الرسائل الفقهيّة

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

الرسائل الفقهيّة

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-93094-1-1
الصفحات: ٧٠٨

لاتّفاقهما على استحقاق المؤجر إيّاه أجمع وانتقالها إليه.

وكذا لا تسقط من إجارة العين المستأجرة لو كان الاختلاف في الاجرة إلّا في صورة كون الاجرة والعين متعدّدتين مطلقا ، فإنّ الحكم هنا التحالف أيضا مع احتمال التفصيل على ما حكي عن العلّامة (١) بل رأيناه في «قواعده» (٢) بين صورتي التوزيع ، فالحلف لاجتماعهما على أمر جامع وعدمه ، فالتحالف لو كان النزاع في المدّة زيادة ونقصانا مع كون الاجرة متّحدة أو متعدّدة ، فافهم!

وضابطة التحالف إن كان مورد النزاع أمرا واحدا ذا جهتين يترتّب على كلّ منهما أثر مالي أو عرضيّ أو حقّ ، كالعقد على الثوب أو الجارية ، وأمّا إن كان مورد النزاع أمرين مختلفين ، فهنا توجّهت الدعويان ، كما لو ادّعى عليه عبد أو ادّعت عليه جارية من غير أن يكون النزاع في العقد.

ثمّ اعلم! أنّ الحكم المذكور في صورة كون الاجرة من قبيل الأقلّ والأكثر مع عدم التباين في الطرف الآخر من كون القول قول منكر الزيادة بيمينه إنّما هو إذا كانتا كلتاهما مضمونتين.

وأمّا لو كانتا متعيّنتين فالحكم التحالف ، وإن كان أقلّ وأكثر ، لعدم اتّفاقهما على أمر جامع لتشخّص العقد بتشخّص المتعلّق.

وكذا الكلام في العين المستأجرة ؛ فإنّها لو كانت مضمونة وكان مورد النزاع منها أقلّ وأكثر فالحلف بوجود قدر جامع.

__________________

(١) حكاه عنه في الحدائق الناضرة : ٢١ / ٦٣٩.

(٢) قواعد الأحكام : ١ / ٢٣٦ و ٢٣٧.

٣٦١

وأمّا إن كانتا متعيّنتين فالتحالف ، وفي بعض تحقيقات العلّامة رحمه‌الله (١) : أنّ ما ذكرنا من أحكام صور الأقلّ والأكثر من الحلف لا التحالف ، إنّما هو إذا كان الغرض من النزاع هو المال ، أمّا لو كان محلّ النزاع نفس العقدين والغرض ترتيب آثار كلّ من العقدين غير مسألة الاجرة أو العين المستأجرة ، كما لو كان العقد المتشخّص بالاجرة الّتي يدّعيها أحدهما مشروطا في عقد آخر ، فالغرض هنا إثبات الخيار بالنسبة إلى العقد المشروط ونفيه.

فلا يقال : إنّ القول هنا قول منكر الزيادة ، كما لا يخفى.

ثمّ لمّا كان في الغالب العين المستأجرة في الإجارة كونها متعيّنة والنزاع ماليّ ؛ أطلقوا الحكم ، لكون القول قول المالك ، كما أنّ الغالب لمّا كان في طرف الاجرة كونها في الذمّة أطلقوا الحكم بكون القول قول المستأجر في نفي الزيادة ، ولو كانت الإجارة بالنسبة إلى العين مضمونة ، أو كانت الاجرتان المتنازع فيهما متعيّنتين انعكس الحكم في المقامين.

موارد القرعة عند التنازع بين المؤجر والمستأجر

ولمّا ذكر في المقام في بعض صور المسألة بالقرعة ، فلا بدّ من بيان موردها حتّى يعلم وجه ترجيحها عند القائل بها وعدمه عند الجماعة (٢).

فنقول : إنّ القرعة لبيان موضوع الحكم ، أو لتعيين الأمارة ، أو لترجيح إحدى الأمارتين.

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٣٣٠ ط. ق.

(٢) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٢١ / ٦٣٧ و ٦٣٨.

٣٦٢

فالأوّل : مثل القرعة في تعيين المطلّقة ، وتعيين العين الموصى بها ، لتردّدها بين اثنتين أو أزيد ، كما لو أوصى بعتق ثلث عبيده أو عدد منهم.

والثاني : مثل ما ذكروا في تعيين ذي اليد فيما لو تنازعا في سقف البيت.

والثالث : مثل ما ذكروا من تعارض البيّنتين بعد عدم المرجّح من الأعدليّة والأكثريّة ، فلعلّ نظر القائل بالقرعة في مسألة التنازع في قدر الاجرة وأنّه من خرج اسمه حلف ، إلى أنّ قول كلّ منهما مخالف للأصل فلا بدّ من تعيين المنكر ، وفيه نظر.

والحاصل ؛ أنّ القضاء شرّع لإقامة المعروف ، فإنّه من أفراد الأمر بالمعروف ، ولدفع النزاع وانتظام العالم ، وذلك يتحقّق بإثبات المطلب والواقع إمّا واقعا أو تعبّدا وبحكم الشارع كالبيّنة والقرعة ، فتأمّل!

وإمّا أن تفصل الخصومة باليمين ، ولذلك عمل الأصحاب في بعض الموارد بما يقتضي رفع النزاع والخصومات ، وإن كان أمرا استحسانيّا كمسألة تخليد المدّعي للتلف في الحبس لو لم يقبل قوله في دعواه ، ومسألة الوديعة حيث حكم بقبول قول المدّعي للردّ ، لكون الوديعة مبنيّة على الإخفاء.

فلذا لو لم يشهد في الردّ [إلى] الوكيل في الوديعة لمال شخص عند آخر لم يضمن ، ولذا لو أنكرها من غير الودعي مع سؤال الودعيّ عنه لم يضمن ، مع أنّ الإنكار من أسباب الضمان لصيرورة المنكر بذلك خائنا (١).

__________________

(١) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٢١ / ٤٥٨.

٣٦٣
٣٦٤

رسالة الوكالة

٣٦٥
٣٦٦

بسم الله تعالى

أقسام الوكالة

اعلم! أنّ العقود إمّا تمليكيّة أو غير تمليكيّة.

والأوّل إمّا معاوضيّة ، أو شبه معاوضيّة ، بأن كان فيها شائبة عبادة ، بمعنى أن يكون الحقّ فيها بحيث يورد (١) المتعاوضين ، ولذا لا تقبل التقايل كالنكاح ، فإنّ فيه حقّا لغير المتعاقدين ، أعني لله ، وهو أمر النسب ، ولذا لو تصادقا على عدم النكاح بعد الإقرار لم يسمع ولا يرتفع النسب ، بخلاف المال ، أو غير معاوضيّة ، مجانيّة أو لابشرطيّة ، كالقرض!

والمعاوضيّة إمّا لازمة أو جائزة.

قيل : وكذا الثانية ، كالخلع والمباراة ، لا كالنكاح المشروط فيه بعض الامور الموجب تخلّفها للخيار ، إلّا أنّ جواز الرجوع حكم شرعي غير موجب لكونها جائزة ، فتأمّل!

والعقود الغير التمليكيّة إمّا إذنيّة ، وإمّا مثبتة للحقّ ، كالرهن والعارية ، والاهتمام في الألفاظ في العقود التمليكيّة المعاوضيّة الشبيهة بالعبادة أكثر منها من غير الشبيهة لها ومطلق ، والمعاوضيّة أكثر من غيرها ، ومطلق التمليكيّة أكثر من غيرها ، والمثبتة للحقّ من غيرها أكثر من الإذنيّة.

__________________

(١) كذا في النسخة.

٣٦٧

وأحسن العقود الإذنيّة الوكالة ، لعدم كفاية الفعل أو الإشارة مع عدم العجز في إيجاب عقد من العقود مطلقا غيرها ، ونعني بالاهتمام المذكور بالألفاظ من حيث الصراحة والفوريّة والفعليّة أو الاسميّة ، وأمّا التعليق فمبطل في العقود مطلقا ، لعموم دليله على ما حقّق في محلّه.

نعم ؛ في كلّ عقد مبناه وحقيقته على التعليق ، كالوصيّة صحّ التعليق فيه ، كما أنّ كلّ شرط يشترط في العقود مطلقا في غير العقود الّتي مبناها على خلاف ذلك الشرط ، كالسكنى والعمرى بالنسبة إلى المدّة المجهولة المضروبة فيها ، وكالثمار في بيعها حيث جاز مطلقا أو على بعض الوجوه.

وسيأتي دليل بطلان التعليق فيها.

اشتراط فوريّة القبول في الوكالة وعدمها

واعلم! أنّه ذكروا في الوكالة عدم اشتراط الفوريّة معلّلا بأنّ حكمة جعلها هو تسهيل الامور للغائبين في قضاء وطرهم بها ، فاعتبارها فيها مناف لأصل الحكمة ، كما أنّ مفاد الوصيّة هو التمليك الحاصل بعد الموت ، فبطلان صحّة الإيجاب التأهليّة به مخالف لوضعها وإن كان مبطلا للصحيح التأهّلي ، والإيجاب قبل القبول كذلك ، وهذا مع قول المحقّق والشهيد الأوّلين في بيان عدم اشتراطها ، فإنّ الغائب يوكّل (١) ، فلا دور ولا مناقشة كما توهّم ، فافهم!

وهل يشترط في الوكالة عدم ردّ القابل للإيجاب؟ الأقوى نعم ، لأنّ أثر العقد تابع لتحقّقه ، والإيجاب قبل القبول صحيح تأهّلي يبطل تأهّله بالردّ ، إذ

__________________

(١) المختصر النافع : ١٧٨ ، اللمعة الدمشقيّة : ٩٧.

٣٦٨

معنى التأهّل كونه بحيث لو تعقّبه القبول لأثّر ، ولو تعقّبه الردّ بطل ، فمع الردّ لا عقد ، كما لا يخفى ، فكيف لو ردّ بعد القبول ، وأمّا جواز القبول بعد الردّ في حياة الموصي فلما مرّ من كون وضع الوصيّة على التمليك بعد الموت ، والمتأخّر لم يقع بعد ، وهذا على القول باعتبار تأخّر القبول عن الحياة ، فلا اعتبار لردّه السابق.

أمّا على تقدير جواز تقديمه في حال الحياة ، فينبغي القول بمثل الوكالة من تأثير الردّ كالهبة ، فيبطل الإيجاب السابق ، ولو قبل بعد الحياة.

ولو قيل : إنّ عدم اشتراط المقارنة في الوصيّة اتّفاقا مانع هناك بخلاف الهبة ، قلنا مثل ذلك في الوكالة.

والحاصل ؛ أنّ الوكالة والهبة والوصيّة وغيرها سواء في بطلان الإيجاب بالردّ لو قلنا بجواز تقديم القبول على الوفاة ، كما هو مذهب الشهيد الأوّل (١).

وأمّا على القول في الوصيّة باشتراط مقارنته للوفاة فعدم تأثير الردّ متوجّه ، لأنّ الإيجاب فيها يتعلّق بعد الوفاة ، فلو قبل قبله لم يطابق الإيجاب ، فلا أثر لردّه وليس هذا الاحتمال في غيرها ، فالقول ببطلان الأثر العقدي متّجه ، ولذا قيل في انتقال حقّ القبول إلى الوارث مطلقا بأنّ ذلك للنصّ (٢) ، ولولاه لما تمّ ؛ لأنّه في صورة عدم موت الموصي قبل الموصى له يمكن القول بذلك ؛ لما ذكر في تعليل المشهور لاشتراط القبول بعد الوفاة.

وأمّا لو مات الموصى له بعد موت الموصي ولم يقبل بعد ، فقد بطل صحّة

__________________

(١) اللمعة الدمشقيّة : ٩٧ و ١٠٤ ، الدروس الشرعيّة : ٢ / ٢٨٥ و ٢٨٦ و ٣٢٦.

(٢) وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٣٣ الحديث ٢٤٧١٦ ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ٢٢ / ٣٩٥.

٣٦٩

الإيجاب التأهليّة بموت الموصى له ، وليس موته مثل موت الموصي محقّقا لموضوع الوصيّة ، فافهم!

والقول المذكور هو المشهور ، وإن كان الأقوى هو التفصيل بين ما لو تعلّق غرضه بشخص الموصى له وعدمه ، وفاقا لثاني الشهيدين (١) ، خصوصا لو كان موته بعد موت الموصي ، لإمكان القول بأنّ سكوت الموصي مع علمه بموته إمضاء لوصيّته بالنسبة إلى الوارث أو قرينة على عدم تعلّق غرضه بشخص ، فافهم.

وأمّا جواز التصرّف بالعقد السابق ، فلكفاية كلّ كاشف للإذن في جواز التصرّف ، بل العلم به كاف ، بخلاف العقود.

نعم ؛ في إيقاع العقد يكفي العلم بالرضا به ، لا بالنسبة إلى أثر العقد ، فلا يجوز البيع والإقراض بالعلم برضاه ، ويجوز إيقاع عقدهما به ، فتدبّر!

فلو لم يحصل من الإيجاب السابق إذن ، وحصل بشاهد الحال ، كفى ، وهذا نظير الإذن الحاصل في الوكالة الباطلة ، فإنّ الإذن ليس إلّا من جهة كفاية الكاشف الفاسد لحصول المناط.

وكذا المضاربة الفاسدة وغيرها ، لأنّ حقيقة الوكالة هي الاستنابة في التصرّف المستلزم لجوازه ، فالإذن الحاصل فيها حاصل في ضمن الاستنابة وليس استنابة وإذن.

وكذا في القراض ، بل حقيقتها لغيرها ليست إلّا أمرا مستلزما للإذن ، فمتى بطلت الاستنابة بطل الإذن الحاصل في ضمنها ، والفصل محصّل للجنس ، وكيف

__________________

(١) مسالك الإفهام : ٦ / ١٢٩.

٣٧٠

يبقى بدونه وليس ذلك مثل مشخّصات زيد الّتي لا يوجب ذهابها ذهاب الإنسانيّة أو ليست المشخّصات محصّلة لها ، مع أنّ ذلك أيضا غير معقول ، كما لا يخفى ، فتأمّل!

ولكن ذلك العقد الباطل بالنسبة إلى الاستنابة ، كاشف عن الإذن.

وكالة المتبرّع

نعم ؛ بالنسبة إلى الوديعة المنضمّة لها في الوكالة والقراض ليست حقيقتهما جنسا ، ولذا لو تعدّى فيهما ضمن ، مع عدم بطلانهما ، قال المحقّق في «المختصر» : (ولا حكم لوكالة المتبرّع) (١).

أقول : أي ولا أثر للوكالة لو تبرّع الوكيل في وكالته ، وهذا ردّ على العامّة حيث جوّزوا أن يتوكّل متبرّع عن الغائب في الخصومات حسبة ، بيان ذلك أنّهم يقولون : إنّ الامور الشرعيّة على ثلاثة أقسام :

قسم ؛ أراد الشارع حصوله من مباشر معيّن بحيث لا تترتّب الآثار المختصّة به إلّا مع صدورها من مباشر معيّن كالصلاة والطهارة.

وقسم ؛ أراد حصوله من المكلّف أو من نائبه سابقا أو لاحقا لتشمل الإجازة بصيرورة الفضولي بها وكيلا بحيث يترتّب الأثر الشرعي على حصوله منه أو من نائبه ، وذلك كالبيع وغيره من العقود القابلة للنيابة ، فإنّ رضى المالك معتبر في ترتيب آثارها فمتى حصل [يترتّب الأثر الشرعي عليه] ، سواء قام بها بنفسه أو بنائبه.

__________________

(١) المختصر النافع : ١٧٨.

٣٧١

وقسم ؛ أراد الشارع حصوله في الخارج بأيّ نحو كان ورتّب الأثر الشرعي عليه ، وذلك كإزالة النجاسة عن الثوب أو البدن ، كما أنّ حصول الحرج أو التهمة موجب لنقض الحكم ، سواء قام بهما المدّعى عليه أو غيره ، ولو بغير إذنه ، أو علم الحاكم بنفسه.

فكذا قيام الغير بالنسبة إلى استماع بيّنة المدّعي وجرحها وغيرهما ، إذ المقصود ثبوت الحقّ وإبطال الباطل بالبيّنة أو اليمين حيث أمكنت كالمردودة ، كما يجوز للحاكم ذلك بطلب المدّعي مع غيبة المدّعي ، والحكم مع إبقاء الحجّة للغائب ، فالوكيل المتبرّع إذا استمع حسبة تسقط حجّته ، كما يجوز ذلك في بعض الامور الحسبيّة ، كحفظ مال اليتيم.

فذكر المحقّق أنّ تلك الوكالة لا أثر لها (١).

وبيان ذلك ؛ أنّ الوكيل إمّا أن يتوكّل في إتمام حكم المدّعي أو في رفع دعواه ، وحكم الحاكم فإن كان في استماع الدعوى وإتمام حكمه كما كان للحاكم نفسه ذلك ، فلا يسقط ذلك حجّة الغائب ، كما لا يخفى. مع وجود التهمة ، مع عدم اطّلاع الغائب في كونه وكيلا.

وإن كان في رفع الحكم ـ كما هو الظاهر من كلماتهم كما قيل ـ فهو مبنيّ على أنّه هل يجوز للحاكم مطالبة المدّعي أو المنكر بالبيّنة أو اليمين مع عدم مطالبة المقابل حيث كان عالما بوجوب البيّنة أو اليمين لأنّ ذلك وظيفته ، أم لا لانحصار الحقّ له ، فليس له التبرّع ؛ لاتّهامه لو فعل مع عدم المطالبة؟

__________________

(١) مرّ آنفا.

٣٧٢

ولعلّ هذا أقوى وفاقا لجماعة ، كالعلّامة وغيره (١).

فإن قلنا بذلك ، فلا يجوز له استماع ما يقيمه الوكيل المتبرّع من الجرح أو البيّنة لكون ذلك حقّا للمدّعى عليه ولم يطالب ، فلم يمكن الحكم ، فتدبّر!

وإن قلنا بنقيض ذلك ، فلا نقول به في الجرح ، لكونه هتكا لحرمة المؤمن الغير الجائز أو مطالب لماليّة المدّعي المثبتة للحقّ أو المردودة بالنسبة إلى غير ذي الحقّ.

نعم ؛ لو قام الوكيل بأمر لو حصل من المدّعى عليه أو الوكيل كالشركة لتهمة مثلا جاز ، لكن هذا لا ربط له بالوكالة ، ولا يسقط حجّة الغائب في نفي حجّة لو صدر الحكم بها ، فلا أثر للوكالة التبرعيّة مطلقا عنه.

تعليق الوكالة وتنجيزها

قالوا : ويجوز تنجيز الوكالة وتعليق التصرّف إلى أمد (٢).

الفرق بين التعليق في الوكالة والتعليق في التصرّف ؛ أنّ النيابة في الأوّل بعد العقد وقبل حصول المعلّق عليه غير حاصلة بعد ، وفي الثاني هي حاصلة بعده وقبله ، ولكنّ الإذن في التصرّف غير حاصل ويختلف بالتعبير ، فلو قال : وكّلتك في بيع داري ؛ فالبطلان ، ولو قال : وكّلتك في بيع داري غدا ؛ فالصحّة.

نعم ؛ لو شرط أو نهى عن التصرّف دائما بطلب الوكالة ، لاشتراطها لما ينافي مقتضاها ، كما لو شرط في البيع عدم التصرّف في الجملة أو دائما [فيبطل] ،

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٢ / ١١٤ و ١١٥ ط. ق ، شرائع الإسلام : ٢ / ١٩٣ ، الحدائق الناضرة : ٢٢ / ١٠.

(٢) المختصر النافع : ١٧٨.

٣٧٣

فقد اتّضح الفرق بين التعليقين ، فدعوى كون تعليق التصرّف في معنى تعليق الوكالة غير واضحة ، بل الواضح خلافها.

فكما أنّ عدم جواز التصرّف في بعض الأوقات قد يكون لمنع شرعيّ منه ، أو لعدم قابليّة المتعلّق للتصرّف حال العقد ، كما لو وكّل المفلّس في بيع متاعه بعد زوال الحجر أو وكّل رجلا جنبا في إيقاع عقد في المسجد ، أو إدخال شي‌ء فيه ، أو وكّل في طلاق امرأته الحائض ، ولا يمنع ذلك من جواز الوكالة ، كذلك لو أذن وعلّق التصرّف على وقت أو حصول شرط ، ولم يدلّ دليل اشتراط التنجّز في العقود على اشتراطه في مطلق الإذن ، إذ هو إمّا الإجماع ، فهو ظاهر ، وإمّا ما ذكره جماعة من المحقّقين كالشيخ صاحب «الجواهر» من أنّه كما لا يجوز التعليق في الأسباب العقليّة والعاديّة ، كأن يقال : النار محرقة إن جاء زيد ، وإلّا لزم خروج السبب والعلّة عن السببيّة والعلّيّة ، بل يكون هو مع الشرط سببا ، كذلك الأسباب الشرعيّة ، وإن كانت معرّفات لو كانت معلّقة (١).

فإن قلنا بترتّب آثارها الشرعيّة قبل حصول المعلّق عليه فلا أثر للتعليق ، وإن رتّب الآثار بعد حصوله فقد خرج السبب عن السببيّة والمعرّفيّة ، إذ هو مع حصول غيره صار سببا ومعرّفا.

مثلا قولك : إن جاء زيد أو طلع الشمس فقد بعته ، البيع والمجي‌ء أو الطلوع سبب للنقل لا نفس البيع ، مع عدم جعل الشارع سببا له إلّا البيع.

وإلى هذا أشار الشهيد الثاني في مسألة كاشفيّة الإجازة لا ناقليّتها أنّ

__________________

(١) لاحظ! جواهر الكلام : ٣٢ / ٧٨ ـ ٨١.

٣٧٤

الشارع جعل العقد سببا (١).

فلو قلنا بعدم حصول النقل إلّا بعد حصولها ، لزم خروج السبب عن كونه سببا.

نعم ؛ لو شرط الشارع أمرا في حصول النقل كالقبض في الصرف والهبة والوقف ، لم يكن العقد بنفسه سببا ، بخلاف الإجازة ، وكان هذا هو السرّ في ما ذكره جماعة من كون الإجازة شرطا للّزوم ، مع قولهم بأنّ مثل القبض شرط في الصحّة وإن كان ترتيب آثار الصحّة في زمان الإجازة من زمان الإجازة.

وأمّا التمسّك ب «الناس مسلّطون على أموالهم» (٢) وحلّيّة مال امرئ (٣) في جواز العقد التعليقي بعد تخصيصها بالعقود الّتي هي سبب النقل لا جريانها مطلقا ـ كما هو ظاهر ـ فغير صحيح جدّا ، إذ مجرّد ذلك غير مجد وإلّا لجاز التمليك بغيرها ، ولذا قالوا : إنّ التعليق على أمر معلّق عليه العقد عند الشارع غير مضرّ ، لكون العقد مع ذلك المعلّق عليه مؤثّرا في الواقع ، وكذا لا يضرّ في العبادات تعليقها على ما هو شرط فيها عند الشارع ، كأن يشترط في نيّة الصلاة عدم الحيض أو الحياة أو عدم الجنون ، لعدم منافاتها للجزم في النيّة.

وأمّا التعليل بعدم حصول الرضا عند حصول المعلّق عليه ، وحصولها بمضمون العقد عنده غير مجد ، فكلام ظاهر ، إذ الرضا في التعلّق بأمر مستقبل ، ولو كان المعلّق عليه مشكوك الحصول عند العاقد حينه ، متحقّق الوجود حال

__________________

(١) الروضة البهيّة : ٣ / ٢٢٩.

(٢) عوالي اللآلي : ١ / ٢٢٢ الحديث ٩٩.

(٣) عوالي اللآلي : ٣ / ٤٧٣ الحديث ٣.

٣٧٥

العقد ، لم يصحّ أيضا ، لتخليل قصد العاقد إلى أنّ العقد مع الشرط سبب ، ولعدم الرضا منجّزا حاله ، كما ذكره الشهيد في «قواعده» (١) ، فتأمّل!

وتمام الكلام في باب البيع ، وليس هذا يقتضي بطلان تعليق الإذن.

نعم ؛ لو لم يكن الآذن مالكا للتصرّف حين العقد وأوجد الوكالة وإن نجزّها وعلّق التصرّف على زمان حصول التصرّف له بطلت الوكالة والإذن ، كما لو وكّل في طلاق امرأة سينكحها ، أو كان محرما ، أو وكّل محرما أو محلّا في شراء الصيد ، أو العقد بعد إحرام الموكّل ، لعدم أهليّة الموكّل للتوكيل.

كما لو وكّل العبد غيره في التصرّف في ماله بعد عتقه ، لعدم أهليّة الموكّل للتصرّف في ما وكّل غيره بنفسه ، أو بغيره أو وكّله في بيع فاسد ، فإنّه لا يملكه الوكيل ، كما لم يكن الموكّل مالكا له ، بخلاف ما لو وكّلت المرأة الحائض غيرها في إيقاع عقد في المسجد ، لكونها مالكا له بغيره ، وكما يمنع عدم أهليّة الموكّل ، كذلك يمنع عدم أهليّة الوكيل ، كما لو كان محرما أو وكّل في عقد النكاح أو شراء العبيد.

هذا ؛ ثمّ إنّ الاستنابة على قسمين :

قسم ؛ يوجب الولاية للنائب ، بعد سقوط ولاية الموكّل في ما وكّله ، فلا تثبت ولايته ما دام ولاية الموكّل كالإيصاء ، فإنّ ولاية الموصي ما دامت ثابتة لم تثبت ولاية الوصيّ وتسقط ولايته إذا مات وتثبت للوصيّ.

وقسم ؛ توجبها له مع بقائها للموكّل ، وذلك في وكالة الأحرار.

وأمّا استنابة العبيد ؛ فليست إثبات الولاية ، لا لعدم قابليّتها لها ، لجواز

__________________

(١) القواعد والفوائد : ٢٠ و ٢١.

٣٧٦

الإيصاء إليه بإذن مولاه ، بل لكونها بمنزلة الآلة.

ولذا قالوا : إنّه لا يحمل إذن العبد في التصرّف على كونه وكالة ، لأنّه استخدام وإن كان قابلا لها ، فإذا وقع عقد الوكالة بلفظها كالاستنابة أو الوكالة حملت عليها مطلقا.

ولو وقع بلفظ الإذن ؛ فإن كان المخاطب حرّا يحمل عليها أيضا إلّا مع القرينة على إرادة الإذن المجرّد ، لا الولاية ، وإن كان المخاطب عبدا فهو استخدام لا ولاية.

فإذا وقع التعليق أو أمر آخر موجب لبطلان الوكالة ، فإن كان الواقع لفظ الوكالة ، فبطلانها يبطل الإذن المستلزم له ، إلّا أن يقال : إنّ التصرّف يكفي فيه رضا المالك ، فمتى حصل ـ ولو حصل بكاشف فاسد بالنسبة إلى أمر آخر ـ جاز التصرّف.

نعم ؛ لو كان الموكّل جاهلا بفساد الوكالة ولم يكشف الرضا بأمر آخر غير لفظ «وكّلتك» لم يجز التصرّف ، بخلاف ما لو كان عالما ، وإن كان الواقع بلفظ الإذن وكان المخاطب حرّا ، بطلت الوكالة الظاهر فيها ، بقرينة المخاطب.

وأمّا جواز التصرّف ؛ فإن اكتفينا في حصول الرضا بكاشف فاسد أو حصل من غير لفظ الإذن ، فلا إشكال في جوازه وإن كانت الوكالة الظاهرة من هذا اللفظ باطلة ، وكذا الإذن المستلزمة هي له.

ويحتمل أن يقال بحمل كلام المتكلّم على الصحيح : إنّ المراد من هذا اللفظ الإذن لا الوكالة ، فحمل الكلام على الصحيح قرينة على صرف الكلام عن الوكالة الظاهر فيها ، كما يفعل ذلك في باب الإقرار والبيع ، كما لا يخفى على الفقيه المتتبّع.

٣٧٧

ولو كان المخاطب عبدا صحّ بلا إشكال لظهور الإذن معه في غير الوكالة ، وقد مرّ أنّ التعليق غير مضرّ في مطلق الإذن ، كما لا يخفى على الفقيه المتفطّن.

ثمّ إنّ بعض العقود ما هو معاوضيّة ، وبعضها غير معاوضيّة ، وإن ذكر فيها العوض كالنكاح والخلع ، وبعضها محتمل للأمرين كالصلح ، فافهم!

وليست الوكالة باعتبار اشتراط الجعل فيها وعدمه من هذا القسم ، بل هي معه من العقود التضمينيّة لا المعاوضيّة ، كالجعالة والنكاح في قول.

ولذا لو فسد الجعل في الوكالة المشروط فيها الجعل لم تفسد الوكالة ، وإن كانت موجبة للضمان لو كانت فاسدة بقاعدة «ما يضمن» كالهبة المشروط فيها العوض ، والعارية المشروط فيها الضمان.

مع أنّهما ليستا من العقود المعاوضيّة ، وليست القاعدة كلّ عقد معاوضيّ يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، فتدبّر!

أقسام الاستنابة

فقد علم أنّ الإذن والاستنابة على ثلاثة أقسام :

قسم ؛ يفيد إثبات الولاية وتفويضها بعد سقوطها عن نفسه.

وهذا القسم إنّما يكفي إذا لم يكن هناك ولاية مقدّمة على ولاية هذا المستناب ، كما لو كان هناك جدّ وأوصى إلى أحد على صغاره.

وأمّا ولاية الحاكم ؛ فهي متأخّرة عن جميع الولايات كإرثه ، وذلك لأنّ جعل الولاية له لعدم تعطيل الامور والأحكام ، كما أنّ إرثه لعدم كون المال بلا مالك ، ولذا لا يرث إن أمكن تحصيل الوارث ، ولو بأن يشترى ويعتق ويرث ،

٣٧٨

فكما أنّ ولاية الأب أو الجدّ مقدّم على ولايته ، كذلك ولاية الوالي منهما ـ وهو الوصيّ ـ مقدّم عليه.

وقسم ؛ يفيد إثبات الولاية له مع بقاء ولايته ، بل ما دامت ولايته ثابتة تثبت له ، وهذه هي الوكالة ، فحيث إنّها ولاية عمّن له الولاية على أمر فيشترط كونهما قابلا للولاية بمعنى كون الموكّل مالكا للتعالي بنفسه ولغيره ، والوكيل قابلا للتعالي وإن لم يكن قابلا للتعالي لنفسه ، فإنّ السفيه يتوكّل ، فلو لم يكن أحدهما قابلا لها بطلت الوكالة.

وكذا لو عرض بعد القابليّة ما يمنع منها ، كما لو جنّ أو مات أو اغمي على أحدهما ، ثمّ لو عرض الموكّل ، صار تصرّف الوكيل فضوليّا موقوفا على إجازة الوليّ الفعلي لذلك التصرّف أو إجازته بعد زوال المانع ، ولو عرض الوكيل فتصرّفه حيث أمكن كان لغوا ، للغويّة عبارة المجنون والمغمى عليه إلّا في مثل العارية ممّا يصحّ كون المجنون آلة كالصبيّ.

فقد عرفت من ذلك أنّ كلّ عقد مشتمل على مثل هذه الولاية وهي الوكالة تبطل بما يبطل بمثل ما ذكر ، بل وإن كان لازما ، كأن كان مشروطا في عقد لازم ، فإنّ الوكالة المشروطة في البيع تبطل بالموت والجنون والإغماء من كلّ منهما ، فالمناط في البطلان بالامور المذكورة بعروضها في العقود الإذنيّة مطلقا ، لا مطلق العقود الجائزة ، فإنّ الهبة جائزة ، وكذا القرض ، ولا تبطل بها.

نعم ؛ لو عرض مانع من التصرّف في مدّة ، سواء كان في المتعلّق كحيض المرأة الموكّلة في طلاقها ، أو في الوكيل أو الموكّل ، كأن صار الموكّل محرما ، أو الوكيل ، بعد ما وكّله في عقد نكاح أو شراء صيد.

٣٧٩

وأمّا كون الإحرام في حال الوكالة مانعا من تحقّق الوكالة ، فلعلّه من جهة حرمة الاستمتاع بالنساء لكلّ وجه حتّى الشهادة عليه ، ولعدم قابليّة المحرم للتملّك للصيد ، فتأمّل!

ثمّ اعلم! أنّ الإذن والاستنابة حيث أفادت الولاية تكون عقدا يفتقر إلى إيجاب وقبول قوليّ أو فعليّ ، وأمّا مسألة لزوم الإيصاء حيث لم يعلم الوصيّ إلّا بعد الموت ، أو ردّ ولمّا يبلغ الردّ ، وكذا عدم انعزال الوكيل بعزل الموكّل فأمر ثابت بالدليل القطعي الاعتبار ، مثل النصوص (١) والإجماعات.

وأمّا القسم الثالث من الإذن ، فهو إيقاع لو كان بلفظ الأمر ، مثل بع ، واشتر ، أو افعل ، ولذا يجب على العبد القبول ، وكذا يجب الحجّ بالبذل لا الهبة.

وأمّا البيع في الوكالة بمجرّد الأمر أو الإيجاب ـ بعد الغضّ عن عدم كون مثله إيجاب وكالة ، كما صرّح به في «التذكرة» (٢) ، بل مجرّد إذن ، وتسليم كونه إيجاب وكالة ـ فلأنّه وكذا كلّ عقد يحصل ، ممّا يجوز في إيقاعه بمجرّد الرضا من المالك ولو بشاهد الحال.

وأمّا تحقّق الانتقال ، فلمّا كان موقوفا على رضا المالك وإنشائه أو من هو وليّ عنه ، منه أو من الشارع فهنا إنشاء الوكيل ؛ فوكالته وولايته حين البيع ولو بنفس البيع ، فلا يقال : إنّ الوكالة والاستنابة عقد ، فما لم تتحقّق لم يتحقّق ، إلّا أن يقال : إنّه يصير بإرادة البيع ـ مثلا ـ وكيلا ويجري العقد ، نظير بيع الواهب ووطء المطلّق ، أو قبلته زوجته المطلّقة رجعيّا ، ولذا كلّ تصرّف موقوف على الإذن

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٦٢ الباب ٢ من كتاب الوكالة.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٢ / ١١٤ ط. ق.

٣٨٠