قواعد الحديث

محي الدين الموسوي الغريفي

قواعد الحديث

المؤلف:

محي الدين الموسوي الغريفي


الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٤

الأول أن العلم الاجمالي بوجود الأخبار الموضوعة في ضمن الأخبار الصادرة عن أهل البيت (ع) مختص بعصرهم ، فلا علم لنا بوجودها في ضمن الأخبار الواصلة الينا عن طريق كتبنا المعتبرة. ويدل على ذلك أمور هي :

أولاً : أن الأئمة الأطهار (ع) مذ أحّسوا بعروض الوضع والدس في الأحاديث أخذوا في تهذيبها ، وميزوا الصادر عنهم منها بأنه الموافق للكتاب والسنة. كما حّذروا شيعتهم من أولئك الواضعين ، وسمّوهم ليحذروهم ، كما سبق.

ولذا اهتم الرواة بذلك فعرضوا أحاديثهم ، وما صنفوه من كتب فيها على الائمة (ع) فانكروا المكذوب منها وأقروا الباقي. فعرض عبيد اللّه بن علي الحلبي كتابه على الامام الصادق (ع) فصححه واستحسنه ، وقال عليه‌السلام ، « ليس لهؤلاء مثله ». وعرض يونس بن عبد الرحمان كتابه على الامام العسكري (ع). وعرض عبد اللّه بن سعيد بن حنان الكناني كتابه الذي رواه عن آبائه في ( الديات ) على الامام الرضا (ع).

قال الشيخ محمد بن الحسن الحر بعد أن حكى ذلك : « وقد صرح المحقق فيما تقدم أن كتاب يونس بن عبد الرحمان ، وكتاب الفضل بن

__________________

ورأيت دين الاعتزال وإنني

أهوى لأجلك كل من يتشيع

صريح في بقائه على اعتزاله ولسنا بصدد مناقشة الاستاذ حول ما سماه مغالاة واسرافاً. الثالث حين شرح ( نهج البلاغة ) ، وكان مذهبه الاعتزال الجاحظي. ( مقدمة شرح نهج البلاغة ص ١٤ ـ ١٥ ).

وقد اُتهم الاستاذ محمود أبو رية بالتشيع أيضاً ، لأنه كشف الحال عن أبي هريرة في كتابيه ( أضواء على السنة المحمدية ، وشيخ المضيرة ) ، أنظر كتابه الثاني ص ١٣.

١٤١

شاذان كانا عنده ونقل منهما الأحاديث. وقد ذكر المحدثون وعلماء الرجال أنهما عرضا على الأئمة (ع) ». وقال : « مع أن كثيراً من الكتب التي ألفها ثقات الامامية في زمان الأئمة (ع) موجودة الآن موافقة لما ألفوه في زمان الغيبة » (١).

وحّدث يونس بن عبد الرحمان فقال : « وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه‌السلام ووجدت أصحاب أبي عبد اللّه عليه‌السلام متوافرين فسمعت منهم ، وأخذت كتبهم فعرضتها من بعد على أبي الحسن عليه‌السلام فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبد اللّه عليه‌السلام الخ » (٢).

وروى اسماعيل بن الفضل الهاشمي في الصحيح قال : « سألت أبا عبد اللّه (ع) : عن المتعة فقال (ع) : الق عبد الملك بن جريح فسله عنها فان عنده منها علماً. فلقيته فأملى عليّ شيئاً كثيراً في استحلالها ... فأتيت بالكتاب أبا عبد اللّه (ع) فقال : صدق. وأقر به » (٣).

إذن فلم يبق في تلك الكتب المعروضة على الأئمة الأطهار (ع) أي حديث موضوع قد دس فيها. وتلك الكتب ونظائرها هي التي اعتمد عليها أصحاب المجاميع في نقل الأحاديث.

وثانياً : أن قدماء أصحابنا ـ رضوان اللّه عليهم ـ قد تنبّهوا لذلك وبذلوا أقصى جهودهم حول تمييز الأخبار المعتبرة عن غيرها ، وانتقاء ما دلت القرائن على أنه ليس بموضوع ولا مدسوس ، حتى أن الكليني لم يتم له جمع أحاديث كتابه ( الكافي ) إلا في مدة عشرين سنة (٤). ولذا شهد

__________________

١ ـ الوسائل ج ٣ ـ الفائدة ٧ ـ ٩.

٢ ـ رجال الكشي ص ١٤٦.

٣ ـ الوسائل ج ٥ ب‍‌ ١١ ـ صفات القاضي.

٤ ـ رجال النجاشي ص ٢٦٦.

١٤٢

هو والصدوق بصحة ما في كتابيهما من الأخبار ، وقال الشيخ يوسف البحراني : « إن هذه الأحاديث التي بأيدينا إنما وصلت الينا بعد أن سهرت العيون في تصحيحها وذابت الأبدان في تنقيحها وقطعوا في تحصليها من معادنها البلدان الخ » (١).

وثالثاً : أن أصول ثقات الرواة وكتبهم التي أخذ أصحاب المجاميع منها الأخبار كانت مشهورة بين الامامية. ونقل الشيخ الطوسي إجماعهم « على العمل بهذه الأخبار التي رووها في تصانيفهم ودونوها في أصولهم لا يتناكرون ذلك ، ولا يتدافعونه حتى أن واحداً منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه سألوه من أين قلت هذا؟ فاذا أحالهم على كتاب معروف ، أو أصل مشهور وكان راويه ثقة ، لا ينكر حديثه ، سكتوا وسلموا الأمر في ذلك ، وقبلوا قوله الخ » (٢). ومقتضاه أن تلك الأصول والكتب المشهورة خالية من الأخبار الموضوعة ، وإلا كان للنقاش فيها مجال واسع.

ولذا قال السيد التفرشي : « إعلم أن الشيخ الطوسي ـ قدس اللّه سره ـ صرح في آخر ( التهذيب والاستبصار ) بأن هذه الأحاديث التي نقلناها من هذه الجماعة أخذت من كتبهم وأصولهم. والظاهر أن هذه الكتب والأصول كانت عنده معروفة ( كالكافي والتهذيب ) وغيرهما عندنا في زماننا هذا. كما صرح به الشيخ محمد بن علي بن بابويه ـ رضي اللّه عنه ـ في أول كتاب ( من لا يحضره الفقيه ). فعلى هذا لو قال قائل : بصحة هذه الأحاديث كلها ، وإن كان الطريق إلى هذه الكتب والأصول ضعيفاً ، إذا كان مصنفو هذه الكتب والأصول وما فوقها من الرجال الى المعصوم (ع) ثقاتاً لم يكن مجازفاً » (٣).

__________________

١ ـ الحدائق ج ١ ص ٨.

٢ ـ عدة الأصول ص ٥١.

٣ ـ جامع الرواة ج ٢ ص ٥٤٨.

١٤٣

ورابعاً : أن بعض تلك الكتب والأصول التي أخذ منها الأحاديث كانت أجوبة مسائلها بخط المعصوم (ع). كما وأن بعضها كان بخط الثقة من أصحاب المعصوم (ع) ، فلا يحتمل عروض دس فيها من قبل واضعي الحديث. قال الشيخ محمد بن الحسن الحر : « وقد صرح الصدوق في مواضع أن كتاب محمد بن الحسن الصفار المشتمل على مسائله ، وجوابات العسكري (ع) كان عنده بخط المعصوم (ع). وكذلك كتاب عبيد اللّه بن علي الحلبي المعروض على الصادق (ع) وغير ذلك » (١). وقال الصدوق عند روايته لبعض مكاتبات الصفار الى العسكري (ع) : « هذا التوقيع في جملة توقيعاته (ع) الى محمد بن الحسن الصفار عندي بخطه في صحيفة » (٢).

وخامساً : أن غالب الأحاديث التي دوّنها القدماء في مجاميعهم إنما تلقّوها عن مشايخهم الثقات بطريق السماع حتى تتصل بالمعصوم (ع). ومثل هذا الطريق لا يعرض له دس أو تزوير.

وخلاصة البحث أن وجود الأخبار الموضوعة في عصر المعصومين (ع) لا يمنع من العمل بالأخبار التي ضمتها مجاميع قدماء أصحابنا المعتبرة ، مثل كتبنا الأربعة ونظائرها ، فانها خالية من ذلك.

مع الدكتور فياض

وقد ظهر بهذا وهن ما كتبه الدكتور عبد اللّه فياض تحت عنوان ( كتب الحديث عند الشيعة الامامية ) ، حيث قارن بينها وبين كتب الحديث عند أهل السنة. فقال : « ومن الجدير بالذكر أنه لم تجرِ عملية تهذيب وتشذيب

__________________

١ ـ الوسائل ج ٣ ـ الفائدة ٩.

٢ ـ الوسائل ٢ ب‍‌ ٢٨ ـ غسل الميت.

١٤٤

شاملة لكتب الحديث عند الشيعة الامامية على غرار العملية التي أجراها المحدثون عند أهل السنة ، والتي تمخض عنها ظهور الصحاح الستة المعروفة. ونتج عن فقدان عملية التهذيب لكتب الحديث المشهورة عند الشيعة الامامية مهمتان هما أولا : بقاء الأحاديث الضعيفة بجانب الأحاديث المعتبرة في بعض المجموعات الحديثية عندهم ... وأعتقد أن إهمال العلماء الذين جاؤوا بعد ابن ادريس الحلي لآرائه ، ورميه بالتخليط ، يمكن أن يعد من أهم الأسباب التي أدت الى بقاء مجموعات الحديث عند الشيعة الامامية دون تهذيب وتشذيب حتى يومنا هذا. ثانياً : تسرّب أحاديث الغلاة ... إلى بعض كتب الحديث عند الشيعة ، وقد تنّبه أئمة الشيعة الامامية ، وعلماؤهم الى الأخطار المذكورة وحاولوا خنقها في مهدها ، ولكن نجاحهم لم يكن كاملاً نتيجة لعدم قيام عملية تهذيب شاملة لكتب الحديث » (١). وبحثنا معه.

أولاً : في كتب الحديث عند أهل السنة ، فان أصحها لديهم ( صحيح البخاري ) الذي لم يروِ فيه عن الامام الصادق (ع) ، وإنما روى عن كثير ممن اشتهر بالفسق والكذب ، مثل عمران بن حطان الخارجي ، وحريز بن عثمان الرحبي ، وسمرة بن جندب سفاك الدماء ، وعكرمة الخارجي (٢)

____________

١ ـ الاجازات العلمية عند المسلمين ص ٩٨ ، وما بعدها.

٢ ـ اشتهر عكرمة هذا بوضع الحديث ، والكذب فيه. ولذا كذبه مجاهد ، وابن سيرين ، كما في ( طبقات القراء ) للجزري ج ١ ص ٥١٥. وأعرض عنه مالك بن أنس ، ومسلم ، كما في ( تذكرة الحفّاظ ) للذهبي ج ١ ص ٩٦. وقال مالك : « لا أرى لأحد أن يقبل حديثه ». كما في ( تهذيب التهذيب ) لابن حجر ج ٧ ص ٢٦٩. وللمزيد من ذلك راجع كتابنا ( آية التطهير ) ص ٥٥ ـ ٥٩ ـ ١٢٦ ـ ١٢٧.

١٤٥

ولذا قال السيد محمد بن عقيل في ( نصائحه ) : « وهنا يتحير العاقل ، ولا يدري بماذا يعتذر عن البخاري الخ » (١).

وجاء في كتاب ( أضواء على السنّة المحمدية ) (٢) للاستاذ محمود أبي ريّة : أن البخاري كان يروي بالمعنى ، وأن الخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد ج ٢ ص ١١ ) روى عنه أنه قال يوماً : « رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر. فقيل له : يا أبا عبد اللّه بكماله. فسكت ».

وجاء فيه أيضاً : أن البخاري مات قبل أن يتم تبييض كتابه ، وأنه استُنسخ من الأصل الذي عند صاحبه ، وفيه أشياء لم تتم ، وأشياء مبيّضة منها تراجم لم يُثبت بعدها شيئاً ، ومنها أحاديث لم يترجم لها ، فأضيف بعض ذلك الى بعض. وقد انتقده الحفّاظ في عشرة ومائة حديث ، منها ٣٢ حديثاً وافقه مسلم على تخريجها ، و ٧٨ حديثاً انفرد هو بتخريجها. وكذلك ضعّف الحفاظ من رجال البخاري نحو ٨٠ رجلاً ، ومن رجال مسلم ١٦٠ رجلاً. والأحاديث التي انتقدت عليهما بلغت مئتي حديث وعشرة.

وقد أورد الشيخان البخاري ، ومسلم في صحيحيهما كثيراً من الأحاديث التي يمتنع صدورها عن النبي (ص) ذكر المرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين منها أربعين حديثاً لراوي واحد ، وهو أبو هريرة الدوسي في كتابه الذي عنونه به ، وجعلها نموذجاً لأحاديثه. قائلاً : « الأذواق الفنية لا تسيغ كثيراً من أساليب أبي هريرة في حديثه ، والمقاييس العلمية عقلية ونقلية لا تقرّها. وحسبك عنواناً لهذه الحقيقة أربعون حديثاً صحت عنه الخ ». ثم ساق الأحاديث بتعاليقها. وعد فصلاً لانكار السلف

__________________

١ ـ النصائح الكافية ص ٩٣.

٢ ـ انظر ص ٢٧٤ ـ ٢٧٥.

١٤٦

لأحاديثه (١).

وبحث الاستاذ محمود أبو ريّة عن أبي هريرة ، وأحاديثه في كتابه ( أضواء على السنّة المحمدية ). ثم توسّع في البحث ، ونشره في كتاب بعنوان ( شيخ المضيرة ). وقد أثبت فيه أن أبا هريرة كان وضاعاً يدلّس في حديثه ، ويستقي من كعب الأحبار ، الذي بث اسرائيلياته من طريقه وقد كّذبه الصحابة ، وردّوا عليه في حياته باعترافه. وانقطع الى بني أمية فوضع أحاديث في فضل معاوية ، وأخرى على الامام علي (ع). كما وأن له أحاديث لا يمكن قبولها ، أخرجها عنه البخاري ، ومسلم في صحيحيهما وأنه لم يصحب النبي (ص) إلا سنة ، وتسعة أشهر ، ثم انتقل الى البحرين لا كما اشتهر من صحبته ثلاث ، أو أربع سنين. وعلى كلا التقديرين فقد روى عن النبي (ص) عدداً ضخماً من الأحاديث بلغت ٥٣٧٤ حديثاً ، أخرج البخاري منها ٤٤٦ حديثاً.

ولذا كبر على الاستاذ أبي زهرة وجماعته أن يمس أبو هريرة ، لأن كشف حاله يوجب خدش أصول حديثهم التي اعتمدوا عليها ، يقول أبو زهرة : « ... كأولئك الذين لا يحلو لهم إلا أن يتهجموا على الصحابي أبي هريرة ، ليهدموا البخاري ، ومسلماً ، وغيرهما من كتب السنة الصحاح » (٢).

وعليه كيف تكون رواية البخاري ومسلم عن أمثال أولئك الرواة ، وأمثال تلك الأحاديث عملية تهذيب وتشذيب ، كما يقوله الدكتور؟ ، ليكون « كتابهما أصح الكتب بعد كتاب اللّه العزيز » ، كما ينقله الدكتور عن ابن الصلاح بدون تعقيب.

وإن غاية ما يقال في اعتبار صحاح أهل السنة : إن مؤلفيها قد اجتهدوا

__________________

١ ـ ابو هريرة ص ٥٤ ـ ١٨٢.

٢ ـ الامام الصادق ص ٤٦٠.

١٤٧

في صحة أخبارها ، فالبخاري اجتهد في صحة الأحاديث التي أثبتها في صحيحه ، وهكذا كل مؤلف اجتهد في صحة أحاديث كتابه ، وقلّدهم خلفهم في ذلك ، كتقليدهم في فروع الفقه مذاهب أربعة على وجه الحصر فأين عملية التهذيب الشاملة « التي أجراها المحدثون عند أهل السنة ، والتي تمخض عنها ظهور الصحاح الستة المعروفة »؟.

نعم هناك جماعة أجروا عملية تهذيب لأحاديث أهل السنة بعد ظهور الصحاح الستة ، لا قبلها لتكون وليدة تلك العملية. منهم السيوطي في كتابه ( اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ). ومنهم الحسن بن محمد الصغاني في كتابه ( الدرر الملتقطة ). ومنهم أبو الفرج بن الجوزي في كتابه الذي ألفّه لهذا الغرض. ومنهم محمد طاهر بن علي الهندي الفتني في كتابه ( تذكرة الموضوعات ). وقد جمعه من كتب ألّفت في هذا الموضوع ، أشار اليها بقوله : « ومما بعثني اليه أنه اشتهر في البلدان ( موضوعات الصغاني ) وغيره ، وظني أن إمامهم كتاب ابن الجوزي ونحوه ... وأنا أورد بعض ما وقع في ( مختصر ) الشيخ محمد بن يعقوب الفيروزابادي ... وفي ( المقاصد الحسنة ) للشيخ العلامة أبي الخير شمس الدين السخاوي ، وفي كتاب ( اللآلئ ) للشيخ جلال الدين السيوطي ، وفي كتاب ( الذيل ) له ، وفي كتاب ( الوجيز ) له ، و ( موضوعات الصغاني ) ، و ( موضوعات المصابيح ) التي جمعها الشيخ سراح الدين عمر بن علي القزويني ، و ( مؤلّف ) الشيخ علي بن ابراهيم العطار ، وغير ذلك الخ » (١). وسبق الاشارة أيضاً الى ذلك (٢).

وثانياً : في كتب الحديث عند الشيعة الامامية ، حيث ذكر الدكتور

____________

١ ـ تذكرة الموضوعات ص ٣ ـ ٤.

٢ ـ انظر ص ١٣٦.

١٤٨

الكتب الثمانية المشهورة منها (١) ، ونظر اليها على مستوى واحد ، فحكم بأن أحاديثها خام لم يجر عليها عمليات تهذيب وتشذيب الى يومنا هذا.

ويوهنه الأدلة السابقة التي ثبت بها أن ثقات رواة الامامية ، والقدماء من مؤلفي كتبهم الأربعة ، ونظائرها من الكتب المعتبرة قد أجروا أكبر عملية تهذيب للأحاديث ، حتى لم يبق مجال للقول بتسرّب الأحاديث المدسوسة الى تلك الكتب. كما أنهم صرفوا العمر في سبيل انتقاء الأحاديث الصحيحة بنظرهم ، وقد استغرقت جهود الشيخ الكليني في ذلك زمناً يناهز ربع القرن حتى انتج كتابه ( الكافي ) ، وشهد بصحة جميع أحاديثه. كما شهد الصدوق بصحة أحاديث كتابه ( الفقيه ) ، وأنها الحجة فيما بينه وبين اللّه تعالى.

ولم أدر كيف لا تعتبر تلك الجهود عملية تهذيب لتكون كتبنا الأربعة ونظائرها ناجمة عنها؟ ، فهي تفوق ما أجراه المحدثون من أهل السنة عند جمع أحاديث صحاحهم الستة. مع الغض عما سبق من النقاش في بعض رواتها ، وأحاديثها.

وإنا وإن لم نلتزم بصحة جميع أحاديث كتاب ما ، بل ننظر إليها من طريق مدارك حجية خبر الواحد ، وقواعد الجرح والتعديل ، لكنا نقول : إن مؤلفي تلك الكتب الأربعة ، ونظائرهم من قدامى المؤلفين لم يوردوا في كتبهم كل حديث رأوه أو سمعوه ، وإنما اجتهدوا ، وأجهدوا أنفسهم في انتقاء ما كان معتبراً لديهم على ضوء قرائن التصحيح ، وأصول التزكية ، ولذا اهتموا بطرق الأحاديث ، والبحث عنها. ولا نعرف شيئاً وراء ذلك يسمى تهذيباً ، وتشذيباً. فالحكم بخلو جميع تلك الكتب من عملية

____________

١ ـ وهي الكافي ١ ، الفقيه ٢ ، التهذيب ٣ ، الاستبصار ٤ ، الوافي ٥ الوسائل ٦ ، مستدرك الوسائل ٧ ، بحار الأنوار ٨.

١٤٩

التهذيب ، وجريانها في جميع الصحاح الستة عند أهل السنة ، فيه حيف ظاهر.

وقد صرح الدكتور بأن الناتج عن فقدان عملية التهذيب بقاء الأحاديث الضعيفة بجانب الأحاديث المعتبرة في بعض المجموعات الحديثية عند الشيعة ومثّل لذلك ب‍‌ ( الكافي والفقيه والبحار ). ولا ندري ما يعني بالبعض الآخر الذي لم يبق فيه حديث ضعيف من الكتب الثمانية.

وقد أجمل الدكتور في قوله : « تسرب أحاديث الغلاة ... الى بعض كتب الحديث عند الشيعة » ، حيث يصلح لارادة كل كتاب من تلك الثمانية ، وإن قال عن أحاديث ( البحار ) عند ذكره : « وربما كان بعضها موضوعاً ».

وحيث كان عملنا بالأخبار على ضوء تلك المدارك والقواعد فلا يمكن إعطاء ضابطة كلية تميز الأحاديث المعتبرة عن غيرها ، لاختلاف مباني الفقهاء في العمل بالأخبار ، كاختلافهم في الجرح والتعديل ، ولذا اضطروا الى تنقيح تلك المباني ، والاجتهاد فيها. وعليه فتكثر الأحاديث الضعيفة على مبنى وتقل على مبنى آخر ، وقد تنعدم بالنسبة للكتب التي ادعي احتفاف أخبارها بالقرائن المفيدة للوثوق بصدورها أجمع عن المعصوم (ع).

وهذا الاختلاف في شأن الجرح والتعديل ، وقواعد العمل بالحديث ثابت لدى أهل السنة أيضاً.

يبقى البحث في دعوى أن اللازم من تلك الأمور السابقة وجوب العمل بجميع الأخبار المدوّنة في الكتب الأربعة ، ونظائرها من كتب القدماء المعتبرة.

والجواب عنها أن الثابت بتلك الأمور سلامة الأخبار الواردة في تلك الكتب من الوضع والدس ، بمعنى أن كل راوي ورد في أسنادها قد حدّث

١٥٠

بها ، لا أنها مكذوبة عليه ، ومدسوسة في كتابه من قبل الواضع الداس لكنه لا يلزم من ذلك التعبد بصدورها أجمع عن الامام (ع) ، لتوقف حجية الخبر على أمرين ، أحدهما إحراز نقل الراوي له. ثانيهما إحراز وثاقته. والأمور السابقة إنما تثبت لنا أن الراوي كمحمد بن سنان نقل الخبر عن الامام (ع) ، لا أنه مكذوب عليه. أما وثاقته فنحتاج الى إحرازها من طريق آخر ، كوثاقة بقية رجال سند الخبر.

نعم لو حصل من تلك الأمور وثوق ، واطمئنان بصدور تلك الأخبار بأجمعها عن المعصوم (ع) كانت حجة لذلك وإن لم يثبت وثاقة رواتها وكذا لو اطمأن الفقيه بصدور بعضها لكونه موجوداً في الكتاب المعروض على المعصوم (ع) ، أو قامت القرائن على أن الجواب بخطه (ع).

وهذا جاري في اعتبار نفس الكتاب ، والأصل الناقل للأخبار ، حيث لا يثبت اعتباره إلا بعد إحراز وثاقة مؤلفه ، وصحة نسبته اليه ، فلا يجدي أحدهما. ولذا بحث الفقهاء عن صحة طرق الشيخين الطوسي ، والصدوق الى أصحاب الكتب ، والأصول التي نقلا عنها الأخبار ، فحكموا بصحة بعضها ، وضعف البعض الآخر. كما هجر كثير منهم روايات كتاب الفقه المنسوب الى الامام الرضا (ع) ، لعدم ثبوت تلك النسبة لديهم.

نعم لو حصل اطمئنان بصحة نسبة الكتاب الى مؤلفه كفى وثاقته في اعتباره ، وإن لم يثبت صحة الطريق اليه.

هذا كله بالنسبة للأحاديث الموضوعة ،

وأما الأحاديث الصادرة تقية فقد انحصرت بالأحاديث المتعارضة ، إذ لا يمكن عادة صدور الحكم عن المعصوم (ع) مخالفاً للواقع تقية ولا يصدر ما يخالفه من بيان الحكم الواقعي ، لا عنه ، ولا عن معصوم آخر طيلة عصور المعصومين (ع). بل ورد التصريح في بعض الأخبار بالقاء

١٥١

المعصوم (ع) الخلاف في الحكم بين الشيعة حفظاً لهم من جور الحاكمين وعلل في بعض الأخبار بقوله (ع) : لو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ، ولكان أقل لبقائنا وبقائكم الخ » (١). وبقوله (ع) : « لو صلّوا على وقت واحد لعرفوا فأخذ برقابهم » (٢).

وقد وضع الأئمة من أهل البيت (ع) طريقاً لمعرفة الحجة من الخبرين المتعارضين ، وهو عرضهما على كتاب اللّه تعالى ، والأخذ بما وافقه ، وترك ما خالفه. إذ لا إشكال في أن الموافق هو الذي صدر لبيان الحكم الواقعي فان لم يذكر الحكم في الكتاب أخذ بما خالف العامة ، وهجر ما وافقهم إذ لا إشكال في أن الموافق هو الذي صدر تقية.

الوجه الثاني : أن العلم الاجمالي بوجود ذينك الطائفتين من الأخبار أعني الموضوعة ، والصادرة تقية ضمن الأخبار الواصلة الينا ، على تقدير تحققه ، لا أثر له ، فان هذه الأخبار على قسمين ، أحدهما تضمن حكماً غير الزامي ، والأخر تضمن حكماً إلزامياً. ولا أثر للعلم الاجمالي في الأول فيجري الأصل في الثاني بلا معارض ، ويعمل بأخباره بعد سلامة السند والدلالة من الضعف.

ويورد عليه بأن الأثر ثابت لهذا العلم حتى في القسم الأول ، من أجل استناد الفقيه الى أخباره ، وفتواه على طبقها ، إذ تارة يفتي الفقيه بالوجوب ، وأخرى بالاستحباب ، وثالثة بالكراهة ، وفي جميع ذلك محتاج الى حجة يستند اليها في فتواه ، وعليه فالحكم الالزامي وغيره سواء في اعتبار سلامة مدركه من الخدش ، فيتنجز ذلك العلم الاجمالي.

الوجه الثالث : أن العلم الاجمالي المذكور على تقديره قد اتحل بعدم العمل بكثير من الأخبار الواصلة الينا ، لأمور دعت الى ذلك ، منها ضعف

__________________

١ ـ الكافي ج ١ ص ٦٥.

٢ ـ الحدائق ح ١ ص ٦.

١٥٢

سند الخبر أو دلالته ، وعدم وجود الجابر لهما. ومنها شذوذه ، وهجر الفقهاء له ، ومنها حمله على التقية عند اقتضاء القواعد ذلك. ومنها وجود المعارض له المسقط عن الاعتبار. وعليه نحتمل بل نظن بوجود ذينك الطائفتين من الأخبار في تلك المجموعة التي لم نعمل بها ، فلا يبقى لنا علم إجمالي بوجودهما ضمن أخبارنا المعمول بها.

واحتمال وجودهما بينها غير ضاير ، حيث لا يعتنى باحتمال كون الخبر موضوعاً ومدسوساً بعد إطلاق دليل حجية خير الثقة ، كما لا يعتنى باحتمال صدوره تقية بعد جريان أصالة الظهور ، فان مقتضى حجية ظاهر الكلام أن مفاده مراد للمتكلم بالارادة الجدية ، فلا عبرة باحتمال إرادة خلاف ظاهره من سخرية ، أو امتحان ، أو تقية ، أو غيرها ما لم تقم قرينة على ذلك. هذا ما بنى عليه العقلاء عند التحاور ، والتفهيم.

وخلاصة البحث أنه لم يقم دليل يمكن الركون اليه في إثبات قاعدة كلية مقتضاها حجية كل خبر اشتهر عمل الفقهاء به وإن كان ضعيف السند ووهن كل خبر اشتهر الاعراض عنه وإن كان صحيح السند.

نعم لو حصل الوثوق في مورد بصدور الخبر عن المعصوم (ع) من شهرة العمل أو غيرها كان حجة ، وإن ضعف سنداً. كما أنه لو حصل الوثوق بعدم صدوره أصلاً ، أو بعدم صدوره لبيان الحكم الواقعي من شهرة الاعراض ، أو غيرها سقطت حجيته ، وإن صح سنداً. فالعبرة بذلك الوثوق.

وعليه فلو تعارض خبران في الدلالة ، أحدهما حصل الوثوق برواته والآخر بصدوره جرى عليهما أحكام المتعارضين لحجية كل منهما في نفسه.

نعم لو قلنا بانسداد باب العلم في توثيقات الرواة ، واكتفينا بالظن فيها كان الخبر الموثوق بصدوره هو الحجة دون معارضه الذي حصل الظن

١٥٣

بوثاقة رواته. كما أنه لو انعكس الأمر ، فانسد باب العلم بالنسبة للوثوق بالصدور ، دون الوثوق بالرواة ، كان خبر الثقة هو الحجة دون معارضه الذي حصل الظن بصدوره. أما لو انسد باب العلم فيهما كان الخبر الذي حصل الظن بصدوره معارضاً لما حصل الظن بوثاقة رواته لحجية الظن فيهما معاً. فانسداد باب العلم بالنسبة للوثوق بصدور الأحاديث الواصلة الينا لا يثبت حجية الظن به ما لم ينسد باب العلم في توثيقات الرواة ، وبالعكس.

وعليه يلزم النظر في شأن التوثيقات الصادرة في حق رواة الأحاديث وهل أنها تفي بالمطلوب ليكون باب العلم منفتحاً فيها ، فلا يضطر الى التنّزل الى العمل بالظن.

وتفصيل البحث عن ذلك يستدعي النظر في الأصول الرجالية التي هي المرجع في باب التوثيقات فنقول.

١٥٤
١٥٥

ـ ٥ ـ

الاُصُول الِرجاليّة وَرِجَال ابن الغَضَائري

١٥٦

الأصول الرجالية

لنا أصول في الحديث نعرف بها متنه وأسماء رواته ، مثل كتبنا الأربعة.

ولنا أصول في الرجال نعرف بها حال بعض اولئك الرواة ، وما قيل فيهم من قدح ومدح وتوثيق وتضعيف ، لتوقف صحة العمل بخبر الواحد على احراز اعتبار رواته ، فيضطر الفقيه الى النظر في تلك الأصول. وهي.

١ ـ كتاب أبي الحسين احمد بن العباس النجاشي الأسدي المتوفى سنة ( ٤٥٠ هجري ) ، المعروف ب‍‌ ( رجال النجاشي ).

٢ ـ كتاب الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة ( ٤٦٠ هجري ) ، المعروف ب‍‌ ( الفهرست ).

٣ ـ كتابه الثاني المعروف ب‍‌ ( رجال الشيخ الطوسي ).

٤ ـ كتابه الثالث الذي اختاره من كتاب الشيخ الأقدام أبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي المعدود في طبقة الشيخ الكليني المتوفى سنة ( ٣٢٩ هجري ) ، وسماه ب‍‌ ( اختيار الرجال ) ، كما يسمى اليوم ب‍‌ ( معرفة أخبار الرجال ) ، وبه عنوان الكتاب المطبوع ، واشتهر ب‍‌ ( رجال الكشي ) (١).

__________________

١ ـ صرح بذلك جماعة. منهم الشيخ يوسف البحراني قائلاً : « وكتاب الكشي المذكور لم يصل الينا وإنما الموجود المتداول كتاب ( اختيار الكشي ) للشيخ أبي جعفر الطوسي الخ » ( لؤلؤة البحرين ص ٤٠٣ ). ونقل الشيخ أبو علي عن جملة من مشايخه : أن كتاب ( رجال الكشي ) « كان جامعاً لرواة العامة والخاصة ، خالطاً بعضهم ببعض ، فعمد اليه

١٥٧

٥ ـ كتاب أبي الحسين احمد بن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري ، المعاصر للشيخ الطوسي والنجاشي ، ألّفه في خصوص الضعفاء من الرجال ويعرف ب‍‌ ( رجال ابن الغضائري ).

وقد جمع السيد جمال الدين احمد بن طاووس المتوفى سنة ( ٦٧٣ هجري ) هذه الأصول الرجالية الخمسة في كتابه ( حل الاشكال في معرفة الرجال ).

كما جمعها الشيخ عناية اللّه القهبائي في كتابه ( مجمع الرجال ).

وهناك كتب أخرى كثيرة للقدماء ألفت في الرجال ، نص عليها أرباب التراجم والسير ، وسبق (١) الاشارة الى بعضها. منها ( رجال ) احمد بن محمد بن خالد البرقي. لكنها لم تعد من الأصول.

ويمكن تعليل إهمالها ، وحصر الأصول في تلك الخمسة بعدم وصولها الى أيدي الفقهاء ، وإنما ذكرت عند تراجم مؤلفيها ، لكن هذا لا يتم بالنسبة ل ( رجال البرقي ) المطبوع أخيراً منضماً الى ( رجال ابن داود ) فانه من أجزاء كتابه ( المحاسن ) الشهير. فيتحكم الايراد على إهماله عند

____________

شيخ الطائفة ـ طاب مضجعه ـ فلخصه ، وأسقط منه الفضلات ، وسماه ب‍‌ ( اختيار الرجال ) ، والموجود في هذه الأزمان ، بل وزمان العلامة وما قاربه إنما هو ( اختيار الشيخ ) ، لا الكشي الأصل ). ( منتهى المقال ص ٢٨٥ ). وجاء في كتاب ( الذريعة ج ١ ص ٣٦٥ ) : ان كتاب الرجال المتداول المشهور ب‍‌ ( رجال الكشي ) هو للشيخ الطوسي ، اختاره من ( رجال الكشي ) الذي اسمه ( معرفة الناقلين ) ، كما ذكره ابن شهرآشوب في ( معالم العلماء ) ، وكانت فيه أغلاط كثيرة ، كما ذكره النجاشي ، فجرد شيخ الطائفة ما فيه من الأغلاط وهذبه ، فسمي ( اختيار الرجال ).

١ ـ أنظر ص ٢٠.

١٥٨

تعداد الأصول.

وقد يعتذر عن إهماله بأن مؤلفه لم يتعرض فيه لجرح أو تعديل ، وإنما عد فيه بعض أصحاب النبي (ص) والأئمة من أهل بيته (ع). والغرض المهم معرفة حال الراوي من حيث الوثاقة والضعف.

ولكنه يوهن بأن البرقي أوضح فيه طبقات من ذكرهم من الرواة ، ومن أدرك الأئمة (ع) منهم ، وتلك ثمرة بالنسبة لرواة الحديث. على أنه قد وصف بعض أصحاب أمير المؤمنين (ع) ب‍‌ ( الأصفياء ) وهو فوق حد التوثيق ، كما وصف جماعة منهم ب‍‌ ( الأولياء والخواص ) وعليه يستحق أن يضاف الى الأصول الخمسة فتعد ستة.

الأصول ورواة الحديث

وليس في تلك الأصول الرجالية الستة كتاب شامل لجميع رواة أحاديثنا بحيث يكشف عن حالهم ، توثيقاً وتضعيفاً ومدحاً وجرحاً.

١ ـ فالشيخ الكشي اقتصر في كتاب ( رجاله ) على الرواة الذين ورد فيهم أحاديث مدحاً أو ذماً ، وأهمل الباقين جميعاً. وبتعبير آخر ، إنه اقتصر على ذكر الروايات الواردة في حق الرواة. على أن كتابه قد رماه النجاشي بكثرة الأغلاط ، كما سبق (١).

٢ ـ والشيخ النجاشي وضع كتاب ( رجاله ) لذكر كتب الامامية وتصانيفهم ، وإنما ذكر المؤلفين لها بالعرض ، فلم يذكر من ليس له كتاب من الرواة. ولذا قال في مقدمة كتابه : « فاني وقفت على ما ذكره السيد الشريف ... من تعيير قوم من مخالفينا ، أنه لا سلف لكم ، ولا مصنّف

____________

١ ـ أنظر ص ٥١.

١٥٩

وهذا قول من لا علم له بالناس ... وقد جمعت من ذلك ما استطعته ولم أبلغ غايته ، لعدم أكثر الكتب ، وإنما ذكرت ذلك عذراً الى من وقع اليه كتاب لم أذكره ... أذكر المتقدمين في التصنيف من سلفنا الصالحين ».

وقد جرح وضعّف كثيراً من أولئك الرواة المؤلفين. كما لم يوثق كثيراً منهم ، مثل عبد اللّه بن بكير (١) ولم يشر الى خلافه في المذهب.

٣ ـ والشيخ الطوسي في كتابه ( الفهرست ) جرى على ذلك مقتصراً على ذكر كتب الشيعة من تصانيف وأصول وذكر أصحابها تبعاً لذكرها. وقد صرح بذلك في مقدمة كتابه ، فقال : « فاني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا ( فهرست ) كتب أصحابنا ، وما صنّفوه من التصانيف ، ورووه من الأصول ، ولم أجد أحداً استوفى ذلك ... عمدت الى كتاب يشتمل على ذكر المصنفات والأصول ... فاذا ذكرت كل واحد من المصنّفين ، وأصحاب الأصول فلا بد من أن أشير الى ما قيل فيه من التعديل والتجريح ، وهل يعوّل على روايته أولاً ...

____________

١ ـ هو من وجوه الرواة الذين نقل الكشي الاجماع على تصحيح ما يصح عنهم ، وتصديقهم لما يقولون ، والاقرار لهم بالفقه ، وقال : « قال محمد بن مسعود : عبد اللّه بن بكير ، وجماعة من الفطحية ، هم فقهاء أصحابنا ... وعد عدة من أجلة الفقهاء العلماء » ( رجال الكشي ص ٢٣٩ ـ ٢٢١ ). وصرح الشيخ الطوسي بتوثيقة في ( الفهرست ص ١٠٦ ).

نعم إن بعض المتأخرين لا يعملون بروايته من أجل أنه فطحي. لكن الحق أن اختلال مذهبه لا يضر بوثاقته ، والعمل بروايته. وقد وثق النجاشي كثيراً من الفطحية ونظائرهم ، فقال عند ذكر عمار بن موسى الساباطي ، وأخويه قيس وصباح : « وكانوا ثقاتاً في الرواية » ( رجال النجاشي ص ٢٠٦ ).

١٦٠