تأسيس الأئمّة عليهم السلام لأصول منهج فهم النص القرآني

الدكتور ستار جبر حمّود الأعرجي

تأسيس الأئمّة عليهم السلام لأصول منهج فهم النص القرآني

المؤلف:

الدكتور ستار جبر حمّود الأعرجي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-61-4
الصفحات: ١٦٧

كما يفهمها الشيعة بعامة والإمامية منهم بخاصة ويشاركهم الرأي في تأكيد بعضها باقي الفرق الاسلامية.

في ضوء ما تقدّم يمثل الإمام علي عليه‌السلام القطب الذي دارت حوله عجلة التشيّع ، وانطلقت اتجاهاته وفرقه المختلفة ، وهذا ما يتأكّد من خلال تسمية المذهب الذي اعتمد هذه الخصوصية ، فصارت موالاته عليه‌السلام واتّباعه عنوانا له ، حتّى عاد اسما خاصا ، فالشيعة في اللغة : الأنصار والأتباع ، ولكنه أخذ لا يطلق إلاّ ويراد به : (كلّ من يتولّى عليّا وأهل بيته عليهم‌السلام ، حتّى صار اسما لهم خاصّا)(١).

وهذا ما صارت تتعارف عليه سائر كتب الفرق والملل والنحل والعقائد عند دراستها لتاريخ الشيعة وعقائدهم(٢) ، حتّى أنّ الشهرستاني التفت إلى هذا التخصيص فوضع له تحديدا دقيقا إذ يقول : «الشيعة هم الذين شايعوا عليّا رضى الله عنه على الخصوص وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصية ..»(٣).

إنّ هذا الارتباط يكاد أن يكون ذا أهمية بالغة في تحديد البدايات

__________________

(١) ظ : الفيروزآبادي / القاموس المحيط ٣ : ٤٧ ، مختار الصحاح : ٣٤٧.

(٢) ظ مثلاً : الأشعري أبو الحسن علي بن إسماعيل ت / ٣٣٠ هـ / مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين ١ : ٦٥ ، والمقريزي (تقي الدين أحمد بن علي (ت / ٨٤٥ هـ) / الخطط المقريزية ٤ : ١٧٣ وما بعدها ، والشهرستاني / الملل والنحل ١ : ١٤٦.

(٣) الملل والنحل ١ : ١٤٦.

٢١

التاريخية للتشيّع ، ومظهراً لأولويّته في أصالة التأسيس واستقلالية الفكر عن غيره من التيارات الفكرية التي نشأت بعد حين ، فضلاً عن الاستمرارية التي امتدّت بالمصطلح زمنيا ، ليشمل المعنى نفسه من التولّي والمشايعة لأولاده وأحفاده من بعده ، بل القول بالحصر الذي ينقله الشهرستاني بـ «إنّ الإمامة لا تخرج من أولاده ، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره ، أو بتقية من عنده»(١).

إلاّ إنّ الباحثين من قدماء العامّة ومتأخريهم قد اختلفوا في تحديد البداية التاريخية للتشيّع رغم هذه الدلالة المهمة في ارتباطه بأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وبتوجيه مباشر من الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما سنرى ـ بما يمثّل نقطة انطلاق ، ويكاد اختلافهم في ذلك ينحصر في تحديدين (٢):

الأول ـ نشوو في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ويورد أصحاب هذا القول ـ دليلاً ـ عشرات الروايات التي يستدلّ بها الشيعة على أحقّية أمير المؤمنين الإمام علي عليه‌السلام بالإمامة والخلافة التي كانت دافعا للكثير من الصحابة والتابعين فيما بعد لمشايعة علي عليه‌السلام وتولّيه ؛ ليتحقّق فيهم المعنى اللغوي للتشيّع ، فكانوا أنصاره وأتباعه ، ثمّ ليتوسّع

__________________

(١) الملل والنحل ١ : ١٤٦.

(٢) البغدادي / الفرق بين الفرق : ١٥ ، والشهرستاني / الملل والنحل ١ : ١٤٧ ، والسيّد هاشم معروف الحسني / الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة : ٢٨.

٢٢

ذلك فيما بعد إلى اتجاه فكري رئيس على الساحة الفكرية والعقائدية في الحضارة الإسلامية.

الثاني ـ نشوؤه بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

وقد اختلفوا في نقطة البداية على خمسة آراء بين القول أنّها يوم السقيفة ، أو يوم الدار ، أو يوم الجمل ، أو يوم صفّين ، أو بعد مقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

والشيعة بعامّة متّفقون على نشأة التشيّع في حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو ما يعضده معنى لفظ الشيعة وارتباطه بعليّ عليه‌السلام بتخصيصه ابتداءً بمشايعيه وأصحابه وموديه.

وهذا ما أكّده أبو حاتم أحمد بن حمدان الرازي (ت / ٣٢٢ هـ) في كتاب الزينة ، بقوله : «أما الألقاب القديمة التي ذُكِرَت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وجاءت في الأخبار عن النبي صلّى اللّه عليه ، وعن الصحابة ، وعن التابعين ، فخمسة ألقاب ، وهي : الشيعة ، والمرجئة ، والرافضة ، والقدرية ، والمارقة. فهذه خمسة قديمة جاءت فيها الأخبار وسائر الألقاب حدثت من بعد ، وهي كلّها ألقاب فرق انشعبت من هذه الفرق الخمس ومرجعها إلى هذه الفرق ، أوّلها الشيعة»(١).

__________________

(١) الرازي ، أبو حاتم أحمد بن حمدان / كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية العربية ٣ : ٣٥ بعنوان ذكر ألقاب الفرق في الإسلام ، تحقيق الدكتور عبد اللّه سلوم السامرائي.

٢٣

ثم قال بعد ذلك مباشرة : «معنى الشيعة : يُقال إنّ الشيعة لقب لقوم كانوا أَلِفُوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه في حياة رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعرفوا به مثل : سلمان الفارسي ، وأبي ذر الغفاري ، والمقداد ابن الأسود ، وعمّار بن ياسر ، وغيرهم. كان يقال لهم : شيعة عليّ ، وأصحاب عليّ ، وقال فيهم رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (اشتاقت الجنّة إلى أربعة : سلمان ، وأبي ذر ، والمقداد ، وعمّار) ، ثمّ لزم هذا اللقب كلّ من قال بتفضيله بعد إلى يومنا ـ إلى أن قال : ـ ولم يرد في ذكر اللقب شيء من الأخبار(١) أعني في التشيّع كما رُوي في المرجئة والرافضة والمارقة والقدرية»(٢).

وأيّد النوبختي أبو محمد الحسن بن موسى هذا المعنى ، إذ حدّد أُصول جميع الفرق بأربعة ، فالشيعة منهم : (هم فرقة علي بن أبي طالب ، المسمّون بشيعة عليّ في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعده ، معروفون بانقطاعهم إليه والقول

__________________

(١) أي : أخبار الذمّ كما يُفهم ذلك بوضوح من سياق كلامه ، ويدلّ عليه أحاديث مدح الشيعة في كتب العامّة كما سنشير إليه بعد قليل.

(٢) كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية ٣ : ٣٥ ـ ٣٦.

أقول : حشره الرافضة بين الفرق المذكورة ليس بشيء؛ لأنّه من المكذوبات عليهم في عهد دولة الطلقاء ، ولم يصحّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حديثٌ في ذمّ (الرافضة) البتّة ، وقد صرّح عدوّ (الرافضة) ابن تيمية في منهاج السنة في حديثه عن موقف الشعبي من الرافضة ١ : ٢٢ ـ ٣٦ يكذب الأحاديث المرفوعة التي فيها لفظ الرافضة ، والثابت من طرق أهل البيت عليهم‌السلام تبجيل هذه التسميّة والافتخار بها؛ لأنّها فيما تعنيه (رفض الجبت والطاغوت).

٢٤

بإمامته)(١).

وقد أورد محدّثو العامة ومفسّروهم روايات عديدة عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله تمدح عليّاً وشيعته ، وأنّهم الفائزون يوم القيامة. أخرجوها عن أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه‌السلام ، والإمام الباقر عن آبائه عليهم‌السلام ، وكذلك عن أبي رافع ، وأبي برزة ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة ، وأُم سلمة ، وجابر بن عبد اللّه الأنصاري ، وعبد اللّه بن عبّاس كلُّهم ؛ عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله(٢).

__________________

(١) فرق الشيعة : ص ٣٦ ، المطبعة الحيدرية ، النجف ، ط ٤ ، ١٣٨٩ هـ ـ ١٩٦٩م.

(٢) اُنظر : الطبراني / المعجم الكبير١ : ٣١٩ / ٩٤٨ ، والمعجم الأوسط ٤ : ١٢٢ ، و٤ : ١٨٧ ، ٦ : ٣٥٤ ـ ٣٥٥ ، و٧ : ٣٤٣ ، والحسكاني الحنفي / شواهد التنزيل١ : ١٧٨ / ١٨٩ ، و ٢ : ٢٩٥ / ٩٢٧ ، و ٢ : ٤٦٠ ـ ٤٦١ / ١١٢٦ ، و ٢ : ٤٦٣ / ١١٣٠ ، و ٢ : ٤٦٤ / ١١٣١ ، و٢ : ٤٦٥ / ١١٣٢ ، وابن الصباغ المالكي / الفصول المهمة : ١٢٢ ، والزرندي الحنفي / نظم درر السمطين : ٩٢ ، وابن حجر الهيتمي / الصواعق المحرقة : ١٥٩ ، والسيوطي الشافعي / الدر المنثور ٦ : ٣٧٩ ، والشوكاني / فتح القدير٥ : ٤٧٧ ـ ٤٧٨ونسبه إلى ابن مردويه وابن عساكر وابن عدي. هذا فضلاً عن تواتر الروايات من طرق أهل البيت عليهم‌السلام في مدح رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لشيعة علي عليه‌السلاموبيان جملة من فضائلهم كسلمان وعمّار والمقداد ونظائرهم رضي‌الله‌عنهم.

ولم يكن هذا ليخفى على علماء العامة أنفسهم لولا العصبية التي عبّرعنهاغير واحد منهم ، كالشبلنجي في نور الأبصار : ٨٩ الذي قال ـ بعد ذكر أحاديث مدح الشيعة من طرق العامة أنفسهم ـ : «وشيعته هم أهل السنّة؛ لأنهم هم الذين أحبّوه كما أمر اللّه ورسوله لا الروافض وأعدائه الخوارج». وما أشبهه بقول الآلوسي في مختصر التحفة الاثني عشرية : ٥٢ في كلامه عن حديث الثقلين حيث قال : «وليس

٢٥

الأمر الذي يؤكّد أصالة التشيّع وعراقته وامتداد جذوره إلى بدايات الإسلام الأولى ، وظهوره المبكّر كان بحثٍّ مباشر من رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله على التمسّك بعليّ عليه‌السلام وأهل بيته الأطهار عليهم‌السلام ، بدءً من يوم الإنذار ومروراً بالغدير والثقلين وانتهاءً بمرضه الأخير صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فالنبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله إذن هو أوّل من غرس بذرة التشيّع حتّى أينعت في زمانه ، وأثمرت بسلمان المحمدي ، والمقداد بن الأسود الكندي الذي كان في تشيّعه كزبر الحديد ، وعمّار بن ياسر ، وخزيمة بن ثابت الأنصاري ، وأُبي ابن كعب ، وأبي ساسان ، وبريدة بن حصيب الأسلمي ، وخالد بن سعيد ابن العاص ، وخزيمة بن ثابت الأنصاري ، وسهل بن حنيف ، وأخيه عثمان ابن حنيف ، وأبي أيوب الأنصاري ، والبراء بن عازب ، والهيثم بن التيهان ، وغيرهم ممّن كانوا ـ مع جميع بني هاشم ـ الشجى المعترض في حلق من اغتصب عليّاً حقّه ، وشوكة في عين من مهّد له.

وقد ظهرت في تاريخ التشيّع فرق ، منها : الكيسانية والزيدية والإسماعيلية(١). وانقسمت كلّ فرقة منها بدورها إلى فرق متعدّدة ، حتى بالغ بعض الباحثين فأوصل مجموعها إلى ثلاث مئة فرقة(٢) ، وعدها

__________________

المتمسك بهذين الحبلين ـ القرآن والعترة ـ إلاّ أهل السنّة؛ لأنّ كتاب اللّه ساقط عند الشيعة عن درجة الاعتبار»!!

(اُنْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [الأنعام : ٦ / ٢٤].

(١) ظ : الشهرستاني / الملل والنحل ١ : ١٤٦ ما بعدها.

(٢) المقريزي / الخطط : ١٧٣.

٢٦

الآخرون بنحو عشرين(١) ، وقد انقرض أغلب هذه الفرق التي تنسب إلى الشيعة ، ويستغل ذكرها لتشويه صورتهم ، واستهجان عقائدهم ، على الرغم من أنّ عقائد تلك الفرق وآراء أصحابها دالّة بوضوح على أنّها لا تتّصل من قريب ولا بعيد بالإسلام(٢) فضلاً عن الصلة بالتشيع الحقيقي كمذهب ينطلق من أُسس الإسلام واُصوله ومفاهيمه المحددة في الكتاب الكريم ، وما استنبطه أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام منه ، وفصّله أقطاب المذهب ومفكروه في مصنفاتهم وكتبهم المعتبرة البعيدة عن كل ما يتعارض مع أصول الإسلام(٣).

ولا أدلّ على الانفصال والبعد بين التشيع الحقيقي وتلك الفرق مما قام به الأَئمّة عليهم‌السلام من التنديد بها ، وتكفير بعض اتجاهاتها ، والتبري من مقالاتها على روس الأشهاد ، والتشديد على أصحابهم وشيعتهم بالابتعاد

__________________

(١) ظ : الأشعري / مقالات الإسلاميين ١ : ٦٥ وما بعدها ، الاسفراييني / التبصير في الدين : ١٥.

(٢) يقول عبد القاهر البغدادي ت / ٤٢٩ هـ : «فما هم من الإسلام وإن كانوا منتسبين إليه» ، اُنظر : الفرق بين الفرق : ص ١٧.

(٣) اُنظر : الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان ت / ٤١٣ هـ / أوائل المقالات في المذاهب المختارات ، والشريف المرتضى (ت / ٤٣٦ هـ) / الفصول المختارة من العيون والمحاسن ، ومجموعة في فنون علم الكلام ، والشيخ الطوسي (أبو جعفر محمد بن الحسن ت / ٤٦٠ هـ) / الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد والغيبة ، والعلاّمة الحلّي (الحسن ابن يوسف ت / ٧٢٦ هـ) / مناهج اليقين في أُصول الدين ، وكشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد.

٢٧

عنها ، وتكذيب مقالاتها(١) ، مما أوردته كتب العقيدة التي تمثل التشيع الحقيقي.

وقد اضمحلت تلك الفرق بُعيد نشأتها وكأنّها فقاعات سرعان ما انفجرت وتلاشت عن الأنظار ولم يبقَ منها إلاّ الزيدية والإسماعيلية.

وهما وإن احتفظتا ببعض أُصول التشيّع إلاّ إنّهما لا يمثّلانه من كلّ وجه ؛ لمفارقتهما له في أُصول مهمة أُخرى ، ومن هنا فإذا ما أُطلِق لفظ (الشيعة) فلا ينصرف إلاّ إلى مذهب الإمامية الإثني عشرية ، وأمّا مع إرادة غيره فلابدّ من إضافة لفظ الشيعة إليه.

جدير بالذكر .. إنّ الزيدية تعتقد بإمامة أمير المؤمنين الإمام علي ابن أبي طالب ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين عليهم‌السلام ، وزيد بن علي ابن الحسين رضى الله عنه ، ثم إمامة كل فاطمي دعا إلى نفسه وكان على ظاهر العدالة(٢).

أمّا الإسماعيلية فهم القائلون بانتهاء الإمامة إلى إسماعيل الابن الأكبر للإمام جعفر الصادق عليه‌السلام ، وهو الإمام السابع في سلسلة الأَئمّة عندهم ، ولهذا يسمون أيضا بالسبعية كما يسمون بالباطنية(٣). وإسماعيل هذا قد

__________________

(١) اُنظر : الطبرسي (أبا منصور احمد بن علي بن أبي طالب توفّي في حدود ٦٢٠ هـ) / الاحتجاج ٢ : ٢١٣.

(٢) ظ : النوبختي / فرق الشيعة : ٧٠ ، المفيد / أوائل المقالات : ٤٤.

(٣) ظ : الشهرستاني / الملل والنحل ١ : ١٦٨.

٢٨

تُوفّي في حياة أبيه جعفر الصادق عليه‌السلام.

ومن الواضح مخالفة ذلك لأُصول التشيع ومبادئه الأساسية التي بقيت كما هي مصانة من كلّ غلو أو تقصير عند الإمامية.

ومما يجب التنبيه إليه ما وقع فيه الكثير من الباحثين في تاريخ الفرق وعقائدها من اشتباه وخلط وتعميم بالغائهم الفوارق والحدود الواضحة الفاصلة بين الفكر الممثِّل لخط التشيع الأصيل المنحصر بمذهب الإمامية ، وبين الفكر المنحرف عن التشيع المتمثِّل بالفرق الغالية المنقرضة التي ليست لها صلة بالإسلام فضلاً عن التشيّع.

على أنّ بعض الباحثين تعدى ذلك إلى وصم الشيعة بآراء فردية تبنّاها بعض الأشخاص منفردين ، فصارت في نظر اُولئك الباحثين ـ قدماء ومحدثين ـ آراء وعقائد للشيعة ، تسجل في كتب الفرق وتعد ضمن المذاهب الكلامية. ثمّ زاد الوهابية في الطنبور نغمة فيما كتبوه أخيراً في (موسوعة الأديان والمذاهب الميسّرة) حول الإمامية ، وغير ذلك من كتبهم!

وهذا ما تنبّه إليه بعض الباحثين المحدثين وعدّه من قبيل (التشويه المخزي .. والأحكام التعسفية التي أطلقها البعض على الشيعة)(١). لذلك فان الأمانة العلمية والبحث الموضوعي يستدعيان من الباحثين الالتفات إلى

__________________

(١) ظ : د. عرفان عبد الحميد / دراسات في الفرق والعقائد الاسلامية : ١٧ ـ ٢١.

٢٩

هذه القضية الخطيرة ، وتحديد المصطلح تحديداً علميا ، والاعتماد على كتب الإمامية الإثني عشرية عند الحديث عن آرائهم ومعتقداتهم.

يقول الغزالي (إنّ الوقوف على فساد المذاهب قبل الإحاطة بمداركها محال ، بل هو رمي في العماية والضلال)(١).

ولو شئنا استخلاص تصور تاريخي من مجمل ما كُتب عن نشأة الإمامية ، لوجدنا أنّ جذورها الفكرية وأُسس عقائدها تمتد كما يرى كثير من العلماء إلى عصر الرسالة وأنّ بذرتها (وضعت مع بذرة الإسلام من قبل صاحب الشريعة صلى‌الله‌عليه‌وآله نفسه)(٢).

* * *

__________________

(١) نقلاً عن المصدر نفسه المقدمة.

(٢) محمد حسين كاشف الغطاء / أصل الشيعة وأُصولها : ١٠٩.

٣٠

توطئة لفصول البحث

إنّ الباحث في الإرث الغني الذي تركه الأَئمة من أهل البيت عليهم‌السلام في مجال تفسير النص القرآني من أجل استكناه الأصول والأُسس التي رسخوها كإضاءات يفهم منها النص ، وتور دلالاته ، يلاحظ أنّهم اتّخذوا عليهم‌السلام في ذلك مسلكين مهمين ، وهما :

الأول ـ المسلك المنهجي :

ويستند هذا المسلك على أمرين :

١ ـ أهليّتهم عليه‌السلام للتأسيس والتأصيل ومن ثم تفسير النص فعلياً ، ويتضح ذلك من خلال مايختصون به من صفات ومميزات متفردة تعطيهم هوية الأهلية الكاملة للبحث في النص بل كونهم جهة مقابلة له ، لا تختلف معه ، أو تفترق عنه أبداً كما في نص حديث الثقلين المتواتر ، وهو ما سنبحثه في الفصل الأوّل.

٢ ـ وضع الضوابط وتأصيل القواعد التي ينطلق في ضوئها المفسر لكشف دلالات النص ، وآفاق التعامل معه ، والنظر إليه ، والموقف بإزاء مجموعة مغاليق مهمة في النص لا تكشف لكل أحد ، يمثل النفاذ منها

٣١

المفاتيح التي تشرع أبواب الفهم في وجه المفسر ، ليعود النص ناطقاً فاعلاً ، ويتخذ موقعه الصحيح بوصفه محوراً تدور حوله الأفهام المختلفة ، وليس تابعا متخلّفاً عن مكانته ، يدور في أفلاكها على الرغم من اختلافها بل تناقضها أحياناً ، وهو ما سيكشفه الفصل الثاني.

الثاني ـ المسلك التطبيقي :

وهو المسلك الذي يستقرئ ما ورد عنهم عليهم‌السلام من نصوص وروايات لتفسير النص القرآني ، واستنطاق آياته ، وكشف معانيه ، وستتبين من ذلك أهم الأُمور التي وردت في تفسيرهم عليهم‌السلام ، ومثلت تأصيلاً للاتجاهات التفسيرية للنص ، وموراً في تحديد أساليب الكشف عن دلالاته ، وهذا ما اختصّ به الفصل الثالث.

وعلى الرغم ممّا يتطلّبه الفصل الثالث من الخوض في آفاق واسعة ، وامتدادات قد يقتضي الوصول إلى هدف الفصل تتبعها ؛ آثرت الاختصار وبصورة لا تؤثّر على جوهر الهدف المنشود ، سيّما وإنّ التوسّع المطلوب قد تمّت الإشارة إلى بعض تفاصيله في الفصلين (الأوّل والثاني) بحكم العلاقة الحاصلة بين الفصول الثلاثة ، وأثرها في تكوين الرؤية الشاملة لموضوع البحث.

٣٢

الفصل الأول

المسلك المنهجي عند أهل البيت عليهم‌السلام

المبحث الأول

أهلية التأسيس

تقوم المنظومة الكلامية (العقائدية) للإمامية على أساس مجوعة ثوابت وركائز تمثل الأصول التي يرجع إليها لبيان الاعتقادات في أصول الدين ، ومن تلك الثوابت المهمة خصوصية الأَئمة من أهل البيت عليهم‌السلام ومرجعيتهم في هذا البيان ، وهذه المرجعية تنطلق أساساً من خصوصية علمهم وما يتفردون به من أنواع المولات والكمالات.

تعتقد الإمامية على نحو الإجماع عند متكلميها باشتراط أن يكون الإمام أعلم أهل زمانه ، وتتمثل حدود هذه الأعلمية عندهم في (وجوب كونه عالماً بجميع ما إليه الحكم فيه)(١) ، وإذا علمنا أنّ للإمام عليه‌السلام الولاية

__________________

(١) ظ : الشريف المرتضى / الناسخ والمنسوخ مخطوط مكتبة الإمـام

٣٣

العامة في أُمور الدنيا والدين تبيّن لنا مدى السعة المفتوحة لآفاق علم الإمام التي يعللها الشريف المرتضى بأنها : (وجوب كونه أعلم الناس ، إذ لو لم يكن عالما لم يون أن يَقلب الأحكام والحدود ، وتختلف عليه القضايا المشكلة فلا يجيب عنها ، أو يجيب عنها بخلافها)(١).

وقد ورد عنهم عليه‌السلام ما يشير إلى علمهم وحدوده وآفاقه ، ففي الكافي للكليني بالإسناد عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه‌السلام (ت / ١١٤ هـ) أنّه قال في تفسير قوله تعالى (هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ)(٢) : (إنّما نحن الذين يعلمون)(٣).

ونجد تحديد ملامح هذا العلم في ما روي عن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام (ت / ١٤٨ هـ) ، إذ يقول : (إنّا أهل بيت ، عندنا معاقل العلم ، وآثار النبوة ، وعلم الكتاب ، وفصل ما بين الناس)(٤) ، وأما حدود هذا العلم فيقول عليه‌السلام عنها :

__________________

أمير المونين عليه‌السلام العامة (٥ / ١٣٨٦) ، والطوسي / الاقتصاد ٣١٠ ، والعلاّمة الحلي / الألفين في إمامة أمير المونين : ١٢٤.

(١) السيّد المرتضى / رسالة المحكم والمتشابه تفسير النعماني : ٧٩ ـ ٨٠.

(٢) سورة الزمر : ٣٩ / ٩.

(٣) ظ : الكليني / أصول الكافي ١ : ٢١٢ ـ ٢١٣ / ١ و ٢ باب أنّ من وصفه اللّه تعالى بالعلم هم الأئمّة عليهم‌السلام من كتاب الحجّة ، وفرات الكوفي / تفسير فرات الكوفي : ٣٦٤ / ٤٩٥ ١١ ، والشيخ الطوسي / التبيان في تفسير القرآن ٩ : ١٣.

ورواه من العامّة : الطبري المفسّر في جامع البيان ٢٣ : ٢٤١ بسنده عن جابر الجعفي ، عن الإمام الباقر عليه‌السلام ، وأورد ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ٣ : ٣٤٣ عن الإمام الصادق عليه‌السلام مثله.

(٤) الصفّار / بصائر الدرجات : ٣٨٣ ـ ٣٨٥ / ٤ و ١١ و ١٣ باب ١٩ ، والشيخ المفيد

٣٤

(واللّه لقد أعطينا علم الأولين والآخرين)(١).

ومن أوجه ذلك العلم أنّهم يعلمون أيضا ما في الكتب السماوية الاُخرى فضلاً عن القرآن الكريم ، وهو ما توده الرواية المتفق على نقلها لدى الفريقين ، عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنّه قال : (لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم ، وبين أهل الزبور بزبورهم ، وبين أهل الفرقان بفرقانهم)(٢).

__________________

/ الاختصاص : ٣٠٧ و ٣٠٨ و ٣٠٩ ، والإرشاد له أيضاً ١ : ٢٤١.

(١) ابن شهرآشوب محمد بن علي ت / ٥٨٨ هـ / مناقب آل ابي طالب ٣ : ٣٧٤ ، وعنه المجلسي في بحار الأنوار ٢٦ : ٢٧ / ٢٨.

(٢) رواه من الإمامية : سُليم بن قيس الهلالي في كتابه المعروف بـ كتاب سُليم : ٣٣٢ ، والصفّار / بصائر الدرجات : ١٣٢ / ١ باب (٩) ، وفرات الكوفي / تفسير فرات الكوفي : ١٨٨ / ٢٣٩ (٢١) ، والعيّاشي / تفسير العيّاشي ١ : ١٥ ، والصدوق / التوحيد : ٣٠٤ ـ ٣٠٥ / ١ باب ٤٣ ، والشيخ المفيد / الفصول المختارة : ٧٧ ، والشريف المرتضى / تنزيه الأنبياء : ١٩٤ ، والشيخ الطوسي / الأمالي : ٥٢٣ / ١١٥٩ (٦٦) مجلس (١٨) ، وابن شهرآشوب / المناقب ١ : ٣١٧ و ٣٢٠ ، و ٢ : ٥٢ ، وابن جبر / نهج الإيمان : ٢٧٠ ، وقال : «وروى جدّي في نُخَبِهِ مُسنداً إلى ابن أبي البختري أنّه رواه ـ يعني الحديث المذكور ـ من ستّة طرق ، وابن المفضل وإبراهيم الثقفي من أربعة عشر طريقاً ، منهم : عدي بن حاتم ، والأصبغ بن نباتة ، وعلقمة بن قيس ، ويحيى بن أُم الطويل ، وزر بن حبيش ، وعباية بن ربعي ، وأبو الطفيل كلُّهم؛ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال ذلك بحضرة المهاجرين والأنصار» ، والطبرسي / الاحتجاج ١ : ٣٨٤ ـ ٣٨٥ ، و ٣٩١ ، والإربلي / كشف الغمّة ١ : ١١٤ ، والعلاّمة الحلّي / كشف اليقين : ٥٦ ، والفتّال النيسابوري / روضة الواعظين : ١١٨.

٣٥

هذه السعة في علم الأَئمة يعللها الإمام الصادق عليه‌السلام بطبيعة مهمة الإمامة في ما روي عنه من حديث طويل حين سأله بريهة قال : (جعلت فداك أنّى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟ ـ وذلك بعد ما حاججه الإمام بنصوصها ـ فقال عليه‌السلام : هي عندنا وراثة ، نقروا كما قرأوها ، ونقولها كما قالوها ، إنّ اللّه لا يجعل حجة في أرضه يُسأل عن شيء فيقول لا أدري ..)(١).

وقد توسع متكلمو الإمامية في إثبات هذا المفهوم والاستدلال عليه كواحد من أهم أُسس عقيدتهم في الإمامة وشرط لازم لها. يقول الشيخ الطوسي : (ومما يدل على إنّ الإمام يجب أن يكون عالماً بجميع أحكام الدين ما ثبت من كون الإمام حجة في الدين وحافظا للشرع)(٢).

ومدى علمه ومرتبته في زمان وجوده تتمثّل في (أن لا يكون هناك من هو أعلم منه ؛ لأنه هو الحجة على العباد فوجب أن يكون أعلم

__________________

ورواه من العامة : الثعلبي في تفسيره المعروف بـ (الكشف والبيان) كما في كتاب العمدة لابن بطريق : ٢٠٨ / ٣٢١ ، ورواه أيضاً المدائني في كتاب صفّين كما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد الشافعي المعتزلي ٢ : ٥٠ / ٧٠ ، والجويني / فرائد السمطين ١ : ٣٤١ / ٢٦٣ ، والخوارزمي الحنفي / المناقب : ٩١ / ٨٥ ، والغزالي في رسالة العلم اللدني كما في سعد السعود للسيد ابن طاوس : ٢٨٤ ، والطرائف / له أيضاً : ١٣٦ ، وبحار الأنوار ٨٩ : ١٠٤ ، وشرح أصول الكافي للمازندراني ٦ : ١٤٤ ـ ١٤٥ ، فقد نقلوا كلّهم الحديث المذكور عن الغزالي في رسالة العلم اللدني ، وسبط ابن الجوزي / تذكرة الخواص : ٤.

(١) الصدوق / التوحيد : ٢٧٥.

(٢) الشيخ الطوسي / تلخيص الشافي ١ : ٢٧١ تعليق السيد حسين بحر العلوم.

٣٦

الخليقة) كما نقل المسعودي عن الإمامية(١).

ومن أجلى مصاديق علم الأَئمة عليهم‌السلام بهذه الحدود ما تمثل في علمهم بالقرآن وتفسيره وتأسيس أصول العقيدة انطلاقاً من آياته الكريمة ، بل إنّ الأَئمة عليهم‌السلام في نظر الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله هم عدل القرآن لن يفترقوا عنه حتى يرث اللّه الأرض ومن عليها كما يفيده حديث الثقلين المتواتر.

أخرج الفريقان ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ولن يتفرّقا حتّى يردا عليَّ الحوض فانظروا كيف تخلّفوني فيهما»(٢).

__________________

(١) ظ : المسعودي / مروج الذهب ٣ : ١٥٦.

(٢) الترمذي / سنن الترمذي ٥ : ٦٦٢ / ٣٧٨٦ ، وأحمد بن حنبل / مسند أحمد ٣ : ١٧ و ٢٦ و ٥٩ ، وفضائل الصحابة له أيضاً ٢ : ٥٨٥ / ٩٩٠ و ٢ : ٧٧٩ / ١٣٨٢ ، وابن أبي عاصم / السنّة ٢ : ١٠٢٣ ـ ١٠٢٤ / ١٥٩٧ و ١٥٩٨ ، وأبو يعلى الموصلي / مسند أبي يعلى ٢ : ٦ / ١٠١٧ ، و ٢ : ٨ ـ ٩ / ١٠٢٣ ، وابن الجعد / مسند ابن الجعد ١ : ٣٩٧ / ٢٧١١ ، وابن سعد / الطبقات الكبرى ٢ : ١٩٤ ، وابن أبي شيبة / المصنف ٧ : ١٧٦ / ٢٧ ، والطبراني في معاجمه الثلاثة : الكبير ٣ : ٦٥ ـ ٦٦ / ٢٦٧٨ و ٢٦٧٩ و ٢٦٧٩ ، والصغير ١ : ١٣١ و ١٣٥ ، والأوسط ٤ : ٢٦٢ ـ ٢٦٣ / ٣٤٦٣ و ٤ : ٣٢٨ / ٣٥٦٦ ، والجويني / فرائد السمطين ٢ : ١٤٤ ـ ١٤٦ / ٤٣٨ و٤٣٩ و ٤٤٠ باب ٣٣.

 والشيخ الصدوق / إكمال الدين ١ : ٢٣٥ / ٤٦ ، و ١ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ / ٥٤ و ٥٧ ، و ١ : ٢٤٠ / ٦١ باب (٢٢) ، ومعاني الأخبار له أيضاً : ٩٠ / ١ و ٢ باب معنى

٣٧

وورد من طرق شتّى بلفظ : (إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي ... إلخ) عن أبي ذرّ الغفاري ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة ، وأُم سلمة ، والبراء بن عازب ، وجابر بن عبد اللّه الأنصاري ، وحذيفة بن أسيد ، وحذيفة بن اليمان ، وزيد بن أرقم ، وزيد بن ثابت ، وعبد اللّه بن عباس ، وعمر بن الخطّاب.

ورواه من أهل البيت عليهم‌السلام مرفوعاً : أمير المؤمنين الإمام علي عليه‌السلام ، وكذلك ولده الأطهار : الإمام الحسن ، والإمام الباقر ، والإمام الصادق ، والإمام الكاظم ، والإمام الرضا عليهم‌السلام(١).

وتتحدّد العلاقة بينهما من الرواية الأخرى عن هشام بن حسّان ، عن الإمام أبي محمد الحسن السبط عليه‌السلام ، أنّه خطب الناس بعد بيعتهم له ، فقال مبيِّنا مقام أهل البيت عليهم‌السلام : (نحن حزب اللّه الغالبون ، وعترة رسول اللّه الأقربون ، وأهل بيته الطيّبون الطاهرون ، وأحد الثقلين اللّذين خلفهما رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله في أُمّته ، والتالي كتاب اللّه ، فيه تفصيل كلّ شيء ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فالمعوّل علينا في تفسيره ، لا نَتَظَنّى تأويله ، بل نتيقن

__________________

الثقلين ، والخصال له أيضاً : ٦٥ / ٩٧ ، والشيخ المفيد / الأمالي : ١٣٤ / ٣ مجلس (١٣٦) ، والشيخ الطوسي / الأمالي : ٢٥٥ / ٤٦٠ (٥٢٩) مجلس (٩) ، والإسترآبادي / تأويل الآيات الظاهرة : ٦١٦.

(١) ظ : الدكتور ثامر العميدي / غيبة الإمام المهدي عند الإمام الصادق عليهماالسلام : ٣٦ ـ ٤٦ ففيه تخريج واسع لجميع طرق الحديث مع بيان أكثر من خمسة وثلاثين عالماً من علماء العامة الذين صحّحوا الحديث أو صرّحوا بتواتره.

٣٨

حقائقه ، فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة اللّه عزّوجلّ ورسوله مقرونة ، قال اللّه عزّوجلّ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)(١).

(وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)(٢))(٣).

فهم عليهم‌السلام وحدهم العارفون بمحكم الكتاب ومتشابهه ، وإذا كان غيرهم يشاركهم في فهم المحكم ، فإن المتشابه مما لا يعرف تأويله أحد غيرهم كما هو مقتضى الروايات عنهم ، فهم وحدهم الراسخون في العلم الذين وصفتهم الآية بذلك.

أخرج ثقة الإسلام الكليني ، عن الإمام الصادق عليه‌السلام أنّه قال في

__________________

(١) سورة النساء : ٤ / ٥٩.

(٢) سورة النساء : ٤ / ٨٣.

(٣) الشيخ المفيد / الأمالي : ٣٤٨ ـ ٣٤٩ / ٤ مجلس ٤١ ، والشيخ الطوسي / الأمالي : ١٢١ ـ ١٢٢ / ١٨٨ (١) مجلس (٥) ، و ٦٩١ / ١٤٦٩ (١٢) مجلس (٣٩) ، والطبري محمد بن علي / بشارة المصطفى لشيعة المرتضى : ١٧٠ / ١٣٩ ، و : ٣٩٨ / ١٣ ، وعلي بن يوسف الحلّي (أخو العلاّمة الحلّي) / العدد القويّة : ٣٤ ـ ٣٥ / ٢٦.

وذكر الطبرسي في الاحتجاج ٢ : ٢١ ـ ٢٢ ، وابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ٣ : ٢٣٣ عن موسى بن عقبة ، عن الإمام الحسين السبط عليه‌السلام نحوه.

٣٩

تفسير قوله تعالى : ( .. وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(١) : (هو أمير المونين والأَئمة عليهم‌السلام)(٢).

ومن خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام المشهورة خطبته التي يقول فيها : ( .. أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا أن رفعنا اللّه ووضعهم ، وأعطانا اللّه وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يُستعطى الهدى ، ويُستجلى العمى ، إنّ الأئمّة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم)(٣).

وطريقهم عليهم‌السلام إلى هذه المعرفة الإلهام ، أو التلقي والوراثة عن

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ / ٧.

(٢) الكليني / أصول الكافي ١ : ٤١٤ ـ ٤١٥ / ١٤ باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية من كتاب الحجّة ، وقد تكرّر هذا القول في أحاديث كثيرة أخرى رويت عن أهل البيت عليهم‌السلام من طرق شتّى ، لا سيّما عن أمير المؤمنين عليه‌السلام والإمامين الباقر والصادق عليهم‌السلام ، اُنظر : الصفّار / بصائر الدرجات : ٢٢٢ ـ ٢٢٤ / ١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨ باب في الأئمّة عليهم‌السلام أنّهم الراسخون في العلم الذين ذكرهم اللّه تعالى في كتابه ، وأصول الكافي ١ : ١٨٦ / ٦ باب فرض طاعة الأئمة عليهم‌السلام من كتاب الحجّة ، و١ : ٢١٣ / ١ و ٢ و ٣ باب الراسخين في العلم هم الأئمّة عليهم‌السلام من كتاب الحجّة ، والشيخ الطوسي / تهذيب الأحكام ٤ : ١٣٢ / ٣٦٧ ١ باب الأنفال ، والعيّاشي / تفسير العيّاشي ١ : ١٦٤ / ٨ ، و ١ : ٢٤٧ / ١٥٥ ، والقمّي علي بن إبراهيم / تفسير القمّي ٢ : ٤٥١ ، والطبرسي / تفسير مجمع البيان ٣ : ١٠٩.

(٣) نهج البلاغة ٢ : ٢٧ الخطبة رقم ١٤٤ ، وابن أبي الحديد / شرح نهج البلاغة ٩ : ٨٦ في شرح الخطبة المذكورة.

٤٠