قواعد الحديث

محي الدين الموسوي الغريفي

قواعد الحديث

المؤلف:

محي الدين الموسوي الغريفي


الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٤

ففي مرسل محمد بن عبد اللّه « قلت لأبي عبد اللّه (ع) : لم حرّم اللّه الخمر؟. فقال (ع) : حرمّها لفعلها وفسادها » (١). كما ورد التصريح بعموم الحكم في عدة روايات. منها المروي عن الامام الكاظم (ع) : « إن اللّه ـ عز وجل ـ لم يحرّم الخمر لاسمها ولكن حرّمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر » (٢).

وقد اختلف الفقهاء في التعدي عن مورد العلة وسريان الحكم الى كل مورد وجدت فيه فاختار العلامة الحلي السريان قائلاً : « الحق عندي أن العلة إذا كانت منصوصة وعلم وجودها في الرفع كان حجة ». واستدل عليه : بأن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح الخفّية ، والشرع كاشف عنها فاذا نص على العلّية عرفنا أنها الباعثة والموجبة لذلك الحكم ، فأين وجدت وجب وجود المعلول.

واشترط المحقق الحلي في سريان الحكم وجود « شاهد حال يدل على سقوط اعتبار الشرع ما عدا تلك العلة في ثبوت الحكم » وسمّاه برهاناً أي قياساً منطقياً ، حيث يتشكل من جملة « الخمر حرام لأنه مسكر » صغرى وكبرى فيصح أن يشار الى كل مسكر في الخارج ويقال : هذا مسكر وكل مسكر حرام. فينتج حرمته.

ومنع السيد المرتضى من السريان والتعدي عن مورد العلة (٣) ، وتبعه الشيخ الطوسي مصرحاً بأن جوازه متوقف على القول بصحة القياس فقال : « وقد ألحق قوم بهذا الباب إثباته (ع) الحكم في عين وتعليله له بعلة يقتضي

____________

١ ـ الوسائل ح ٣ ب‍‌ ١٩ ـ الأشربة المحرمة.

٢ ـ الوسائل ح ١ ب‍‌ ١٩ ـ الأشربة المحرمة.

٣ ـ معالم الأصول ص ٢١٣.

٢٤١

التعدي الى غيره نحو قوله (ص) في الهّرة : إنها من الطّوافين ( عنكم ) (١) والطوافات. وقالوا : هذا وإن لم يكن أن يدعى فيه العموم فهو في حكمه ... وهذا إنما يمكن أن يعتبره من قال بالقياس ، فأما على مذهبنا في نفي القياس فلا يمكن اعتبار ذلك أصلاً ، على أن فيمن قال بالقياس من منع من ذلك وقال : إن النبي (ص) لو نص على العلة في شيء بعينه لم يجب إلحاق غيره به إلا بعد إثبات التعبد بالقياس ، فأما قبل العبادة فلا يصح ذلك فيه ، ولذلك لو قال (ص) : حرّمت السكر لأنه حلو. لم يجب أن يحكم بتحريم كل حلو إلا بعد العبادة بالقياس الخ » (٢).

وحكم الشيخ يوسف البحراني بعدم جواز التعدي عن مورد العلة « إلا مع الدلالة العرفية في بعض الموارد ، أو بما برجع الى تنقيح المناط القطعي » (٣).

وحكى العلامة : أن المانعين من التعدي استدلوا بأن « قول الشارع : حرمت الخمر لكونها مسكرة. يحتمل أن يكون العلة الاسكار وأن يكون إسكار الخمر ، بحيث يكون قيد الاضافة الى الخمر معتبراً في العلة ، واذا احتمل الأمران لم يجز القياس.

وأجاب عن ذلك بوجوه ، الأول : المنع من احتمال اعتبار القيد في العلة ، فان تجويز ذلك يستلزم تجويز مثله في العقليات حتى يقال : الحركة إنما اقتضت المتحركية لقيامها بمحل خاص وهو محلها ، فالحركة القائمة بغيره لا تكون علة للمتحركية. الثاني : سلمنا إمكان كون القيد معتبراً

__________________

١ ـ هكذا ورد في ( العدة ) طبعه طهران التي اعتمدنا عليها في النقل ، لكن الصحيح ( عليكم ) ، كما في ( العدة ) طبعة الهند ص ١٤٨ ، ونهاية ابن الأثير ، ومجمع البحرين ، مادة طوف. ومعنى الحديث كما في المجمع أن الهّرة « تطوف عليكم بالليل وتحفظكم من كثير من الآفات ».

٢ ـ عدة الأصول ص ١٤٥.

٣ ـ الحدائق ج ١ ص ٦٥.

٢٤٢

في الجملة لكن العرف يسقط هذا القيد عن درجة الاعتبار ، فان قول الأب لابنه : لا تأكل هذه الحشيشة لأنها سم. يقتضي منعه من أكل كل حشيشة تكون سماً. الثالث : سلمنا عدم ظهور إلغاء القيد لكن دليلكم إنما يتمشى فيما اذا قال الشارع : حرمت الخمر لكونه مسكراً. أما لو قال : علة حرمة الخمر هي الاسكار. انتفى ذلك الاحتمال.

ثم ناقش العلامة في هذه الوجوه وجعل النزاع بين الفريقين لفظياً ، فالقائل بالتعدي يستفيد من قول الشارع : حرمت الخمر لكونه مسكراً. التعليل بمطلق الاسكار ، والمانع منه لا يستفيد ذلك بل يحتمله ويحتمل التعليل بالاسكار المختص بالخمر ، وإلا فهما متفقان على أن التعليل بالاسكار المختص بالخمر لا يعم غيره والتعليل بمطلق الاسكار يعم كل مسكر ، فالخلاف بينهم فيا هو المستفاد من ذلك التعليل ونظائره « فيجب أن يجعل البحث في هذا ، لا في أن النص على العلة هل يقتضي ثبوت الحكم في جميع مواردها فان ذلك متفق عليه ».

وأورد عليه الشيخ حسن بن الشهيد الثاني بأن النزاع بين الفريقين معنوي وأن كلام السيد المرتضى صريح فيه ، حيث استدل على المنع « بأن علل الشرع إنما تنبئ عن الدواعي الى الفعل أو عن وجه المصلحة فيه ، وقد يشترك الشيئان في صفة واحدة ويكون في أحدهما داعية الى فعله دون الآخر مع ثبوتها فيه ، وقد يكون مثل المصلحة فيه مفسدة ، وقد يدعو الشيء الى غيره في حال دون حال الخ ».

ثم ناقش الشيخ حسن في دليل السيد المرتضى ب‍‌ « أن المتبادر من العلة حيث يشهد الحال بانسلاخ الخصوصية منها تعلق الحكم بها لا بيان الدواعي ووجه المصلحة » ، وقال : « الأظهر عندي ما قاله المحقق » (١). وهو التعدي عن مورد الحكم فيما لو نص الشرع على العلة ، وكان هناك شاهد حال يدل

____________

١ ـ معالم الأصول ص ٢١٤ ، وما بعدها.

٢٤٣

على سقوط اعتبار الشرع ما عدا تلك العلة في الحكم.

ويتحقق هذا بتجرد الكلام المعلل عن كل ما يوجب الاخلال بظهوره في العلّية فيكون الحال شاهداً على عدم اعتبار المتكلم في العلّية خصوصية زائدة على ما ذكره في التعليل. أما لو احتف الكلام بما يصلح لصرف التعليل عن ظهوره في العلّية فلا يصح التعدي عن مورده ، وأطلق على تلك العلة التي اقترن بها الدليل لفظ الحكمة.

ولذا اصطدمت آراء الفقهاء في كثير من الأحكام المعللة ، فرأى بعضهم كون التعليل ظاهراً في العلية لعدم وجود ما يصرفه عن ذلك ، ورأى آخر عدم ظهوره فيها لخصوصية هناك رآها صارفة عنه فيكون من قبيل الحكمة ، وكأنه لا ضابطة يرجع اليها في تمييز العلة عن الحكمة فيؤل الأمر الى ما يستظهره الفقيه ، كما في سائر استظهاراته من الكلام.

المايز بين العلة والحكمة

والمايز بينهما وإن كان ثابتاً في الواقع ، حيث يدور الحكم مع العلة وجوداً وعدماً بخلاف الحكمة لكنه خفيّ في مقام الدلالة والاستظهار. وقد رام المحقق النائيني ضبط ذلك بالتفصيل بين ما لو كانت العلة واسطة في عروض الحكم للموضوع فيسري الى كل مورد ثبتت العلة فيه ، كما لو قال المشرّع : « لا تشرب الخمر لأنه مسكر ». وبين ما لو كانت واسطة في ثبوت الحكم للموضوع فيقتصر على مورده ، كما لو قال : « لا تشرب الخمر لاسكاره ». فيكون مقتضى هذه الاضافة الاقتصار على الخمر ، لأن علة تحريمه إسكاره لا مطلق الاسكار ، فقال : « ... إذا كانت علة الحكم منصوصة ونعني به ما كانت العلة المذكورة فيه واسطة في العروض

٢٤٤

لثبوت الحكم للموضوع المذكور في القضية بأن يكون الموضوع الحقيقي هو العنوان المذكور في التعليل ويكون ثبوته للموضوع المذكور من جهة انطباق ذلك العنوان عليه ، كما في قضية لا تشرب الخمر فانه مسكر فانها ظاهرة في أن موضوع الحرمة فيها إنما هو عنوان المسكر ، وحرمة الخمر إنما هي من جهة انطباق ذلك العنوان عليه فيسري الحكم حينئذ الى كل مسكر فلا تبقى للخمر خصوصية في الحكم المذكور في القضية. وأما إذا كانت العلة المذكورة في القضية واسطة في الثبوت ، ومن قبيل دواعي جعل الحكم على موضوعه من دون أن تكون هي الموضوع في الحقيقة ، كما في قضية لا تشرب الخمر لاسكاره فانها ظاهرة في أن موضوع الحرمة فيها إنما هو نفس الخمر غاية الأمر أن الداعي الى جعل الحرمة عليها إنما هو إسكارها فلا يسري الحكم الى غير الموضوع المذكور في القضية مما يشترك معه في العلة المذكورة فيها ، إذ يحتمل حينئذ أن تكون في خصوص العلة المذكورة في القضية خصوصية داعية الى جعل الحكم على الموضوع المذكور فيها وأن لا تكون هذه الخصوصية موجودة في غيرها مما يشترك معها في الحقيقة والعنوان الخ ».

وأورد عليه استاذنا المحقق الخوئي ب‍‌ « أن هذا الاحتمال إنما هو على خلاف ما هو المرتكز في أذهان العرف من دوران كل حكم مدار علته ، ومن أن العلة المذكورة في الكلام هي بنفسها علة للحكم مع قطع النظر عن خصوصية قيامها بالموضوع المذكور في القضية ضرورة أنه لا يشك أهل العرف في أن المستفاد من قوله عليه‌السلام : إن اللّه لم يحرم الخمر لاسمه وإنما حرمه لاسكاره. إنما هي حرمة كل مسكر من دون دخل لقيام الاسكار بالخمر في الحكم بالحرمة أصلاً. هذا مع أنه لو كان احتمال دخل خصوصية المورد مانعاً من انعقاد ظهور الكلام في دوران الحكم مدار علته

٢٤٥

المذكورة فيه لجرى ذلك فيما إذا كان تعليل النهي عن شرب الخمر بكونه مسكراً ، إذ من المحتمل فيه أيضاً أن يكون في صدق المسكر على خصوص الخمر خصوصية تقتضي حرمته ولا تكون هذه الخصوصية موجودة في غيره ... وعليه فلا وجه لما أفاده شيخنا الاستاذ قدس‌سره من التفصيل وجعل العلة المذكورة في الكلام من قبيل الواسطة في العروض في أحد القسمين ، ومن قبيل الواسطة في الثبوت في القسم الآخر » (١).

وما أفاده استاذنا هو الحق ، فان تعليل الحكم ظاهر في دورانه مع العلة وجوداً وعدماً بلا دخل خصوصية قيامها بالموضوع ، هذا ما يستفيده العرف وأهل اللسان عند التفاهم ، وهم المرجع في شأن ظواهر الألفاظ ومن طريقهم ثبتت حجيتها فلا يعتدون باحتمال إرادة المتكلم خلاف الظاهر من كلامه ، وإنما يؤاخذونه بظاهره فهو الحجة له وعليه ، ولم يتخذ المشرِّع طريقة أخرى عند تفهيم أحكامه بل جرى على ما جروا عليه عند التفاهم. والعرف لا يرى فرقاً بين تعليل حرمة شرب الخمر بأنه مسكر وتعليلها باسكاره ، كما في تعليل الطبيب النهي عن أكل الرمان بأنه حامض وتعليله بحموضته ، حيث يفهم من ذلك أن علة التحريم والنهي هي الاسكار والحموضة في كلا المثالين ويثبت به حكم كلي وهو المنع عن شرب كل مسكر وأكل كل حامض ، ويتألف من ذلك القياس المنطقي.

ولذا أفتى كثير من الفقهاء بجواز الاتيان ليلة الجمعة بغسل يومها اذا خيف قلة الماء في اليوم أخذاً بعموم التعليل في الحديث المروي عن الامام الكاظم (ع) « ... فقال لنا يوم الخميس : اغتسلا اليوم لغدٍ يوم الجمعة ، فان الماء بها قليل ، فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة » (٢).

__________________

١ ـ أجود التقريرات ج ١ ص ٤٩٨ ـ ٤٩٩.

٢ ـ الوسائل ح ٢ ب‍‌ ٩ ـ الأغسال المسنونة.

٢٤٦

لكن المحقق الهمداني اقتصر على مورد الحكم وهو التقديم يوم الخميس فقال : « إن مقتضى الجمود على مورد النص إنما هو التقديم يوم الخميس لكن حكي عن صريح بعض وظاهر آخرين جوازه ليلة الجمعة ، بل عن ( المصابيح ) دعوى الاجماع عليه ، وربما يوجه ذلك بانسباقه من العلة المنصوصة في الروايتين ، فان المتبادر الى الذهن كون جواز التقديم يوم الخميس مسبباً عن إعواز الماء يوم الجمعة من دون أن يكون لكونه في اليوم مدخلية في الحكم ، وفيه نظر فان العلة ليست علة لجواز التقديم مطلقاً وإلا لدلت على جوازه ليلة الخميس أيضاً ، بل هي علة لجوازه في يوم الخميس الخ » (١).

وما ذكره وجهاً للجمود لا يصلح للمنع عن ظهور التعليل في العلية المطلقة ، إذ لا مانع من الالتزام بجواز تقديم الغسل ليلة الخميس أيضاً عند إحراز قلة الماء يوم الجمعة إلا أن يقوم دليل على منعه من إجماع أو غيره.

وحيث كان الظاهر من تعليل الحكم ثبوته عند ثبوت علته فان لازمت العلة الموضوع كالاسكار في الخمر كانت موسعة للحكم فقط حيث يثبت لكل مسكر وإن لم يكن خمراً ، وإن لم تلازمه كالحموضة في الرمان كانت موسعة للحكم من جهة ، حيث يثبت لكل حامض وإن لم يكن رماناً ، ومضيقة له من جهة أخرى ، حيث لا يثبت للرمان الحلو ... فتعليل الحكم صالح لصرف ظهور الأمر أو النهي في العموم الى الخصوص وبالعكس.

كما أنه صالح لصرفها عن ظهورها في الالزام الى الندب والكراهة إذا لم يتناسب التعليل مع الوجوب والتحريم. وادعي ذلك في مكاتبة الحميري حول التقدم على قبر المعصوم (ع) في الصلاة فقال : « ... وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا ، فأجاب (ع) ... أما الصلاة

____________

١ ـ مصباح الفقيه ـ الطهارة ص ٤٣٣.

٢٤٧

فانها خلفه ويجعله الامام ولا يجوز أن يصلي بين يديه ، لأن الامام لا يتقدم ويصلي عن يمينه وشماله » (١). وهو صريح الدلالة في اشتراط تأخر المصلي عن القبر الشريف ، ولذا أفتى به جماعة كالشيخ البهائي والشيخ يوسف البحراني (٢).

لكن أورد عليهم : بأن تعليل الحكم بأن الامام لا يتقدم يكشف عن كونه حكماً أدبياً ، إذ « لو كان المنع تحريماً لوجب أن يكون التقدم على القبر الشريف في حد ذاته حراماً مطلقاً حتى يستقيم البرهان ، وهو ليس كذلك في سائر الأحوال ما لم يكن عن استخفاف ، وإنما هو منافٍ للآداب التي ينبغي رعايتها في حال الصلاة وغيرها فهذه العلة لا تصلح علة إلا للكراهة » (٣).

تخصيص التعليل

وحيث كان المستفاد من التعليل حكم كلي يثبت عند ثبوت علته فلا بد من النظر في أنه هل يقبل التخصيص كسائر العمومات التي يعرض لها المخصص؟.

وقد أجاب عن ذلك أستاذنا المحقق الخوئي بأن التعليل تارة يكون بأمر عقلي تكويني ، كما لو قال : هذا محال ، لأن لازمه الدّور. فلا يقبل التخصيص ، لأن المستحيل مستحيل في جميع الأفراد والأوقات ، والممكن ممكن كذلك فحكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز

__________________

١ ـ الوسائل ح ١ ب‍‌ ٢٦ ـ مكان المصلي.

٢ ـ الحدائق ج ٧ ص ٢٢٠.

٣ ـ مصباح الفقيه ـ الصلاة ص ١٩١.

٢٤٨

واحد فتثبت الاستحالة في كل مورد لزم الدور ، وأخرى يكون بأمر تشريعي ولا مانع من تخصيصه ، لأن الذي شرّع كون الأمر الفلاني علة لحكم خاص له أن يخصص عليته بفرد أو حال دون آخر.

وقد مثّل لذلك بتعليل البناء على الحال السابقة في الاستصحاب بأن المكلف كان على يقين فشك ولا ينبغي له نقض اليقين بالشك ، ومقتضى عموم التعليل أنه لو شك في الاتيان ببعض أجزاء الصلاة يبني على عدمه ، لكنه خصص بقاعدتي الفراغ والتجاوز ، فان مقتضاهما البناء على الاتيان بالجزء المشكوك لو عرض الشك بعد الفراغ من الصلاة أو بعد تجاوز محل ذلك الجزء. ومثله تعليل الامام (ع) عدم انتقاض التيمم بوجدان الماء في أثناء الصلاة بقوله (ع) : « يمضي في صلاته ولا ينقضها لمكان أنه دخلها وهو على طهر بتيمم » (١). فانه قيّد بقول الامام الباقر (ع) : « فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع وإن كان قد ركع فليمض في صلاته فان التيمم أحد الطهورين » (٢). فينتج أن دخول الصلاة على طهر بتيمم لا يجدي إلا إذا كان وجدان الماء بعد الركوع ، فان وجده قبله قطع الصلاة واستأنفها مع الطهارة المائية.

التعليل التعبّدي

ثم ليعلم أن الأصل في التعليل أن يكون عرفياً ، بمعنى أن الأمر المعلل به ثابت لدى العرف إما ببنائهم أو بتشريع المشرّع ، أي يكون تشريعه ثابتاً ومعلوماً في الخارج قبل التعليل به ، لأن ظاهر تعليل الحكم بيان الجهة

__________________

١ ـ الوسائل ح ٤ ب‍‌ ٢١ ـ التيمم.

٢ ـ الوسائل ح ١ ب‍‌ ٢١ ـ التيمم.

٢٤٩

الثابتة لدى العرف التي اقتضت إنشاءه كالاسكار بالنسبة للخمر ، فيستفاد من تعليل الحرمة به حكم كلي كما سبق.

وعليه فحمل التعليل على كونه تعبدياً خلاف الظاهر منه إلا إذا اضطر اليه ، لعدم كون المعلل به ثابتاً لدى العرف ، كما في تعليل النهي عن قراءة سورة السجدة في الصلاة بأن السجود للتلاوة « زيادة في المكتوبة » (١). وهذا لم يعرفه العرف لتوقف صدق الزيادة في نظرهم على الاتيان بالفعل بقصد الجزئية ، وسجود التلاوة في الصلاة لم يقصد به ذلك فيكون بمنزلة رفع اليد والاشارة بها لا بقصد الجزئية ، حيث لم يثبت لدى العرف لا بنظرهم ولا بتشريع المشرّع أن كل حركة في الصلاة زيادة فيها وإن لم يقصد بها الجزئية. وعليه فالتعليل تعبدي يختص حكمه بمورده ولا يسري الى كل فعل لم يقصد به الجزئية ، لعدم احراز العرف أن ما ذكر في التعليل تمام العلة ، بل يحتمل دخل شيء معه فيكون جزءها وليس كالتعليل بالأمر الثابت لديهم كالاسكار ، حيث يكون ظاهراً في ثبوت الحكم له بلا دخل خصوصية أخرى.

ومن هنا نشأ البحث في بعض تعليلات الأحكام الواردة في الروايات وهل أنه تعبّدي ليختص الحكم بمورده ، أو عرفي ليتعدى عنه الى كل مورد وجدت العلة فيه؟ ، ومنه قول الامام الهادي (ع) في المغمى عليه : « لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة وكلما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر » (٢) فقد استدل به على أن استعمال المفطّر جهلاً عن قصور لا يخل بالصوم ، لاطلاق التعليل ، فان الجهل مما غلب اللّه عليه ، فيكون حاكماً على إطلاقات أدلة القضاء والكفارة فيناطان بالفوت الذي لم يسبب عن عذر مستند الى

____________

١ ـ الوسائل ح ١ ب‍‌ ٤٠ القراءة.

٢ ـ الوسائل ح ٣ ب‍‌ ٣ ـ قضاء الصلاة.

٢٥٠

اللّه تعالى.

وأورد عليه المحقق الهمداني بأن عموم هذا التعليل مخالف لغيره من النصوص والفتاوى لشموله ما « لو جهل بأصل التكليف بصوم شهر رمضان أو شيء من الفرائض اليومية أو بموضوعه بأن غفل عن كونه شهر رمضان أو نسي الفريضة في وقتها فتركها لذلك ، مع أنه لا خلاف نصاً وفتوى في أنه يجب عليه تداركها بعد أن حصل له العلم والالتفات. هذا مع أن شمول القاعدة للمريض وغيره من أولي الأعذار أوضح من شمولها للجاهل ( مع أن القضاء واجب عليهم ) ... فالتعليل الواقع في الرواية من العلل التعبّدية التي يجب فيها الاقتصار على موردها ، فكأنه أريد بذلك التنبيه على عدم شأنية المغمى عليه من حيث هو كغير البالغ والمجنون لأن يتوجه إليه التكليف بشيء كي يكون عروض مانع عن أدائه كما في المريض والنائم مقتضياً لوجوب قضائه » (١).

التعليل الارشادي

وقد يكون التعليل إرشادياً لأمر عادي دنيوي ، وهو الغالب في تعليلات الأوامر والنواهي الواردة في أبواب ( الأطعمة والأشربة ) كمرسل ابن أبي عمير عن الامام الصادق (ع) قال : « كلوا البطيخ فان فيه عشر خصال ... ويغسل المثانة ويدر البول » (٢) ، ومثله حديث سليمان الجعفري الوارد في الحمّام قال : « مرضت حتى ذهب لحمي فدخلت على الرضا (ع) فقال : أيسّرك أن يعود اليك لحمك؟. فقلت : بلى. قال (ع) : الزم

__________________

١ ـ مصباح الفقيه ـ الصوم ص ١٩٠ ـ ١٩١.

٢ ـ الوسائل ح ١٠ ب‍‌ ١٠٢ ـ الاطعمة المباحة.

٢٥١

الحمّام غبّاً (١) فانه يعود إليك لحمك وإياك أن تدمنه فان إدمانه يورث السل » (٢).

ويصلح هذا التعليل لرفع ظهور الأوامر والنواهي في المولوية ، فلا يستفاد منها الاستحباب والكراهة فضلاً عن الوجوب والتحريم ، لأن غرض المولى هو الارشاد الى ترتب ذلك الأثر النافع أو الضار على فعل المكلف.

نعم قد يأمر المولى بأكل طعام خاص أو ينهى عنه ولا يعلّله بشيء فيلزم الأخذ بظهورهما في المولوية ، لأنها الأصل في الأوامر والنواهي الصادرة من الشرع الشريف ما لم يرد صارف عنها. ومنه حديث محمد بن الوليد الكرماني عن الامام الجواد (ع) قال فيما يسقط من الطعام عند الأكل : « ما كان في الصحراء فدعه ولو فخذه شاة ، وما كان في البيت فتتبعه والقطه » (٣). فيثبت استحباب ترك الأول ، والتقاط الثاني.

وقد يعلّل الحكم بأمر عادي لكن يشمله عموم أو إطلاق حكم مولوي فلا يخرجه التعليل عن كونه مولوياً.

تم تحرير هذه البحوث في ٦ ذي الحجة سنة ١٣٨٦ هجري في النجف الأشرف بقلم الراجي عفو ربه.

محيي الدين ابن العلامة حجة الاسلام السيد محمد جواد الموسوي الغريفي

____________

١ ـ أي ادخله يوماً واتركه يوماً.

٢ ـ الوسائل ح ٢ ب‍‌ ٢ ـ آداب الحمام.

٣ ـ الوسائل ح ٢ ب‍‌ ٧٢ ـ آداب المائدة.

٢٥٢

٢٥٣

فهرس ومصادرالكتاب

٢٥٤

فهرس المواضيع

صفحة

كلمة استاذنا آية الله العظمة السيد الخوئي حول اكتاب.............................. ٧

المُقَدّمَة......................................................................... ٩

الحديث المحفوف بقرائن الصحة ، وخبر الواحد ، واختلاف

قدامي الفقهاء في حجتيه...................................................... ١٠

مبنى اختلاف الفقهاء في انسداد باب العلم في الأحكام وانفتاحه.

........................................................................... ١١

الاشارة اجمالا الى بُحُوثُ الكِتاب............................................. ١٢

تَنويعُ الحَديث.......................................................... ١٣ ـ ٣٣

تنويع الحديث الى صحيح والحسن والموثّق والضعيف............................. ١٥

البحث عن قدم التنويع وحدوثه............................................... ١٥

شجب الأخباريين لتنويع الحديث ، ودليلهم على بطانه.......................... ١٦

صحة التنويع ، ونقاش دليل البطلان........................................... ١٧

الحجة من الأخبار لدى قدامي الفقهاء.......................................... ١٩

اعتناء القدامي بشأن تعديل الرواة وجرحهم ، والاشاره الى بعض

كتبهم في ذلك.............................................................. ٢٠

السيد ابن طاووس مجدّد لتنويع الحديث، لا موسّس ومحدث...................... ٢٢

٢٥٥

تعاريف أنواع الحديث، والخلاف في الترجيح بين الموثق

والحسن.................................................................... ٢٤

حول اعتبار قيد «الامامي» في تعريف الخبر الصحيح............................ ٢٥

هل يعتبر في صحة الخبرسلامة من العلة والشذوذ................................ ٢٥

حول اعتبار اضافة كون المدح مقبولا الى تعريف الخبر الحسن..................... ٢٧

الحجة من هذه الأنواع الاربعة، والأشارة الى دليل الحجتية....................... ٢٧

اشتراك الراوي محمد بن نضير بين الثقة والضعيف............................... ٢٨

حول اشتراط كون الراوي الممدوح إماميا...................................... ٣٠

حول ثبوت عدالة الراوي الامامي بتوثيقه....................................... ٣٢

احَاديثُ اصحابِ الأجماع................................................ ٣٥ ـ ٧٦

أهمية هذا البحث ، والقول بتصحيح أحاديث أصحاب الاجماع

مطلقا...................................................................... ٣٧

تعريف بأصحاب الاجماع ، ونقل ما أثبه الكشي في (رجاله)..................... ٣٨

أبيات السيد بحرالعلوم حول هذا الاجماع. ..................................... ٣٩

الخلاف في عدد أصحاب الجماع.............................................. ٤٠

الأصل في دعوى هذا الاجماع هو الشيخ الكشي................................ ٤١

الفرق بين دعوى الاجماع ونقل دعواه......................................... ٤٢

حول عبدالله بن بكير........................................................ ٤٣

الخلاف في حجتية هذا الاجماع............................................... ٤٤

أدلة حجيته................................................................. ٤٥

تحقيق البحث............................................................... ٤٦

الخدش في هذا الاجماع بأمور. منها الخلاف في المراد بصيغة

(تصحيح ما يصح عن أصحاب الاجماع)....................................... ٤٧

اختلاف تعبير الكشي عن الصيغة التي نقل عليها الاجماع......................... ٤٨

٢٥٦

النقاش في شمول دليل حجية الاجماع لمورد البحث............................... ٤٩

وهن القول بأن هذا الجماع تعبّدي وكاشف عن رأى المعصوم

(ع)....................................................................... ٥١

رمي كتاب (رجال الكشي) بكثرة الأغلاط.................................... ٥١

التسامح والتناقض في دعوى الاجماع.......................................... ٥٢

الجواب عن ذلك بوجوه...................................................... ٥٣

اختلاف مباني الفقهاء في العمل بأخبار ، وعرض موجز لبعضها................... ٥٥

القول بحيجة خبر كل مسلم لم يظهرمنه فسق ، والاكتفاء في

ثبوت العدالة بظاهر الاسلام.................................................. ٥٥

حول الحديث الآمر بالأخذ بما رواه بنوا فضّال والنقاش فيه.................... ...٥٧

قياس الاجماع بتوثيق الرجالي.................................................. ٥٨

حول تزكية الراوي ......................................................... ٥٩

كفاية احتمال الحس في قبول التزكية والتوثيق................................... ٦١

الوجوه التي استدل بها على كفاية تزكية العدل الواحد........................... ٦١

النقاش في دعوى أن أحاديث أصحاب الاجماع محفوفة بقرائن

الصحة..................................................................... ٦٣

دعوى الشيخ الطوسى أن البزنطي وصفوان ابن أبي عمير لا يروون

ولايرسلون إلا عن ثقة....................................................... ٦٥

تعميم الشيخ النوري ذلك لجميع أصحاب الاجماع، ونقاشنا فيه.................. ٦٦

النقاش في دعوى الشيخ الطوسي.............................................. ٦٧

مدرك تلك الدعوى ثلاثة أمور، أحدها الاستقرار، وجوابنا عنه................... ٦٨

ثانيها شهادة أولئك الثلاثة بعدم الرواية عن غير الثقةوجوابنا عنه.................. ٦٩

حول ثبوت التوثيق بقول الثقة : حدّثني ثقة. ولم يبيّنه............................ ٦٩

حول اعتبارالرواية بقول الراوي: أخبرني بعض أصحابنا. اذا عني

٢٥٧

الامامية. ................................................................... ٧٠

ثالثها ان حسن الظن بأولئك الثلاثة يقضي بأن لايرون عن غير

الثقة ، وجوابنا عنه.......................................................... ٧١

مراسيل الأحاديث وتعريفها................................................... ٧٢

الخلاف في حجية المرسل ، واشتهار عدم حجيته للجهل بحال

الرواي المحذوف............................................................. ٧٣

رواية أصحاب الاجماع عن الضعيف........................................... ٧٤

إثبات بعض الشواهد على ذلك............................................... ٧٥

حياة البطائني ـ عَليّ بن ابي حمزة....................................... ٧٧ ـ ١٠٥

أدلة ضعف البطائني، وإثبات مارواه الشيخ الطوسي في ذمة....................... ٧٩

إثبات مارواه الشيخ الكشي في ذمه............................................ ٨١

اشتهار ضعفه بين الفقهاء والرجاليين........................................... ٨٣

التحقيق في الأدلة ضعفه، وأن انحرافه في عقيدته لايضر بحديثه

لوكان ثقة في نقله........................................................... ٨٥

إخباره كذباً عن الحياة الامام الكاظم (ع) طمعاً في المال......................... ٨٥

جهود البطائني وجماعته في تظليل الناس......................................... ٨٦

إخبار الامام الرضا (ع) عن كذب البطائني..................................... ٨٨

حوال الراوي احمد بن عمر................................................... ٩٠

حول طريق الشيخ الطوسي الى احمد بن محمد بن عيسى......................... ٩١

أدلة اعتبار البطائني ، ونقاشها................................................. ٩٣

٢٥٨

رواية البزنطي وصفوان وابن أبي عمير عنه...................................... ٩٣

روايات أربع يمكن القول بدلالتها على مدحه أو صحة اعتقاده.................... ٩٣

الترضّي الترحّم على الميّت لايثبت وثاقته....................................... ٩٥

أبوالحسن كنية لأربعة من الأئمة المعصومين (ع) ، وبيان المايز

بينهم....................................................................... ٩٧

تصنيف البطائني لأصل من الكتب............................................. ٩٨

المراد من الأصول في كلام القدماء ، والفرق بينها وبين الكتب.................... ٩٨

قول ابن الغضائري في الحسن بن البطائني : (أبوه أوثق منه)..................... ١٠٠

النقاش في استفادة توثيق البطائني من كلام الشيخ الطوسي

في(عدته)................................................................. ١٠١

إشكال في بعض توثيقات الشيخ الطوسي..................................... ١٠٢

حول دعوى الشيخ الطوسي عمل الطائفة بأخبار البطائني....................... ١٠٣

حديث البطائني حال استقامته............................................... ١٠٤

الحديث وَشهرة الفتوى............................................... ١٠٧ ـ ١٥٤

عرض لآراء الفقهاء حول انجبار ضعف سند الحديث بشهرة

العمل به ، ووهن صحته بشهرة الاعراض عنه................................. ١٠٩

النقاش في كفاية الشهرة بين المتأخرين........................................ ١١٢

حول إمكان إحراز الشهرة لدى القدماء...................................... ١١٥

العبرة بأستناد الفقهاء الى الحديث، لابموافقة فتواهم لمضمونه.................... ١١٥

لمحة عما كتبه ابن الجنيد وابن أبي عقيل في الفقه............................... ١١٥

حول الوثوق بصدور الحديث عن المعصوم (ع)............................... ١١٨

معنى الاطمئنان والوثوق.................................................... ١١٨

حجية الحديث المطمأن بصدوره عن المعصوم (ع)............................. ١١٩

٢٥٩

نظرة في أدلة حجية خبر الواحد وعدم شمولها لضعيف السند وإن

اشتهر العمل به............................................................ ١٢١

نقاش الاستدلال على اعتبار الشهرة بحسن الظن بقهائنا......................... ١٢٤

نقاش الاستدالال على اعتبارها بلزوم تأسيس فقه جديد عند

مخالفتها................................................................... ١٢٤

نقاش دليل المحقق الحلي على اعتبارها......................................... ١٢٥

حول شهرة الاعراض عن الخبر الصحيح ووهنه بذلك.......................... ١٢٦

أدلة عدم وهنه............................................................ ١٢٧

اختلاف أنظار الفقهاء في مفاد الأخبار....................................... ١٢٨

الظن بالخلل أو عدم الصدور لايضر بصحة الخبر.............................. ١٢٩

حول شمول أدلة حجية خبر الواحد لما اشتهر الاعراض عنه...................... ١٣٠

الوضع والتقية في الأحاديث................................................. ١٣١

بحث عن اضطرار أهل البيت (ع)وشيعتهم الى استعمال التقية................... ١٣١

ترخيص الشرع الاسلامي الأقدس في استعمالها................................ ١٣٣

عدم اختصاص مشروعية التقية بمذهب أهل البيت (ع)........................ ١٣٤

اعتراف الآلوسي بمشروعيتها ، ونقده للشيعة في نسبة استعمالها

الى أهل البيت (ع)........................................................ ١٣٤

الكذب على أهل البيت (ع)................................................ ١٣٥

الكذب على النبي (ص)، والاشارة إلى كثرة الأحاديث المكذوبة

عليه (ص). .............................................................. ١٣٦

انتشار وضع الاحاديث في عهد معاوية....................................... ١٣٧

حول ما نسب الى ابن أبي الحديد من نسبة لكذب الى الشيعة................... ١٣٨

تعليقا على كلام ابن أبي الحديد حول الخلافة.................................. ١٣٩

٢٦٠