الرسائل الفقهيّة

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

الرسائل الفقهيّة

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-93094-1-1
الصفحات: ٧٠٨

لا يؤكل لحمه ، لأنّ مفهوم الأوّل ـ وهو عدم الجواز في ما يأكل اللحم ـ لا يعارض مع علّية المسوخيّة ، لعدم الجواز أيضا كما هو المستفاد من الثانية ؛ لأنّهما علّتان ذكرنا كلّ واحدة منهما في رواية (١) ، وإنّما التعارض البدوي يكون بين منطوقهما ، فإنّ الأولى يستفاد منها جواز الصلاة في ما لا يأكل ولو كان مسوخا ، والثانية يستفاد منها عدم الجواز في المسوخ مطلقا ، ولا ريب أنّ الثانية أخصّ فتخصّص الاولى بها.

إن قلت : إنّ الثانية أيضا أعمّ من الآكل وغيره ، فتصير النسبة عموما من وجه.

قلت : كلتاهما متصادقتان في الآكل المسوخ ، وإنّما التعارض والاجتماع إنّما يكون في المسوخ الّتي لا تأكل ، فهو الّذي يستفاد من الاولى الجواز في أجزائه لأعميّته عن الثانية ، والثانية يستفاد منها العدم وهي مخصّصة للاولى ؛ لأنّه لا تبقى الأعميّة في الثانية بعد التصادق.

والحاصل ؛ إنّا نقول بملازمة عدم جواز أكل اللحم مع عدم جواز الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل ، والسبب للحرمة غالبا يكون واحدا من الثلاثة : المسوخيّة ، وكون الحيوان آكلا للّحم ، [وكونه من] الحشرات ، وكلّ واحد منها يكون موجبا لعدم جواز الصلاة في أجزائه ، ولا يخفى أنّ العلّة في الثانية تصير بعد علّة للحكم لا للتشريع ، لأنّ ما يقوله عليه‌السلام : «لأنّ أكثرها مسوخ» (٢) لأنّ الباقية تكون من الحشرات ، فلا يكون في مقام بيان كلّ ما هو موجب للحرمة ، ولكن بالنسبة إلى ما يشمله من المسوخ يكون الحكم كليّا ، والمسوخيّة علّة له.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٧ الحديث ٥٣٥٠ ، و ٣٤٨ الحديث ٥٣٥٣.

(٢) تقدّم في الصفحة : ٩٨ من هذا الكتاب.

١٠١

والعجب أنّه بعد ذلك كلّه قال ـ دام ظلّه ـ : قد ظفرنا بنسخة مصحّحة من «الكافي» فوجدنا جاءت رواية السنجاب [على] غير ما ذكرنا ، وهو أنّ السائل يسأل عمّا يؤكل من غير الغنم فيقول عليه‌السلام : «لا بأس بالسنجاب» (١) .. إلى آخرها ، فالإمام عليه‌السلام يكون في مقام بيان مأكول اللحم من الحيوان من غير الغنم أو النعم (٢) على اختلاف في النسخ ، فهذا موافق لسائر الروايات الّتي دلّت على حلّية أكل لحمه ، مع أنّ ذيل الرواية أيضا شاهد على كون الرواية هكذا ؛ لأنّه عليه‌السلام يقول : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كلّ ذي ناب ومخلب» (٣) مع أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما نهى إلّا عن أكلهما ، فالعلّة إنّما سيقت لبيان حليّة الأكل لا لجواز الصلاة ، فالرواية مشتملة على بيان حكمين.

والأخبار في حليّة أكل السنجاب وجواز الصلاة في جلده مختلفة ؛ بعضها تدلّ على جوازهما (٤) ، وبعضها تدلّ على عدم جوازهما (٥) ، والاخرى دالّة على حرمة الأوّل وجواز الثاني (٦) ، ولذلك اختلفت الفتاوى والأقوال فيه أيضا (٧).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٨ الحديث ٥٣٥٤.

(٢) والأنسب هو الغنم لأنّه ما كان المعمول أن يؤخذ الجلد من غيره من الأنعام ، ولا يخفى أنّ نسخة «الوافي» (الوافي : ٧ / ٤٠٢ الحديث ٦١٩٣) ، وغيره موافق لهذا ، أي ليس فيها كلمة «لا» فالنسخة معتبرة «منه رحمه‌الله».

(٣) الكافي : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢١٦ الحديث ٧٩٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٨ الحديث ٥٣٥٤.

(٤) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٧ الباب ٣ من أبواب لباس المصلّي.

(٥) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٧ الباب ٣ من أبواب لباس المصلّي.

(٧) جواهر الكلام : ٨ / ٩٦ ـ ١٠١ ، جامع المقاصد : ٢ / ٧٩.

١٠٢

وبذلك ظهر ما في كلام [صاحب] «الجواهر» رحمه‌الله من النقل عن بعض بعدم جواز الاستدلال بهذه الرواية من جهة اشتمالها لما هو مخالف للإجماع (١).

وكذلك ما نقله قدس‌سره أيضا من ضعف هذه الرواية لمعارضته للموثّقة (٢) ، فإنّها صريحة في عدم جواز الصلاة في السنجاب فإنّ مورد السؤال فيها إنّما هو السنجاب مع غيره ، والإمام عليه‌السلام يطبّق الحكم ـ وهو عدم جواز الصلاة في ما لا يؤكل لحمه ـ بهذه الامور ، والعمل بهذه الرواية يوجب التخصيص المستهجن بالنسبة إلى الموثّقة ، وهو إخراج المورد عن الحكم.

فإنّ هذا الكلام مردود من جهة أنّه لو كان مورد السؤال في الموثّقة منحصرا بالسنجاب يلزم ما ذكر ، ولكن لمّا كانت مشتملة على امور منها هذا ، فإخراجه لا يوجب استهجانا أصلا.

ويمكن أن يقال : مع تسليم صحّة نسخة «الوسائل» ـ زيادة على ما ذكرنا آنفا بأنّه العلّة ـ إنّما هي مختصّة بالسنجاب ؛ لخروجه عن سائر ما سئل عنه ، فلا يجوز التعدّي عنه إلى كلّ ما هو مثل ذلك ، وهذا جار في كلّ قضيّة استثنائيّة علّلت المستثنى بشي‌ء ، بخلاف ما لو كانت القضيّة المعقودة إيجابيّة محضة أو سلبيّة كذلك ، وهذا يصير نظير ما لو سئل الطبيب عن أشياء فينهى عنها إلّا عن واحد منها لعلّة ، فلا يجوز التعدّي إلى غيره ، لأنّه يحتمل أن يكون لجنس المسئول عنه خصوصيّة.

__________________

(١) جواهر الكلام : ٨ / ٩٩.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٩٧ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٢ الحديث ٨١٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الحديث ٥٣٤٤.

١٠٣

مع أنّا قد بيّنا أنّ النسبة بين رواية السنجاب ورواية المسوخ إنّما تكون عموما مطلقا ، فيصير المرجع رواية المسوخ ، ومع الإغماض عن ذلك وتسليم كون النسبة عموما من وجه فنقول : أيضا يجب تقديم رواية المسوخ ، لأنّه قد حرّر في محلّه أنّه لو كانت النسبة بين المتعارضين عموما وخصوصا من وجه ، والعمل بأحدهما يوجب طرح الآخر رأسا يلزم تقديم ما يوجب طرحه ، حفظا لكلام الحكيم عن اللغويّة ، والمقام يكون من هذا القبيل لأنّهما في المسوخ (١) الآكل متضادّتان ، والآكل الغير المسوخ مشمول برواية السنجاب (٢) ، كما أنّ الأوّل أيضا مشمولها ، فلا يبقى لرواية المسوخ مورد لو قلنا بالجواز في المسوخ.

حكم الثوب الملقى عليه شعر ما لا يؤكل لحمه

فرع : لا يجوز الصلاة مع الثوب الملقى عليه شعر ما لا يؤكل لحمه ؛ للشهرة المستفيضة ، بل الإجماع ، ولعموم الموثّقة لابن بكير (٣) بعد الخروج عن معنى الظرفيّة الحقيقيّة (٤) والتزام معنى مجازيّ وهو مطلق الملابسة ، لأنّ الالتزام بهذا ممّا لا بدّ منه بالنسبة إلى الروث وبعض الفقرات الاخر ، فيشمل المنسوج من الشعر والملقى منه.

وممّا يؤيّد الالتزام المذكور هو صحيحة الهمداني الّتي هي نصّ في

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٩٧ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الحديث ٥٣٤٤.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٨ الحديث ٥٣٥٤.

(٣) مرّ آنفا.

(٤) والمقام يكون من باب المعارضة بين عقد الوضع والحمل ، والحمل نظير : لا تضرب أحدا ، ولا يكون قاعدة مطّردة لترجيح أحدهما على الآخر ، بل لا بدّ من الرجوع إلى القرائن الخارجيّة ، «منه رحمه‌الله».

١٠٤

المقام (١) ، ويؤكّد أن يكون المراد من الظرفيّة التبعيّة ، وكذلك لا تجوز في المخلوط منه ولو أقلّ قليل ولو لم يتميّز ، لأنّ المناط في المانعيّة هو وجوده الواقعي.

وأمّا ما يتوهّم من أنّ المستهلك منه لا يضرّ ، فإن كان المراد من المستهلك هو تبديل الصورة النوعيّة فمقبول ، إلّا أنّ الظاهر أنّه غير متصوّر في المقام ، وإن كان المراد عدم التميّز فمردود لما عرفت ، ولأنّ الروايات الدالّة على المنع من الصلاة في الخزّ المغشوش (٢) أعمّ من أن يكون الغشّ قليلا أو كثيرا ، مع أنّ المعمول من الغشّ هو ما لا يتميّز غالبا ، وكذلك لا تجوز الصلاة في المحمول منه كعروة السكّين (٣) وغيرها لعموم الموثقة (٤) أيضا ، لو كان بارزا ، وأمّا ما كان منه ملفوفا في شي‌ء أو موضوعا في قارورة ـ مثلا ـ فالقول بالمنع لا يخلو عن إشكال ، كلّ ذلك لأنّ الالتزام بالتوسعة في معنى الظرفيّة المستفادة من الموثّقة ممّا لا بدّ منه ، ولكن بحدّ لا مطلقا ، بل بمقدار يساعده العرف واللغة.

بيان ذلك : أنّ مراتب الظرفيّة مختلفة.

الأوّل : إسناد الظرفيّة الزمانيّة والمكانيّة إلى الجواهر والموجودات الحقيقيّة.

__________________

(١) فإنّها مرويّة في «الكافي» ، والمرويّات فيه صحاح باصطلاح القدماء ، ومعمول بها ، فلا مجال للخدشة في سندها على ما قاله ـ دام ظلّه ـ «منه رحمه‌الله» ، ولا يخفى أنّ هذا وهم ، حيث لم نعثر على رواية للهمداني في هذا الباب في «الكافي» ، بل هي في تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٣ الحديث ٨١٩ والاستبصار : ١ / ٣٨٤ الحديث ١٤٥٥.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦١ ، الباب ٩ من أبواب لباس المصلّي.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٩٥ ، جواهر الكلام : ٨ / ٧٩.

(٤) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الحديث ٥٣٤٤.

١٠٥

الثاني : إسناد الأعراض إليها كبياض الثلج ، وضوء النهار.

الثالث : إسناد الأحوال والأفعال ـ أي وقوعهما فيهما ـ إلى الزمان والمكان كصلاة الليل ، والضرب في الميدان وكذلك تتصاعد التوسعة إلى أن يصل إلى إسناد الأفعال إلى توابع الوجود والأحوال إلى ملابسات الموجودات الخارجيّة ، مثل الصلاة في الثوب ، بل إلى مطلق الملابس مثل الصلاة في القلنسوة أو التكّة ، فإنّهما وإن لم يكونا محيطين بالمصلّي إلّا أنّ إطلاق الظرفيّة بهما شائع.

إلّا أنّ مساعدة العرف واللغة في التوسعة ـ بحيث تشمل الظرفيّة [على] الفرض الأخير ـ بعيد جدّا ، ولذا استشكلنا في المنع فيه ، ولكن قلنا بالمنع في الشعر الملقى ؛ لأنّ الرواية بنفسها قد تعرّضت لبيان حكم نظيره وهو البول واللبن إذا أصابا البدن أو اللباس ، وهما يكونان من قبيل إطلاق الظرفيّة إلى توابع الوجود فإنّهما إذا أصابا يفرض لهما نحو إحاطة ، ولذا يطلق الظرفيّة بالنسبة إلى الأفعال وهو الصلاة فيهما ، وكذلك الشعر الملقى.

وأمّا ما قاله صاحب «الجواهر» قدس‌سره من الالتزام بالمجازيّة في بعض المدخولات مثل الروث وغيره (١) فلا ترجيح له على ما ذكرنا ؛ لأنّه لا محيص عنه بالنسبة إلى جلّ فقرات الموثّقة (٢) مع أنّ ما ذكرنا راجح لتأييده بالروايات الخاصّة الّتي العمل بها يقتضي التعميم في معنى هذه الرواية ، كما لا يخفى.

وكذلك ما قاله الاستاد الأكبر قدس‌سره من إخراج «في» عن معناه رأسا وإشرابه

__________________

(١) جواهر الكلام : ٨ / ٧٧.

(٢) مرّ آنفا.

١٠٦

معنى المصاحبة والمعيّة ، لا حاجة إليه (١) ، مع أنّه خلاف الأصل ، ويوجب إخراج بعض الفروع عن الرواية مع أنّه داخل قطعا.

فرع ؛ لا تجوز الصلاة في ما لا تتمّ الصلاة به منفردا ، كالتكّة والقلنسوة إذا كان معمولا ممّا لا يؤكل لحمه ، لعموم الموثّقة (٢) وصحيحة زرارة (٣) ، وللأخبار الخاصّة (٤) وأمّا حديث محمّد بن عبد الجبّار (٥) فليس قابلا للمعارضة ، مع أنّه مطروح ؛ لخصوص رواية الهمداني الّتي تعارض جزء منه ، وهو ما إذا كان عليه (الثوب) شعر ملقى ممّا لا يؤكل لحمه (٦) ، ومكاتبة ابن مهزيار (٧) الّتي تعارض جزءه الآخر ، وهو في ما لا تتمّ الصلاة فيه إذا كان معمولا ممّا لا يؤكل ، فيصير الحديث من العامّ الّذي يعارض خاصّين اللذين يستوعبان جميع أفراده ، فيصير التعارض تباينيّا ، ولا ريب أنّ هنا يكون الترجيح للخاصّين ، لموافقتهما للمعتبرات الاخر (٨) ، ولموافقته التقيّة ومذهب العامّة ، ولأنّ الظاهر من عمومه مخالف لإجماع الفريقين كما أشار قدس‌سره إلى كلّ ذلك وامور اخر في «الجواهر» (٩).

مع أنّه لا بدّ من أن يرجّح غيره عليه ، لكونه مشافهة ، وهو مكاتبة ، لكنّا لم

__________________

(١) كتاب الصلاة للشيخ الحائري اليزدي : ٥٣.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٦ الحديث ٤١٦٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٥ الحديث ٤١٦٠.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٦ الباب ١٤ من أبواب لباس المصلّي.

(٥) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٧ الحديث ٥٤٤٢.

(٦) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٦ الحديث ٥٣٤٧.

(٧) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٧ الحديث ٥٤٤١.

(٨) راجع! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٥٢ الباب ٥ و ٣٥٤ الباب ٦ من أبواب لباس المصلّي.

(٩) جواهر الكلام : ٨ / ٧٦ و ٧٨.

١٠٧

نعثر في الباب على رواية خاصّة تكون مشافهة.

أقول : ولعلّ مراده قدس‌سره هي الموثّقة (١).

الأمر السادس : قد أشرنا إلى استثناء الخزّ والسنجاب عن عموم المنع ، إلّا أنّ الإشكال في الأوّل في شمول عموم الجواز على الموجود منه الآن ، لأنّه لا يستفاد من الأخبار ضابطة متقنة معيّنة في تعريفه ، وكذلك كلمات الأصحاب فيه مختلفة ، فبعضها تدلّ على كونه بحريّا (٢) ، والآخر على كونه برّيا (٣) ، وبعضها على كونه ممّا يعيش فيهما (٤) ، وكذلك اختلاف أهل اللغة والتجّار ، كما أنّ المستفاد من بعض الأخبار والكلمات أنّ له نفس سائلة (٥) ، والاخرى أنّه ليس له نفس سائلة (٦).

وبالجملة ؛ إنّ كلمات الأعيان فيه مضطربة ، مع أنّ المنقول عن البعض أنّه منذ زمان يكون قد فقد (٧) مع أنّ الاحتياط لا ينبغي تركه ، ولا ريب أنّ كلّ ذلك لا أقلّ يورث الشكّ ، والأصل في المقام المنع ، فالأقوى الاجتناب عمّا يسمّى في زماننا بالخزّ في الصلاة.

وأمّا الثاني ؛ فللشكّ في أصل الحكم فيه ؛ لأنّ الأخبار الخاصّة فيه متعارضة ؛ والعامّة منها ـ مثل : موثّقة ابن بكير (٨) بقرينة السؤال ـ صريح في

__________________

(١) مرّ آنفا.

(٢) راجع! مدارك الأحكام : ٣ / ١٦٧ و ١٦٨ ومستند الشيعة : ٤ / ٣٢٤ و ٣٢٥.

(٣) راجع! الحدائق الناضرة : ٧ / ٦٥ ـ ٦٧.

(٤) راجع! مدارك الأحكام : ٣ / ١٦٧ و ١٦٨ ، الحدائق الناضرة : ٧ / ٦٥ ـ ٦٨ ، مستند الشيعة : ٤ / ٣٢٤ و ٣٢٥.

(٥) الحدائق الناضرة : ٧ / ٦٦ و ٦٧.

(٦) الحدائق الناضرة : ٧ / ٦٦ و ٦٧.

(٧) جواهر الكلام : ٨ / ٩٢.

(٨) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الحديث ٥٣٤٤.

١٠٨

المنع ، ولأنّ المشهور بين القدماء وجملة من المتأخّرين المنع فيه (١) ، مع أنّه إلى الأكثر نسب الشهيد قدس‌سره (٢) ، مع أنّ الإجماع عليه منقول ، ويشهد بذلك كلّه التتبّع في الأخبار (٣) وكلمات الأخيار قدّس أسرارهم (٤) ، فالأقوى فيه المنع أيضا.

وأمّا ما تمسّك به صاحب «الجواهر» قدس‌سره للجواز في الأوّل (٥) ، وهو عمدة دليله من أصالة عدم النقل ، فلا وجه له ؛ لأنّه إنّما يستدلّ بها لإثبات معنى سابق مثل المعنى اللغوي ، وعدم حدوث اصطلاح معنى للّفظ ، مثل ما يقال : إنّ الصعيد قد كان يطلق في اللغة على مطلق ما في وجه الأرض ، ثمّ يشكّ في نقله إلى التراب الخالص (٦) ، فيتمسّك بها لإثبات الأوّل ، وأمّا المقام فهو عكس ذلك فهو من قبيل الاستصحاب القهقرى ؛ لأنّ الشكّ إنّما يكون في تسمية ما هو يسمّى الآن بالخزّ في القديم ، أي في عصر ورود الأخبار به أيضا ، مع أنّ المستند في التسمية غير معلوم ، فتأمّل!

حكم لبس المشكوك ممّا لا يؤكل لحمه

الأمر السابع : اختلف الأصحاب في جواز لبس المشكوك ممّا لا يؤكل لحمه في الصلاة وعدمه ، ووقع الخلاف في كون المأكوليّة شرطا أو عدمه مانعا ،

__________________

(١) جامع المقاصد : ٢ / ٧٩ ، الحدائق الناضرة : ٧ / ٧١ ، مستند الشيعة : ٤ / ٣٢٨.

(٢) روض الجنان : ٢٠٧ ، لاحظ! مستند الشيعة : ٤ / ٣٢٨ ، الحدائق الناضرة : ٧ / ٦٨.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الباب ٢ و ٣٥٠ الباب ٤ من أبواب لباس المصلّي.

(٤) لاحظ! جامع المقاصد : ٢ / ٧٩ ، جواهر الكلام : ٨ / ٩٦ و ٩٧ ، مستند الشيعة : ٤ / ٣٢٨.

(٥) جواهر الكلام : ٨ / ٩١.

(٦) مجمع البحرين : ٣ / ٨٥.

١٠٩

ولتوضيح الأمر يقدّم امور :

الأوّل : هل يكون للأحكام الوضعيّة بحذاء الأحكام التكليفيّة جعل ووضع على حدة ، أم هي منتزعة منها؟ والظاهر أنّ الثاني هو الحقّ ، كما عليه المحقّقون ، وأنّ الاختلاف فيه إنّما يكون في البديهيّات ، كما يظهر لمن رجع إلى وجدانه أنّ من يكون في مقام إنشاء أمر مركّب من امور ، أو تكليف مشروط بامور وجودا أو عدما ، فإمّا أن يتعقّل ويتصوّر هذه الامور فيحكم ويكلّف عليها ، أو لا ، فعلى الأوّل ؛ فإذا أنشأ فينتزع منه الحكم الوضعي ، أي الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة ونظائرها ، ولا يحتاج بعد ذلك إلى جعل آخر حتّى يقول : جعلت هذا جزء لذاك أو شرطا ، لأنّه يصير لغوا ، وهو محال على الحكيم ، وعلى الثاني فانضمام ذاك الامور يوجب الخلف.

نعم ؛ يمكن ذلك بالبداء وهو محال أيضا ، فإنّه لا بدّ لمن هو عالم بعواقب الامور من بيان كلّ ماله دخل في مطلوبه من أوّل الأمر ، فلو أنشأ وكلّف بما هو مركّب أو مشروط بأربعة امور ، لا يعقل أن يضمّ إليه خامسا ، ويقول : جعلته جزء أو شرطا ، بل عليه أن يحكم من الأوّل بالمركّب معه.

وبالجملة ؛ من نفس إنشائه وجوب الصلاة عند الدلوك ينتزع السببيّة ، [ووجوبها] مع السورة ينتزع الجزئيّة ، وإن أبيت فراجع إلى الموالي الظاهريّة إذا يقول : أكرم زيدا إن جاءك هل يحكم بأمرين ، وهما سببيّة المجي‌ء للإكرام ووجوبه عند المجي‌ء ، أم لا ، بل ينشئ امرا واحدا وهو وجوب الإكرام عند المجي‌ء ثمّ ينتزع العبد منه السببيّة؟

وبما ذكرنا ظهر أنّها ليست قابلة للجعل في عالم التصوّر أيضا ، فإنّ فيه

١١٠

أيضا إذا تصوّر عدّة امور واعتبر اجتماعها ، أو تصوّر أمرا مقيّدا بأمر وجوديّ أو عدميّ ينتزع منه الجزئيّة والشرطيّة ، فإنّ تصوّرها هكذا عين الجزئيّة والشرطيّة ، ولا يحتاج إلى تصوّر جزئيّته أو شرطيّته ، ولو لم يتصوّر يلزم البداء والخلف ، كما ذكرنا ، ولو سلّم جعلها في عالم التصوّر ، لا ينتج بالنسبة إلى الخارج بعلم.

وبعبارة اخرى ؛ فرق بين الامور الاعتباريّة والانتزاعيّة ، فإنّ الأوّل لها وجود متأصّل باعتبار ما يعتبر فيها ، ولو لم يعتبر معتبر ، فإنّ الفوق فوق ، والتحتيّة للتحت ثابتة ، ولو لم يعتبرهما أحد.

ويمكن أن يقال : إنّ وجودها يكون من قبيل وجود الأعراض ؛ وبالجملة لها حظّ من الوجود مثل الوجودات الحقيقيّة ، بخلاف الثانية ، فإنّها ليس لها وجود إلّا بالانتزاع ، وليس لها وجود في موطن من المواطن ، فليست قابلة للجعل تأصّلا تشريعا ، فإنّه إذا قال الشارع : اغسل ثوبك من النجاسة الفلانيّة مرّتين ، ينتزع منه شرطيّتهما في الطهارة ، وكذلك إذا قال : الصلاة (١) مشتمل على قراءة [الحمد] وسورة وغيره ينتزع منه الجزئيّة ، وكذلك إذا قال : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) ينتزع منه سببيّة العقد للتمليك (٣) والتملّك.

والظاهر أنّ من الواضحات إنّه لا تنال يد الجعل لهذه الامور إلّا تبعا ، والمخالف مكابر جدّا ، وإن كان في تصويرها (دخلها) وارتباطها بالماهيّة ترتّب ، فإنّ الجزء مقدّم على الشرط فإنّه من مقوّمات الذات ، والتقييد والقيد كلاهما

__________________

(١) وإن كان نفسها قابلا للجعل ؛ لأنّهما من الامور الاعتباريّة ، كما قرّر في الاصول ، فتأمّل! «منه رحمه‌الله».

(٢) المائدة (٥) : ١.

(٣) وكذلك مقدميّة المقدّمة ، فإنّها ليست قابلة للجعل وبوجوب ذي المقدّمة تجب هي قهرا ، مع أنّها لها وجود على حدة في حيال وجود ذي المقدّمة ، فتأمّل! «منه رحمه‌الله».

١١١

داخلان فيه ، بخلاف الشرط فإنّه متأخّر ، ولذا قد يقال : إذا تعارض في الوجود بين إحرازهما يقدّم الأوّل ، فتأمّل!

ومن البديهة أنّ ذلك لا يكشف عن مجعوليّتها أصالة ، وقد كتبت في بحث الاصول من البرهان زيادة عمّا علّقت ونقلت هاهنا.

الثاني : قد نقلنا عنه ـ دام ظلّه ـ سابقا عدم إمكان جعل عدم شي‌ء مانعا لشي‌ء بعد جعل وجوده شرطا للزوم اللغويّة ، ونقول تأكيدا للأمر : إنّ هذا محال ملاكا وخطابا وأثرا ، لأنّه لا بدّ أن يعلم أنّ عدم المعلول إمّا أن يكون لعدم المقتضي أو يكون لوجود المانع ، ومن الواضح أنّه إذا لم يكن المقتضي موجودا ، ولو كان المانع موجودا ينسب عدم المعلول إلى عدم المقتضي ، لا إلى وجود المانع ، فإنّه لا أثر له مع عدمه ، ولا يكون له دخل في عدم المعلول أصلا ، والشرط إنّما يكون من أجزاء المقتضي ، فبانعدامه ينعدم ، فإذا جعل عدمه مانعا فلا يقال في هذه الصورة : انعدام المعلول إنّما يكون من جهة وجود المانع ، بل يكون من جهة عدم الشرط الموجب لعدم المقتضي. وبذلك ظهر النظر في جملة من كلمات صاحب «الجواهر» في المقام وغيره (١) ، فتأمّل!

وبالجملة ؛ من تأمّل في معنى المانع يظهر له بداهة ما بيّنا ، فإنّ المانع هو الّذي يمنع عن تأثير المقتضي وترشّحه ماله أن يترشّح ، فلمّا لم يوجد المقتضي من جهة عدم شرطه فاستثناء عدم الأثر إليه ـ أي إلى المانع ـ يكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.

برهان آخر : لا إشكال أنّه إذا كانت العلّة مركّبة من امور تدريجيّة فيكون

__________________

(١) جواهر الكلام : ٨ / ٨٧ ـ ٩٣.

١١٢

بين أجزاء العلّة الترتّب قهرا ، ولذا يقال : إنّ الجزء الأخير هو العلّة التامّة ، أي هو ما به يتمّ تماميّة العلّة ويوجد أثرها ، ومن المعلوم أنّ أجزاء العلّة المقتضي مقدّم على شروطها ، وكذا الشروط مقدّم على المانع.

لا يقال : إنّه ليس بين المعلول والعلّة إلّا تخلّل «فاء» واحد ، وما ذكرت يقتضي أن يكون بينها وبين العلّة إذا كانت مركّبة تخلّل فاءات وتأخّرات ، وهذا خلاف التحقيق.

لأنّا نقول : عدم تأخّر رتبة المعلول عن العلّة إلّا بمرتبة واحدة لا ينافي الترتّب بين أجزاء العلّة إذا كانت مركّبة من امور تدريجيّة ، فإنّ من البديهة أنّه إذا كان السلّم ـ مثلا ـ علّة للذهاب على السطح لا يتخلّل بين الكون عليه والسلّم إلّا فاء واحد ، مع أنّ بين درجات السلّم ترتيب ، والطفرة محال ، والسرّ في ذلك ما أشرنا إليه من كون الجزء الأخير هو العلّة.

والحاصل ؛ أنّ الترتيب بين المعدّات إنّما هو من الواضحات ، فقد تبيّن بذلك محاليّة جعل الضدّ مانعا ملاكا ، كما أنّ بذلك بيّنوا عدم كون الضدّ مقدّمة وعلّة للآخر ، فإنّهما إنّما يكونان معلولا للعلّة الثالثة ، والضدّ وعدمه إنّما يكونان في رتبة واحدة ، مع أنّ المقدّمة والعلّة مقدّمة على المعلول رتبة ، ومنشأ التوهّم أنّه لمّا لا يجتمع الشي‌ء مع ضدّه في الوجود ، ويكون وجود كلّ واحد منهما مساوقا لعدم الآخر توهّمت المقدّمية ، وإلّا لو كان كما توهّم يلزم الدور كما هو واضح ، وأمّا عدم جواز الجعل خطابا ، للزوم اللغويّة ، وأمّا أثرا ، لكونه تحصيلا للحاصل.

الأمر الثالث : الّذي يستظهر من جملة من الأخبار كون غير مأكول اللحم

١١٣

مانعا لا كون المأكول شرطا ، فإنّ طائفة منها تدلّ على حرمة لبسها في الصلاة (١) ومعلوم أنّ الحرمة فيها تشريعيّة (٢) ، فهو صريح في المانعيّة.

ومنها ؛ لسانها عدم جواز اللبس في الصلاة (٣) ، والجواز هو المجاوزة والتعدّي ، فالمراد بها هو أنّ لبسها في الصلاة مانع عن الخروج عن عهدة التكليف.

ومنها ؛ لسانها النهي عن لبسها في الصلاة (٤) مثل : «لا تصلّ فيها» وغيره (٥) ، ولا ريب أنّ النهي هاهنا غيريّ ، والمراد بالطلب الغيري هو أنّ في المطلوب مدخليّة في تحقّق المأمور به ، فيصير مفاد النهي الغيري هو أنّ المنهيّ عنه ـ أي ما طلب عدمه في المأمور به ـ مانع عن انتقال المأمور به ، ومن الواضح أنّ النهي الغيري لا يدلّ إلّا على المانعيّة ، وكذلك غيره ممّا عرفت.

إنّما الّذي يمكن أن يستفاد منه الشرطيّة من الأخبار ـ كما قد تمسّك به بعضهم (٦) ـ هو رواية عليّ بن [أبي] حمزة (٧) وذيل موثّقة ابن بكير (٨) ، ولكن لا

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي.

(٢) لأنّ الحرمة الذاتيّة في العبادات لفقدان شرط منها غير ثابت ، بل غايته اللغوية إلّا في باب الصلاة بدون الطهارة ، على ما يظهر من رواية. «منه رحمه‌الله».

(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٥٣ ، الحديث ٥٣٦٧ و ٥٣٦٨.

(٤) كأنّ هذه الجملة هي عين الاولى ؛ لأنّ الحرمة إنّما هي مستفادة من هذه الأخبار ، فالجملة الاخرى هي ما عبّر فيها بلفظ الفساد ، فهي أيضا صريح في كون المأمور به لاقترانه بالمانع فقد فسد ، وإرجاعها إلى الشرط محتاج إلى الخروج عن ظاهر اللفظ ، كما هو واضح ، «منه رحمه‌الله».

(٥) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٥٤ الحديث ٥٣٧١.

(٦) مستند الشيعة : ٤ / ٣٢٩.

(٧) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٨ الحديث ٥٣٥٤.

(٨) الكافي : ٣ / ٣٩٧ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٢ الحديث ٨١٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الحديث ٥٣٤٤.

١١٤

يخفى أنّ الاولى إنّما تصير دليلا إذا أرجعنا قوله عليه‌السلام : «إذا كان ممّا يؤكل لحمه» (١) إلى الجزء الأوّل من الرواية ، وجعلنا قوله عليه‌السلام : «بلى» مع سؤال الراوي (أليس التذكية بالحديد؟) (٢) جملة معترضة ، ويصير من قبيل ما لم يتمّ كلام الإمام عليه‌السلام ، قد استعجل الراوي في السؤال بسؤال آخر ، ثمّ أجابه عليه‌السلام فرجع عليه‌السلام بعد ذلك إلى تتميم جواب السؤال الأوّل ، وكلّ ذلك خلاف الظاهر ، فليس قابلا لصرف ظهور الروايات الاولى ، فلا بدّ أن يرجع القيد إلى الجزء الأخير من الرواية ، أي يجعل القابليّة من قيود التذكية ، كما يقتضيه ظاهر الكلام والقاعدة اللفظيّة ، فيصير معارضا لما يدلّ على عدم اشتراط القابليّة في التذكية ، كما هو الحقّ ، ودلّ الدليل على قابليّة تذكية كلّ حيوان ما عدا الحشرات ونجس العين ، فيطرح ذيل هذه الرواية ـ كما أشرنا إليه سابقا ـ إن لم يقبل التأويل ، وشرح الكلام في محلّه ، وكيف كان ليست الرواية دليلا لما ذكروا.

وأمّا الثاني ؛ وهو ذيل الموثّقة (٣) ، فهو إمّا أن يكون تأكيدا للصدر أو تأسيسا ، فإن جعلناه تأكيدا فيمكن أن يكون الصدر قرينة على الذيل أو بالعكس ، كلاهما محتمل فلا يتمّ الدليليّة ، وإن جعلناه تأسيسا ـ كما هو أولى ـ فالظاهر كونه مسوقا لبيان حكم الناسي إذا صلّى فيه ، كما يشهد به قوله عليه‌السلام : «تلك» فإنّ الظاهر كونها إشارة إلى ما هو واقع في الخارج نسيانا ، فيقول عليه‌السلام : «لا يقبل الصلاة» (٤) الّتي وقعت في الخارج وإلّا فأصل الحكم معلوم مبيّن من صدر الرواية ، فعلى هذا غير مرتبط بالشرطيّة ، ويصير دليلا للمشهور حيث أفتوا

__________________

(١) مرّ آنفا ، وهي موثّقة ابن بكير.

(٢) مرّ آنفا ، وهي رواية علي بن أبي حمزة.

(٣) مرّ آنفا وهي موثّقة ابن بكير.

(٤) مرّ آنفا وهي موثّقة ابن بكير.

١١٥

بأنّ من صلّى ناسيا في ما لا يؤكل فعليه الإعادة (١) ، مع أنّ إطلاق صحيحة «لا تعاد» (٢) يقتضي عدم الإعادة ، ولذلك توهّم كونه فتوى بلا مدرك ، فلعلّ نظرهم واستفادتهم يكون من هذا الذيل ، وإن كانت النسبة بينها وبين الصحيحة عموما من وجه ، لأنّ الذيل يقتضي الإعادة ناسيا أو جاهلا ، والصحيحة تدلّ على عدم إعادة الناسي بناء على اختصاص دلالتها به ، وأعمّ من الذيل من جهة دلالتها على غير ما لا يؤكل من الموانع إلّا أنّه يجب تقديم الذيل عليها ، لأنّ رواية ابن الحجّاج (٣) تدلّ على عدم لزوم إعادة الجاهل ، فإنّه لمّا يسأل من الإمام عليه‌السلام عن الصلاة جاهلا في فضلات ما لا يؤكل ، فيقول عليه‌السلام بعدم وجوب الإعادة ، مع أنّها نجسة ، فتدلّ على أجزائها الطاهرة بالأولويّة القطعيّة ، فعلى ذلك يختصّ الذيل بالناسي فتنقلب النسبة فيخصّص الذيل صحيحة زرارة (٤) مع أنّه لو قدّمت لا يبقى للذيل مورد.

والحاصل ؛ أنّ الذيل دليل لما أفتى به المشهور ، ولا ربط له بالمقام ، ومع التسليم إنّ الصدر والذيل متعارضان ، فيصير المرجع الروايات الدالّة على المانعيّة ، كما أشرنا إليها ، فلا تغفل.

اعلم! أنّ الشرطيّة ملازمة لأحد الامور الثلاثة : إمّا القول بلزوم كون لباس المصلّي من الحيوان المأكول ، فلا يجوز في القطن وغيره ، وإمّا القول بكون

__________________

(١) جواهر الكلام : ٨ / ٧٩.

(٢) وسائل الشيعة : ٧ / ٢٣٤ الحديث ٩٢٠٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٥ الحديث ٤٢١٨ ، وفيه : «عبد الرحمن بن أبي عبد الله» بدلا عن : «ابن الحجّاج».

(٤) مرّ مرارا ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الحديث ٥٣٤٤.

١١٦

الاشتراط بالنسبة إلى غير الحيوان من السالبة بانتفاء الموضوع ، وإمّا جعل الشرط أحد الامور المأكوليّة أو القطن أو الكتّان.

أمّا الأوّل ، فهو خلاف الإجماع والضرورة.

وأمّا الثالث ؛ فلم يثبت من الأدلّة هكذا ، بل اشترط الساتر للمصلّي ، ثمّ جعل غير المأكول مانعا كما هو ظاهر الأدلّة.

وأمّا الثاني ؛ فهو خلاف الأصل مع أنّها في المقام قريب من الاستهجان ، فإنّه إذا قيل : يشترط في لباس الرجل إذا كان مصلّيا أن لا يكون من الحرير (١) إنّما لوحظت الشرطيّة فيه بالنسبة إلى المرأة إذا كانت مصلّية لا إلى حالها ما لم تقرأ الصلاة (٢).

مع أنّ مفاد الشرطيّة إنّما يكون التقييد ، والتقييد إنّما يتصوّر حيث [كان] الإطلاق جائزا ، ومن المعلوم أنّه بعد ما ثبت جواز الصلاة في غير الجلد من الحيوان ـ مثل القطن ـ فالإطلاق غير جار (٣).

مع أنّ لازم الشرطيّة إنّما هو الخصوصيّة الوجوديّة بخلاف المانعيّة ، وقد علمت أنّه لا خصوصيّة في اللباس كونه من الحيوان أصلا.

وبالجملة ؛ من تأمّل يرى أنّ محذورات الشرطيّة كثيرة مع أنّ الدليل لا يساعدها ، ومع التسليم فدلالة ذيل الموثّقة (٤) ليست تامّة ، لأنّ الظاهر من لفظ

__________________

(١) فإنّه يكون في قباله صنف يجوز صلاته فيه ، «منه رحمه‌الله».

(٢) ولازم الشرطيّة في المقام صيرورته نظير الآخر ، فلا بدّ أن يقال : لوحظت الشرطيّة بالنسبة إلى الصلاة في الحيوان ، ومقابله حال قراءة الصلاة في القطن وشبهه ، فتأمّل! «منه رحمه‌الله».

(٣) لأنّه لا يقال : يشترط في اللباس من المصلّي الجلد ، سواء كان من المأكول أو غيره ، «منه رحمه‌الله».

(٤) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الحديث ٥٣٤٤ ، مرّت الإشارة إلى مصادرها مرارا.

١١٧

«من» في قوله عليه‌السلام : «ممّا أحلّ الله أكله» هو البيانيّة لا تقييديّة ، فإذا صارت بيانيّة فتكون في مقام بيان لفظ الغير الواقع قبلها ، فلا يستفاد منها الشرطيّة.

تذنيب : بعض من منع الصلاة في المشكوك نظرا إلى إحرازه الشرطيّة من الأدلّة أرجع الروايات الدالّة على الفساد وفي غير المأكول وحرمة الصلاة فيه وغيرها ، الّتي استفدنا منها المانعيّة ، إلى الشرطيّة وساقها مساق الذيل [من] الموثّقة ببيان أنّ المراد منها عدم الحليّة وانتفاعها الّتي يجب إحرازها ، لا أن يكون المراد ظواهر هذه الألفاظ ، ولكن ما عرفنا وجه هذا الالتزام ، فإنّه إخراج اللفظ عن ظاهره بلا دليل ، وتكلّف بلا موجب.

نعم ؛ توهّم ذلك بالنسبة إلى الحلّ والإباحة بزعم أنّهما أمران عدميّان ، فإنّهما عبارتان عن عدم الوجوب أو الحرام ، ولكن تبيّن في محلّه أنّ الزعم فاسد بالنسبة إليهما. أيضا ، فإنّهما أمران وجوديّان يعبّر عنهما بإرخاء العنان وتحويل الأمر إلى الطرف ، وجعله باختيار من بيده العنان والأمر ، ومن البديهة أنّ مثل هذا التوهّم لم يجر في مثل الحرام والفاسد.

الأمر الرابع : استدلّ جملة من المجوّزين باستعمال المشكوك في الصلاة بدلالة الألفاظ على المعاني المعلومة ، وقد بيّنوا مرادهم باحتمالات خمسة :

أحدها : وضع الألفاظ للمعاني المعلومة.

ثانيها : انصرافها في مقام التكليف إليها.

ثالثها : كون المانع من امتثال أوامر العبادة بتنجّز النهي عن العبادة إذا فقد الشرط ، ومن المعلوم أنّه إذا كان الموضوع مشكوكا لا يتنجّز النهي ، ولعلّ إلى ذلك يرجع ما قرّره ـ دام ظلّه ـ في الأمر الآتي في مقام تأسيس الأصل.

١١٨

الرابع : تنزيلها بصورة العلم من جهة قبح تكليف الجاهل.

خامسها : دعوى صراحة خصوص الأخبار (١) في ذلك.

الثلاثة الاولى بعيدة عنهم ، فالمهمّ بيان الاحتمالين الأخيرين نقلا عن الفاضل النراقي والمحقّق القمّي قدس‌سرهما.

الأوّل : أنّه لمّا تعلّقت التكاليف بمفاهيم الألفاظ الّتي منها لفظ غير المأكول ، فلا بدّ أن يحمل على المعلوم منه ؛ لأنّ التكليف بالمجهول قبيح ، ولذلك اخذ في جملة الشرائط العامّة العلم (٢).

وجوابه : أنّ التكليف بالمجهول قبيح إن كان مجهولا (٣) رأسا بحيث لا يمكن امتثاله ، أو امتثاله يوجب العسر والحرج ، مثل أن يقال : جئني بشي‌ء واريد شي‌ء معيّن ، وأمّا إذا لم يصل بهذا الحدّ ، بل كان يمكن امتثاله بطريق الاحتياط أو الفحص فلا يلزم محذور.

مع أنّ كليّة التكاليف قد تعلّقت بالعباد في حال جهلهم وإلّا لم يكن واجبا الفحص والتحصيل.

وأمّا حديث أخذ العلم (٤) في جملة الشرائط العامّة إنّما هو في مقام التنجّز والعقاب على فرض التسليم.

الثاني : استفادة المانعيّة في المعلوم مطلقا من الأخبار ، مثل : رواية عبد الرحمن بن الحجّاج يسأل عن الإمام عليه‌السلام أن يقرأ صلاته في عذرة الإنسان

__________________

(١) راجع! وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥٥ الباب ٥٥ من أبواب لباس المصلّي.

(٢) مستند الشيعة : ٤ / ٣١٦.

(٣) وهو ما يرجع إلى عدم القدرة «منه رحمه‌الله».

(٤) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الحديث ٥٣٤٤.

١١٩

والكلب وهو لا يعلم ، فيقول عليه‌السلام : «صلاته صحيحة» (١) فيستفاد منه ـ وغير ذلك من الأخبار الّتي عمدتها هذا ـ أنّ الصلاة في غير المأكول لا تجوز إذا كان معلوما (٢) ، وبعبارة اخرى : مانعيّة هذه الامور مشروطة بصورة العلم.

وفيه : أنّ الرواية إنّما تكون في مقام بيان الإجزاء ، بمعنى أنّ من دخل في صلاته وهو جاهل بوجود المانع معها ، ثمّ تبيّن بعد الصلاة وجود المانع ، فلا يجب عليه الإعادة ، ولم يظهر منه أنّ من هو من أوّل الأمر شاكّ بوجود المانع ، فدخل في العمل أن يكون دخوله جائزا حتّى يصير عمله صحيحا.

والحاصل ؛ أنّه قد يدّعى كون الرواية في مقام بيان أنّ أجزاء غير المأكول مانعة عن الصلاة إذا كانت معلومة وإلّا فلا ، فقد سيقت لبيان الضابطة والحكم الكلّي ، وهذا احتمال أنّى لهم بإثباته وتعيينه ، مضافا إلى أنّ ما ذكرنا من كونه مسوقا لبيان الإجزاء ، بمعنى إتيان الفعل بداعي امتثال الواقع فتبيّن خلافه ، فيحكم عليه‌السلام بإجزائه عن الواقع ، هو الظاهر من الرواية ، فلا ربط له بالمقام.

هذه عمدة الروايات الّتي استدلّوا لإثبات دعواهم ، فقد عرفت حالها ، والباقي أسوأ حالا من تلك الرواية ، فراجع!

والاحتمالات الاخر لإثبات مدّعاهم ـ من كون الألفاظ موضوعة للمعاني المعلومة أو كون المراد منها في مقام تنجّز التكاليف المعلومة منها ـ واضحة الفساد غنيّة عن البيان ، فلا ينبغي التمسّك بمثل هذه الموضوعات لجواز

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٠٦ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٥ الحديث ٤٢١٨ ، وفيه : عبد الرحمن بن أبي عبد الله بدلا عن : عبد الرحمن بن الحجّاج.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي.

١٢٠