الرسائل الفقهيّة

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

الرسائل الفقهيّة

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-93094-1-1
الصفحات: ٧٠٨

فاسدة ، لأنّه أوّلا ؛ الرواية على ما رواها أصحابنا (١) غير مشتملة على هذا الذيل إلّا نادرا ، وثانيا ؛ لما عرفت من الفرق ، فتأمّل!

هذا حال الأفعال وحكمها وأمّا الأقوال ؛ فالظاهر أنّ فيها التفصيل ، أمّا بالنسبة إلى تكبيرة الإحرام فقد استدلّ على اعتبار التأخّر فيها وأنّه لا يجوز التقديم بل ولا المقارنة ، برواية «قرب الإسناد» قال عليه‌السلام فيها : «لا يكبّر إلّا مع الإمام فإن كبّر قبله أعاد» (٢) وهذه الرواية وإن كانت مشتملة على ما هو خلاف الإجماع ظاهرا من جهة أنّ التكبيرة قبل الإمام توجب عدم انعقاد الجماعة لا بطلان أصل الصلاة حتّى تجوز الإعادة.

ولكن هذه الجهة لا تضرّ بها ، إذ كثيرا ما تكون رواية معرض عنها بالنسبة إلى بعض فقراتها ، ولا يوجب سقوطها عن الاعتبار رأسا ، بل لا يزال بناؤهم على التمسّك بأمثالها.

نعم ؛ إنّما الإشكال في دلالتها ، فإنّها بظاهرها ليست دلالتها أزيد ممّا تقدّم في الرواية العاميّة ، وأنّه لا يجوز تقدّم تكبير المأموم على الإمام.

وأمّا حديث «المحاسن» المرويّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّ ظاهره يقتضي ذلك لمكان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وإذا قال إمامكم : الله أكبر ، فقولوا : الله أكبر» (٣) إلّا أنّ استفادة الحكم الإلزامي منه مشكل ، لا لاشتمال الحديث على الأحكام الغير الإلزاميّة ، إذ ذلك لا يوجب رفع اليد عن سائر فقرات الحديث إذا كانت ظاهرة في الإلزام ،

__________________

(١) لاحظ! جواهر الكلام : ١٣ / ٢٠١.

(٢) قرب الإسناد : ٢١٨ الحديث ٨٥٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ١٠١ الحديث ٣١٣٣.

(٣) أمالي الصدوق : ٢٦٥ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٢٣ الحديث ١١٠٧٥ ، وفيه : المجالس بدلا من : المحاسن.

١٨١

بل لأنّ الظاهر منه صدرا وذيلا أنّه مسوق لبيان الأحكام الاستحبابيّة مطلقا ، فحينئذ لا دليل نقلا يقتضي اعتبار تأخّر تكبيرة المأموم عن الإمام ، وعدم الاكتفاء بتلبّسه بها.

نعم ؛ نظرا إلى الشبهة العقليّة وأنّه ما لم يصدر التكبيرة عنه لم يتحقّق الإمامة بعد ـ ولعلّ لذلك أفتى جماعة من الأساطين باعتبار التأخّر للاحتياط شديدا (١) ـ عدم [جواز] شروع المأموم بالتكبيرة إلّا بعد شروع الإمام بها ، والأولى منه عدم إتيانه بها إلّا بعد فراغه عنها ، والله العالم.

هذا ؛ بالنسبة إلى تكبيرة الإحرام. وأمّا بالنسبة إلى سائر الأقوال فقد اتّضح حكمها منها ، وأنّه لا بأس بتقدّم المأموم الإمام بالنسبة إليها ، إذ لا دليل على المنع بل السيرة وغيرها مثل رواية الحلبي الّتي مضمونها : أنّه إذا كان الإمام يطيل في تشهّده لا بأس للمأموم أن يخفّف ويسلّم (٢) ، يدلّ على الجواز ، وليس شي‌ء يقتضي من الشبهة الجارية في التكبيرة للافتتاح ، حملها على ما إذا كان ذلك لحاجة ، أو أنّ المراد أن يقصد المأموم الانفراد وأمثال ذلك ، ممّا هي مخالفة للظاهر.

التأخّر كثيرا في الائتمام

هذا كلّه ؛ بالنسبة إلى تقدّم عمل المأموم على الإمام ، وأمّا من حيث التأخّر فهل يجوز ذلك زائدا عمّا يصدق عليه البعديّة عرفا ، أم لا؟

ثمّ إنّه بناء على عدم الجواز هل تبطل الجماعة به أم لا؟ المسألة في غاية

__________________

(١) مفاتيح الشرائع : ١ / ١٦٢ ، جواهر الكلام : ١٣ / ٢٠٨ ، رياض المسائل : ٣ / ٣٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٤١٣ الحديث ١١٠٤٨.

١٨٢

الإشكال والاضطراب ، حيث إنّ المنقول عن الشهيد قدس‌سره أنّه لا يفوت القدوة بفوات ركن أو ركنين عندنا (١) ، مع أنّه ـ كما ذكروا ـ بناء المشهور على التفصيل في المسألة ، من حيث عدم البأس بالتأخّر في الجملة ، وحرمته إذا كان فاحشا ، وكونه موجبا للبطلان إذا بلغ إلى مثابة يضرّ بصدق المتابعة عرفا.

والتحقيق : أنّه أمّا بالنسبة إلى الركوع مطلقا عدم جواز التأخير ؛ لما دلّ عليه الروايات الكثيرة ، مثل ما في «الدعائم» (٢) وصحيحة معاوية بن عمّار (٣) وصحيحة زرارة (٤) الّتي مضمونها بجملتها : أنّه إذا لم يمهله الإمام القراءة يؤخّرها ويدرك الركوع ، وهكذا السورة.

ومعلوم ؛ أنّه ما لم يكن إدراك الركوع واجبا شرعا لم يجز ترك السورة لأجلها ؛ إذ هو ليس أمرا مضطرّا إليه خارجا ، وحملها على خصوص الركوع الأوّل حتّى يدرك ركعة من صلاة الإمام لا دليل عليه ، ولا وجه له أصلا ، كما لا يخفى.

وأمّا مسألة الشرطيّة بالنسبة إلى الأفعال ـ ركوعا كان أو غيره لنفس الصلاة بمجموعها أو الجزء الفائت حتّى يوجب عدم إدراكه بطلان خصوصه ـ لا دليل عليه أصلا ، خصوصا الأخير ، حيث إنّه مع عدم كون الجماعة بالنسبة إلى الصلاة من قبيل الاستغراقي الانحلالي ؛ بل هي من قبيل العامّ المجموعي ، فحينئذ فهذا الاحتمال ساقط رأسا ، مضافا إلى وجود الدليل على عدم اعتبار

__________________

(١) البيان : ١٤٤ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ٢٢٤ ، مع اختلاف يسير.

(٢) دعائم الإسلام : ١ / ١٩١ ، مستدرك الوسائل : ٦ / ٤٨٩ الحديث ٧٣٣٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨٨ الحديث ١٠٩٧٨ ، وفيه : معاوية بن وهب.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨٨ الحديث ١٠٩٧٧.

١٨٣

الإدراك مطلقا ، كما يستفاد ذلك من بعض الفروع المتسالم عندهم ، كما دلّ الدليل عليه أيضا ، مثل ما إذا سبق المأموم الإمام في الركوع عمدا فيجب البقاء عليه حتّى يلحقه الإمام ومثل ما بنوا عليه في صلاة الجمعة من أنّه في حال السجود لو لم يمكنه أن يقوم مع الإمام وبقي على حاله حتّى فرغ الإمام من الركعة التالية ولحقه في سجود الثانية يقتدي به في السجدة الّتي بيده ، ويجعلها الاولى لنفسه ، فيحسب ذلك له ركعة تلفيقيّة.

ومعلوم ؛ أنّ لازم ذلك فوات ركنين له ، من سجدتي الركعة الاولى والركوع الثاني ، فإذا كان المفروض بقاء القدوة بعد ، فحينئذ أي التأخّر الفاحش يبقى حتّى يكون موجبا لبطلان الجماعة أو أصل الصلاة؟ وشيخنا قدس‌سره لمّا رأى أنّه لا يمكن الالتزام بأحدهما فعدل ، وجعل التبعيّة شرطا للجزء ، وقد عرفت أنّه غير معقول.

مضافا إلى أنّه دلّ الدليل على عدمه ؛ لما سمعت فيما لو تقدّم على الإمام في الركوع يلزم البقاء حتّى يلحقه الإمام ، فلو كان الجزء المسبوق به باطلا فما معنى لزوم البقاء؟

وبالجملة ؛ فالاحتمالات الثلاثة بأن تكون التبعيّة شرطا لأصل الصلاة ، أو للجماعة ، أو للجزء فقط ؛ باطلة ، لما تقدّم ، مضافا إلى ما سمعت من دعوى الشهيد الإجماع على عدم فوات القدوة بفوات ركن أو ركنين (١) ، فلا يبقى إلّا احتمال رابع ـ كما وقع في كلام الشيخ قدس‌سره أيضا ـ وهو أن يكون لزوم الاتّباع وعدم

__________________

(١) البيان : ١٤٤ ، الدروس الشرعيّة : ٥٧ ، مع اختلاف يسير.

١٨٤

التخلّف بالسبق أو التأخّر زائدا عمّا يغتفر عرفا حكما تعبّديا (١) ، وهو الحقّ.

وذلك : لما تقدّم في أوّل الباب من أنّ الأصل في المسألة هو النبويّ (٢) ، وهو لا يدلّ على أزيد من ذلك ، ولا يستفاد منه الشرطيّة أصلا ، لأنّه وإن بنينا في محلّه من أنّ الأوامر والنواهي الواردة في الماهيّات المركّبة منقلبة عمّا هو الأصل فيها من الدلالة على الحكم النفسي ، بل ظاهرها الشرطيّة والمانعيّة فيها. إلّا أنّ ذلك إنّما يكون فيما إذا كان الحكم والأمر والنهي متعلّقا ابتداءً بشي‌ء في مركّب عباديّ أم معاملي ، والمقام ليس كذلك ، بل الأمر الأوّلي هو نفس الائتمام ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فإذا ركع فاركعوا» (٣) .. إلى آخره ؛ من توابع الأمر الأوّل ، ولا يستفاد منه إلّا لزوم هذا الأمر ، أي المتابعة في الجملة ، وعدم التخلّف عن الإمام بالسبق أو التأخّر الفاحش ، فهذا نظير توابع التبعيّة ، حيث إنّه إذا تحقّقت المتابعة فنفسها تقتضي العمل بآثارها ، ومع ذلك فإذا ورد أمر أو نهي عليها لا تكون هي تكاليف نفسيّة ، بل من قبيل الإرشاد إلى ما تقتضيها نفس المتابعة ، فلا يترتّب عليها ما يترتّب على الأوامر والنواهي النفسيّة أي المنشأة ابتداءً ، فتأمّل!

فالحاصل : لا دليل على اشتراط المتابعة أصلا ، بل قد سمعت أنّ الدليل على خلافه ، وغاية ما دلّ عليه الدليل ـ وهو النبوي ـ كون لزوم المتابعة واجبا نفسيّا وحكما تعبديّا ، فحينئذ التخلّف عن الإمام بأيّ مقدار يكون لا يضرّ بالصلاة أو الجماعة بوجه ، كما عليه أساطين الفقهاء أيضا.

__________________

(١) المبسوط : ١ / ١٥٩.

(٢) تقدّم في الصفحة : ١٧٧ من هذا الكتاب.

(٣) سنن ابن ماجه : ١ / ٢٧٦ الحديث ٨٤٦.

١٨٥

بقي الكلام في أنّ اقتضاء هذا الحكم التعبّدي هل هو بطلان أصل الصلاة ، أو الجزء فقط لو خولف ، لكون الجزء الّذي سبق به أو تأخّر منهيّا عنه ، أم ليس اقتضاؤه ذلك؟

قد يتوهّم أنّ المقام لمّا كان من باب الضدّ وأنّ التقدّم أو التأخّر لمّا يوجب فوت الواجب الّذي هو الاتّباع ؛ فمقتضى القاعدة بطلان العمل.

وفيه : أنّ ذلك أوّلا اجتهاد في مقابل النصّ ، لما تقدّم ممّا يدلّ على أنّهما لا يضرّان بشي‌ء.

وثانيا : أنّ المقام موضوعا خارج عن مسألة الضدّ رأسا ؛ لما حرّرنا في محلّه من أنّ ضابطه أن يكون فعل أحد الضدّين والاشتغال به يوجب سلب القدرة عن الآخر ، وهذا مفقود هنا ، لمكان بقاء القدرة على الاتّباع فيما إذا تقدّم ، بأن يأتي بما تخلّف عنه ثانيا ، وفيما لو تأخّر أصلا لا يصدق المضادّة ؛ إذ المفروض فوات المتابعة ، فلا مضادّة بالنسبة إلى الفعل الّذي يأتي به الآن مع المتابعة الفائتة.

نعم ؛ بالنسبة إلى ما إذا تقدّم ، لمّا كان الدليل الشرعي قائما على عدم الرجوع والاكتفاء به ؛ فلذلك لا يقدر على الإتيان ثانيا ، وهذا من الغرائب لو كان ذلك وجه عدّ المقام من باب الضدّ.

وبالجملة ؛ خروج المقام عن مسألة الضدّ واضح ، ضرورة أنّه إنّما يكون إذا كان الأمران المكلّف بهما زمانا في عرض واحد ، ولا إشكال أنّ ما نحن فيه من هذه الجهة طوليّان ، فعلى هذا ؛ لا يترتّب على التقدّم أو التأخّر سوى الإثم إذا تعمّد فيهما.

١٨٦

هذا كلّه بالنسبة إلى أصل المسألة ؛ بقي الكلام في الفروع الّتي تترتّب عليها ، فإنّه إذا فرضنا أنّه أثم وتقدّم أو تأخّر ، فحينئذ أيّ شي‌ء وظيفته؟ أمّا بالنسبة إلى التأخّر فلا يترتّب عليه شي‌ء ، سوى أنّه يجب عليه المبادرة باللحوق آنا فآنا ، وإنّما الإشكال فيما لو تقدّم ، فهل يجب عليه العود واللحوق بالإمام بالنسبة إلى الجزء الّذي تخلّف عنه ، أم لا ، بل يبقى على حاله حتّى يلحقه الإمام؟

الظاهر أنّه يختلف الحكم في ذلك من حيث العمد والسهو كما عليه جلّ الفقهاء حسبما استظهروا من الأدلّة ، وذلك ؛ أنّه أمّا إذا تقدّم عامدا ـ كما إذا سبق الإمام في رفع رأسه عن الركوع أو السجود ـ فيجب عليه أن يستمرّ على حاله حتّى يلحق الإمام ولا يجوز له العود ، وأمّا لو كان ساهيا فيجب عليه العود واللحوق بالإمام والرفع معه ثانيا.

هذا ما عليه الفتوى ، ولكنّ الإشكال في استفادة هذا التفصيل من أخبار الباب ، فإنّها بظاهر [ها] متباينة ، حيث إنّ جملة منها كرواية عليّ بن يقطين (١) والفضيل (٢) وخبر الأشعري بظاهرها (٣) مطلقة تدلّ على لزوم العود إذا تخلّف ، ورواية اخرى لغياث بن إبراهيم (٤) تقتضي عدم العود ، ولزوم البقاء على حاله مطلقا حتّى يلحقه الإمام ، فهي بظاهرها متعارضة مع الطائفة الاولى.

ولكن الإنصاف أنّه ليس لهذه الرواية كمال ظهور في الإطلاق ، بل الظاهر

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩١ الحديث ١٠٩٨٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٠ الحديث ١٠٩٨٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٠ الحديث ١٠٩٨٣.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩١ الحديث ١٠٩٨٧.

١٨٧

منها بقرينة قوله عليه‌السلام : «إذا أبطأ الإمام» هو العمد حيث المستظهر منها أنّه كان المأموم يزعم ويعتقد أنّ الإمام الآن يرفع رأسه لتماميّة ذكره الّذي كان عادته الإتيان ، فرفع المأموم رأسه عمدا معتقدا أنّ الإمام أيضا يلحقه ، ولكن تخلّف زعمه وأبطأ الإمام ، فحينئذ تصير هذه الرواية ظاهرة في العمد ، فيقيّد بها إطلاق الطائفة الاولى ، مضافا إلى انصرافها بنفسها أيضا إلى السهو لاستبعاد التعمّد بذلك عن المأمومين مع بنائهم على الائتمام والاقتداء.

وبالجملة ؛ فما ذكرنا (١) يمكن أن يكون وجه ما بنى عليه الأصحاب قدّس الله أسرارهم ، ومع الغضّ عن ذلك فنقول : إنّ دعوى الإجماع على هذا التفصيل في المسألة قريبة جدّا ، لأنّه فتوى أساطين الفقهاء وأئمّتهم قديما وحديثا (٢) ، والمخالف جماعة شاذّة من متأخّري المتأخّرين (٣) ، فحينئذ ببركته لا محيص عن رفع اليد عن إطلاق الطائفة الاولى ، فتنقلب النسبة قهرا وإلّا لا يبقى لها مورد لو بني بقاؤها على ظهورها وتقديم رواية غياث عليها تصير مختصّة بغير العامد فيخصّص بها رواية غياث فتصير النتيجة كالأوّل ، فعلى كلّ حال ؛ لا محيص عمّا هو المشهور في المسألة ، فتدبّر!

__________________

(١) من استظهار العمد عن رواية غياث واختصاص الروايات الاولى بالساهي حيث إنّه استفادة العمد منها ببركة ترك الاستفصال ، وهو إنّما يفيد إذا لم يكن في البين انصراف يوجب التخصيص ، وقد أشرنا إلى وجهه ، فتدبّر! «منه رحمه‌الله».

(٢) السرائر : ١ / ٢٨٨ ، ذكرى الشيعة : ٤ / ٤٤٥ ، البيان : ١٣٨ ، جواهر الكلام : ١٣ / ٢١٢.

(٣) الحدائق الناضرة : ١١ / ١٤٢.

١٨٨

فروع :

ثمّ إنّ هنا فروعا :

الأوّل : قد ظهر من مطاوي ما ذكرنا أنّه عدم الفرق بين أنحاء التقدّم على الإمام من أن يتقدّم عليه بالرفع عن الركوع أو السجود ، أو يتقدّم بالوضع والهويّ لهما ؛ لوجود الأخبار بالنسبة إلى كليهما ، ودلالة بعضها على الأوّل والآخر على الثاني (١) ، مضافا إلى عدم القول بالفصل في المسألة ، كما لا يخفى فحينئذ إذا كان التقدّم عمديّا يجب الاستمرار وعدم العود مطلقا وإن كان عن سهو يجب العود ومتابعة الإمام.

الثاني : لو تخلّف فلم يستمرّ فيما إذا سبق بالنسبة إلى الركوع أو السجود عمدا فرجع وأعادهما مع الإمام تبطل الصلاة للزيادة عمدا ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون أتى بالذكر أوّلا أو لم يأت ، غايته من الجهتين في الثاني تبطل فتبطل صلاته ، سواء أعاد أم لم يعد.

الثالث : لو تخلّف في صورة السهو الّذي يجب عليه العود ولم يرجع فالظاهر أنّه لا يترتّب على ذلك سوى الإثم ، لما تقدّم أنّ ذلك ليس يجب إلّا للمتابعة الّتي وجوبها ليس شرطيّا ، وأمّا الركوع والسجود فقد تحقّقا ولا فرق بين أن يكون آتيا بذكر الواجب فيهما أم لم يأت به ، بأن تركه سهوا أيضا ، أمّا أصل عدم البطلان مع أنّه ترك واجبا فلما عرفت من أنّ المتابعة واجب نفسيّ ، تركها لا يوجب إلّا الإثم ، والمفروض أنّ وجوب الرجوع هنا لا يجب إلّا لذلك ، وإلّا فالواجب من الركوع أو السجود قد اتي به وهو الّذي تحقّق أوّلا ، فحينئذ ولو كان

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٠ الباب ٤٨ من أبواب صلاة الجماعة.

١٨٩

ذكرهما فالترك أيضا لا يضرّ بشي‌ء ، لأنّ الرفع تحقّق سهوا ، فهكذا الذكر الواجب ، فلا يجب العود لتداركه ؛ إذ بعد البناء على تحقّق الركوع والسجود فلا يبقى مجال لتداركه.

ومن هنا نقول : إنّه ولو عاد ولحق بالإمام لا يجوز له الإتيان بالذكر في الركوع أو السجود الثاني بقصد الورود والوظيفة الواجبة ؛ لمكان فوات محلّه ، وهذا الّذي يأتي به ثانيا ليس ركوعا صلاتيّا بل لحصول المتابعة.

ودعوى أنّ الشارع نزّل الركوع أو السجود الأوّل منزلة العدم أو جعلهما بمنزلة ركوع واحد مستمرّ ؛ باطلة ، إذ دون إثباتهما من الأخبار خرط القتاد ، حيث إنّها لا تدلّ إلّا على وجوب العود ولو كان ورد ذلك بلفظ (يعود [في] ركوعه أو سجوده) ولكن مع ذلك استفادة التنزيل منها في غاية الإشكال ، وصرف التسمية لا يدلّ على ذلك ، كما لا يخفى.

مضافا إلى أنّه لا إشكال في أنّه لو شرع المأموم بالعود والإمام في إتيانه رفع رأسه ، لا يجوز له الإتيان بالركوع أو السجود ثانيا لتدارك الذكر الفائت ، ولا يضرّه فوته أصلا ، فحينئذ لا ينبغي التأمّل في أنّه لو أتى به يأتي بقصد الذكر المطلق.

ثمّ إنّه لا فرق في ما ذكرنا ـ من أنّه لو تقدّم على الإمام في الركوع من وجوب الاستمرار لو كان عن عمد ووجوب الرفع عنه والإعادة مع الإمام ثانيا وأنّه في الصورة الثانية لو لم يرجع وترك المتابعة لا يترتّب عليه سوى الإثم ـ بين أن يكون الإمام فارغا من قراءته أو لم يكن كذلك ، بل كان في أثنائها.

وذلك : لأنّه على كلّ تقدير حينئذ ما ترك إلّا متابعة الإمام في تمام القيام ،

١٩٠

وهو لا يخلو إمّا أن يكون واجبا نفسيّا حال القيام كما هو الأقوى والمشهور أيضا ، وإمّا أن يكون شرطا للقراءة ويعتبر في حالها ، ومن المعلوم ؛ أنّ ترك شي‌ء منهما لا يوجب بطلان الصلاة على الأوّل ، فلما تقدّم من أنّه إذا لم يكن شي‌ء واجبا شرطيّا للصّلاة أو الجماعة تركه لا يضرّ بأحدهما.

هذا ؛ مضافا إلى أنّه إنّما يثبت بالدليل وجوب القيام وجوبا نفسيّا حال القراءة إذا كان المصلّي بنفسه يقرؤها ، وأمّا إذا كان غيره متحمّلا لها فمجال المناقشة في وجوبه حينئذ واسع.

وأمّا على الثاني ؛ فلأنّه قد تحقّق أنّ الإمام كما يتحمّل نفس القراءة عن المأموم هكذا يتحمّل عنه كلّ ما يكون شرطا لها من الطمأنينة والاستقرار وغيرهما.

فعلى هذا ؛ لا يبقى وجه لبطلان صلاة المأموم أصلا ، سواء كان تركه للمتابعة في أثناء قراءة الإمام عن عمد ، بأن ركع قبله عمدا ، أو كان عن سهو ، أو لا ولكن لم يعد ولم يرجع حتّى تحصل المتابعة بل استمرّ على حاله.

وممّا ذكرنا يظهر فساد ما أتى به في «العروة» في المسألة ، فإنّه فصّل بين الفرعين واحتاط في بطلان الصلاة في الصورة الثانية ، وفي الاولى قال بأنّه الأقوى على ما يستفاد من عبارته مع ما فيها من الاندماج (١).

وجه الفساد : قد عرفت أنّه على كلّ من القولين في مسألة القيام تركه لا يضرّ شيئا ، مضافا إلى أنّه ما عرفنا وجه التزامه بالتفصيل ، فإنّه إذا كان المفروض

__________________

(١) وفي «النجاة» (وسيلة النجاة : ١ / ٢٥٥ المسألة ٩) تعرّض لهما أوضح ممّا في «العروة» (العروة الوثقى : ١ / ٧٨٦ المسألة ١٢) ، «منه رحمه‌الله».

١٩١

أنّ المتابعة ولو كان استمرار تركها مستندا إلى الاختيار والعمد ، فحينئذ بناء على الالتزام بالبطلان الفرق بين الصورتين لا مجال له ، كما هو واضح.

نعم ؛ قد يقال : إنّ الوجه في بطلان الصلاة في الصورة المذكورة إنّما هو لفوات الترتيب تعمّدا نظرا إلى أنّه لا إشكال في أنّ محلّ الركوع بعد القراءة ، فلو قدّمه عليها تبطل الصلاة ، فهكذا بالنسبة إلى ما هو بدل القراءة فيعتبر فيها الترتيب أيضا ، ولمّا كان قراءة الإمام بدلا عن قراءة المأموم فلا يجوز له تقديم ركوعه على قراءته أيضا ؛ لاقتضاء التنزيل ذلك ، وإلّا تبطل الصلاة ، كما لو أتى به قبل أن يتمّ قراءة نفسه في صورة الانفراد.

هذا غاية ما يمكن أن يكون مدركا للفتوى المذكورة ، ولكنّه بناء على تماميّته مختصّ بما لو تعمّد في التقدّم من أوّل الأمر لا في الصورة الاولى ، وهو ما لو كان حدوث التقدّم سهويّا ، ولكن كان بقاؤه عمديّا ، حيث إنّ المفروض أنّ فوات الترتيب حينئذ وقع من غير اختيار ، ووجوب العود إنّما هو للمتابعة لا لحفظ الترتيب ، وقد عرفت أنّ تركها لا يوجب إلّا الإثم ، فالاحتياط في هذه الصورة ليس له وجه أصلا ، مضافا إلى عدم تماميّته في حدّ نفسه.

وذلك ؛ لأنّ هذا الوجه مبنيّ على مقدّمات ثلاثة ، واثنتان منها ـ وهما وجوب الترتيب بين القراءة والركوع ، وكون قراءة الإمام بمنزلة قراءة المأموم ـ وإن كانتا تامّتين ، ولكن الإشكال في الثالثة ، وهي لزوم الترتيب بين ما هو بدل القراءة والركوع أيضا ، ومجال منعها واسع ؛ لأنّ غاية ما يقتضيه دليل التنزيل أنّ قراءة الإمام تجزي عن قراءة المأموم وأنّها بدل عن قراءته ، وأمّا أنّها منزّلة منزلتها في جميع الجهات حتّى في لزوم الترتيب بينهما فليس له عموم بهذه

١٩٢

الدرجة ، كما هو واضح ، فلا يبقى إلّا لزوم المتابعة ، وقد عرفت أنّها لا تقتضي شيئا.

وبالجملة ؛ فهذا الوجه أيضا لا يثمر شيئا ، وهكذا ما أشار إليه في «العروة» الّذي يصير في الحقيقة وجها ثالثا ، وهو أنّ التقدّم في أثناء قراءة الإمام لمّا يوجب فوات القراءة بنفسها وبدلها عمدا فلذلك تبطل الصلاة.

وفساد ذلك يظهر ممّا ذكرنا في الوجه الأوّل ، حيث إنّ فوت القراءة ببدلها إنّما يتوقّف على أن يكون قيام المأموم معتبرا عند قراءة الإمام ، وإلّا فلا بدليّة ، وقد عرفت عدم تماميّة ذلك وأنّ الإمام يتحمّل قراءة المأموم بما لها من الشرائط ولذلك يجوز له جرّ رجليه عند قراءته مع أنّ الاستقرار شرط فيها.

فعلى هذا ؛ مقتضى القاعدة في الفروع المتقدّمة ما ذكرنا ، وأنّه لا فرق في التقدّم بين أن يكون قبل تماميّة قراءة الإمام أو بعدها.

ما هو مقتضى القاعدة في المتابعة؟

ثمّ إنّه ظهر من مطاوي ما ذكرنا ما هو الأصل في المسألة ، وأنّ مقتضى القاعدة في صورة التقدّم على الإمام في الركوع أو السجود فيما إذا كان عن سهو ويجب فيه العود ، أيّ شي‌ء هو؟ وقد أشرنا إلى أنّ الركوع هو الّذي يتحقّق أوّلا ، والثاني لا يجب إلّا للمتابعة ، فليس هو ركوعا ولا كلاهما ركوعا واحدا ، فكأنّه استمرار للأوّل ، وذلك ؛ لأنّه ليس لنا دليل يقتضي جواز الرجوع ووجوبه في صورة السهو إلّا الأخبار الخاصّة المتقدّمة وشي‌ء منها لا يدلّ على أحد الوجهين ، حيث إنّ أصرحها هي رواية الأشعري لاشتمالها على قوله عليه‌السلام : «يعيد

١٩٣

ركوعه معه» (١) ، وهذا لا يدلّ على أنّ ما وقع أوّلا هو فعل لغو ، وهو ليس بركوع أو أنّه والثاني الّذي يأتي به ، كلاهما بمنزلة ركوع وكأنّ الفصل لم يقع ، بل غاية مدلول ذلك وجوب إعادة الركوع للمتابعة.

وبعبارة اخرى : ليس مدلول تلك الأخبار إلّا حكم نفسيّ تعبّديّ لا نفي عنوان الركوع أو السجود عن فعل المكلّف (المأموم) فيما إذا تخلّف عن الإمام ، وهكذا قد تبيّن أنّ صدق هذه العناوين على فعل المأموم وصحّتها لا يتوقّف على فراغ الإمام من قراءته ، فحينئذ مقتضى القاعدة إنّما يصدر عن المأموم ويصلح أن يكون ركوعا أو سجودا ، وقوعهما وتحقّقهما سواء كان قبل فعل الإمام أو بعده.

فعلى هذا ؛ في الفروع المتقدّمة ـ أي إذا فرضنا أن يكون ذكره الواجب في الركوع الّذي يأتي به أوّلا أو السجود كذلك فات سهوا ـ فلا يبقى محلّ لتداركه حتّى يقال : إنّه يأتي به في الركوع أو السجود الّذي يعيدهما ، لأنّ المفروض أنّهما ليسا فعلا صلاتيّا ، ولا يضرّ فوت الذكر حينئذ شيئا ، ولذلك لو اتفق أنّه إذا شرع المأموم بالعود والإمام رفع رأسه منهما فلا يجوز له أن يأتي بهما ، ولا يضرّه ترك الذكر شيئا قطعا.

الأفعال المختصّة بالإمام في الجماعة

هذا تمام الكلام في الأفعال الّتي يشترك المأموم فيها مع الإمام ، وقد اتّضح حالها بحمد الله تعالى وهو وليّ التوفيق ، وأمّا بالنسبة إلى الأفعال الغير المشتركة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٠ الحديث ١٠٩٨٣.

١٩٤

والمختصّة بالإمام ، فهل يجري دليل المتابعة فيها أيضا ، أم لا؟

فنقول : إنّ الأفعال المختصّة به على أقسام ؛ فإمّا أن يكون ما يأتي في خارج الصلاة ، وإمّا أن يأتي بها في أثنائها ، وهذا لا يخلو عن وجوه ، فإمّا أن يكون فعل يعدّ زيادة يوجب بطلان صلاة الإمام مطلقا ، أو ليس كذلك ، بل إبطاله مختصّ بما لو أتاه تعمّدا.

ثمّ إنّ ذلك تارة يكون فعلا صلاتيّا مشتملا على زيادة ، واخرى ليس كذلك.

أمّا القسم الأوّل ؛ وهو كسجدة السهو الّتي يأتي بها الإمام بعد الصلاة لحصول موجبها عنه في أثنائها ، فهذا لا إشكال في عدم وجوب المتابعة فيها لعدم الدليل.

وتوهّم جريان قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما جعل الإمام إماما ليؤتمّ به» (١) .. إلى آخره ؛ فيها ، كما ترى.

وأما في صور القسم الثاني ؛ ففي الاولى منها فالحكم واضح أيضا ، وهو مثل ما إذا زاد الإمام ركوعا في صلاته ، وفي الثانية منها أيضا بديهيّ أنّه لا يجب على المأموم متابعة الإمام ، وهو كما إذا كان الإمام يأتي بسجدة واحدة زائدة سهوا ، أو تشهّد كذلك ، حيث إنّ هذه الزيادة بالنسبة إلى الإمام وإن كانت سهويّة ولكنّها بالنسبة إلى المأموم ـ المفروض أنّه لو أتى بها كانت عمديّة ـ لا دليل على اغتفارها.

وذلك ؛ لأنّه أمّا الأدلّة العامّة مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما جعل الإمام إماما». إلى آخره ، فهي ليست بمشرّعة حتّى تكون حاكمة على أدلّة الزيادة ، بل غاية

__________________

(١) سنن ابن ماجة : ١ / ٢٧٦ الحديث ٨٤٦.

١٩٥

مدلولها أنّه يجب المتابعة بالنسبة إلى الأفعال الصلاتي الّتي هي وظيفة المأموم أيضا فيتبعه فيها.

وأمّا الأخبار الخاصّة المتقدّمة الدالّة على وجوب العود فيما إذا تقدّم على الإمام فهي إنّما تدلّ على اغتفار الزيادة في الصور المذكورة فيها من التقدّم في الركوع أو السجود لا مطلق الزيادة ، فهي أيضا ليست بمشرّعة حتّى تثمر بالنسبة إلى أمثال ما نحن فيه ، كما لا يخفى.

وأمّا الصورة الثالثة ؛ وهي مثل ما إذا كان الإمام يأتي بتشهّد زائد سهوا أو يأتي بقنوت كذلك ، أو كان جزءا واجبا على الإمام فقط دون المأموم ، كما إذا كان المأموم مسبوقا ، بأن كانت له الركعة الاولى أو الثالثة ، وللإمام الثانية أو الرابعة ، فهنا قد يكون خفاء في المسألة من حيث إنّ لزوم المتابعة يقتضي أن يقف المأموم مع الإمام في حال ثبوته ، وهكذا أن يجلس معه في حال التشهّد ؛ لأنّ المفروض أنّه فعل صلاتيّ من حيث إنّه إمّا قيام طال لاشتغال الإمام بالقنوت ، وإمّا جلسة الاستراحة ، وإن لم يكن بخصوص عنوان التشهّد أو القنوت فعلا صلاتيّا ، أمّا بالنسبة إلى كلتيهما كما في صورة سهو الإمام ، وأمّا بالنسبة إلى المأموم خاصّة كما إذا كان مسبوقا ، ولكن من حيث إطالة القيام أو جلسة الاستراحة فعل لهما ، بحيث لا يجوز للمأموم التخلّف عن الإمام مطلقا ، فلذلك قد يستشكل ويتوهّم أنّه يجب على المأموم متابعة الإمام فيهما وإن لم يجز عليه نفس الفعل.

هذا ، ولكنّه فاسد حيث إنّه تقدّم أنّ القيام وهكذا الجلوس الّذي فعل صلاتي أنّهما هما في الجملة لا مطلقا بحيث يكون القيام الّذي يأتي به الإمام من

١٩٦

أوّله إلى آخره فعلا صلاتيّا يجب على المأموم من هذه الجهة أيضا ، بل عدم جواز رفع يد المأموم عنه إنّما يكون لعدم جواز تقدّمه على الإمام إلى الركوع وهكذا من الجلوس إلى القيام.

فعلى هذا ؛ لا يبقى شي‌ء يدلّ على لزوم المتابعة في هذه الصورة ، لأنّه أمّا الأدلّة العامّة مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما جعل الإمام» (١) .. إلى آخره ، فقد عرفت أنّها مختصّة بالأفعال المشتركة كما يظهر من صدرها وذيلها ، وأمّا غيرها فالمفروض فقده ، فحينئذ لا يجوز على المأموم في الفروع المذكورة مطلقا التقدّم على الإمام في الركوع أو القيام من جلوس ، وأمّا متابعته في نفس الأفعال فلا.

نعم ؛ بالنسبة إلى المأموم المسبوق وأنّه هل يجب عليه الجلوس في حال تشهّد الإمام منفرجا أو غيره؟ وردت روايات خاصّة (٢) يأتي البحث فيه في أحكام الجماعة إن شاء الله تعالى.

شرائط الإمام

البحث الرابع : في شرائط الإمام وهي امور :

الإسلام والإيمان ، فهما ممّا لا كلام فيهما موضوعا وحكما أصلا.

ثالثها : طهارة المولد ، وهي أيضا في الجملة ممّا لا إشكال ، فإنّ الأخبار وإن لم يرد فيها إلّا مثل قوله عليه‌السلام : «لا تصلّ خلف ابن الزنا» (٣) إلّا أنّه لا يبعد أن

__________________

(١) مرّ آنفا.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٢ الباب ٤٩ و ٤١٦ الباب ٦٦ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٢١ الحديث ١٠٧٨٤ مع اختلاف يسير.

١٩٧

يكون المراد بها من لم يعرف حاله ، كما فهم الأصحاب كذلك أيضا ، فحينئذ لا يجوز الصلاة خلف مجهول الحال إذا لم يكن في البين أصل أو أمارة بهما يحرز حاله ، فتأمّل!

رابعها : العدالة ويقع فيها البحث من جهات :

الاولى : أنّه هل المستفاد من الأخبار اشتراطها ، أو مانعيّة الفسق ، أو الاقتراف في المعاصي ونحوهما؟ الأقوى الأوّل ، كما عليه المشهور ، بل كاد أن تكون المسألة إجماعيّة.

وذلك ؛ لأنّه وإن كان في جملة من الأخبار ورد أنّه : «لا تصلّ إلّا خلف من تثق بدينه وأمانته (١)» (٢) أو أنّه : «قدّموا خياركم» (٣) ونحوهما (٤) ، إلّا أنّه مضافا إلى أنّ المراد بأمثالها أيضا أن يكون موثوقا به في عمله ومتديّنا فيه ، رواية سماعة (٥) الّتي في غاية الاعتبار صريحة في اشتراط العدالة ، وهكذا الإجماعات المنقولة بحدّ الاستفاضة الّتي هي كاف في المسألة ، فتأمّل! بل ولو بني على اعتبار رواية

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٠٩ الحديث ١٠٧٥٠.

(٢) وهي وإن كانت في ذيلها ما يشعر بكون المراد بالعدل في مقابل الإمام الّذي يكون من العامّة إلّا أنّ صدرها مطلقة في أنّ الإمام يعتبر فيه العدالة منّا أو من غيرنا كما فهم الأصحاب كذلك أيضا.

مضافا إلى أنّ الشيخ رحمه‌الله في تهذيبه نقل رواية صريحة في المطلوب (تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٩٣ الحديث ٧٥٥) وقد نقله شيخنا قدس‌سره دلالتها وإن ناقش في الأولى وكذلك الثانية ، بل قوى أنّه في الأخبار ليس ما هو يصرّح بالعدالة ، فراجع! (كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري : ٧ / ٢٥٠ و ٢٧٤) «منه رحمه‌الله».

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣١٥ الحديث ١٠٧٧٠.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٣١٣ الباب ١١ من أبواب صلاة الجماعة.

(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٣١٥ الحديث ١٠٧٧٢.

١٩٨

السيّاري (١) يستفاد منها فوق العدالة ، كما لا يخفى.

الثانية : الأقوى أنّ العدالة شرط في الإمام بالنسبة إلى المأمومين لا نفسه ، لأنّها أمر راجع إليهم ولا ربط [لها] بوظائف الإمامة أصلا ، وإنّما يكون في الجماعة ما هو قوام بالنسبة إليه أن يقف في محلّ يمكن للمأمومين أن يأتمّوا به وإلّا فسائر الجهات من شرائط الإمامة والجماعة راجعة إليهم ، فلو لم ير الإمام نفسه عادلا لا بأس عليه بأن يعرض نفسه للجماعة ، ولذلك بناؤهم الالتزام بتحقّقها مطلقا ، حيث لم يثبت أن يشكل أحد في جواز رجوع الإمام إلى المأمومين في شكوكه في الصلاة ، إذ لا يرى نفسه عادلا ، وهكذا في صلاة الجمعة الّتي يكون العدد فيها معتبرا ففيما إذا كان الإمام أحد السبع الّذين بهم يتحقّق شرط الجمعة ؛ فلو لم يكن الإمام يرى نفسه ليس يلتزم أحد بعدم تحقّق الجمعة حينئذ لفقد الشرط ، وغير ذلك من آثار الجماعة.

فمنها يستكشف أنّ العدالة شرط راجع إلى المأمومين ، ويكون أمرا إحرازيّا لا واقعيّا حتّى لو لم يكن في الواقع محقّقا يضرّ بصلاة الإمام أو المأمومين ، كما يدلّ على ذلك ظواهر أدلّة المقام مثل قوله عليه‌السلام : «لا تصلّ إلّا خلف من تثق به» (٢) حيث جعل الوثوق به تمام الموضوع ، وكذلك قصّة الصلاة وراء اليهودي من خراسان إلى الكوفة ، كما في رواية ابن أبي عمير (٣) ، صريحة في المطلوب.

وبالجملة ؛ مضافا إلى أنّ الأصل في أمثال المقامات ـ كما سنشير إليه ـ أن

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٣١٦ الحديث ١٠٧٧٥ و ٣٤٩ الحديث ١٠٨٧٤.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٣١٥ الحديث ١٠٧٧١ ، وفيه : من تثق بدينه.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٧٤ الحديث ١٠٩٤١.

١٩٩

يكون الشرط إحرازيّا لا واقعيّا أنّ الأدلّة الخاصّة في المقام مساعد مع الجهتين : إحداهما : عدم اعتبار العدالة بالنسبة إلى صحّة صلاة الإمام وتحقّق الجماعة ، بل إنّما هي شرط بالنسبة إلى المأمومين.

ثانيتهما : الّتي هي لازم الاولى تقريبا عدم الاشتراط بالنسبة إليهم واقعيّا ، بل شرط إحرازيّ ، لما سمعت من الوجوه ، خصوصا مرسلة ابن [أبي] عمير (١) الّتي بمدلولها شاهدة للثانية ، وببركة ترك الاستفصال للاولى ، فتأمّل!

وأمّا رواية السيّاري (٢) الّتي قد يتمسّك بها لإثبات العدالة الواقعيّة ، فهي ـ مع الغضّ عمّا في سندها ـ رواية مجملة لا يستظهر منها شي‌ء ؛ لمكان أنّ روايته الاولى يستفاد منها اعتبار أمر فوق العدالة ، ولا يلتزم به أحد ، والثانية مجملة رأسا ، لأنّه لم يعلم المراد به بقوله عليه‌السلام : «إن كانت قلوبهم واحدة فلا بأس» أيّ شي‌ء هو؟

هذا كلّه ؛ مع أنّ صلاة الجماعة الّتي ورد الترغيب بها كثيرا غاية الكثرة لا تناسب اشتراط هذا الأمر فيها واقعا لأنّه نادر جدّا أحد يرى نفسه عادلا بينه وبين الله ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه وقع لصاحب «الجواهر» قدس‌سره في المقام كلام لا يخلو من الغرابة ، فإنّه حيث سلّم عدم اعتبار العدالة الواقعيّة في الإمام لعدم كون الإمامة من المناصب الّتي يعتبر فيها العدالة ولا يجوز للفاسق القيام عليها ، قال : بل وكذلك مسألة الإفتاء فلا يعتبر في المفتي أيضا العدالة حتّى فيما لو حصل للمستفتي الظنّ

__________________

(١) مرّت آنفا.

(٢) مرّت آنفا.

٢٠٠