قواعد الحديث

محي الدين الموسوي الغريفي

قواعد الحديث

المؤلف:

محي الدين الموسوي الغريفي


الموضوع : الحديث وعلومه
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٧٤

يا سيدي. فقال (ع) : علي ابني هذا (ع) ... فقال يحيى بن الحسن لحرب : فما حمل علي بن أبي حمزة على أن برئ منه وحسده. قال : سألت يحيى بن مساور عن ذلك ، فقال : حمله ما كان عنده من ماله اقتطعه ليشقيه في الدنيا والآخرة ».

وروى بسنده عن أبي داود ، قال : كنت أنا وعتيبة بياع القصب عند علي بن أبي حمزة البطائني ، وكان رئيس الواقفة ، فسمعته يقول : قال لي أبو ابراهيم عليه‌السلام إنما أنت وأصحابك ـ يا علي ـ أشباه الحمير الخ ».

وروى بسنده عن احمد بن عمر ، قال : « سمعت الرضا (ع) يقول في ابن أبي حمزة : أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يهدى الى عيسى بن موسى ، وهو صاحب السفياني. وقال : إن أبا إبراهيم يعود الى ثمانية أشهر ، فما استبان لهم كذبه؟ ».

وروى بسنده عن محمد بن سنان ، قال : « ذكر علي بن أبي حمزة عند الرضا عليه‌السلام فلعنه. ثم قال : إن علي بن أبي حمزة أراد أن لا يعبد اللّه في سمائه وأرضه ، فأبى اللّه إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون ، ولو كره اللعين المشرك. قلت : المشرك. قال : نعم واللّه وإن رغم أنفه ، كذلك هو في كتاب اللّه ، يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم ، وقد جرت فيه ، وفي أمثاله ، إنه أراد أن يطفئ نور اللّه » (١).

وذكره الشيخ الكشي في موارد ثلاثة من كتاب ( رجاله ) (٢).

وذكر فيها عدة روايات في ذمه ، فروى بعدة طرق ما نقله الشيخ الطوسي عن أبي داود.

__________________

١ ـ أنظر هذه الروايات في كتاب ( الغيبة ) للشيخ الطوسي ص ٤٦ ، وما بعدها.

٢ ـ أنظر ص ٢٥٥ ـ ٢٧٧ ـ ٢٨٨.

٨١

وروى عن ابن مسعود ، عن علي بن الحسن بن فضال أنه قال : « علي بن أبي حمزة كذاب متهم ، روى أصحابنا : أن أبا الحسن الرضا (ع) قال ـ بعد موت ابن أبي حمزة ـ : إنه أقعد في قبره ، فسئل عن الأئمة عليهم‌السلام فأخبر بأسمائهم حتى انتهى إلي ، فسئل فوقف ، فضرب على رأسه ضربة امتلأ قبره ناراً ».

وروى عن ابن مسعود أنه قال : « سمعت علي بن الحسن يقول : ابن أبي حمزة كذاب ملعون ، قد رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت تفسير القرآن من أوله الى آخره ، إلا أني لا أستحل أن أروي عنه حديثاً واحداً ».

وروى بسنده عن يونس بن عبد الرحمان قال : « مات أبو الحسن (ع) وليس من قوامه أحد إلا وعنده المال الكثير ، فكان ذلك سبب وقوفهم وجحودهم موته ، وكان عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار ».

وروى بسنده عن محمد بن الفضل عن أبي الحسن (ع) قال : « قلت جعلت فداك إني خلفت ابن أبي حمزة ، وابن مهران ، وابن أبي سعيد اشد اهل الدنيا عداوة لك. فقال لي : ما ضرك من ضل اذا اهتديت ، إنهم كذبوا رسول اللّه (ص) ... وسمعته يقول ـ في ابن ابي حمزة ـ : « أما استبان لكم كذبه ، أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يهدى الى عيسى بن موسى ، وهو صاحب السفياني. وقال : إن أبا الحسن يعود الى ثمانية أشهر؟ ».

وروى بسنده عن يونس بن عبد الرحمان. قال : « دخلت على الرضا (ع) فقال لي : مات علي بن أبي حمزة. قلت : نعم. قال (ع)

٨٢

قد دخل النار. قال : ففزعت (١) من ذلك. قال (ع) : أما أنه سئل عن الامام بعد موسى أبي (ع) فقال : إني لا أعرف إماماً بعده. فقيل لابنه. فضرب في قبره ضربة اشتعل قبره ناراً ».

وروى بسنده عن احمد بن محمد ، عن أبي الحسن (ع) أنه قال : « ... لما قبض رسول اللّه (ص) جهد الناس في إطفاء نور اللّه ، فأبى اللّه إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين (ع) ، فلما توفي أبو الحسن (ع) جهد علي بن أبي حمزة في إطفاء نور اللّه ، فأبى اللّه إلا أن يتم نوره الخ ».

وروى بسنده عن اسماعيل بن سهل عن بعض أصحابنا حديثاً طويلاً عرض فيه النقاش الدائر بين البطائني والامام الرضا (ع) حول إمامته. وجاء في آخره : أن البطائني قال : « إنا روينا أن الامام لا يمضي حتى يرى عقبه. فقال أبو الحسن (ع) : أما رويتم في هذا الحديث غير هذا. قال : لا. قال (ع) : بلى واللّه لقد رويتم إلا القائم ، وأنتم لا تدرون ما معناه ، ولمَ قيل. قال له علي : بلى واللّه إن هذا لفي الحديث. قال له ابو الحسن (ع) : ويلك كيف اجترأت على شيء تدع بعضه. ثم قال : يا شيخ إتق اللّه ، ولا تكن من الصادين عن دين اللّه تعالى ».

ولذا اشتهر بين الفقهاء ، والرجاليين ضعفه ، وعدم العمل بروايته فأدرجه العلامة الحلي في القسم الثاني من ( خلاصته ) الذي أعده للضعفاء من الرواة ، والذين لا يعمل بروايتهم. وقال عنه : إنه أحد عمد الواقفة.

__________________

١ ـ الظاهر أن فزعه من اجل ذكر النار ، وعذابها ، فان المؤمنين إذا ذكرت النار عندهم وجلت قلوبهم. ولم يكن فزعه من أجل دخول البطائني فيها ، لأن يونس هو الذي كان يندد به ، ويعلن عن كذبه ، وبدعه ، وليس من الغريب أن يدخل المبدع المضلل النار.

٨٣

ونقل بعض الأدلة السابقة ، وقول ابن الغضائري : « علي بن أبي حمزة ـ لعنه الله ـ اصل الوقف ، وأشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي ابراهيم عليه‌السلام » (١) وقال العلامة ـ في ترجمة الثمالي ـ : « لأن ابن أبي حمزة البطائني ضعيف جداً » (٢). وهذه الجملة وردت في كلام الميرزا محمد ايضاً (٣).

وذكره ابن داود في القسم الثاني من ( رجاله ) الذي أعده للمجروحين ونقل بعض الروايات السابقة ، وكلام ابن الغضائري فيه (٤). وضعّفه المجلسي صريحاً (٥).

وقال الشيخ المامقاني : « وإنما وقع الخلاف في وثاقته وعدمها على قولين. أحدهما : أنه ضعيف لا يعمل بخبره وهو المشهور بين علماء الرجال والفقهاء ، وقد سمعت التصريح به من جمع ، ولعنه من عده ، أقوى شاهد على نهاية ضعفه ، وقد صرح بوقفه وضعفه ، وعدم العمل بروايته جمع منه المحقق في ( المعتبر ) ، وسيد ( المدارك ) ، ومستنده ظاهر الخ » (٦).

هذه أدلة ضعفه ، ولا بد من النظر فيها فنقول.

__________________

١ ـ خلاصة الرجال ص ١١١.

٢ ـ خلاصة الرجال ص ٤٧.

٣ ـ منهج المقال ص ٢٢٤.

٤ ـ رجال ابن داود ص ٤٧٨.

٥ ـ وجيزة المجلسي ، ملحقة بخلاصة الرجال ص ١٥٨.

٦ ـ تنقيح المقال ج ٢ ص ٢٦٢

٨٤

التحقيق في الأدلة

إن محض اتصاف الرجل بالوقف ، وصدور لعنه عن أهل البيت عليهم‌السلام لذلك لا يسقط حديثه عن الاعتبار لو كان ثقة في نفسه لا يكذب في قوله ، حيث لا يشترط في اعتبار الراوي العدالة ولا الايمان وإن اعتبرهما جماعة ، فلم يعملوا بخبر سيّئ العقيدة وإن كان ثقة ، لكن سبق وهنه (١). فلا تنافي بين وثاقة الرجل في حديثه ، وانحرافه عن أهل البيت (ع) في عقيدته.

وعليه فما دل على وقف البطائني ، ولعنه لذلك ، وتعذيبه في الآخرة عليه ، لا يصلح دليلاً لإثبات ضعفه ، كما وأن تشبيهه وأصحابه بالحمير لا صلة له بالوثاقة ، فانه يعرب عن عدم انتفاعهم بما حملوه من علوم أهل البيت عليهم‌السلام وأحاديثهم ، فمثلهم « كمثل الحمار يحمل أسفاراً » (٢) فيرتكز ضعفه إذن على ثلاثة أمور.

الأول : إن قوله بالوقف ، وانحرافه عن الامام الرضا (ع) لم يكن لشبهة عرضت له ، وإنما دعاه اليه الطمع يما عنده من أموال الامام الكاظم (ع) ، حيث يلزمه تسليمها الى ابنه الرضا (ع) لو اعترف بامامته وهذا المعنى شاع واشتهر ، واستفاضت الروايات الدالة عليه ، التي وثق الشيخ الطوسي رواتها بقوله : « فروى الثقات أن اول من اظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني ... طمعوا في الدنيا الخ » ما سبق.

فقد تعمد البطائني الكذب في إخباره عن حياة الامام الكاظم (ع) وإنكاره لموته ، ليبقى وكيلاً عنه ، ولتبقى امواله في يده ، وذلك منتهى

____________

١ ـ انظر ص ٢٧ ـ ٢٨.

٢ ـ الجمعة / ٦

٨٥

الضعف ، وسقوط الراوي عن الاعتبار ، فان صدقه في قوله أساس قبول روايته. ولم يكفه ذلك بل سعى حثيثاً ، وبذل أقصى جهوده في سبيل تركيز دعوته الكاذبة وتسييرها في الملاء الشيعي ، واستمال هو والقندي جماعة ببذل الأموال لهم في هذا السبيل ، وضمنا ليونس مالاً جزيلاً إن كف عن معارضتهما ، واستمرا في هذا التضليل ، ولذا قال الامام الرضا عليه‌السلام : فلما توفي أبو الحسن جهد علي بن أبي حمزة في إطفاء نور اللّه ، كما جهد الناس بعد رسول اللّه (ص) في إطفاء نوره.

وينبؤنا هذا عن مدى ما قام به البطائني من الافتراء في ترويج الباطل ولذا كان أصل الوقف وأساسه على حد تعبير مترجميه. ولم يرد في رجال الواقفة ، ولا غيرهم من بقية الفرق مثل الذم الوارد فيه ، وعليه كيف يصح الركون لمثله ، والعمل بحديثه.

الثاني : شهادة علي بن الحسن بن فضّال بأنه كذاب لا يحل الرواية عنه ، وشهادته بأنه كذاب متهم. وسبق أن الشيخ الكشي روى هاتين الشهادتين ، عن محمد بن مسعود العياشي ، عن ابن فضال. والثلاثة ثقات.

لكم يورد على الشهادة الأولى أن الكشي ذكرها تارة في حق المترجم عند ترجمته ، وأخرى في حق ولده الحسن (١) ، وان اختلفا بالسؤال والسماع. واحتمال صدور شهادتين من ابن فضال ، رواهما عنه العياشي بلفط واحد ، إحداهما في الأب ، والاخرى في الابن ، بعيد. بالاضافة إلى أن المذكور فيها : أنه كتب عنه تفسير القرآن من أوله إلى آخره. ومن المستبعد جداً أن يكتب ذلك عن الأب مرة ، وعن الابن أخرى. وعليه فلا تصلح هذه الشهادة دليلاً لضعفهما معاً ، وتخصيصها بأحدهما بلا

____________

١ ـ رجال الكشي ص ٣٤٢

٨٦

مرجح ، إلا أن يقال : بحدوث علم إجمالي من هذه الشهادة بضعف أحدهما فيسقطان معاً عن الاعتبار.

ويمكن ترجيح اختصاص هذه االشهادة في الابن من أجل ذكر اسمه فيها صريحاً عند ترجمته ، وعدم ذكر اسم الاب عند ترجمته ، وإنما ورد « ابن أبي حمزة » ، ولا مانع من إرادة الابن منه نسبة الى جده ، ويكون الخطأ واقعاً في ذكر الشهادة عند ترجمة الأب ، إلا أن الذي يضعّف ذلك تكرار التعبير عن الأب بابن أبي حمزة في الروايات.

أما الشهادة الثانية فانها سالمة عن هذا الايراد. لكن يمكن القول : بأن المراد بالكذب فيها الكذب في العقيدة ، لا الإخبار ، حيث يرى البطائني مذهب الوقف ، وابن فضال فطحي. وهذا جاري في الشهادة الأولى أيضاً ، فيكون عدم استحلاله الرواية عنه من أجل اختلافهما في العقيدة. وتصريحه برواية أحاديث كثيرة ، وكتابة تفسير القرآن عنه ، كاشف عن اعتماده عليه حينذاك قبل اختلال عقيدته بالوقف ، فلما اختلت لم يستحل أن يروي عنه.

وقد ذكر الشيخ الطوسي : أن كثيراً من رجال الطائفة طعنوا في رواية المخالف في المذهب ، وانكروا عليه « نحو إنكارهم على من يقول بالتجسيم ، والتشبيه ، والصورة ، والغلو ، وغير ذلك. وكذلك من خالف في أعيان الأئمة (ع) لأنهم جعلوا ما يختص الفطحية ، والواقفة ، والناووسية وغيرهم من الفرق المختلفة ، بروايته لا يقبلونه ، ولا يلتفتون اليه الخ » (١).

وابن فضال وإن كان فطحياً ، إلا أنه يمكن أن لا يعتمد على رواية الواقفة الذين ينكرون إمامة الرضا (ع) ، والأئمة من ولده (ع) ، لأن الفطحية يعتقدون بامامة الجميع ، ويضيفون اليهم عبد اللّه الأفطح بن

__________________

١ ـ عدة الأصول ص ٥٧

٨٧

الامام الصادق (ع).

والجواب عنه أن إرادة الكذب في العقيدة ، وإن أمكن ، حيث يصح إطلاق لفظ الكذب على الإنصراف عن الحق ، كالافك ، إلا أن المشهور في معناه لغة ، وعرفاً هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو فيه ضد الصدق (١). وهو المستعمل في كتب الجرح ، والتعديل لتعلق الغرض المهم بمعرفة صدق الراوي ، وتحرزه عن الكذب في حديثه. على أن تعقيب ابن فضال قوله : « كذاب » ، في شهادته الثانية بلفظ « متهم » يكشف عن إرادة المعنى الشائع من لفظ الكذب ، حيث لا يصح تهمته في العقيدة ، لأن وقفه جلي لا نقاش فيه ، وهو عمد الواقفة ، وإنما يتهم في القول ، والإخبار ، فان الكذاب قد يصدق ، إلا أنه متهم بالكذب في كل ما يخبر به ، ولأجله لا يقبل خبره مطلقاً.

الثالث : ما رواه الشيخ الكشي بسنده (٢) عن أبي الحسن الرضا (ع)

____________

١ ـ مجمع البحرين ، وأقرب الموارد ، مادة كذب.

٢ ـ رواه عن شيخه علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري ، الذي وصفه الشيخ الطوسي في ( رجاله ص٤٧٨ ) بالفاضل. وقال عنه النجاشي في ( رجاله ص ١٨٣ ) : إنه صاحب الفضل بن شاذان ، وراوية كتبه ، اعتمد عليه أبو عمرو الكشي في كتاب ( الرجال ). وذكره العلامة في القسم الأول من ( خلاصته ص ٤٦ ). وكذا ابن داود ذكره في القسم الأول من ( رجاله ٢٥٠ ). ولذا اعتمد عليه كثير ، وإن ناقش فيه آخرون عن محمد بن احمد بن يحيى الأشعري الثقة صاحب ( نوادر الحكمة ) ، عن أبي عبد اللّه الرازي ، وهو احمد بن اسحاق الثقة ، عن احمد بن محمد بن أبي نصر الثقة ، عن محمد بن الفضل ، وهو وإن اشترك بين جماعة إلا أن الذي يروي عن الرضا (ع) منهم اثنان. احدهما الأزدي الكوفي

٨٨

أنه قال في البطائني : « أما استبان لكم كذبه ، أليس هو الذي يروي : أن رأس المهدي يُهدى الى عيسى بن موسى (١) وهو صاحب السفياني.

وقال : إن أبا الحسن يعود الى ثمانية أشهر »؟.

__________________

الثاني ابن عمر ، حيث لم يذكر الشيخ الطوسي غيرهما في أصحاب الامام الرضا (ع) من ( رجاله ص ٣٨٦ ـ ٣٩٠ ) ، ووثق الأزدي فقط ، فيبقى الثاني مجهولاً. نعم هناك شخص ثالث يلقب بالبغدادي روى عن الامام الهادي (ع) ، ولم يستبعد في ( جامع الرواة ج ٢ ص ١٧٣ ) ، كونه الأزدي الثقة.

١ ـ كتب في حاشية كتاب ( الغيبة ) للشيخ الطوسي ص ٥٠ تعليق على هذا الحديث. وهو « المراد من المهدي هو محمد ابن الخليفة العباسي المنصور ، المتولي للخلافة سنة ١٥٨ ، ثمان وخمسين ومائة ، بعهد من أبيه المتوفى سنة ١٦٩ ، تسع وستين ومائة. وكان جده (*) السفاح عقد الخلافة أولاً لأخيه عبد اللّه المنصور ، وجعله ولي عهده ، ومن بعده لابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي ، ولكن المنصور عهد في موته لابنه المهدي محمد المزبور ، ثم أجبر عيسى بن موسى المذكور على الخلع ، فخلع نفسه عن الخلافة ، فجعلها المهدي لابنه الهادي موسى ، وبعده لابنه الآخر هارون. هذا مجمل خبرهما. وإنما أراد الامام عليه‌السلام الطعن على علي بن أبي حمزة ، وتكذيبه في روايته : أن المهدي يقتل ، ويحمل رأسه الى عيسى بن موسى ».

وقد وقع الخطأ في ( رجال ) ابن داود المطبوع ص ٤٧٩ ، حيث نقل عن الكشي تلك الرواية هكذا.

« أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يُهدى الى عيسى بن مريم

(*) لا يخفى أن التعبير عن السفاح بجد المهدي غلط ، والصحيح أنه عمه.

٨٩

وروى نظيره الشيخ الطوسي بسنده (١) عن أبي الحسن الرضا (ع).

____________

وهو صاحب الشيباني ». والصحيح ما نقلناه هنا عن الكشي ، والشيخ الطوسي.

١ ـ رواه الشيخ الطوسي ، عن احمد بن محمد بن عيسى ، عن سعد بن سعد الأشعري ، وهما ثقتان ، عن احمد بن عمر ، وهو مشترك بين اثنين. أحدهما ابن أبي شعبة الحلبي ، وقد وثقه النجاشي ، قائلاً : « ثقة روى عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، وعن أبيه من قبل الخ ». ( رجال النجاشي ص ٧٢ ) والثاني الحلال بالحاء ، أو الخاء. وقد ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الامام الرضا (ع) من كتاب ( رجاله ص ٣٦٨ ) ووثقه.

وذكره ثانياً في باب ( من لم يروِ عنهم عليهم‌السلام ) من ( رجاله ص ٤٤٧ ). واستظهر ابن داود في ( رجاله ص ٣٥ ) تعدد الرجل ، وأن الخلال بالمعجمة من أصحاب الرضا (ع) ، وبالمهملة ممن لم يروِ عنهم (ع) ، وذلك من أجل ذكر الشيخ له في كلا البابين ، فيدل على تعدده ، كما استظهره في القاسم بن محمد الجوهري ( ص ٢٧٦ ).

وفيه بحث يأتي. والمذكور في رجال الشيخ المطبوع بالمهملة في كلا البابين ، كما في ( فهرسته ص ٣٥ ). لكن النجاشي ذكره بالمعجمة ، وصرح بروايته عن الرضا (ع) ، قائلاً : « احمد بن عمر الخلال يبيع الخل يعني الشيرج. روى عن الرضا (ع) ». ( رجال النجاشي ص ٧٢ ) ويكشف تفسيره للخل بالشيرج عن غلط المعجمة ، لأن الشيرج يطلق عليه الحل بالمهملة. قال في ( مجمع البحرين ، مادة حلل ) : « والحل بتشديد اللام دهن السمسم ، ومنه الحلال بالتشديد أيضاً ». ودهن السمسم هو الشيرج وعلى تقدير تعدد الرجل لا أثر له في محل البحث ، لأن الراوي

٩٠

..................................................................................................

____________

عن الرضا (ع) ، كما في هذه الرواية وثقة الشيخ الطوسي صريحاً ، كما وثق النجاشي الحلبي.

وهناك راوي اسمه احمد بن عمرو بسكون الميم بعدها واو ، بن المنهال لكن ابن داود في ( رجاله ص ٣٦ ) ذكر والده بلفظ عمر بفتح الميم وبدون واو ، ناقلاً له عن النجاشي. وهو غلط ، والصحيح ما ذكرناه كما في ( رجال النجاشي ص ٥٨ ) و ( فهرست الشيخ الطوسي ص ٣٧ ) ، وكل من ذكره بعدهما. وعليه فلم يوجد شخص ثالث يسمى بأحمد بن عمر غير ذينك الموثقين الحلبي والحلال ، مع الغض عما ذكره ابن داود من التعدد.

نعم إن الشيخ الطوسي في ( التهذيب ) روى في باب الطواف رواية عن موسى بن القاسم ، عن اسماعيل ، عن احمد بن عمر المرهبي ، عن أبي الحسن الثاني (ع) ( التهذيب ج ٥ ص ١١٠ ). والظاهر انه أحد ذينك الرجلين الحلبي ، أو الحلال ، وكان يلقب بالمرهبي أيضاً ، فوصفه بذلك الراوي ، وتبعه الشيخ في ذكره.

وأما أنه رجل ثالث غيرهما فبعيد جداً ، حيث لم يوجد له ذكر في كتب الرجال ، كفهرست الشيخ الطوسي ، وكتاب رجاله ، ورجال النجاشي والكشي ، وابن داود ، وخلاصة العلامة ، بل لم يذكر بهذا اللقب إلا في هذه الرواية ، ولم يذكر له غيرها ، ولذا اقتصر عليها في ( جامع الرواة ج ١ ص ٥٧ ). وعليه فلا يضرنا عند الاطلاق. وان كان شخصاً ثالثاً.

يبقى البحث في طريق الشيخ الطوسي الى احمد بن محمد بن عيسى فانه صحيح في ( مشيخة التهذيب ) ، لكنه يختص بما رواه فيه من الأحاديث حيث صرح في مقدمة مشيخته : بأن ذكره لتلك الطرق لتخرج أخبار كتابه عن حد المراسيل ، وتلحق بباب المسندات. وعليه فلا يمكن تصحيح

٩١

فهاتان الروايتان صريحتان في إرادة الكذب في القول ، ولا يحتمل فيهما إرادة الكذب في العقيدة ، حيث أتبع الامام (ع) قوله : « أما استبان لكم كذبه » بقوله : « أليس هو الذي يروي الخ »؟. فيكون قد روى ذلك كاذباً. وأي شهادة في الدنيا تسقط الراوي عن حد الاعتبار أعظم من شهادة الامام (ع) بأنه يروي كاذباً.

ويؤيده ما رواه الكشي بسنده عن اسماعيل بن سهل عن بعض أصحابنا وجاء في آخره : أن البطائني روى حديثاً بحضرة الرضا (ع) ، وحذف منه جملة ، فأنكر عليه الامام (ع) ذلك ، وبعد أن اعترف بها ، قال له الرضا (ع) : « ويلك كيف اجترأت على شيء تدع بعضه ... اتق اللّه ولا تكن من الصادين عن دين اللّه تعالى ».

وهو صريح في أن البطائني قد تعمد الكذب بانكاره لبعض الحديث.

وبعد هذا لا حاجة للبحث عما قيل في وجه اعتبار حديث البطائني أو توثيقه ، لأنه على تقدير أن يتم في نفسه لا يقوى على معارضة ما سبق

____________

حديث رواه الشيخ في غير ( التهذيبين ) ، مثل كتاب ( الغيبة ) اعتماداً على تلك الطرق.

إذن فتنحصر طرق الشيخ العامة لكل ما رواه بطرقه المذكورة في كتابه ( الفهرست ). وقد ذكر فيه ( ص٢٥ ) طريقين الى احمد بن محمد بن عيسى ، أحدهما فيه احمد بن محمد بن يحيى العطار ، والآخر فيه احمد بن محمد بن الحسن بن الوليد. فبناء على ما هو الأظهر من اعتبار هذين الرجلين يكون الطريق معتبراً ، بل يكفي اعتبار أحدهما في صحة الطريق ولذا صحح في ( جامع الرواة ج ٢ ص ٤٧٩ ) طريق الشيخ الطوسي الى احمد بن محمد بن عيسى في ( المشيخة ، والفهرست ) معاً ، ونقله عنه في ( مستدرك الوسائل ج ٣ ص ٧٢٣ ).

٩٢

من أدلة تضعيفه. وعلى فرض صلاحيته للمعارضة يتساقطان ، وتكون النتيجة هي الضعف. ومع ذلك لا بأس بالتعرض لما قيل ، أو يمكن أن يقال في وجه ذلك ، وهو أمور.

أدلة اعتبار البطائني ونقاشها

الأول : أن ابن أبي عمير ، والبزنطي ، وصفوان بن يحيى ، وقد رووا عنه ، وهم أقطاب الجماعة الذين حكى الكشي الاجماع على ( تصحيح ما يصح عنهم ) ، ونص الشيخ الطوسي على أنهم لا يروون إلا عن ثقة كما سبق ، وهو كاف في توثيقه.

والجواب عنه أن تصحيح الحديث لدى القدماء لا يلازم توثيق راويه لشيوع إطلاق الصحيح لديهم على المحتف بالقرائن المفيدة للوثوق بالصدور وبنى جماعة من المتأخرين على صحة أحاديث اصحاب الاجماع وإن رووا عن فاسق. وعليه فاجماع الكشي لا يثبت التوثيق ، مع وهنه في نفسه ، كما سبق.

إنما المهم دعوى الشيخ الطوسي : أن أولئك الثلاثة لا يروون إلا عن ثقة. ولذا جعل الوحيد البهبهاني روايتهم عن البطائني مؤيداً لوثاقته (١) لكنه سبق وهن تلك الدعوى ، وأن الشيخ الطوسي ضعّف البطائني صريحاً في كتاب ( الغيبة ) ، وهو منافي لها ، بل ينافيها جميع ما سبق من أدلة ضعفه ، وسقوطه عن الاعتبار. فالعمل على تلك الأدلة.

الثاني : ورود روايات أربع يمكن القول : بدلالتها على مدح البطائني أو صحة اعتقاده. نذكرها وإن كانت ضعافاً.

__________________

١ ـ تعليقة منهج المقال ص ٢٢٣.

٩٣

الأولى : نقلت عن الشيخ الطوسي في كتاب ( الغيبة ) بسنده ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن يحيى بن القاسم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عليهم‌السلام ، قال : قال رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الأئمة بعدي اثنا عشر ، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم ، هم خلفائي ، وأوصيائي ، وأوليائي ، وحجج اللّه على أمتي بعدي ، المقر بهم مؤمن ، والمنكر لهم كافر ». قال الشيخ المامقاني بعد نقلها : « فانه لا يعقل وقف من روى هذه الرواية » (١).

لكن يوهنه أولاً : عدم وجود هذه الرواية في كتاب ( الغيبة ) المطبوع. وثانياً : أنها ضعيفة السند. وثالثاً : أن البحث ليس في اعتقاده الوقف واقعاً كي يتنافى مع هذه الرواية ، بل الثابت انه قال بمذهب الوقف ودعا اليه طمعاً في المال ، لا لشبهة عرضت له ، وهذه الرواية على تقدير صحتها مؤيدة لذلك ، فيكون مصداقاً للآية الكريمة « وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم » (٢).

وإنما وصف بالوقف لتظاهره به ، ودعوته اليه حتى عد من عمد الواقفة ، واعترف به الشيخ المامقاني بقوله : « لا خلاف بينهم في كون الرجل واقفياً ، وقد تظافرت بذلك الأخبار ، وكلمات العلماء الاخيار الخ » (٣).

الثانية نقلت عن الشيخ الطوسي في كتاب ( التهذيب ) بسنده عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن (ع) قال : « قلت له إن أبي قد هلك ، وترك جاريتين قد دبّرهما (٤) ، وأنا ممن أشهد لهما ،

__________________

١ و ٣ ـ تنقبيح المقال ج ٢ ص ٢٦٢

٢ ـ النمل / ١٤.

٤ ـ التدبير تعليق عتق المولى عبده ، أو أمته بوفاته. وبما أن الوفاة دبر الحياة سمي ذلك التعليق تدبيراً ، فاذا توفي المولى تحرر المملوك المدبر. وتفصيله في كتب الفقه.

٩٤

وعليه دين كثير ، فما رأيك؟. فقال (ع) : رضي اللّه عن أبيك ، ورفعه مع محمد ، وأهله. قضاء دينه خير له ، إن شاء اللّه تعالى ». قال الشيخ المامقاني بعد نقلها : « فانه لا يعقل مثل هذا الدعاء من الامام (ع) للواقفي أو الامامي الغير المتقي » (١).

لكن يوهنه أولاً : ضعف سند الرواية ، فلا تصلح مدركاً لأي حكم وثانياً : منافاتها للروايات العديدة الصادرة عن أبي الحسن الرضا (ع) في ذم البطائني ، والتنديد به ، وأنه كاذب ، ومشرك ، ومعذب في الآخرة وأن قبره قد امتلأ ناراً. فكان الامام (ع) مهتماً في الاعلان عن عظم جرمه ، فلا يمكن عادة صدور مضمون هذه الرواية عنه ، بحيث يدعو للبطائني ـ بعد الترضي عليه ـ بأن يرفعه اللّه مع محمد ، وآله (ص) في الدرجة التي لا يبلغها إلا المخلصون من الأتقياء.

والذي يقوى في النفس أن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، لما رأى كثرة الروايات الصادرة عن الامام الرضا (ع) في ذم أبيه ، وتعذيبه بعد موته عظم عليه ذلك ، فروى هذا الترضي ، والدعاء نصرة لأبيه. وليس بالغريب بعدما كان ضعيفاً ، ومتهماً بالكذب.

وثالثاً : أن الترضي ، والترحم على الميت لا يدل على وثاقة أو مدح ولذا صدر الترحم من الامام (ع) على جميع زوار قبر الحسين (ع) بل جميع الشيعة. وفيهم من فيهم. بل صدر الاستغفار من النبي (ص) حتى للمنافقين ، فنزلت الآية الكريمة « سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم الخ » (٢). وفي آية أخرى « ... إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللّه لهم » (٣). فقال النبي (ص) :

____________

١ ـ تنقيح المقال ج ٢ ص ٢٦٢.

٢ ـ المنافقون / ٦.

٣ ـ التوبة / ٨١.

٩٥

لو علمت أني لو زدت على السبعين مرة لغفر ، لفعلت » (١). فترك النبي (ص) الاستغفار لهم بعدما أخبره اللّه تعالى أنهم يموتون على الكفر والنفاق. نقله الشيخ الطوسي عن الحسن ، وقال : « وقد كان النبي (ص) يستغفر لهم على ظاهر الحال بشرط حصول التوبة ، وأن يكون باطن المستغفر له مثل ظاهره ، فبين بها أن ذلك لا ينفع مع إبطانهم الكفر ، والنفاق » (٢)

الثالثة رواها الكشي بسنده عن رجل ، عن علي بن أبي حمزة. قال « شكوت الى أبي الحسن (ع) ، وحدثته الحديث ، عن أبيه ، عن جده فقال (ع) : يا علي هكذا قال : أبي ، وجدي عليهما‌السلام. قال : قال : فبكيت. ثم قال (ع) : أو قد سألت اللّه لك ، أو أسأله لك في العلانية أن يغفر لك » (٣).

لكن يوهنها أولاً : ضعف سند الرواية ، وإرسالها. وثانياً : ورودها من طريق البطائني نفسه ، ولا تقبل شهادة الانسان في مدح نفسه ، أو توثيقها ، فلا اعتبار بما يرويه في سبيل ذلك. وثالثاً : منافاتها للروايات الكثيرة الصادرة عن الرضا (ع) في ذمه حال حياته ، وبعد موته. ورابعاً أن الاستغفار لشخص لا صلة له بالوثاقة ، أو المدح.

الرابعة رواها الكشي بسنده عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه : أنه مرض بالمدينة مرضاً شديداً ، وعنده إسحاق بن عمار ، ثم رحل عنه اسحاق الى مكة ، فأرسل له أبو الحسن (ع) بقدح فيه ماء ، وأمره بشربه فشربه فعوفي ، فسأله اسحاق عن سبب شفائه ، فأخبره بالقصة ، وقال : « فقلت : يا إسحاق إنه إمام ابن امام ، وبهذا يعرف الامام » (٤).

ولكن يوهنها أولاً : ضعف السند. وثانياً : كون راويها ابن البطائني المتهم بالكذب ، عن أبيه في حق نفسه ، فلا تقبل منه. وثالثاً : عدم

__________________

١ ـ تفسير التبيان ج ٥ ص ٣١١.

٢ ـ تفسير التبيان ج ١٠ ص ١٤.

٣ ـ رجال الكشي ص ٢٥٥.

٤ ـ رجال الكشي ص ٢٧٩.

٩٦

ثبوت أن المراد بأبي الحسن هو الرضا (ع) ، لأنها كنية أبيه الكاظم (ع) (١) أيضاً ، بل الغالب إرادته مع الاطلاق ، فتكون القصة معه (ع) ، فلا صلة لها بالبحث.

وعلى فرض إرادة الرضا (ع) فغاية ما تدل عليه الرواية أمران. أحدهما : اعترافه بامامته (ع). وسبق : أنه لا ينافي إظهار مذهب الوقف وإخباره كذباً عن حياة الامام الكاظم (ع) طمعاً في المال ، فهو يعلم أن الرضا (ع) إمام بعد أبيه ، لكن غرته الدنيا ، وراقه زبرجها. ثانيهما : كونه مورد عطف الامام (ع) ، حيث سقاه الماء الذي عوفي به. وهو أجنبي عن الوثاقة ، والمدح ، فان العطف ، والتفضل ، والحنان شأن الأئمة من أهل البيت (ع) مع العدو ، والصديق. ولذا سقى الحسين (ع) الحر بن يزيد الرياحي ، وجماعته الخارجين لقتاله.

____________

١ ـ أبو الحسن كنية لأربعة من أئمة أهل البيت (ع). الأول أمير المؤمنين علي (ع). الثاني الامام موسى الكاظم (ع). الثالث الامام علي الرضا (ع). الرابع الامام علي الهادي (ع). لكن الأحاديث المروية عن أمير المؤمنين (ع) لا تشتبه بغيرها ، حيث ذكر فيها اسمه الشريف أو لقبه غالباً. مع الفصل الطويل في الزمن بينه ، وبين الأئمة الثلاثة من ولده ، فمن يروي عنه لا يمكن أن يروي عنهم. وإنما الترديد في تلك الكنية يكون بين الأئمة الثلاثة ولذا ميز الامام الكاظم (ع) بلفظ الأول والماضي. ومّيز الرضا (ع) بلفظ الثاني. وميز الهادي بلفظ الثالث. وعليه فلو اقترنت الكنية عند إطلاقها بهذا المايز فهو ، وإلا لزم ملاحظة القرائن في تعيين الامام المروي عنه مثل طبقة الراوي ، ونحوه. فان فقدت تردد بين الثلاثة ، وإن ترجح إرادة الكاظم (ع) ، لأن المروي عنه (ع) في حياته لم يقترن بمايز.

٩٧

الثالث : ما ذكره الشيخ المجلسي في ( وجيزته ) ، فانه بعدما ضعّف البطائني صريحاً نسب الى القيل كونه ثقة معللاً له بأمور ثلاثة. فقال : « وابن أبي حمزة البطائني ضعيف. وقيل : ثقة ، لأن الشيخ قال في ( العدة ) : عملت الطائفة بأخباره. ولقوله في ( الرجال ) (١) : له أصل ويقول ابن الغضائري في ابنه الحسن : أبوه أوثق منه » (٢).

وصرح الشيخ المامقاني بأن هذه الأمور التي أشار اليها المجلسي هي حجة توثيق البطائني ، الذي مال اليه ، أو قال به عدة من الأواخر. قال الشيخ محمد بن الحسن الحر بعد نقل خبر هو في طريقه : « واكثر رواته ثقات ، وإن كان منهم علي بن أبي حمزة ، وهو واقفي. لكنه وثقه بعضهم ». وبنى الشيخ المامقاني على ضعفه ، لكنه قبل أخباره ، وعدها من القوي ، وقدّم الصحيح عليها عند التعارض ، لأجل شهادة الشيخ بأن الطائفة قد عملت بأخباره (٣). لكن الحق أن ما ذكره المجلسي لا يصلح دليلاً لوثاقة البطائني ، أو قبول أخباره.

أما كونه ذا أصل (٤) فلا صلة له بوثاقته ، أو قبول روايته ، فهو

____________

١ ـ يطلق ( رجال الشيخ ) على كتابه الذي جمع فيه أسماء الراوين عن النبي (ص) ، والأئمة من أهل بيته ، قبال ( فهرسته ) الذي جمع فيه أسماء كتب الامامية من مصنفات ، وأصول. لكن المجلسي هنا أراد برجال الشيخ ( فهرسته ) فانه الذي نسب فيه الأصل الى البطائني ( ص ٩٦ ) وأما ( رجاله ص ٣٥٣ ) فلم يرد فيه ذكر الأصل ، بل قال « له كتاب ».

٢ ـ الوجيزة للمجلسي ـ ملحقة بخلاصة الرجال ص ١٥٨

٣ ـ تنقيح المقال ج ٢ ص ٢٦٢

٤ ـ أطلق قدامى فقهاء الامامية ، ومحدّثيهم لفظ الأصول على مجموعة من كتب رواة أحاديث أهل البيت (ع). وصرح الشيخ الطوسي في

٩٨

نظير ما لو قيل : له كتاب. ولذا قال الوحيد البهبهاني : « إن الحسن بن صالح بن حي الثوري متروك العمل بما يختص بروايته ، على ما صرح به في ( التهذيب ) مع أنه صاحب أصل ، وكذلك علي بن أبي حمزة البطائني مع أنه ذكر فيه ما ذكر ، الى غير ذلك الخ » (١).

فدعوى ثبوت حسن الراوي بكونه ذا أصل ، لأنه من إمارات المدح

__________________

مقدمة ( فهرسته ) بأن كثرة أصحابنا ، وانتشارهم في البلدان يحول دون استيفاء أصولهم ، وتصانيفهم. لكنه نقل ابن شهرآشوب عن الشيخ المفيد أنه حصر الأصول بقوله : « إن الامامية صنفوا من عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام الى زمان العسكري (ع) أربعمائة كتاب تسمى الأصول ». ( تعليقة منهج المقال ص ٧ ). وصرح المحقق الحلي بأن هذا العدد من الأصول إنما صنف من أجوبة مسائل الامام الصادق عليه‌السلام فقط. ( المعتبر ص ٥ ).

وعلى أي تقدير فالأصل أخص من الكتاب. ولذا قيل عن بعض الرواة : له أصل ، وله كتاب. فاضطروا الي بيان الفارق بينهما ، وذكروا وجوهاً في ذلك ، أقربها للصحة ما اختاره الوحيد البهبهاني بقوله : « الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم (ع) أو عن الراوي ». فلم يروِ فيه عن كتاب آخر ، وإنما اقتصر على ما سمعه عن الامام (ع) أو عمن سمع منه. مثلاً إن حريز بن عبد اللّه يروي تارة عن الامام الصادق (ع) ، وأخرى عن زرارة عنه (ع) ، والكتاب هو الذي تؤخذ أحاديثه من تلك الأصول غالباً ، ولأجله سميت أصولاً ، وإن وجد فيه حديث متصل السند سماعاً الى الامام (ع) بدون واسطة كتاب آخر. فان ذلك لا يجعله أصلاً. ( تعليقة منهج المقال ص ٧ ).

١ ـ تعليقة منهج المقال ص ٨.

٩٩

ضعيف. وعلى فرض تسليمه لا ينفع في البطائني ونظائره. للتسالم على اشتراط كون الممدوح إمامياً.

ودعوى أن الشيخ الطوسي ذكر الأصل بعنوان كونه معتمداً غير ثابت وعلى فرض ثبوته لا يثبت لنا حجية أخباره ما لم نثق بأسنادها ، أو صدورها عن المعصوم (ع).

وأما قول ابن الغضائري في ابنه الحسن : « أبوه أوثق منه ». فالجواب عنه.

أولاً : أن هذا القول لم ينقله لنا القدماء ، كالنجاشي والشيخ الطوسي عن ابن الغضائري ، ليثبت نسبته اليه ، حيث ينقلون عنه بالمشافهة ، ونحوها من الطرق المعتبرة. وإنما نقله المتأخرون ، كالعلامة مستندين الى كتاب ( الرجال ) المنسوب الى ابن الغضائري. وقد أفردناه ببحث يأتي ، وأسفرت النتيجة عن وهن الكتاب ، فلا يصح الاعتماد عليه.

وثانياً : أن الفقهاء ، والرجاليين متفقون على ضعف الابن ، فالشهادة بكون الأب أوثق ممن اتفقوا على ضعفه لا تنفع الأب شيئاً وانما يكون المستفاد منها أن الابن أضعف من الأب ، فالملحوظ شدة ضعف الابن ، لا شدة وثاقة الأب ، وإلا لزم اشتراكهما فيها ، لقاعدة ( أفعل التفضيل ) الذي لا يطلق إلا عند الاشتراك في أصل المادة بين الطرفين مع الزيادة في الطرف المفضل ، وهو منافي لما اتفقوا عليه من ضعف الابن ، ولما هو المعلوم من حال ابن الغضائري ، وأنه سريع الجرح للرواة. بل ينافي عبارته هنا ، حيث قال في الابن : « واقف ضعيف في نفسه ، وأبوه أوثق منه » (١).

فحكم أولاً بضعف الابن ، ثم عطف عليه تلك الجملة ، فيكشف

____________

١ ـ خلاصة الرجال ص ١٠٢

١٠٠