الدكتور ستار جبر حمّود الأعرجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-61-4
الصفحات: ١٦٧
الرسول صلىاللهعليهوآله كما يصفه الشيخ الطوسي(١).
فعلمُ الأَئمة عليهمالسلام بجميع المتشابه في القرآن الكريم مستمد من هذا الطريق كما هو مدلول الرواية عن الإمام الباقر عليهالسلام في تفسير الآية المذكورة ، قال : (فرسول اللّه صلىاللهعليهوآله أفضل الراسخين في العلم ، قد علّمه اللّه عزّوجلّ جميع ما اُنزل عليه من التنزيل والتأويل ، وما كان اللّه لينزل عليه شيئاً لم يعلم تأويله ، وأوصياو من بعده يعلمونه كلّه)(٢).
هذا الرسوخ يراه الإمامية أجلى مصاديق خصوصية الأَئمة عليهمالسلام في فهم القرآن حق فهمه ، وهو المعبر عنه في نص القرآن الكريم بقوله تعالى : (لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ)(٣) ، وهم يوّدون هذا الاختصاص بتفسير القرآن بعضه ببعض ، ليستدلّوا على اختصاصهم بصفة التطهير وذلك في قوله تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً)(٤).
والطهارة المقصودة في الآيتين : (طهارة نفس الإنسان في اعتقادها وإرادتها ، وزوال الرجس عن هاتين الجهتين ، ويرجع إلى ثبات القلب فيما
__________________
(١) الشيخ الطوسي / تلخيص الشافي ١ : ٢٥٣.
(٢) المجلسي / بحار الأنوار ٧ : ٣٩.
(٣) سورة الواقعة : ٥٦ / ٧٩.
(٤) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٣.
اعتقده من المعارف الحقة .. من غير تمايل إلى اتباع الهوى ونقض ميثاق العلم ، وهذا هو الرسوخ في العلم)(١).
وهذا الأمر يمثل ركيزة الأهلية الكاملة لتفسير النص القرآني في اعتقاد الإمامية ، وهو ما توده طبيعة المعية بين أهل البيت عليهمالسلام والقرآن في حديث الثقلين ، إذ مقتضى الحديث أنّهم عليهمالسلام العالمون بتفسيره ، وتأويله ، وظاهره ، وباطنه ، وعدم انفكاك أحدهما عن الآخر.
وقد تصدّى الأَئمّة عليهمالسلام لتأكيد هذه الصلة ـ فضلاً عن تأكيد الأهلية الخاصة بهم ـ في استيعاب واستكناه معاني القرآن الكريم ، واستنطاق آياته لتعبّر عن نفسها ، فيعود كشفهم لمعاني الآيات وصولاً إلى مراد اللّه تعالى بها ، وهو ما توّده الروايات الواردة عنهم في بيان أنّهم هم الراسخون في العلم الذين قصدتهم الآية ، فهم عليهمالسلام إذن لا يغيب عنهم شيء من علم الكتاب ، لأنّهم عليهمالسلام يعلمونه كلّه. وقد أكّد الإمام الصادق عليهالسلام ذلك عند تفسيره لقوله تعالى : (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)(٢) ، قال : (وعندنا واللّه علم الكتاب كلّه)(٣).
__________________
(١) الطباطبائي / الميزان ٣ : ٥٤ ـ ٥٥.
(٢) سورة النمل : ٢٧ / ٤٠.
(٣) الكليني / أصول الكافي ١ : ٢٢٩ / ٥ باب أنّهم عليهمالسلام يعلمون علم الكتاب كلّه من
ولأجل معرفة حقيقة تلك الأهليّة العلميّة ، وتأكيد واقعيتها في إظهار الفهم الإمامي لها ، لابدّ من الكشف عن طريقها بعد أن تعرّفنا على طبيعة علمهم عليهمالسلام وحدوده.
طريق علم الأَئمّة عليهمالسلام :
بإنعام النظر في مصادر الحديث الأساسية عند الإمامية مع كتب متكلميهم وعلمائهم ، تتبلور أمامنا مجموعة طرق تمثل المعين الذي يستقي منه الإمام علمه تتمثل في :
١ ـ الأخذ عن الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله مباشرة بالنسبة لمن عاصره صلىاللهعليهوآله من أهل البيت كأمير المؤمنين والسبطين عليهمالسلام ، وبالواسطة كما في بقية الأئمّة التسعة من ذرّية الإمام الحسين ، وأولهم الإمام علي بن الحسين وآخرهم الإمام المهدي عليهمالسلام الذين أخذوا العلم ، عن آبائهم ، عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله. ولهم في ذلك تصريحات شتّى لا حصر لها ربما فاقت التواتر.
__________________
كتاب الحجّة ، وقد صحّ ذلك من عدّة طرق عن الإمام الصادق عليهالسلام برواية أبي بصير ، وداود الرقّي ، وسدير الصيرفي ، وعبد الرحمن بن كثير الهاشمي ، ويحيى البزّار كلّهم؛ عن الإمام الصادق عليهالسلام. اُنظر : الصفّار / بصائر الدرجات : ٢٣٢ ـ ٢٣٣ / ٢ و ٣ باب ١ ، و : ٢٥١ / ٥ باب (٦) ، وسعد بن عبد اللّه في بصائر الدرجات كما في مختصره (مختصر بصائر الدرجات) للشيخ حسن بن سليمان الحلّي : ١٠٨ ، والطبري الإمامي / نوادر المعجزات : ٤٧ ، وحسين بن عبد الوهاب / عيون المعجزات : ٣١ و ٧٨ ، والقطب الراوندي / الخرائج والجرائح ٢ : ٧٩٧ / ٦.
ويكون هذا الأخذ عنه صلىاللهعليهوآله من جهة تفسيره الكتاب الكريم الذي يتلقاه وحياً ، ومما ورد عنه صلىاللهعليهوآله من الأحاديث الشريفة ، ويُعد سندهم إلى تلقّي العلم النبوي من أعظم الأسانيد وأجلّها قدراً وقداسة في عالم الرواية ، ويُسمّى عند العامة بسلسلة الذهب ، وسعوط المجانين ، وعطر الرجال ذوي الألباب(١) ، وقد اعترف بهذه الأوصاف الجليلة أحمد بن حنبل ، وإسحاق ابن راهويه وهما من أعاظم علماء العامّة(٢).
وقد أسّس أهل البيت عليهمالسلام جملة من القواعد العلمية الرصينة لمعرفة حقيقة ما يُنسب إليهم في كتب الحديث ، نظير قاعدة العرض على الكتاب الكريم والسنّة المطهرة ، وغير ذلك ممّا عُرِفَ في بحث التعارض في كتب الأُصول تفصيلاً.
٢ ـ أخذ الإمام اللاحق العلمَ من الإمام السابق ، حيث يكون كلّ إمام مصدرا في تلقين العلم إلى من بعده(٣).
__________________
(١) يُنظر : الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد ٣ : ٣٧ في ترجمة محمد بن عبد اللّه بن طاهر برقم ١٠٠٤ ، والشيخ الصدوق / الخصال : ٥٣ / ٦٨ باب الاثنين ، وعيون أخبار الرضا عليهالسلام له أيضاً ١ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ / ٦ باب (٢٢) ، والشيخ الطوسي / الأمالي : ٤٤٩ / ١٠٠٤ (١٠) مجلس (١٦).
(٢) صرّح بذلك الغماري الشافعي أحمد بن محمد بن الصديق الحسني المغربي في كتابه فتح الملك العلي بصحّة حديث مدينة العلم علي : ١٣٠.
(٣) المظفر / عقائد الإمامية : ٦٧.
٣ ـ الإلهام : يرى الإمامية أنّ هذا الطريق هو سبيل الإمام إلى العلم في حال استجد شيء للإمام لم يتبين من الطريقين السابقين ، وهذا الطريق يتمثل في أنّ للإمام قوة قدسية يتلقى بها الإلهام ، أودعها اللّه تعالى فيه (فمتى توجه إلى شيء أو شاء أن يعلمه على وجهه الحقيقي (فإنّه) لا يخطيء فيه ولا يشتبه)(١) ، إذ أنّ تلك القوة القدسية تكون عنده في غاية الكمال ، وتحجبه عن الحاجة إلى غيره وسلوك السبيل التحصيلي النظري ، أو الحاجة إلى البراهين والاستدلالات العقلية التي يتبعها غيره في سبيل تحصيل العلم ، إذ من لوازم إمامته أن لا يسأل عن شيء فيقول : لا أعلم ، وأن لا يحتاج في علمه إلى أحد غيره ، وإلاّ لزم الدور وهو باطل. وقد وردت العديد من الروايات عن الأَئمة عليهمالسلام في أنّ الإمام يعلم حين يشاء أن يعلم(٢).
ومن استعراض صور العلم عند الأَئمة عليهمالسلام نلاحظ أنّها تتّخذ صورتين(٣) : فهو فعلي مرّةً يستمد من الرسول صلىاللهعليهوآله الذي طريقه الوحي أو من الإمام السابق ، وإرادي أخرى ، بمعنى أنّ الإمام إذا أراد أن يعلم شيئا
__________________
(١) عقائد الإمامية : ٦٧.
(٢) اُنظر : المحسني ، محمد آصف / صراط الحق في المعارف الإسلامية والاُصول الاعتقادية ٣ : ٣٥٠.
(٣) المحسني / صراط الحق ٣ : ١٧١ بتصرف.
يعلمه بعد إن لم يكن عنده.
والأحاديث المصرّحة بأنّهم عليهمالسلام (مُحَدَّثون) كثيرة ، بل متواترة في هذا الباب ، حتّى قال ابن خلدون (ت / ٨٠٧ هـ) في حديثه عن الإمام الصادق عليهالسلام وغيره من أهل البيت عليهمالسلام : (وقد قال صلّى اللّه عليه [وآله] وسلّم : «إنّ فيكم مُحَدَّثين» ، فهم ـ يعني : أهل البيت عليهمالسلام ـ أوْلى الناس بهذه الرتب الشريفة ، والكرامات الموهوبة)(١).
__________________
(١) ابن خلدون / تاريخ ابن خلدون ١ : ٤٩٥ الفصل ٥٣.
المبحث الثاني
جهود الأَئمة عليهمالسلام في خدمة القرآن والعقيدة
إنّ المتصدّي لاستعراض تاريخ الأَئمة عليهمالسلام وصلتهم بالقرآن الكريم يتلمس بوضوح أهمية جهودهم عليهمالسلام في التصدي لتفسير النص ، وبيان معانيه ، واستنطاقه بنحوٍ يكشف عن خصوصيّة أهليتهم المتفردة ، ابتداءً من أوّلهم أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليهالسلام حتى آخرهم عليهالسلام.
فمما لا يسع منكر أن ينكره أفضلية أمير المؤمنين الإمام علي عليهالسلام وسعة علمه بالقرآن ، وأولويته وأسبقيته إلى تفسير القرآن الكريم ، وقربه من ينبوعه الأصيل ، ولصوقه به ، فهو الباب الذي تنبثق منه ينابيع العلم ، ويطلع منه على آفاقه المطلقة من مصدر الوحي ، روى عبد اللّه بن عباس عن الرسول صلىاللهعليهوآله أنّه قال : (أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتِ الباب) ، وفي لفظ آخر : (أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وهل تُدخل المدينة إلاّ من بابها؟!)(١).
__________________
(١) هذا الحديث متواتر من طرق الإمامية وحدهم ، يُنظر : الشيخ الصدوق / عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٧١ / ٢٩٨ ، والخصال له أيضاً : ٥٧٤ / ١ باب السبعين ،
__________________
والتوحيد له أيضاً : ٣٠٧ / ١ باب (٤٣) ، والأمالي له أيضاً : ٤٢٥ / ٥٦٠ (٢) مجلس (٥٥) ، و : ٦٥٥ / ٨٩١ (٢) مجلس (٨٣) ، والكوفي محمد بن سليمان / مناقب أمير المؤمنين عليهالسلام ٢ : ٥٥٨ / ١٠٧١ ، والقاضي النعمان / شرح الأخبار ١ : ٨٩ / ١ و ٢ و ٣ و ٤ ، والثقفي / الغارات ١ : ٣٤ ، والشيخ المفيد / الإرشاد ١ : ٣٣ ، والفصول المختارة له أيضاً : ١٣٥ و ٢٢٠ و ٢٢٤ ، والاختصاص له أيضاً : ٢٣٨ ، والشريف المرتضى / تنزيه الأنبياء : ٢١٢ ، والشيخ الطوسي / الأمالي : ٥٥٩ / ١١٧٢ (٨) مجلس (٢٠) ، و : ٥٧٨ / ١١٩٤ (٨) مجلس (٢٣) ، والكراجكي / كنز الفوائد ١ : ١٤٩ ، والتعجّب له أيضاً : ٥٥ ، وابن شهرآشوب / المناقب ١ : ٣١٤ ، و ٢ : ١١١ ، و٣ : ٤٧ ، وابن حمزة الطوسي / الثاقب في المناقب : ١٢٠ و ١٣٠ و ٢٦٦ ، وابن شعبة الحرّاني / تحف العقول : ٤٣٠ ، والطبرسي أحمد بن علي / الاحتجاج ١ : ١٠٢ ، والطبرسي الفضل بن الحسن / إعلام الورى بأعلام الهدى ١ : ٣١٧ ، والإربلي / كشف الغمّة ١ : ١١١ ، و ١ : ٥٢٨ ، وابن المشهدي / المزار : ٥٧٦ ، وشاذان بن جبريل / الفضائل : ٩٦ ، والسيد ابن طاوس / التحصين : ٥٥٠ ، وإقبال الأعمال له أيضاً ١ : ٥٠٧ ، وسعد السعود له أيضاً : ٢٠٩ ، والعلاّمة الحلّي / كشف اليقين : ٥١ ، وعلي بن يوسف الحلّي (أخو العلاّمة الحلّي) / العدد القويّة : ٢٤٨ ، وابن ميثم البحراني / شرح مئة كلمة : ٥٦ و ٢٥١ ، والشيخ حسن بن سليمان الحلّي / المحتضر : ٢ و ٩ و ٩٢ ، وابن بطريق / العمدة : ٢٨٥ ، و : ٢٩٢ ـ ٢٩٤ / ٤٨٠ و ٤٨١ و ٤٨٢ و ٤٨٣ و ٤٨٤ و ٤٨٥ و ٤٨٦ ، و : ٣٠١ / ٥٠٦. كما ورد الحديث في جلّ التراث التفسيري الإمامي أيضاً ، يُنظر : التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٦٣٠ ، والثمالي أبي حمزة / تفسير أبي حمزة الثمالي : ٢٧٢ ، والقمّي علي بن إبراهيم / تفسير القمّي ١ : ٦٨ ، وفرات / تفسير فرات الكوفي : ٢٦٥ ، والطبرسي / تفسير مجمع البيان ٢ : ٢٨ ، والاسترآبادي / تأويل الآيات الظاهرة ١ : ٢٢٠ وسائر كتب التفسير المتأخرة.
وإذا كان رسول اللّه صلىاللهعليهوآله الناطق بلسان الوحي وطريق تلقيه عن السماء (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)(١) ، فإنّ أمير المؤمنين عليّا عليهالسلام هو نفس محمد صلىاللهعليهوآله بدلالة آية المباهلة من قوله تعالى : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ
__________________
ورواه من علماء العامّة : ابن أبي حاتم / الجرح والتعديل ٦ : ٩٨ / ٥١٤ وقال بعد رواية الحديث : قال عبد اللّه بن أحمد بن حنبل : سألت أبي عنه ـ أي عن راوي الحديث ـ فقال : ما أراه إلاّ صَدَقَ ، والطبراني / المعجم الكبير ١١ : ٥٥ ، والطبري المفسّر / تهذيب الآثار (مسند الإمام علي عليهالسلام) : ١٠٤ / ٨ ، والحاكم النيسابوري / المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٦ ـ ١٢٧ من عدّة طرق ، وصحّحه ، والحاكم الحسكاني الحنفي / شواهد التنزيل ١ : ١٠٤ / ١١٨ ، و ١ : ٤٣٢ / ٤٥٩ ، والخطيب البغدادي / تاريخ بغداد ٣ : ١٨١ في ترجمة محمد بن عبد الصمد البغوي برقم ١٢٠٣ ، و ٥ : ١١٠ في ترجمة أحمد بن فاذويه الطحّان برقم (٢٥٠٢) ، و ٧ : ١٨٢ في ترجمة جعفر بن محمد ، أبي محمد الفقيه برقم (٣٦١٣) ، و ١١ : ٤٩ ـ ٥٠ في ترجمة أبي الصلت الهروي برقم (٥٧٢٨) ، و ١١ : ٢٠٥ في ترجمة عمر بن الفرج الهاشمي برقم (٥٩٠٨) ، وابن عساكر / تاريخ دمشق ٩ : ٢٠ ، و ٤٢ : ٣٧٨ ـ ٣٨٣ من طرق كثيرة ، و ٤٥ : ٣٢١ ، والزمخشري / الفائق في غريب الحديث ٢ : ١٦ (رَتَجَ) ، والراغب الأصفهاني / مفردات غريب القرآن : ٦٤ في معنى (باب). وقد تصدّى أبو الفيض الغماري الشافعي المغربي في كتابه (فتح الملك العلي بصحّة حديث باب مدينة العلم علي) إلى دراسة جميع طرق الحديث في مصادره عند العامة ، وانتهى إلى القول الجازم بصحّته عندهم ، كما أثبت العلاّمة الشيخ محمد حسن السقّاف الأردني في كتابه (تناقضات الألباني) : ١٠٤ / ٨ صحّة الحديث مع جهل الألباني الوهابي وتعصّبه ، فليلاحظ.
(١) سورة النجم : ٥٣ / ٣ و ٤.
اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)(١).
كما يرى مفسّرو الإمامية(٢) أن أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه أقرب الناس إلى رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، ومكمل مهمته من بعده ، ووارث علمه ، وصنو القرآن وعدله ومستنطقه.
يروي سليم بن قيس الهلالي عنه عليهالسلام أنّه قال : (ما نزلت على رسول اللّه صلىاللهعليهوآله آية من القرآن إلاّ أقرأنيها ، وأملاها عليَّ ، وكتبتها بخطي ، وعلمني تأويلها وتفسيرها ، وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، ودعا اللّه عزّوجلّ لي أن يعلمني فهمها وحفظها ، فما نسيت آية من كتاب اللّه ، ولا علما أملاه عليَّ فكتبته ، وما ترك شيئاً علّمه اللّه عزوجل من حلال ولا حرام ، ولا أمرٌ ولا نهيٌّ ، وما كان أو يكون من طاعته أو معصيته إلاّ علمنيه وحفظته ، ولم أنسَ منه حرفا واحدا ، ثم وضع يده على صدري ودعا اللّه عزّوجلّ أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكمة ونوراً ، لم أنسَ من ذلك شيئاً ، ولم يفتني شيءٌ لم أكتبه ، فقلت : يا رسول اللّه أتتخوف عليَّ النسيان فيما بعد؟ فقال صلىاللهعليهوآله : لست أتخوف عليك نسياناً ولا جهلاً ، وقد أخبرني ربّي جلّ جلاله أنّه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك ، فقلت : يا رسول اللّه ومن شركائي من بعدي؟ قال صلىاللهعليهوآله : الذين قرنهم اللّه عزّوجلّ بنفسه وبي ، فقال : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٦١.
(٢) ظ : الشيخ الطوسي / التبيان ٢ : ٤٨٥ ، والطبرسي / مجمع البيان ٢ : ٤٥٣ ، والطباطبائي / الميزان ٣ : ٢٢٣.
الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(١) ، فقلت : يا رسول اللّه ومن هم؟ قال : الأوصياء منّي إلى أن يردوا عليَّ الحوض ، كلُّهم هادٍ مهتدٍ ، لا يضرّهم من خذلهم ، هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه ، بهم تنتصر أُمّتي ، وبهم يُمطرون ، وبهم يدفع عنهم البلاء ، ويستجاب دعاءهم ، قلت : يارسول اللّه سمّهم لي ، فقال : ابني هذا ووضع يده على رأس الحسن ، ثمّ ابني هذا ووضع يده على رأس الحسين عليهماالسلام ، ثمّ ابن يُقال له علي وسيولد في حياتك فاقرأه منّي السلام ، ثمّ تكملة اثني عشر ، فقلت : بأبي أنت وأُمّي يا رسول اللّه سمّهم لي رجلاً فرجلاً ، فسمّاهم رجلاً رجلاً ، فيهم واللّه يا أخا بني هلال مهدي أُمّة محمد صلىاللهعليهوآله الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ..)(٢).
ويودالإمام عليهالسلام خصوصيته في القرب منه فيقول : (وليس كل أصحاب رسول اللّه صلىاللهعليهوآله من كان يسأله ويستفهمه ، حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجيء الأعرابي والطاري فيسأله عليهالسلام حتّى يسمعوا ، وكان لا يمرّ بي من ذلك شيء إلاّ سألت عنه وحفظته ..)(٣).
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٥٩.
(٢) الصدوق / إكمال الدين وإتمام النعمة : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ / ٢٧ باب ٢٤ ، والخصال له أيضاً : ٢٣٢ باب الأربعة ، ونحوه عند الطبري الإمامي / المسترشد في الإمامة : ٢٣١ ـ ٢٣٦ / ٦٧ باب ١ ، والإسكافي المعتزلي / المعيار والموازنة : ٣٠٠.
(٣) نهج البلاغة : ٤٤٠ ـ ٤٤٣ الخطبة رقم ٢١٠ ، وسليم بن قيس / كتاب سليم ٢ : ٦٢٠ ـ ٦٢٣ / ١٠ ، والكليني / أصول الكافي ١ : ٦٢ ـ ٦٣ / ١ باب اختلاف الحديث من كتاب فضل العلم ، والكشي / رجال الكشي : ١٠٤ ـ ١٠٥ / ١٦٧ في
هذاالقرب من النبي صلىاللهعليهوآله بكل معانيه والتلقي عنه جعل علياً عليهالسلام محيطاً بعلوم الكتاب الكريم كلّها ، ويكفي في ذلك أنّه صرّح عليهالسلام بهذا ، فقال على روس الأشهاد : (سلوني قبل أن تفقدوني والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آية ، في ليل نزلت ، أو في نهار اُنزلت ، مكّيها ، ومدنيها ، سفريها ، وحضريها ، ناسخها ، ومنسوخها ، محكمها ، ومتشابهها وتأويلها ، وتنزيلها ، لأخبرتكم به)(١).
وهو القائل يصف سعة علمه : (بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة)(٢) ، فلا غرو أن يكون صلوات اللّه وسلامه عليه دائرة معارف إسلامية كبرى لانظيرلها في تاريخ
__________________
ترجمة سليم بن قيس الهلالي ، والطبري الإمامي / المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام : ٣٣١ ـ ٣٣٦ / ٦٧ اختلاف الناس في الحديث ، والنعماني / كتاب الغيبة : ٧٥ ـ ٨١ / ١٠ باب (٤) ، ما روي في أنّ الأئمّة إثنا عشر إماما ، والصدوق / الخصال : ٢٥٥ / ١٣١ باب الأربعة ، أتى الناس الحديث من رسول اللّه صلىاللهعليهوآله من أربعة ليس لهم خامس ، والاعتقادات له أيضاً : ١١٨ ـ ١٢٣ باب (٤٥) الاعتقاد في الحديثين المختلفين ، والكراجكي / الاستنصار : ١٠ ـ ١٣ ، والطبرسي / الاحتجاج ٢ : ٦٢٨ ـ ٦٣١ / ١٤٦ إيضاحه عليهالسلام علّة اختلاف الأحاديث ، والحرّ العاملي / مختصر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان النيسابوري : ٢٠١ ـ ٢٠٦ / ١ ، وابن أبي الحديد / شرح نهج البلاغة ١١ : ٣٨ ـ ٣٩ / ٢٠٣.
(١) ظ : ابن سعد / الطبقات الكبرى ٢ : ٣٣٨ ، والشيخ الصدوق / التوحيد ٣٠٥ ، والشيخ المفيد / الاختصاص : ٢٣٦ ، والقرطبي المالكي / الجامع لأحكام القرآن ١ : ٣٥ وغيرها.
(٢) ظ : ابن أبي الحديد / شرح نهج البلاغة مج ١ : ٢١٣.
الإسلام ، وموسوعة علمية للقرآن الكريم لم يُحسن مجتمعه الاستفادة منها! إذ كان عليهالسلام رأس علماء الأُمّة بلا منازع ، وسيّد مفسّريها قاطبة ، وكيف لا يكون كذلك وهو من عنده علم الكتاب الذي أشارت إليه الآية ـ كما يرى الإمامية وكثيرون غيرهم ـ في قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)(١) ، أنّه نزل في عليّ عليهالسلام.
روى ذلك أبو سعيد الخدري ، عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآله.(٢)
ورواه عن أميرالمؤمنين علي عليهالسلام كلٌّ من : سلمان الفارسي(٣) ، وسليم ابن قيس الهلالي(٤) ، وقيس بن سعد الأنصاري(٥).
ورواه عن عبد اللّه بن عباس : أبو صالح(٦) ، وسعيد بن جبير(٧).
ورواه عن الإمام الباقر عليهالسلام : أبوحمزة الثمالي(٨) ، وأبومريم(٩) ، وبريد
__________________
(١) سورة الرعد : ١٣ / ٤٣.
(٢) الصدوق / الأمالي : ٦٥٩ / ٨٩٢ ٣ مجلس (٨٣) ، والحاكم الحسكاني / شواهد التنزيل ١ : ٤٠٠ / ٤٢٢.
(٣) الصفّار / بصائر الدرجات : ٢٣٦ / ٢١ باب ١.
(٤) سليم بن قيس / كتاب سليم : ٣١٣.
(٥) كتاب سليم : ٤٢٢.
(٦) الحاكم الحسكاني / شواهد التنزيل ١ : ٤٠٥ / ٤٢٧.
(٧) شواهد التنزيل ١ : ٤٠١ / ٤٢٣.
(٨) بصائر الدرجات : ٢٣٦ / ١٨ باب ١.
(٩) المصدر السابق : ٢٣٥ / ١٦ باب ١.
ابن معاوية(١) ، وجابر بن يزيد الجعفي(٢) ، وعبد اللّه بن عجلان(٣) ، وعبد اللّه بن عطاء(٤) ، وعبد اللّه بن وليد السمّان(٥) ، وعمر بن حنظلة(٦) ، وفضيل بن يسار(٧) ، ونجم(٨).
ورواه عن الإمـام الصادق عليهالسلام : أبو بصير(٩) ، وسدير الصيرفي(١٠) ، وعبد اللّه بن بكير(١١) ، وعبد اللّه بن
__________________
(١) المصدر السابق : ٢٣٤ ـ ٢٣٥ / ١٢ وفيه : (إيّانا عنى وعليّ عليهالسلام أولنا ، وعليّ أفضلنا ، وخيرنا بعد النبي صلىاللهعليهوآله). ومثله في : ٢٣٦ / ٢٠ باب (١) ، والكليني / أصول الكافي ١ : ٢٢٩ / ٦ باب أنّهم يعلمون علم الكتاب كلّه من كتاب الحجّة ، والعيّاشي / تفسير العيّاشي ٢ : ٢٢٠ / ٧٦ ، والقاضي النعمان / دعائم الإسلام ١ : ٢٢.
(٢) بصائر الدرجات : ٢٣٣ / ٤ باب ١ ، و : ٢٣٥ / ١٤ باب (١).
(٣) المصدر السابق : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ / ١٧ باب ١ ، والعيّاشي / تفسير العيّاشي ٢ : ٢٢١ / ٧٨.
(٤) العيّاشي / تفسير العيّاشي ٢ : ٢٢٠ / ٧٧ ، والقرطبي المالكي / الجامع لأحكام القرآن ٩ : ٣٣٦ ، والحاكم الحسكاني / شواهد التنزيل ١ : ٤٠٢ / ٤٢٥.
(٥) سعد بن عبد اللّه القمي في كتابه بصائر الدرجات كما في مختصره (مختصر بصائر الدرجات / الشيخ حسن بن سليمان الحلي : ١٠٩.
(٦) جماعة من أصحاب الأصول الأربعمائة / الأصول الستّة عشر : ٨٨.
(٧) بصائر الدرجات : ٢٨٦ / ١٨ باب ١ ، وتفسير العيّاشي ٢ : ٢٢١ / ٧٩.
(٨) بصائر الدرجات : ٢٣٣ ـ ٢٣٤ / ٥ و ٦ باب ١.
(٩) بصائر الدرجات : ٢٣٥ / ١٥ باب ١.
(١٠) المصدر السابق : ٢٣٣ / ٣ باب ١ ، و : ٢٥٠ ـ ٢٥١ / ٥ باب (٦) ، وأصول الكافي ١ : ٣٥٧ / ٣ باب نادر في ذكر الغيب من كتاب الحجّة.
(١١) بصائر الدرجات : ٢٣٢ / ١ باب ١.
الوليد(١) ، وعبد الرحمن بن كثير(٢) ، وعمر بن أُذينة(٣) ، وفضيل بن يسار(٤) ، ومثنى الحنّاط (مضمراً) والمراد به الإمام الصادق عليهالسلام(٥).
ورواه عن الإمام الرضا عليهالسلام : أحمد بن عمر(٦) ، ومحمد بن الفضيل(٧).
ورواه عن ابن الحنفية رضى الله عنه : أبو عمر بن زاذان(٨).
ورواه إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح(٩).
وقد زعم بعض مفسّري العامّة أنّ الآية نزلت في عبد اللّه بن سلام وهو عجيب!
أمّا أوّلاً : فلأنّ العامّة أنفسهم رووا عن عبد اللّه بن سلام أنّه سأل رسول اللّه صلىاللهعليهوآله عن تلك الآية نفسها ، فقال صلىاللهعليهوآله : (إنّما ذاك عليّ بن أبي طالب)(١٠).
__________________
(١) بصائر الدرجات : ٢٤٩ / ٦ باب ٥.
(٢) المصدر السابق : ٢٣٤ / ٧ باب ١ ، وفيه : (إيّانا عنا ، وعليّ أولنا وأفضلنا وخيرنا).
(٣) القمّي علي بن إبراهيم / تفسير القمّي ١ : ٣٦٧.
(٤) بصائر الدرجات : ٢٣٤ / ٨ باب ١.
(٥) بصائر الدرجات : ٢٣٤ / ١٠ باب ١ ، وفيه : (نزلت في عليّ والأئمّة عليهمالسلام).
(٦) بصائر الدرجات : ٢٣٤ / ٩ باب ١.
(٧) المصدر السابق : ٢٣٥ / ١٣ باب ١.
(٨) محمد بن سليمان الكوفي / مناقب أمير المؤمنين عليهالسلام : ١٩١ ذيل حديث / ١١٤ ، وشواهد التنزيل ١ : ٤٠١ / ٤٢٢ ، والقرطبي المالكي / الجامع لأحكام القرآن ٩ : ٣٣٦.
(٩) شواهد التنزيل ١ : ٤٠٤ / ٤٢٦. نقله القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة : ٢٨٤ باب ٥٦ عن الثعلبي.
وأمّا ثانياً : فلأنّ الآية مكّيّة وعبد اللّه بن سلام أسلم بعد الفتح ، ومن هنا سلكوا في تفسيرها مسالك شتّى حتّى قال بعضهم أنّ المقصود بها هو اللّه عزّوجلّ! ولم يلتفت إلى حرف العطف الحاكم بضرورة المغايرة ، فضلاً عن الأخبار المتواترة عن أهل البيت عليهمالسلام في نزول الآية في عليّ عليهالسلام وولده من أهل البيت عليهمالسلام.
جدير بالذكر أنّ ابن الجوزي ذكر في تفسيره (زاد المسير) اختلاف العامة في نزول الآية المذكورة ، وعدّ القول في نزولها في الإمام علي من جملة أقوالهم(١) ، وروى الثعلبي في تفسيره ـ كما في نهج الإيمان ـ نزولها في أمير المؤمنين عليهالسلام من طريقين(٢) ، وقال العلاّمة الطبرسي : (ويؤيد ذلك ـ أي نزولها في عليّ عليهالسلام ـ ما روي عن الشعبي أنّه قال : ما أحد أعلم بكتاب اللّه بعد النبي صلىاللهعليهوآله من علي بن أبي طالب عليهالسلام ومن الصالحين من أولاده)(٣).
ولقد تكاثرت المصاديق على اختصاصه عليهالسلام بهذا الوصف ، وكونه أعلم صحابة رسول اللّه صلىاللهعليهوآله بالكتاب ، فضلاً عن غيرهم ، وهذا ما تعارف عليه الصحابة أنفسهم ، فقد سئل ابن عباس وهو الموصوف بحبر الأُمّة وترجمان القرآن والملازم لعلي عليهالسلام وتلميذه وخريجه كما يعبر ابن أبي الحديد(٤) ، وقد عرف من بين الصحابة بكثرة ما ورد عنه من الروايات
__________________
(١) ابن الجوزي / زاد المسير ٤ : ٢٥١ ـ ٢٥٢.
(٢) ابن جبر / نهج الإيمان : ٥٦٦ فصل ٣٧.
(٣) الطبرسي / مجمع البيان ٦ : ٥٤.
(٤) شرح النهج ١١ : ١٩.
في تفسير القرآن وقد سئل : أين علمك من علم ابن عمك؟ فقال : كنسبة قطرة المطر إلى البحر المحيط!(١)
وفي رواية عن سعيد بن المسيب أنّ ابن عباس رضى الله عنه سأل رجلاً : أعلي أعلم عندك أم أنا؟ فقال الرجل لو كان أعلم عندي منك لما سألتك (وكان جاءه سائلاً) قال : (فغضب ابن عباس حتى اشتد غضبه ، ثم قال : ثكلتك اُمّك ، عليٌّ علّمني ، وكان علمه من رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ، ورسول اللّه صلىاللهعليهوآله علمه اللّه من فوق عرشه ، فعلم النبي صلىاللهعليهوآله من اللّه ، وعلم علي من النبي ، وعلمي من علي ، وعلم أصحاب محمد كلّهم في علم علي كالقطرة الواحدة من سبعة أبحر)(٢).
وروى العامّة عن عامر بن شراحيل الشعبي أنّه قال : (ما أحد أعلم بما بين اللوحين من كتاب اللّه ـ بعد نبي اللّه ـ من علي بن أبي طالب)(٣).
ورووا عن عبد اللّه بن مسعود ، أنّه قال : (إنّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلاّ له ظهر وبطن ، وإنّ عليَّ بن أبي طالب عنده علم الظاهر والباطن)(٤).
__________________
(١) شرح النهج ١ ١ : ١٩.
(٢) الطوسي : الامالي ١ : ١١.
(٣) الحاكم الحسكاني / شواهد التنزيل ١ : ٣٦.
(٤) أبو نعيم الأصفهاني / حلية الأولياء ١ : ٦٥ ، ورواه القندوزي في ينابيع المودّة : ٤٤٨ باب ٦٥ عن عبد اللّه بن عبّاس.
ورووا عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : (عليّ أعلم الناس بما أُنزل على محمد صلىاللهعليهوآله)(١).
هذه الملامح المهمة من العلاقة الوثيقة بين الإمام والنص القرآني اتّضحت في خصوصية فهمه عليهالسلام إلى درجة يصورها قوله في قصّة التحكيم : (أنا القرآن الناطق)(٢).
ومن خطبة له عليهالسلام في نهج البلاغة : (أرسله على حين فترة من الرسل ، وطول هجعة من الأُمم ، وانتقاضٍ مبرم ، فجاء بتصديق بين الذي يديه ، والنور المقتدى به ، ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق ، ولكن أخبركم عنه ، ألاَ إنّ فيه علم ما يأتي ، والحديث عن الماضي ، ودواء دائكم ، ونظم ما بينكم)(٣).
في الكافي : ( .. فاستنطقوه ولن ينطق لكم ، أخبركم عنه ، إنّ فيه علم ما مضى ، وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة ، وحكم ما بينكم ، وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون ، فلو سألتموني عنه لعلّمتكم)(٤).
وفي تفسير القمّي : ( .. فلو سألتموني عنه لأخبرتكم عنه ؛ لأنّي
__________________
(١) شواهد التنزيل ١ : ٣٠.
(٢) القندوزي / ينابيع المودّة ١ : ٢١٤ / ٢٠.
(٣) نهج البلاغة ٢ : ٥٢ الخطبة رقم ١٥٨ ، وابن أبي الحديد / شرح نهج البلاغة ٩ : ٢١٧ الخطبة رقم (١٥٩).
(٤) الكليني / أصول الكافي ١ : ٦١ / ٧ باب الردّ إلى الكتاب والسنّة من كتاب فضل العلم.
أعلمكم)(١).
وإنعام النظر في تلك الأقوال وغيرها من أقواله عليهالسلام الكثيرة الأخرى يثبت أن أقلّ ما يدل عليه (أنّ ما نقل عنه من أعاجيب المعارف الصادرة عن مقامه العلمي الذي يدهش العقول مأخوذ من القرآن الكريم)(٢). أي : من نص القرآن أو فحواه أو دليل خطابه.
هذا الفهم الكامل للنص القرآني الذي تعبر عنه الروايات السابقة ، يصفه الإمام عليهالسلام بأنّه استنطاق للنص الذي لا ينطق بنفسه ، وإنّما تلك مهمة الإمام المعصوم ووظيفته التي يرثها عن النبي صلىاللهعليهوآله كما مرّ في كلامه عليهالسلام : ( .. فاستنطقوه ولن ينطق ، ولكن أخبركم عنه ..).
وقد قام عليهالسلام بهذه المهمة الجليلة خير قيام حتى أنّنا لو أحصينا ما روي عنه عليهالسلام لوجدناه أكثر الصحابة تصدياً لتفسير القرآن ، حتى قال ابن أبي الحديد : إنّ أكثر علم التفسير أُخذ عنه(٣).
وكان عليهالسلام لخصوصيته العلمية وقربه من النبي صلىاللهعليهوآله من جهة ، وامتداد حياته طوال فترة ما يسمّى بـ (الخلافة الراشدة) من جهة أخرى ، أثر كبير في سعة هذه الجهود ووضوح أثرها في تفسيرالقرآن الكريم بخاصة ، وقد اشتدت الحاجة بعد رحيل النبي صلىاللهعليهوآله إلى توضيح معاني القرآن ، وبرزت
__________________
(١) القمّي علي بن إبراهيم / تفسير القمّي ١ : ٣.
(٢) الطباطبائي : الميزان ٣ : ٧١.
(٣) شرح النهج مج١ ١ : ١٩.
قضايا جديدة وحاجات فرضتها طبيعة اتساع الرقعة الجغرافية لدولة الاسلام ، أو طبيعة التلاقَح الحضاري والعقائدي الذي فرض تحديات أخرى أوجبت تصدي علماء الدين إلى بلورة المنظور الإسلامي للعقيدة المستمدة من الكتاب الكريم ، وكان علي عليهالسلام وأبناو عليهمالسلام من بعده في مقدمة من وقف تلك الوقفة ، وهي مهمة الإمام المعصوم التي سنجد أنّ متكلمي الإمامية يرونها أساسا ودليلاً لإثبات وجوب الإمامة ، إذ لابدّ من وجود الإمام المعصوم عليهالسلام ، لانتفاء البيان في النص في كل زمان يبين للناس في القرآن والسنة فلا يحصل البيان يقينا ، وحيث أن هناك تلازماً بين أمره تعالى بالتقوى وضرورة البيان ، وأن التقوى مترتبة وتالية للبيان ومنوطة به ، وحيث أن النص فيه المتشابه والمحكم والمجمل والظاهر فلابد من معصوم ، اذ لولا وجود المعصوم المبين للآيات الذي يحصل بقوله اليقين لم يحصل ما نيط به من التقوى ، وهو مقتضى قوله تعالى : (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(١).(٢)
هذا الإرث العظيم الذي خلفه الإمام عليهالسلام والذي لم يتهيأ لهذا البحث في حدوده الضيقة إلاّ لمس جوانب بسيطة منه هو التركة التي انتقلت إلى الأَئمة الآخرين عليهمالسلام ولا سيما أننا قد أسلفنا القول إن أحد طرق علم الإمام هو التلقي عن سابقه ، ممّا شكّل منظومة يكمل بعضها بعضا ، وكان
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٨٧.
(٢) اُنظر : العلاّمة الحلي : الألفين في إمامة أمير المونين عليهالسلام : ٣٨٩ بتصرف.