الرسائل الفقهيّة

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

الرسائل الفقهيّة

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-93094-1-1
الصفحات: ٧٠٨

خروجها إلّا بسبب ، فالمفروض حينئذ إذا مات فيدخل في عموم ما تركه الميّت فهو لوارثه لوجود المقتضي وعدم المانع ، أمّا الأوّل فقد يثبت بهذا البيان ، وأمّا الثاني فلأنّ المانع لانتقاله إليهم لم يكن إلّا حياة المورّث التي زالت ، هكذا أفاد دام ظلّه ، ولكن لا يخفى انصراف أدلّة الإرث عن مثل هذا الملك.

ثمّ إنّ هذا كلّه ؛ كان البحث في المسألة على ما تقتضيها القواعد الأصليّة في كلا المقامين ، وفيها روايتان قد أشرنا إليهما سابقا ونقلناهما بعينهما :

أمّا الاولى منهما : فلمّا كانت مجملة فلا يمكن أن يستفاد منها شي‌ء ، بل هي الّتي أشير إليها في جزء الأوّل من الثانية بقوله : (روى) (١) إلى آخره ، فعلى هذا لا بدّ من البحث في الرواية الثانية.

فنقول : إنّ المحتملات فيها أنّه إمّا أن يكون للجزء الثاني منها مفهوم بأن يكون غير الموقّت مطلقا داخلا فيه ، سواء كان غير موقّت رأسا بأن لم يذكر المصرف أصلا ، أو ذكر ولكن كان من المنقرض ، بأن لم يذكر المصرف له إلى أن يرث الله فيكون القسم الثاني من غير المؤقّت داخلا في مفهوم الأوّل ، أو لم يكن له المفهوم ، فعلى الأوّل يدخل القسم الثاني من غير المؤقّت فيما هو الباطل المردود فحينئذ باطل من أصله أو من حين الانقراض يحتمل كلاهما.

وأمّا ترجيح الثاني : نظرا إلى ما ذكره في «الجواهر» قدس‌سره من قوله عليه‌السلام : «مردود على الورثة» (٢) فلا وجه له حيث إنّه لا ريب في دخول الغير المؤقّت بقول مطلق فيما يكون باطلا ، وهو باطل من الأوّل ، وحينئذ الجمود على ظاهر

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٩٢ الحديث ٢٤٤١٤.

(٢) جواهر الكلام : ٢٨ / ٥٧ ، وسائل الشيعة : ١٩ / ١٩٢ الحديث ٢٤٤١٥.

٣٢١

قوله : (باطل مردود على الورثة) غير ممكن ، فلا محيص عن حمله على البطلان بحيث لا ينافي هذه الصورة بأن يكون المراد من البطلان أعمّ من الحالتين.

وفي القسم الأخير ؛ لكون الصحّة والبطلان بعد موت الواقف صار محلّا للابتلاء ، فكذلك قال عليه‌السلام فيه : «إنّه يردّ على الورثة» ، فالمراد بالردّ ليس الردّ الملكي حتّى ينافي الصورة المذكورة ، فحينئذ تخرج الرواية من الجهة الّتي ذكرها في «الجواهر» عن قابليّة استفادة حكم صورة المنقرضة الاخرى عنها من البطلان رأسا أو من حين الانقراض.

ولكن يمكن استفادته من الجهة الاخرى وهي أنّه بناء على إرجاع الرواية الاولى إلى الثانية ، فلمّا كان فيها قوله عليه‌السلام : «جهل مجهول» (١) ذكر تعليلا لبطلان غير المؤقّت ، بحيث يدور الحكم مداره ، فبالنسبة إلى ما كان غير مؤقّت فصدق هذا الوصف عليه باطل من أصله ، وبالنسبة إلى المنقرض الآخر باطل من حينه لصدقه عليه حينئذ كما هو واضح.

وأمّا على الثاني : بأن لا تكون للجزء الثاني ، مع أنّه خلاف الظاهر ، فأيضا لا يفرق الحال حيث إنّه حينئذ وإن كان كلا القسمين من المؤقّت المحكوم بالصحّة ببركة جواب الإمام عليه‌السلام ، ولكنّه في الشقّ الأخير لمّا كان ينطبق عليه التعليل المزبور من حين انقراض الطبقة الاولى فتصير النتيجة مثل ما تقدّم ، فعلى كلّ تقدير مفاد الرواية تنطبق على القاعدة أيضا فتأمّل!

فرع آخر :

لو وقف على زيد ثمّ على عبيده ، ثمّ على الفقراء فهل يصحّ الوقف مطلقا؟

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٩٢ الحديث ٢٤٤١٤.

٣٢٢

أي من غير جهة الوسط ، فإنّ الظاهر أنّه لا إشكال عندهم في بطلانه بالنسبة إلى الوسط لعدم قابليّة العبد للتملّك ، ولكنّا قد قوّينا سابقا صحّته ، أو يبطل مطلقا أو يفصّل بين الأوّل والآخر.

والثاني مبنيّ على استفادة وحدة المطلوب من الوقف بحيث كانت الطبقات الثلاث مرتبطة عند الواقف في إنشائه ، وحينئذ فلمّا كان يبطل بالنسبة إلى الوسط يقينا فيلزم بطلانه رأسا ، ولكن لمّا كان هذا خلاف الظاهر فهذا الاحتمال لا وجه له ، وهكذا التفصيل فهو أيضا لا يتمّ ، إذ بعد استظهار تعدّد المطلوب وعدم توقّف صحّة اللاحق على السابق فلا وجه لبطلانه بالنسبة إلى الآخر ، حيث إنّ المفروض اجتماع شرائط الوقف في هذه الجهة ، فالأقوى صحّة الوقف بالنسبة إلى الطرفين وإن كان باطلا من حيث الوسط.

أقول : الإشكال في أنّ التفكيك كيف يعقل في عقد واحد بأنّ يؤثّر في الأوّل والآخر دون الوسط؟ وإن أجاب عن ذلك ـ دام ظله ـ بأنّ عدم تأثيره في الوسط من جهة المانع ، فهذا مرجعه إلى التعليق في العقد أي في المنشأ وإلّا فالإنشاء تامّ محقّق فتأمّل!

ثمّ إنّه : إذا بطل بالنسبة إلى الوسط فحينئذ ؛ هل ينتقل الوقف في هذه القطعة من الزمان إلى الواقف ، أو إلى ورثة الموقوف عليه الأوّل ، أو إلى الطبقة الأخيرة ، أو يصرف في وجوه البرّ ، أو الأقرب إلى غرض الواقف؟ وجوه :

أمّا الآخر فلا وجه له لما تقدّم ، وهكذا سابقه ، إذ الواقف اعتبر الطبقة الأخيرة بعد الوسط ، فيدور الأمر بين الأوّلين.

أمّا رجوعه إلى الواقف فيتوقّف على إحراز وحدة المطلوب من طرفه من

٣٢٣

جهة اخرى ، وهي أنّه إذا بطل الوقف بالنسبة إلى الوسط فلا وقف ولا إخراج في زمانه ، ولمّا كان إحراز ذلك مشكلا فيتعيّن الوجه الثاني لما ذكرنا سابقا من أنّ لازم الملكيّة أن تكون أمرا قارّا ، فإذا عدمت لكلّ أحد ، فتنتقل بعده إلى ورثته ، بقي هنا فروع لم نتعرّضها لوضوحها ، والله العالم وهو وليّ التأييد.

الوقف على النفس

المبحث السادس : في الوقف على النفس وما يستتبعه ، نذكره في طيّ امور :

الأوّل : لا يخفى أنّ في الوقف على النفس جهات من الشبهة مصداقا وحكما ، أمّا الجهة الاولى لا إشكال أنّه إذا وقف على عنوان كلّي كالعلماء ونحوه ، وانطبق على نفسه لا يعدّ ذلك من الوقف على النفس ، لعدم صدقه عليه وانصراف الأدلّة الدالّة على بطلانه من الإجماع وغيره عنه ، وإنّما المصداق الواضح منه أن يقول : وقفت على نفسي.

ثمّ إنّه : ينبغي أوّلا البحث في ذلك من حيث مقتضى القاعدة فنقول بعونه تعالى : أمّا بناء على أن يكون الوقف هو التمليك ـ كما هو المشهور خصوصا في الأوقاف الخاصّة ـ فحينئذ إمّا أن يبنى على أنّ الملكيّة حقيقة واحدة وإنّما يثبت بالوقف وما ثبت للواقف من حيث أصله بالإرث أو غيره لا اختلاف بينهما ذاتا ، وإنما الاختلاف من حيث اللوازم والحدود.

وبعبارة اخرى : أنّها حقيقة بقوله بالتشكيك أوّلا ، بل هي حقائق متباينة وأن الّذي سببه الإرث أو التسرّي غير الّذي سببه الوقف ، فعلى الثاني : لا إشكال

٣٢٤

في أنّ مقتضى القاعدة صحّة الوقف على النفس إذ لا يلزم تحصيل حاصل وغيره ، حيث أنّ المفروض زوال الملكيّة الأوّليّة الثابتة للواقف بالوقف ، وحدوث ملكيّة اخرى متباينة معها ، بحيث ليس له بعد أن يهبه أو يبيعه ، مع أنّه كان له ذلك قبلا.

ولكن لا ريب في بطلان هذا الاحتمال ، ضرورة ؛ أنّ الملكيّة ليست إلّا أمرا عرفيّا اعتباريّا ، وهي عبارة عن العلقة إلى صلة بين الشخص والمملوك لا اختلاف في حقيقتها.

فعلى هذا ينحصر بالأوّل وعليه إن قلنا بأنّ الملكيّة الحاصلة بالوقف ليست ذاتها تحدث به بل تحصيل حدّها به ، فعليه يصحّ الوقف إذ لا يلزم المحذور ، لأنّ المفروض أنّ الملكيّة الأصليّة للواقف شخص ، والذي تحصّل بالوقف شخص آخر.

ولكن لمّا كان هذا الاحتمال بعيدا لأنّ أسباب الملكيّة تتعلّق بذاتها لا بحدودها. فالحقّ : أنّه بناء على أن يكون مفاد الوقف التمليك ، بطلانه مطلقا.

وأمّا بناء على أنّ حقيقة الوقف هو الإيقاف ـ كما هو التحقيق ـ لا كلام فيه من حيث أصل العين ، والإشكال من حيث المنافع.

ولكن لا ريب في أنّها ليست مملوكة بالذات بل مملوكيّتها تابعة للعين ، ولذلك يمكن الدعوى بأنّه من جهتها أيضا لا محذور ، لأنّ تملّك المالك لها الّذي كان أوّلا ، قد زال بزوال العين ، وخروجها عن الملك بالوقف المفروض صحّته ، وإنّما تملّكه الآن تملّك جديد سببه الوقف ، غايته أنّه بقاء مستند إليه لا حدوثا ، وليس معنى تبدّل الملك إلّا الخلع واللبس ولو بقاء ، ولا يمكن أن يقال بمثله

٣٢٥

بالنسبة إلى نفس العين حتّى يقال بصحّة الوقف ولو بناء على الملكيّة ، لأنّه بالنسبة إليها مقتضى البقاء موجود وهو الملكيّة الحادثة بسببها الأصلي ، وهذا بخلاف المنافع ، لزوال مقتضيها بسبب إيقاف العين المخرج عن الملك ، فتصير قابلة لتأثير سبب آخر فيها ، ولكن لمّا لم يتخلّل العدم بين تملّكها القديم والجديد فالسبب الجديد لا يؤثّر فيها إلّا بقاء.

ثمّ إنّ مع الغضّ عن ذلك وتسليم عدم صحّة اعتبار تملّك المنافع لهذه الشبهة أو غيرها ؛ فنقول : قد تقدّم في مسألة الوقف على العبد والحربيّ ، أنّه مع وجود المانع لتملّك العين ينصرف الوقف إلى المنافع ، ومع المانع لها ينصرف إلى الصرف ، حيث إنّ المانع يؤثّر بمقدار ما له الأثر ، فهكذا في ما نحن فيه ، فإذا كان المفروض صحّة الوقف بالنسبة إلى نفس العين ، فبالنسبة إلى المنافع إذا لم يمكن أن يتملّكها الموقوف عليه فقهرا يصير مصرفا له ، ويصير حاله حال المسجد أو القنطرة.

هذا كلّه ؛ على مقتضى القاعدة ، وقد اتّضح أنّه على مسلك التحقيق في باب الوقف لا مانع عنه ، بل يمكن تصحيحه على كلّ حال.

ولكنّ الّذي يظهر من إطلاق كلمات الأصحاب ومعاقد الإجماعات بطلانه مطلقا ، حيث إنّه مع اختلافهم في المبنى تمليكا أو إيقافا أطلقوا الحكم ببطلان الوقف على النفس ولم يفصّل أحد ، والله العالم.

الأمر الثاني : أنّه إذا اعتبر الواقف انتفاعه من الوقف وما يستتبعه ، فهل يصح ذلك أم لا؟

وهنا صور ، فتارة ؛ يشترط ذلك في متن العقد على نحو الاستفتاء ، كما لو

٣٢٦

اشترط أن يؤتي مقدارا من منافعه إلى مصرف الزكاة أو الخمس الّذي عليه ، وكان نظره إلى إخراج هذا المقدار عن أصل الوقف ، ويكون بالنسبة إليه مسلوب المنفعة ، هذا لا إشكال فيه ولا مانع عنه ، لعدم شمول معاقد الإجماعات له أصلا.

واخرى : يشترط ذلك على الموقوف عليه ، وهذا يكون على قسمين : فقد يشترط عليهم ببذل المقدار المعيّن من مال أنفسهم إلى ما يعيّنه من المصرف ، وقد يشترط ذلك عليهم من منافع الوقف ، والظاهر ، أنّه لا إشكال في هذه الصورة أيضا ، وأنّها تصحّ بكلا شقّيها ، وذلك لأنّه على كلّ شقّيه إلزام خارجي لا ربط له بمنافع الوقف ، وليس مصداقا لما هو محلّ البحث.

وإنّما الإشكال ؛ فيما لو أطلق وعيّن لنفسه مصارف من الوقف كأداء ديونه الإلهيّة أو الخلقيّة ، فالظاهر أنّ المنصرف إليه من مثل هذه العبارة اعتبار الوجوه المذكورة مصرفا فيصير مصداقا للوقف على النفس ، فإن بني على شمول إطلاق معاقد الإجماعات للصورة الاولى أي الوقف على النفس ، ولو على نحو المصرف ، فهذه الصورة أيضا تبطل ، إذ مرجع ذلك إليه.

والالتزام بالفرق بين أن يقول : وقفت على نفسي ، والعبارة المذكورة كما ترى ، فهذه الصورة أيضا حكمها واضح ، وتكون هنا بعض الصور الخفيّة غير ما ذكر.

منها : أنّه لو عيّن ظرف أداء الوجوه المذكورة بعد موته ، فقد يتوهّم خروجها عن محلّ النزاع أيضا ، نظرا إلى أنّ بالموت لمّا ينعدم الشخص عرفا فيخرج عن كونه وقفا على النفس ، والفرق بينه و [بين] حال حياته أنّ بالنسبة إليه باعتبار اشتغال ذمّته فعلا بالوجوه ، وكانت تأديتها إفراغا لها ، فيصير من

٣٢٧

الوقف على النفس ، وهذا بخلاف [ما] بعد الموت إذ لا ذمّة هناك بل هي زالت تبعا لزوال الشخص ، وحكم الشارع بوجوب الأداء حينئذ أيضا تعبّد محض لا ربط [له] ببقاء الذمّة ، ولو بنينا وسلّمنا اعتبار بقائها أيضا فإنّما هو تنزيل من جهة خاصّة لا يترتّب عليه مطلق الآثار.

هذا غاية توجيه الفرق وأنت خبير بفساده ، أمّا أوّلا فلعدم انعدام الشخص وبقائه ببقاء نفسه الناطقة.

وثانيا : أنّ حكم الشارع ليس من باب التنزيل حتّى يتمّ ما ذكر ، وإنّما هو من باب اعتبار بقاء تلك الذمّة الثابتة حال الحياة ، بحيث يرى نفسها باقية ولا يرى فرقا بين الحالتين.

فعلى هذا لا يبقى مجال لما ذكر ، إذ [هذا] يصير من مصاديق الكبرى السابقة وهي الوقف على النفس ، لا أن يكون ممّا يرجع إليه منافعه ولو بوسائط.

ومنها : ما لو اشترط أداء ديونه الإلهيّة ؛ والظاهر أنّ ذلك أيضا بحكم الصورة السابقة وبقيّة الصور يظهر حكمها ممّا تقدّم.

الأمر الثالث ؛

قال في «الشرائع» : لو شرط عوده إليه عند حاجته صحّ الشرط وبطل الوقف .. إلى آخره (١).

قد حقّقنا سابقا أنّه لا بأس بتحديد الوقف بحيث لا يرجع إلى التوقيت وأخذ الزمان قيدا ، وهكذا يصحّ كلّ شرط لم يكن مرجعه إليه بل كان تحديدا للوقف أو الموقوف عليه ، فحينئذ يصحّ هذا الشرط أيضا ، والوقف على حاله لو

__________________

(١) شرائع الإسلام : ٢ / ٢١٧.

٣٢٨

كان المراد به أحد الأمرين المساوق لأخذ عنوان في الوقف ، لعموم أدلّة الشرط وخصوص الوقوف [تكون] على حسب ما يوقفها أهلها (١) والله العالم.

فروع :

الأوّل : قال في «الشرائع» : ولو شرط إخراج من يريد بطل [الوقف] (٢) ، ولو شرط إدخال من سيولد مع الموقوف عليهم جاز (٣).

قد يشكل الفرق بين الفرعين في بادئ النظر ، ولكنّه هو التحقيق ، وهذا يظهر بعد الإشارة إلى أمرين.

الأوّل : قد أشاروا إلى الفرق بين باب المعاملات والأحكام في باب المفهوم من حيث كون إطلاق المعاملة يقتضي انحصار الملك إلى من انتقل إليه ، وعدم كونه بعد قابلا للنقل إلى الآخر ، وذلك لعدم كون العين الشخصي قابلة إلّا لتعلّق سلطنة واحدة مستقلّة بها ، بخلاف الأحكام ، فيمكن أن تجب الصلاة على زيد ، وهكذا على عمرو بوجوب آخر ، وكذلك إلى آخر أفراد المكلّفين.

الثاني : لا إشكال أنّ الشروط كليّا إنّما تؤثّر إذا لم يكن في مقابلها مقتض ، فهي إنّما تشرع في ظرف عدم الاقتضاء ، ولذا

بنينا في محلّه في «باب الشروط» إنّما يصح الشرط في مقابل الأحكام الاقتضائيّة ، وإلّا فباطل.

إذا ظهر ذلك فنقول : إنّ في الفرع الأوّل إذا كان المفروض أنّه وقف على عشرة نفرات ، وشرط أن يكون إخراج كلّ منهم عن الوقف بيده ، فلمّا كان

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٧٥ الحديث ٢٤٣٨٦.

(٢) ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر.

(٣) شرائع الإسلام : ٢ / ٢١٧.

٣٢٩

بمقتضى انطباق عنوان الوقف عليهم أوّلا صيرورة كلّ واحد منهم موقوفا عليه ، بحيث يكون الوقف بمقتضى عموم أدلّة اقتضائه بالنسبة إلى كلّ منهم تامّا ، فحينئذ لا يبقى موقع لتأثير الشرط لما تقدّم من أنّه إنّما يصحّ إذا لم يكن في البين مؤثّر ومقتض في الرتبة السابقة عليه.

وأمّا في الفرع الثاني : فلأنّه لمّا كان انحصار الوقف إلى من عيّنه في متن العقد لا يتمّ إلّا إذا سكت المتكلّم ولم يأت في كلامه تقييد ينافيه ، فحينئذ بمقتضى الأمر الأوّل يثبت الانحصار ، وأمّا إذا أتى بما ينافيه كما يكون له ذلك إذ حجيّة كلامه بعد سكوته وعدم الإتيان بما ينافي ظهور كلامه متّصلا أو منفصلا ، وإلّا فهو بمنزلة الشارح له ، ويصير مدلول المجموع هو الحجّة ، والمفروض أنّ فيما نحن فيه أتى متّصلا بما يدفع اختصاص الوقف عن جعلهم في مصبّ العقد ، فلذلك يثبت له الاختيار حسبما شرط بمقتضى عموم أدلّة الوقف وأنّه حسبما يوقفها أهلها (١) ، وعموم الشرط (٢) فتأمّل! فإنّ ما أفاده ـ دام ظلّه ـ في الفرع الثاني بعينه يجري في الأوّل ، فإنّ تماميّة العقد واقتضاءه بحيث يفيد التمليك للموقوف عليه أبدا يتوقّف على عدم اتّصال الشرط بالكلام ، وإلّا فلا اقتضاء له كذلك ولا تقدّم في البين لا رتبة ولا غيرها.

الثاني ؛ في «الشرائع» : لو شرط نقله عن الموقوف عليهم إلى من سيولد لم يجز وبطل الوقف (٣).

__________________

(١) انظر! وسائل الشيعة : ١٩ / ١٧٥ الحديث ٢٤٣٨٦.

(٢) شرائع الإسلام : ٢ / ٢١٧.

(٣) شرائع الإسلام : ٢ / ٢١٧.

٣٣٠

[هذا] إذا كان مرجعه إلى الانتقال عن موقوف عليهم إلى من سيوجد ، بحيث يكون الوقف بالنسبة إليهم تامّا أبديّا ، أو إلى أن يكون هو بنفسه ناقلا لأنّ كليهما خلاف مقتضى العقد ، والشرط لا يترتّب عليه مثل هذا الأثر ، لأنّه ليس شرعا كما هو واضح ، وأمّا إذا كان المراد به تحديد أمد الوقف أو الموقوف عليه فيصحّ ولا مانع عنه لما مرّ مرارا أنّ ذلك ليس تحديدا يضرّ بالوقف فلا بأس به ، والله العالم.

الثالث : وفيه أيضا : قيل : إذا وقف على أولاده الأصاغر جاز له أن يشرك معهم (١) .. إلى آخره.

لا يخفى ؛ أنّه عند إجراء الوقف ، تارة : يجعل الوقف على أولاده الموجودين ويقيّده بهم بلا أن يكون نظره إلى غيرهم.

واخرى : يجعل موضوع الوقف عنوان الأولاد بلا تقييد بالموجودين.

فعلى الأوّل ؛ لا يجوز له الاشتراك أصلا إذ المفروض تخصيص الوقف بالحاضرين ، فالتعدّي خلاف أدلّة الوقف والتبديل ، وعلى الثاني ليس له عدم الاشتراك ، بل يلزم ذلك ويزيد أسهام الوقف بازدياد الأولاد ، كما هو [المستفاد من] عموم «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» (٢).

فعلى كلّ تقدير ؛ قول القيل هذا لا يتمّ ويخالف القواعد ، فيمكن أن يكون نظر القائل عن الشيخ قدس‌سره ومن تبعه (٣) إلى بعض الأخبار الخاصّة في المقام (٤).

__________________

(١) شرائع الإسلام : ٢ / ٢١٧.

(٢) انظر! وسائل الشيعة : ١٩ / ١٧٥ الباب ٢ من أبواب وجوب العمل بشرط الواقف وعدم جواز تغييره.

(٣) جواهر الكلام : ٢٨ / ٨٠.

(٤) انظر! وسائل الشيعة : ١٩ / ١٨٣ الباب ٥ من أبواب الوقوف والصدقات.

٣٣١

ولكن مجال المنع من حيث دلالتها أيضا واسع إذ هي جملة من الروايات التي أوردها في «الجواهر» (١) وليس فيها لفظ «الوقف» أوّلا ، إلّا أن تحمل الصدقة عليه ، ومعه أيضا لا يتمّ الاستدلال لأنّها بين مطلقات كخبر سهل الّذي مفاده جواز الاشتراك مطلقا (٢) ، وتقيّدات كذيل رواية ابن يقطين الّذي مفاده أنّه مع إبائه الصدقة وإقباضها لا يجوز الاشتراك (٣) ، فلا محيص عن حمل الأوّل على ما إذا لم يتمّ الوقف لعدم حصول القبض.

وأمّا رواية «قرب الإسناد» (٤) فهي لا ربط لها بالمقام أصلا ، بل مساقها مساق قوله : «أنت ومالك لأبيك» (٥) وأنّ للوليّ أن يتصرّف في منافع الوقف الّذي مال الصغار كيف شاء ، والله العالم.

الفرع الرّابع : في «الشرائع» : ولو وقف مسجدا صحّ الوقف ولو صلّى فيه واحد (٦) .. إلى آخره.

الكلام في القبض تقدّم في صدر الباب مفصّلا ، وقد حقّقنا هناك أنّه لا دليل على اعتباره في الصحّة أو اللزوم إلّا الإجماع الذي لا إطلاق له ، فكلّما شكّ يؤخذ بالقدر المتيقّن ، ولذلك اكتفينا بقبض المتولّي والناظر للوقف ، بل من يعيّنه الواقف له وبعض الأشخاص الموقوف عليهم ، وقلنا : إنّه فرق بين مسألة القبول

__________________

(١) جواهر الكلام : ٢٨ / ٨٠.

(٢) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٨٣ الحديث ٢٤٤٠١ ، جواهر الكلام : ٢٨ / ٨٠ ـ ٨١.

(٣) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٨٣ الحديث ٢٤٤٠٠.

(٤) قرب الإسناد : ٢٨٥ الحديث ١١٢٦ ، وسائل الشيعة : ١٩ / ١٨٤ الحديث ٢٤٤٠٤.

(٥) سنن ابن ماجة : ٢ / ٧٦٩ الحديث ٢٢٩١ و ٢٢٩٢ ، مسند أحمد : ٢ / ١٧٩ و ٢٠٤ و ٢١٤.

(٦) شرائع الإسلام : ٢ / ٢١٧.

٣٣٢

والقبض ، فلا يكتفى في الأوّل بقبول بعضهم ولا الطبقة الاولى ، بل يعتبر قبض الجميع بأنفسهم أو وليّهم ، وذلك لأنّ مقتضى العقد الذي عبارة عن الإيجاب والقبول ، المفروض انحلاله بعدد أشخاص المتعاقدين حتّى يصحّ أوفوا بعقودكم هو ما ذكرنا.

وهذا بخلاف القبض ، حيث إنّه لا يجري فيه الاعتبار المتقدّم بل هو حكم تعبّدي قام الإجماع عليه فيؤخذ بالقدر المتيقّن ، فلذلك يتمّ ما أفاده المحقّق قدس‌سره في المقام ، وأنّه يكفي في تحقّق قبض المسجد إقامة صلاة واحدة فيه ، وهكذا في المقبرة بدفن واحد من الموقوف عليهم إذ هو القدر المتيقّن من اعتبار القبض (١) ، فلا يرد ما أورده في «الجواهر» قدس‌سره (٢).

جريان المعاطاة في الوقف

ثمّ قال المحقّق قدس‌سره : ولو صرف الناس في الصلاة في المسجد أو في الدفن ولم يتلفّظ بصيغة الوقف لم يخرج عن ملكه (٣) إلى آخره.

ما ذكره قدس‌سره مبنيّ على عدم جريان المعاطاة في الوقف ، فعلى هذا ينبغي البحث فيها.

ولا يخفى أوّلا أنّ المحتملات في هذه العبارة خمسة :

الأوّل : أن لا يقصد بأمره وإجازته للناس للصلاة في المسجد الذي بناه

__________________

(١) شرائع الإسلام : ٢ / ٢١٧ ـ ٢١٨.

(٢) جواهر الكلام : ٢٨ / ٨٥.

(٣) شرائع الإسلام : ٢ / ٢١٨.

٣٣٣

سوى إقامة الصلاة فيها بلا نظر إلى حيث الوقف بأمره أو فعل المجاز أو غيره أصلا ، فلا إشكال في أنّه لا يحصل الوقف حينئذ ولا أظنّ أن يتوهّمه أحد.

الثاني : أن يقصد بإيجاد الطرف الفعل في الخارج الوقف ، ووقوعه إمّا بأن يجعله عن نفسه نائبا بحيث هو يقصد بذلك الفعل الوقف أو هو بنفسه يقصد ، ولكن يستند فعله إلى نفسه ، فهذه الصورة بكلا شقّيها تكون من مصاديق المعاطاة ، حيث إنّه بالفعل يقصد تحقّق المعاملة الخاصّة وهو الوقف.

فنقول : إنّ في باب المعاطاة مسلكين :

أحدهما : ما يظهر من كلمات شيخنا قدس‌سره إنّ صحّة المعاطاة على مقتضى القاعدة وإنّها مشمولة لأدلّة العقود ، حيث إنّها ليست إلّا عبارة عن العهود والبناء ، وأنّها أعمّ من أن يكون الدالّ عليها فعلا وعملا أو قولا ولفظا ، فحينئذ مقتضى القاعدة في المعاملات الّتي تحصل بالفعل مثل ما تحصل بالقول هو اللزوم ، وإنّما خرج عنها في العقود الفعليّة بالسيرة ، حيث إنّها قامت [على] كون العقد المعاطاتي جائزا فخصّصت بها أدلّة العقود ، ولذلك يكتفى بالقدر المتيقّن منها في موارد الشكّ وفي الزائد عليه ، الأصل اللزوم.

ثانيهما : هو اختصاص أدلّة العقود بالعقود اللفظيّة ، والبناء على أنّ المعاطاة خلاف الأصل ، وأنّ مشروعيّتها ببركة السيرة ، وعلى هذا تصير المعاطاة عكس الأوّل بمعنى أنّه لا يلتزم بها إلّا بمقدار دلّ الدليل عليه ، وأمّا في ما شكّ فيه ؛ فالأصل عدم مشروعيّتها.

إذا تبيّن ذلك ؛ فنقول : التحقيق جريان المعاطاة في الوقف على كلا المسلكين.

٣٣٤

أمّا على الأوّل فواضح ، وكذلك على الثاني ، لما نرى بالوجدان من قيام السيرة على الاكتفاء بالمعاطاة في الوقف ، كما في حصر المساجد والفراش للمشاهد المشرّفة وغيرها من السراج والقناديل ونحوها ، وهكذا في وقف الطرق والشوارع والخانات ، بل والمساجد ، حيث إنّه لم يعهد إلى الآن أن يكون النّاس ملتزمين بإجراء العقد اللفظي في مثل هذه الامور ، بل يكتفون بإيجادهم الخارجي لها وإحداثها بلا مئونة اخرى قديما وحديثا ، إلّا أن يقال : إنّها من باب الوقف بالسراية وأنّ إجراء العقد في أصل الموقوفة يكفي في توابعها ، ولو لم تكن محدثة.

ولكنّا بعد تسليمه إنّما يتمّ بالنسبة إلى التوابع كحصر المسجد ونحوها ، وأمّا في الامور (١) الاستقلاليّة والابتدائيّة كالقناطر ونحوها ممّا مثّلنا ، فلا يتمّ كما هو واضح ، مع أنّه لم يعهد فيها إجراء عقد الوقف بل بناء العرف والمتشرّعة على الاكتفاء بصرف إيجادها الخارجي ، أو إيجاد فعل فيها كالمرور على القناطر.

وبالجملة ، لا مجال لمنع جريان السيرة في الوقف من بين المعاملات رأسا والالتزام بها في المحقّرات لكونها المقدار المتيقّن دون الامور الخطيرة واختصاصها بغيرها إذ لا خصوصيّة لها ، وأمّا عدم الاكتفاء بالمعاطاة في مثل وقف القرى والقصبات وأمثالها ، فليس من باب عدم اكتفائهم بالمعاطاة في أصل الوقف وعدم مشروعيّتها ، بل هو من جهة الاحتياط وتشديد الأمر كما يعملونه من جهة الامور الأخر أيضا ، كالإشهاد وتنظيم الأوراق وغيرهما.

__________________

(١) يمكن دعوى منع كون ما ذكر من الأمثلة من باب الوقف ، بل هي من قبيل الإباحة ويؤيّده إجراؤهم أحكام المساجد عليها في باب إحياء الموات ، فراجع وتأمّل! «منه رحمه‌الله».

٣٣٥

فعلى هذا ، حال الوقف حال سائر المعاملات ، تجري فيه المعاطاة مطلقا كما ذهب إليه جمع (١).

وأمّا مقايسة المقام بباب النكاح كما يظهر من [صاحب] «جامع المقاصد» قدس‌سره (٢) فلا وجه له ، ضرورة أنّ في النكاح لا يجوز شرعا أصل الفعل الذي يقصد به العقد ، مثل القبلة والجماع ونحوهما ، بل بدون تحقّق النكاح في الرتبة السابقة حرام ولا سلطنة للشخص بالنسبة إليها ، والسبب إنّما يؤثّر إذا كان للفاعل عليه السلطنة ، فلذلك يفرق باب النكاح عن سائر المعاملات ، وهكذا ما يلحق بها من الإيقاعات كالطلاق.

الثالث : أن لا يقصد الواقف بالفعل الوقف بل يجعل إذنه طريقا إلى رضاه وقصده الوقف الاكتفاء بذلك ، والالتزام بوقوع الوقف في هذه الصورة مبنيّ على تحقّق المعاطاة بهذا المقدار وهو خلاف التحقيق ، حيث إنّها من الامور الإيقاعيّة والإنشائيّة ، فهي تحتاج إلى المبرز ولا تقع بصرف القصد ، فما يظهر من «المبسوط» (٣) ضعيف.

الرابع : أن يجعل صرف أمره بالدفن وإذنه في الصلاة كناية عن إيقاع الوقف فيصير بذلك عقدا لفظيّا لا معاطاتيّا ، والأقوى ؛ أيضا عدم الاكتفاء به ، وعدم وقوع الوقف حينئذ ، لأنّ المستفاد من معاقد إجماعاتهم في اعتبار اللفظ في العقود هو الألفاظ الصريحة لا غيرها.

__________________

(١) راجع! المكاسب : ٣ / ٩٥.

(٢) جامع المقاصد : ٩ / ١٢.

(٣) المبسوط : ٣ / ٢٩١.

٣٣٦

هذه المحتملات الأربعة. أو الخمسة ، في عبارة المتن ، وقد عرفت أنّ التحقيق صحّة الوقف ووقوعه في الصورتين منها دون الثلاثة الاخر ، ولا يبعد أن يكون مراد المحقّق أحدها ، وكيف كان ؛ قد ظهر ما هو الحق ، هكذا أفاد ـ دام ظلّه ـ.

ولكن يمكن المناقشة ، لأنّه أوّلا : إنّ الاكتفاء بالمعاطاة في الوقف وجريانها فيه ينسب إلى أبي حنيفة (١) والقائل به منّا جماعة قليلة (٢).

وثانيا : قد ادّعى أنّ طبع الوقف يقتضي اللزوم وهو ينافي المعاطاة الّتي يقتضي طبعها الجواز.

وثالثا : لم تثبت السيرة الّتي ادّعاها ، فإنّ ما ذكر من النقوض والأمثلة يمكن الدعوى خروجها عن الوقف رأسا وأنّها من قبيل المباحات.

نعم ؛ بناء على الملك الأوّل في باب المعاطاة ، كما يظهر من الشيخ استاد الأساطين قدس‌سره في مكاسبه ميله إليه (٣) وهكذا السيّد في حاشيته (٤) لا مجال للمناقشة فيما أفاد أصلا ، والله العالم.

__________________

(١) المبسوط للسرخسي : ١٢ / ٣٥ و ٣٦.

(٢) انظر! المكاسب : ٣ / ٩٥.

(٣) المكاسب : ٣ / ٩٤.

(٤) حاشية المكاسب للسيّد كاظم اليزدي : ١ / ٨١.

٣٣٧

أحكام الوقف

المبحث السابع : في جملة من الأحكام.

[الاولى :] في «الشرائع» : الوقف [إذا تمّ زال عن ملك الواقف و] (١) ينتقل إلى ملك الموقوف عليه (٢) إلى آخره.

قد تقدّم الكلام من هذه الجهة في الفوائد الّتي ذكرها ـ دام ظلّه ـ في صدر الباب ، وحاصله : أنّ الأدلّة وإطلاقات باب الوقف مثل قوله عليه‌السلام : «حبّس الأصل وسبّل الثمرة» (٣) لا تقتضي أزيد من خروج العين الموقوفة عن ملك الواقف ، وأمّا دخولها في ملك الموقوف عليهم [فلا] ، بل يمكن الدعوى بأنّ ظاهر لفظ التحبيس خلافه.

وبالجملة ؛ مقتضى طبع الوقف والإيقاف هو التحبيس والتحرير ، ومن هنا قلنا : بأنّه لا فرق بين الأوقاف الخاصّة والعامّة والوقف على الجهات ، وأمّا بناء على كونه مقيّدا للملكيّة فيلزم التفكيك بين هذه الأنواع ، أو الالتزام بكون المالك في الوقف على الجهات ـ كالقناطر والمشاهد المشرّفة ـ هو المسلمون وهو كما ترى.

ضرورة ؛ أنّه خلاف ارتكاز الواقف فيها ، حيث إنّه لا يخطر بباله تملّكهم لها أصلا ، بل تمام نظره صرف الوقف في الجهات المذكورة وانتفاع المسلمين منها.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من جواهر الكلام : ٢٨ / ٨٨.

(٢) شرائع الإسلام : ٢ / ٢١٨.

(٣) مستدرك الوسائل : ١٤ / ٤٧ الحديث ١٦٠٧٤.

٣٣٨

وأمّا أنّه لمّا لا يمكن أن يصير الملك بلا مالك فلا بدّ من الالتزام بتملّك الموقوف عليه ، وأمثاله من الوجوه ، فأيضا لا يسمن ولا يغني من جوع ، إذ الكلام أوّلا في تحقّق علقة الملكيّة بالوقف رأسا كما عرفت ، بل حال الوقف حال المباحات الأصليّة ، غايته أنّها قابلة للتملّك بأسبابه دون الوقف.

نعم ؛ إنّما يمكن أن يتمسّك به للدعوى المذكورة هو بعض الأخبار الّتي اطلق فيها لفظ «الصدقة» على الوقف ، كما في وقف الكاظم عليه‌السلام (١) ووقف أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) لمّا جاءه بعين [ينبع] البشير حيث إنّ لفظة «الصدقة» ظاهرة في التمليك والتملّك ، ولكنّه يتمّ لو لم يكن اللفظ مستعملا بعناية في تلك الأخبار ، بمعنى أنّ الوقف لمّا كان يفيد تمليك المنافع اطلق عليه لفظة «الصدقة» لكون العين بنفسها وإن لم تكن تدخل في ملك الموقوف عليه إلّا أنّها لمّا كانت ببعض مراتبها وهي منفعته قد دخلت في ملكه فصحّ إطلاق اللفظ عليه ، وأمّا من جهة أنّه بالوقف خرجت العين عن سلطنة المالك رأسا فهو مثل الصدقة.

والّذي يؤيّد كون الاستعمال على وجه العناية ما ذكرنا من أنّ الارتكاز في الأوقاف العامّة والوقف على الجهات ليس إلّا الإخراج ، وانتفاع الموقوف عليهم منها ، بلا نظر إلى التمليك أصلا ، مضافا إلى أنّه ليس للفظ «الصدقة» ظهورا تامّا فيما ادعي فتأمّل!

الثانية : قال في «الشرائع» : فلو وقف حصّه من عبد ثمّ أعتقه لم يصحّ ـ

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ٢٠٢ الحديث ٢٤٤٢٧.

(٢) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٨٦ الحديث ٢٤٤٠٦.

٣٣٩

إلى أن قال ـ ولو أعتقه الشريك مضى العتق في حصّته ولم يقوّم عليه (١) .. إلى آخره.

ما أفاده قدس‌سره في الفرع ؛ فعلى مسلكنا من عدم انتقال الوقف إلى ملك الموقوف عليه فلا محيص عنه بل هو التحقيق ، إذ لا عتق إلّا في ملك ، وأمّا على ما ينسب إلى المشهور من الانتقال فلا يتمّ ، إذ المفروض أنّ العبد صار ملكا للموقوف عليه بلا نقض فيه ، فيطبّق عليه كبرى العتق ، غايته أنّه ملك تقطيعيّ إلّا أن يدّعى انصراف قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا عتق إلّا في ملك» (٢) عن مثل هذا الملك ، بل الظاهر منه هو المطلق ، بحيث لا يكون لأحد فيه ولو فيما يأتي ، خصوصا مع ما ورد في أخبار الوقف من أنّه لا تباع ولا توهب ، إذ نعلم بأنّهما من باب المثال والمراد عدم صحّة التصرّفات الناقلة بوجه أصلا.

وأمّا الفرع الثاني : فالتحقيق فيه ما أفاده في آخر كلامه وتردّد فيه (٣) ، وذلك لأنّه ليس لنا دليل منع عن أصل العتق الاختياري أو العتق بالسراية إلّا ما تقدّم من قوله عليه‌السلام «لا تباع ولا توهب ولا تورث» (٤) فتصير حاكمة على أدلّة الأسباب الاخر ، إذ لا خصوصيّة للامور المذكورة فتتعدّى إلى كلّ سبب ناقل ، اختياريّا كان أو قهريّا.

ولكن لمّا لا إشكال أنّه إنّما يتعدّى عن الامور المذكورة إلى كلّ ما هو من سنخه أي التصرّفات الناقلة في طرف وجود بقاء العين وعدم تلفه ، وأمّا في

__________________

(١) شرائع الإسلام : ٢ / ٢١٨.

(٢) عوالي اللآلي : ٢ / ٢٩٩ الحديث ٤ ، و ٣ / ٤٢١ الحديث ٣.

(٣) شرائع الإسلام : ٢ / ٢١٨.

(٤) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٨٦ الحديث ٢٤٤٠٦.

٣٤٠