أدعية أهل البيت عليهم السلام في تعقيب الصلوات

الشيخ عبدالله حسن آل درويش

أدعية أهل البيت عليهم السلام في تعقيب الصلوات

المؤلف:

الشيخ عبدالله حسن آل درويش


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٠

اللَّهُمَّ وَأسْأَلُكَ بِمَسَائِلِكَ الشَّرِيفَةِ ، وَوَسَائِلِكَ المُنِيْفَةِ ، أنْ تَتَغَمَّدَنِي في هَذَا الشَّهْرِ بِرَحْمَةٍ مِنْكَ وَاسِعَةٍ ، وَنِعْمَةٍ وَازِعَةٍ ، وَنَفْسٍ بِمَا رَزَقْتَهَا قَانِعَةٍ إلَى نُزُولِ الحَافِرَةِ ، وَمَحَلِّ الآخِرَةِ ، وَمَا هِيَ إلَيْهَا صَائِرَةٌ.

الدعاء عند كل زوال من أيام شعبان

الشيخ الطوسي رحمه الله تعالى في مصباح المتهجد : ص ٨٢٨ : عن العباس بن مجاهد ، عن أبيه ، قال : كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يدعو عند كل زوال من أيام شعبان وفي ليلة النصف منه ، ويصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الصلوات يقول :

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، شَجَرَةِ النُّبُوَّةِ ، وَمَوْضِعِ الرِّسَالَةِ ، وَمُخْتَلَفِ المَلاَئِكَةِ ، وَمَعْدِنِ الْعِلْمِ ، وَأهْلِ بَيْتِ الْوَحْي ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الفُلْكِ الجَارِيَةِ في اللُّجَجِ الْغَامِرَةِ ، يَأْمَنُ مَنْ رَكِبَهَا وَيَغْرَقُ مَنْ تَرَكَها ، المُتَقَدِّمُ لَهُمْ مَارِقٌ ، وَالمُتَأخِّرُ عَنْهُمْ زَاهِقٌ ، وَالَّلازِمُ لَهُمْ لاَحِقٌ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، الكَهْفِ الحَصِيْنِ ، وَغِيَاثِ المُضْطَرِّ المُسْتَكِينِ ، وَمَلْجَإِ الْهَارِبِيْنَ وَعِصْمَةِ المُعْتَصِمِيْنَ ، اللَّهُمَّ صَلِّ

٢٤١

عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلَوةً كَثِيْرَةً تَكُونُ لَهُمْ رِضَاً ، وَلِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أدَاءً وَقَضَاءً ، بِحَوْلٍ مِنْكَ وَقُوَّةٍ يَا رَبَّ العَالِمَيْنَ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الطَّيِّبِيْنَ الأبْرَارِ الأخْيَارِ الَّذِيْنَ أوْجَبْتَ حُقُوقَهُمْ وَفَرضْتَ طَاعَتَهُمْ وَوِلاَيَتَهُمْ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاعْمُرْ قَلْبِي بِطَاعَتِكَ ، وَلاَتُخْزِنِي بِمَعْصِيَتِكَ ، وَارْزُقْنِي مُوَاسَاةَ مَنْ قَتَّرْتَ عَلَيْهِ مِنْ رِزْقِكَ بِمَا وَسَّعْتَ عَلَيَّ مِنْ فَضْلِكَ ، وَنَشَرْتَ عَلَيَّ مِنْ عَدْلِكَ ، وَأَحْيَيْتَنِي تَحْتَ ظِلِّكَ ، وَهَذَا شَهْرُ نَبِيِّكَ سَيِّدِ رُسُلِكَ شَعْبَانُ الَّذِي حَفَفْتَهُ مِنْكَ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ ، الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يَدْأَبُ في صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ في لَيَالِيْهِ وَأيَّامِهِ بُخُوعَاً لَكَ في إكْرَامِهِ وَإعْظَامِهِ إِلَى مَحَلِّ حِمَامِهِ ، اللَّهُمَّ فَأَعِنَّا عَلَى الاسْتِنَانِ بِسُنَّتِهِ فيهِ ، وَنَيْلِ الشَّفَاعَةِ لَدَيْهِ ، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْهُ لِي شَفِيعاً مُشَفَّعاً ، وَطَرِيقاً إلَيْكَ مَهْيَعَاً ، وَاجْعَلْنِي لَهُ مُتَّبِعَاً حَتَّى أَلْقَاكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنِّي رَاضِيَاً ، وَعَنْ ذُنُوبِي غَاضِيَاً قَدْ أوْجَبْتَ لِي مِنْكَ الرَّحْمَةَ وَالرِّضْوَانَ ، وَأَنْزَلْتَنِي دَارَ الْقَرَارِ ، وَمَحَلَّ الأخْيَارِ.

٢٤٢

الدعاء عقيب الفرائض في شهر رمضان

قال السيد ابن طاووس رحمه الله تعالى في إقبال الأعمال : ج ١ ص ٧٩ : فصل فيما نذكره من دعاء زائد عقيب كل فريضة من شهر رمضان دعاء بعد كل فريضة ، بإسنادنا إلى التلعكبري عن أبي عبد الله عليه‌السلام وأبي إبراهيم عليه‌السلام قالا : تقول في شهر رمضان من أوله إلى آخره بعد كل فريضة :

اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حَجَّ بَيْتِكَ الْحَرَامِ في عَامِي هَذَا وَفِي كُلِّ عَامٍ ، مَا أبْقَيْتَنِي في يُسْرٍ وَعَافِيَةٍ وَسَعَةِ رِزْقٍ ، وَلاَ تُخْلِنِي مِنْ تِلْكَ المَوَاقِفِ الكَرِيمَةِ ، وَالمَشَاهِدِ الشَّرِيْفَةِ ، وَزِيَارَةِ قَبْرِ نَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ ، وَفِي جَمِيعِ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَكُنْ لِي.

اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ فيمَا تَقْضِي وَتُقَدِّرُ مِنْ الأمْرِ المَحْتُومِ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، مِنَ القَضَاءِ الَّذِي لاَ يُرَدُّ وَلاَ يُبَدَّلُ ، أنْ تَكْتُبَنِي مِنْ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الْحَرَامِ ، المَبْرُورِ حَجُّهُمُ ، المَشْكُورِ سَعْيُهُمُ ، الْمَغْفُورِ ذُنُوبُهُمُ ، المُكَفَّرِ عَنْهُمْ سَيِّئَاتُهُمْ ، وَاجْعَلْ فيمَا تَقْضِي وَتُقَدِّرُ أنْ تُطِيْلَ عُمْرِي في طَاعَتِكَ وَتُوَسِّعَ عَلَيَّ رِزْقِي ، وَتُؤَدِّيَ

٢٤٣

عَنِّي أمَانَتِي وَدَيْنِي ، آمِيْنَ رَبَّ العَالَمِيْنَ.

قال : وتدعو عقيب كل فريضة في شهر رمضان ليلاً كان أو نهاراً ، فتقول :

يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ ، يَا غَفُورُ يَا رَحِيمُ ، أنْتَ الرَّبُّ العَظِيْمُ ، الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ، وَهَذَا شَهْرٌ عَظَّمْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَشَرَّفْتَهُ وَفَضَّلْتَهُ عَلَى الشُّهُورِ ، وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذِي فَرَضْتَ صِيَامَهُ عَلَيَّ ، وَهُوَ شَهْرُ رَمَضَانَ ، الَّذِي أنْزَلْتَ فيهِ القُرْآنَ ، هُدَىً للِنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرقَانِ ، وَجَعَلْتَ فيهِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَجَعَلْتَهَا خَيْرَاً مِنْ ألْفِ شَهْرٍ ، فيا ذَا الْمَنِّ وَلاَ يُمَنُّ عَلَيْكَ ، مُنَّ عَلَيَّ بِفَكَاكِ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ ، فيمَنْ تَمُنُّ عَلَيْهِ ، وَأدْخِلْنِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

الدعاء بين كل ركعتين من نوافل شهر رمضان

قال السيد ابن طاووس رحمه الله تعالى في إقبال الأعمال : ج ١ ص ٨٠ : فذكر علي بن عبد الواحد بإسناده إلى رجاء بن يحيى بن سامان ، قال : خرج إلينا من دار سيدنا أبي محمد الحسن بن علي عليهما‌السلام صاحب العسكر سنة خمس

٢٤٤

وخمسين ومأتين ، فذكر الرسالة المقنعة بأسرها ، قال : وليكن مما تدعو به بين كل ركعتين من نوافل شهر رمضان :

اللَّهُمَّ اجْعَلْ فيمَا تَقْضِي وَتُقَدِّرُ مِنَ الأَمْرِ المَحْتُومِ ، وَفِيمَا تَفْرُقُ مِنَ الأَمْرِ الْحَكِيْمِ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ ، أنْ تَجْعَلَنِي مِنْ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الحَرَامِ ، المَبْرُورِ حَجُّهُمُ ، المَشْكُورِ سَعْيُهُمُ ، المَغْفُورِ ذُنُوبُهُمْ ، وَأسْأَلُكَ أنْ تُطِيلَ عُمْرِي في طَاعَتِكَ ، وَتُوَسِّعَ لِي في رِزْقِي ، يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.

٢٤٥

سجدة الشكر وفضلها وما يقرأ فيها وآدابها

سجدة الشكر وفضلها

قال السيد اليزدي رحمه‌الله في العروة الوثقى : ج ١ ص ٧٠٤ ، (مسألة ٢٣) : يستحب سجود الشكر بعد كل صلاة فريضة كانت أو نافلة.

وقال العلامة الحلي رحمه‌الله في منتهى المطلب : ج ١ ص ٣٠٢ : يستحب السجدة عند الفراغ من الفرائض لرواية مرازم ، لأنها مظنة التعبد ، وموضع الخضوع والشكر على التوفيق لأداء العبادة ، وعند تجدد النعم ودفع النقم ، لأن شكر المنعم واجب عقلاً ، وأبلغ أنواعه السجود على ما روي أن منتهى العبادة من ابن آدم لله تعالى السجود ، وأن أقرب ما يكون العبد إلى الله عزوجل إذا كان في سجوده لقوله : (واسجُد واقترب).

٢٤٦

وقال الميرزا القمي رحمه‌الله في غنائم الأيام : ج ٣ ص ٩٣ : تستحب سجدتا الشكر عقيب الصلاة شكراً على التوفيق لأدائها ، قال في التذكرة : إنه مذهب علمائنا خلافاً للجمهور.

ويدل على ذلك روايات كثيرة ، ففي صحيحة مرازم عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سجدة الشكر واجبة على كل مسلم ، تتم بها صلاتك ، ويرضى بها ربك ، وتعجب الملائكة منك ، وأن العبد إذا صلى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تبارك وتعالى الحجاب بين العبد وبين الملائكة ، ويقول : يا ملائكتي انظروا إلى عبدي ، أدى فرضي ، وأتم عهدي ، ثم سجد لي شكراً على ما أنعمت به عليه ، ملائكتي ماذا له عندي؟ قال ، فتقول الملائكة : يا ربنا رحمتك ، ثم يقول الرب تبارك وتعالى : ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة : يا ربنا جنتك ، ثم يقول الرب تبارك وتعالى : ثم ماذا له؟ فتقول الملائكة : يا ربنا كفاية مهمة ، فيقول الله تبارك وتعالى : ثم ماذا؟ قال : فلا يبقى شيء من الخير إلّا قالته الملائكة ، فيقول الله تبارك وتعالى : يا ملائكتي ثم ماذا؟ فتقول الملائكة : ربنا لا علم لنا ، قال ، فيقول الله تبارك وتعالى : أشكر له كما شكر لي ،

٢٤٧

وأقبل إليه بفضلي ، وأُريه وجهي (راجع : مكارم الأخلاق ، الشيخ الطبرسي : ص ٢٨٦).

وفي التهذيب : ج ٢ ص ١١٠ ح ١٨٣ : (وأريه رحمتي). والأخبار في هذا الباب كثيرة.

قال رحمه‌الله : بقي الكلام في محلهما ، قيل : يستحب جعلهما خاتمة للتعقيب ، ويمكن أن يستدل عليه بما رواه الصدوق رحمه الله تعالى في الفقيه : ج ١ ص ٣٣٢ ح ٩٧١ ، مرسلاً ، قال : كان أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلاميسجد بعدما يصلي ، فلا يرفع رأسه حتى يتعالى النهار (انتهى ما جاء في كتاب غنائم الأيام).

وفي بحار الأنوار : ج ٨٣ ص ٢١٦ ح ٣١ ، عن جامع البزنطي ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد ، فادع الله واسأله الرزق.

وفي الكافي : ج ٣ ص ٣٢٤ ح ١١ : عن عبد الله بن هلال ، ولفظه قال : شكوت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام تفرق أموالنا وما دخل علينا ، فقال : عليك بالدعاء وأنت ساجد ، فإن أقرب ما

٢٤٨

يكون العبد إلى الله وهو ساجد ... الحديث.

وفي الاحتجاج : ص ٢٧٢ : كتب الحميري إلى القائم عليه‌السلاميسأله عن سجدة الشكر بعد الفريضة ، فإن بعض أصحابنا ذكر أنها بدعة ، فهل يجوز أن يسجدها الرجل بعد الفريضة؟ وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات النافلة؟

فأجاب عليه‌السلام : سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها ، ولم يقل إن هذه السجدة بدعة إلّا من أراد أن يحدث في دين الله بدعة ، وأما الخبر المروي فيها بعد صلاة المغرب والاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع ، فإن فضل الدعاء والتسبيح بعد الفرائض على الدعاء بعقيب النوافل ، كفضل الفرائض على النوافل ، والسجدة دعاء وتسبيح ، والأفضل أن يكون بعد الفرض ، فإن جعلت بعد النوافل أيضاً جاز.

قال العلامة المجلسي رحمه الله تعالى في بحار الأنوار : ج ٨٣ ص ١٩٤ ـ ١٩٥ ، بعدما أورد الرواية السابقة : (بيان)

٢٤٩

يدل على جواز السجدة في المغرب قبل النوافل وبعدها ، وأن التقديم أفضل ، وهو أقرب ، وبه يجمع بين الأخبار ، ولا يبعد أن يكون ما ورد من التأخير محمولاً على التقية ، لأنهم بعد الفريضة يتفقدون من يسجد ومن لا يسجد ، ويُشعر به بعض الأخبار أيضاً.

وذهب أكثر الأصحاب إلى أفضلية التأخير قال في المنتهى : سجود الشكر في المغرب ينبغي أن يكون بعد نافلتها ، لما رواه الشيخ عن حفص الجوهري قال : صلى أبو الحسن علي بن محمد عليهما‌السلامصلاة المغرب فسجد سجدة الشكر بعد السابعة ، فقلت له : كان آباؤك يسجدون بعد الثالثة؟ فقال : ما كان أحد من آبائي يسجد إلّا بعد السبع (راجع : التهذيب : ج ١ ص ١٦٧).

وقد روى جواز التقديم بعد المغرب جهم بن أبي جهمة قال : رأيت موسى بن جعفر عليه‌السلام وقد سجد بعد ثلاث ركعات من المغرب ، فقلت له : جعلت فداك رأيتك سجدت بعد الثلاث ، فقال : ورأيتني؟ قلت : نعم ، قال : فلا تدعها فإن

٢٥٠

الدعاء فيها مستجاب. انتهى.

قال الشيخ المجلسي رحمه الله تعالى : أقول : وهذا مما يومي إلى التقية في التأخير فلا تغفل ، وسيأتي في خبر ابن أبي الضحاك عن الرضا عليه‌السلامأنه سجد قبل النافلة وقال في الذكرى : في موضع سجدتي الشكر بعد المغرب روايتان يجوز العمل بهما مع إمكان حمل رواية الكاظم عليه‌السلام على سجدة مطلقة ، وإن كان بعيداً .. انتهى ، ولعل إيقاعها في الموضعين أفضل وأحوط ، إذ يظهر من كثير من الأخبار استحبابها بعد النافلة مطلقاً أيضاً. انتهى كلام العلامة المجلسي رحمه الله تعالى.

استحباب سجدة الشكر عند تجدد النعم

قال المحقق الحلي رحمه الله تعالى في شرائع الإسلام : ج ١ ص ٧٠ : سجدتا الشكر مستحبتان عند تجدد النعم ، ودفع النقم ، وعقيب الصلوات ، ويستحب بينهما التعفير.

قال السيد الخوئي رحمه‌الله في منهاج الصالحين : ج ١ ص ١٧٨ : (مسألة ٦٥٧) يستحب السجود ـ شكراً لله تعالى ـ

٢٥١

عند تجدد كل نعمة ، ودفع كل نقمة ، وعند تذكر ذلك ، والتوفيق لأداء كل فريضة ونافلة ، بل كل فعل خير ، ومنه إصلاح ذات البين ، ويكفي سجدة واحدة ، والأفضل سجدتان ، فيفصل بينهما بتعفير الخدين ، أو الجبينين أو الجميع ، مقدماً الأيمن على الأيسر ، ثم وضع الجبهة ثانياً ....

وجاء في علل الشرائع : ج ١ ص ٢٢٢ ، عن جابر بن يزيد الجعفي قال : قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام : إن أبي علي بن الحسين عليهما‌السلام ما ذكر لله عزوجل نعمة عليه إلّا سجد ، ولا قرأ آية من كتاب الله عزوجل فيها سجود إلّا سجد ، ولا دفع الله عزوجل عنه سوءً يخشاه أو كيد كائد إلّا سجد ، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلّا سجد ، ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلّا سجد ، وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده ، فسمي السجاد لذلك.

وفي كتاب ثواب الأعمال : ص ٣٢ ، عن ذريح المحاربي قال : قال : أبو عبد الله عليه‌السلام : أيما مؤمن سجد لله سجدة لشكر نعمة في غير صلاة ، كتب الله له بها عشر حسنات ،

٢٥٢

ومحا عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات في الجنان.

وفي بحار الأنوار : ج ٨٣ ص ٢١٩ ح ٣٨ ، عن كتاب مشكاة الأنوار : نقلاً من كتاب المحاسن عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من سجد سجدة ليشكر نعمة ، وهو متوضئ كتب الله له عشر حسنات ، ومحا عنه عشر خطيئات عظام.

وفي بصائر الدرجات : ص ٤٩٥ ، عن معاوية بن وهب قال : كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلامبالمدينة وهو راكب حماره ، فنزل وقد كنا صرنا إلى السوق أو قريباً من السوق ، قال : فنزل وسجد وأطال السجود ، وأنا أنتظره ، ثم رفع رأسه. قال : قلت : جعلت فداك ، رأيتك نزلت فسجدت ، قال : إني ذكرت نعمة الله عليّ ، قال : قلت : قرب السوق والناس يجيئون ويذهبون؟ قال : إنه لم يرني أحد.

وروى الشيخ الصدوق رحمه الله تعالى في الأمالي : ص ٣٠٤ ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلامقال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسير مع بعض أصحابه في بعض طرق المدينة ، إذ ثنى رجله عن دابته ثم خر ساجداً ، فأطال في

٢٥٣

سجوده ثم رفع رأسه فعاد ثم ركب ، فقال له أصحابه : يا رسول الله رأيناك ثنيت رجلك عن دابتك ثم سجدت فأطلت السجود؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن جبرئيل عليه‌السلام أتاني فأقرأني السلام من ربي وبشرني أنه لن يخزيني في أمتي ، فلم يكن لي مال فأتصدق به ، ولا مملوك فأعتقه ، فأحببت أن أشكر ربي عزوجل.

قال العلامة المجلسي رحمه الله تعالى معقباً على الحديث الشريف في بحار الأنوار : ج ٨٣ ص ١٩٦ ـ ١٩٧ : (بيان) يدل على استحباب سجدة الشكر عند تجدد النعم مطلقاً ، ولا خلاف فيه بين الأصحاب ، قال الشيخ البهائي رحمه الله تعالى : أطبق علماؤنا رضي‌الله‌عنهم على ندبية سجود الشكر عند تجدد النعم ، ودفع النقم ، وكما يستحب لشكر النعمة المتجددة فالظاهر كما قاله شيخنا في الذكرى : أنه يستحب عند تذكر النعم ، وإن لم تكن متجددة ، وقد أجمع علماؤنا على استحباب السجود أيضاً عقيب الصلاة شكراً على التوفيق لأدائها.

٢٥٤

وفي علل الشرايع : ج ١ ص ٢٣ ، عن ابن أبي عمير ، عمن ذكره قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لِمَ اتخذ الله إبراهيم خليلاً؟ قال : لكثرة سجوده على الأرض.

آداب السجود

قال السيد الخوئي رحمه الله تعالى في (منهاج الصالحين : ج ١ ص ١٧٩) : (مسألة ٦٥٧) ... ويستحب فيه افتراش الذراعين ، وإلصاق الصدر والبطن بالأرض ، وأن يمسح موضع سجوده بيده ، ثم يمرها على وجهه ، ومقاديم بدنه ، وأن يقول فيه : شكراً لله ، شكراً لله ، أو مائة مرة : شكراً شكراً ، أو مائة مرة : عفواً عفواً ، أو مائة مرة : الحمد لله شكراً ، وكلما قاله عشر مرات قال : شكراً للمجيب ، ثم يقول : يَا ذَا الْمَنِّ الَّذِي لاَ يَنْقَطِعُ أبَدَاً ، وَلاَيُحْصِيْهِ غَيْرُهُ عَدَداً ، وَيَا ذَا المَعْرُوفِ الَّذِي لاَ يَنْفَذُ أبَدَاً ، يَا كَرِيْمُ يَا كَرِيْمُ يَا كَرِيْمُ ، ثم يدعو ويتضرع ويذكر حاجته ، وقد ورد في بعض الروايات غير ذلك ، والأحوط فيه السجود على ما يصح السجود عليه ، والسجود على المساجد السبعة.

٢٥٥

تعفير الخدين في السجود

قال العلامة الحلي رحمه الله تعالى في (منتهى المطلب : ج ١ ص ٣٠٢) : يستحب التعفير في السجود للشكر ، وهو أن يضع خده الأيمن على الأرض عقيب السجود ثم خده الأيسر ، ذهب إليه علماؤنا أجمع ، ولم يعتبره الجمهور.

لنا : أنه موضع استكانة وتذلل ، وما ذكرناه أبلغ فيه ، فيكون مطلوباً ، ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق ، عن إسحاق بن عمار قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان موسى بن عمران عليه‌السلام إذا صلى لم ينفتل حتى يلصق خده الأيمن بالأرض ، وخده الأيسر بالأرض ، وقال هو إسحاق بن عمار بن موسى الساباطي : رأيت من آبائي من يفعل ذلك.

وفي مكارم الأخلاق ص ٢٨٦ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى عليه‌السلام : أتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال موسى عليه‌السلام : لا يا رب ، قال تعالى : يا موسى إني قلّبت عبادي ظهراً لبطن فلم أجد فيهم أحداً أذل لي نفساً منك ، يا موسى إنك إذا صليت وضعت خديك على التراب.

٢٥٦

التذلل والخشوع في السجود

قال السيد الخوئي رحمه الله تعالى في (منهاج الصالحين : ج ١ ص ١٧٩) : (مسألة ٦٥٨) يستحب السجود بقصد التذلل لله تعالى ، بل هو من أعظم العبادات ، وقد ورد أنه أقرب ما يكون العبد إلى الله تعالى وهو ساجد ، ويستحب إطالته.

وقال السيد رضي الدين ابن طاووس قدس الله سرّه وشرف قدره : في (فلاح السائل : ص ٣٣٠ ـ ٣٣٢) : فإذا فرغت من ذلك فاسجد سجدة الشكر ، سجدة من يعرف أنه يريد زيادة القرب من المالك المعبود بالخضوع والسجود ، وكن متأهباً كما يتأهب العبد الحقير إذا أراد التقرب من مولاه العظيم الكبير ، فكن على أقل المراتب حاضر القلب مجتمع الخواطر ، وإلاّ فأنت متى سجدت على الغفلة كالهالك أو المخاطر.

وانظر كيف كان سجود مولانا الكاظم عليه‌السلام ، وما تضمن من الذل والعبودية كما نرويه لك ، وهو قدوة يدعو إلى الله

٢٥٧

جل جلاله ويهدي إليه ، ولا تقل ما أقدر على سلوك ذلك السبيل ، وقل لنفسك : ويحكِ كيف تقولين ما أقدر ولو وقفتِ بين يدي سلطان جليل كنتِ على صفة عبد ذليل ، فمثل ما تذلين للملوك من مماليك مولاكِ كذا يكون تذللكِ له ، فإنكِ إن كنتِ ما ترينه فإنه يراكِ ، فلو كنتِ ما تقدرين ما عملتِ ذلك التذلل مع المملوك من مماليك سلطان العالمين ، ولو قالوا لكِ : ما عليكِ منا خوف وأنتِ من الآمنين ما زادكِ ذلك إلّا تذللاً لهم ، وخضوعاً في حضرتهم لتتقربي إليهم وإلى محبتهم.

فلا تعذر نفسك إذا كانت منزلة الملوك من العباد أرفع عندها من حرمة سلطان الدنيا والمعاد ، وإذا الخواص يكون سجودهم على ما سيأتي ذكره من الخضوع فينبغي أن تكون أنت أي صاحب الجنايات على أضعاف ذلك من الخوف والخشوع.

٢٥٨

من الدعوات الواردة في السجود

من أدعية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السجود وبعده

عن اختيار ابن الباقي كما في (بحار الأنوار ، المجلسي : ج ٨٣ ص ٢٣٩ ح ٦٣) : كانت ليلتي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا أنا به ساجد كالثوب الطريح فسمعته يقول :

سَجَدَ لَكَ سَوَادِي ، وَآمَنَ بِهِ فُؤَادِي ، رَبِّ هَذِهِ يَدَايَ وَمَا جَنَيْتُ عَلَى نَفْسِي ، يَا عَظِيْمَاً يُرْجَى لِكُلِّ عَظِيمٍ ، اغْفِرْ لِيَ الذُّنُوبَ العَظِيْمَةَ.

ثم قال : إن جبرئيل عليه‌السلام علمني ذلك وأمرني أن أقول هذه الكلمات التي سمعتها ، فقوليها في سجودكِ ، فمن قالها في سجوده لم يرفع رأسه حتى يغفر له.

وفي الكافي : ج ٣ ص ٣٢٤ ح ١٢ ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال وهو ساجدٌ باكٍ :

٢٥٩

سَجَدَ لَكَ سَوَادِي ، وَخَيَالِي ، وَآمَنَ بِكَ فُؤَادِي ، أبُوءُ إلَيْكَ بِالنِّعَمِ ، وَأعْتَرِفُ لَكَ بِالذَّنْبِ العَظِيْمِ ، عَمِلْتُ سُوْءَاً وَظَلَمْتُ نَفْسِي ، فَاغْفِرْ لِي إنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذَّنْبَ الْعَظِيْمَ إلّا أنْتَ ، أعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، وَأَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَأعُوذُ بِرَحْمَتِكَ مِنْ نَقِمَتِكَ ، وَأعُوذُ بِكَ مِنْكَ لاَ أبْلُغُ مَدْحَكَ وَالثَّنَاءَ عَلَيْكَ ، أنْتَ كَمَا أثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ ، أسْتَغْفِرُكَ وَأتُوبُ إلَيْكَ.

وفي (بحار الأنوار ج ٨٣ ص ٢١٧) عن عبد الله بن سنان في سياقة أحاديثه عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول إذا وضع وجهه للسجود :

اللَّهُمَّ مَغْفِرَتُكَ أوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي ، وَرَحْمَتُكَ أرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلِي ، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي يَا حَيُّ لاَ يَمُوتُ.

وفي (فلاح السائل : ص ٣٣٣) : فإذا رفعت رأسك من السجود ، فقل ما ذكره كردين بن مسمع في كتابه المعروف بإسناده فيه إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان إذا أراد الانصراف من الصلاة مسح جبهته بيده اليمنى ثم يقول :

لَكَ الْحَمْدُ لاَ إلَهَ إلّا أنْتَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، الرَّحْمَنُ

٢٦٠