مناظرات

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


المحقق: الشيخ عبد الله الحسن
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ٣ الجزء ٤

قلت : أما قولكم حكم الرجال في أمر الله ، فأنا أقرأ عليكم في كتاب الله أن قد صير الله حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم ، فأمر الله الرجال أن يحكموا فيه ، قال الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم) (١) الاية ، فأنشدتكم بالله تعالى : أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل؟ أم حكمهم في دمائهم وصلاح ذات بينهم ، وأنت تعلمون أن الله تعالى لو شاء لحكم ولم يصير ذلك إلى الرجال؟

قالوا : بل هذا أفضل.

وفي المرأة وزوجها قال الله عزوجل : (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) (٢) الاية ، فنشدتكم بالله حكم الرجال في صلاح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل من حكمهم في امرأة؟ أخرجت من هذه؟

قالوا : نعم.

قلت : وأما قولكم : قاتل ولم يسب ولم يغنم ، أفتسبون أمكم عائشة ، وتستحلون منها ما تستحلون من غيرها ، وهي أمكم؟ فإن قلتم : إنا نستحل منها ما نستحل من غيرها ، فقد كفرتم ، ولأن قلتم : ليست بأمنا ، فقد كفرتم ، لأن الله تعالى يقول : (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) (٣). فأنتم تدورون بين ضلالتين ، فأتوا منهما بمخرج؟

قلت : فخرجت من هذه؟

__________________

(١) سورة المائدة : الاية ٩٥.

(٢) سورة النساء : الاية ٣٥.

(٣) سورة الاحزاب : الاية ٦.

٨١

قالوا : نعم.

وأما قولكم : محى اسمه من أمير المؤمنين ، فأنا آتيكم بمن ترضون ، وأراكم قد سمعتم أن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يوم الحديبية صالح المشركين ، فقال لعلي ـ عليه السلام ـ : اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، فقال المشركون : لا والله ، ما نعلم أنك رسول الله ، لو نعلم أنك رسول الله لأطعناك ، فاكتب محمد بن عبد الله ، فقال رسول ـ الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ : امح يا علي (رسول الله) اللهم إنك تعلم أني رسولك ، امح يا علي واكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله. فوالله لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ خير من علي ، وقد محا نفسه ، ولم يكن محوه ذلك يمحاه من النبوة؟ (١).

خرجت من هذه؟

قالوا : نعم.

فرجع منهم ألفان ، وخرج سائرهم ، فقتلوا على ضلالتهم ، فقتلهم المهاجرون والأنصار (٢).

__________________

(١) خصائص امير المؤمنين للنسائي ص ١٥٠ ـ ١٥٢ ح ١٨٥ ، دلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١٤٧ ، المناقب للخوارزمي ص ١٩٢ ح ٢٣١ ، الكامل في التاريخ ج ٢ ص ٢٠٤ ، شرح نهج البلاغة ج ٢ ص ٢٣٢ وج ١٠ ص ٢٥٨ ، الارشاد للمفيد ص ٦٣ ، مجمع البيان ج ٥ ص ١١٩.

(٢) المصنف لعبد الرزاق ج ١٠ ص ١٥٧ ـ ١٦٠ ، جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج ٢ ص ١٠٣ ـ ١٠٤ ، الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ١٥٠ ، مناقب ابن المغازلي ص ٤٠٦ ح ٤٦٠.

٨٢

المناظرة الحادية عشر

مناظرة ابن عباس مع معاوية بن ابي سفيان

حضر عبد الله بن عباس مجلس معاوية بن أبي سفيان فأقبل عليه معاوية.

فقال : يابن عباس إنكم تريدون أن تحرزوا الأمامة كما اختصصتم بالنبوة ، والله لا يجتمعان أبدا ، إن حجتكم في الخلافة مشتبهة على الناس ، إنكم تقولون : نحن أهل بيت النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ فما بال خلافة النبوة في غيرنا؟

وهذه شبهة لأنها تشبه الحق وبها مسحة من العدل ، وليس الأمر كما تظنون ، إن الخلافة تتقلب في أحياء قريش برضا العامة ، وشورى الخاصة ولسنا نجد الناس يقولون : ليت بني هاشم ولونا ، ولو ولونا كان خيرا لنا في دنيانا وأخرانا ، ولو كنتم زهدتم فيها أمس كما تقولون ، ما قاتلتم عليها اليوم ، والله لو ملكتموها يا بني هاشم لما كانت ريح عاد ولا صاعقة ثمود بأهلك للناس منكم.

فقال ابن عباس ـ رحمه الله ـ : أما قولك يا معاوية : إنا نحتج بالنبوة في استحقاق الخلافة ، فهو والله كذلك ، فإن لم تستحق الخلافة بالنبوة ، فبم تستحق؟

وأما قولك : إن الخلافة والنبوة لا يجتمعان لأحد ، فأين قول الله عزوجل : (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ، فقد آتينا آل

٨٣

إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) (١) فالكتاب هو النبوة ، والحكمة هي السنة ، والملك هو الخلافة ، فنحن آل إبراهيم ، والحكم بذلك جار فينا إلى يوم القيامة.

وأما دعواك على حجتنا أنها مشتبهة ، فليس كذلك ، وحجتنا أضوأ من الشمس وأنور من القمر ، كتاب الله معنا ، وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وآله ـ فينا ، وإنك لتعلم ذلك ، ولكن ثنى عطفك وصعرك (٢) قتلنا أخاك وجدك وخالك وعمك ، فلا تبك على أعظم حائلة وأرواح في النار هالكة ، ولا تغضبوا لدماء أراقها الشرك ، وأحلها الكفر ، ووضعها الدين.

وأما ترك تقديم الناس لنا فيما خلا ، وعدولهم عن الأجماع علينا ، فما حرموا منا أعظم مما حرمنا منهم ، وكل أمر إذا حصل حاصله ثبت حقه ، وزال باطله.

وأما افتخارك بالملك الزائل ، الذي توصلت إليه بالمحال الباطل ، فقد ملك فرعون من قبلك فأهلكه الله ، وما تملكون يوما يا بني أمية الا

__________________

(١) سورة النساء : الاية ٥٤. والجدير بالذكر أن هذه الاية الشريفة نزلت في أهل البيت ـ عليهم السلام ـ وأنهم هم المحسودون ، كما ورد عن الامام الباقر ـ عليه السلام ـ في تفسير هذه الاية انه قال : نحن الناس المحسودون والله. راجع : شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج ١ ص ١٨٣ ح ١٩٥ ـ ١٩٨ ، مناقب الامام علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ لابن المغازلي الشافعي ص ٢٦٧ ح ٣١٤ ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٢٩٨ ، الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص ١٥٢ ، نور الابصار للشبلنجي ص ١٠٢ ط السعيدية وص ١٠١ ط العثمانية ، اسعاف الراغبين للصبان الشافعي بهامش نور الأبصار ص ١٠٨ ط السعيدية وص ١٠٠ ط العثمانية ، الغدير للاميني ج ٣ ص ٦١.

(٢) قال الجوهري : (يقال ثني فلان عني عطفه ، إذا عرض عنك. وقال : صعر خده وصاعر : أي أماله من الكسر). ومنه قوله تعالى : (ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق) سورة الحج : الاية ٩ ، صحاح الجوهري ج ٤ / ص ١٤٠٥.

٨٤

ونملك بعدكم يومين ، ولا شهرا إلا شهرين ، ولا حولا إلا ملكنا حولين.

وأما قولك : إنا لو ملكنا كان ملكنا أهلك للناس من ريح عاد وصاعقة ثمود ، فقول الله يكذبك في ذلك قال الله عزوجل : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (١) فنحن أهل بيته الأدنون ، وظاهر العذاب بتملكك رقاب المسلمين ظاهر للعيان ، وسيكون من بعدك تملك ولدك وولد أبيك أهلك للخلق من الريح العقيم ، ثم ينتقم الله بأوليائه ، وتكون العاقبة للمتقين (٢).

__________________

(١) سورة الأنبياء : الاية ١٠٧.

(٢) أمالي الشيخ المفيد ص ١٥ ، بحار الانوار ج ٤٤ ص ١١٧ ح ١١.

٨٥

المناظرة الثانية عشر

مناظرة محمد بن أبي بكر (١) مع معاوية

لما صرف علي ـ عليه السلام ـ قيس بن سعد بن عبادة عن مصر ، وجه مكانه محمد بن أبي بكر ، فلما وصل إليها كتب إلى معاوية كتابا فيه : من محمد بن أبي بكر ، إلى الغاوي معاوية بن صخر ، أما بعد ، فإن الله بعظمته وسلطانه خلق خلقه بلا عبث منه ، ولا ضعف في قوته ، ولا حاجة به إلى خلقهم ، ولكنه خلقهم عبيداً ، وجعل منهم غويّاً ورشيداً ، وشقيّاً

__________________

(١) هو : محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة القرشي التيمي ، جليل القدر عظيم المنزلة ، كان شجاعا زاهدا فاضلا ، صحيح العقل والرأي ، من خواص علي ـ عليه السلام ـ ومن حواريه المجتهدين في طاعته ، وأمه أسماء بنت عميس بن النعمان ، كانت تحت جعفر بن أبي طالب ، وهاجرت معه إلى الحبشة ، ، فولدت له هناك عبد الله بن جعفر الجواد ، ثم قتل عنها يوم مؤتة ، فخلف عليها أبو بكر ، فأولدها محمدا ، ثم مات عنها ، فخلف عليها علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ ، وكان محمد ربيبه وخريجه ، وجاريا عنده مجرى أولاده ، رضع الولاء والتشيع مذ زمن الصبا ، فنشأ عليه ، فلم يكن يعرف له أبا غير علي ، ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره ، حتى قال علي ـ عليه السلام ـ : محمد ابني من صلب أبي بكر ، ولد ـ رضي الله عنه ـ في حجة الوداع ، وقتل بمصر في خلافة علي ـ عليه السلام ـ سنة ٣٨ ه‍ ـ بعد واقعة صفين ـ وكان عامله عليها ، وقال فيه ـ عليه السلام ـ لما استشهد : فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا ، وعاملا كادحا ، وسيفا قاطعا ، وركنا دافعا. (نهج البلاغة ص ٤٠٨ رقم الكتاب : ٣٥) ومن ولده : القاسم فقيه الحجاز ، ومن ولد القاسم : عبد الرحمن من فضلاء قريش ومن ولد القاسم ايضا أم فروة ، تزوجها الباقر محمد بن علي ـ عليه السلام ـ ، فأولدها الصادق أبا عبد الله جعفر بن محمد ـ عليه السلام ـ.

راجع ترجمته في : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٦ ص ٥٣ وج ١٠ ص ٢٤٩ ، تهذيب الكمال ج ٢٤ ص ٥٤١ ، تهذيب التهذيب ج ٩ ص ٨٠ ، تنقيح المقال للمامقاني ج ٢ ص ٥٨.

٨٦

وسعيدا ، ثم اختار على علم واصطفى وانتخب منهم محمدا ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، فانتخبه بعلمه ، واصطفاه برسالته ، وائتمنه على وحيه ، وبعثه رسولا ومبشرا ونذيرا ووكيلا فكان أول من أجاب وأناب وآمن وصدق وأسلم وسلم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ صدقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كل حميم ، ووقاه بنفسه كل هول ، وحارب حربه ، وسالم سلمه ، فلم يبرح مبتذلا لنفسه في ساعات الليل والنهار والخوف والجوع والخضوع ، حتى برز سابقا لا نظير له فيمن اتبعه ، ولا مقارب له في فعله ، وقد رأيتك تساميه وأنت أنت ، وهو هو ، أصدق الناس نية ، وأفضل الناس ذرية ، وخير الناس زوجة ، وأفضل الناس ابن عم ، أخوه الشاري بنفسه يوم مؤتة ، وعمه سيد الشهداء يوم أحد ، وأبوه (١) الذاب عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وعن حوزته ،

__________________

(١) هو : عبد مناف ـ قيل عمران ـ ، بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ كافله وكاشف كربه ، وابو الائمة الاطهار ـ عليهم السلام ـ ، وهو الذي كفل الرسول صغيرا وحماه وحاطه كبيرا ومنعه من مشركي قريش ولقى لاجله عناءا عضيما وقاسى بلاء شديدا ، وصبر على نصره والقيام بأمره ، وقد جاء في الخبر أنه لما توفي أبو طالب أوحى الله للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وقيل له اخرج منها فقد مات ناصرك.

فقد كان ـ عليه اسلم ـ بحقنعم الناي والكافل والمحامي المجاهد بالنفس والولد والأهل ، والى هذا ، يشير ابن أبي الحديد المعتزلي في ميميته العصماء :

ولو لاأبو طالب وابنه

لما مثل الدين شخصا فقاما

فذاك بمكة آوى وحامى

وهذا بيثرب جس الحماما

فلله ذا فاتا للهدى

ولله ذا للمعالي ختاما

والادلة والشواهد على ايمان ابي طالب ـ عليه السلام ـ ظاهرة كظهور الشمس في رابعة النهار لاتخفى على من له ادنى بصيرة إلا أن حاسدي ومبغضي امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ

٨٧

__________________

يأبوا الا أن يكفروه حسدا وحقدا.

ان يحسدوك على علاك فانما

متسافل الدرجات يحسد من علا

وذلك مع وجود الادلة الواضحة ، والشواهد اللائحة والتي منها : مواقفه المشهورة تجاه النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ والتي تدل على ايمانه العميق بوحدانية الله تعالى وبرسالة رسوله الكريم ومن تلك الدلائل الواضحة على ايمانه هو : ان فاطمة بنت أسد ـ عليها السلام ـ من السابقات الى الاسلام ، ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات ، وان الله تعالى نهى رسوله أن يقر مسلمة على نكاح كافر ، وكان امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ يأمر أن يحج عن عبد الله وأبيه وأبي طالب ، ولا يحج عن كافر. وتولى هو ـ عليه السلام ـ غسل أبيه ، والمسلم لا يجوز له أن يتولى غسل الكافر.

ومن الشواهد الدالة على ايمانه ، الاشعار التي تضمنت اقراره بالله تعالى وبالنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وحيث انه لا فرق بين ان يكون هذا الاقرار في النثر أو الشعر. فمنها قوله ـ عليه السلام ـ :

نصرت الرسول رسول المليك

ببيض تلالا كلمع البروق

أذب وأحمي رسول الاله

حماية حام عليه شفيق

ومنها أيضا قوله :

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أوسد بالتراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة

وابشر بذاك وقر منك عيونا

وعرضت دينا قد عرفت بأنه

من خير أديان البرية دينا

وانما لم يظهر الاسلام ويجاهر به ، لأنه لو أظهره لم يتهيأ له من نصرة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ما تهيأ له.

ومن تلك الادلة ايضا اجماع اهل البيت ، الأئمة الطاهرين ـ عليهم السلام ـ الذين هم كسفينة نوح ، من ركبها نجى ومن تأخر عنها غرق وهوى ، وهم العترة الذين من تمسك بهم لن يضل ابدا.

ومما ورد عنهم في ذلك : ما ورد عن عبد العظيم بن عبد الله العلوي انه كان مريضا فكتب الى ابي الحسن الرضا ـ عليه السلام ـ عرفني يابن رسول الله عن الخبر المروي ان ابا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه فكتب إليه الرضا ـ عليه السلام ـ : بسم الله الرحمن الرحيم ، اما بعد : فأنك ان شككت في ايمان أبى طالب كان مصيرك الى النار.

٨٨

وأنت اللعين ابن اللعين ، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الغوائل ، وتجهدان في إطفاء نور الله ، تجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال ، وتؤلبان عليه القبائل ، وعلى ذلك مات أبوك ، وعليه خلفته ، والشهيد عليك من تدني ويلجأ إليك من بقية الأحزاب ورؤساء النفاق ، والشاهد لعلي ـ مع فضله المبين القديم ـ أنصاره الذين معه وهم الذين ذكرهم الله بفضلهم ، وأثنى عليهم من المهاجرين والأنصار ، وهم معه كتائب وعصائب ، يرون الحق في اتباعه ، والشقاء في خلافه ، فكيف يالك الويل! تعدل نفسك بعلي وهو وارث رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ووصيه وأبو ولده ، أول الناس له اتباعا ، وأقربهم به عهدا ، يخبره بسره ، ويطلعه على أمره ، وأنت عدوه وابن

__________________

واما الاخبار التي يرويها البعض في كفر ابي طالب فلا اساس لها من الصحة ، واما احاديث الضحضاح فانما تروى عن المغيرة بن شعبة ، وبغضه لبني هاشم وعلى الخصوص امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ مشهور معلوم وفسقه غير خاف.

وتوفي أبو طالب ـ عليه السلام ـ في آخر السنة العاشرة من الهجرة وتوفيت السيدة خديجة ام المؤمنين ـ عليها السلام ـ بعده بثلاثة ايام ، فسمى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ذلك العام عام الحزن ، وقال : ما زالت قريش قاعدة عني حتى مات أبو طالب.

وقد رثاه امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ بقوله :

أبا طالب عصمة المستجير

وغيث المحول ونور الظلم

لقد هد فقدك أهل الحفاظ

فصلى عليك ولي النعم

ولقاك ربك رضوانه

فقد كنت للطهر من خير عم

فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويم يبعث حيا. ورزقنا الله شفاعته.

راجع : رسالة ايمان ابي طالب للشيخ المفيد ، اسنى المطالب في ايمان ابي طالب للعلامة احمد زيني دحلان ، ديوان ابي طالب وذكر إسلامه لابي نعيم علي بن حمزة البصري ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٤ ص ٦٥ ـ ٨٤ ، سفينة البحار للقمي ج ٢ ص ٨٧ ـ ٩٠ ، أبو طالب مؤمن قريش للعلامة الشيخ عبد الله الخنيزي.

٨٩

عدوه ، فتمتع في دنياك ما استطعت بباطلك ، وليمددك ابن العاص في غوايتك ، فكأن أجلك قد انقضى ، وكيدك قد وهى ، ثم يتبين لك لمن تكون العاقبة العليا ، واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي أمنت كيده ، ويئست من روحه ، فهو لك بالمرصاد ، وأنت منه في غرور ، والسلام على من اتبع الهدى.

فكتب إليه معاوية : من معاوية بن صخر ، إلى الزاري على أبيه محمد ابن أبي بكر ، أما بعد : فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في عظمته وقدرته وسلطانه ، وما اصطفى به رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، مع كلام كثير لك فيه تضعيف ، ولأبيك فيه تعنيف ، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب ، وقديم سوابقه ، وقرابته إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، ومواساته إياه في كل هول وخوف ، فكان احتجاجك علي وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك ، فأحمد ربا صرف هذا الفضل عنك ، وجعله لغيرك ، فقد كنا وأبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب وحقه لازما لنا مبرورا علينا ، فلما اختار الله لنبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما عنده ، وأتم له ما وعده ، وأظهر دعوته ، وأبلج حجته ، وقبضه الله إليه ـ صلوات الله عليه ـ ، فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه ، وخالفه على أمره ، على ذلك اتفقا واتسقا.

ثم إنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما ، وتلكأ عليهما ، فهما به الهموم ، وأرادا به العظيم ، ثم إنه بايع لهما وسلم لهما ، وأقاما لا يشركانه في أمرهما ، ولا يطلعانه على سرهما ، حتى قبضهما الله.

ثم قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما وسار بسيرهما ، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصى من أهل المعاصي ، فطلبتما له الغوائل ،

٩٠

وأظهرتما عداوتكما فيه حتى بلغتما فيه منا كما ، فخذ حذرك يابن أبي بكر ، وقس شبرك بفترك ، يقصر عن أن توازي أو تساوي من يزن الجبال بحلمه ، لا يلين عن قسر قناته ، ولا يدرك ذو مقال أناته أبوك مهدمهاده ، وبنى لملكه وساده ، فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك استبد به ونحن شركاؤه ، ولو لا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ، ولسلمنا إليه ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله ، فعب أباك بما بدا لك أودع ذلك ، والسلام على من أناب (١).

__________________

(١) مروج الذهب للمسعودي : ج ٣ ص ٢٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٨٨ ، الاحتجاج للطبرسي ج ١ ص ١٨٣ ، بحار الانوار ج ٣٣ ص ٥٧٥ ح ٧٢٣.

٩١

المناظرة الثالثة عشرة

مناظرة عبد الله بن جعفر (١) مع معاوية بن أبي سفيان

قال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب : كنت عند معاوية ومعنا الحسن والحسين ـ عليهما السلام ـ وعنده عبد الله بن عباس فالتفت إلي معاوية فقال : يا عبد الله ما أشد تعظيمك للحسن والحسين ـ عليهما السلام ـ؟! وما هما بخير منك ولا أبوهما خير من أبيك ، ولو لا أن فاطمة بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لقلت ما أمك أسماء بنت عميس بدونها.

فقلت : والله إنك لقليل العلم بهما وبأبيهما وبامهما ، بل والله لهما خير مني ، وأبوهما خير من أبي ، وأمهما خير من أمي.

__________________

(١) هو : عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، الهاشمي يكنى أبا جعفر المدني ، أمه اسماء بنت عميس ، وأول مولود ولد في الاسلام بارض الحبشة ، كفله النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بعد استشهاد أبيه في معركة مؤتة ، فنشأ في حجره ، وكان من أصحابه ، وكان كريما ، جوادا ، عظيم الشأن واسع العطاء ، وله اقاصيص في الكرم هي أشهر من أن تذكر ، شهد يوم صفين مع عمه أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ، وله مواقف مشهورة مع معاوية وعمر بن العاص في دفاعه عن عمه ، وواسى ابن عمه الحسين ـ عليه السلام ـ بولده عون ومحمد وعبد الله وقتلوا معه بالطف لما كان هو معذورا في الخروج معه ، وعاش الى زمان السجاد ـ عليه السلام ـ ومات بالمدينة سنة ثمانين ، ودفن بالبقيع ، وقال المدائني كان عمره تسعين سنة.

راجع ترجمته في تنقيح المقال للمامقاني ج ٢ ص ١٧٣ ، سير اعلام النبلاء ج ٣ ص ٤٥٦ ، الاصابة ج ٢ ص ٢٨٩ ، الاستيعاب ج ٢ ص ٨٨٠.

٩٢

يا معاوية ، إنك لغافل عما سمعته أنا من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول فيهما وفي أبيهما وأمهما ، قد حفظته ووعيته ورويته.

قال : هات يا ابن جعفر فو الله ما أنت بكذاب ولا متهم؟

فقلت : إنه أعظم مما في نفسك.

قال : وإن كان أعظم من أحد وحراء جميعا ، فلست أبالي إذا قتل الله صاحبك ، وفرق جمعكم وصار الأمر في أهله ، فحدثنا فما نبالي بما قلتم ولا يضرنا ما عدمتم.

قلت : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وقد سئل عن هذه الاية : (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) (١).

فقال : إني رأيت اثني عشر رجلا من أئمة الضلالة يصعدون منبري وينزلون ، يردون أمتي على أدبارهم القهقرى (٢) وسمعته يقول : إن بني

__________________

(١) سورة الاسراء : الاية ٦٠.

(١) جاء في تفسير الرازي ج ٢٠ ص ٢٣٦ : قال سعيد بن المسيب : راى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فساء ذلك ، وفي ص ٢٣٧ قال ابن العباس ـ رضي الله عنهما ـ : الشجرة بنو أمية ، يعني الحكم بن أبي اعاص قال : ورأس رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في المنام أن ولد مروان يتداولون منبره ... الحديث

وجاء في الدر المنثور ج ٥ ص ٣١٠ : عن عائشة انها قالت لمروان بن الحكم : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسشلم ـ يقول لأبيك وجدك : (إنكم الشجرة الملعونة في القرآن).

وجاء في تفسير الطبري ج ١٥ ص ٧٧ : رأى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بني فلان ينزون على منبره القردة فساءه ذلك فما استجمع ضاحكا حتى مات ، قال : وأنزل الله عز وجل في ذلك (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس).

وجاء في دلائل النبوة للبيهقي ج ٦ ص ٥١١ ، عن أبي هريرة ان النبي ـ صلى اله عليه وآله وسلم ـ

٩٣

أبي العاص إذا بلغوا خمسة عشر رجلا جعلوا كتاب الله دخلا ، وعباد الله خولا ، ومال الله دولا (١).

يا معاوية إني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول على المنبر وأنا بين يديه وعمر بن أبي سلمة ، وأسامة بن زيد ، وسعد بن أبي وقاص ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر ، والمقداد ، والزبير بن العوام ، وهو يقول : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ فقلنا : بلى. يا رسول الله ، قال : أليس أزواجي أمهاتكم؟!

قلنا : بلى يا رسول الله.

قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، أولى به من نفسه ، وضرب بيده على منكب علي فقال : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه (٢) ، أيها الناس ،

__________________

قال : رأيت في النوم بني الحكم أو بني العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة. قال : فما رؤي النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مستجمعا ضاحكا حتى توفي.

(١) ذكره الحاكم في المستدرك ج ٤ ص ٤٨٠ باختلاف يسير. وقد ذكر المؤرخون ان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ لعن آل أبي العاص في مواطن كثيرة راجع : مقتل الحسين ـ عليه السلام ـ للخوارزمي ج ١ ص ١٧٢ ، سير أعلام النبلاء ج ٢ ص ١٠٧ ، أسد الغالب ج ٢ ص ٣٤ ، شيخ امضيرة أبو هريرة ص ١٦٠ ، الغدير للأميني ج ٨ ص ٢٤٥.

(٢) هذا الحديث (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والي من والاه وعاد من عاداه) هو أشهر من أن يذكر ، فقد ذكرته جل مصادر أهل السنة فمنها على سبيل المثال : مسند إحمد بن حنبل ج ٤ ص ٢٨١ ، كنز العمال ج ١١ ص ٣٣٢ ، ح ٣١٦٦٢ وص ٦٠٢ ح ٣٢٩٠٤ ، ترجمة الامام علي بن ابي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ١ ص ٢ ٣١ ح ٢٧٥ وج ٢ ص ٥ ح ٥٠١ و ٥٠٣ ، خصائص أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ للنسائي الشافعي ص ٩٦ ح ٩٠ ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٥٦ وص ٥٩ ، اسد الغابة لابن الاثير الشافعي ج ١ ص ٣٦٧ وج ٢ ص ٢٣٣ وج ٣ ص ٩٢ ، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني ج ١ ص ٢٤٩ ـ ٢٥٨ ح ٢٤٤ ـ ٢٥٠ ، مجمع الزوائد للهيثمي الشافعي ج ٧ ص ١٧ وج ٩ ص ١٠٤ ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٣٠ وص ٣١ وص ٣٢ ، تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢١١ ،

٩٤

أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ليس لهم معي أمر ، وعلي من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ليس لهم معه أمر ، ثم ابني الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ليس لهم معه أمر ، ثم عاد فقال : أيها الناس ، إذا أنا استشهدت فعلي أولى بكم من أنفسكم ، فإذا استشهد علي فابني الحسن أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ، فإذا استشهد الحسن فابني الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ، فإذا استشهد الحسين فابني علي بن الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر ، ثم أقبل علي ـ عليه السلام ـ فقال : يا علي ، إنك ستدركه فأقرأه مني السلام ، فإذا استشهد فابني محمد أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ، وستدركه أنت يا حسين فأقرأه مني السلام ، ثم يكون في عقب محمد رجال ، واحد بعد واحد ، وليس منهم أحد إلا وهو أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ليس لهم معه أمر ، كلهم هادون مهتدون (١).

__________________

أنساب الاشراف للبلاذري ج ٢ ص ١١٢ ح ٤٩ ، ذخائر العقبى ص ٦٧ ، المناقب للخوارزمي الحنفي ص ١٣٥ ح ١٥٢ ، ميزان الاعتدال للذهبي ج ٣ ص ٢٩٤ ، الصواعق المحرقة ص ١٢٢ ح ٤ ، شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد ج ١٩ ص ٢١٧ وج ١٢ ص ٤٩.

(١) فقد نص النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ على الائمة الاثني عشر ـ عليهم السلام ـ تارة بعددهم وتارة بإسمائهم.

أما النص على عددهم : فقد رواه جمهور علماء المسلمين من أئمة الحديث وأهل السير والتواريخ بي رقق عديدة ، فقد أخرجه أحمد بن حنبل في مسنده ج ١ ص ٣٩٨ وص ٤٠٦ وج ٥ ص ٨٩ عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسوال الله ـ صلى الله عليه وآله ـ يقول في حجة الوداع : لا يزال هذا الدين ظاهرا على من ناواه ولا يضره مخالف ولا مطارق حتى يمضي من امتى إثنا عشر اميرا كلهم من قريش.

واخرج مسلم في صحيحه ج ٣ ص ١٤٥٢ ـ ١٤٥٣ ح ٥ ـ ، عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ انه قال : لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة ويكون عليهم أثنا عشر خليفة كلهم من قريش.

٩٥

__________________

وفي بعضها : لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم إثنا عشر رجلا كلهم من قريش.

وفي بعضها : لا يزال الاسلام عزيزا الى اثني عشر خليفة كلهم من قريش.

وفي صحيح البخاري ج ٩ كتاب الاحكام ص ١٠١ عن جابر بن سمرة أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قال : (يكون بعدي أثنا عشر أميرا) فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنه قال : (كلهم من قريش).

وفي كنز العمال ج ١١ ص ٦٢٩ ح ٣٣٠٦٥ عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ انه قال : (يكون بعدي أثنا عشر خليفة).

وأيضا ابن حجر في صواعقه الباب ١١ فصل ٢ ص ١٨٩ ، والقندوزي الشافعي في ينابيع المودة باب ٧٧ ص ٤٤٤ وص ٤٤٥ ط ٨.

وأما النص على اسمائهم :

فقد ذكره القندوزي الحنفي في ينابيع المودة بطرق مختلفة باب ٧٦ ص ٤٤١ وص ٤٤٢ وص ٤٤٣ ، باب ٧٧ وص ٤٤٥ ص ٤٤٧ وباب ٩٣ ص ٤٨٦ وص ٤٨٧.

وفي الباب ٩٤ ص ٤٩٤ عن جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول : قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : يا جابر إن أوصيائي وأئمة المسلمين من بعدي أولهم علي ، ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف بالباقر ستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرءه مني السلام ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي بن محمد ثم الحسن بن علي ثم القائم اسمه اسمي وكنيته كنيتي ابن الحسن بن علي ذاك الذي يفتتح الله تبارك وتعالى على يديه مشارق الارض ومغاربها ، ذلك الذي يغيب عن أوليائه غيبة لا يثبت على القول بامامته إلا من امتحن الله قلبه للايمان.

قال جابر : فقلت : يا رسول الله فهل للناس الانتفاع به في غيبته ، فقال إي والذي بعثني بالنبوة ، إنهم يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن سترها سحاب ، هذا من مكنون سر الله ومخزون علم الله فاكتمه إلا عن أهله.

فالمحصل من ذلك أن الاحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده ـ صلى الله عليه وآله ـ اثنى عشر ، لا تنطبق إلا على ائمة أهل البيت الاثني عشر ـ عليهم السلام ـ فلا يمكن أن تحمل هذه الأحاديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر ، ولا يمكن أن تحمل على الخلفاء الأمويين أو العباسيين لأنهم يزيدون على العدد المذكور.

٩٦

(الى أن قال) : فقال معاوية : يابن جعفر ، لقد تكلمت بعظيم ولئن كان ما تقول حقا لقد هلكت أمة محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من المهاجرين والأنصار غيركم أهل البيت وأولياءكم وأنصاركم؟

فقلت : والله إن الذي قلت حق سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ.

قال معاوية : يا حسن ويا حسين ويا بن عباس ما يقول ابن جعفر؟!

فقال ابن عباس : إن كنت لا تؤمن بالذي قال فأرسل إلى الذين

__________________

وقال بعض المحققين : فإن قيل إن المراد صلحاؤهم فالجواب :

اولا : ان صلحاءهم على زعمكم لا يبلغون الاثني عشر.

ثانيا : يلزم الفترة بين إمام وآخر فيكون زمان خال من الامام وذلك لا يسوغ ، لما ورد عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ (من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية).

وقد ورد هذا الحديث في مصادر السنه بالفاظ مختلفه راجع : المعجم الكبير للطبراني ج ١٩ ص ٣٨٨ ح ٩١٠ ، حلية الاولياء لابي نعيم الاصفهاني ج ٣ ص ٢٢٤ ، مجمع الزوائد لابي بكر الهيثمي ج ٥ ص ٢١٨ ، كنز العمال للمتقي الهندي ج ١ ص ١٠٣ ح ٤٦٣ و ٤٦٤.

فعلى كل حال ، إن صرف هذه الأحاديث عن أئمة اهل البيت الاثني عشر ـ عليهم السلام ـ ما هو إلا التعصب الأعمى الذي يقود صاحبه الى الضلال ، إضف إلى ذلك انه اجتهاد في مقابل النص.

فهؤلاء أمثال السيوطي (راجع فتح الباري ج ١٣ ص ١٧٩ وص ١٨٣) فقد جهد على صرف هذه الأحاديث عن معناها الصحيح.

ولذلك يتعجب منه الأستاذ أبو ريه في كتابه (أضواء على السنة المحمدية ، ص ٢٣٥) وإليك تعليقه على ما أورده السيوطي :

يقول : أما السيوطي فبعد أن أورد ما قاله العلماء في هذه الأحاديث المشكلة ، خرج برأي غريب نورده هنا تفكهة للقراء وهو :

وعلى هذا فقد وجد من الاثني عشر ، الخلفاء الأربعة ، والحسن ، ومعاوية ، وابن الزبير ، وعمر بن عبد العزيز ، هؤلاء ثمانية ، ويحتمل أن يضم إليهم المهدي من العباسيين لأنه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أمية ، وكذلك الظاهر ، لما أوتيه من العدل ، وبقي الاثنان المنتظران!! أحدهما المهدي! لأنه من أهل بيت محمد ـ ـ صلى الله عليه وآله ـ.

ولم يبين المنتظر الثاني ، ورحم الله من قال في السيوطي إنه حاطب ليل!!

٩٧

سماهم فاسألهم عن ذلك.

فأرسل معاوية إلى عمر بن أبي سلمة ، وإلى أسامة بن زيد فسألهما ، فشهدا أن الذي قال ابن جعفر قد سمعناه من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كما سمعه.

فقال معاوية : يابن جعفر قد سمعناه في الحسن والحسين وفي أبيهما ، فما سمعت في أمهما؟! ـ ومعاوية كالمستهزئ والمنكر!

فقلت : سمعت من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول : ليس في جنة عدن منزل أشرف ولا أفضل ولا أقرب إلى عرش ربي من منزلي ، ومعي ثلاثة عشر من أهل بيتي أخي علي وابنتي فاطمه وأبناي الحسن والحسين ، وتسعة من ولد الحسين ، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، هداة مهتدون ، وأنا المبلغ عن الله ، وهم المبلغون عني ، وهم حجج الله على خلقه ، وشهداؤه في أرضه ، وخزانه على علمه ، ومعادن حكمته ، من أطاعهم أطاع الله ، ومن عصاهم عصى الله ، لا تبقى الأرض طرفة عين (إلا) ببقائهم ، ولا تصلح إلا بهم ، يخبرون الأمة بأمر دينهم ، حلالهم وحرامهم ، يدلونهم على رضا ربهم ، وينهونهم عن سخطه ، بأمر واحد ونهي واحد ، ليس فيهم اختلاف ولا فرقة ولا تنازع ، يأخذ آخرهم عن أولهم إملائي وخط أخي علي بيده ، يتوارثونه إلى يوم القيامة ، أهل الأرض كلهم في غمرة وغفلة وتيهة وحيرة غيرهم وغير شيعتهم وأوليائهم ، لا يحتاجون إلى أحد من الأمة في شئ من أمر دينهم ، والأمة تحتاج إليهم ، هم الذين عنى الله في كتابه وقرن طاعتهم بطاعته وطاعة رسول الله ، فقال : (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر

٩٨

منكم) (١).

فأقبل معاوية على الحسن والحسين وابن عباس والفضل بن عباس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد ، فقال : كلكم على ما قال ابن جعفر؟!

قالوا : نعم.

قال : يا بني عبد المطلب إنكم لتدعون أمرا عظيما وتحتجون بحجج قوية ، إن كانت حقا! وإنكم لتضمرون على أمر تسرونه والناس عنه في غفلة عمياء ، ولئن كان ما يقولون حقا لقد هلكت الأمة ، وارتدت عن دينها ، وتركت عهد نبينا غيركم أهل البيت ، ومن قال بقولكم ، فأولئك في الناس قليل.

فقلت : يا معاوية إن الله تبارك وتعالى يقول : (وقليل من عبادي الشكور) (٢).

ويقول : (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) (٣). ويقول : (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم) (٤). ويقول لنوح ـ عليه السلام ـ : (وما آمن معه إلا قليل) (٥).

__________________

(١) سورة النساء : الاية ٥٩ ، فقد ذكر المفسرون وغير هم أن المراد ب‍ (أولى الامر) هم علي ـ عليه السلام ـ والائمة من ولده.

راجع : شواهد التنزيل للحاكم لاحسكاني الحنفي ج ١ ص ١٤٨ ح ٢٠٢ ـ ٢٠٤ ، تفسير الرازي ج ١٠ ص ١٤٤ ، تفسير البحر المحيط ج ٣ ص ٢٧٨ ط السعادة بمصر ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١٣٤ وص ١٣٧ ي الحديدرة وص ١١٤ وص ١١٧ ط اسلامبول ، فرائد السمطين ج ١ ص ٣١٤ ج ٢٥٠ ، احقاق الحق للتستري ج ٣ ص ٤٢٤.

(٢) سورة سبأ : الاية ١٣.

(٣) سورة يوسف : الاية ١٠٣.

(٤) سورة ص : الاية ٢٤.

(٥) سورة هود : الاية ٤٠.

٩٩

يا معاوية ، المؤمنون في الناس قليل ، وإن أمر بني اسرائيل أعجب حيث قالت السحرة لفرعون : (فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ، إنا آمنا بربنا) (١). فآمنوا بموسى وصدقوه واتبعوه ، فسار بهم وبمن تبعه من بني اسرائيل ، فأقطعهم البحر وأراهم الأعاجيب ، وهم يصدقون به وبالتوراة ، يقرون له بدينه ، فمر بهم على قوم يعبدون أصناما لهم فقالوا : (يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة) (٢). ثم اتخذوا العجل فعكفوا عليه جميعا غير هارون وأهل بيته.

وقال لهم السامري : (هذا إلهكم وإله موسى) (٣). وقال لهم بعد ذلك : (ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) (٤). فكان من جوابهم ما قص الله في كتابه : (إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون) (٥) قال موسى عليه السلام : (رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) (٦).

فاحتذت هذه الأمة ذلك المثال سواء ، وقد كانت فضائل وسوابق مع رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، ومنازل منه قريبة ، مقرين بدين محمد والقرآن ، حتى فارقهم نبيهم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فاختلفوا وتفرقوا وتحاسدوا وخالفوا إمامهم ووليهم ، حتى لم يبق منهم على ما عاهدوا عليه نبيهم ، غير صاحبنا الذي هو من نبينا ـ صلى الله عليه وآله

__________________

(١) سورة طه : الاية ٧٢ ـ ٧٣.

(٢) سورة الاعراف : الاية ١٣٨.

(٣) سورة طه : الاية ٨٨.

(٤) سورة المائدة : الاية ٢١.

(٥) سورة المائدة : الاية ٢٢.

(٦) سورة المائدة : الاية ٢٥.

١٠٠