الرسائل الفقهيّة

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

الرسائل الفقهيّة

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-93094-1-1
الصفحات: ٧٠٨

الصلاة مع أنّ السجدتين ركن ، والمفروض عدم تحقّق التبعيّة فعلا ، لمكان وجوبهما عليه ثانيا وإتيان ركعة تامّة بعده ، والمسألة وإن كانت خلافيّة إلّا أنّ الرواية معتبرة وعمل بها جمع.

مضافا إلى أنّه لا إشكال في أنّه لو رفع المأموم رأسه من الركوع ساهيا قبل الإمام ثمّ رجع ثانيا ، مع أنّ الإمام كان رافعا رأسه فلم يدركه ، هذه الزيادة لا تبطل الصلاة ، فهذه أيضا تدلّ على أنّ المغتفر قصد الإدراك ، وبالجملة ؛ فما أفتى به في «[وسيلة] النجاة» (١) من بطلان الصلاة وتبعه في «العروة» (٢) لا وجه له.

وأمّا الأدلّة والأخبار المعتبرة منها إدراك ركوع الإمام فلا تدلّ على بطلان الصلاة ، بل غاية مدلولها أنّه فاتته الركعة (٣).

الرابع : في المسألة السابقة فبناء على التحقيق من عدم بطلان الصلاة لا إشكال أنّه يجوز للمأموم أن ينفرد حينئذ ويجوز له المتابعة والبقاء على الجماعة ، وعليه فهل يجب عليه متابعة الإمام في السجدتين أولا ، بل يتعيّن عليه التوقّف حتّى يخلص الإمام من تلك الركعة فيتبعه في الركعة اللاحقة؟

الّذي يظهر من عبارات بعض أساطين الفقهاء كالعلّامة قدس‌سره الأوّل (٤) ، نظرا إلى عموم «فاركعوا حين يركع واسجدوا إذا سجد» (٥).

وفيه ـ مع الغضّ عمّا في سند الدليل المزبور ـ أنّه : لا يدلّ ـ كما سيأتي

__________________

(١) وسيلة النجاة : ١ / ٢٥٥ المسألة ١٢.

(٢) العروة الوثقى : ١ / ٧٨٦ المسألة ١٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٠ الباب ٤٨ من أبواب صلاة الجماعة.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٤ / ٣٤٥.

(٥) سنن ابن ماجة : ١ / ٢٧٦.

١٤١

توضيحه ـ على ما ذكر ، حيث إنّه ليس مشرّعا للركوع والسجود ، بل هو في مقام بيان تشريع التبعيّة وحكمها ، وأنّ ما يجب على المأموم من إجراء صلاته فعليه الإتيان بها تابعا للإمام ، لا أنّه يجب عليه ذلك ، ولو لم يكن على نفسه شي‌ء كما في المقام.

وعلى هذا ؛ فيتعيّن الوجه الثاني ؛ لعدم الدليل على جواز الاتّباع والإتيان بالركن الزائد اختيارا ، ولذلك لا يجب متابعة الإمام فيما إذا ابتدأ المأموم في صلاته المغرب بعشائه في الركعة الأخيرة منها بلا إشكال.

وبالجملة ؛ الأخبار الدالّة على أنّه يسجد مع الإمام السجدتين ، إذا أدركه بعد الركوع (١) إنما هي لبيان درك فضل الجماعة ويحمل على الاستحباب ، جمعا بينها وبين الطائفة الاخرى الدالّة على لزوم الوقوف في حال القيام ، وعدم السجود مع الإمام ، كما يأتي تفصيل ذلك في محلّه إن شاء الله.

مضافا ؛ إلى أنّه على فرض الالتزام بلزوم المتابعة أو رجحانها بالنسبة إلى السجدتين ، فسيأتي أنّه لا دليل على بطلان الصلاة بذلك ، وأنّ الأخبار الّتي مفادها أنّه (فاسجد مع الإمام لا تعتدّ بها) (٢) ، فهي لا تدلّ إلّا على أنّه لا تعتدّ بالسجود والركعة ، وعلى فرض القول بالبطلان بها أو بالخروج عن الصلاة لمتابعته في السلام ، فليس ذلك دليلا على عدم مشروعيّة الايتمام ، وعدم جواز تكبيرة الإحرام بعد ورود الأمر بها ، لأنّه يمكن أن يكون ذلك من باب اعتبار التكبيرة للدخول ، ولو في جزء من الصلاة كما اعتبر في أصلها ، كما لا يخفى ، والله العالم.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٢ الباب ٤٩ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٢ الباب ٤٩ من أبواب صلاة الجماعة.

١٤٢

الخامس : لا إشكال في أنّه يجوز الدخول في الجماعة في أيّ حال مطلقا ، سواء احتمل أنّه يدرك الإمام فعلا أم لا ، بل مع القطع بالعدم لأنّه لو لم يدركه في الحال فله أن يصبر فيلحقه في الركعة الآتية ، وله أن ينفرد ولا محذور في شي‌ء من ذلك أصلا ، فلا يحتاج إلى إجراء أصل ونحوه ، حتّى يحرز بقاء الإمام على حاله الّذي يكون عليه.

فعلى هذا ؛ عنوان المسألة بأنّه هل يجوز الاقتداء ويمكن إحراز البقاء بالأصل أم لا؟ كما في بعض العبارات ، لا وجه له ، بل العنوان أنّه هل يجوز أن يؤتى بالركوع بقصد التبعيّة مع عدم العلم بالإدراك؟ وهل يصحّ إحراز ذلك باستصحاب بقاء الإمام على حاله حتّى يلحقه المأموم كما ببركته يحكم ببقائه على صفاته المعتبرة فيه إلى أن يتمّ الصلاة ، بل به يحكم على بقاء مطلق الامور في الزمان المستقبل ممّا لا يمكن إحرازه بالوجدان ، لعدم خلوّها عن الحوادث من الموانع الّتي بها يمكن زوال الوصف ، أم لا يصحّ ذلك في خصوص المقام؟ قد استشكل فيه شيخنا قدس‌سره نظرا إلى أنّه وإن قلنا بقيام بعض الاصول والأمارات مقام العلم الطريقي ، ولكن إنّما يكون ذلك فيما إذا لم يعتبر الإحراز الوجداني (١).

وبعبارة اخرى : الاطمينان والاستصحاب وإن كان من الاصول المحرزة إلّا أنّه لمّا لا يحصل الاطمينان فلا يترتّب الأثر الشرعي عليه في المقام ، وسيأتي سرّ ذلك ، وتنقيح هذه المسألة في الفرع الآتي والله المؤيّد.

__________________

(١) كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري : ٧ / ٣٣١.

١٤٣

الشكّ في إدراك ركوع الإمام

السادس : إذا ركع المأموم وشكّ في إدراكه ركوع الإمام ، بأن لم يرفع رأسه قبله ، فهل يصحّ الحكم بإدراكه بالأصل ، بأن يستصحب بقاء الإمام راكعا ، أم لا؟ فقد يجعل مبنى المسألة على مسألة استصحاب مجهول التأريخ ومعلومه ، وسنشير إلى وجهه.

وعلى كلّ تقدير ؛ جريان الأصل في المقام وعدمه يقتضي بيان ضابطة جريان الاستصحاب في الحادثين المجتمعين في الوجود فيترتّب عليه الأثر الشرعي بحيث لا يلزم مثبت.

فنقول : كلّما كان الأثر الشرعي لنفس اجتماع حادثين في الزمان عناية اخرى ، كما لو فرضنا في المقام بأن يكون الحكم مترتّبا على حصول ركوع المأموم في زمان حصول ركوع الإمام ، فحينئذ لو احرز أحدهما بالوجدان وشكّ في الآخر من حيث حدوثه واجتماعه معه وعدمه ، فهنا يحكم به بالأصل وتكون المسألة من صغريات الموضوعات المركّبة الّتي أحرز أحد جزأيها بالأصل والآخر بالوجدان ، كما حكموا به في مسألة العلم بإسلام الوارث مع الشكّ في موت مورّثه قبله أو بعده ، لكون الأثر مترتّبا على الإسلام في زمان حياة المورّث.

وكلّما كان الأثر مترتّبا على حال من أحوال أحد الحادثين عند حادث آخر ولم يكن صرف الاجتماع في الوجود ، بأن اخذ أحد العنوانين نعتا للآخر ، كما يمكن ذلك في العرض ومحلّه ، لا في الجوهرين ولا في العرضين موضوع كلّ منهما غير الآخر ، بل في مثلهما المعقول هو الشقّ الأوّل حسبما أوضحناه في محلّه.

١٤٤

وكيف كان ؛ في هذا القسم الاستصحاب لا مجرى له ، كما لو فرضنا أن يكون المقام من هذا القبيل بأن اعتبر ركوع المأموم حال ركوع الإمام ، أو يتحقّق ركوعه قبل أن يرفع رأسه ، فهنا ترتّب الأثر لمّا كان يتوقّف على إحراز العنوان المأخوذ في الدليل والأصل ـ أي استصحاب بقاء ركوع الإمام ـ لا يحرز ذلك ؛ لكونه أمرا عقليّا إلّا بناء على المثبت ، فلذلك الأصل لا سبيل إليه إلّا أن يجعل العنوان المأخوذ كناية عن الاجتماع في الوجود ، ولا يكون له خصوصيّة ، ويدخل في القسم الأوّل ، وعلى هذا ، يمكن إدراك المسألة في معلوم التأريخ ومجهوله.

توضيح ذلك : أنّه إذا فرضنا أن يكون وقت ركوع الإمام معلوما بأنّه في الثانية الفلانيّة ؛ فحينئذ إذا شكّ المأموم في تحقّق ركوع نفسه قبل رفع الإمام رأسه من الركوع ، فلمّا كان هو معلوما حاله ولا مجرى للأصل فيه والطرف الآخر مشكوك من حيث لحوق المأموم به وعدمه ، فالأصل يجري فيه ويحكم بعدم الإدراك لأصالة عدم تحقّق ركوع المأموم قبل رفع الإمام رأسه.

ولو كان الأمر بالعكس فالحكم كذلك ، بأن كان زمان ركوع نفسه معلوما وركوع الإمام مجهولا ، فهنا بأصالة بقاء ركوع الإمام يحكم باللحوق وإدراك المأموم ركوعه ، ولو كان زمان كليهما مجهولا فيتعارض الأصلان ، أو لا يجريان رأسا ، على الخلاف في المسألة.

ولكن كلّ ذلك بناء على إلغاء خصوصيّة القبليّة ونحوها من العنوان المأخوذ في الدليل وجعله كناية عن الاجتماع في الوجود فقط ، وإلّا فهذا التفصيل أيضا لا يثمر شيئا ، إذ بالأصل على كلّ حال لا يثبت العنوان وهو القبليّة ، كما لا يخفى.

١٤٥

ثمّ إنّ هذا التفصيل بعينه يجري في الفرع السابق أيضا في جواز الإتيان بالركوع بقصد التبعيّة ، كما بنى عليه شيخنا قدس‌سره في بعض كلماته (١) ، فلو بني على إلغاء خصوصيّة العنوان ففيه : الأصل ينفع ؛ لجواز التبعيّة مع الشكّ في الإدراك إذا لم يكن حدّ ركوع الإمام معلوما حتّى يصير زمان رفع رأسه معلوما ، وإلّا فيصير نتيجة الأصل بالعكس ، حيث إنّه إذ كان حدّ ركوع الإمام معلوما وركوع نفسه مشكوكا ، فلا بدّ أن يجري أصالة عدم اللحوق فيعمل بمقتضاه ، هذا هو أساس الأمر في كلا الفرعين.

إذا تبيّن ذلك فنقول : الحقّ عدم جريان الأصل في كلا المقامين ، أما في الأوّل ؛ فلأنّه مضافا إلى أنّه استصحاب في المستقبل وهو لا يخلو عن الإشكال كما يظهر من بعض كلمات «الجواهر» (٢) لانصراف أدلّته إلى ما يكون متعلّق الشكّ واليقين موجودا في الحال أو لا ، قد عرفت أنّ جريان الأصل مبنيّ على إلغاء قيد الخصوصيّة ، وجعل عنوان القبليّة المأخوذ في الأدلّة كناية عن صرف الاجتماع في الوجود وهو خلاف الظاهر ، فلا سبيل إليه ، وإلّا فيجري ذلك في مطلق العناوين المأخوذة في أدلّة الأحكام ، فبهذه المئونة يلغى كلّها عن الموضوعيّة.

وثانيا : مع الغضّ عن ذلك أنّ الأصل المذكور لا يثمر شيئا ؛ لمكان أنّ جواز الاقتداء والإتيان بالركوع بقصد التبعيّة يتوقّف على إحراز الإدراك وهو لا يحرزه.

__________________

(١) كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري : ٧ / ٣٣٣ و ٣٣٤.

(٢) جواهر الكلام : ١٢ / ٣٢٥.

١٤٦

وبعبارة اخرى : كما أنّ أصل الصلاة يتوقّف على الجزم في النيّة بالنسبة إلى الامور الّتي تحت اختيار المكلّف ، فهكذا في أجزائها ، فما لم يجزم بها يشكل جواز الإتيان بها ، بمعنى أنّ المسألة تدخل في جواز الإتيان بامتثال الاحتمال مع إمكان الامتثال العلمي.

وبالجملة ؛ أصل جواز الاقتداء في كلّ حال لا ربط له بمسألة قصد المتابعة في جزء مع الشكّ في تحقّقها ، وعدم إحراز الإدراك ، والأصل لا ينفع في ذلك لأنّه إنّما يجري في أمثال المقام في ما لا يمكن إحرازه وجدانا ، بمعنى أنّها خارجة عن اختيار الشخص ، وأمّا في ما هو باختياره ، وداخلة في موضوع النيّة وما يعتبر فيه الجزم ، فلا محيص عن تحصيل الاطمئنان.

ومن ذلك ؛ ظهر أنّه لا يمكن أن يقال : لمّا لا يضرّ هذا الركوع ولو لم يحصل الإدراك لما بنيتم أنّه زيادة مغتفرة ، فلا مانع عن الإتيان به ولو بقصد المتابعة ، لأنّ ذلك إنّما يثمر فيما إذا دخل وأتى بالركوع على وجه مشروع واتّفق عدم الإدراك ، والإشكال في المقام في أصل مشروعيّة الإتيان به من الأوّل ، فتأمّل في ما ذكرنا حتّى يظهر لك ما في ما أفاده الشيخ قدس‌سره في المقام (١) ، والظاهر ؛ إنّ ما سلكنا هو ما عليه المشهور ، والله العالم.

شرائط الجماعة

البحث الثالث : في شرائط الجماعة ، وهي بين أمرين وقسمين :

أحدهما : ما يرجع إلى الشرط العرفي في أصل تحقّق كلّ اجتماع وصدقه ،

__________________

(١) المبسوط : ١ / ١٥٩.

١٤٧

بحيث يكون تصرّف الشارع حينئذ من باب التحديد وتعيين أحد مصاديق ما هو المعتبر عند العرف في الجملة ، وهو أمران : الاجتماع وعدم البعد بين الإمام والمأموم زائدا على المقدار المعيّن ، وعدم وجود الحاجب.

ثانيهما : ما يكون شرطا شرعيّا وتعبّديا محضا كعدم انخفاض مكان الإمام عن المأمومين.

أمّا القسم الأوّل : فالأوّل من الشرطين ـ وهو عدم وجود الحائل بين الإمام والمأموم إذا كان من الرجال ـ هو أن لا يكون بينهما ما يمنع عن المشاهدة غير الصفوف في سائر الحالات ، والجامع عدم وجود السترة المانعة عن المشاهدة.

والأصل فيه ـ مضافا إلى الإجماعات المنقولة البالغة إلى حدّ الاستفاضة في المسألة : ـ صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ففيها : «إن صلّى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطّى فليس ذلك الإمام لهم بإمام ، وأيّ صفّ كان أهله يصلّون بصلاة إمام وبينهم وبين الصفّ الّذي يتقدّمهم قدر ما لا يتخطّى فليس تلك لهم بصلاة ، وإن كان بينهم سترة أو جدار ، فليس تلك لهم بصلاة إلّا من كان بحيال الباب» وقال : «وهذه المقاصير لم يكن في زمان أحد من الناس وإنّما أحدثها الجبّارون ، وليس لمن صلّى خلفها يقتدي (١) بصلاة من فيها صلاة» (٢).

ودلالتها على المطلوب ـ وهو اعتبار عدم الحائل المانع عن المشاهدة ـ واضحة ؛ لأنّ المراد من السترة والجدار فيها ليس إلّا بيانا للمثال ، والمقصود من

__________________

(١) في من لا يحضره الفقيه : مقتديا.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٣ الحديث ١١٤٤ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤١٠ الحديث ١١٠٣٩ و ٤٠٧ الحديث ١١٠٣٣.

١٤٨

ذكرهما أنّه كلّ ما يكون موجبا لتحقّق الستر بين الإمام والمأموم.

ومن المعلوم ؛ أنّ صدق الستر والجدار لا يتحقّق إلّا بأن يكون الحائل يمنع عن المشاهدة ، فلو لم يكن كذلك مثل الحائط القصير ، كما لو كان ارتفاعه بمقدار الشبر فلا يصدق عليه أنّ بينهما سترة أو جدار ، والمراد من «المقصورة الّتي أحدثها الجبّارون» هو الحجرة الّتي كانوا يبنون مكان المحراب ، وكان له باب من خارج المسجد على وجه لا يحتاج الإمام للدخول فيه بالدخول في المسجد وإن كان له باب آخر في المسجد أيضا.

وقوله عليه‌السلام : «إلّا من كان بحيال الباب» يحتمل أن يكون المراد منه باب المقصورة فيكون توطئة لقوله عليه‌السلام : «وهذه المقاصير» .. إلى آخره.

ويحتمل أن يكون المراد منه باب المسجد الّذي يصلّي فيه الإمام ، وهذا أظهر ، كما سيأتي توضيح ذلك إن شاء الله.

ثمّ إنّ هذا أصل موضوع الشرط ، ويتفرّع عليه امور نذكرها في طيّ مسائل :

الاولى : أنّه قد عرفت لا إشكال [في] أنّه لو كان بين الإمام والمأموم حائل يمنع المشاهدة رأسا تبطل الصلاة حينئذ ، وأمّا لو كان على نحو يمنع عن المشاهدة في بعض الحالات كحالة الجلوس أو القيام فقط ، فقد يقال بأنّه لا يضرّ نظرا إلى أنّ المراد صدق الحائل على وجه الكلّي.

وفيه : أنّه قد علّق الحكم بعدم كون الصلاة صلاة يكون بينهما ساتر على نحو صرف الوجود.

وبعبارة اخرى : المستفاد من الرواية اعتبار عدم الساتر بين الإمام

١٤٩

والمأموم في صحّة صلاة المأموم جماعة على نحو السالبة الكليّة ، ومن المعلوم أنّه يكفي في رفع ذلك تحقّق الستر ولو في بعض الحالات ؛ لصدق تحقّق الساتر بين الإمام والمأموم ، كما لا يخفى.

اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ قوله في الرواية : «إن كان بينهم سترة أو جدار» عطف على قوله : «وكان بينهم قدر ما لا يتخطّى» فيصير من قبيل الحال ، والمعنى يصير حينئذ : أنّه إن صلّى قوم وكان بينهم وبين الإمام سترة أو جدار ، وكلّ شي‌ء كان مفيدا لحكاية الحال يدلّ على اقتران الحال مع الفعل الّذي كان هذا الحال حالا له على نحو الاستيعاب ، كما سيجي‌ء ذلك بالنسبة إلى مسألة ما لا يتخطّى.

فعلى هذا ؛ فلو كان الحائل مانعا في بعض الحالات لا يضرّ إلّا على نحو يلحق بالعدم ، بحيث كان مانعا بالنسبة إلى معظم الحالات ، وأمّا في مثل حال الجلوس فقط ونحوه فلا ، ولعلّ ذلك منشأ ذهاب المعظم إلى عدم مضرّيّة الحائل في هذه الحالة.

نعم ؛ ولو لم نقل بذلك ، وبنينا على الأوّل : إذا كان الحائل على نحو يمنع عن المشاهدة في خصوص حال السجود ، بأن يكون ارتفاعه بمقدار شبر أو أنقص ، فلا يكون مشمولا للرواية ، لعدم صدق الجدار والحائل ، وإن صدق أنّ بينهما شي‌ء ، وبعد عدم شمول الرواية لمثله فلا بدّ من الالتزام بعدم كونه مانعا لو كان لنا عموم في باب الجماعة وأمكن الرجوع إليه.

ولكن قد تقدّم في صدر الباب أنّه ليس لنا عموم قابلا لرفع الشكّ إذا شكّ في اعتبار شي‌ء لانعقاد الجماعة عرفا أو شرعا ، ولا إشكال في ثبوت الشكّ في اعتبار أمثال هذه الأمور ، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصول العمليّة ، ومقتضاها في

١٥٠

أمثال المقام الاحتياط لا البراءة.

ضرورة أنّ صلاة الجماعة فرد من الصلوات الواجبة عينا ، فإذا شكّ في اعتبار شي‌ء فيها ، فمرجع ذلك إلى الشكّ في المحصّل لا إلى الأقلّ والأكثر الارتباطيّين حتّى يرجع إلى البراءة ، كما لا يخفى.

إذا كان الحائل بحيث لا يمنع عن المشاهدة

المسألة الثانية : إذا كان الحائل مخرّما مثل الشبابيك وأمثالها ، فتارة ؛ يكون على نحو [تكون] فرجه في غاية الضيق ، مثل ما إذا كان من بعض أنواع الحصر ونحوه فإنّ هذا مثل ما لا يكون له الفرج أصلا لصدق الحائل والسترة عليه ، كما لا يخفى.

واخرى ؛ يكون على وجه [تكون] فرجه واسعة لا تمنع عن المشاهدة ، كالشبابيك الموجودة في الرواقات ؛ ففي أمثالها لا ينبغي الريب في عدم شمول الرواية لها ؛ لعدم صدق الساتر والجدار عليها.

وتوهّم إمكان دخوله من جهة قوله في صدرها : «وإن كان بينه وبين الإمام ما لا يتخطّى» بناء على أن يكون المراد منه ما لا يمكن أن يتخطّى ، سواء كان ذلك لعدم المقتضي ـ كما إذا كان الفصل لبعد المسافة ـ أو كان لوجود المانع كالشبابيك المذكورة ، مدفوع بأنّ المراد من «ما لا يتخطّى» على ما سيأتي ـ ليس عدم التخطّي بل المراد منه ما يقدّر بعدم التخطّي من حيث البعد والمسافة ، ويشهد له قوله : «وإن كان بينهم وبين الصفّ الّذي يتقدّمهم بمقدار ما لا يتخطّى» فلا تدلّ الرواية على حكم مثل الشبابيك وغيرها ممّا لا يمنع عن المشاهدة ،

١٥١

فحينئذ يبقى مورد للشكّ فيرجع إلى الأصل.

الثالثة : لو كان الحائل جسما شفّافا لا يمنع [من] المشاهدة مثل الزجاج ، فهل يلحق بالجدار والسترة أم لا؟ وجهان : والأقوى عدم الإلحاق ، إذ لا ظهور للرواية فيما يشمله ، لعدم صدق السترة والجدار عليه.

وابتناء المسألة على كون الإبصار بخروج الشعاع أو الانطباع ، فعلى الأوّل لا يكون ساترا ، وعلى الثاني يكون حائلا ، لا وجه له ، إذ ليست المسائل الشرعيّة مبتنية على مثل هذه الدقائق الحكميّة ، بل إنّما تدور مدار صدق العناوين العرفيّة ، وعليها قد عرفت أنّها غير محقّقة.

إلّا أن يقال بأنّ مانعيّة الستر والحائل ليست لأجل أنّه معه يحجب الإمام عن المأموم ، وأنّه لا يطّلع على ما يفعل ، بل لأجل كونه موجبا لتعدّد المجلس ، وهذا المعنى متحقّق عند تحقّق الحيلولة بمثل الزجاج.

ولكن فيه : أنّ هذا حدس محض لا دليل عليه ؛ إذ لا دلالة للرواية عليه ، فالإنصاف أنّه أيضا مورد للشكّ ، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل وهو الاشتغال كما تقدّم ، ولكن يمكن إثبات الأصل اللفظي وإطلاق في باب الجماعة يرجع إليه عند الشك لتصحيح العبادة وإن منعناه سابقا.

توضيح ذلك : إنّ الشكّ في باب الجماعة وانعقادها إن كان راجعا إلى اعتبار ما يكون شرطا لانعقاد الجماعة عند العرف ، بحيث لولاه لصدق الجماعة عرفا ، فلا إشكال في عدم دفع الشكّ بالرجوع إلى الإطلاقات ، وإن كان راجعا إلى اعتبار شي‌ء شرعا وتعبّدا زائدا عمّا عليه العرف ، فهذا لا مانع من دفعه بالرجوع إلى ما تقدّم من إطلاق صحيحة زرارة المتقدّمة في أوّل بحث الجماعة

١٥٢

من قوله عليه‌السلام في ذيلها : «ولكنّ الجماعة سنّة في الصلاة من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له» (١). فتأمّل! إذ لا دلالة ولا إطلاق لها من الجهة الّتي نحن فيها ، بل الظاهر منها أنّها وردت لمشروعيّة الجماعة فقط.

الرابعة : لا فرق في الحائل بين أن يكون في تمام الصلاة أو كان في بعضها ، فلو كان مع رفعه في الأثناء فلا تنعقد الجماعة ، وكذلك لو لم يكن ابتداءً وحدث في الأثناء يوجب بطلانها ، وذلك لإطلاق الرواية.

نعم ؛ لو دخل في الجماعة على وجه المشروعيّة ثمّ حدث الحائل في الأثناء وإن تبطل الجماعة حينئذ ، ولكنّه لا تبطل أصل الصلاة بل يصير المأموم منفردا قهرا ، كما في سائر المقامات الّتي يتعذّر البقاء [فيها] على الجماعة.

الخامسة : لا يعتبر في الحائل المانع عن المشاهدة الموجب لعدم تحقّق الجماعة أن يكون غير إنسان ، لأنّ المدار في الحائل ما يوجب الستر بين الإمام والمأموم ، فلو حصلت الحيلولة بقيام إنسان بينهما على الوجه المذكور تبطل الجماعة ، إلّا أن [يكون] هو أيضا مأموما ، كما سيجي‌ء وجهه.

نعم ، لو كان الحائل آدميّا لا بدّ وأن يكون مستقرّا ، فلو حصلت الحيلولة بمجرّد مرور إنسان أو غيره بينهما فلا يضرّ ذلك ؛ لعدم صدق المانع ، إذ الحائل لا بدّ وأن يكون له الاستقرار عرفا ، إلّا إذا صدق الاستقرار حينئذ ، كما إذا كان مرور أشخاص متعدّدين بحيث يكونون متّصلين ، ولا يكون بينهم فصل أصلا ، فيلحق ذلك بالحائل المستقرّ لصدق السترة حينئذ ، ولا فرق في الإنسان الّذي يحصل به الحيلولة بين أن يكون مصلّيا منفردا أو غير مصلّ رأسا [أصلا] ، أو

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨٥ الحديث ١٠٦٧٦.

١٥٣

كان مقتديا بذلك الإمام مع علم المأموم ببطلان صلاته ، إذ المغتفر في حيلولة سائر المأمومين فيما إذا كانت جماعته صحيحة ، وإلّا فهو كغيره من الساتر ، كما لا يخفى.

وأمّا إذا شكّ في صحّة صلاة الواسطة وأجزاء الصفّ المتقدّم الحائل بينه وبين الإمام ، فلا مانع من الحكم بها ببركة أصالة الصحّة ، فحينئذ تصحّ صلاته جماعة ، ولو كانت صلاته فاسدة واقعا ، كما ذهب إليه في «المسالك» (١) لما سيأتي في مسألة بطلان صلاة الإمام واقعا مع عدم علم المأمومين به فإنّه لا يوجب بطلان صلاة المأمومين لعدم كون موضع صحّة الاقتداء إلّا إحراز صحّة صلاة الإمام ، ففي ما نحن فيه الأمر أظهر.

وذلك ؛ لأنّ من الأدلّة الدالّة على عدم مضرّيّة الحيلولة بالمأمومين وأنّ مشاهدة من يشاهد الإمام تكفي لصحّة الاقتداء وجوازه ؛ يستفاد أنّ كلّ مأموم يشاهد الإمام يقوم مقام الإمام بالنسبة إلى المأموم الآخر الّذي خلفه أو على يمينه أو شماله ، فكما أنّ إحراز كون صلاة الإمام صحيحة يكفي في انعقاد الجماعة الصحيحة حقيقة ولو كانت فاسدة واقعا ، وهكذا الحال بالنسبة إلى المأموم الحائل بين الإمام ومن خلفه.

وبذلك ظهر اندفاع ما أورده في «الجواهر» على «المسالك» قدس‌سرهما بأنّه بعد البناء وتسليم حصول الحيلولة بحائليّة المأموم المعلوم فساد صلاته ؛ فلا بدّ من الالتزام بعدم الفرق بين العلم بفساد صلاته وعدم العلم به ، مع فساده واقعا ، كما

__________________

(١) مسالك الإفهام : ١ / ٣٠٥.

١٥٤

إذا ظهر ذلك بعد الصلاة ، إذ الحائل بوجوده الواقعي مانع (١).

وجه الاندفاع ما سمعت من أنّ المأموم المشاهد للإمام لمّا يصير بمنزلة نفس الإمام بالنسبة إلى من خلفه فيكون حاله حال الإمام ، فتأمّل! فإنّ ذلك الّذي أفاده ـ دام ظلّه ـ لا يخلو عن القياس ، إذ الاكتفاء بمشاهدة من يشاهد الإمام والتنزيل المزبور لا يستلزم التنزيل من الجهة الّتي نحن فيها أيضا ، ولا ملازمة عرفا بين الدليل الدالّ على عدم مضرّيّة الحيلولة الحاصلة بالمأموم وهذه الجهة أصلا ، فالاحتياط لا ينبغي تركه ، والله العالم.

أحكام الحائل

المسألة السادسة : لا إشكال أنّه يكفي في صحّة الجماعة وعدم صدق الحائل أن يكون المأموم على وجه كان مشاهدا للإمام أو مشاهدا لمن يشاهده ولو بوسائط متعدّدة كثيرة ، على وجه لو لا الوسائط كان المأموم يشاهد الإمام من أحد الجوانب الثلاثة من المقدّم أو اليمين أو اليسار.

وذلك : لما تقدّم من أنّ ما جعل مانعا عبارة عمّا يكون حائلا بين الإمام والمأموم على وجه يكون مانعا عن المشاهدة لو لا احتجاب الإمام عن المأمومين بسبب غيرهم ، فحينئذ لا يحصل الحائل في الصفّ الأوّل المنعقد خلف الإمام ، ولو طال عرضا على وجه لا يرى الإمام المأموم الّذي في آخر الصفّ لطوله ، ولكن كان متّصلا بالصفّ على وجه لا يحصل بينه وبينه ما لا يتخطّى ، وكذلك بالنسبة إلى الصفّ الثاني إذا كان أطول من الأوّل إذا لم يحجب

__________________

(١) جواهر الكلام : ١٣ / ١٥٩.

١٥٥

بينه والإمام غير الصفّ الأوّل ، وهكذا الصفوف اللاحقة إلى أن تخرج من المسجد ، وكان الصفّ الواقع في خارج المسجد بحيال الباب على وجه يكونون يرون الإمام بلا حائل لو لا الصفوف المتقدّمة عليهم ، فالحكم في جميع ذلك ممّا لا إشكال فيه عند أحدهم بعد البناء على أنّ الحيلولة بالمأمومين لا يضرّ إجماعا.

وإنّما الإشكال والخلاف من جهة اخرى ، وهي أنّه هل يكفي مشاهدة الإمام أو مشاهدة من يشاهده من المأمومين ولو بوسائط من كلّ واحد من الجوانب الثلاث ولو بحيث لو لا مشاهدتهم لم يكن يشاهد الإمام أيضا لوجود الحائل ، كما إذا كان خلف اسطوانة يشاهد من طرف يمينه أو يساره أو قدّامه من يشاهد الإمام ، وكما في الصفّ المنعقد بحيال باب المسجد بالنسبة إلى من لم يكن من أجزاء هذا الصفّ بحيال الباب ، بأن يكون مشاهدا من طرف يمينه أو يساره من هو بحيال الباب فقط ، وكما في الصفّ المنعقد خلف الإمام إذا كان الإمام في محراب يكون جانباه مستورا بالجدار وله باب واقفا قدّامه منفتحا بحيث لا يراه ، إلّا من كان بحيال الباب ، أو لا يكفي ذلك ، بل لا بدّ وأن يكون بحيث لو لا احتجاب الإمام بالمأمومين لكان مشاهدا له؟ وعليه لا يصحّ من يصلّي بين الاسطوانات لو كانت على وجه تكون حائلا ، وكذا في المثالين لا يصحّ إلّا صلاة من هو بحيال الباب ومقابله.

فذهب المشهور ـ على ما نقل عن كثير ، بل ربما ادّعي الاتّفاق ـ إلى الأوّل ، كما يستفاد ذلك من كثير عباراتهم المذكورة في مسألة الاقتداء بإمام كان في محراب داخل في المسجد ، وفي مسألة من كان يصلّي خارج المسجد بحيال الباب.

١٥٦

ففي «المنتهى» عن العلّامة قدس‌سره قال : (لو لم يشاهد الإمام وشاهد المأموم صحّت صلاته ، وإلّا بطلت صلاة الصفّ الثاني ولا نعرف فيه خلافا) (١).

وقال في موضع آخر منه «والتذكرة» ـ وهكذا في «المسالك» «والمدارك» وغيره ـ : (لو وقف المأموم خارج المسجد حذاء الباب وهو مفتوح يشاهد المأمومين في المسجد صحّت صلاته ، وصلّى قوم على يمينه أو شماله أو ورائه صحّت صلاتهم ؛ لأنّهم يرون من يرى الإمام ، ولو وقف بين يدي هذا الصفّ صفّ آخر عن يمين الباب أو يساره بحيث لا يشاهدون من في المسجد لم تصحّ صلاتهم) (٢).

ثم قال : (ولو لم يكن المأموم في قبلته ، بل على جانبه ، فإن اتّصلت الصفوف به صحّت صلاته وإلّا فلا ، ذكره الشيخ في «المبسوط») (٣) ـ إلى أن قال ـ : (التاسع : لا بأس بالوقوف بين الأساطين) (٤).

وذهب بعض آخر كصاحب «الذخيرة» و «الرياض» وجماعة اخرى ، وتبعهم في «الجواهر» لو لا الإجماع على ما ذهب إليه المشهور (٥).

وذكر في وجهه : أنّه لا دليل على ما ذهب إليه المشهور إلّا توهّم كون المراد من قوله عليه‌السلام : «إلّا من كان بحيال الباب» بعد قوله عليه‌السلام : «إن كان بينهم سترة أو

__________________

(١) منتهى المطلب : ١ / ٣٦٥ ط. ق.

(٢) منتهى المطلب : ١ / ٣٦٥ ، تذكرة الفقهاء : ٤ / ٢٥٨ ، مسالك الافهام : ١ / ٣٠٥ ، مدارك الأحكام : ٤ / ٣١٨ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٣ / ٢٧٧.

(٣) منتهى المطلب : ١ / ٣٦٥ ، المبسوط : ١ / ١٥٦.

(٤) منتهى المطلب : ١ / ٣٦٥.

(٥) ذخيرة المعاد : ٣٩٣ ، رياض المسائل : ٣ / ٢٦ ، كفاية الأحكام : ٣١ ، جواهر الكلام : ١٣ / ١٦٠.

١٥٧

جدار» (١) فذلك ليس لهم بصلاة هو الصفّ الّذي بحيال الباب خارج المسجد مقابل الصفّ المنعقد على جانبي الباب من اليمين واليسار (٢).

ومن المعلوم ؛ أنّ هذا الصفّ لا يرون إلّا من يرى مشاهد الإمام من جانبي اليمين واليسار بحيث لو لا المأمومين كان بين الإمام والمأمومين حائل يمنع المشاهدة.

وهذا مدفوع بأنّ ظاهر الصحيحة المتقدّمة حصر الحكم بالصحّة على خصوص من كان بحيال الباب من الصفّ لا الحكم بصحّة صلاة الصفّ الّذي كان بحيال الباب ، ودعوى كون المراد الحصر بالإضافة إلى الصفّ السابق على هذا الصفّ لا شاهد لها فحينئذ قوله عليه‌السلام : «إن كان بينهم سترة أو جدار فليس ذلك لهم بصلاة» (٣) يكون محكّما ، وإلّا صحيحة الحلبي الواردة بعدم البأس عن الصلاة جماعة بين الأسطوانتين (٤) ، بتقريب أنّ من يقف بين الاسطوانات كثيرا ما لا يشاهد من يشاهد الإمام من طرف قدّامه ، بل إنّما يشاهد من يشاهد الإمام من طرف يمينه أو يساره ، بحيث لو لا الاكتفاء بمطلق المشاهدة لكان بينه وبين الإمام حائل وهو الاسطوانة.

وفيه : أنّ الواقف بين الأساطين لو كان على وجه كان بينه وبين الإمام حائل غير المأمومين ، فلا إشكال في فساد صلاته بل هو عين مسألتنا ، فحينئذ لا بدّ من أن تحمل الرواية وهكذا كلمات من صرّح بعدم البأس بالوقوف بين

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٤١٠ الحديث ١١٠٣٩ و ٤٠٧ الحديث ١١٠٣٣.

(٢) الحدائق الناضرة : ١١ / ٩٩ و ١٠٠.

(٣) مرّ آنفا.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٠٨ الحديث ١١٠٣٤.

١٥٨

الأساطين (١) على ما لا ينافي لعدم حصول الحيلولة بأنّ المراد من الصلاة بين الأساطين البنية الّتي لا تكون بها حائل ، بأن يكون المصلّي متوسّطا بينهما ، أي بعضها على يمينه وأخرى على شماله ، لا أمامه أو خلفه.

هذا ملخّص ما أفاد ردّا على المشهور ، ولكنّه فاسد ، فلأنّ حمل قوله عليه‌السلام : «إلّا من كان بحيال الباب» (٢) على خصوص من يكون في قبال الباب عن بعض الصفّ المنعقد في حيال الباب لا على مجموع هذا الصفّ ، مبنيّ على أن يكون المراد من الحيال خصوص المقابل في قبال اليمين واليسار.

مع أنّه لا وجه له أصلا ، لأنّه أمّا في اللغة فقد فسّر بالحذاء ، والحذاء بالإزاء ، ثمّ فسّر الإزاء بالحذاء على نحو الدور ، فلم يعلم تفسير يتّضح به المعنى.

وأمّا بحسب موارد الاستعمال فمختلف ، حيث إنّه قد يستعمل ويراد منه القبال ، مثل قوله عليه‌السلام في باب القنوت : «ثمّ يرفع يديه بحيال وجهه» (٣).

وقد يستعمل ويراد منه المقابلة لطرف اليمين واليسار كما في الخبر الوارد في باب السجود : «يضع كفّيه في حيال وجهه» (٤).

وأمّا في لسان أهل عصرنا هذا فما عثرنا على شي‌ء في موارد استعمالاتهم ، إلّا استعماله في مثل الشطّ إذا امتلأ إلى حدّ لو تجاوز عنه فيخرب البنيان فيقال : امتلأ من الماء إلى حياله ، فحينئذ لم يتّضح للّفظ معنى مبيّن ولم يستقرّ ظهوره في معنى المقابل ، بل الظاهر منه في الرواية هو الأعمّ ، حيث إنّه

__________________

(١) منتهى المطلب : ١ / ٣٦٥ ، جواهر الكلام : ١٣ / ١٦٠.

(٢) مرّ آنفا.

(٣) وسائل الشيعة : ٦ / ٢٨٢ الحديث ٧٩٧٢.

(٤) وسائل الشيعة : ٦ / ٤٦١ الحديث ٧٠٧٨.

١٥٩

استعمل في مقابل من يقف على جناحي الباب ممّن لا يشاهد من في المسجد من المأمومين ، لا أن يكون المراد خصوص بعض الصفّ المنعقد في مقابل الباب ، وإلّا فلو كان المراد به ذلك فلا معنى لاستثنائه عن قوله عليه‌السلام : «وإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك بصلاة لهم» (١) لدخول من كان بحيال الباب عن بعض الصفّ المنعقد في قباله في من لا يكون بينه وبين الإمام حائل ، فتأمّل!

نعم ؛ بناء على أن يكون استثناء عن قوله عليه‌السلام بعد ذلك من حكم المقاصير وهو قوله عليه‌السلام : «وليس لمن صلّى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة» (٢) بأن يكون المراد استثناء خصوص من كان في مقابل باب المقصورة دون غيرهم ، يتمّ الدعوى.

ولكنّه أوّلا : خلاف الظاهر وبعيد جدّا ولا دليل على ارتكابه.

وثانيا : على فرض تسليمه إنّما يتمّ لو فرض أنّه كان للمقصورة باب في ذلك الزمان من المسجد ، وقد تقدّم أنّ المعهود منها كون بابها من خارج المسجد وأنّ الإمام كان يدخل فيها منه.

وذلك لأنّهم أبدعوها مخافة من المأمومين في المسجد ؛ لأن لا يصنع بهم ما اصيب بمولى الموالي عليه‌السلام ، فكانوا يدخلونها من الخارج بلا أن يراهم المأمومون وكان المكبّر يخبرهم به ، كما أنّه رأينا المقاصير على هذا الأساس في الساتر في مساجد خلفاء بني العبّاس بعد ما تفحّصنا عنه.

والحاصل : لا يمكن الاعتماد على الاستدلال المزبور للحكم المذكور ،

__________________

(١) مرّ آنفا.

(٢) مرّ آنفا.

١٦٠