الرسائل الفقهيّة

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

الرسائل الفقهيّة

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-93094-1-1
الصفحات: ٧٠٨

حاز شيئا فهو له» (١) على اشتراط صدور الحيازة من الشخص أو يكفي الانتساب ، ومن أنّ التملّك بالحيازة مفتقر إلى نيّة التملّك أو عدم نيّة عدمه ، أو كونه ملكا للغير.

لكنّ الّذي يقوّي الإذن في النظر هو جواز التوكيل فيه ، واشتراط نيّة التملّك بالحيازة محلّ تأمّل ، إذ ليس الدليل عليه إلّا الإجماع المتوهّم ، والإجماع مظنون عدمه ، كما في «الجواهر» (٢) ، أو دعوى التبادر من النصوص ولا أقلّ من الشكّ وهي واضحة المنع ، بل قيل : المتبادر خلافه وهو سببيّة الفعل من غير شرط.

نعم ؛ القدر المتيقّن أن لا يكون لاغيا في فعله ، وقوله عليه‌السلام : «من حاز» (٣) مباح الأصل المستظهر منه قصد الحيازة.

وأمّا تملّك المحوز فلا ، وحصول التملّك والملك من غير قصد إليه يفعله بعد كونه من الأسباب المملّكة غير مستبعد ، إلّا أن يقال بأنّ الأسباب الاختياريّة للملك منوط بالقصد بالاستقراء وبالاعتبار ، والثابت من الدليل كون الفعل مقتضيا جزء سبب له ، كما أنّ ألفاظ العقود أو أفعالها كذلك ، إذ الثابت كونها مقتضيات لما ترتّب عليها ، واشتراط القصد هناك ضروري فكذا هنا.

والحاصل ؛ أنّ الدليل على اشتراط نيّة التملّك بالحيازة هنا هو الدليل على اشتراطها في العقود بالألفاظ ، وتوهّم كون الحيازة من الأسباب المملّكة قهرا

__________________

(١) القواعد الفقهيّة : ٤ / ١٧٤ ، مع اختلاف يسير ، وانظر! جواهر الكلام : ٢٦ / ٢٩١.

(٢) جواهر الكلام : ٢٧ / ٣٨١.

(٣) مرّ آنفا.

٤٠١

كالموت في الإرث ضعيف جدّا ، وإلّا لوجب ثبوته مع نيّة عدمه ، مع أنّه ليس كذلك ، كمن حوّل ترابا عن طريق أو حجرا أو نحو ذلك مريدا التمكّن من عبوره أو غير ذلك ممّا لا يريد إدخال المباح تحت اليد ، مع كون مثل هذا اليد موجبا للضمان في موارده.

قال الشيخ في محكيّ «المبسوط» : ولو نزل قوم أرضا من الموات فحفروا بها بئرا ليشربوا منها ويسقوا غنمهم ومواشيهم مدّة مقامهم بها ، ولم يقصدوا التملّك بالإحياء ، فإنّهم لا يملكون بالإحياء ، بل إنّما يملكون بها إذا قصدوا التملّك ، انتهى (١).

وهذا وإن دلّ على أنّ عدم التملّك من جهة عدم قصد التملّك ، لكنّه يدلّ على عدمه مع نيّة عدمه بطريق أولى ، فافهم!

بل دعوى الأولويّة [في] المحيز بما حازه مع عدم القصد بحيث يكون لاغيا في فعله ممنوعة ، كما صرّح به الشهيد في «الروضة» (٢).

نعم ؛ صدر من بعض المحقّقين في المقام كلام لا يخلو من متانة ، فنذكره مزجا بما عندنا من التحقيق ، وأنّه بعد ما يستظهر من الأدلّة مثل قوله تعالى : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (٣) خرج المملوك للغير المسبوق بالملك ، وظاهر اللام هو التمليك وقوله عليه‌السلام : «الناس شركاء في ثلاثة : النار والكلأ والماء» (٤) إنّ المباحات ملك لكافة الناس ، فتكون الحيازة نظير أخذ الفقير

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ٢٨١ ، وحكى عنه في مسالك الإفهام : ١٢ / ٤٤٥ ، وفي جواهر الكلام : ٣٨ / ١١٧.

(٢) الروضة البهيّة : ٧ / ١٦٠.

(٣) البقرة (٢) : ٢٩.

(٤) انظر! وسائل الشيعة : ٢٥ / ٤١٧ الباب ٥ من أبواب إحياء الموات.

٤٠٢

الزكاة ، فكما أنّها ملك للفقراء ويملكه الآخذ ، بمعنى أنّه يكون أولى بها من غيرها ، ومعنى الأولويّة ثبوت الملكيّة الغير المتزاحمة كما كانت قبله ، ولا يشترط في آخذه قصده ذلك ، أي الأخذ من حيث إنّه مال الزكاة ويقصد التملّك ، بل لا يشترط نيّته أصلا.

نعم ؛ يشترط قصده أو الوكيل إلى أصل الفعل ، فكذلك إثبات اليد على المباحات المملوكة المشتركة بقيد أولويّته بالمعنى المذكور ، لكن بشرط القصد بالحيازة أو إدخال المحوز تحت الحوز والسلطنة العرفيّة على نحو أخذ المستحقّ الزكاة ، حيث إنّه يجب أن يقصد بالأخذ الدخول تحت اليد ، بحيث يتصرّف فيها كيف يشاء فيتبعها الملك الشرعي.

ولعلّ هذا المقدار من القصد مراد القائلين باشتراط النيّة ، كما قيل (١) ، لكنّ الأمر على خلافه كما سمعت من كلام الشيخ وكلام غيره منهم كذلك (٢).

نعم ؛ عبارة «اللمعة» في باب الإحياء : ومن حفر بئرا ملك الماء بوصوله إليه ، ولو قصد الانتفاع والمفارقة فهو أولى به ما دام نازلا عليه (٣).

ومثلها عبارة «القواعد» لكن بزيادة : لا للتملّك (٤) قبل «قصد الانتفاع» ظاهر في ما ذكره ، فتأمّل!

وأمّا قصد تملّكها كما في الملتقط ؛ فممنوع اشتراطه ، ولو سلّم اشتراطه فالوكيل يقصد تملّك موكّله بحيازته ، فنيّة التملّك موجودة ، وخصوصا على ما

__________________

(١) جواهر الكلام : ٢٧ / ٤٠٤.

(٢) مرّ آنفا.

(٣) اللمعة الدمشقيّة : ١٤٧.

(٤) قواعد الأحكام : ١ / ٢٢٢.

٤٠٣

سبق من تحقيق كونها للناس كافّة ، وثبوت الأولويّة بالحيازة مع قصد المحيز الإدخال تحت اليد والسلطنة ، وقد قصد هنا دخولها تحت يده الّتي هي يد الموكّل بقصده له.

بل يمكن دعوى السيرة من العلماء وغيرهم بذلك ، حيث يرى أنّهم يأمرون خدّامهم في الأسفار في الأراضي المباحة بحفر البئر وحيازة المباحات لهم ، ولا فرق على ذلك بين ما يثبت بالحيازة أو لسبق الأولويّة بالمعنى المذكور وبين ما يثبت بهما الأولويّة بالمعنى الأعمّ ، كما في غير المملوكات كالمساجد أو المملوكات الّتي لا يوجب السبق الملك كالرباط والمدارس ، فحيث ثبتت الوكالة ثبت جواز الاستيجار ، و [ثبت العقد] الفضولي بعد الإجازة.

وإن توهّم الفرق بين الاستيجار وبينها من جهة أنّها في الاستيجار يكون منفعة المؤجر للمستأجر فيكون يده يده ، بخلاف الوكيل وإن كان بجعل ، فإنّها حينئذ جعالة وهي من العقود التضمينيّة ـ كما حقّق في محلّه ـ لا تمليك المنفعة.

وهذا التوهّم ضعيف بعد الإحاطة بما حقّقنا ، لتوهّم الفرق بينهما وبين الفضولي من جهة أنّ الثابت من جوازه في العقود وبعض الإيقاعات ، لأنّ مقتضى السببيّة ، كما هو شأنها ترتّب مسبّباتها عليها من غير توقّف على شي‌ء إلّا أن يثبت بدليل تعقيب ترتيبها عليها بطريق الكشف الحكمي وهو غير موجود في المقام واللقطة.

وضعف هذا من جهة أنّ الفضولي منطبق على القواعد غير خارج عنها بالإجماع أو بغيره على ما توهّم ، كما عليه أهل التحقيق ، فيكون فعله ويده بعد الإجازة فعل المجيز ويده.

٤٠٤

فقد ظهر أنّ في مسألة الحيازة أقوالا أربعة ـ كما قيل (١) ـ : جواز النيابة مطلقا (٢) ، وعدمه كذلك ، والتفصيل ـ وهو مختار المحقّق في «الشرائع» (٣) بين الاستيجار ، فالأوّل ، وغيره ، فالثاني ، وبين الفضولي فالثاني ، وبين غيره فالأوّل.

وأمّا الكلام في الالتقاط والإحياء وهو القسم الثاني ، وإن كان الثاني من القسم الأوّل من وجه ، فالظاهر من بعضهم عدم الجواز ، ولعلّه من جهة استظهار اعتبار المباشرة من أدلّتهما إلّا أنّه قيل بأنّه لا يخفى ما فيه إن لم يكن إجماعيّا (٤).

أقول : في الالتقاط وفي الإحياء أمر زائد على ما ذكر في الحيازة للمنع ، وهو اشتراط النيّة للتملّك ، كما حكى المحقّق الثاني (٥) وذلك للمنع وظهور اعتبار المباشرة ، والأمر هو أنّه في المقام إثبات ولاية من الشارع وراء الإذن وهو مختصّ بذي اليد ، ولذا لو التقط العبد وجب أن يعرّفه بنفسه أو بنائبه ، وليس للمولى تكليف في المقام ، والموات ملك للإمام وقد أذن للناس في إحيائها ، لكن إلحاقها بالحيازة أقوى ، كما أنّ المنع في الالتقاط أقوى ، وإن كان بنحو الاستيجار.

وأمّا الاختيار والرجعة فجواز التوكيل فيهما مبنيّ على أنّ الملحوظ في نظر الشارع هو الجهة الراجعة إلى الشهوات النفسانيّة والاستمتاع أم لا؟ مثل النكاح ، فإنّه وإن كان متضمّنا للاستمتاع إلّا أنّ الملحوظ الأصلي فيه ليس

__________________

(١) لاحظ! مفتاح الكرامة : ٧ / ٥٥٩ و ٥٦٠.

(٢) وهو ما اخترناه ، وخيرة «الجواهر» وغيره (جواهر الكلام : ٢٧ / ٣٨٠ و ٣٨١ ، جامع المقاصد : ٨ / ٢١٨) «منه رحمه‌الله».

(٣) شرائع الإسلام : ٢ / ١٩٥.

(٤) جواهر الكلام : ٢٧ / ٣٨١.

(٥) جامع المقاصد : ٨ / ٢١٨.

٤٠٥

منحصرا فيه ، فلو وكّل في الاختيار أو الرجعة بمعنى إيقاع صيغتهما كان هذا اللفظ رجعة واختيارا ؛ لكفاية ما يدلّ عليهما التزاما مع عدم الاحتياج إلى اللفظ.

وإن قيل : أنت مختار في الرجوع واختيار أيّتهما شئت ، كما لو فوّض تعيين المطلّقة المبهمة ـ لو قلنا بجواز الطلاق مع عدم تعيين المطلّقة كالشيخ رحمه‌الله (١) ـ ولو قلنا بعدم جواز الاستنابة فيهما لا يجوزان من الولي أيضا.

إلّا أن يقال ـ بل قيل ـ بأنّ الاختيار فيه يكون منوطا بالمصلحة ، كسقوط النفقة من الغير المختارة فيمكن صدوره من الوليّ بخلاف الرجعة ، بل الأمر والمصلحة فيهما على الخلاف.

ولا يحضرني كلماتهم في المقام الآن.

طلاق الغائب

وقال الشيخ رحمه‌الله : لا يجوز طلاق الغائب ، واستدلّ له بقوله : «الطلاق بيد من أخذ بالساق» (٢).

أقول : يحتمل هذا الكلام لمعان ثلاث :

الأوّل : أنّ مباشرة الطلاق بيد من أخذ بالساق فلا يجوز من غيره ، وكيلا كان أو وليّا أو فضوليّا ، ولذا حكم الشيخ رحمه‌الله بعدم جواز طلاق الوليّ عن المجنون المطبق ، خلافا للمشهور (٣) ، بل المجمع عليه ، كما عن فخر المحقّقين (٤) ، وإن

__________________

(١) نقله عنه في الحدائق الناضرة : ٢٥ / ١٨١ ، وجواهر الكلام : ٣٢ / ٤٦.

(٢) النهاية للشيخ الطوسي : ٥١١ ، الخلاف : ٤ / ٤٢٤ ، عوالي اللآلي : ١ / ٢٣٤ الحديث ١٣٧.

(٣) الخلاف : ٤ / ٤٤٢ المسألة ٢٩.

(٤) إيضاح الفوائد : ٣ / ٢٩٢.

٤٠٦

ادّعى الشيخ أيضا في «الخلاف» ـ على ما في الروضة (١) ـ الإجماع على عدم جوازه ، لكنّه موهون بما لا يخفى.

والثاني : أنّ أمره واختياره بيد من أخذ بالساق نظير : «لا بيع إلّا في ملك» (٢) و «لا عتق إلّا [في] ملك» (٣) ، حيث إنّ المراد هناك أنّ أمرهما بيد المالك ، فيخرج الفضولي ويدخل الوكيل والوليّ من باب حكومة أدلّة الولاية والوكالة عليه ، كحكومتهما على أدلّة اشتراط وقوع البيع والعتق من المالك ، وإن قام الدليل على جواز الفضولي بحيث يكون حاكما على هذا الكلام ، ويوجب حمل الأمر والاختيار على اللزوم وترتيب الأثر ، كما ثبت في نظيره وهو البيع ، اتّبع ، وإلّا كما هو المفروض في المقام والعتق فيبطل الفضولي.

وحاصل هذا المعنى أنّ الطلاق وكذا العتق في قوله : «لا عتق إلّا في ملك» لا يصدران إلّا من الزوج والمالك أو من قام مقامهما ، وقد ثبت بأدلّة الولاية وعموم أدلّة الوكالة قيام الوليّ والوكيل مقام المولّى عليه والموكّل ، لكن على هذا المعنى يكون طلاق الوليّ عن المجنون بمقتضى القاعدة وعن الصبيّ خارجا عنه بدليل كالإجماع وبعض الملاحظات في النكاح ، فتأمّل! فيبطل الفضولي.

قيل : عدم القول بالطلاق الفضوليّ ، لكونه إيقاعا كالعتق (٤).

وفيه النقض ببعض أفراد الوقف كالمسجد وما شابهه ، سواء كان تحريرا وهو المتّفق على عدم احتياج الإيجاب فيه إلى القبول ، أو غيره ، كأن كان وقفا

__________________

(١) الروضة البهيّة : ٦ / ١٨.

(٢) عوالي اللآلي : ٢ / ٢٤٧ الحديث ١٦ ، مع اختلاف يسير.

(٣) عوالي اللآلي : ٢ / ٢٩٩ الحديث ٤.

(٤) لاحظ! جواهر الكلام : ٣٢ / ١٦.

٤٠٧

عامّا كالمدارس والرباط على المشهور فيه ، بل قيل : مجمع عليه أيضا.

وإن توهّم كون القول في الأوّل هو الأدلّة الآذنة لمثل هذا الوقف ، وفي الثاني مثله وقبول وليّه يقينا ، وهو الإمام.

وضعف هذا التوهم غير محتاج إلى البيان ، بل المناط في جواز الفضولي وعدمه أنّ كلّ عقد لا يدخله الخيار بنحو لا يقع الفضولي فيه ، وكلّ عقد يدخله الخيار ويمكن وقوعه متزلزلا صحّ الفضولي فيه ، لأنّه قيل : الإجازة متزلزلة ، فما لم يقبله كيف يصحّ الفضولي فيه ، فتدبّر!

والثالث : أنّ ولاية الطلاق لمن أخذ بالساق ، فيثبت بهذا الدليل ولاية الآخذ فيه ، فالصبيّ لا يجوز له الطلاق فعلا ، لكون أفعاله ملغاة عند الشارع كأقواله وعباراته ، لكنّه أخذ بالساق ، فولايته فيه غير منافية لعدم نفوذه منه ، كالمفلّس والمريض والراهن ، فافهم!

فطلاق الوكيل صحيح ، وكذا الفضولي بعد الإجازة ؛ لكونه صادرا عن الوليّ الفعلي بتوسّط تفويض الوليّ ولايته فيه إليه سابقا أو لاحقا ، بخلاف الوليّ ، فإنّ طلاقه لم يصدر عمّن هو وليّ فعلا ، وهذا الدليل حاكم على أدلّة الولاية ، كما لا يخفى ، لاعتبار المباشرة أو صدوره عن أمره على هذا المعنى لا عنه أو عمّن هو قائم مقامه ، فتدبّر!

وهذا هو المعروف في معناه ـ كما قيل ـ فليس للمولى طلاق زوجة عبده إلّا ما خرج بالدليل ، فجواز طلاقه عن المجنون لقاعدة لا ضرر (١) أو الإجماع

__________________

(١) القواعد الفقهيّة : ١ / ٢١١.

٤٠٨

المدّعى والمنقول في كلام جماعة (١).

واعلم! أنّه لو أتى الموكّل في كلامه [شيئا] من حيث المتعلّق أو الزمان أو المكان فما علم كونه قيدا لجهة المعاملة والتصرّف فيكون الغرض مترتّبا على خصوص المعاملة فغيره فضولي غير مأمور به ، وما علم كونه قيدا لجهة الحفظ ، أو علم ذكره من باب المثال من غير تعلّق غرض به من جهة الحفظ ، أو من جهة المعاملة [فليس كذلك].

قالوا : لو عيّن زمانا للمعاملة لم يكن للوكيل التجاوز إلى غيره ، ويكون الواقع في غير ذلك الزمان فضوليّا ، لدلالة العرف على كونه قيدا للرضا بالمعاملة بحيث يفهم منه أنّ الغرض المتعلّق به من حيث المعاملة ، فالمعاملة الواقعة فيه مأذون فيها لا غيره ، وكذا لو عيّن زيدا أو غيره أو عيّن النقد أو التأجيل ، إلّا أن يكون هناك غرض يتعلّق بالتأجيل ، كما لو كان زمان غرق أو نهب.

ولو عيّن المكان لم يكن له التجاوز ، ويقع العقد في غيره للموكّل لازما ، لكنّه مضمون على الوكيل قبل العقد بالتخلّف ، كما لو خالف في الوديعة عن موضع الحفظ الّذي عيّنه المالك مع عدم خوف التلف فيه ، وعدم كون المنقول إليه أحفظ أو مساويا ، لو قلنا بجواز النقل فيهما ، وإلّا ـ كما هو الأقوى في الأخير ـ لم يجز النقل مطلقا ، فيسقط الضمان بالتصرّف المأذون فيه ولا ينتقل إلى البدل ؛ لكونه أمرا مسبّبا من امور خاصّة عارضة لمتعلّقه كإثبات اليد عليه عدوانا أو الإتلاف مباشرة أو تسبيبا ليس من قبيل الشركة ، وتعلّق الحقّ به كالرهن أو الوقف ، فحيث كان مأذونا في نقله وقبض سببه فيده على العوض غير عدوان بل

__________________

(١) إيضاح الفوائد : ٣ / ٢٩٢ ، الروضة البهيّة : ٦ / ١٨.

٤٠٩

مأذون فيه ، ولو كان مقيّدا لجهة المعاملة أو لجهة الحفظ ، بل ما كان من باب المثال من غير تعلّق غرض به صحّ العقد ولا ضمان فيه.

ومن هنا اتّضح ما ذكره الأصحاب وورد عليه النصوص (١) في باب المضاربة من أنّه لو خالف طريقا عيّنه المالك إلى غيره ضمن ، والربح على الشرط (٢).

هذا ؛ وقد يقرّر المطلب بوجه آخر وهو أنّه قد حقّق في محلّه أنّ الأمر بالشي‌ء على القول باقتضائه النهي عن ضدّه لا ينافي القول بصحّة الضدّ ، لجواز أن يكون مطلوبا للشارع مترتّبا على عصيان العبد ومخالفته للنهي ، مثلا النهي عن الصلاة مع وجوب الإزالة ، لا يوجب رفع الأمر والمحبوبيّة عنها.

غاية الأمر أنّها غير محبوبة الآن لأمره بشي‌ء آخر فوريّ غير ممكن الاجتماع ، فالمبغوضيّة عرضيّة لها غير ذاتيّة ، فلو عصى ذلك الأمر كان ذلك الفعل محبوبا فعلا ، كما كان محبوبا ذاتا قبل العصيان.

ونظير ذلك في العرف أن يقول المولى لعبده : اسكن الدار ولا تدخل السوق ، فإن عصيت ودخلته فاشتر الشي‌ء الفلاني ، فتأمّل! فذلك أمر بجهة ، فيقتضي النهي عن غيرها ، لكن [إن] عصى وخالف ثبت الضمان من جهة ، لكن أصل المعاملة محبوب فعلا ، حيث وجد الباذل لأزيد ممّا عليه المالك أو ثمن المثل فيما لو كان قد أطلق ، فليس هذا التصرّف مبغوضا له غير مأذون فيه ، وإن كان محبوبيّته مترتّبا على عصيانه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٥ الباب ١ من كتاب المضاربة.

(٢) الحدائق الناضرة : ٢١ / ٢٠٥ ، جواهر الكلام : ٢٦ / ٣٥٣.

٤١٠

وهذا التقرير إن رجع إلى ما ذكرنا ، وإلّا فمحلّ مناقشة.

وقد يقرّر بوجه آخر ؛ وهو أنّ ذلك نظير الخوف للضرر الّذي لم يجز معه الصوم أو الحجّ أو مطلق العبادة ، فكما أنّ النهي عن ارتكاب المخوف ظاهريّ لاحتمال الضرر ، فلو فعل المأمور به المخصّص بهذا النهي الظاهر ، وتبيّن أن لم يكن هنا ضرر ، تبيّن أن لم يكن نهي ومخصّص ، فالأمر يقتضي الإجزاء وسقوط القضاء ، فكذلك النهي عن الجهة لاحتمال الضرر والحظر فيها ، فلمّا خالف هذا النهي ولم يترتّب عليه ضرر تبيّن أن لم يكن نهي.

وأنت خبير بأنّ الخوف واحتمال الضرر في أمثال المقام مأخوذ في النهي على وجه الموضوعيّة لا على وجه الطريقيّة ، وهذا الموضوع قد كان في زمان ارتكاب المنهيّ موجودا وإن تبيّن عدم الضرر ، ولذا لا يجوز الارتكاب ، لأنّ الموضوع المنهيّ هو محتمل الضرر أو المظنون لا الضرر المقطوع الواقع.

ولذا قالوا بعدم إمكان قصد التقرّب.

نعم ؛ لو لم يلتفت إلى النهي صحّ الفعل مع حصول التقرّب ، وذلك إنّما هو من جهة عدم توجّه النهي الظاهري إليه فعلا ، كالمصلّي الجاهل بالغصب.

فإن قلت : إنّ الجاهل بالموضوع معذور ؛ لعدم وجوب الفحص عليه بخلاف الجاهل بالحكم ، ولذا حكموا ببطلان صلاة العالم بالغصب الجاهل بالحكم ، وفي ما نحن فيه ـ أعني إتيان العبادة مع الخوف ـ الجهل من جهة الحكم كما هو المفروض.

نعم ؛ لو لم يحتمل الضرر ولا ظنّ ، وأتى بالمأمور به صحّ ، بلا إشكال ، وإن ترتّب عليه الضرر واقعا.

٤١١

قلت : إنّ الجهل بأمثال هذا الحكم الظاهري مثل الجهل بالموضوع ، لأنّ هذا الحكم إرشاديّ وتوصّلي إلى عدم الوقوع في الضرر لا تعبّدي ، والجاهل بالأحكام الإلزاميّة التعبديّة غير معذور ، ولذا قالوا بأنّ الجاهل بالخيار في العيوب في النكاح معذور بالنسبة إلى سقوطه بالتأخير.

وكذا في الأمة المعتقة المزوّجة ، فإنّ خيارها في النكاح فوري ، والجاهلة بفوريّتها كالجاهل بأصل الخيار معذورة ، مع أنّ الجاهل بالفوريّة أو بأصل الحكم في أمثال الصلاة غير معذور.

فقد اتّضح أنّ النهي الصادر من المالك صريحا أو اقتضاء من جهة الحفظ واحتمال تلف المال نهي إلزامي ، فلا يجوز التعدّي.

وتوهّم تبيّن عدم الضرر والتلف يكشف عن عدم ضعف جدا بيّن بطلانه قطعا. ولذا لو تلف بآفة سماويّة غير مسبّبة عن أمر في ذلك الطريق المخالف كان مضمونا قطعا ، فتدبّر!

قالوا : ويشترط في الموكّل أن يكون مكلّفا إلّا في الطلاق والوصيّة والوقف ، فيصحّ من البالغ عشرا ، لأنّه بعد ما ثبت له الولاية في الامور المذكورة دخل في ما تقبل النيابة (١).

وقد مرّ أنّ الأصل في خطابات الشرع غير العبادات أن [يكون] قابلا للنيابة ، لأنّ الظاهر من إرادة فعل حصوله في الخارج من غير مدخليّة للمباشرة ، وكذا الخطابات العرفيّة إلّا ما كان العرف على خلافه ، كالوكالة والاستيجار للحجّ أو غيره من العبادة.

__________________

(١) جواهر الكلام : ٢٧ / ٣٨٧.

٤١٢

مع أنّ الوليّ المأمور من الشارع بإيقاعها عن الميّت مخيّر بين المباشرة والاستنابة ، فلا إشكال في المقام بعد جوازها.

وتوهّم اختصاص الجواز في المباشرة ضعيف جدّا.

نعم ؛ ذهب جماعة كالمحقّق في «الشرائع» (١) وشارحه صاحب «الجواهر» وغيرهما (٢) إلى جواز توكيل مثله في الامور المذكورة ، ولعلّه من جهة أنّ هذه الامور قد ثبت التولّي فيها من الصبيّ البالغ عشرا ، فاحتمال اختصاص اعتبار لفظه فيه لنفسه بعيد عن مذاق الفقه ، بل لو كان الصبيّ البالغ عشرا وكيلا من البالغ الرشيد فيها جاز أيضا ، كما صرّح بذلك الجماعة (٣).

لكنّه قد يقال بأنّ اعتبار لفظه وتوكيله وعدم لغوية عبارته تبعا لنفوذ التصرّفات المذكورة ، فاعتبار مباشرته خارج عن القانون المذكور وعن مذاق الفقه ، كما قيل (٤) ، إلّا أنّ إثبات جواز التولّي فيها ولو لغيره من تلك الأدلّة يحتاج إلى التأمّل.

ألا ترى أنّه لم يعتبر قوله مطلقا ، بل في المذكورات ، فليس ذلك إلّا من جهة تبعيّة الأدلّة المجوّزة لها ، إذ لا مجال من الإنشاء لها بنفسه أو بغيره ، فالقول بجواز توكّله لغيره فيها بالاستنباط موجب للقول باعتبار ألفاظه في غيرها ، ولو كان لنفسه.

__________________

(١) شرائع الإسلام : ٢ / ١٩٧.

(٢) جواهر الكلام : ٢٧ / ٣٨٧ ، جامع المقاصد : ٨ / ١٨٤ ، الحدائق الناضرة : ٢٢ / ٤٧.

(٣) جواهر الكلام : ٢٧ / ٣٨٧ ، الحدائق الناضرة : ٢٢ / ٤٧.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٢ / ١١٦ ط. ق ، جامع المقاصد : ٨ / ١٨٤.

٤١٣

توكيل الوكيل غيره

قالوا : ولا يجوز للوكيل أن يوكّل غيره (١).

أقول : إمّا من جهة أنّ الأصل في إرادة الأفعال المباشرة فيها إمّا مطلقا أو في خصوص الخطابات العرفيّة إلّا ما خرج بالتصريح أو دليل خارج ، وإمّا من جهة أنّه وإن كان مقتضى الأصل إرادة الإتيان بها من غير تعلّق غرض بإيقاعها مباشرة مطلقا إلّا ما خرج ، إلّا أنّه العرف مستقرّ على إرادة المباشرة في أوامرهم.

وإمّا من جهة أنّ توكيل الوكيل إمّا عن الموكّل ولا إشكال في عدم جوازه لعدم دلالة «وكّلتك في بيع داري» على «وكّلتك في التوكيل» ، لاختلاف المتعلّقين مع عدم قرينة في المقام كعجزه عنه ، أو ترفّع شأنه عن المباشرة.

وأمّا عن الوكيل ؛ فيمنع إمّا من جهة ظهور قوله : «في بيع داري» في المباشرة ، كما سبق ، لعدم دخول هذا النوع من التصرّف في المأذون ، وإمّا من جهة عدم جواز التوكيل عن الوكيل أصلا ، لأنّ الولاية التبعيّة غير قابلة للانتقال والتفويض ، فلو صرّح بالإذن في التوكيل انصرف إلى أخذه عن الموكّل ، لأنّ الإنشاء اللفظي الّذي فوّض ولايته فيه إليه غير مملوك للوكيل إلّا من إذن المالك ، فلا يمكن تفويضه إلى غيره.

وبعبارة اخرى : الولاية تابعة للملك وليس الوكيل مالكا ، ولذا يقولون : إنّ للأولياء أن يوكّلوا عمّن لهم الولاية عليهم ، فالوكيل يتصرّف عن المالكين بإذن الأولياء لا عنهم ، كما أنّهم يتصرّفون عنهم بإذن الله تعالى.

__________________

(١) المختصر النافع : ١٧٨ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ١١٦ ط. ق.

٤١٤

فهذا قرينة على أنّ الولاية وتفويضها تابعة للملك ، والوكيل ليس مالكا فليس له التوكيل عن نفسه.

وبالجملة ؛ قيل : على القول بجواز التوكيل عن الوكيل ـ وكما هو المشهور ـ فإمّا أن يصرّح الموكّل بالتوكيل عنه ، أو عن الوكيل ، أو يطلق ، فإمّا أن يحمل الإطلاق على التوكيل عنه أو عن الوكيل ، أو على التخيير.

لكنّه لا يخفى أنّه لو قلنا بجواز التوكيل عن الوكيل لا يحمل الإطلاق إلّا على التوكيل عن الموكّل ، لأنّه المتبادر منه والمنصرف إليه إطلاق توكيل الأولياء ، فتدبّر!

وأمّا ما توهّم من أنّه لو كان الإذن فيه مستفادا من الفحوى كان احتمال كون الوكيل وكيلا عن الوكيل أقوى ؛ فضعيف ؛ لأنّ الفحوى راجعة إلى اللفظ ، فترفّع الوكيل أو عجزه أو اتّساع متعلّقها قرينة على إرادته من قوله : أنت وكيل في هذه الامور ، التوكيل فيها بنفسه أو بغيره ، فلا يزيد هذا على التصريح مع الإطلاق.

وقد عرفت أنّ الوليّ المأذون في التصرّف مطلقا يوكّل غيره عمّن له الولاية عليه.

ثمّ على التقادير المذكورة في التوكيل الأوّل مع جواز توكيل الغير ، فهل يحمل توكيل الوكيل لو أطلق على التوكيل عن الموكّل ، أو عن الوكيل؟ وجهان ، من أنّ الظاهر من استنابته عن نفسه ، ومن التبادر ، مضافا إلى ما مرّ من تبعيّة الولاية للملك ، فتكون الولاية الثابتة له عن المالك.

ألا ترى أنّ وكيل الوصيّ إنّما يبيع عن الميّت مع عدم قابليّته للولاية حينه ،

٤١٥

لكن بإذن الوليّ ، لا عن الوصيّ ، لأنّه ليس مالكا حتّى يبيع عنه.

وبالجملة ؛ المسألة معنويّة ، فإنّ المقصود أنّ هذه الولاية الثابتة له بتوكيل الوكيل ولاية عنه ، أو عن الموكّل حتّى يترتّب على كلّ أثره ، لا لفظيّة ، فلا يحتاج إلى التصريح.

نعم ؛ يمكن أن يقال : لو صرّح الموكّل بأحدهما وخالف الوكيل في اللفظ بأن قال الموكّل : خذ عنّي وكيلا فقال له : أنت وكيلي في هذا الأمر ، بطل هذا.

ولو قلنا بأنّ إطلاق الوكيل ينصرف إلى الوكالة عن الموكّل قطعا فصرّح بكونه وكيلا عنه لا عن الموكّل بطل أيضا ، لأنّ ما وقع لم يصحّ ، وما صحّ لم يقع ، كما لو صرّح الوليّ بالوكالة عن نفسه ، فتأمّل (١)!

قال المحقّق في «المختصر» : ولا يوكّل العبد إلّا بإذن مولاه ولا الوكيل إلّا أن يؤذن له (٢) وفيه يذكر ـ تقريبا تنظيرا لما ذكر من تبعيّة الولاية في التصرّف للمال ـ ما حقّق في محلّه من أنّ خيار المجلس حقّ ماليّ تابع للمالك لا للعامّة فلو عقد الوكيلان فالمعتبر مفارقة المالكين لا هما.

نعم ؛ لو كان وكيلا عنه في جميع الامور كالعامل أو لم يكن المالك حاضرا في مجلس العقد ، فالمعتبر مفارقته لا مطلقا ، وذلك بخلاف تفرّق المتعاقدين في الصرف والتقابض فيه كالخيار فيعتبر تقابض المالكين إمّا بنفسه أو وكيله ، فتأمّل!

ولذلك تراهم لا يتعرّضون في الوكيل في البيع أنّه [هل] له إسقاط خيار

__________________

(١) لكنّ التحقيق أنّه بعد كون المسألة معنويّة وجواز الولاية له عن الموكّل لو صرّح فضلا عمّا لو أطلق بكونه وكيلا عنه صار وكيلا عن الموكّل ، فتدبّر! «منه رحمه‌الله».

(٢) المختصر النافع : ١٧٨.

٤١٦

المجلس أم لا ، وليس ذلك إلّا لعدمه له أصلا وعدم دلالة التوكيل في البيع على جعل الخيار لنفسه عنه ، كما يتعرّضون أنّ له القبض أم لا ، ويتعرّضون أنّ للمضارب إسقاط الخيار في البيع وغيره مع المصلحة أو ظهور الربح.

وقول المحقّق في «المختصر» : ولا يوكّل العبد إلّا بإذن مولاه ولا الوكيل إلّا أن يؤذن له (١).

احتمل في العبارة أن يقرأ الفعل في المقامين مجهولا ، فالمعنى إثبات الحكم التكليفي للموكّل بأن لا يجوز توكيل عبد الغير إلّا بإذن مولاه ، لأنّه تصرّف وإعمال لمال الغير بغير إذنه ، لكنّه لو فعل عصى العبد لتصرّفه في لسانه الّذي مال الغير لكنّه صحّ التصرّف ، لأنّ النهي في المعاملات إن كان راجعا إلى ترتيب آثارها فيوجب فسادها لامتناع وجود المؤثّر بدون الآثار ، وإن لم يكن كذلك ، بل لقبح في نفس ذلك التصرّف والتلفّظ مع قطع النظر عن الآثار ، أو لانطباق أمر محرّم عليه كالبيع وقت النداء ، فلا يوجب الفساد وإن عصى ، فبيع العبد لغير مولاه كالبيع في الدار المغصوبة.

ثمّ إن كان الفعل الصادر من العبد ممّا له اجرة بطل المسمّى إن كان ، ويثبت للمالك اجرة المثل مطلقا ، ويخيّر في الرجوع بأيّهما شاء ، فإن رجع على الموكّل رجع في الحال.

وأمّا الوكيل فإن كان وكيلا خاصّا أو عامّا بغير جعل فلا إشكال في جواز توكيله ، ويكفي في الأوّل إبطال التوكيل الأوّل ، وإن كان خاصّا لازما إمّا بجعل أو بغيره ، فإن كان الفعل ممّا لا ينافي العمل الموكّل فيه صحّ التوكيل الثاني ويستحقّ

__________________

(١) المختصر النافع : ١٧٨.

٤١٧

الاجرة إن كان حاله ذلك ، لكن لو قيل بأنّ تمام منافعه المتصوّرة للغير ، أو فرض كذلك بأن وقع العقد الأوّل كذلك ، أمكن القول بثبوت الاجرة له لا للوكيل ، أو الخيار ، وإن كان منافيا له فلا يجوز ذلك من حيث الحكم التكليفي.

وأمّا الحكم الوضعي فكما مرّ في العبد ، لكن سياق كلام الفقهاء في مثل هذا المقام في الإجارة وهنا هكذا ، ويجوز للمستأجر والوكيل أن يعملا لغير المؤجر والموكّل إلّا أن يكونا خاصّا.

وقد سبق أنّه من جهة ظهورهما في عدم تعيين المباشرة والمدّة وإن كان لهما المطالبة فورا إلّا في ما يلاحظ فيه بعض الخصوصيّات في المستأجر ، كما لو كان العمل عبادة لملاحظة العدالة والديانة وعلمه بالأفعال والمسائل وغيرها.

وإن احتمل في المسألة وجه آخر ، وهو التفصيل بين ما لو وقع العقد بلفظ يدلّ على المباشرة أو على الأعمّ كاستأجرتك ، أو تقبّلت.

توكيل الحاكم عن السفهاء والمجانين والبله

قالوا : وللحاكم أن يوكّل عن السفهاء والمجانين والبله من يتولّى (١).

لا شبهة في جواز ذلك لهم بعد ما قرّر من ظهور الإذن وتفويض الولاية في أمر في حصول ذلك ، سواء كان بطريق المباشرة أو بالاستنابة ، فلا حاجة إلى الاستدلال بالإجماع.

نعم ؛ لو قلنا بظهور ذلك في المباشرة احتجنا في الخروج عن مقتضى هذا الأصل إلى الدليل ، لكن لا يخفى أنّ أخذ الوكيل في الفعل بطريق يكون النظر

__________________

(١) المختصر النافع : ١٧٨.

٤١٨

إليهم لا إلى الوكيل إلّا أن يكون الفعل خاصّا.

والحاصل ؛ أنّ في أخذهم الوكيل تفصيلا يأتي في توكيل الوصيّ.

قالوا : يشترط في الوصيّ أن لا يمنعه الموصي من التوكيل ، فيتّبع متّبعه في العموم والخصوص ، والتفصيل الموعود : أنّ الوصيّ إمّا أن يفوّض الولاية والأمر إلى الغير في نفس الأفعال وفي النظر ـ أي يفوّض التصرّف مطلقا والنظر ـ وإمّا أن يفوّض التصرّف مطلقا دون النظر مطلقا ، وإمّا أن يفوّض التصرّف في بعض الامور والنظر ، أو دون النظر.

وينبغي بيان مدرك جوازه أو عدمه ، فنقول : إن قلنا : إنّ الوصاية تفويض ولايته الدائمة المنقطعة بالموت لو لم يفوّض ، فكما كان للموصي التوكيل مطلقا فكذلك للوصيّ ، ولو قلنا : إنّ الوصاية تفويض الولاية مع اشتراط نظره بحيث كان هذا الوصف ملحوظا عنده ، كما هو الأقوى ، وصرّح به العلّامة في محكيّ بعض كتبه (١) ، فلا يجوز توكيل الامور إلى الغير مع تفويض النظر ، ويجوز توكيله في التصرّفات مطلقا من غير تفويض النظر إليه ، بل كان النظر في كلّ أمر لنفسه ، وأولى بالجواز ما لو فوّض بعض الامور دون النظر.

وأمّا لو فوّض التصرّف والنظر في بعض الامور ؛ فلا يبعد القول به حتّى على ما اخترناه ، لأنّ تفويض النظر إلى الغير قد يكون مصلحة.

فإن قلت : فيجوز التوكيل في التصرّف والنظر مطلقا ، لأنّ تفويض النظر مصلحة ، فلو رأى غيره أبصر في الامور مطلقا من نفسه جاز.

قلت : إنّ العلم الإجمالي بأصلحيّة نظره في الامور غير كاف في تحقّق

__________________

(١) تبصرة المتعلّمين : ١٢٩ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ٥٠٨ ، ط. ق.

٤١٩

المصلحة في جميع الامور ، فلعلّ في بعض الامور يرى المصلحة على خلاف ما يراه الوكيل مصلحة.

وأمّا إذا كان الأمر معيّنا كبيع دار معيّنة يمكن أن يكون الوكيل أبصر بالغبطة ، ويعلم بذلك الوصيّ فيفوّض النظر إليه.

فمن ذلك كلّه ينقدح حكم توكيل الحاكم وسائر الأولياء في أنّه لا ريب في اعتبار الشارع نظرهم في ذلك من غير إرادة مجرّد حصول أفعال القصّر في الخارج بمباشرتهم أو بإذنهم ، فيجي‌ء في توكيلهم التفصيل المذكور ، فتأمّل جيّدا.

أقسام التوكيل من الحاكم

وأمّا التوكيل من الحاكم في الخصومات فعلى أقسام :

منها : التوكيل في المرافعات واستماع الشهود وجرحهم ، والإحلاف والحكم.

ومنها : التوكيل في استماع الشهود.

ومنها : التوكيل في التحليف.

ومنها : التوكيل في الحكم.

ومنها : التوكيل في استماع الإقرار.

وليعلم أوّلا أنّه لا يجوز توكيل الحاكم لمثله إلّا في زمان الحضور مع وجود التصريح من الإمام أو قرينة على الإذن من الإمام ولو فحوى ، كاتّساع المتعلّق ، وأمّا في زمان الغيبة فالجميع سواء ، فليس أحدهما أولى من الآخر حتّى يستحلف غيره.

نعم ؛ قد يتصوّر ذلك بناء على عدم اشتراط بعض الشروط الثمانية فيه ،

٤٢٠