد المغصوب مضمونة بالغصب ، وهي مملوكة للمغصوب منه ، وإن كان قد تجدّدت في يد الغاصب [أعيانا كانت] (٢) كاللبن والشعر) .. إلى أن قال : وكذا الكلام في منفعة كلّ ماله

__________________

(١) جواهر الكلام : ٣٧ / ١٦٥.

(٢) أثبتناها من المصدر.

٦٦٩

اجرة في العادة) (١).

وتفصيل الكلام في ذلك : أنّ فوائد المغصوب ، إمّا أن تكون من قبيل نماءاته المتّصلة أو المنفصلة ممّا لها عينيّة في الخارج كاللبن والشعر وأمثالهما ، فلا إشكال في أنّها لمّا تقع تحت اليد استقلالا فيوجب ضمانها ، سواء تلفت بآفة سماويّة أو اتلفت.

وإمّا أن لا يكون من قبيل النماءات بل كانت من قبيل المنافع ، فتارة ؛ لا يكون ممّا لها اجرة عادة ، بمعنى أنّه ليس لها ماليّة بحسب العادة بحيث يبذل بإزائها المال ، فلا ضمان فيها ، سواء كان تلفها بيده بغير الاستيفاء ، أو بالاستيفاء ، لأنّ المعتبر في الضمان كون ما في اليد أو التالف مالا.

واخرى ؛ كانت لها الماليّة عرفا لاعتبار الاجرة لها عادة ، كسكنى الدار وركوب الدابّة ، فإن استوفاها الغاصب بالمباشرة أو التسبيب فلا إشكال أيضا في ضمانها ، لأنّه يصدق بالاستيفاء في حقّه أخذه تلك المنافع ، فتكون المنافع ممّا يصدق تعلّق اليد بها مستقلّا أيضا ، ولا يحتاج في صدق اليد عليها اعتبار تبعيّتها للعين ، بأن يقال : إنّ اليد على العين يد عليها تبعا ، كما لا يخفى.

وإن تلفت المنافع في يده من دون استيفائها ، ففيه الأقوال المتعدّدة ، والأقوى ضمانها ، لأنّ غاية ما يمكن أن يقال في وجه عدم الضمان : هو أنّ اليد الموجبة للضمان عبارة عمّا تعلّق بالمال الموجود ، فلو تلف مال تعلّق به اليد العادية كانت اليد موجبة لكون ضمانه على ذي اليد ، والمنافع الغير المستوفاة ليست ممّا تعلّقت بها يد ، ولا تلف بعد ما تعلّقت به اليد ، بل اليد ما تعلّقت على

__________________

(١) شرائع الإسلام : ٣ / ٢٤٤ ، مع اختلاف يسير.

٦٧٠

العين ، غاية الأمر تعلّقها عليها كان ملازما مع عدم تحقّق المنافع ، أو كان مانعا عن حدوثها ، فما تحقّقت المنافع حتّى يصدق بأنّها ممّا تعلّق بها اليد.

وأنت خبير بأنّ نفس المنافع وإن لم تكن من الامور الموجودة القابلة لوقوعها تحت اليد من دون استيفائها ، ولكن لمّا كانت العين ممّا لها قابليّة الانتفاع بها لتلك المنافع ، وكانت نفس القابليّة الّتي هي بمنزلة المقتضي لوجودها في طرفها ، فالعرف يرى ويعتبر بمجرّد ذلك لها ماليّة فعليّة ، بحيث يعتبر عندهم كون نفس اليد على العين يدا على تلك المنافع بالبيع ، كما لا يخفى.

ولذا كان مالك العين مالكا لها ـ أي للمنافع ـ إلى الأبد بالفعل ، فله تمليكها للغير ، ويصير الغير مالكا لها بالفعل ، فلا مانع من أن تكون اليد على العين يدا على المنافع ، ولذلك يكون الغاصب ضامنا لها أيضا وإن لم يستوفها ، وهذا (١) ممّا لا إشكال فيه.

إنّما الإشكال فيما إذا تعدّدت المنافع ، وبسط الكلام فيه : هو أنّ العين إذا كانت ممّا لها منافع متعدّدة ، فإمّا أن تكون ممّا يمكن الجمع بينها في استيفائها ، وإمّا أن لا تكون كذلك ، بل بينها التضادّ.

والأوّل : كما إذا كان للعبد صنعتان يمكن اجتماعهما كالحراسة والكتابة ، والثاني : كما إذا كان له الكتابة والحياكة ، وكالمشي مع الدابّة والركوب على الدابّة ، أو حمل المتاع معها.

__________________

(١) والظاهر ؛ أنّ الخلاف وتعدّد الأقوال إنّما هو فيما إذا لم تكن اليد المستقرّة على العين يدا عادية ، كما في المبيع بالبيع الفاسد ، وأمّا في باب الغصب فهو ـ أي الضمان ـ اتّفاقي ، كما يظهر من بعض كلمات شيخنا قدس‌سره ، فراجع وتأمّل! «منه رحمه‌الله» (المكاسب : ٣ / ٢٧١).

٦٧١

أمّا إذا كان من قبيل الأوّل ؛ فمقتضى القاعدة ضمان الجميع ، سواء استوفاها بأجمعها أو بعضها أو لم يستوف شيئا منها ، لما تقدّم من كون المنافع مملوكة للمالك تبعا للعين ، واليد على العين يد عليها.

وأمّا إذا كان من قبيل الثاني ففيه أقوال مختلفة ، أحدها : أنّه ضامن لكلّ واحد منها ؛ لكون كلّ واحد منها ملكا لمالك العين ومالا له بتبعيّة العين ، غاية الأمر أنّه ليس للمالك القدرة والسلطنة على استيفاء كلّ واحد منها على نحو الإطلاق ، بل له السلطنة بالنسبة إلى كلّ واحد منها على نحو التعليق ، بمعنى أنّ له السلطنة على استيفاء كلّ واحد في طرف عدم الآخر ، وهذا المقدار من السلطنة يكفي لاعتبار الماليّة والملكيّة بالنسبة إلى الشي‌ء ، ولم يثبت من العقلاء في اعتبار الملكيّة ثبوت السلطنة المطلقة على الشي‌ء ، بحيث يكون اللازم فيها السلطنة على كلّ واحد من المنافع فيه في ما نحن فيه على الإطلاق.

وفيه : أنّه بعد كون المفروض التضادّ بين المنافع ، بحيث لا يمكن الجمع بينها ، فليس للمالك إلّا سلطنة مطلقة بالنسبة إلى واحد منها على البدل ، وأمّا بالنسبة إلى الأزيد من الواحد فليس له السلطنة أصلا ، فإذا لم تكن له سلطنة بالنسبة إلى الأزيد من الواحد فلا يبقى المجال لاعتبار الماليّة والملكيّة إلّا بالنسبة إلى واحد منها على البدل.

وبالجملة ؛ السلطنة الناقصة لا تصير منشأ لاعتبار الملكيّة ، بل لا بدّ فيها ، وكذا اعتبار الماليّة السلطنة المطلقة التامّة ، كما لا يخفى ، وإلّا فيلزم أن يكون مالك العين الواحدة صاحب أموال كثيرة عديدة بالنسبة إلى منافعها ، ومن المعلوم عدم مساعدة العرف في ذلك ، ومن ذلك ظهر دليل القول الثاني ، وهو أنّه

٦٧٢

ضامن لأحد المنافع دون الجميع.

ثمّ القائلون بهذا القول اختلفوا في تعيين ما هو المضمون من أحد المنافع ، فقيل : إنّه ضامن للأعلى من تلك المنافع ، سواء استوفاها أو استوفى الأدون ، أو لم يستوف شيئا منها (١).

وقيل : إن استوفى شيئا منها فهو ضامن لما استوفى ، وإن لم يستوف أصلا فهو ضامن للقدر المتيقّن ، وهو الأدون (٢).

وقيل : إن استوفى الأعلى فهو ضامن للأعلى ، وإلّا هو ضامن للمتوسّط ، سواء استوفى الأدون أو المتوسّط أو لم يستوف شيئا (٣).

وقيل : إن استوفى الأعلى فهو ضامن له وإلّا فهو ضامن لاجرة المثل الثابت للعين المغصوبة في نظر العرف من دون ملاحظة منفعة خاصّة فيها (٤).

وأوّل الأقوال أحقّها ، وذلك ، لأنّ الفرض أنّ للعين الّتي تعلّقت اليد بها قابليّة المنفعة المخصوصة أي المنفعة الأعلى ، وقد تقدّم أنّ اليد على العين يد على منافعها الّتي كانت قابليّة العين لها متحقّقة حين اليد ، فضمان الغاصب لخصوص المنفعة الأعلى من جهة اليد لا معارض له أصلا ، بخلاف غيرها من سائر المنافع لمعارضة المنفعة الأعلى لها.

هذا لو لم يستوف شيئا من المنافع ، وأمّا لو استوفى فلا يضمن إلّا ما استوفاها ، ولو كان الأدون لا يضمن غيره ، لأنّه بالاستيفاء تعلّقت يده بالمنفعة

__________________

(١) انظر! قواعد الأحكام : ١ / ٢٠٥ ، مسالك الإفهام : ١٢ / ٢١٨.

(٢) انظر! جامع المقاصد : ٦ / ٣٢٥.

(٣) انظر! جواهر الكلام : ٣٧ / ١٦٨.

(٤) انظر! الدروس الشرعيّة : ٣ / ١١١ ـ ١١٣.

٦٧٣

المستوفاة فصارت ملكا للمالك ، ولا ريب أنّه مع صيرورة بعض المنافع ملكا له لا يبقى الباقي بعد تحت قابليّة المملوكيّة.

وبعبارة اخرى : إنّ الالتزام بضمان الأعلى في الأوّل إنّما كان لأنّ المالك لمّا يكون مالكا للقدر الجامع من المنافع الّذي ينطبق ذلك بأوّل الوجودات ، ويسقط الباقي عن القابليّة ، فما دام لم يتحقّق ذاك الجامع في الخارج في ضمن أحد المصاديق فللمالك اختيار أيّ فرد منها ، أي اختيار الجامع الّذي كان منشأ اعتباره تملّك المالك إحدى المنافع على البدل في ضمن أيّ فرد من الأبدال ، وأمّا في هذه الصورة ـ وهي عند استيفاء إحدى المنافع ـ فذاك الجامع الّذي كان مملوكا للمالك ؛ والغاصب أيضا ضامن له فقد انطبق على ما أوجده الغاصب في ضمن الفرد ، فيصير الجامع المقيّد بتلك الخصوصيّة ممّا تعلّقت اليد به ، لأنّ بالاستيفاء كانت نفس المستوفى ممّا يجي‌ء تحت اليد فيصير هو المأخوذ دون غيره ، فلا يبقى محلّ لاختيار المالك حتّى يختار الجامع في ضمن غير الفرد المستوفاة.

فالحاصل ؛ أنّه إذا كانت منافع المغصوب متعدّدة ومختلفة في المراتب ، مثل أن يكون العبد صانعا وحمّالا وكاتبا ، ولم يمكن اجتماعها في الوجود والاستيفاء ، فإن لم يستوف الغاصب شيئا منها ، فمقتضى القاعدة ضمانه المنفعة الأعلى ، أي الاختيار يكون بيد المالك ، فلو اختاره يجب عليه ردّ اجرة تلك المنفعة ، وإلّا فإن استوفى شيئا منها فهو ضامن للمستوفى ، سواء كان الأعلى أو المتوسّط أو الأدون.

أقول : بعد تسليم كون المالك سلطانا على المنافع بأجمعها ـ أي بجامعها

٦٧٤

القابل للانطباق على كلّ واحد من الأفراد الّتي منها الأعلى ـ فالقول بتبدّل الحكم ـ أي الضمان للمنفعة الأعلى إلى المستوفاة عند الاستيفاء ـ مشكل ، وذلك لأنّ مرجع هذا القول إنّما يكون بجعل الاختيار بيد الغاصب ، مع أنّه مناف لسلطنة المالك ، إذ كما أنّ له عند عدم غصب ماله وكونه تحت يده إعمال جهة سلطنة في أيّ مرتبة من مراتب المنفعة الّتي منها الأعلى ، فكذلك عند منعه الغير عن سلطنته ووضع اليد على ماله.

مع أنّ بالوضع يجي‌ء جميع مراتب العين ـ أي بما لها من المنافع ـ تحت اليد وللمالك أيضا سلطان على العين بجميع شئونها ، له أن يختار كلّ واحدة من تلك المراتب ويعيّنها بمرتبتها الخاصّة في أيّ واحدة منها شاء.

واختيار الغاصب ذاك الجامع في مرتبة خاصّة لا موجب لحجر المالك عن سلطنته وإلزامه تعيين الجامع في ما اختاره الغاصب ، وبأيّ دليل نلتزم بأنّ اختيار الغاصب الجامع في ضمن الفرد المتوسّط أو الأدون موجب لسقوط حقّ المالك عن الفرد الأعلى.

ولعلّه لمثل هذه الشبهات مال ـ دام ظلّه ـ أخيرا إلى ما التزمه صاحب «الجواهر» قدس‌سره في المقام من القول بمثله (١) ـ أي فيما كانت المنافع مختلفة المراتب ـ بضمان اجرة المثل للعين المغصوبة ؛ لأنّ ملاحظة خصوصيّة المنفعة وعدم مراعاة الاجرة الكليّة يوجب طلوع الأقوال المذكورة الّتي قد عرفت أنّ ترجيح بعضها على بعض مشكل جدّا.

فالأقوى ؛ هو ما ذهب إليه قدس‌سره في «الجواهر» من اعتبار اجرة المثل في

__________________

(١) جواهر الكلام : ٣٧ / ١٦٨.

٦٧٥

ضمان ما إذا كانت العين المغصوبة ذات منافع مختلفة (١) مع أنّ العرف واعتبار العقلاء مساعد معه ، إذ لا يعتبرون في مثل العبد الّذي يكون ذا أعمال مختلفة الّتي تختلف بها مراتب المنفعة إلّا اجرة مثله الجامع بين خصوصيّات المنافع ، كما لا يخفى.

نعم ؛ لو استوفى الغاصب خصوص المنفعة الأعلى فيضمنه ، لأنّ المستوفى بعينه مال للمالك ، فلمّا وقع تحت اليد يصدق عليه الأخذ فيجب ردّه.

فرعان

ثمّ إنّه يتفرّع على هذه المسألة فرعان :

الأوّل ؛ في «الشرائع» : (إذا غصب حبّا فزرعه ، أو بيضا فاستفرخه ، قيل :

الزرع والفرخ للغاصب (٢) ، وقيل : للمغصوب منه (٣) ، وهو أشبه) (٤).

أمّا الأوّل ؛ فقد تمسّك بأنّ العين المغصوبة قد تلفت ، فلا يلزم الغاصب سوى قيمتها أو مثلها.

وفيه : إنّ الملكيّة والماليّة لو كانت قائمة بالأشياء بما لها من الصور الشخصيّة ، كما يكون كذلك بالنسبة إلى أحكام الطهارة والنجاسة ، فالدليل المذكور تامّ ، لعدم بقاء الحبّ والبيض بصورتهما الشخصيّة الأوّليّة بعد صيرورتهما زرعا وفرخا ، ولكن ليس الأمر كذلك بل مسألة الملكيّة بالنسبة إلى الأعيان الخارجيّة سارية فيها بما لها من المادّة ولو مع تبدّل صورتها الشخصيّة ،

__________________

(١) جواهر الكلام : ٣٧ / ١٦٨.

(٢) المبسوط : ٣ / ١٠٥.

(٣) السرائر : ٢ / ٤٨٢.

(٤) شرائع الإسلام : ٣ / ٢٤٧.

٦٧٦

وخلع المادّة عن صورة إلى صورة اخرى.

وتوضيح ذلك موقوف على بيان أمر ، وهو : أنّه لا خفاء في أنّ أنواع التغييرات في موضوعات الأحكام مختلفة ، فإنّه قد يتبدّل الشي‌ء بمادّته وصورته بحيث لا يرى العرف الجسم بمادّتها الأوّليّة ولا صورتها موجودة ، كالكلب الواقع في المملحة المتبدّل بالملح ، وكذلك العذرة المتبدّلة بالتراب أو الدود على احتمال ، فإنّ العرف يأبى أن يقول بكونهما الآن هو الجسم الأوّلي ، بل يراهما ذاتا متغيّرا ، كما لا يخفى.

وقد يتبدّل الشي‌ء بصورته لا بمادّته ، بحيث يرى العرف المادّة هي المادّة الأوّليّة ، ولا يبعد أن يكون الحبّ المتبدّل بالزرع كذلك ، فإنّ المادّة في حال الزرع بعينها هي الكائنة في حال الحبّ ، والعرف لا يرى في مثله إلّا انقلاب صورة ، وليس المادّة الأوّليّة صورة اخرى.

وقد يكون التبدّل ، تبدّل الوصف والعرض فقط دون انقلاب الصورة والمادّة ، مثل الماء المتغيّر إذا زال تغيّره فإنّ المادّة والصورة على ما عليها قبل زوال التغيّر باقية بعده أيضا ، فإنّما المنقلب هو الوصف الخارجي ، وكذلك الحال الزبيبي والعنبي لا يبعد أن يكون مثل ذلك.

ثمّ إنّ الأحكام الشرعيّة الثابتة للموضوعات ـ لا يخفى أيضا ـ تكون على أنحاء ، وذلك لأنّه قد يكون الحكم ثابتا للشي‌ء بصورته الخاصّة ، بحيث لو ارتفعت الصورة لم يبق الحكم ، مثل أحكام النجاسة والطهارة الثابتة للأشياء بصورتها الخاصّة مثل الإنسانيّة ، فإنّ الطهارة الثابتة للإنسان تزول بالموت ، وليس ذلك إلّا لتبدّل صورته ولو كانت المادّة باقية ، فتأمّل! وكذلك نجاسة

٦٧٧

الكلب فإنّها ثابتة له ما دامت هذه الصورة له باقية ، وأمّا بعد تبدّله بصورة الملحيّة فيصير حكم تلك المادّة ـ أي الكلب إن قلنا ببقاء مادّته بعد صيرورته كذلك ـ حكم الملح.

وقد يكون الحكم ثابتا للمادّة مع قطع النظر عن لحاظ الصورة مثل حكم الملكيّة ، وكذلك السلطنة فإنّها ثابتة للعين الخارجيّة بذاتها ، بحيث لا ملازمة بين انقلاب الصورة وارتفاع الحكم.

وقد يكون الحكم ثابتا للمادّة ـ أي ذات الشي‌ء ـ مع لحاظ صورته ، كالنجاسة الثابتة للمتنجّسات مثل الدهن النجس أو الماء المتغيّر بالنجاسة ، فإنّهما لو تبدّلت صورتهما ، كما إذا صارا دخانا أو بخارا ، فالقاعدة الأوّليّة تقتضي ارتفاع حكمهما ، بخلاف ما إذا تبدّل وصف التغيّر ـ مثلا ـ فإنّه لمّا كان الظاهر كونه واسطة لعروض النجاسة لا لثبوته ، بمعنى أنّ المستفاد من الدليل حدوث الحكم لذات الماء في حال التغيّر لا للماء المتغيّر ، بحيث يكون التغيّر جزءا للموضوع فيزول الحكم بزواله ، هذا حال الموضوعات وأنحاء تبدّلاتها وأقسام الحكم.

إذا عرفت ذلك فظهر لك ما تمسّك في المقام صاحب «الجواهر» قدس‌سره بالاستصحاب لإثبات كون الحبّ بعد صيرورته زرعا أو البيض فرخا باقيا على ملك صاحبه أي المغصوب منه ، يكون في محلّه (١).

ولا مجال لتوهّم عدم جريان الاستصحاب بزعم تبدّل الموضوع ، إذ قد عرفت أنّ السلطنة والملكيّة هي من الأحكام الّتي تكون لذات الشي‌ء أي مادّته

__________________

(١) جواهر الكلام : ٣٧ / ١٩٩.

٦٧٨

بحيث لا يصير فيهما خلع المادّة من الصورة الأوّليّة ولبس صورة اخرى ، بمعنى أنّ مادّة الشي‌ء ما دامت باقية فلا يرى العرف تغييرا في موضوع الملكيّة ، ولذا فلو عرض شكّ في خروج الموضوع عن ملك صاحبه الأوّل مع انقلاب صورته ، يصحّ التمسّك بالاستصحاب وإثبات الحكم الأوّلي له من إبقائه على ملك صاحب المادّة ما لم ينتقل بأحد الأسباب الشرعيّة عن ملكه ، وإلّا فالتغيّر لا يوجب خروج الملك عن سلطنة صاحبه.

وإذا ثبت كون الملكيّة من عوارض ذات الشي‌ء ومادّته فانقدح أنّ كلّ ما يزداد على المادّة الأوّليّة بتغيّرها يكون من تبعات تلك المادّة ويحسب عند العرف من نماءاتها ، فهي أيضا مملوكة لصاحب المادّة لحدوثها في ملكه بحيث تعدّ النماءات من مراتب نفس المادّة.

نعم ؛ قد يقال بأنّه كما يكون للمادّة مدخليّة في وجود النماءات وحدوث الترقّيات لأصل الحبّ ، بأن يصير شجرا أو فواكه ، وغير ذلك ممّا يكون كمال الفرق بين الأصل وتوابعه من حيث الصغر والكبر وأنحاء الانتفاع ، كذلك يكون لعمل الغاصب وما يصرف لتنمية الأصل من الماء والتراب وغيره لها مدخليّته في وجود النماءات ، فتكون عين مال الغاصب في النماءات أيضا موجودة بحيث تكون مرتبة منها له ، فتكون نتيجة ذلك كون الغاصب والمغصوب منه شريكين في النماءات لا أن تكون مختصّة بالمغصوب منه.

ولكنّك خبير بأنّ هذا توهّم باطل ؛ إذ يردّه ـ مضافا إلى أنّ العرف لا يرى النماء إلّا من توابع الأصل وإلّا فسائر المعدّات مثل الماء وغيره يكون بالنسبة إليه

٦٧٩

كالعدم (١) ـ أنّ الحديث المعروف من أنّه «ليس لعرق ظالم حقّ» (٢) الّذي قد تلقّاه الأصحاب بالقبول يرفع احترام عمله ، وكذلك ماله الّذي صرف لتربية الأصل وترقّياته كما لا يخفى.

مع أنّه قد بيّنا سابقا أنّ كلّ ما يعمل في المغصوب من الصنعة وغيرها يصير ملكا للمغصوب منه ، ولا يجوز للغاصب التصرّف في العين بإزالتها أو نحوه بعد ذلك أبدا ، حتّى لو تصرّف وأزال الصفة الّتي زادت في العين عنده يصير ضامنا له أيضا.

ثمّ إنّه قد يستشكل في مثل البيض الّذي يجعل لأن يصير فرخا ؛ من أنّه لا مجال لاستصحاب الملكيّة فيه ، لأنّه قبل أن يصير فرخا يصير دما وعلقة فيخرج بذلك عن قابليّة التملّك لعدم كون الأعيان النجسة قابلة للملكيّة فيصير حال البيض حال العصير الّذي صار خلًّا بعد صيرورته خمرا قبل الخليّة الموجب ذلك لخروج الموضوع عن تحت السلطنة ، فمقتضى القاعدة استصحاب بقاء عدم الملكيّة فيهما أي في البيض بعد ما صار فرخا ، وكذلك الخلّ بعد صيرورته خمرا.

ولكنّه مدفوع ؛ بأنّه بعد منع العموم أو الإطلاق لأدلّة المحرّمات والأعيان

__________________

(١) هذا ما أدّى إليه بداية النظر ولكنّه ليس بتامّ ، إذ ليس معنى الحديث سلب الاحترام عن عين مال الغاصب ، بل المراد نفي الحقّ لإبقاء ماله في ملك الغير.

وبالجملة ؛ فالاستدلال به لعدم احترام عمله تامّ ، وبالنسبة إلى غيره فلا مجال للاستدلال ، فالتحقيق في الجواب هو الجواب الأوّل من عدم استناد النماء عرفا إلّا إلى الأصل لا إلى الماء ونحوه من المعدّات ، فتدبّر! «منه رحمه‌الله».

(٢) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٥٧ الحديث ٢٤٣٦٣ و ٢٥ / ٣٨٨ الحديث ٣٢١٩٤.

٦٨٠