جعفر السبحاني
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ٠
ISBN: 964-357-051-7
الصفحات: ١٨٧
١ ـ انّ الإمام عليهالسلام كان يندِّد بأعمال عثمان وينقم عليه في غير موقف من مواقفه ، فيقول عند بيان الدافع الحقيقي وراء قتل عثمان :
«اسْتَأْثَرَ فَأسَاءَ الأَثَرةَ ، وَجَزِعْتُمْ فَأسَأْتُمُ الجَزَعَ ، وَللهِ حُكْمٌ وَاقِعٌ في المُسْتَأْثِرِ والجَازِعِ». (١)
٢ ـ لما سيّر عثمان أبا ذر ذلك الصحابي العظيم لتنديده بأعمال عثمان وولاته ، خرج عليّ يشايعه ، وقال له :
«يَا أَبَا ذَرِّ ، إنَّكَ غَضِبْتَ للهِ فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَهُ. إنَّ القَوْمَ خَافُوكَ عَلَى دُنْيَاهُمْ ، وَخِفتَهُمْ عَلى دِينكَ ، فَاتْرُك في أيْديهمْ ما خَافُوكَ عَلَيه واهْرُبْ بِمَا خِفْتَهُم عَلَيْه ، فَمَا أحْوَجَهَم إلى مَا مَنَعْتَهمْ وَمَا أَغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ». (٢)
فمع هذه العبارات الواضحة ، كيف يُنتظَر من الإمام بعد ذلك أن ينزّه الخليفة عمّا نُقم عليه ، ويبالغ في إطرائه
____________________
١. نهج البلاغة : الخطبة ٢٩ ، شرح محمد عبده.
٢. نهج البلاغة : الخطبة ١٢٦ ، شرح محمد عبده.
والثناء عليه ، وكأنّه لم يجترح آثاماً ، ولم يُحدث أحداثاً ، أو يُبدع بدعاً؟!
٣ ـ روى الطبري عن الواقدي ، أنّ عبد الله بن محمد حدّثه عن أبيه ، قال : لما كانت سنة ٣٤ ه ، كتب أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعضهم إلى بعض أن أقدموا ، فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد وكثر الناس على عثمان ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد ، وأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يرون ويسمعون ليس فيهم أحد ينهى ولا يذب إلاّ نفير : زيد بن ثابت وأبو أسيد الساعدي وكعب بن مالك وحسان بن ثابت ، فاجتمع الناس وكلّموا علي بن أبي طالب ، فدخل على عثمان ، فقال : «الناس ورائي وقد كلّموني فيك ، والله ما أدري ما أقول لك ، وما أعرف شيئاً تجهله ، ولا أدلّك على أمر لا تعرفه ، إنّك لتعلم ما نعلم ، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ، ولا خلونا بشيء فنبلّغك ، وما خُصِّصنا بأمر دونك ...» (١).
____________________
١. تاريخ الطبري : ٣ / ٣٧٥ ، حوادث سنة ٣٤ هـ.
إنّ الإمام عليهالسلام باعتباره سفير الناس إلى الخليفة لإطلاعه على تذمّرهم منه ونقمتهم عليه ، كان يتوخّى أفضل السبل لإنجاز مهمّته المتمثّلة في نصح الخليفة وإرشاده ، وتليين موقفه المتصلّب الرافض لاستعتابهم وتلبية مطالبهم ، ولهذا بدأ عليهالسلام كلامه بهذا الأسلوب الرقيق الّذي يحرّك في النفس نوازع الخير من خلال التذكير بذلك العهد الّذي أظلّتهم فيه رحمة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم وعدله واستقامته وخلقه المعطار.
ثم أعقبه بكلام يحمل في طيّاته تحذيراً شديداً من مغبّة التمادي في سلوك طريق الضلال والإضلال وفي إمامة السنّة وإحياء البدعة.
وقد نجح الإمام عليهالسلام بهذا الاسلوب ـ الّذي يجمع بين الترغيب والتحذير ـ في تحقيق أهدافه السامية في كبح روح العناد لدى الخليفة ، ودفعه إلى استعتاب الثائرين ، وآية ذلك النجاح تأثّر الخليفة بكلامه وإقباله
عليه ، الأمر الّذي حداه إلى مخاطبة الإمام بقوله : كلِّمِ الناس في أن يؤجّلوني حتّى أَخرُجَ إليهم من مظالمهم.
وعلى ضوء ما تقدّم ، يُعلم مغزى كلام الإمام عليهالسلام وأنه ليس بصدد الحديث عن وفور علم عثمان ، وإنّما بصدد لفت نظره وتذكيره بمصاحبته للرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، من أجل حثّه على مراعاة العدل ومجانبة الظلم والجور والرفق بالرعية وإنصافهم وغير ذلك من الأُمور العامة الّتي ينبغي أن يكون قد وعاها من حديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وسيرته العظيمة. وعليه فإن ما استنتجه فضيلة الشيخ من أنّ كل ما يعلمه الإمام يعلمه عثمان ، ليس في محلّه ، وبعيد عن الصواب ، لغفلته أو تغافله عن ملاحظة الظرف الّذي صدر فيه كلام الإمام عليهالسلام.
ونحن إذا غضضنا الطرف عن مسألة اختصاص الإمام برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وملازمته له من لدن أن كان وليداً إلى آخر لحظات حياته صلىاللهعليهوآلهوسلم وانتهاله من نمير علمه وبحر عطائه ، ولم نأخذ بعين الاعتبار أيضاً مسألة الاختلاف
الطبيعي بين الأشخاص في المواهب والقابليات والملكات ، ورجعنا إلى التاريخ ، فإنّنا لم نجد فيه من يدّعي المساواة بين علم عثمان وعلم أبي بكر وعمر فضلاً عن المساواة بينه وبين علم علي الّذي شاع فيه القول : إنّه أفصح الناس بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأكثرهم علماً وزهداً وتنمّراً في ذات الله تعالى.
قيل لعطاء بن أبي رباح : أكان في أصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم أعلم من علي؟ قال : لا والله لا أعلم. (١)
وقالت عائشة : علي أعلم الناس بالسنّة. (٢)
وقال سعيد بن المسيب : كان عمر يتعوذ من معضلة ليس لها أبو حسن. (٣)
أمّا قوله عليهالسلام : «وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب أولى بعمل الحق منك ، وأنت أقرب إلى رسول الله
____________________
١. أسد الغابة : ٤ / ٢٢.
٢. مختصر تاريخ دمشق : ١٨ / ٢٥.
٣. أسد الغابة : ٤ / ٢٢ ـ ٢٣ ؛ تهذيب الكمال : ٢٠ / ٤٨٥.
وشيجة» ، فيمكن بيانه على النحو التالي :
لايشك أحدٌ في أنّ سيرة أبي بكر وعمر في خطوطها العامّة كانت أفضل من سيرة عثمان ، ولهذا أراد الإمام بهذا القول أن يحثّه على انتهاج سيرتهما ، وأن ينأى بنفسه عن استئثار بني أبيه وأقاربه بالأموال والولايات والمناصب ، وأن يعدل في الرعية ، ويرفع عنها مظالمها ، وهذا لا يعني أنّه عليهالسلام كان راضياً عن سيرة الشيخين في تفاصيلها ، لأنّ هذا المعنى خارج عن موضوع الكلام.
وممّا يؤكد ما نذهب إليه ، هو أن الخلافة كانت من علي على طرف الثُّمام (١) ، ولكنّه عليهالسلام رغب عنها بعد أن اشترط عليه عبد الرحمن بن عوف الاقتداء بسيرة الشيخين!!
فلو كانت سيرتهما مستضيئة بالكتاب والسنّة في كلّ تفاصيلها ، لما كان هناك مساغ لرفضه عليهالسلام لهذا الشرط.
____________________
١. جمع الثمامة ، نبت ، سهل التناول مثل يضرب لكل أمر يسهل تناوله.
٨
مدح الإمام وثناؤه على أصحاب النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ
يقول الشيخ :
ورد في «نهج البلاغة» خطبة علي عليهالسلام والتي تدور حول مدح وثناء على أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ونعرض هنا جزءاً منها :
«لقد رأيت أصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فما أرى أحداً منكم يشبههم ، لقد كانوا يصبحون شُعثاً غبراً ، وقد باتوا سجّداً وقياماً ، يراوحون بين جباههم وخدودهم ، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم ، كأنّ بين أعينهم رُكَبَ المعزى من طول سجودهم ، إذا ذُكر الله هملت أعينهم حتى تَبُلَّ جيوبهم ، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح
العاصف ، خوفاً من العقاب ورجاءً للثواب» (١).
وقال أيضاً مادحاً أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : أين القوم الذين دُعوا إلى الإسلام فقبلوه ، وقرأوا القرآن فأحكموه ، وهيجُوا إلى القتال فَوَلهوا وَلَهَ اللقاح إلى أولادها ، وسلبوا السيوف أغمادها ، وأخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً ، وصفاً صفاً ، بعضٌ هلك ، وبعض نجا ، لا يُبَشَّرون بالأحياء ، ولا يُعَزَّوْنَ بالموتى ، مُرْهُ العيون من البكاء ، خُمصُ البطون من الصيام ، ذُبَّل الشفاه من الدعاء ، صُفرُ الألوان من السَّهَر ، على وجوههم غبرة الخاشعين ، أُولئك إخواني الذاهبون ، فحقَّ لنا أن نظمأ إليهم ، ونَعضَّ الأيدي على فراقهم» (٢).
____________________
١. نهج البلاغة : الخطبة ٩٣ ، شرح محمد عبده ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٧ / ٧٧.
٢. نهج البلاغة : الخطبة ١١٧ ، شرح محمد عبده ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ٧ / ٢٩١. ولاحظ تأمّلات في كتاب نهج
المناقشة :
أوّلاً : إنّ الإمام عليهالسلام ليس بصدد الثناء على عامّة أصحاب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم حتّى يستدلّ بكلامه على عدالة الجميع ، إذ أين هذه السمات الواردة في الخطبتين من الأعراب والطلقاء والمرتدّين؟! وانّما يثني على صنف خاص منهم ، وهم الذين آمنوا وجاهدوا إبّان ضعف الإسلام وخموله وكانوا أرباب زهد وعبادة وجهاد في سبيل الله ، نظراء :
ـ مصعب بن عمير القرشي ، من بني عبد الدار.
ـ سعد بن معاذ الأنصاري من الأوس.
ـ جعفر بن أبي طالب.
ـ عبد الله بن رواحة الأنصاري ، من الخزرج
ـ عمّار بن ياسر.
____________________
البلاغة : ٢١. وقد نقل الكاتب الخطبتين ، وفيهما بعض التصحيف ، وتمّ تصحيحهما على الأصل.
ـ أبو ذر الغفاري.
ـ المقداد الكندي.
ـ سلمان الفارسي.
ـ خَبّاب بن الأرتّ ونظرائهم مضافاً إلى جماعة من أصحاب الصُّفَّة وفقراء المسلمين أرباب العبادة الذين قد جمعوا بين الزهد والشجاعة.
فإطراء هؤلاء وهذه سماتهم وصفاتهم لا يكون دليلاً على إخلاص صحابة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قاطبة ، وسيوافيك أنّ الإطراء على جميع الصحابة لا يعدّ دليلاً على إطراء كلّ واحد واحد منهم.
وثانياً : نحن نشاطر فضيلة الشيخ في أنّه لا يجوز سب المؤمن فضلاً عن سب أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، الذين رأوا نور الوحي واستضاءوا به خصوصاً من شهد بدراً وأُحداً والأحزاب واتّبعوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم طيلة حياته وأحسنوا الصحبة معه.
وللأئمة المعصومين كلمات أُخرى غير ما ذكره فضيلة الشيخ حول الصحابة ، منقولة في كتب الشيعة ، وهذا هو الإمام زين العابدين عليهالسلام يقول في دعائه : «اللّهم وأصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم خاصة الذين أحسنوا الصحبة والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره ، وكاتفوه وأسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا إلى دعوته ...» (١).
ومع الإيمان بهذا كلّه ، فلنا وقفات مع فضيلة الشيخ :
الأُولى : حب الصحابة كرامة للمحب
لا أظن انّ أحداً يؤمن بالله ورسوله ويحب الله ورسوله يبغض الصحابة ويسبّهم ، لأنّهم صحابة نبيّهم ، لأنّ الإيمان بالرسول والحب له لا يجتمع مع بغض من أعانه وفدّاه بنفسه ونفيسه قبل الهجرة وبعدها ، من غير فرق بين مَن آمن بمكة وعُذِّب وقتل أو مات ، وبين مَن
___________________
١. الصحيفة السجادية : الدعاء الرابع.
هاجر إلى المدينة وشارك النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في غزواته وشايعه في ساعة العسرة كالبدريّين والأُحديّين وغيرهم من الصحابة الذين حفل القرآن الكريم والتاريخ بذكرهم وذكر تضحياتهم ، وهذا شيء لا يختلف فيه اثنان من المسلمين ، فرميُ الشيعة بسبّ الصحابة فرية ليس فيه مرية ، خصوصاً أنّ قسماً من صحابة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كانوا رُوّاد التشيّع وأتباع علي عليهالسلام قبل رحيل الرسول وبعده ، ولازموه إلى أن وافاهم الأجل ، وقد تكفّل التاريخ بذكر أسمائهم ، وعقدنا البحث في سيرهم في كتاب مفرد.
وهذه التهمة أشاعها أعداء أهل البيت عليهمالسلام لاسيّما الأُمويّين ثم العباسيّين ومن تبعهم ، وما ذلك إلاّ لأنّ الشيعة منذ ظهورهم لم يوالوا السلطات الزمنية قط ، بل قاموا بوجهها ، ولذلك رمتهم السلطات الظالمة بهذه التهمة ، وهم منها براء كبراءة يوسف ممّا اتّهم به.
ويشهد على ذلك كلمات الإمام في «نهج البلاغة» ،
ودعاء الإمام زين العابدين عليهالسلام في صحيفته السجادية كما مرت الإشارة إلى ذلك.
الثانية : إنّ النقد الموضوعي لأعمال الصحابة على ضوء الكتاب والسنّة لا يعني سبَّهم ، فإنّ سباب المسلم فسوق ، كما أنّ دراسة حياة الصحابي وفق المعايير العلمية والّتي قد تنتهي بنتيجة قاسية في حق الصحابي لا تعد سبّاً. وها نحن نذكر أسماء عدد قليل من الصحابة الذين رأوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعاشوا معه وصحبوه ومع ذلك يندّد بهم القرآن الكريم والسنّة النبوية والتاريخ الصحيح.
١ ـ الوليد بن عقبة الفاسق
إنّ القرآن الكريم يحثُّ المؤمنين وفي مقدّمتهم الصحابة الحضور ، على التحرّز من خبر الفاسق حتّى يتبيّن ، فمن هذا الفاسق الّذي أمر القرآن بالتحرز منه؟ اقرأ أنت ما نزل حول الآية من شأن النزول واحكم بما هو الحق.
قال سبحانه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (١).
اتّفق المفسرون على أنّ الآية نزلت في حقّ الوليد بن عقبة بن أبي معيط وقد سوّد الرجل صحائف حياته بأعمال سيئة سجلها التاريخ ، وقد أمّ المصلّين في مسجد الكوفة وهو سكران ، إلى غير ذلك من موبقات الأعمال الّتي تعدّ من مسلّمات التاريخ.
٢ ـ أبو الغادية قاتل عمّار
يعرّفه ابن حجر بقوله : أبو الغادية الجهني ، اسمه : يسار ، سكن الشام ، وروي أنّه سمع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : إنّ دماءكم وأموالكم حرام ، وقال الدوري عن ابن معين : أبو الغادية الجهني قاتل عمار ، له صحبة.
____________________
١. الحجرات : ٦.
والعجب أنّ ابن حجر مع ذكره هذا ونقله عن البخاري ومسلم ، يقول : إنّه كان متأوّلاً ، وللمجتهد المخطئ أجر (١).
وياللعجب يقطر التاريخ ظلماً ودماً باسم الدين والاجتهاد وإصلاح الأُمور!! وكلّما كثر الذنب ، ازداد الاجر للمجتهد.
٣ ـ مسلم بن عقبة قاتل أهل المدينة
مسلم بن عقبة الأشجعي من صحابة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ذكره ابن حجر في «الإصابة» برقم ٧٩٧٧ ، وكفى في حقّه ما ذكره الطبري في حوادث سنة ٦٤ ه ، يقول : ولمّا فرغ مسلم بن عقبة من قتال أهل المدينة وإنهاب جنده أموالهم ثلاثاً ، شخَصَ بمن معه من الجند متوجّهاً إلى مكة ، فلمّا وصل إلى قفا المشلل نزل به الموت ، وذلك في آخر محرم من سنة ٦٤ ه (٢).
____________________
١. الإصابة : ٣ / ١٥٠ ، باب الكنى.
٢. تاريخ الطبري : ٤ / ٣٨١ ، حوادث سنة ٦٤.
٤ ـ بسر بن أبي أرطأة ذابح ولدي عبيد الله بن العباس
كان من أصحاب الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، شهد فتح مصر واحتفظ بها ، وكان من شيعة معاوية ، وكان معاوية وجّهه إلى اليمن والحجاز في أوّل سنة أربعين وأمره أن ينظر من كان في طاعة علي فيوقع بهم ، ففعل ذلك.
وقد ارتكب جرائم كثيرة ذكرها التاريخ ، ولمّا كانت تمسّ عدالة الصحابة وكرامتهم أعرض ابن حجر عن استعراضها مكتفياً بالقول : وله أخبار شهيرة في الفتن لا ينبغي التشاغل بها!!
ومن جرائمه الّتي لا تستقال ولا تغتفر ذبحه ولدي عبيد الله بن العباس.
قال الطبري : أرسل معاوية بن أبي سفيان بعد تحكيم الحكمين بسر بن أبي أرطأة فساروا من الشام حتى قدموا المدينة ، وعامل علي عليهالسلام على المدينة يومئذ أبو أيوب الأنصاري ففرّ منهم أبو أيوب. ثم صعد بسر على المنبر ونادى : يا أهل المدينة والله لو لا ما عهد إليَّ
معاوية ما تركت بها محتلماً إلاّ قتلته ـ إلى أن قال : ـ ثم مضى بسر إلى اليمن وكان عليها عبيد الله بن عباس ، فلمّا بلغه مسيره فرّ إلى الكوفة واستخلف عبد الله بن عبد المدان الحارثي على اليمن ، فأتاه بسر فقتله وقتل ابنه ، ولقي بسر ثَقَلَ عبيد الله بن عباس وفيه ابنان له ، فذبحهما (١).
٥ ـ معاوية بن أبي سفيان رأس الفئة الباغية
نحن لا نصف معاوية بالأحاديث الذامّة في حقّه وبينها صحاح وحسان ، بل نكتفي بالأمر المتواتر وهو انّه كان يرأس الفئة الباغية الّتي قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في حقّها : ويح عمار تقتلك الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار». (٢)
____________________
١. تاريخ الطبري : ٤ / ١٠٧ ، حوادث سنة أربعين ؛ سير اعلام النبلاء : ٣ / ٤٠٩ ، برقم ٦٥.
٢. صحيح البخاري ، الجهاد : ٦ / ٣٠ رقم ٢٨١٣. ولاحظ الجمع بين الصحيحين للحُميري : ٢ / ٤٧ رقم ١٧٩٤.
هذه نماذج من الصحابة الذين ألبسهم أهل السنّة ثوب العدالة بل العصمة ، فلا تراهم يذكرون شيئاً مما يرجع إلى موبقات أعمالهم.
إنّ القرآن الكريم يذكر من بين الصحابة فئات ويصفهم بأنّهم :
١ ـ المنافقون المعروفون (١).
٢ ـ المنافقون المختفون (٢).
٣ ـ مرضى القلوب (٣).
٤ ـ السمّاعون (٤).
٥ ـ خالطو العمل الصالح بغيره (٥).
٦ ـ المشرفون على الارتداد (٦).
٧ ـ المؤلّفة قلوبهم (٧).
____________________
١. المنافقون : ١.
٢. التوبة : ١٠١.
٣. الأحزاب : ١٢.
٤. التوبة : ٤٧.
٥. التوبة : ١٠٢.
٦. الأعراف : ١٥٤.
٧. التوبة : ٦٠.
٨ ـ المولّون أمام الكفّار (١).
٩ ـ الفاسقون (٢).
ومع هذا التقسيم والتصنيف كيف يمكن أن نصف عامة الصحابة بالعدل والتقى؟! وهذا لا يعني أنّ كلّهم ـ نعوذ بالله ـ كانوا كذلك ، بل نقول : إنّ حكمهم حكم التابعين ، فالشيعة لا تفرّق بين الصحابي والتابعي ، ولا تعدّ وصف أعمالهم بما ثبت في التاريخ الصحيح سبّاً لهم ، ولا تغضّ النظر عن التاريخ الصحيح.
وأمّا ما ورد في القرآن من قوله تعالى : (لَقَدْ رَضِىَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) وقوله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ).
وقول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الله اطّلع على أهل بدر ـ انْ كان الخبر صحيحاً ـ فكلّه مشروط بسلامة العاقبة ، ولا يجوز أن يخبر الحكيم فرداً غير معصوم بأنّه لا عقاب عليه فليفعل ما شاء.
____________________
١. الأنفال : ١٥ ـ ١٦.
٢. الحجرات : ٦.
وبعبارة أُخرى : كلّ ما ورد من الثناء على المهاجرين والأنصار في الكتاب العزيز فانّما هو ثناء على مجموعهم لا على كلّ فرد فرد منهم وإن تبيّن فسقه وبانت زلّته ، وكم له في الذكر الحكيم من نظير :
١ ـ انّه سبحانه أثنى على بني إسرائيل في غير واحد من الآيات وقال : (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) (١).
٢ ـ وقال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) (٢).
أفيصح لأحد أن يستدلّ بهذه الآيات على تنزيه كلّ فرد من بني إسرائيل؟!
٣ ـ وقال تعالى في حق أُمّة نبيّنا : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة
____________________
١. البقرة : ٤٧.
٢. الجاثية : ٦.