الرسائل الفقهيّة

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

الرسائل الفقهيّة

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-93094-1-1
الصفحات: ٧٠٨

بإزائها شي‌ء ، ولكنّ النوع ليس قابلا لأخذ الزكاة ، وإذا نسبت إلى الشخص عدّت من قبيل استيفاء الحقّ والطلب ولم تكن فائدة يجب فيها الخمس كنفس الدين ، فتأمّل جيّدا!

وبالجملة ؛ فالأظهر جبران المال الفائت وكلّ خسران وارد على المالك في كلّ معاملة بالأرباح واعتبار الخمس ممّا بقي بعده ، لما عرفت من ظهور النصوص والفتاوى في كون موضوعه مطلق الفائدة لا الفائدة المقيّدة بكونها من الاكتساب والاستفادة.

مسألة : لا خلاف في اعتبار الخمس في الأرباح والفوائد بعد إخراج مئونة الشخص ، ومئونة التحصيل مقوّمة لأصل عنوان الفائدة ، فقبل إخراجها لا يسمّى الحاصل فائدة ، وهذا ظاهر ، ولذا لا خلاف في أنّ المراد بالمئونة هي مئونة السنة ، لأنّها المتبادر عند إطلاقها ، ويشهد لذلك قولهم : كسب فلان لا يفي بمئونته ، مضافا إلى دعوى الإجماع من غير واحد ، إنّما الإشكال والخلاف في جهتين :

إحداهما : في بيان المراد [من السنة] هل هي شمسي أو قمري؟

والاخرى : في بيان المراد من المئونة ، هل المراد منها مقدارها ولو تبرّع بها متبرّع ، أو قتّر على نفسه ، أو أخرج من ماله الآخر ، أو المراد منها ما يصرفه فعلا في مخارجه ، فلا يجب له في الصورة المذكورة شي‌ء؟

ولا بدّ أوّلا من بيان الأصل في المسألة ، ثمّ بيان ما هو ظاهر الأدلّة.

فنقول : أمّا الأصل العقلي فهو البراءة في الجهتين ، لدوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين وهو جعل المئونة مقدارها ، والسنة شمسيّة ، فتأمّل!

٢٤١

وأمّا الأصل اللفظي ؛ فبملاحظة عمومات وجوب الخمس وعدم العفو عنه ، لو اجمل المخصّص والمقيّد يرجع إلى الإطلاق والعموم ، ويؤخذ بالقدر المتيقّن من المخصّص والمقيّد ، ومقتضاه جعل السنة قمريّة ، والمئونة شخصيّة وما تصرف فعلا.

هذا مقتضى الأصل اللفظي ؛ لكنّ الظاهر من السنة في المقام هو السنة الشمسيّة ، لأنّ المقام ؛ مقام تعيين مئونة السنة وإخراجها ، والمعتبر فيه اعتبار السنة تماما ، واعتبار القمريّة منها يفضي إلى إلغاء العشرة (عشرة أيّام) من السنة ، مع أنّه لا وجه له ، واعتبار الشمسيّة ربّما يفضي إلى عدم وجوب الخمس الذي يجب لو اعتبرت السنة قمريّة ، كما إذا حصل له فائدة زادت مقدار المئونة ، ولم يظهر خسران حتّى مضيّ الحول القمري. ثمّ قبل إتمام السنة الشمسيّة ظهر خسران لا يزيد الربح الباقي عن جبره ، وقد يكون بالعكس ، كما إذا حصل بعد مضيّ القمري وقبل إتمام الشمسي ربح يزيد عن المئونة ، ولاعتبارها ثمرات اخر تظهر بالتأمّل!

وأمّا الثاني : فقبل بيانه لا بدّ من تقديم أمر وفرع يرتبط بالمقام ، وهو أنّه لو كان له مال آخر لم يتعلّق به الخمس أصلا أو تعلّق وأخرجه ، فهل يعتبر حينئذ إخراج المئونة من الربح أو منه أو منهما؟ وجوه : أقواها أقدمها إلّا فيما لو كان المال الآخر معدّا للصرف في المئونة وكان ممّا يعتاد صرفه في المئونة.

قال العلّامة الأنصاري في تحقيق المسألة : إنّ المال الآخر تارة يكون من رأس المال وإن لم يكن فعلا ممّا يتّجر به ، فلا إشكال في عدم احتساب الربح منه.

واخرى لم يكن منه ، لكن لم يعتد صرفه في المئونة كالدار والأرض ،

٢٤٢

واخرى لم يكن منه ، لكن لم يعتد صرفه في المئونة كالدار والأرض ، فحكمه كالقسم الأوّل.

وثالثة : يكون ممّا اعتيد صرفه في المئونة كالزائد من الحنطة والدراهم المهيّأة للمئونة في السنة السابقة ، فلا إشكال في اعتبار المئونة منه ، ووضع ما زاد من المئونة عنه من الربح وإخراج الخمس من الباقي.

ورابعة : لم يكن المال الآخر داخلا في واحد من العناوين ، بل تارة ؛ منه إخراج المئونة ، واخرى ؛ لم يتّفق كالمال المقترض مثلا.

قال قدس‌سره : ففي عدم اعتبار الخمس منه إشكال ؛ لاحتمال كون تعيين المئونة الربح في الأخبار مبنيّا على الغالب ، من الاحتياج في أخذ المئونة منه.

لكن يمكن منعه أوّلا بمنع الغلبة ، واخرى بمنع كونه بحيث يصير سببا لخروج المورد من تحت الأدلّة ، فالقول باعتبار المئونة من الربح فقط معه لا يخلو من قوّة ، فتأمّل جيّدا! (١)

__________________

(١) السرائر : ١ / ٤٨٦.

٢٤٣
٢٤٤

رسالة الوقف

٢٤٥
٢٤٦

الكلام في القبض في الوقف

قال في «الشرائع» : (فلا يلزم إلّا بالإقباض) (١). (٢)

ونقول ـ بعونه تعالى وهداية أوليائه عليهم‌السلام ـ : فيه جهات من الكلام من حيث الحكم التكليفي والوضعي وموضوعه وغيرها.

الاولى : في معنى القبض كلّيا من حيث كونه هو الأمر العدمي ـ وهو التخلية ورفع اليد وأمثالهما ـ أو لا ، بل يشمل الأمر الوجودي أيضا؟

لا إشكال في أنّ حقيقة القبض لا يتحقّق فيما لو اعتبر (٣) ب «رفع اليد عن الشي‌ء» ، كما في القبض المعبّر [به] في البيع والهبة والرهن وغيرها ؛ إذ هو مساوق للتسليم والأداء اللذين [هما] عبارتان عن التخلية وجعل الشي‌ء تحت استيلاء الغير ، كما عبّر بلفظهما في أكثر من هذه المقامات ، منها ما نحن فيه حيث عبّر في أخبار الوقف بلفظ التسليم (٤).

نعم ؛ قد يكتفى بالأمر العدمي كما بالنسبة إلى الحكم التكليفي مثل باب

__________________

(١) شرائع الإسلام : ٢ / ٢١٢.

(٢) ولذا بني على أنّ رضا المالك بكون المال تحت يد الغاصب لا يخرج يده عن الضمان إلّا أن يوكّله في القبض من قبل نفسه أيضا ؛ إذ يده كدونه اقتضت الضمان ، فلا تثمر صيرورتها الآن أمانيّة ، فتأمّل! «منه رحمه‌الله».

(٣) كذا ، والصحيح : عبّر.

(٤) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٨١ الحديث ٢٤٣٩٩.

٢٤٧

الغصب ، حيث إنّ الحرمة لمّا كانت ناشئة من قبل وضع اليد على مال الغير فترتفع برفع اليد عنه ، ولكن هنا أيضا الحكم الوضعي ـ وهو الضمان ـ لا يرتفع إلّا بتسليم المال إلى صاحبه وإيصاله إليه ، حيث إنّ الغاية المأخوذة في قاعدة اليد هي الأداء.

وبالجملة ؛ تختلف المقامات من حيث ارتفاع الحكم التكليفي والوضعي بالاكتفاء بالأمر العدمي أو الاحتياج إلى الوجودي أيضا ، ولكن كلّما اعتبر القبض لا بدّ من الأمر الوجودي ، ففي باب الضمانات مطلقا ، الحكم التكليفي يرتفع بمجرّد رفع اليد عن المال المضمون ، ولكنّ الحكم الوضعي لا يرتفع إلّا بعد تسليم المال إلى صاحبه ووصوله إليه ، فهنا محلّ التفكيك بين الحكمين ومنه يقع التفكيك بين الأمرين أيضا بحيث لو رفع الغاصب يده عن المال المغصوب وتاب فلا عصيان عليه ؛ لارتفاع موضوع الحرمة الّذي هو التصرّف في مال الغير المستفادة من الأدلّة كقوله عليه‌السلام : «لا يحلّ مال امرئ [مسلم] إلّا بطيب [من] نفسه» وأمثاله (١).

الثانية : في موضوعه ؛ لا خفاء في أنّه أيضا يختلف بحسب الصغريات ، أمّا في مثل المنقولات بالظاهر إنّه يتوقّف على الإيصال واستقرار العين تحت يد القابض الّتي هي كناية عن الاستيلاء الخارجي ، وليس المراد بها الجارحة المخصوصة ، كما حقّقنا ذلك في بحث الغصب ، فما لم تقع الأشياء المنقولة تحت استيلاء القابض خارجا عرفا ، لا يصدق القبض حينئذ وأنّ العين مقبوضة

__________________

(١) عوالي اللآلي : ١ / ٢٢٢ الحديث ٩٨ و ٢ / ١١٣ الحديث ٣٠٩ ، و ٢ / ٢٤٠ الحديث ٦ و ٣ / ٤٧٣ الحديث ٣.

٢٤٨

بالضرورة ، وهذا هو المراد من الأمر الوجودي المعتبر في مفهوم القبض ، هذا في المنقول.

وأمّا غيره ؛ فهو على قسمين ؛ فإمّا أن يكون ممّا له الحرز ، كالدار الّتي لها المفتاح ، أو البستان كذلك ، وإمّا ليس كذلك ، كالأراضي المتّسعة.

أمّا في الأوّل ؛ فقبضه وجعله تحت استيلاء القابض إنّما يكون بتسليم الحرز والمفتاح إليه ، إذ نفس المبيع أو العين الموقوفة وإن لم يكن قابلا لأن تقع تحت اليد إلّا أنّه لمّا كان ما يحرزه وما هو بمنزلة نفس العين قابلا لذلك ، فقبضها عرفا إنّما يكون بقبضه وجعله تحت الاستيلاء الّذي هو أمر اعتباري لا بدّ له من كاشف وطريق ليس في ما نحن فيه إلّا ذلك.

وأمّا القسم الثاني ؛ فهو وإن لم يكن له طريق مبرز قطع علاقة البائع أو الواقف عن العين المبيعة أو الموقوفة ، وحدوث العلاقة للغير بالنسبة إليها وصيرورته تحت استيلائه كالاوليين ، إلّا أنّه لا إشكال أنّ هنا أيضا لا بدّ من مبرز ذلك بأيّ نحو يمكن ؛ لما هو المسلّم من الكبرى الكلّي أنّ في الأمور المشتركة والمشتبهة خارجا لا بدّ من ترتيبها بحيث بها ترتفع الشبهة ويتشخّص الأمر ، فهنا لمّا كان الأمر كذلك ، بمعنى أنّه لم يتبيّن خروج العين الموقوفة ـ كالآبار أو الأراضي المتّسعة ـ أنّها خرجت عن استيلاء الواقف ودخلت تحت استيلاء الموقوف عليهم ـ الّذي هذا معنى القبض المفروض اعتباره مطلقا ـ فلا محيص عن إيجاد المبرز بما أمكن ، ولو بأن يجتمعا عند الموقوفة ، وبعده يبقى الموقوف عليه أو وليّه ويخرج الواقف وهكذا البائع والمشتري وغيرهما ، أو بأمثال ذلك ممّا يرتفع به الترديد ويصدق القبض عرفا.

٢٤٩

فالحاصل ؛ أنّ في جميع المقامات الثلاثة لا بدّ من إعمال ما ذكرنا ، حيث إنّه مقتضى الدليل حسب ما عرفت ، ولو شكّ فيها مقتضى الأصل أيضا عدم الاكتفاء بأقلّ ما ذكرنا في القبض ؛ إذ الأصل الموضوعي وإن لم يكن في البين لكون الشكّ في مفهوم اللفظ ، ولا أصل يجري فيه ، لعدم أثر شرعي له ، والمصداق أيضا لا مجرى له ، لكون أمره دائرا بين المقطوع عدم تحقّقه والمتيقّن وجوده ، كما في نظائره من الشبهات المفهوميّة كاليوم والليل ، والكرّ والعدّة ونحوها ، وقد أوضحنا ذلك في بحث الاصول أيضا إلّا أنّ الاصول الحكميّة الجارية في هذه المقامات عند الشكّ كأصالة عدم تحقّق الوقف أو الانتقال تقتضي ما ذكرنا.

نعم ؛ فيما إذا كان المتولّي نفس الواقف فالظاهر أنّه حينئذ لا يحتاج إلى المبرز مطلقا بل ، يكفي القصد ونيّة تبدّل اليد المالكي بعنوان التولية.

الثالثة : في حكم القبض من حيث كونه شرط صحّة الوقف أو لزومه ، وقد وقع الخلاف في ذلك ، ولكنّه يمكن الجمع بين الكلمات بحمل كلام من اعتبره من حيث اللزوم على الصحّة الفعليّة لمكان أنّه متلازم معها ولا ينفكّ اللزوم في العقود اللازمة على الصحّة الفعليّة فلذلك عبّر باللازم ، فحينئذ ارتفع الخلاف إذ من يراه شرطا للصحّة لا ينكر صحّة التأهليّة للوقف أيضا عند إجراء الصيغة له إلى أن تقبض ، كما أنّه جمع بذلك أيضا بين الكلمات في نظائر الباب كالرهن والهبة وغيرهما.

وبالجملة ؛ هذا الجمع حسن لو لم يعارضه صريح الكلمات ، والظاهر أنّه كذلك ، بل ظاهرهم الإتقان على توقّف الصحّة الفعليّة عليه.

٢٥٠

وكيف كان ؛ ينبغي التكلّم في ما تقتضيه أدلّة الباب ، فنقول ـ بعونه تعالى جلّ شأنه وتوجّه أوليائه ـ : ثمّ إنّه تارة يقع الكلام في الأدلّة الخاصّة وما تقتضيه أخبار الباب ، واخرى في الأدلّة العقليّة ومقتضى القواعد ، وقبل الشروع في البحث لا بدّ أن يعلم أوّلا أنّ المتسالم عندهم بطلان الوقف بموت الواقف قبل القبض إمّا من جهة كونه عقدا جائزا فيبطل بموت المتعاقدين ، وإمّا من عدم وقوعه رأسا ؛ لعدم اجتماع شرائطه.

وثانيا : لا إشكال أنّ العقود جائزا كان أو لازما بحدوثها يؤثّر أثره الأبدي ، ولذلك إبطال هذا الأثر يتوقّف على الرجوع عن مضمونه بأخذ العين الّتي تعلّق بها العقد وردّها ، كما في المعاطاة ، أو الفسخ كما في العقود الجائزة أو اللازمة ، وإلّا فلا ينحلّ العقد ولو ندم بعد حين ، فكلّ عقد وقع صحيحا مطلقا حلّه وإبطال أثره لا يمكن إلّا بأحد الأمرين : بالرجوع إلى العين بقصد الفسخ ، أو إنشائه ، ولا ثالث لهما ، كما هو واضح.

إذا تبيّن ذلك فنقول : أمّا الأدلّة الخاصّة ؛ فمنها أخبار باب الصدقة (١) ، حيث إنّ بناءهم على العمل بها في باب الوقف (٢) ، إمّا من جهة شمولها له لفظا كما هو الظاهر ؛ لورود هذه اللفظة في نفس أخبار الوقف أيضا ، وإمّا لإلحاقه بها مناطا.

فعلى كلّ حال ؛ يجرون أحكام الصدقة هنا إلّا ما خرج ، وقد ورد في

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٧١ الباب ١ من أبواب الوقوف والصدقات.

(٢) جواهر الكلام : ٢٨ / ٢.

٢٥١

أخبار الصدقة أنّه لو مات المتصدّق قبل التسليم فهو ميراث (١).

ومن المعلوم ؛ أنّ العناية الّتي في هذا التعبير تقتضي كون القبض شرطا للصحّة بالمعنى الّذي ذكرنا ، وبه جمعنا بين الكلمات ، وهي الصحّة الفعليّة حيث إنّ الميراث هو الّذي ينتقل عن المتصدّق بلا واسطة إلى الوارث ، ولو كان هو شرطا لا للّزوم وكان العقد من العقود الجائزة صحّ ، فلا بدّ وأن يقول عليه‌السلام : إنّ المال بالموت ينتقل إلى الوليّ والمورّث للانفساخ ، ثمّ إلى الوارث ، لما عرفت أنّ الوقف بناء على الشرائط لزومه بالقبض يكون من العقود الجائزة.

وبالجملة ؛ طبع هذه القضيّة يقتضي أنّ بالموت ينتقل المال إلى الورثة ويكون كسائر أموال الميّت ولم يخرج عن كيسه أصلا ، كما عبّر بمثله في نظائر المقام مثل ـ على ما ببالي ـ ما ورد في الوصيّة الزائدة على الثلث (٢) أنّه كسبيل ماله يستكشف في المقام أنّ المال على حاله ولم يخرج عن ملك الميّت أصلا لبطلان العقد.

ومنها ؛ ما ورد في خصوص باب الوقف ممّا يدلّ على اعتبار القبض وهو رواية صفوان ، ففيها : سألته عن الرجل يوقف (٣) الضيعة ثمّ يبدو له أن يحدث في ذلك شيئا ـ إلى أن قال عليه‌السلام ـ : «وإن كانوا كبارا ولم يسلّمها إليهم ولم يخاصموا حتّى يحوزوها عنه فله أن يرجع فيها» (٤).

فيستفاد من مفهوم جواز الرجوع بالبدو قبل القبض أيضا أنّه شرط للصحّة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٧٨ الحديث ٢٤٣٩٢ و ١٨٠ الحديث ٢٤٣٩٦.

(٢) وسائل الشيعة : ١٩ / ٢٧٥ الباب ١١ من كتاب الوصايا.

(٣) في المصدر : يقف.

(٤) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٨٠ الحديث ٢٤٣٩٥.

٢٥٢

وأنّه لولاه فكأنّه ما وقع عقد ، لما عرفت من أنّ البداء والندم بالنسبة إلى إبطال المعاملة لا يثمر شيئا ، ولو كان العقد جائزا حيث إنّ بحدوثه أثّر أثره فارتفاعه متوقّف على الفسخ الّذي به ينحلّ ، مع أنّ ظاهر المفهوم المزبور عدم الاحتياج إليه ، وجواز الرجوع بصرف البدو ، فتأمّل.

وأيضا ورد في ذيل رواية اخرى : «فإن تصدّق على من لم يدرك من ولده فهو جائز» (١) لأنّ الوالد هو الّذي يلي الأمر حيث إنّه لمّا كان الجواز بمعنى النفوذ المساوق للصحّة ، وقد علّق ذلك بقبض الوالد فيستكشف منه أنّ الجواز موقوف على القبض ، هذا مقتضى الأدلّة الخاصّة.

وأمّا قواعد الباب الّتي ليست قاعدة في البين إلّا (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) وأمثاله (٣) لعدم عمومات نفس باب الوقف في مقام تشريع السبب ، مثل الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها ، فمقتضاها أنّ القبض شرط اللزوم ؛ لمكان أنّ هذا العموم ـ أي وجوب الوفاء بالعقد ـ وإن كان قد خصّص ، إلّا أنّه لمّا كان الأمر مردّدا من حيث تخصيص أدلّة القبض جميع مراتب عقد الوقف حتّى صحّته الّذي مقتضاه عدم لزوم الوفاء ولو كان العقد باقيا ولم يرفع بالفسخ ، أو بعض مراتبه وهو اللزوم بعد الفسخ ، فالقدر المتيقّن من هذا التخصيص هو الأخير ، بمعنى أنّه بعد ما كانت الأدلّة شاملة للعقود الجائزة قطعا ؛ لأنّها عقد ومصداق ، فعلى هذا العقود اللازمة أيضا داخلة في الأدلّة ، وما دام موضوعها باقيا يجب

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٧٨ الحديث ٢٤٣٩٢.

(٢) البقرة (٢) : ٤٠ ، الرعد (١٣) : ٢٠ ، النحل (١٦) : ٩١.

(٣) المائدة (٥) : ١.

٢٥٣

الوفاء بها ، فهي بمرتبة يجب الوفاء بها ، ولها اللزوم الموقّت ، والعقود اللازمة بجميع مراتبها يجب الوفاء بها ، كما أنّ العقد الباطل بكلّ مرتبة منه غير مشمول لها ، فحينئذ إذا بني على التخصيص القدر المتيقّن منه هو تخصيص بعض المراتب ، حيث إنّ اللزوم هو قول الصحّة ومشتمل عليها ، ومقتضى ذلك صيرورة العقد من العقود الجائزة لا بطلانه ، إن لم يقبض من أصله.

ولمّا كان المخصّص منفصلا فلا يوجب إجمال العامّ أيضا ، حتّى يسقط عن الاعتبار من هذه الجهة ، فإن لم تتمّ الأدلّة الخاصّة وأمكن المناقشة فيها فالمرجع هذه القاعدة الّتي تبيّن كون مقتضاها كونه شرطا (١) لا للّزوم ، وليس هنا دليل خاصّ يدلّ عليه ، وإن كان قد توهّم ذلك بالنسبة إلى الرواية الاخرى الواردة في خصوص المقام ، وهي رواية العمري حيث إنّ فيها : «فصاحبه فيه بالخيار» (٢) .. إلى آخره ، فقد استظهر من لفظة «الخيار» كونه من العقود الجائزة.

ولكن هذا واضح الفساد ؛ ضرورة أنّ المراد من الخيار في المقام ـ كما في سائر المقامات ، مثل قوله في بيع ما يملك وما لا يملك أو غيره (٣) : إن شاء أخذ وإن شاء ترك ـ الاختيار ، وجواز رفع اليد عن المضمون لا الخيار الاصطلاحي ، فهذه الرواية وإن لم تكن دليلا لنا كسائر الروايات ، ولكن كونها دليلا للخصم أيضا ممنوع.

وأمّا مقتضى الأصل في المقام ؛ فقد تقدّم أنّه وإن لم يكن أصل موضوعيّ

__________________

(١) كما مال إليه في «الجواهر» ويلوح منه ما بيّنا (جواهر الكلام : ٢٨ / ١٠) فراجع وتأمّل! «منه رحمه‌الله».

(٢) وسائل الشيعة : ١٩ / ١٨١ الحديث ٢٤٣٩٩.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٣٩ الباب ٢ من أبواب عقد البيع وشروطه.

٢٥٤

ولكن مقتضى الأصل الحكم بعدم تحقّق الوقف.

هذا ؛ ثمّ إنّه بناء على كون القبض شرطا للصحّة ـ كما هو الظاهر ـ هل هو كاشف أو ناقل؟ وهنا يقع الكلام في مقامات من حيث إمكان أصل الكشف ومقتضى القواعد والأدلّة الخاصّة وأخبارها.

أمّا المقام الأوّل ؛ فقد حقّقنا البحث فيه في باب البيع ومن أراد التفصيل فليرجع إليه ، وحاصل الكلام في ذلك : أنّه إن بنينا على كون الأسباب الشرعيّة من قبيل التأثير والتأثّرات الخارجيّة ، فالحقّ أنّ الكشف بجميع المعاني لا يعقل ، لا في مسألة إجازة الفضولي في البيع ، ولا في القبض بالنسبة إلى المقام وسائر المقامات ؛ لاستحالة تحقّق الشي‌ء سابقا مع عدم تماميّة علّته وتأخّر معدّاته وأسبابه عن وجوده ، فعلى هذا ؛ الشرط المتأخّر لا معنى له ، لا على ما ذهب إليه [صاحب] «الفصول» من جعل الشرط هو تعقّب الأمر بوجود الشرط كلّما كان (١) ، ولا على ما ذهب إليه المشهور ، كما هو واضح.

وإن بنينا على كونها من قبيل الامور الاعتباريّة وأنّ أمرها موقوف على الاعتبار وتابع للكيفيّة ، فحينئذ لا إشكال في تصوير الشرط المتأخّر وإمكان تأثير المتأخّر في المتقدّم ، وذلك لأنّه على هذا ؛ كلّ ما اقتضاه الاعتبار والجعل الّذي تكون المصلحة فيه نظير الاعتباريّات الخارجيّة كالقيام للتعظيم أو التوهين ونحوهما.

وبالجملة ؛ بناء على اعتباريّة الأسباب فلا فرق في الشرط المتقدّم والمقارن والمتأخّر ، فكما أنّ للمعتبر أن يجعل وجود شي‌ء مقارن للمشروط فيه

__________________

(١) الفصول الغرويّة : ٧٣.

٢٥٥

شرطا وسببا لتحقّقه ، كذلك له أن يعتبره مقدّما أو مؤخّرا ، كما يكون في باب الاستصحاب ، فيما لو فرضنا كان يقينا سابقا وعمل بمقتضاه ، ثمّ بعد الخروج عن محلّ الابتلاء بالنسبة إلى ما عمل حدث الشكّ ، كذلك فلا إشكال أنّ دليل الاستصحاب الّذي موضوعه الشاكّ حينئذ يجري ، مع أنّ اليقين كان سابقا.

وبعبارة اخرى ؛ كلا العنوانين لهما المدخليّة في ثبوت الحكم الشرعي ، مع أنّه فصّل بينهما ورتّب الأمر على العمل السابق ، وليس ذلك إلّا لكون ظرف الجعل فعليّا والمجعول ظرفه سابق ، لوجود المصلحة في الإنشاء بهذه الكيفيّة ، والاعتبار كذلك ، فهو ليس تابعا لوجود المصلحة في ما تعلّق به الحكم ، فعلى هذا يمكن الالتزام بالكشف وتأثير الأمر المتأخّر في ما حصل سابقا ، أي يتمّ الشرط المتأخّر ولا محذور فيه.

ولمّا كان التحقيق كون الأسباب الشرعيّة من قبيل الثاني ؛ لعدم تعقّل التأثير الخارجي الحقيقي فيما لو كان المؤثّر أمرا تدريجيّا بحيث يتوقّف تحقّق الجزء اللاحق على انعدام الجزء السابق ، وإلّا يلزم أن يؤثّر المعدوم ، فأمكن الالتزام بالكشف الحقيقي والبناء على تحقّق مضمون المشروط فيه سابقا ، إذا تحقّق الشرط لاحقا ؛ لكون شرطيّته من باب الاعتبار ، ولا مانع عقلي (١) من ذلك ، ولا دليل على استحالته ، فيصير هذا الحكم مقتضى القاعدة ، بحيث لو لم

__________________

(١) كيف لا يكون المانع العقلي ، مع أنّه يلزم تقدّم المعلول على العلّة ، حيث إنّه للشرط المتأخّر له الدخل إمّا في الإنشاء أو في المنشأ ، فعلى الأوّل الإنشاء لا يكون فعليّا ، وعلى الثاني المنشأ لا يكون كذلك ، وإن أجاب عن ذلك ـ دام ظلّه ـ بأنّ هذه المحذورات بالنسبة إلى الأسباب الخارجيّة ، ونقض بمثل باب الوصيّة الّتي التأثير معلّق على الموت ، ولكن مع ذلك كلّه بعد محلّ التأمّل واسع ، وباب الوصيّة غير المقام ، كما لا يخفى ، «منه رحمه‌الله».

٢٥٦

يعارضه الدليل ووافقه القواعد بما يلتزم به ، ولا يختصّ ذلك بباب البيع والإجازة لورود الأخبار الخاصّة فيها ، كما توهّم.

أمّا المقام الثاني ؛ فبعد أن اتّضح في المقام الأوّل إمكان الشرط المتأخّر والكشف الحقيقي ، بمعنى أن يكون التأثير بتمامه لنفس العقد الواقع سابقا مع اشتراط الإجازة أو القبض في المقام لو كنّا والجمود بظاهر عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) لكان المقتضى الحكم بالكشف الحقيقي على المعنى الّذي التزم به [صاحب] الفصول قدس‌سره وهو أن يكون الشرط هو تعقّب الإجازة أو القبض (٢).

فحينئذ كلّ ما تحقّق الشرط في الخارج يجب الالتزام بمضمون العقد الّذي إطلاقه يقتضي التأثير من حين وقوعه ، وكذا إذا علم بتحقّق الشرط في ما سيأتي ولو لم يتحقّق فعلا ، والوجه في كون ذلك هو مقتضى عموم الدليل هو عدم لزوم التخصيص فيه على هذا أصلا ولو من زمان حصول العقد إلى لحوق الإجازة أو القبض ، بل يجوز التصرّف في هذا البين بخلاف معنى المشهور ، حيث إنّه يلزم عليه التخصيص بهذا المقدار.

ولكن لمّا كان المعنى المزبور خلاف ما يستفاد من ظاهر أخبار الشرط ومعاقد الإجماعات ، حيث إنّ ظاهرها كون الإجازة وغيرها من الشروط بوجودها الخارجي معتبرا في تأثير العقد ، فلا محيص حينئذ من الالتزام بتخصيص العموم بهذا المقدار.

والحكم بالكشف ؛ إذا تحقّق الشرط في الخارج ، بتقريب أنّه بعد أن أمكن

__________________

(١) المائدة (٥) : ١.

(٢) الفصول الغرويّة : ٧٣.

٢٥٧

الشرط المتأخّر وتأثير اللاحق في السابق ، فحينئذ نقول : إنّه لا إشكال في أنّ مقتضى العقد هو أن يؤثّر من حين تحقّقه ، وهذا مضمونه ، غايته أنّه قيّد ذلك واشترط بالإجازة أو القبض ، فإذا تحقّق الشرط بمقتضى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) يكون تأثير العقد من وقوعه من حيث انتقال العين وما لها من التوابع.

والالتزام بالنقل لمّا يستلزم تخصيصه ، فأصالة عدمه يردّه فيتعيّن الكشف كما لا يخفى ، فتأمّل.

المقام الثالث ؛ في ما يستظهر من الأدلّة الخاصّة ، أمّا خصوص أخبار الباب ؛ فالإنصاف أنّها تناسب الأمرين وتجتمع مع الكشف والنقل.

نعم ؛ وردت في باب الهبة روايات مفادها أنّه ما لم تقبض فلا هبة (١) فظاهرها نفي الحقيقة رأسا إذا لم يقبض ، ويكون نظير ما قلنا في المشتقّ حيث إنّه نفى الجري والاتّصاف ما لم يتحقّق الشرط ، ولا ريب أنّ الهبة من مصاديق الصدقة فكلّما يكون الحكم لجنس الصدقة ، والمفروض أيضا تسالم الأصحاب من إجراء حكم الصدقة في الوقف ، بل عدّه منها فحينئذ ؛ بناء على التعدّي من الهبة إلى الصدقة (٢) ومنها إلى الوقف ـ كما هو التحقيق ـ فلا محيص من تخصيص القاعدة المستفادة من عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بالأخبار المذكورة ، والله العالم.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٩ / ٢٣٢ الباب ٤ من كتاب الهبات.

(٢) بل يمكن أن يستفاد من بعض أخبار الصدقة حيث إنّ ظاهر ما وردت فيها من أنّها ميراث إذا لم يقبض أنّه لم تخرج عن الملك رأسا ، «منه رحمه‌الله».

٢٥٨

من هو القابض في الوقف؟

الجهة الرابعة في القابض ؛ لا إشكال أنّ في الأوقاف الخاصّة القابض هو الموقوف عليهم ، إنّما الكلام في أنّه هل يلزم قبض الحاضرين والموجودين بأجمعهم ، أو يكفي قبض بعضهم؟

الأقوى أنّه يكفي قبض البعض ، وذلك لأنّه بالنسبة إلى القبول وإن بنينا على لزوم قبض الجميع إلّا أنّه كان وجهه فيه ما يستفاد من قضيّة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) حيث إنّها لمّا كانت في مكان «اوفوا بعقودكم» فهذه الإضافة لا تتحقّق إلّا بقبض الجميع ، فلولاه فإنّما يصدق العقد بالنسبة إلى من قبض.

وهذا بخلاف المقام ؛ لعدم كون دليل القبض أدلّة العقد ، بل الأدلّة الخاصّة ، كما تقدّم ومن المعلوم ؛ أنّ غاية ما يستفاد منها اعتبار القبض على نحو صرف الوجود الّذي ينطبق على البعض ، وما كان فيها ما يدلّ على اعتبار قبض جميع الموقوف عليهم ، فحينئذ لا ينبغي التأمّل في أنّه يكفي القبض في الجملة ، كما هو الموافق للأصل أيضا ، فتأمّل! فإنّه إن استظهر من الأدلّة إضافة القبض إلى الموقوف عليهم ، فهذا ينصرف إلى قبض الجميع.

وأمّا في الأوقاف العامّة سواء كان الوقف على الجهة ، كالمسجد والقنطرة ، أو على الطبيعة والأشخاص ، فلا بدّ من قبض الحاكم أو قيّمه ، أو متولّي الوقف وناظره ، أي كلّ من له التصرّف فيه ولا يكفي فيها قبض الأشخاص ومصاديق الطبيعة.

نعم ؛ في مثل وقف المسجد والمقبرة يكفي في تحقّق القبض بالنسبة إليها

٢٥٩

أن يصلّي أحد المسلمين فيها أو يدفن حسبما ادّعي في ذلك من الإجماع (١).

هذا لا إشكال فيه ، إنّما الكلام في مناقشة لصاحب «الجواهر» قدس‌سره في المقام من حيث الاكتفاء بقبض المتولّي ، وحاصلها : أنّه لم يدلّ على وجود مثل هذه السلطنة له دليل ، إذ ذلك يستلزم الولاية على الموقوف عليهم الّتي هي منحصرة بالوليّ العامّ وهو الحاكم ، وكونه ناظرا ووليّا على الوقف لا يستلزم الولاية عليهم ، بل ثبوت ولايته عليه يتوقّف على تماميّة الوقف ، والمفروض توقّف ذلك على القبض ، فكيف يمكن أن يجعل قبضه من متمّماته ويكتفى به (٢).

وفيها : أنّه بعد أن لا إشكال في أنّ اعتبار باب الوقف إنّما هو من حيث التفكيك بين أنحاء السلطنة والحقوق الّتي للمالك بالنسبة إلى العين ، فلا يبقى مجال لهذه المناقشة.

توضيح ذلك : أنّ للمالك السلطنة على المال ، ومنها ينتزع عنوان الملكيّة ، كما أنّه بذلك [له] التصرّف فيه بأيّ نحو شاء ، وله النظارة عليه بما أراد ، وإذا فرضنا أنّه يفكّك بين هذه الجهات وله ذلك بحيث إمضاء الشارع أيضا ، مضافا إلى اعتبار العقلاء بأن يجعل ملكيّة عينه لشخص واختيارها لشخص آخر ، بأن يحرّم من حوّل ملكيّتها إليه عن التصرّفات رأسا ، ويستقلّ غيره فيه ، كما أنّ له أن يجعل ما لنفسه من النظر الاستصوابي والإشرافي على المال الثالث ، فيعبّر عن الأوّل بالموقوف عليه ، وعن الثاني بالمتولّي أو الناظر ، وعن الثالث بالمشرف أو المستصوب ، فكلّ منهم قائم مقام المالك من جهة ، فحينئذ لمّا كان لكلّ من

__________________

(١) مفتاح الكرامة : ٩ / ٢٨.

(٢) جواهر الكلام : ٢٨ / ٢٤ و ٢٥.

٢٦٠