تأسيس الأئمّة عليهم السلام لأصول منهج فهم النص القرآني

الدكتور ستار جبر حمّود الأعرجي

تأسيس الأئمّة عليهم السلام لأصول منهج فهم النص القرآني

المؤلف:

الدكتور ستار جبر حمّود الأعرجي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-61-4
الصفحات: ١٦٧

بصيغتها الخطابية واللفظية عامة ومطلقة ، سواء في أحكامها أو معالجاتها ، لذا كانت خصيصة النص المهمة في أنّه بهيكله اللفظي وبالمعنى المستبطن (المختزن) فيه تعبيريا يبقى خالدا لخلود محتواه وعموم مفاهيمه وثبات اعجازيته.

هذه القضية الخطيرة الأهمية في فتح امكانات فهم النص ، وتقليده خصائصه الذاتية كاملة ، والخروج به عن نطاق التقييد تصدى الأَئمة عليه‌السلام للكشف عنها وانتزاع قواعد وأُسس التعامل مع النص في ضوئها ، وكانت عندهم من الثمرات المهمة والمورات التي ساهمت في تعريفنا فيما بعد بأهلية منهج مهم في تفسير النص القرآني وضع الأَئمّة عليهم‌السلام أُسسه ، وطبقوه بأنفسهم وكان من أنواع التفسير التي ارتبطت بهم خصوصا بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى لا نكاد نجد لغيرهم أثرا فيها لأنّها تعتمد ثنائية النص (الظاهر والباطن) واختصاصهم بأهلية استنطاق الباطن وفهمه والكشف عنه ، هذا المنهج هو منهج التفسير بالجري أو الانطباق ، وتنكشف أمامنا ملامح هذا الضابط المهم عندهم عليه‌السلام من خلال ما ورد عنهم عليهم‌السلام في ذلك وهو كثير.

منه ما ورد عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام في نهج البلاغة في إحدى خطبه الشريفة ، جاء فيها : (ثم أنزل عليه الكتاب نورا لا تطفأ مصابيحه ، وسراجا لا يخبو توقّده ، وبحرا لا يدرك قعره ، ومنهاجا لا يضل نهجه ، وشعاعا لا يظلم ضوو ، وفرقانا لا يخمد برهانه ، وتبياناً لا تهدم أركانه ، وشفاءً لا تُخشى أسقامه ، وعزّاً لا تُهزم أنصاره ، وحقّاً لا تُخذل أعوانه ، فهو معدن الإيمان وبحبوحته ، وينابيع العلم وبحوره ، ورياض العدل وغدرانه ، وأثافي

١٢١

الإسلام وبنيانه ، وأودية الحقّ وغيطانه ، وبحرٌ لا ينزفه المستنزفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضها الواردون ، ومنازل لا يضلّ نهجها المسافرون ، وأعلام لا يعمى عنها السائرون ، وآكام لا يجوز عنها القاصدون ، جعله اللّه ريّاً لعطش العلماء ، وربيعاً لقلوب الفقهاء ، ومحاجَّ لطرق الصلحاء ، ودواءً ليس بعده داء ، ونوراً ليس معه ظلمة ، وحبلاً وثيقاً عروته ، ومعقلاً منيعاً ذروته ، وعزّاً لمن تولاّه ، وسلماً لمن دخله ، وهدىً لمن ائتمّ به ، وعذراً لمن انتحله ، وبرهانا لمن تكلّم به ، وشاهدا لمن خاصم به ، وفلجا لمن حاجّ به ، وحاملاً لمن حمله ، ومطية لمن أعمله ، وآية لمن توسّم ، وجنّة لمن استلام ، وعلماً لمن وعى ، وحديثاً لمن روى ، وحكماً لمن قضى)(١).

وقوله عليه‌السلام في موضع آخر (وإنّ القرآن ظاهره أنيق ، وباطنه عميق ، لا تفنى عجائبه ، ولا تنقضي غرائبه ، ولا تكشف الظلمات إلاّ به)(٢).

__________________

(١) نهج البلاغة بشرح الشيخ محمد عبده : ١٧٢ ـ ١٧٨ الخطبة رقم ١٩٨ ، وبشرح ابن أبي الحديد المعتزلي ١٠ : ١٩٩ الخطبة رقم (١٩١).

(٢) نهج البلاغة بشرح الشيخ محمد عبده ١ : ٥٤ الخطبة رقم ١٨ ، والليثي / عيون الحكم والمواعظ : ١٤٣ و ٣٢٣ ، والحلواني / نزهة الناظر وتنبيه الخاطر : ١١٣ / ٤٧ ، والطبرسي / مجمع البيان ١ : ٣٣ ، والطبرسي / الاحتجاج ١ : ٣٩٠ ، والإربلي / كشف الغمّة ٢ : ٤٢٣ ، والعلاّمة الحلّي / كشف اليقين : ١٨٩ ـ ١٩٠ ، وابن أبي الحديد المعتزلي / شرح نهج البلاغة ١ : ٢٨٨ الخطبة رقم (١٨).

وورد ضمن حديث طويل عند الكليني / أصول الكافي ٢ : ٥٩٨ / ٢ من كتاب فضل القرآن ، وتفسير العيّاشي ١ : ٣ / ١ ، والحسن بن سليمان الحلّي / مختصر بصائر الدرجات : ١٩٧ ، ونقله السيّد ابن طاوس في كشف المحجّة : ١٩٢ عن كتاب رسائل الأئمّة عليهم‌السلام لثقة الإسلام الكليني.

١٢٢

وعن الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام في إشارة إلى ضرورة التصدي إلى الكشف عما في النص من معارف وإمكانات وثراء محتوى ، قوله عليه‌السلام : (آيات القرآن خزائن ، فكلما فتحت خزانة ينبغي لك أن تنظر فيها)(١). لأنّ في آيات القرآن الكريم أنواعاً عديدة من جواهر المعاني ، والأسرار العجيبة ، والحقائق الساطعة ، مع أصناف كثيرة من فرائد اللطائف ، والفوائد ، والدقائق ، والإشارات الهادفة ، والرموز الناطقة ، والعبر النافعة ، والمواضع البليغة ، وغير ذلك ممّا جلّ وخطر ، ولذلك كان القرآن الكريم ـ مع قلّة لفظه وصغر حجمه ـ مشتملاً على جميع ما كان وما هو كائن وما يكون إلى يوم القيامة كما مرّ ذلك في أحاديث شتّى عن أهل البيت عليهم‌السلام ؛ الأمر الذي ينبغي معه تسلّح المفسِّر بالعدّة الكافية لخوض لججه والعوم في بحره.

وفي إيحاء مهم إلى ما يكتنزه النص القرآني من كثافة التعبير ، واحتواء المعاني ، وجريان المفاهيم والدلالات الداعية إلى الاستنطاق ، يروى عن الإمام الباقر عليه‌السلام قوله لحمران بن أَعْيَن وقد سأله عن ظهر القرآن وبطنه ، فقال عليه‌السلام : (ظهره الذين نزل فيهم القرآن ، وبطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم ، يجري فيهم ما نزل في أولئك)(٢).

__________________

(١) أصول الكافي ٢ : ٦٠٩ / ٢ باب في قراءة القرآن من كتاب فضل القرآن ، وابن فهد الحلّي / عدّة الداعي : ٢٦٧.

(٢) الصدوق / معاني الأخبار : ٢٥٩ / ١ باب معنى ظهر القرآن وبطنه ، وتفسير العيّاشي ١ : ١١ / ٤.

١٢٣

هذا المعنى عبر عنه الإمام تفصيليا في رواية أُخرى عنه. عن الفضيل ابن يسار قال : (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن هذه الرواية : ما من القرآن آية إلاّ ولها ظهر وبطن؟ فقال عليه‌السلام : ظهره تنزيله ، وبطنه تأويله ، منه ما مضى ومنه ما لم يكن ، يجري كما يجري الشمس والقمر ، كما [كلّما] جاء تأويل شيء منه يكون علي الأموات كما يكون على الأحياء ، قال اللّه : (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(١) نحن نعلمه)(٢).

وفي رواية أُخرى عنه عليه‌السلام شديدة الأهمية في دلالتها وما تومئ إليه من تحذير التجاوز على هذا الضابط ، وتتناول مفهوم فك الارتباط بين عموم لفظ الآية (النص) والبعد الزمني المقيّد بسبب النزول ، يقول عليه‌السلام : (ولو أنّ الآية إذا نزلت في قوم ، ثم مات أُولئك القوم ماتت الآية ، لما بقي من القرآن شيء ، ولكن القرآن يجري أوّله على آخره ما دامت السموات والأرض ، ولكل قوم آية يتلونها هم منها من خير أو شر)(٣).

وفي رواية عن الإمام الصادق عليه‌السلام نلاحظ فيها أعلى حالات الانطلاق بالنص عن قيود البعد الزماني والمكاني وفتح الآفاق أمام تعبيرية النص عن إحاطته واحتوائه لاحتمالات الارتقاء في كل زمن ، وقدرته على التجدد الدائم ، واستنهاض القابليات المستجدة للتفسير ؛ والفهم والكشف

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ / ٧.

(٢) بصائر الدرجات : ٢١٦ / ٧ باب ٧ ، وذكره الصفّار في بصائر الدرجات في مكان آخر : ٢٢٣ / ٢ باب (١٠) باختلاف يسير ، ومثله في تفسير العيّاشي ١ : ١١ / ٥.

(٣) تفسير العيّاشي ١ : ١٠ / ٧ ، وتفسير فرات الكوفي ٢ : ١٣٨ ـ ١٣٩ / ١٦٦ ١٢.

١٢٤

عن مخزونه ؛ إذ يقول عليه‌السلام لرجل سأله : ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلاّ غضاضة؟ فأجاب عليه‌السلام : (لأنّ اللّه تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان ، ولا لناس دون ناس ، فهو في كل زمان جديد ، وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة)(١).

هذا المعنى يزيده الإمام الرضا عليه‌السلام تأكيداً بقوله في وصف القرآن (هو حبل اللّه المتين ، وعروته الوثقى ، وطريقته المثلى ، الموي إلى الجنّة ، والمنجي من النار ، لا يخلق على الأزمنة ، ولا يغث على الألسنة ، لأنّه لم يجعل لزمان دون زمان ، بل جعل دليل البرهان ، والحجّة على كل إنسان (لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)(٢))(٣).

هذه التحديدات المهمة في تحرير النص من قيود الزمان والمكان ينعكس عنها تحرّر آخر ذو بعد شديد الأهمية يرد في المنظور الإمامي ويتجسّد في ثمرتين مهمتين تنتجان عنه :

الأولى : إعطاء مساحة للعقل البشري المترقي أن ينهل في كل زمان

__________________

(١) الصدوق / عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٩٣ / ٣٢ باب ٣٢ ، والشيخ الطوسي / الأمالي : ٥٨٠ ـ ٥٨١ / ١٢٠٣ (٨) مجلس (٢٤).

وأخرجه من العامّة الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٦ : ١١٥ في ترجمة إبراهيم ابن العباس ، أبي إسحاق الصوري برقم (٣١٤٧) بسنده عن الإمام الرضا ، قال عليه‌السلام : (سأل رجل أبي موسى بن جعفر : ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلاّ غضاضة ...) وذكر الحديث بتمامه.

(٢) سورة فصلت : ٤١ / ٤٢.

(٣) الصدوق / عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٣٧ ـ ١٣٨ / ٩ باب ٣٥.

١٢٥

من مخزون النص حصّته في الفهم التي تتناسب مع إمكاناته المحدودة في ضوء زمنه.

الثانية : أن يفهم أنّ أي قصور في التعبير والإحاطة والاحتواء والهيمنة طارئ يعكس على النص ، إنّما هو أجنبي عن النص ، ومناف لقدسيته وعلويته المرتبطة بمصدره القدسي المعصوم عن كل نقص أو قصور ، وبالتالي فالقصور مرتبط تماما بالفهم البشري المتصدي لتفسير النص ، وهذا القصور أمر محتمل في أي زمان ولأي فهم إذا استحضرنا باقة من أهم خصائص النص القرآني (المساعدة) على حصوله ، والمتمثلة في تضمنه الظاهر والباطن ، وتعدد الدلالات ، ووجود المتشابه ، وشموليته ذات البعد الزماني المفتوح.

ثامناً ـ التأويل المنسجم مع الضرورات العقلية الشرعية :

ويراد به اعتماد التأويل منهجا في التوفيق بين ما يحكم به العقل وظواهر الكتاب المخالفة له ، وللأُصول القرآنية الثابتة. خصوصا في تلك الآيات التي تنبني عليها أُسس عقيدة ، مثل آيات الصفات الخبرية التي تنسب للّه تعالى أعضاء وجوارح تستلزم التشبيه والتجسيم ، أو تلك الآيات التي إن أُخذت على ظاهرها ينتج عن ذلك تناقض ، أو على الأقلّ اختلاف بين تلك الظواهر. كما هو الحال مثلاً في الآيات التي يستدل بها القائلون بالاختيار المطلق للإنسان في أفعاله ، في قبال آيات أُخرى استدل بها القائلون بالجبر ، وكآيات الروة نفيا أو جوازا. إذ نلاحظ في هذا الإطار أنّ التأويل يصبح ضرورة حتمية تفرضها أُسس وأُصول العقيدة ،

١٢٦

وينطق بها النص نفسه ، وتستوجبها خصائصه في الاحتواء على المتشابه والظاهر والباطن والمبهم والمجمل ، وجريان النص على المصاديق المتعددة بعد ارتفاع قيد الزمان والمكان.

هذا الضابط ـ في اللجوء إلى التأويل ـ يتبين في آثار الأَئمة عليهم‌السلام بالتأكيد غير المباشر عليه من خلال منهجهم التطبيقي في التعامل مع الآيات السابق ذكرها باللجوء فعليا إلى تأويل الآيات التي تضمنت الخصائص المارة الذكر ، ودلّت عليها ، وأسّست للعقيدة أُصولاً ثابتة.

وسيتطرق البحث عند الحديث عن أنواع التفسير عند الأَئمة عليهم‌السلام في الجانب التطبيقي من هذا المبحث إلى العديد من الروايات التي تمخضت عن التعبير عن منهج الأَئمة في التأويل واسبقيتهم إلى وضع أُسسه في استنطاق النص وكشف معانيه وهذه الأسبقية.

وأولهم في هذا المضمار أمير المؤمنين الإمام علي عليه‌السلام ، إذ له الأسبقية في تحكيم العقل ، وفي (الدفاع عن مبادئ الإسلام والتوفيق بين العقل وظاهر الوحي)(١).

تاسعاً ـ التحذير من المناهج القاصرة عن فهم النص القرآني :

وفي هذاالضابط المهم يتمُّ استبعادالمناهج الباطلة والوسائل المنحرفة عن ساحة الأهلية للكشف عن معاني النص ودلالاته ، والنهي عن معاملة النص في ضوء ضوابطها ، وبالتالي رفض ثمرات تلك المناهج ممثّلة فيما

__________________

(١) محمد جواد مغنية: فلسفات اسلامية ٧٥٩.

١٢٧

تتمخّض عنه من اعتقادات وآراء باطلة تفسد العقيدة وتشوّه ملامحها المستمدة من النص ، وتوي إلى تخريب الإرث الفكري الإسلامي المنبثق عنه ، وأهم تلك المناهج ما تمثل في المجبرة والمشبهة والمجسمة والغلاة ، ومدى فهمهم السقيم للنصوص ، وتأويلاتهم الباطلة التي ما أنزل اللّه بها من سلطان.

ومن أوضح الوسائل التي نهى الأَئمة عليهم‌السلام عن اتباعها ـ في طريق فهم النص ـ الإسرائيليات وما قدمته من تفسيرات أو مناسبات أو تفصيلات يتقاطع الكثير منها مع أُسس وثوابت العقيدة الإسلامية(١).

__________________

(١) انظر للتفصيل في ذلك _ مثلاً_ الطبرسي/الاحجاج ١٩٩:٢ و ما بعد ها.

١٢٨

الفصل الثالث

نماذج تطبيقية لمنهج الأَئمة عليهم‌السلام

في توضيح النص القرآني

نلاحظ في مجال تطبيق أُسس وضوابط تفسير النص ، وكشف معانيه ومراميه ، وتحكيم معياريته ، وتأكيد مرجعيته ، أنّ أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام قد اتّجهوا في توضيح النصّ اتجاها خاصا ، له خصائصه ومميزاته المتفردة بين اتجاهات التفسير ذات الأبعاد الموضوعية أو التاريخية ، ولتشكيل تصور متكامل عن الملامح التطبيقية لمنهج الأَئمة عليهم‌السلام فإنّه لابدّ من أمرين :

١ ـ استقراء أنواع تفسير النص الوارد عن الأَئمة عليهم‌السلام في رواياتهم.

٢ ـ الكشف عن أثر الأَئمة عليهم‌السلام ومنهجهم في تأصيل ملامح أُسس وأصول العقيدة التي تشكل المنهج الكلامي المتفرد للأئمّة عليهم‌السلام ، وهو بذاته أهم المنطلقات تأثيرا في تشكيل ملامح المنظومة الكلامية ، لمتكلمي الإمامية لذا فلابد من متابعة هذين الملحظين في مبحثين :

١٢٩

المبحث الأول

أنواع التفسير عند الأَئمّة عليهم‌السلام

لو شئنا الكشف عن مناهج التفسير التي نجد لها تأصيلاً في تفسير الأَئمة عليهم‌السلام ، لوجدنا أنّهم فسروا القرآن بحسب مقتضيات كل نص ، وفقا لمناهج مختلفة.

وإذا كان مما لا يسع هذا البحث كشف واستقراء كل تلك المناهج المتصورة ، فإنّه يمكن أن نلمح أوضح تلك المناهج ورودا فيما روي عنهم عليهم‌السلام متوخين منها ما كان معتمدا على بيانهم الخاص ربطا أو تحليلاً وما تبين فيه تطبيق ضوابطهم المتفردة ، وبالتالي ستخرج بعض أنواع التفسير عن ساحة البحث هنا بحسب هذه التحديدات ، ويمكن تلخيص البحث في الأنواع الأُخرى كما يلي :

أوّلاً ـ منهج تفسير القرآن بالقرآن :

تأكد لنا سابقا أهمية هذا المنهج في التفسير (الفهم) للنص القرآني ، فضلاً عن أنّه من ركائز المنهج الصحيح واليقيني في فهم النص ، وكان الالتزام بالقرآن كمرجعية أُولى في فهمه بما ينطق عن ذاته وكونه (تِبْيَانا لِكُلِّ شَيْءٍ)(١) ولم يفرط فيه من شيء (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ

__________________

(١) سورة النحل: ١٦/٨٩.

١٣٠

شَيْءٍ)(١).

وثبت لنا استحالة أن يكون الكتاب كذلك ويفرط بأهم ركيزة فيه ، وهي قدرته على أن يبين نفسه ، فيكون مفهوما عند من خوطب به.

ونلاحظ أن الأَئمة عليهم‌السلام كانوا أوّل من فتق البحث في هذا الضابط المهم في تصديهم لاستنطاق النص بما أُسس ملامح منهج تفسير القرآن بالقرآن كمصداق لوصف أمير المؤمنين الإمام علي صلوات اللّه وسلامه عليه للقرآن الكريم بأنّه (ينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض)(٢).

فكان هذا المنهج هو الطريق السوي الذي اتبعوه عليهم‌السلام وهم معلمو القرآن الذي نزل في بيوتهم ، والهداة إلى ما جاء به.

ويُلاحظ هنا أنّ تطبيق هذا المنهج يرد عن الأَئمة عليهم‌السلام بعدّة إشكال منها :

١ ـ تفسير الآية بالآية :

بلغت الروايات في ذلك العشرات سأكتفي ببعضها بحيث يكون الاختيار في أشكال هذا المنهج أو المناهج الأُخرى واقعا على تفسيراتهم عليهم‌السلام للآيات المتضمنة لأُصول العقيدة ، دون الخوض في الآيات

__________________

(١) سورة الأنعام : ٦ / ٣٨.

(٢) نهج البلاغة بشرح الشيخ محمد عبده ٢ : ١٧ ضمن الخطبة رقم ١٣٣ ، وابن أبي الحديد المعتزلي / شرح نهج البلاغة ٨ : ٢٨٧ ضمن الخطبة رقم (١٣٣).

١٣١

المتعلقة بالجوانب الأُخرى كالأخلاق والاجتماع والأحكام .. إلخ ، لنلمح من خلال ذلك أثر تفسير الأَئمة عليهم‌السلام في توجيه سير منظومة الاعتقادات عند الإمامية وأثرها في منهج متكلميهم.

من ذلك مثلاً ما ورد عن الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهماالسلام ، قال في تفسير قوله تعالى : (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) : (أي : قولوا : اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك ، وهم الذين قال اللّه تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقا)(٢).

وحكي هذا بعينه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، قال : ثمّ قال : ليس هؤلاء المنعم عليهم بالمال وصحّة البدن ، وإن كان كلّ هذا نعمةً من اللّه ظاهرة ، ألا ترون أنّ هؤلاء قد يكونون كفّاراً أو فسّاقاً ، فما ندبتم [إلى] أن تدعوا بأن ترشدوا إلى صراطهم ، وإنّما أُمرتم بالدعاء لأن ترشدوا إلى صراط الذين أنعم [اللّه] عليهم بالإيمان باللّه ، والتصديق برسوله ، وبالولاية لمحمد وآله الطيبين ..)(٣).

__________________

(١) سورة الفاتحة : ١ / ٧.

(٢) سورة النساء : ٤ / ٦٩.

(٣) تفسير الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام : ٤٧ ـ ٤٨ / ٢٢ ، والصدوق / معاني الأخبار : ٣٦ / ٩ باب معنى الصراط.

١٣٢

ومن ذلك أيضا ما روي عن الإمام الصادق عليه‌السلام ، قال : (قرأ رجل على أمير المؤمنين عليه‌السلام قوله تعالى : (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)(١) ، [على البناء للفاعل بفتح الياء في (يَعصرون)] قال : ويحك أي شيء يعصرون؟ ، يعصرون الخمر! قال الرجل : يا أمير المونين كيف اقروا؟ قال عليه‌السلام : إنّما نزلت (عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) أي : يمطرون بعد سنين المجاعة ، والدليل على ذلك قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً)(٢))(٣).

وهكذا صحّح الفهم الخاطئ الذي وقع فيه الكثيرون من خلال استحضاره النص القرآني الدالّ على القراءة الصحيحة.

وهناك روايات أُخرى عنه عليه‌السلام في هذا الاتجاه التفسيري للآية بالآية. ومن ذلك أيضا ما ذكره الإربلي في كشف الغمّة ، قال : (وروى أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي في تفسيره الوسيط ما يرفعه بسنده أنّ رجلاً قال : دخلت مسجد المدينة ، فإذا أنا برجل يحدث عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والناس حوله ، فقلت له : أخبرني عن (شَاهِدٍ

__________________

(١) سورة يوسف : ١٢ / ٤٩.

(٢) سورة النبأ : ٧٨ / ١٤.

(٣) تفسير القمّي ١ : ٣٤٥ ، ونحوه في تفسير العيّاشي ٢ : ١٨٠ / ٣٥ و ٣٦ عن أبي عبد اللّه عليه‌السلام ، وذكر الطبرسي في مجمع البيان ٥ : ٤٠٦ ـ ٤٠٧ أنّ هذه القراءة هي قراءة الإمام الباقر عليه‌السلام ، والأعرج ، وعيسى بن عمر ، ثمّ ذكر رواية القمّي في تفسيره.

١٣٣

وَمَشْهُودٍ) (١) ، فقال : نعم أما الشاهد فيوم الجمعة ، وأما المشهود فيوم عرفة.

فجزته إلى آخر يحدث ، فقلت له : أخبرني عن (شَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) ، فقال : نعم أما الشاهد فيوم الجمعة ، وأما المشهود فيوم النحر.

فجزتهما إلى غلام كأنّ وجهه الدينار(٢) وهو يحدث عن رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت : أخبرني عن (شَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) ، فقال : نعم أما الشاهد فمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وسلم ، وأما المشهود فيوم القيامة ، أمَا سمعته يقول : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً)(٣) ، وقال تعالى : (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ)(٤).

فسألت عن الأول ، فقالوا : ابن عباس.

وسألت عن الثاني ، فقالوا : ابن عمر.

وسألت عن الثالث ، فقالوا : الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام ، وكان قول الحسن أحسن).(٥)

وفي لمحة من تفسير آيات الصفات الخبرية نجد الإمام الباقر عليه‌السلام

__________________

(١) سورة البروج : ٨٥ / ٣.

(٢) إشارة إلى جماله وإشراق نوره.

(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٤٥.

(٤) سورة هود : ١١ / ١٠٣.

(٥) الإربلي / كشف الغمّة ٢ : ١٦٦ ، والطبرسي / مجمع البيان ١٠ / ٣١٥ ـ ٣١٦. د

١٣٤

ينزه الباري عن الجسمية والتشبيه ، قال محمد بن مسلم : (سألت أبا جعفر عليه‌السلام فقلت : قوله عزّوجلّ : (يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)(١) ، فقال عليه‌السلام : اليد في كلام العرب القوة والنعمة ، قال : (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ)(٢) ، وقال : (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ)(٣) ، أي : بقوّة ، وقال : (وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ)(٤) أي : قوّاهم ، ويقال : لفلان عندي أيادي كثيرة ، أي : فواضل وإحسان ، وله عندي يدٌ بيضاء ، أي : نعمة)(٥).

وسأل عبد الرحمن بن كثير أبا عبد اللّه الصادق عليه‌السلام عن قوله تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)(٦) ، قال عليه‌السلام : الذكر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ونحن أهله ، ونحن المسولون)(٧) ، ذلك في إشارة إلى قوله تعالى : (قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ ...)(٨).

وعن أبي الصلت الهروي في حديث طويل عن الإمام الرضا عليه‌السلام في

__________________

(١) سورة ص : ٣٨ / ٧٥.

(٢) سورة ص : ٣٨ / ١٧.

(٣) سورة الذاريات : ٥١ / ٤٧.

(٤) سورة المجادلة : ٥٨ / ٢٢.

(٥) التوحيد : ١٥٣ / ١ باب ١٣ ، ومعاني الأخبار : ١٦ / ٨ باب معاني ألفاظ وردت في الكتاب والسنّة في التوحيد.

) سورة النحل : ١٦ / ٤٣.

)بصائر الدرجات : ٦٠ / ١١ باب ١٩ ، وأصول الكافي ١ : ٢١٠ / ٢ باب إنّ أهل الذكر الذين أمر اللّه الخلق بسؤالهم هم الأئمّة عليهم‌السلام من كتاب الحجّة.

(٨) سورة الطلاق : ٦٥ / ١٠ ـ ١١.

١٣٥

عصمة الأنبياء ، قال : (وأمّا قوله : (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ)(١) إنّما ظن ، بمعنى : استيقن إنّ اللّه لن يضيّق عليه رزقه ، ألاّ تسمع قول اللّه عزّوجلّ : (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ)(٢) ، أي : ضيّق عليه رزقه ، ولو ظنّ أنّ اللّه لا يقدر عليه لكان كَفَرَ)(٣).

٢ ـ التفسير بالسياق :

من أشكال تفسير القرآن بالقرآن نفسه اعتماد السياق في تفسير الآيات ، فالقرآن الكريم باعتباره كلاما فلابدّ لأجل فهمه ـ وليكون المفسر في جو النص والوقوف على معانيه ـ أن يحيط المفسر بالسياق القرآني الذي لا غنى له عن اتباعه كونه حجة من القرآن ذاته ، حيث يمثل أهم ركائز النظم القرآني الذي (يعتني بالمناسبة بين الآيات وألفاظ الآية الواحدة)(٤).

يصور الزركشي أهمية السياق بقوله : (إذا لم يرد النقل عن السلف فطريق فهمه هو النظر إلى مفردات الألفاظ من اللغة العربية ومدلولاتها واستعمالها بحسب السياق)(٥).

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٨٧.

(٢) سورة الفجر : ٨٩ / ١٦.

(٣) الصدوق / عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٦٨ ـ ١٧٣ / ١ باب ١٤ ، والطبرسي / الاحتجاج ٢ : ٢٢١.

(٤) الزركشي ، البرهان ٢ : ١٣.

(٥) البرهان في اعجاز القرآن ٢ : ١٧٢.

١٣٦

ويود السيوطي على وجوب مراعاة السياق بتأكيد مراعاة المفسر للمعنى الحقيقي والمجازي ، ومراعاة التأليف والغرض الذي سيق له الكلام من خلال ملاحظة الارتباط بين المفردات)(١).

وهكذا فإن السياق يكشف عن المعاني المرادة في الألفاظ ، ويهدف إلى فهمها (من دوال أُخرى لفظية كالكلمات التي تشكل مع اللفظ الذي نريد فهمه كلاما واحدا مترابطا ، أو حالية كالظروف والملابسات التي تحيط بالكلام وتكون ذات دلالة في الموضوع)(٢).

وتنطلق أهلية السياق هنا وخصوصيته في هذا الكشف من خلال (اعتبار القرآن جميعه وحدة واحدة متماسكة ، وأن فهم بعضه متوقف على فهم جميعه ، واعتبار السورة كلها أساسا في فهم آياتها واعتبار الموضوع فيها أساسا في فهم جميع النصوص التي ورد فيها)(٣).

وبالتالي فإغفال السياق يوي إلى الوقوع في الكثير من الأخطاء التي تفصم عرى هذه الوحدة الموضوعية للنص وتحيّده عن مقاصده ومراميه.

من أهم أمثلة ذلك ما حصل عند المجبرة مثلاً في المنهج التجزيئي

__________________

(١) الاتقان في علوم القرآن ٤ : ٢٢٧.

(٢) البلاغي محمد جواد / آلاء الرحمن في تفسير القرآن ١ : ٣٧٢.

(٣) محمد البهي / الفكر الاسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي : ٩٦ دار الفكر بيروت ط١.

١٣٧

باقتطاع النص وفصم السياق واللجوء إلى منهج (التطبيق) ، وليس التفسير الذي يقوم على سحب النص تعسفا وفرض رأي المذهب أو الاتجاه التفسيري كتفسير وحيد له ، إذ نراهم يستدلون بالآية الكريمة من قوله تعالى : (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)(١). على (إنّ ذلك يدل على أنّ اللّه خالق لأفعالنا)(٢) في حين أنّ الملاحظ في السياق الذي جاءت فيه الآيات أنّها (حكاية لقول إبراهيم عليه‌السلام مع قومه ، واستنكاره لعبادتهم الأصنام ، والتي هي أجسام واللّه تعالى هو المحدث لها)(٣) وهذا ما تصوره الآية السابقة على هذه الآية والمرتبطة بها لتصور أن احتجاج ابراهيم عليه‌السلام على قومه في قوله تعالى على لسانه : (أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)(٤).

هذه الضوابط الهامة والأثر الكبير للسياق نجده قد وُظِّف بتميّز في تفسير الأَئمة عليهم‌السلام للنص القرآني بما شكّل ملامح منهج متميّز يكشف عن النص ، ويبعد كلّ شبهة تناقض ، أو اختلاف فيه ، ويود الوحدة الموضوعية.

وإليك نماذج من تفسير الأَئمة عليهم‌السلام للنص بالسياق :

__________________

(١) سورة الصافات : ٣٧ / ٩٦.

(٢) الطوسي : التبيان ٨ : ٤٧.

(٣) الطوسي : التبيان ٨ : ٤٧.

(٤) سورة الصافات : ٣٧ / ٩٥ ـ ٩٦.

١٣٨

فمنه : ما رواه وهب بن وهب القرشي ، عن الإمام الصادق ، عن أبيه الإمام الباقر ، عن أبيه الإمام السجّاد عليهم‌السلام ، قال : (إنّ أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليهما‌السلام يسألونه عن الصمد ، فكتب إليهم :

بسم اللّه الرحمن الرحيم ، أمّا بعد ، فلا تخوضوا في القرآن ، ولا تجادلوا فيه ، ولا تتكلّموا فيه بغير علم ، فقد سمعت جدي رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ، وإنّ اللّه سبحانه قد فسَّر الصمد ، فقال : (اللَّهُ أَحَدٌ * أَللَّهُ الصَّمَدُ) ، ثم فسره فقال : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (١) (٢).

ومنه : ما روي عن الإمام الباقر عليه‌السلام أن حمران بن أعْيَن سأله عن قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)(٣) فقال عليه‌السلام : (هي ليلة القدر ، وهي في كل سنة من شهر رمضان في العشر الأواخر ، ولم ينزل القرآن إلاّ في ليلة القدر قال اللّه عزّوجلّ : (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)(٤))(٥).

وعن الإمام الصادق عليه‌السلام وقد سأله أبو حمزة الثمالي عن قوله تعالى :

__________________

(١) سورة الإخلاص : ١١٢ / ٢ ـ ٤.

(٢) الصدوق / التوحيد : ٩٠ ـ ٩١ / ٥ باب ٤.

(٣) سورة الدخان : ٤٤ / ٣.

(٤) سورة الدخان : ٤٤ / ٤.

(٥) الصدوق / من لا يحضره الفقيه ٢ : ١٥٨ / ٢٠٢٤ ، وثواب الأعمال / له أيضاً : ٦٧ باب فضل شهر رمضان وثواب صيامه.

١٣٩

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُومِنِينَ)(١) ، فقال عليه‌السلام : (الإيمان ، قال عزّ من قائل : (لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ)(٢))(٣).

وفي الصحيح الثابت عن صفوان بن يحيى الثقة ، قال : (سألني أبو قرّة المحدّث أن أُدخله على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، فاستأذنته في ذلك ، فأذن لي ، فدخل عليه ، فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتّى بلغ سوله إلى التوحيد ، فقال أبو قرّة : إنا روينا أن اللّه قسّم الروة والكلام بين نبيين ، فقسّم الكلام لموسى ولمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله الروة ، فقال أبو الحسن عليه‌السلام : فمن المبلغ عن اللّه إلى الثقلين من الجنّ والإنس : (لاَ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ)(٤) (وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(٥). و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٦) ، أليس محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟

قال : بلى.

قال : كيف يجيئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند اللّه ، وأنه يدعوهم إلى اللّه بأمر اللّه ، فيقول : (لاَ تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) (وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً). و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ، ثم يقول : أَنَا رأيته بعيني ، وأحطت به علما

__________________

(١) سورة الفتح : ٤٨ / ٤.

(٢) سورة الفتح : ٤٨ / ٥.

(٣) الحويزي / تفسير نور الثقلين ٥ : ٥٩ / ٢٩ نقله من أصول الكافي ، وفي أصول الكافي : هو الإيمان من غير الزيادة المذكورة ، فلاحظ.

(٤) سورة الأنعام : ٦ / ١٠٣.

(٥) سورة طه : ٢٠ / ١١٠.

(٦) سورة الشورى : ٤٢ / ١١.

١٤٠