الرسائل الفقهيّة

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

الرسائل الفقهيّة

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-93094-1-1
الصفحات: ٧٠٨

نجاسة الدم

يقع البحث فيه من جهات :

الاولى ـ وهي عمدتها ـ إثبات النجاسة مطلقا ، بحيث يكون الأصل فيه ذلك حتّى يرجع إليه في موارد الشكّ ، والحقّ أنّه ليس لنا دليل عليه ، إذ الأخبار الواردة فيه ليست إلّا ما تشتمل على السؤال والجواب في الموارد الخاصّة ، والإطلاق فيها وارد مورد حكم آخر ، إلّا أن يدّعى الإطلاق المقاميّ ، وأنّ العرف يفهم منها ذلك ، وأنّ مناط النجاسة ليس إلّا طبيعة الدم من أيّ شي‌ء وفي أيّ محلّ ، وإثبات ذلك في غاية الإشكال.

ثانيها ؛ في الدّم المستثنى ، وهو دم غير ذي النفس ، والظاهر أنّه لا كلام في طهارته ، وإنّما البحث في الدليل عليها ، فإنّ مثل ما ورد في دم ميتة ذي النفس (١) واعتبر في الموثّقة ماله نفس (٢) ، لم يرد هنا ، ولذلك تشبّث كلّ إلى وجه بعد كون الحكم قطعيّا.

والّذي توجّه إليه نظري القاصر هو أنّ في جملة أخبار المستثنيات من الميتة قال عليه‌السلام : «إنّه لا دم له» (٣) مع أنا نرى حسّا أنّ لها دم في الجملة ، فيستفاد

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٥٢٧ الباب ٨٢ من أبواب النجاسات.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٥٢٧ الحديث ٤٣٦٨.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٦٣ الحديث ٤١٨٣ ، مع اختلاف يسير ، مستدرك الوسائل : ٢ / ٥٨٠ الحديث ٢٧٨٥.

٦١

من ذلك أنّ المراد نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، فيصير ذلك حاكما على أدلّة نجاسة الدم ، فتأمّل. مع أنّ الأمر بعد إنكار العموم والإطلاق في الدم سهل.

الجهة الثالثة ؛ في حكم الدم وغيره من النجاسات في البواطن ، وهذا من أهمّ مباحث النجاسات (١).

ومجمل القول فيه حيثما تقتضيه القواعد هو الالتزام بالطهارة على أحد الوجهين : إمّا أن يبنى على نجاسة الدم مطلقا ، بأن نقول : وإن كان أصل الحكم مصطادا من الموارد الجزئيّة والمواقع الخاصّة ، إلّا أنه ليس شأن حكم الدم إلّا كسائر الأحكام الشرعيّة الكليّة من الموارد الخاصّة ، فإنّ العرف إذا قيل له : دم البقر مثلا نجس لا يفرّق بينه وبين دم الغنم وسائر الحيوانات ، وكذلك لا يفرّق بين محالّه من الظاهر والباطن ، كما إذا قيل : هذا الخمر حرام ، فأينما كانت يفهم منه الحرمة مطلقا وإن كان المشار إليه إناء مخصوصا.

فعلى هذا لا يبقى مجال للتشكيك من حيث إطلاق نجاسة الدم والبول ونحوه في البواطن ، إلّا أنّه لمّا كان شرط تأثير النجس قابليّة المحلّ للتنجّس ، فكلّ ما يشكّ فيها فلمّا لا أصل ولا دليل [في المقام] يثبت القابليّة ، فقاعدة الطهارة محكمة (٢).

فعلى هذا نفس البواطن لا ينبغي الحكم بنجاستها ، كباطن الفم والأنف وغيرهما إذا خرج منهما الدم ؛ لإمكان أن يكون البواطن كالأجسام الصقيلة

__________________

(١) واختلف الأصحاب فيها جدّا ، وأفتى كلّ بفتوى مخصوصة. فراجع ، «منه رحمه‌الله».

(٢) ولا يلزم منه تقييد في إطلاق نجاسة الدم ، كما إذا قيل : الكرّ لا ينفعل ، لا يوجب التخصيص في عموم النجاسات ؛ لأنّ الكرّ غير قابل للانفعال ، «منه رحمه‌الله».

٦٢

كالزئبق الغير القابلة للتنجّس ، وقد عرفت ، بل الشكّ يكفي للحكم بطهارتها.

نعم ؛ إذا ادخل شي‌ء من الخارج ولاقى الدم أو البول ينجس بمقتضى ما بيّنا وإن لم يكن عليه في الخارج أثر النجاسة ، هذا حاصل ما حقّقه صاحب «الحدائق» على ما نقل (١).

والوجه الثاني ؛ هو أن يقال : إنّ حكم الدم استفيد عن الموارد الّتي وقع في السؤال والجواب إصابة الثوب أو البدن ونحوهما الدم ، وغاية ما تدلّ عليه مجموع هذه الأسئلة والأجوبة أنّ ملاقاة أمثال ما ذكر الدم توجب نجاسة الملاقى ، فلا بدّ أن يكون هنا ملاقى ـ بالفتح ـ وملاق ـ بالكسر ـ ولا خفاء أنّ الدم وكذلك البول ما داما في الباطن لا يصدق عليهما هذا المفهوم ، فلا يثبت الحكم حينئذ.

والحاصل ؛ أنّ الظاهر عدم وجود دليل يستكشف منه نجاسة صرف وجود الدم ، بل الدليل على خلافه ، كما في أخبار الرعاف وغيره قال عليه‌السلام : «إنّما عليك أن تغسل الظاهر دون الباطن» (٢).

فعلى هذا ؛ لقد أحسن وأجاد من أفتى بعدم النجاسة في البواطن ؛ فبنى على طهارة النوى الخارج ، وكذلك زجاج الحقنة إذا خرجا نقيّا وإن علم بملاقاتهما البول والعذرة ، وكذلك طهارة الإبرة ونحوها إذا ادخلت في البدن وخرجت نقيّة (٣) ، بخلاف الوجه السابق ، فعليه التزم بالنجاسة في هذا الفرع.

وبالجملة ؛ على الوجه السابق لا بدّ من التفصيل بخلاف الّذي قرّرنا ، حيث

__________________

(١) الحدائق الناضرة : ٥ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٨ الحديث ٤٠٩٨ و ٤٠٩٩.

(٣) العروة الوثقى : ١ / ٥٦ المسألة ١ ، و ٦٥ المسألة ١٢.

٦٣

إنّ القاعدة هي الطهارة كليّة ما لم يلاق شيئا [من] الدم وغيره في الخارج.

نعم ؛ في بعض الموارد تكون الشبهة مصداقيّة ، كما في باطن الفم أو القسمة الداخليّة المقدّمة من الأنف ، حيث اختلفت الفتوى فيها أيضا ، ولكن على كلا التقريبين (١) مقتضى القاعدة فيهما أيضا الطهارة ، وهكذا إذا ادخل نجاسة من الخارج إلى الداخل ، فإذا زالت عينها فالباطن باق على طهارته وإن ورد إدخال الماء في الفم فهو لإخراج عين النجاسة لا للتطهير ، فافهم!

__________________

(١) وإمّا من جهة الشكّ في القابليّة ، أو التشكيك في الإطلاق ، «منه رحمه‌الله».

٦٤

حكم العصير العنبي

الإشكال في باب العصير العنبي من حيث النجاسة من جهات :

الاولى : من جهة الكبرى ، أي أصل النجاسة ، وأنّها من مصاديق الخمر أم هو أمر آخر في عرضها ، والشارع حرّمها وحكم بنجاستها تعبّدا؟ على خلاف.

الثانية : من جهة الصغرى ؛ من حيث إنّ العصير بمجرّد الغليان والنشيش وإن لم يثخن يحرم وينجس ، أو يعتبر فيها الثخونة ، بل الاشتداد؟

ثمّ إنّه هل النجاسة مترتّبة على الغليان مطلقا ، سواء كان بنفسه أم بالنار ، أو يختصّ بالأوّل؟

ثمّ إنّه هنا جهة اخرى ، وهي إشكال أخبار الباب من حيث فقه بعضها ، واضطراب بعض آخر متنا وسندا.

أما الجهة الاولى (١) فالالتزام بكون العصير العنبيّ مطلقا من مصاديق الخمر تحكّم محض ، لا يساعد عليه اللغة ولا العرف ، فإنّ الخمر لها طريق معمول مرسوم مثل الخلّ ، لا ربط له بالعصير ، كما هو واضح.

نعم ؛ قد يتوهّم إلحاقه بها (٢) من جهة بعض الأخبار (٣) ، كما في خبر معاوية

__________________

(١) من جهات الصغرى ، «منه رحمه‌الله».

(٢) شرائع الإسلام : ١ / ٥٢ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٢٩٢ و ٢٩٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٩٢ الباب ٧ من أبواب الأشربة المحرّمة.

٦٥

ابن عمّار ، حيث قال عليه‌السلام في جواب سؤاله عن البختج قبل ذهاب ثلثيه : «إنّه خمر» (١).

ولكن ـ مع الغضّ عن اضطرابه متنا وأنّه ليس في نسخة «الكافي» (٢) هذه اللفظة ـ أنّه لا يستفاد منها إلّا التنزيل ، لا إلحاقه بالخمر موضوعا من باب الإخبار عن أمر واقعيّ خارجيّ أو من باب التعبّد.

وبالجملة ؛ لا إشكال في أنّ العصير ليس خمرا مطلقا وإن كان قد تتصادق عليه ، كما نشير إليه ، ولذلك عقدوا له بابا خاصّا قديما وحديثا ، كما أنّ له عنوانا على حدة في الأخبار (٣).

وأمّا الجهة الثانية ؛ لا إشكال في أنّ العصير قد يطبخ حتّى يجعل دبسا وربّا فيغلى بالنار ، وهذا هو الّذي وقع سؤالا وجوابا في الأخبار ، وقد حكم فيها بالحرمة قبل ذهاب ثلثيه (٤) ، وليس في هذه الأخبار دلالة بل إشعار بالنجاسة.

وقسم (٥) من العصير يوضع حتّى يغلى بنفسه بحيث يحتمل أن يسكر ، فيصير مصداقا للخمر ، ولا ريب أنّه حينئذ يصير حراما ونجسا ، لأنّه إمّا خمر حقيقة ، وإمّا مائع مسكر ، ولكنّ الحكمين متوقّفان على العلم بالأمور المذكورة ، وإلّا فمع الشكّ استصحاب الحلّ والطهارة هو المرجع بلا كلام ، والاحتمال لا يؤثّر شيئا.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٩ / ١٤٣ الحديث ٥٢٦.

(٢) الكافي : ٦ / ٤٢١ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٩٣ الحديث ٣١٩٤٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٩٢ الباب ٧ من أبواب الأشربة المحرمة.

(٤) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٨٢ الباب ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة.

(٥) وهذا هو الّذي بنى عليه ابن حمزة رحمه‌الله كلامه وحكم بالحرمة والنجاسة (الوسيلة : ٣٦٥) ، وأفتى به بعض المعاصرين ، وقالوا بأنّ حلّيته وطهارته متوقّفة على التخليل ، بل كلمات القدماء طرّا يرجع إلى ذلك ، حسبما نقلها شيخ الشريعة قدس‌سره في رسالته ، «منه رحمه‌الله».

٦٦

نعم ؛ مع الغليان والنشيش وحصول صفة الإسكار يثبت الحكمان بلا احتياج إلى الاشتداد والثخونة ، كما يكون كذلك ـ يعني حكم الحرمة فقط ثابت ـ في القسم الأوّل أيضا بمجرّد الغليان بالنار وإن لم يحصل الاشتداد ، ولا يحلّ إلّا بعد التثليث ، فتدلّ عليه الأخبار المصرّحة المفصّلة بين ما إذا غلى العصير بالنار ، وبين ما إذا غلى بنفسه ، حيث جعلت غاية الحلّيّة في الاولى ذهاب الثلثين ؛ والثانية بأن تصير خلًّا ، كما تدلّ عليه كلمات الفقهاء ، وأمّا في الأخبار ، فالغاية غير مذكورة في الأخيرة.

وذلك كلّه لعدم الدليل على اعتبار ذلك الاشتداد (١) من الأخبار ، والّذي يدلّ عليه هو الغليان ، بأن يصير أسفله أعلاه (٢) وبالعكس (٣).

وعلى كلّ حال لا دليل على نجاسة العصير (٤) بأيّ قسم منه أصلا ، وأمّا دعوى الإجماع في المسألة ـ مع أنّها غير معنونة في كلمات القدماء أصلا ـ عجيبة ، وكذلك ادّعاء الشهرة ، فإنّ شهرة النجاسة ليست إلّا من المتأخّرين ، ومن المعلوم أنّها لا تكون دليلا ، ولذلك اشتهرت طهارة العصير بين متأخّري المتأخّرين.

والّذي يحتمل قويّا أنّ منشأ الحكم بالنجاسة هو فتوى الشيخ قدس‌سره الّذي هو مبدأ المتأخّرين ورئيسهم.

__________________

(١) بمعنى الغلظة ؛ نعم ؛ المراد به الثخونة والحدّة الّتي هي الإسكار معتبر ، كما يظهر ذلك بالتأمّل في الأخبار وكلمات الأعلام الأخيار ، وبالجملة فهذه الأوصاف الأربعة ، أعني الشدّة والنشيش والتغيّر والزبد ملازمة بينها وهي ملازمة للإسكار ، «منه رحمه‌الله».

(٢) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٨٧ الحديث ٣١٩٢٦.

(٣) كما أشار إليه بعض الأخبار ، «منه رحمه‌الله».

(٤) بعنوان العصير ، «منه رحمه‌الله».

٦٧

ومنشأ فتواه قدس‌سره قوله عليه‌السلام في رواية عمّار : «هو خمر» (١) بناء على روايته ، مع أنّ هذه اللفظة ليست في الحديث على رواية «الكافي» (٢) الّذي هو أضبط على المشهور.

مضافا إلى أنّه مع التسليم بكونه جزء الحديث من حيث الدلالة فيه جهات من البحث ؛ إذ لعلّه عليه‌السلام حكم بكون نوع خاصّ من العصير خمرا لا مطلقا ؛ لأنّ الراوي يسأل عن البختج الّذي قيل : هو معرّب «مى پخته» (٣) ، وغير ذلك من جهات الإشكال في الحديث الّذي [هو] حديث زيد النرسي ، حيث وقع فيه تصحيف عجيب ، وزيد فيه جملة تدلّ على إطلاق حكم النجاسة بالنسبة إلى ما إذا غلى العصير بنفسه أو بالنار.

مع أنّه ليس في أصل هذا الراوي الجليل ـ على ما ذكره المجلسي وغيره (٤) ـ أثر من الجملة المذكورة ، بل هو أيضا موافق لسائر الأخبار ، وذكر حكم العصير المطبوخ.

كما يشعر بذلك أيضا الأخبار المشتملة على قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلّ مسكر حرام» (٥) بحيث يستفاد منها الحصر كما يستشعر أيضا عن الأخبار الّتي مبتن حكمة التثليث في العصير المطبوخ بالنار بأنّه يحفظ ويمنع عن الفساد وحصول

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٩ / ١٤٣ الحديث ٥٢٦.

(٢) الكافي : ٦ / ٤٢١ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٩٣ الحديث ٣١٩٤٠.

(٣) لسان العرب : ٢ / ٢١١.

(٤) بحار الأنوار : ٧٩ / ١٧٧ الحديث ٨ ، مستدرك الوسائل : ٣٨ / ٢٠٦٧٦.

(٥) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٢٥ باب ١٥ من أبواب الأشربة المحرّمة.

٦٨

حالة الإسكار ، فيصير شرابا طيّبا وإن بقي سنة (١).

ويدفع ذلك كلّه إطلاقات الباب ، مثل قوله عليه‌السلام : «كلّ ما غلى بالنّار فقد حرم» (٢) بل عمومها ، بناء على عدم تقييدها وتخصيصها بما يستفاد من مجموع الأخبار المشار إليها المستفاد منها أنّ المناط هو حصول وصف الإسكار فعلا أو صيرورة العصير بعد الغليان مظنّة الفساد.

ويمكن الدعوى بأنّ الوصفين ـ أعني الغليان مطلقا (٣) والشدّة ـ ملازم لحصول وصف الإسكار والخمريّة ، كما ادّعاه العلّامة الطباطبائي (٤) ؛ فحينئذ يرتفع الخلاف ، ولكن الشأن إثباتها.

وبالجملة ؛ ما استظهرنا من كلمات جلّ الفقهاء من التفصيل بين ما إذا غلى بالنار ، أو بنفسه ، ففي الأوّل لا يحلّ حتّى يذهب ثلثاه ، وفي الثاني حليّته بصيرورته خلًّا هو الّذي يستفاد من أخبار الباب أيضا ، فإنّ من أمعن النظر إليها يرى أنّ كلّ ما كان الكلام فيها عن العصير المطبوخ فحليّته مغيّاة بالتثليث ، بخلاف ما كان الكلام عن العصير المغليّ بنفسه.

نعم ؛ في رواية زيد النرسيّ (٥) ما يستفاد منها التعميم ، ولكنّها محرّفة ـ على ما حقّقه شيخ الشريعة قدس‌سره ـ وإنّ النسخة الصحيحة منها توافق سائر الروايات.

وأمّا اعتبار أصله ورواياته فممّا لا إشكال فيه أصلا ، وقد تعرّض له

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٨٨ الباب ٥ و ٢٩٥ الباب ٨ من أبواب الأشربة المحرّمة.

(٢) مستدرك الوسائل : ١٧ / ٣٨ ذيل الحديث ٢٠٦٧٦ مع اختلاف.

(٣) بالنار أو بالنفس ، «منه رحمه‌الله».

(٤) رياض المسائل : ١ / ٤٨٧.

(٥) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٩١ الحديث ٣١٩٣٥.

٦٩

العلّامتان : الوحيد البهبهاني والطباطبائي ، وغيرهما من الأعاظم (١) رحمة الله عليهم وأنّ أصله منقول عن ابن أبي عمير الّذي هو من أصحاب الإجماع ، ولا يروي إلّا عن الثقة (٢).

فعلى كلّ حال من جهة الحجيّة والاعتبار لا مرية في أصل زيد النرسي ، وإنّما الكلام في متنه ودلالته ، وقد تبيّن أخيرا أنّه مصحّف على نقل متأخّري المتأخرين ، والصحيح المضبوط منه لا يخالف سائر الأخبار (٣).

__________________

(١) تعليقات على منهج المقال : ١٤٣ ، رجال بحر العلوم : ٢ / ٣٦٥ ـ ٣٧٨ ، ولاحظ! جامع الرواة : ١ / ٣٤٣.

(٢) الفهرست للشيخ الطوسي : ١٧٢ ، جامع الرواة : ١ / ٣٤٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٢٨٢ الباب ٢ من أبواب الأشربة المحرّمة.

٧٠

نجاسة الكافر

هذا المبحث أيضا من المشكلات ، قال بعضهم بنجاسته مطلقا ، مستدلّا بقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) (١) ووجهه واضح (٢).

واستشكل فيها من جهة الكبرى

أوّلا ؛ بأن المراد من «النجس» ليست النجاسة الاصطلاحيّة الشرعيّة ، لأنّها مستحدثة من عصر الأئمّة عليهم‌السلام إلى بعد ، وأمّا وقت نزول الآية فلم يكن المراد من «النجس» إلّا القذارة ، وهي المعنى اللغوي ، ولمّا لم يكن للكافر قذارة ظاهريّة حتّى ينطبق على اللغويّ فلا بدّ أن يحمل على النجاسة الحكميّة والقذارة الباطنيّة ، كما لم يرد لفظ «النجس» في الأخبار بالمعنى المصطلح أيضا.

قالوا : ويؤيّد ذلك ذيل الآية ؛ إذ لو كان المراد المعنى المصطلح فلا بدّ من تخصيص الحكم ، وهو عدم قرب الكافر وعدم دخولهم في المسجد الحرام بما إذا كانوا رطبا بمثل العرق وغيره حتّى لا يلوّث بهم المسجد الحرام ؛ إذ لا خلاف في أنّ كلّ يابس ذكيّ ، كما أنّ الحكم في مطلق النجاسات ذلك (٣).

__________________

(١) التوبة (٩) : ٢٨.

(٢) تذكرة الفقهاء : ١ / ٦٧.

(٣) الحدائق الناضرة : ٥ / ١٦٤ ، لاحظ! جواهر الكلام : ٦ / ٤٢.

٧١

وبالجملة ؛ لا سبيل إلى حمل النجس في الآية على المعنى المصطلح ، فلا محيص عن الحمل إلى القذارة المعنويّة وهي نجاسة الكفر.

هذا حاصل ما اورد على الآية.

وفيه ؛ أنّ هذا وارد إذا كان المراد من النجاسة الشرعيّة مفهوما مباينا لمعناها اللغويّ ، وأمّا إذا كان من مصاديق ذلك المعنى ، بأن كانت النجاسة الشرعيّة عين المفهوم اللغوي ، غايته أنّ الشرع تصرّف فيها ، بأن جعل لها حدودا خاصّة ووسّع دائرة المفهوم اللغويّ أو ضيّقه ، فحينئذ لا منافاة بين المعنى اللغويّ والشرعيّ حتّى لا يجوز الجمع بينهما إلّا بالقرينة والمئونة ، فالمراد بالنجس في الآية هو النجاسة الشرعيّة الّتي هي بين مصاديق القذارة اللغويّة.

وأمّا ذيل الآية والحكم بعدم جواز دخول الكافر المسجد أيضا لا ينافي هذا المعنى ، بل هو مخصوص بهذا الفرد من النجاسات للفرار وإن لم يكن ملوّثا ، ولا يلزم تخصيص الحكم بما إذا كان الكافر نجاسة مسرية ، فيكون حاصل معنى الآية ـ والله أعلم ـ : أنّ الكافر قذر لسراية نجاسته الباطنيّة إلى ظاهره ، فلا يجوز أن يدخل المسجد الحرام ، ولا مانع من هذا المعنى ، ولا مبعد له سوى دعوى القطع بأنّ النجاسات الشرعيّة مطلقا إنّما يحرم إدخالها المسجد إذا كانت متعدّية ، وإلّا فلا ، وإثباتها كليّا على مدّعيها.

وأمّا ثانيا ؛ فالإشكال في الآية من جهة الصغرى ، حيث إنّ الحكم على فرض التسليم مخصوص بالمشرك ، فلا يعمّ الكافر بأقسامه من أهل الكتاب وغيره ، ولذلك قيل بأنّهم أيضا مشركون ، كما يدلّ ذيل آية اخرى ، وهو قوله

٧٢

تعالى : (سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ (١)) (٢).

وفيه ؛ أنّ هذا خلاف المعنى المصطلح من الشرك والمشرك ؛ إذ الظاهر منه هو الّذي يرى في عرض ذاته تعالى شريكا في خالقيّته وتدبيره ، وهذا المعنى يختصّ بالوثنيّ والصنميّ وكلّ من اعتقد للموجودات وعالم التكوين مبدءين ، وأمّا مثل اليهود والنصارى القائلين بأنّ الله تعالى اتّخذ عزيزا أو المسيح ولدا ، وكذلك من اعتقد بالواسطة والمقرّب إليه تعالى ، فإطلاق الشرك عليهم إنّما يكون بالعناية ، والإطلاق أعمّ ، كما اطلق على المرائي المشرك ، مع أنّه لا يعبد إلّا الله ، وإنّما يرائي عبادته لا أن يكون الناس معبودا.

وبالجملة ؛ فهذه الجهات لمّا ينافي الخلوص وأنّه ساحته تعالى بري‌ء عن شئون الإمكان من اتّخاذ الولد ونحوه ، فلذلك جعل تعالى الالتزام بها من الشرك ، لا أن يكون المعتقد بها مشركا حقيقيّا ، ولذلك جعل المشرك في القرآن غالبا في عرض أهل الكتاب.

فعلى هذا يخرج أهل الكتاب عن مساق الآية ، ولا بدّ من البحث فيهم مستقلّا ، كما عليه بناء الأصحاب.

ولقد أجاد المحقّق الهمداني قدس‌سره في «مصباح الفقيه» في البحث عن أهل الكتاب ، ونقل عمدة الأخبار واستدلال الفريقين القائلين بطهارتهم ونجاستهم.

وحاصل ما أفاد : أنّ الأخبار الّتي تمسّكوا بها لنجاستهم غير دالّة على نجاستهم الذاتيّة ، بل فيها ما يستفاد منه طهارتهم من هذه الجهة ، كقوله عليه‌السلام في

__________________

(١) التوبة (٩) : ٣١.

(٢) الحدائق الناضرة : ٥ / ١٦٦.

٧٣

رواية ابن مسلم : «لا تأكلوا في آنيتهم ولا من طعامهم الّذي يطبخون ، ولا في آنيتهم الّتي يشربون فيها الخمر (١)» (٢).

ولكنّ أخبار طهارتهم ظاهرة فيها ، ومشتملة على شواهد دالّة على أنّ أخبار النجاسة في مقام بيان نجاستهم العرضيّة لا الذاتيّة ، فهي على حجّيّتها باقية ؛ إذ لا قصور في دلالتها وكذلك في سندها ؛ لأنّها صحاح مستفيضة ، والمفروض أنّ الطائفة الاولى لقصور دلالتها ـ كما أشرنا ـ لا تصلح لمعارضتها.

نعم ؛ الذي يضعّفها ذهاب المشهور إلى نجاستهم ، فبناء على أنّ الشهرة الفتوائيّة على الخلاف يوجب سبب الوثوق والاطمينان عن الرواية ، يشكل القول بالطهارة ، والمسألة تحتاج إلى المراجعة ومزيد تأمّل حتّى يظهر الأمر وحقيقة الحال ، وهو العالم.

بقي الكلام في معنى الكفر والكافر ، فإنّ بعض مصاديقه مشكوك ؛ إذ الكفر لغة بل اصطلاحا معناه : الجحود والإكفار (٣). وعليه لا يصدق الكافر على الشاكّ والمتردّد في أركان الدين ، وينحصر بالجاحد والمعاند ، كما نرى في القرآن بالعيان أنّ خطاباته وزجره متوجّه إليهما ، مثل الآيات الكريمة : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) (٤) و (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤١٩ الحديث ٤٠٤٠ ، انظر! مصباح الفقيه (كتاب الطهارة) : ٥٥٨ و ٥٥٩ ط. ق.

(٢) الظاهر أنّ هذه الأخبار ليست لبيان الطهارة والنجاسة ، بل هي في مقام الحكم بالاجتناب عن اليهود والنصارى ، وعدم الخلطة معهم ، وحاصلها : أنّها أحكام أخلاقية ، «منه رحمه‌الله».

(٣) مجمع البحرين : ٣ / ٤٧٤.

(٤) النمل (٢٧) : ١٤.

٧٤

الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١) وغيرهما (٢).

وبالجملة ؛ الشاكّ في الله ورسوله والأمور الضروريّة من الدين وجدانا ممكن ، وصريح كثير من الأخبار إحالة الكفر على الجحود ، بحيث ما لم ينكروا لم يكفروا.

فحينئذ لا مجال لإنكار الواسطة بين الكفر والإسلام ، وإن كان يظهر من الكتب الكلاميّة بل الفقهيّة إنكارها وإلحاق الشاكّ بالجاحد (٣) ، وجعلوا الإسلام مقابل الكفر (٤).

فعلى هذا مقتضى القاعدة في الشاكّ الّذي لا ينكر الاصول التفصيل في الأحكام ، فما كان منها مترتّبة على الإسلام مثل النكاح ونحوه ، لا يثبت للشاكّ ، وما كانت ثابتة للكافر مثل النجاسة أيضا لا تثبت.

ولا فرق في ذلك بين المنتحلين للإسلام ـ كما جعل هؤلاء مفاد الأخبار ـ وغيرهم.

إن قلت : إنّ الأخبار الّتي تدلّ على أنّ ما يحقن به الدماء ويجري عليه المواريث هو الإقرار بالشهادتين ، وأنّ به يمتاز الكافر عن الإسلام (٥) ، ترفع الواسطة وتبيّن الضابطة.

__________________

(١) آل عمران (٣) : ٧١.

(٢) العنكبوت (٢٩) : ٤٧ ، ٤٩.

(٣) جواهر الكلام : ٦ / ٤٨.

(٤) الحدائق الناضرة : ٥ / ١٦٢ ، ونقل في «مصباح الفقيه» تسالمهم عليه ، ولذلك أوّل الأخبار الّتي أشرنا إليها ، «منه رحمه‌الله» ، مصباح الفقيه (كتاب الطهارة) : ٥٥٧ ط. ق.

(٥) الكافي : ٢ / ٢٤ الحديث ١.

٧٥

قلنا : أوّلا ؛ لا منافاة بينها والأخبار الّتي علّقت الكفر على الجحود (١) ، وقد اعترفنا بأنّ أحكام الإسلام لا تترتّب على الشاكّ.

وثانيا ؛ إنّه لا بدّ من تقييد تلك الأخبار بالّتي ذكرنا ، بمعنى أنّه وإن كان مفادها أنّ غير المقرّ بالشهادتين كافر ، إلّا أنّه يقيّد بما إذا جحد ، وأمّا الساكت فلا يترتّب عليه أحكام الكفر. فتأمّل جيّدا!

__________________

(١) الكافي : ٢ / ٣٣ الحديث ٢.

٧٦

تطهير الأواني

فرع : يجب غسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا أولاهنّ ، بالتراب.

أقول : هذا الحكم في الجملة من المسلّمات ، إلّا أنّه كلّما تفحّصنا ما عثرنا على رواية يستفاد منها الحكم بهذه الخصوصيّات ؛ إذ ليس في أخبار الباب (١) إلّا رواية أبي العباس (٢) ، مع أنّه ليس فيها لفظة الولوغ أوّلا ، بل قال عليه‌السلام : «لا تتوضّئوا من فضله» إلّا أن يقال : إنّه مساوق للولوغ الّذي هو شرب المائع باللسان ، كما يشعر به النهي عن التّوضّؤ به ، فتأمّل. فإنّه بيان لبعض آثاره ، ولذلك يجري الحكم في سائر المائعات.

وثانيا ـ وهو العمدة ـ ليس فيها ما يدلّ على اعتبار الغسل ثلاثا ، بل الظاهر منها اعتبار الغسل فقط بعد التعفير بالتراب.

نعم ؛ على رواية المحقّق في «المعتبر» حيث نقل هكذا : «ثمّ بالماء مرّتين» (٣) يتمّ الفتوى ، إلّا أنّ الشأن إثبات كون هذه الرواية مستندا لفتوى الأصحاب ، مع أنّها على ما في كتب الأحاديث خالية عن هذا القيد.

إن قلت : يمكن أن يكون مستندهم بالغسل ثلاثا رواية عمّار (٤) الّتي هي

__________________

(١) ما يمكن أن يتمسّك بها من المعتبرات ، «منه رحمه‌الله».

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٦ الحديث ٥٧٤.

(٣) المعتبر : ١ / ٤٥٨.

(٤) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٦٨ الحديث ٣٢١٤٢ و ٣٢١٤٣.

٧٧

المستند لاعتبار الثلاث في مطلق الإناء.

قلت : فعلى هذا لا بدّ من الفتوى بالغسل ثلاثا بعد التراب ، مع أنّهم ما التزموا بذلك ، مضافا إلى أنّ تلك الموثّقة صريحة أو ظاهرة في بيان تمام المراد ، كما أنّ رواية أبي العبّاس كذلك ، وتأبى عن التقييد جدّا.

فعلى هذا لا دليل على الحكم المزبور إلّا الإجماع المدّعى في الباب ، فإن تمّ فهو ، وإلّا فيشكل الأمر جدّا.

ثمّ إنّه على [أنّه] يتعدّى الحكم إلى لطع الكلب الإناء ، أو وقوع لعاب فمه فيه ، كما عليه جمع (١) ، يمكن الالتزام بالتعدّي والتعميم ، بناء على أن يكون المستند رواية أبي العباس ، حيث إنّ من قوله عليه‌السلام أوّلا : «رجس نجس» «لا تتوضّئوا بفضله» «واصبب ذلك الماء» (٢) .. إلى آخره ، يستفاد من مجموع ذلك أنّ في فم الكلب مطلقا قذارة خاصّة إذا أصابت الإناء لا تزول إلّا بالتعفير.

ثمّ إنّه هل يلحق الخنزير بالكلب في لزوم التعفير والغسل ثلاثا ، أم لا؟ الّذي يظهر من قدماء الأصحاب ذلك (٣) ، ولكن لم يظهر لنا دليل عليه من رواية ولا غيرها ممّا يعتدّ به.

وأمّا المشهور بين المتأخّرين وجوب الغسل سبع مرّات (٤) ، مستندا إلى صحيحة عليّ بن جعفر (٥) عليه‌السلام وهو رواية تامّة الدلالة ، ومع ذلك العجب من

__________________

(١) جواهر الكلام : ٦ / ٣٥٧.

(٢) وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٦ الحديث ٥٧٤.

(٣) الخلاف : ١ / ١٨٦ المسألة ١٤٣.

(٤) مختلف الشيعة : ١ / ٤٩٦ المسألة ٢٥٨.

(٥) وسائل الشيعة : ١ / ٢٢٥ الحديث ٥٧٢.

٧٨

القدماء كيف لم يعتمدوا عليها؟! ولذلك يشكل الأمر جدّا ، حيث إنّه إن ثبت إعراض الأصحاب عنها فكيف عمل بها مشهور المتأخّرين؟ وإن لم يثبت ، فلا بدّ من المصير إليها.

وعلى كلّ حال لا مستند للقدماء من وجوب التعفير ، وأمّا الغسل ثلاثا فيمكن أن يكون مستندهم رواية عمّار الواردة في مطلق الإناء (١) ، فتأمّل!

فرع : مثل الحنطة والأرزّ بل الصابون ممّا لا يقبل العصر إذا تنجّست هل يطهر أم لا؟ فقال بعضهم بقبوله مطلقا (٢) ، وفصّل بعضهم بين الماء الكثير والجاري [والقليل] ، فالتزموا بقبوله التطهير [في الماء الكثير والجاري] دون القليل (٣).

ومعلوم أنّ الخلاف فيما إذا تعدّت وسرت النجاسة إلى باطن ما ذكر ، ونقول : إنّ البحث في المقام من جهات :

الاولى ؛ إنّ الأمور المذكورة غير قابلة للعصر ، فالغسالة لا يخرج منها.

والثانية ؛ أنّ ما يدخل في جوفها إنّما هو الرطوبة لا الماء ، فلا يصدق الغسل.

الثالثة ؛ أنّ وجود الرطوبة فيها مانعة عن تأثير المطهّر ، بل يصير مضافا بالنسبة إلى بعضها.

الرابعة ؛ عدم وجود إطلاق أو عموم يدلّ على قبول كلّ متنجّس للتطهير.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢٥ / ٣٦٨ الحديث ٣٢١٤٣.

(٢) جواهر الكلام : ٦ / ١٥١ و ١٥٢ ، فقد نسب القول فيه إلى الأردبيلي والكاشاني والنراقي واستقواه.

(٣) جواهر الكلام : ٦ / ١٥٠.

٧٩

هذه عمدة جهات الإشكال في المسألة ، ولكن بعضها يختصّ بالتطهير بالقليل كالاولى ، حيث إنّ المطهّر القليل لمّا ينفعل فلا بدّ من خروج الغسالة في الجملة (١) حتّى يتطهّر المحلّ ، ومن المعلوم أنّ الكرّ والجاري لا ينفعل ، ولذلك بنينا على عدم لزوم العصر فيهما ، وبعضها يعمّ الكثير مثل الثانية.

والحقّ أنّ تلك الجهة من الإشكال غير قابلة للذبّ ؛ بداهة أنّه لا يصدق الغسل بالماء على مثل الحنطة والصابون إذا تنجّست وسرت النجاسة إليها بوضعهما في الكرّ أو الجاري لا عقلا ولا عرفا ، وإن أصرّ قدس‌سره في «مصباح الفقيه» على صدقه بتقريب له (٢).

هذا ؛ وأمّا الجهتان الاخريان فليستا بشي‌ء ، كما يظهر للمتأمّل.

ومع ذلك ؛ فالتحقيق أنّ الأشياء المذكورة قابلة للتطهير ؛ لأنّ باب التطهير كالتنجيس أمر تعبّديّ ، بمعنى : كما أنّه ليس كلّ شي‌ء منجّسا إلّا أن يدلّ عليه دليل شرعيّ ، كذلك كيفيّة التطهير في الجملة ، وتعيين أصل المطهّر إنّما هما بيد الشرع ، فلما نرى أنّه جعل الأرض مطهّرا لباطن الكفّ والنعل مع بقاء الأثر ، أو رشح الماء وصبّه في بعض المتنجّسات كذلك.

وهكذا باب الاستنجاء والتطهير بالأحجار مع بقاء الأثر ، مثل الطشت من الماء وما اعتبر ورود المطهّر ، بمعنى أنّه اكتفي إلى صدق الورود ابتداءً لا استدامة ، كما هو المسلّم وعليه الأصحاب.

وإنّما الخلاف في ما إذا كان المتنجّس واردا من الأوّل ، فكذلك في تطهير

__________________

(١) وذلك ؛ لأنّ الخروج رأسا لا يتحقّق في مطلق المتنجّسات ، «منه رحمه‌الله».

(٢) مصباح الفقيه : ٦٠٢ ط. ق.

٨٠