الرسائل الفقهيّة

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

الرسائل الفقهيّة

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-93094-1-1
الصفحات: ٧٠٨

استعمال المشكوك ، فالحريّ الاستفادة ممّا سنؤسّس من الأصل.

الأمر الخامس : في تأسيس الأصل في المسألة ، ولا بدّ من التكلّم فيه في مقامات :

الأوّل : في كونها مجرى للبراءة أو الاشتغال ، وجريان البراءة فيها موقوف بأمرين : أحدهما : جريان البراءة في الارتباطيّات ، وقد تبيّن في محلّه جريانها فيها ، لأنّ كلّ واحد من الأوامر المتعلّقة بالأجزاء والشرائط يكون بمنزلة الأحكام المستقلّة ، وفرض الارتباط كالعدم.

ثانيهما : انحلال كلّ من الأحكام الكليّة إلى التكاليف الجزئيّة باعتبار كلّ واحد من مصاديقها ، مثل : لا تشرب الخمر ، ففي المقام أصالتها أو انتزاعيّتها وتبعيّتها لا تثمر شيئا ، كما لا يخفى.

وكيف كان ؛ فإن ثبت كون لسان الأمارات على الوجه الرابع ، فلا إشكال في تقديمها على الاستصحاب ، إنّما الكلام فيما لو لم يثبت ، وكان على أحد الأنحاء الثلاثة.

فقد يقال في وجه تقديمها : وسرّه هو أنّه لا إشكال في أنّ النسبة بين أدلّة الأمارات والاستصحاب العموم من وجه ، والسبب في الحكم بالتعارض في العامّين من وجه ، وعدم تقديم أحدهما على الآخر وترجيحه ، هو أنّه يلزم الترجيح بلا مرجّح ، لأنّ كلّا يقتضي العمل بظاهره ، فلا بدّ إمّا من الحكم بالتساقط أو الرجوع إلى المرجّح الخارجي مع وجوده.

وقد ذكروا من جملة الشرائط في الحكم بالتعارض بينهما هو أن لا يلزم من ترجيح أحدهما إلغاء الآخر رأسا ، وإلّا فيرجّح هذا لعدم لزوم الترجيح بلا

١٢١

مرجّح ، وعدم تحيّر العرف في ذلك وحكمه بتقديمه ؛ لأنّه يصير بمنزلة العامّ الآبي عن التخصيص ، فيوجب كونه نصّا في مدلوله والآخر ظاهر ، فيخصّص بهذا.

ففي المقام لو خصّص الخبر الواحد أو اليد بالاستصحاب لزم لغويّة هذه الأمارات وعدم بقاء المورد لها ، مع فرض ثبوت عدم الفرق بين الاستصحاب وسائر الاصول بالإجماع ، فإذا قام الخبر أو اليد ـ مثلا ـ على نجاسة شي‌ء ، فإن كان مسبوقا بالطهارة فيجب العمل بالحالة السابقة وطرح الخبر أو اليد ، وإن لم يكن له حالة سابقة فيجب الرجوع إلى سائر الاصول ، من أصالة الطهارة وغيرها ، فيلزم التخصيص المستوعب ، فلا بدّ من ترجيح الأمارة عليه وتخصيص الاستصحاب بها ، حتّى لا يلزم هذا المحذور ، والمحذور الآخر فقد عرفت أنّه مرتفع بحكم العرف.

والقاعدة المذكورة لا تختصّ بالمقام بل نظائرها كثيرة ؛ منها : التعارض بين مفهوم قاعدة طهارة الماء إذا بلغ قدر كرّ ، ومنطوق الدليل الدالّ على طهارة الجاري ، وغير ذلك من الموارد.

هذا ؛ ولكن تسجيل هذا الوجه مبتن على أن نقول : مع اختصاص الشبهات في الأموال والشبهات المشوبة بالعلم الإجمالي بمدلول الأمارات ، وعدم مجرى للاصول فيها ، وكذلك إذا كان مجراهما (١) متوافقين وترجيح الاصول عليها يوجب التخصيص المستهجن ولغويّة أدلّة الأمارات أيضا بعد ذلك كلّه ، مع أنّ موارد الشبهات المذكورة كثيرة.

إلى هنا كنّا في مقام تصوير الوجوه والاحتمالات الآتية في لسان الأمارات ، ونقل الأقوال في المسألة ، فالآن نرجع إلى بيان ما هو الحقّ.

__________________

(١) فإنّ هاهنا أيضا عمل بالأمارة «منه رحمه‌الله».

١٢٢

فأقول : ملخّص ما استفدت عن الاستاد ـ دام ظلّه ـ أنّه قال : مع الغضّ عمّا يرد على القول بورود الأمارات على الاستصحاب من العدول أوّلا عمّا هو ظاهر من معنى الشكّ الواقع في حديث الاستصحاب (١) ، وإخراجه إلى غيره من جعل الحكم أعمّ من الظاهري والواقعي ، مع أنّ ذلك خلاف ما تسالموا عليه ، لأنّهم بنوا أنّ الشكّ متعلّق بما تعلّق به لفظ اليقين الواقع في صدر الحديث حتّى لا يختلف متعلّقهما كما يقتضيه ظاهر القضيّة الاستصحابيّة ، وكذلك إخراج اليقين عن المعنى الظاهر فيه ثانيا ، لأنّ استناد النقض به يقتضي كونه بنفسه سببا وموجبا له لا أن يكون شرطا لتحقّق ما هو ناقض حقيقة ، وكيف ، لو كان متعلّق اليقين الحكم الظاهر ـ الّذي هو مفاد الأمارات الظنيّة ـ يكون النقض مستندا إليها ؛ لأنّها توجب التنجيز ، واليقين بها يصير شرطا لتحقّق المنجّز ، بخلاف ما لو كان العلم طريقا إلى الواقع ، فعند ذلك لمّا لم يكن منجّز غيره استند النقض إلى نفس اليقين ، فإنّه على هذا يصير العلم بمنزلة الأمارات الّتي هي كاشفة عن الواقع ، وتحقيق ذلك في بيان جعل الطرق.

والحاصل ؛ أنّه لمّا كان ظاهر كلّ عنوان اخذ في موضوع يقتضي كونه بنفسه دخيلا في ثبوت الحكم ومؤثّرا له ، فالقاعدة حاكمة بكون المراد من اليقين هو الكاشف عن الواقع والدالّ عليه ، لما عرفت ، كما كان هذا مدلول لفظ اليقين الواقع في صدر الحديث ، فالسياق أيضا مساعد لما ذكر.

فمع تسليم ذلك كلّه فنقول : قد عرفت أنّ مبنى كلام القائل بكون أدلّة حجيّة الخبر ـ مثلا ـ واردا على الاستصحاب هو التصرّف في لفظ الشكّ واليقين ، ولكن لا يفيده ذلك ؛ لأنّ لسان أدلّة اعتبار الأمارات إن كان من قبيل الرابع ، وهو

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١.

١٢٣

سلب الشكّ وجعل الشاكّ بمنزلة المتيقّن ، فمن البديهة أنّ دليل الاستصحاب الدالّ على عدم نقض اليقين بالشكّ الأعمّ من الواقعي والظاهريّ ، أنّ هذا الدليل لا يشمل نفسه.

بمعنى أنّه يدلّ على الحكم وهو عدم النقض بسبب الشكّ من غير ناحية هذا الدليل ، لأنّه لا يكون حكم حافظا لموضوع نفسه ، بل لا يعقل ذلك ، فإذا كان لسان الدليل للأمارة هو نفي الشكّ فلا يجوز التمسّك بدليل الاستصحاب لإثبات الحكم الظاهري حتّى يقال : إنّ السالبة الكليّة تنتقض بالموجبة الجزئيّة ، والمفروض أنّ لسان دليل الخبر أيضا لا يثبت حكما ، وإنّما لسانه نفي الشكّ ، مع أنّ الشكّ بالوجدان مع قيام الخبر على خلاف الحكم الثابت بالاستصحاب باق ، وليس من رأسه مرفوعا ، فالموضوع باق وما تغيّر عمّا كان عليه ، نعم الحكم الثابت بالاستصحاب مرفوع ، وهذا إنّما كان مناطا للحكومة لا الورود ، ومناط الورود إنّما كان تعليق جريان أحد الدليلين على عدم الآخر الّذي كان قد يعبّر عنه بتبدّل الموضوع وتغييره ، فعلى تقدير كون لسان دليل الخبر هو المعنى الرابع لا يكون مجال للورود ، بل حاكم بكونه ناظرا وشارحا كما عرفت من نفيه الحكم بلسان نفي الموضوع.

نعم ؛ إن كان لسان أدلّة حجيّة الأخبار هو المعاني الثلاثة الاولى ، فلا يبعد الورود ؛ لأنّها بنفسها تثبت حكما ظاهريّا ، فانتقاض السلب الكلّي المستفاد من الشكّ إنّما يكون من غير ناحية الاستصحاب ودليله ، فالموضوع ينقلب ويتغيّر ، فيحقّق مناط الورود ، ولكن أنّى لهم بإثبات كون لسان الأدلّة والأمارات هكذا ، لا من الوجه الرابع (١).

__________________

(١) إلى هنا تمّت الرسالة.

١٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

ربّ وفّقني

الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين المعصومين.

الصلوات المشروعة فيها الجماعة

المقصد السادس : في الجماعة ، وفيه أبحاث.

الأوّل : في ما شرّع فيه الجماعة : لا إشكال في مشروعيّتها في الفرائض اليوميّة واستحبابها مؤكّدا فيها ، خصوصا في الصبح والمغرب منها. وإنّما البحث في موارد.

الأوّل : المنذورة من الصلوات المندوبة ، والأقوى فيها عدم المشروعيّة ؛ لظهور أدلّة الفريضة في الأصليّة منها ، حيث إنّ الّذي يدلّ على المشروعيّة فيها مطلقا ليس إلّا صحيح زرارة والفضيل : قلنا له : الصلاة في جماعة فريضة هي؟

فقال : «الصلوات فريضة ، وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها ، ولكنّها سنّة» (١) .. إلى آخره.

وهو أمره دائر بين أن يكون المراد من المنفيّ العموم المجموعي أو

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٢٨٥ الحديث ١٠٦٧٦.

١٢٥

الانحلالي في مقابل الفريضة الّتي يجب فيها الجماعة ، كالعيدين ، فحينئذ قوله : «ولكنّها سنّة» يكون تابعا له ، ولمّا كان الظاهر منه هو الاحتمال الثاني لكونه في مقام رفع توهّم السائل من كون الجماعة فرضا في كلّ فريضة فالإمام عليه‌السلام قال : ليس كذلك.

فيستفاد من إطلاق الجواب في مورد المسئول عنه الّذي هو الفريضة أنّها سنّة فيها سوى ما استثني منها ، وثبت وجوبها فيها من الفرائض.

وكيف كان ؛ لا إشكال في أنّ هذا الإطلاق لا يشمل الفرض بالمعارض ، فلا دليل حينئذ على مشروعيّتها في المنذورة سوى ما في عبارة «الذكرى» من دعواه الإجماع (١).

ولكنّه يتوقّف على أن يكون مراده من قوله : «عندنا» هو الإجماع المصطلح ، ولمّا لم يثبت ؛ لمكان أنّ عادته وغيره من أساطين المتأخّرين في المسائل الإجماعيّة التعبير ب «عند علمائنا أجمع» ونحوه ، وهو الّذي لو وقع في كلماتهم قدس‌سرهم لا ريب في ثبوت الإجماع به ، وأمّا لفظ «عندنا» فإنّما يعبّرون عنه فيما كان الأمر متسالما ولم يبلغ إلى حدّ الإجماع ، فحينئذ الإجماع في المسألة أيضا لا يتمّ ، فبقي تحت الأصل.

لا يقال : كيف وأنتم في أكثر المقامات ألحقتم المنذورة بالفريضة الأصليّة ، فما الفرق بينها و [بين] مسألة الجماعة؟

لأنّا نقول : أمّا في مثل ما أسقط فيه الشروط كالقيام والاستقرار والاستقبال وهكذا مسألة الشكّ ؛ فلمّا كان استفدنا من مناسبة الحكم والموضوع كون تلك

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٤ / ٣٧٤.

١٢٦

الأحكام تسهيلا للندب فيدور الحكم مدار الوصف ، فلذلك بنينا على أنّه عند زواله فيرتفع ، بخلاف المقام لعدم مناسبة في البين تقتضي ذلك.

وبالجملة ؛ فمقتضى أصالة عدم المشروعيّة عدم الإتيان بالمنذورة جماعة.

الثاني : صلاة الطواف ، والأقوى فيها المشروعيّة ، وذلك لشمول الإطلاق لها على التقريب المذكور.

وأمّا الّذي صار منشأ لتشكيك بعض فيها من جهة عدم النقل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإتيانها جماعة في حجّة الوداع ، مع أنّ جميع أفعالها فيها منقولة ، بل المنقول أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الطواف توجّه إلى مقام إبراهيم عليه‌السلام وقرأ الآية وصلّى ركعتين (١).

ففيه : مع أنّه كما لم ينقل إتيانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بها جماعة كذلك لم ينقل فرادى ، ومع تسليمه ، لعلّه لم يمكن الاجتماع من ضيق المكان أو عدم التوافق عند إتمام الطواف بين فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر الناس ، [مع] أنّ عدم النقل لا يصير دليلا على عدم المشروعيّة ، بحيث يعارض الإطلاق ، كما لا يخفى.

الثالث : النوافل ، أما نوافل شهر رمضان ، فالظاهر أنّه لا إشكال في عدم مشروعيّتها فيها ، لتظافر الأخبار بها مثل ما ورد من أمر أمير المؤمنين الحسن عليهما‌السلام بالنداء في الناس أنّه لا جماعة في نوافل رمضان (٢).

وبهذا المضمون وغيره الدالّ على عدم مشروعيّة الجماعة فيها ؛ الأخبار

__________________

(١) جواهر الكلام : ١٩ / ٣٠٠ و ٣٠١.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٦ الحديث ١٠٠٦٣.

١٢٧

مستفيضة (١) مضافا إلى صحّة كلّ منها.

وإنّما الإشكال في غيرها من النوافل ، والأقوى فيها أيضا عدم المشروعيّة سوى ما استثني منها ، وذلك لما ادّعى من الإجماع في «المنتهى» قال : إنّ عدم جواز الجماعة في النوافل عدا صلاة الاستسقاء والعيدين هو مذهب علمائنا أجمع ، واستدلّ عليه بما في صحيحة الفضلاء : زرارة ومحمّد بن مسلم والفضيل عن الصادق عليه‌السلام (٢).

ولكن لا يخفى ما في استدلاله ، ولما روى إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه‌السلام ؛ وسماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ هذه الصلاة نافلة ولن يجتمع للنافلة» (٣).

وإبراهيم بن هاشم (٤) ، عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال للحسن عليه‌السلام : «وأعلمهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة» (٥).

وعن «الخصال» في حديث شرائع الدين : «ولا يصلّى التطوّع في جماعة قال : «ذلك بدعة» (٦).

وعن الرضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون : «لا يجوز أن يصلّى تطوّع في جماعة ، فإنّ ذلك بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة» (٧).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٥ الباب ١٠ من أبواب نافلة شهر رمضان.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٥ الحديث ١٠٠٦٢ ، منتهى المطلب : ١ / ٣٦٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٢ الحديث ١٠٠٤٠.

(٤) في المصدر : إبراهيم بن عثمان.

(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٦ الحديث ١٠٠٦٥.

(٦) الخصال : ٦٠٦ الحديث ٩ ، وفيه : «لأنّ ذلك بدلا من : قال : ذلك».

(٧) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٣٥ الحديث ٨٣٠.

١٢٨

وعن محمّد بن سليمان قال : إنّ عدّة من أصحابنا أجمعوا على هذا الحديث ، منهم يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

وصباح الحذّاء ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن عليه‌السلام.

وسماعة بن مهران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن هذا الحديث وأخبرني به ـ ومتن الرواية عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «إنّ هذه الصلاة نافلة ولن يجتمع للنافلة» .. إلى أن قال : «واعلموا أنّه لا جماعة في نافلة» (١) وغير ذلك من الأخبار (٢).

فحينئذ ؛ لا يبقى شكّ (٣) في عدم مشروعيّة الجماعة في النافلة ، مضافا إلى أنّ الأصل يكفي فيها مع عدم إطلاق في البين ظاهرا ، والله العالم.

الرابع : صلاة الغدير ؛ فقد قيل بخروجها عن الحكم الكلّي المزبور ، بل لا يبعد دعوى الشهرة فيها ، كما عن الأردبيلي (٤) ، بل عن «إيضاح النافع» أنّ عمل الشيعة عليه (٥) ، والأصل في ذلك لا يبعد أن يكون المرسل الّذي نقله في «التذكرة» عن أبي الصلاح (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٢ الحديث ١٠٠٤٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٥ الباب ١٠ من أبواب نافلة شهر رمضان.

(٣) والعجب من صاحب «المدارك» رحمه‌الله مع أنّ مذهبه في الأصول معلوم ، مال في هذه المسألة إلى الجواز (مدارك الأحكام : ٤ / ٣١٥) ، نظرا إلى ما يشعر به كلام «الذكرى» (ذكرى الشيعة : ٤ / ٣٨٣) من وجود القائل به ، وإلى الروايتين اللتين مضافا إلى ظهورهما في التقيّة ويشمله ثانيهما على ما هو خلاف المتسالم عندهم ، معرض عنهما ، فراجع ، «منه رحمه‌الله».

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : ٣ / ٢٤٣.

(٥) لم نقف على هذا الكتاب.

(٦) الكافي في الفقه : ١٦٠ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ٢٨٥.

١٢٩

ولكن لمّا لم تثبت المرسلة لنا ، فحينئذ لا يبقى لنا دليل سوى عمل المشهور وما ادّعي من مسألة التسامح في أدلّة السنن ، وكلاهما لا ينفع شيئا في المقام.

أمّا الأوّل ؛ فلما هو المسلّم من أنّ الشهرة في حدّ نفسها ليست دليلا ، وإنّما تصلح للجابريّة ، مع أنّه لم يثبت لنا مجبور.

وأمّا مرسل أبي الصلاح الّذي احتملنا كونه مدركا للمشهور ؛ فيمكن أن يكون ما هو المنقول عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم الغدير من صلاته بالناس ركعتين ، بعد أمرهم الاجتماع (١) ، مع أنّه يحتمل أن يكون هو صلاة الظهر الفريضة ، لا نافلة يوم الغدير ، بل هو الأقرب ، حيث إنّ اجتماع الناس إلى قبل الظهر بعد النداء من طرفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع التفرقة الكثيرة الّتي كانت بينهم بعيد جدّا.

وأمّا الثاني : فلأنّ مورد قاعدة التسامح إنّما يكون إذا كان الشكّ في مشروعيّة العبادة فقط ، بحيث يحتمل عدم طلب الشارع له ، فحينئذ ببركة القاعدة يثبت الطلب والإحراز.

وأمّا فيما لم يكن كذلك ، بل يثبت مبغوضيّة الفعل وإحراز حاله ذاتا ، كما في المقام ، حيث دلّت الأخبار المتقدّمة على كون النافلة مطلقا بدعة وضلالة (٢) ، فالقاعدة لا تثمر ؛ إذ لا ترفع الحكم الأوّلي الثابت للذات ، بل تحتاج إلى دليل خاصّ يتكفّل ذلك ، فيصير بيانا للحكم الثانويّ لها ، كما يكون كذلك بالنسبة إلى بعض النوافل ستأتي الإشارة إليها.

فعلى هذا ؛ الاحتياط قويّا ترك صلاة الغدير [جماعة] والله العالم.

__________________

(١) الكافي في الفقه : ١٦٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٣٣ الباب ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة.

١٣٠

الجماعة في صلاة العيدين

الخامس : صلاة العيدين ، ففيهما أوّلا بحث من جهة كونهما فرضا طرأ عليهما النفل ، أو كونهما نوعان من جهة زمان الحضور وبسط يد المعصوم عليه‌السلام فيجب ، وبالنسبة إلى زمان الغيبة وعدم اجتماع الشرائط فيستحبّ.

فمن ذلك يظهر أنّ مشروعيّتهما في الجملة في عصر الغيبة ممّا لا إشكال فيه ، وإنّما الإشكال في جواز الإتيان بهما جماعة ، فإنّه نسب إلى بعض المنع عنه (١).

ولكنّ الأقوى ؛ مشروعيّته ، وذلك لأنّه مضافا إلى عدم ثبوت الخلاف لنا ممّن نسب إليه ، بل ثبت خلافه ، كما سيظهر لك أنّ ما ذكر دليلا للمنع عنها لا يصلح له ؛ إذ ليس هو إلّا جملة من الأخبار الّتي مضمونها أنّه أمر المعصوم عليه‌السلام أصحابه وقال لهم : صلّ وحدك (٢) ، وهذا يحتمل فيه وجهان : فإمّا [أن] يكون المراد من الوحدة في مقابل الجماعة المشروعة ، أي الصلاة مع المعصوم عليه‌السلام والإمام الحقّ ، وإمّا أن يكون المراد من الوحدة الفرادى.

والمعنى الثاني وإن كان أظهر ، إلّا أنّه لا محيص عن رفع اليد عنه وحملها على الأوّل ، لما ورد من الأخبار الّتي نصّت على مشروعيّتها جماعة وفرادى (٣) ، ولا يمكن حملها على الجماعة الّتي اجتمعت فيها شرائط الوجوب أي مع

__________________

(١) مفتاح الكرامة : ٣ / ١٩٦.

(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٤ الباب ٣ من أبواب صلاة العيد.

(٣) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٤ الباب ٣ ، من أبواب صلاة العيد.

١٣١

الإمام عليه‌السلام ، لورودها في العصر الّذي لم يكن المعصوم عليه‌السلام فيه مبسوط اليد.

منها : ما رواه في «الإقبال» عن محمّد بن أبي قرّة ، بإسناده إلى الصادق عليه‌السلام أنّه سئل عن صلاة الأضحى والفطر فقال : «صلّهما ركعتين في جماعة وغير جماعة» (١).

ومنها : مرسل ابن مغيرة مضمونه كسابقه (٢).

وأمّا جعل موثّقة عمّار الّتي هي أنّه سئل : هل يؤمّ الرجل بأهله؟ فقال : «لا يؤمّ لهنّ ولا يخرجن» (٣).

وهكذا موثّق سماعة : «وإن صلّيت وحدك فلا بأس» (٤) معارضا ، فالإنصاف أنّهما لا يصلحان ، أمّا الثاني منهما فلما عرفت أنّ بهذا المضمون بل أظهر منها أخبار كثيرة (٥) ، ولا بدّ من رفع اليد عن ظاهرها.

وأمّا الأوّل ؛ فلأنّه محمول على عدم وجوب صلاة العيدين على النساء ، حيث توهّم السائل أنّه إذا لم يجب عليهنّ في جماعة الرجال فهل يجب عليهنّ ذلك في بيوتهنّ؟ فأجاب عليه‌السلام بعدم وجوب كليهما عليهنّ ، فتأمّل!

هذا كلّه ؛ مضافا إلى أنّه يظهر من عبارات جماعة من الأساطين من المتقدّمين والمتأخّرين كون المسألة إجماعيّة ، منهم المفيد قدس‌سره ، والعجب أنّه الّذي نسب إليه المنع قال في «المقنعة» على ما حكي عنه : (وللفقهاء من شيعة آل

__________________

(١) إقبال الأعمال : ٢٨٥ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٥ الحديث ٩٧٥٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٦ الحديث ٩٧٥٩.

(٣) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٧١ الحديث ٩٨٨٨ ، وفيه : لا يؤمّ بهنّ.

(٤) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢٢ الحديث ٩٧٤٧.

(٥) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٢١ الباب ٢ من أبواب صلاة العيد.

١٣٢

محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجمعوا بإخوانهم في الصلوات الخمس وصلوات الأعياد والاستسقاء والخسوف والكسوف) (١).

ومنهم ابن إدريس ، فعن «السرائر» : أنّ إجماع أصحابنا وهو قولهم بأجمعهم : يستحبّ في زمان الغيبة لفقهاء الشيعة أن يجمعوا بهم صلوات الأعياد (٢).

ومنهم الراوندي ، فعنه أنّه بعد نقل إنكار الجماعة في صلاة العيدين عن بعض قال : الإماميّة يصلّون هاتين الصلاتين جماعة ، وعملهم حجّة (٣).

ثمّ إنّ هنا فروعا اخر من حيث اعتبار المجانسة بين صلاة المأموم والإمام قضاء وأداء وفرضا ونفلا في ما يجوز فيه من النوافل كالعيدين مع صلاة الخسوف والكسوف وغير ذلك من الجهات أشار إليها ـ دام ظلّه ـ ولم يعتبرها إلّا فيما كان توافقهما اتّفاقيّا ، كالاستسقاء وأحد العيدين ، حيث إنّه نادر جدّا أن يجتمع أسبابهما فيشكل شمول الإطلاقات لها ، فتدبّر! والله العالم.

ما يدرك به الجماعة

البحث الثاني : في ما يدرك به الجماعة

إدراك الجماعة تارة يبحث من حيث إدراكه أصل الجماعة ، واخرى من حيث ركعاتها ، أمّا الأوّل : فيدرك الجماعة بإدراك الإمام في تشهّده الأخير ،

__________________

(١) المقنعة : ٨١١ ، حكاه صاحب جواهر الكلام : ١١ / ٣٥٠.

(٢) السرائر : ١ / ٣١٦ ، مع اختلاف في الألفاظ.

(٣) نقل عنه البحراني في الحدائق الناضرة : ١٠ / ٢١٥.

١٣٣

وكذلك قبل السجدة الأخيرة ، بل السجدتين ، إلّا أنّه إشكال فيها من حيث زيادة الركن.

وعلى كلّ حال ؛ فحينئذ يكبّر ويدخل في الصلاة ويتبع الإمام حتّى يفرغ من صلاته فيقيم ويتمّ صلاته من دون تجديد واستيناف تكبيرة الإحرام ، وذلك لما دلّت عليه روايات صحاح تبلغ حدّ الاستفاضة (١) وفي «الجواهر» تعرّض لهذه المسألة في آخر بحث الجماعة (٢) ونحن أيضا نزيد الكلام فيها في ما يأتي إن شاء الله.

وأمّا الثاني : في إدراك الركعة ؛ الأقوال ثلاثة :

أحدها : ما هو المشهور المنصور ، وهو أنّ آخر ما تدرك به الركعة هو قبل رفع الإمام رأسه من الركوع.

ثانيها : إدراك تكبيرته للركوع.

ثالثها : إدراك تسبيحة ركوعه ، ومنشأها اختلاف الأخبار.

والأقوى قول المشهور ، والأخبار الدالّة عليه كثيرة ، منها : ما رواه المشايخ الثلاثة عن الصادق عليه‌السلام «إذا أدركت الإمام وقد ركع فكبّرت قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدركت الركعة ، وإن رفع رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك الركعة» (٣).

ومنها : عنه عليه‌السلام أيضا في الرجل : «إذا أدرك الإمام وهو راكع فكبّر الرجل

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٩٢ الباب ٤٩ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) جواهر الكلام : ١٤ / ٥٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨٢ الحديث ١٠٩٦٣.

١٣٤

وهو مقيم صلبه ، ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك الركعة» (١) وغير ذلك من الأخبار (٢) ، ودلالتها على المطلوب واضحة.

والدليل على القول الثاني أيضا أخبار :

الأوّل : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن الباقر عليه‌السلام قال : قال لي : «إن لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة» (٣).

هذا ؛ مضافا إلى عدم تعرّضه لمسألة الإدراك وإنّما هو النهي المحمول على الكراهة من لفظ «القوم» فيه ، يستفاد سوقه للنهي عن الدخول معهم في الصلاة تقيّة ؛ لاستلزامه حينئذ فوت القراءة.

الثاني : عنه عليه‌السلام أيضا : «إذا لم تدرك تكبيرة الركوع فلا تدخل في تلك الركعة» (٤) وهذا أيضا مشترك مع الأوّل في الجهة الاولى من الكراهة.

الثالث : عنه عليه‌السلام أيضا : «لا تعتدّ بالركعة الّتي لم تشهد تكبيرها مع الإمام» (٥) ، وهذا مثلهما محمول على الكراهة ، أو إرشاد إلى عدم الوصول بالركوع ، واحتمال أن يفوت ، فهذه التلبية راويها هو الّذي روي عنه في الطائفة الاولى أيضا ، وبعد أن كان صريحها إدراك الركعة بما عرفت ، فلا محيص عن حمل هذه على الكراهة ونحوها.

الرابع : صحيح آخر عنه عليه‌السلام : «إذا أدركت التكبيرة قبل أن يركع الإمام فقد

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨٢ الحديث ١٠٩٦٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨٢ الباب ٤٥ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨١ الحديث ١٠٩٥٩.

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨٢ الحديث ١٠٩٦١.

(٥) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨١ الحديث ١٠٩٦٠.

١٣٥

أدركت الصلاة» (١).

وهذا لا ربط له بما نحن فيه ، وإنّما هو ينفي عدم إدراك الصلاة أصلا ، فهو يعارض بظاهره الأخبار الدالّة على الجهة الاولى الّتي هي راجحة عليه سندا ودلالة فلا بدّ من رفع اليد ببركتها عن مفهومه.

الخامس : حسنة الحلبي الواردة في الجمعة (٢) ، وهي إن كانت دلالتها على مسألتنا تامّة إلّا أنّه بعد أن كانت بالمفهوم الّذي يتوقّف على تماميّة إطلاق المنطوق بمقدّمات الحكمة حتّى تختصّ العلّة بالمذكور في القضيّة ، ومعلوم أنّ ظهور تلك الأخبار ودلالتها في وجود سبب آخر يصير بيانا ويمتنع عن انعقاد الإطلاق.

فعلى هذا ؛ هذه الخمسة لا تصلح لمعارضة الطائفة الاولى دلالة ، ومع الغضّ عن ذلك فالمرجّحات السنديّة فيها أيضا موجودة ، من الشهرة الروايتي ـ كما تظهر من رواية «الاحتجاج» (٣) ـ والفتوائي ، حيث إنّه لم يعمل بهذه الطائفة من القدماء إلّا الشيخ قدس‌سره (٤) ، ومن حيث العدد والكثرة ، فلا مجال لرفع اليد عنها والعمل بها ، كما لا يخفى.

والدليل على القول الثالث رواية «الاحتجاج» عن الحميري عن مولانا صاحب الزمان ـ أرواحنا له الفداء ـ (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨١ الحديث ١٠٩٥٨.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٣٤٥ الحديث ٩٥٣٦.

(٣) الاحتجاج : ٢ / ٣١٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨٣ الحديث ١٠٩٦٦.

(٤) المبسوط : ١ / ١٥٨.

(٥) الاحتجاج : ٢ / ٣١٠ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨٣ الحديث ١٠٩٦٦.

١٣٦

وهو مضافا إلى ما في أصل سنده ـ حيث إنّ روايات «الاحتجاج» وإن كانت صحاحا عنده حسبما صرّح به في أوّل كتابه ، من أنها غنيّة عن ذكر سندها (١) ، إلّا أنّها بالنسبة إلينا لا تخرج عن كونها مرسلة ـ أنّ النسبة بينها وبين الطائفة الاولى من قبيل : «إذا خفي الأذان فقصّر» (٢) ، و «إذا خفي الجدران فقصّر (٣)» (٤) لمكان أنّ كليهما في مقام التحديد ، غايته أنّ مفاد الاولى أعمّ ، وحينئذ لو أخذنا برواية «الاحتجاج» يوجب طرح الأخبار الاولى مع كثرتها رأسا ، إذ المفروض أنه لم يعمل بالحدّ الذي يستفاد منها مع كونها ظاهرا في النجاسة ، ومعاملة الإطلاق والتقييد إنّما يجري في غير مقام ، مما لم يكن المطلق الدالّ على الأزيد والأكثر في مقام التحديد ، حتّى تستلزم تلك المعاملة والجمع طرح أحد الدليلين ، وهو المطلق فلا محيص عن جعلها قرينة لهذه الرواية ، ورفع اليد عن مفهومها ، فتأمّل! والله العالم.

فروع :

الأوّل : لا ينبغي التأمّل في أنّ حدّ الركوع الّذي يدرك به الجماعة هو ما لو اجتمع ركوع المأموم مع ركوع الإمام ، أي يصل المأموم إلى حدّ الراكع ولم يأخذ الإمام بالرفع فيدركه فيه ، وإلّا فلا يصدق الإدراك بأن يصل المأموم إلى حدّ الراكع والإمام آخذ بالرفع ، أو يكون هو في حال الهويّ والإمام في حال الرفع.

__________________

(١) الاحتجاج : ١ / ٤.

(٢) وإن كان فرق بين المقامين من جهة لما تقدّم في بحث صلاة المسافر من أنّ واقع الشرطين أمر واحد وإنّما يكون الاختلاف في مراتب الشرطين مفهوما ، «منه رحمه‌الله».

(٣) أي : من جهة تعدّد الشرط واتّحاد الجزاء ، «منه رحمه‌الله».

(٤) وسائل الشيعة : ٨ / ٤٧٠ الباب ٦ من أبواب صلاة المسافر.

١٣٧

وذلك ؛ لأنّه : أوّلا : أنّ الظاهر من الفعل الماضي في قوله عليه‌السلام : «إذا ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه» (١) النسبة التحقيقيّة لا التلبسيّة ، ومن المعلوم أنّ ذلك لا يصدق إلّا في الصورة الاولى لا الأخيرين.

وثانيا : أنّ إدراك الركوع منصرف عنهما ، إذ الظاهر منه هو الركوع الحقيقي لا ما يجزي عنه في بعض المواقع كالاضطرار ونحوه ، حيث يكتفى ببعض مراتبه.

وبالجملة ؛ كون المأموم راكعا في حال أخذ الإمام في الرفع لا يصدق أنّه أدرك الإمام راكعا ، بمعنى أنّ الدليل منصرف عنه ، ففيما لو كان هو في حال الهوي والإمام آخذا في الرفع ؛ الأمر أوضح.

الثاني : المراد بأنّ آخر ما يدرك به الركعة في الجماعة أيّ شي‌ء هل هذا مختصّ بابتداء الصلاة أو مطلق يشمل تمام الركعات؟ ثمّ إنّه هل هذا حكم تعبّدي في الركعة الاولى بحيث يكون لا بدّ من إدراك ركوع الإمام مطلقا على كلّ حال ، ولا يجزي إدراك الإمام قبل الركوع لو لم يدركه ، أم لا ، بل لا موضوعيّة في البين ، والمراد أنّ آخر ما يدرك به الركعة هو هذه الحالة ، فهو لبيان الحدّ ، فلو لم يدرك ركوع الإمام ولا قبله فالجماعة غير مدركة؟ احتمالات ، بل أقوال ثلاثة :

أحدها : أن يكون حكما تعبّديّا مختصّا بالركعة الاولى بحيث لو لم يدرك ركوع الإمام فيها ولو أدركه قبله فلا يتحقّق إدراك الركعة.

ثانيها : أن يكون تحديدا لها ، بأن يعتبر ذلك لإدراك خصوص الركعة الاولى ، من حيث إنّه آخر ما يدرك به الركعة الاولى هو حدّ إدراك ركوع الإمام ، فهذا هو الحدّ له فلو أدركه قبله فقد أدرك الركعة وما فاتته.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨٢ الحديث ١٠٩٦٢.

١٣٨

ثالثها : أن يكون تحديدا لمطلق الركعات لا خصوص الاولى ، وهذا هو الحقّ ، وعليه المشهور.

فهنا دعويان :

الاولى : أنّه يكفي لإدراك الركعة إدراك أحد أفعال الإمام إلى أن يرفع رأسه عن ركوع كلّ ركعة فيجزيه إدراكه ولو قبل الركوع ، والركوع هو آخر الحدّ لا أن يكون أمرا تعبّديّا يعتبر مطلقا.

ويدلّ عليها روايات (١) عن عبد الرحمن بن حجّاج وغيره مضمونها : أنّه سئل عن المعصوم عليه‌السلام أنّه كان رجل مصلّيا مع الإمام فمنعه الزحام عن الركوع معه حتّى سجد هل فاتته الركعة؟ فأجاب عليه‌السلام بأنّه «لا» (٢).

فهذه قرينة على أنّ المراد بالأخبار الدالّة على أنّه إذا لم يدرك ركوع الإمام فقد فاتت الركعة هو التحديد وبيان آخر حدّ يمكن اللحوق بالإمام في الركعة ، لا أن يكون تعبّدا في البين.

هذا مع ما عليه الأصحاب في باب الجمعة وغيرها من أنّ إدراك الركعة لا يتوقف على الركوع ، فراجع!

الثانية : أنّه إذا لم يدرك الإمام في الركعة أصلا إلى الركوع فقد قامت الركعة ، سواء كان في الركعة الاولى أو غيرها ، وعليها وإن لم يكن دليل بالخصوص إلّا أنّ مقتضى الأصل ذلك ، حيث إنّه إذا كان المفروض عدم إدراك شي‌ء من الركعة مع الإمام فلا دليل على إدراك الركعة ويكفي في الحكم بالعدم عدم الدليل.

__________________

(١) أوردها في «الوسائل» في باب الجمعة ظاهرا ، «منه رحمه‌الله».

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٣٣٥ الحديث ٩٥١٤ ، و ٣٣٦ الحديث ٩٥١٦.

١٣٩

وأمّا الأدلّة الدالّة على أنّ فوت ركن واحد أو أزيد في الجماعة فلا يضرّ ، فلا ينفع شيئا ، لمكان أنّها فيما إذا كانت الركعة مدركة قبل الركن ومن غير جهته.

هذا ؛ مضافا إلى أنّ مناسبة الحكم والموضوع من جهة أنّ تسمية الركعة بها لاشتمالها على الركوع يقتضي ذلك ، ويصير قرينة على إلغاء خصوصيّة الركعة الاولى في الأخبار المشتملة عليها ، كما في بعض ما روي عن ابن حجّاج (١).

فعلى هذا ؛ التحقيق ما بنينا عليه ، فما في «[وسيلة] النجاة» (٢) من اختصاصه بالركعة الاولى ، وكذلك في «العروة» ، لا وجه له (٣).

الثالث : الأقوى عدم بطلان الصلاة فيما إذا ركع بقصد إدراك ركوع الإمام فرفع رأسه ولم يدركه ، فهذا وإن لم يحتسب له ركوع إلّا أنّه ليست زيادة مبطلة ، بل ملحقة بزيادة الركن الّتي لا يضرّ في الجماعة.

وذلك ؛ فلعموم أدلّتها وعدم وجود شي‌ء فيها أنّها تختصّ بالزيادة الّتي أدرك الإمام وتحقّق التبعيّة فعلا ، بل يكفي قصد الإدراك والتبعيّة ، ويؤيّد إطلاقها رواية حفص الواردة في باب الجمعة في من لم يدرك الإمام في سجدة الركعة الاولى ، وبقي على حاله إلى أن لحقه الإمام لسجود الركعة الثانية فيجب عليه متابعته حينئذ في السجود وينوي بهما للاولى.

وقال عليه‌السلام : إنّه «وإن كان لم ينو السجدتين في الركعة الاولى لم تجز عنه الاولى و [لا] الثانية ، وعليه أن يسجد» (٤) ... إلى آخره ، فما حكم عليه‌السلام ببطلان

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٨ / ٣٨٧ الحديث ١٠٩٧٥.

(٢) وسيلة النجاة : ١ / ٢٥٠ المسألة ١٠.

(٣) العروة الوثقى : ١ / ٧٩٠ المسألة ٢٣.

(٤) وسائل الشيعة : ٧ / ٣٣٥ الحديث ٩٥١٥ ، مع اختلاف يسير.

١٤٠