مناظرات

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


المحقق: الشيخ عبد الله الحسن
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ٣ الجزء ٤

حتى يلقى ربه ، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا ، حتى مضى الأول لسبيله ، فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده ثم تمثل بقول الاعشى :

شتان ما يومي على كورها

ويوم حيان أخي جابر

فيا عجباً! بينا هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها لاخر بعد وفاته ، لشدما تشطرا ضرعيها! فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ، ويخشن مسها ، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحم ، فمني الناس لعمر الله بخبطٍ وشماسٍ ، وتلوّنٍ واعتراض ، فصبرت على طول المدة ، وشدة المحنة ، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم ، فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم ، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر! لكني أسففت إذ أسفوا ، وطرت إذ طاروا ، فصغا رجل منهم لضغنه ، ومال الاخر لصهره ، مع هن وهن إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه ، بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الأبل نبتة الربيع إلى أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته! .... الخ الخطبة (١).

٧ ـ ومن خطبة له ـ عليه السلام ـ يقول : وقدر قال قائل : انك على هذا

__________________

(١) نهج البلاغة للامام علي عليه السلام ص ٤٨ وهي الخطبة الثالثة ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي الحنفي ص ١٢٤ ، الاحتجاج ج ١ ص ١٩١ ، الارشاد للمفيد ص ١٦٧ ، معاني الأخبار للصدوق ج ٢ ص ٣٤٣ ، مصادر نهج البلاغة للسيد عبد الزهراء الخطيب ج ٢ ص ٢٠ ـ ٣١ ، مدارك نهج البلاغة لكاشف الغطاء ص ٢٣٧ ، الغدير للعلامة الأميني ج ٧ ص ٨٢ ـ ٨٥ ، فإنه ذكر ٢٨ مصدرا ، المعيار والموازنة لأبي جعفر الأسكافي ، والجدير بالذكر ان سنة وفاته ٢٤٠ ه‍ ، وهو معتزلي وهذا يعني ان الخطبة الشقشقية كانت معروفة قبل وفاة الشريف الرضي بأكثر من قرن ونصف من الزمان.

٤١

الأمر يا بن أبي طالب لحريص ، فقلت : بل أنتم والله لأحرص وأبعد ، وأنا أخص وأقرب ، وإنما طلبت حقا لي ، وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه ، فلما قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين هب كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به؟

اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم! فإنهم قطعوا رحمي ، وصغروا عظيم منزلتي ، وأجمعوا على منازعتي أمرا هولي ، ثم قالوا : ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تتركه ... الخ الخطبة (١).

٨ ـ سأله بعض أصحابه : كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟

فقال ـ عليه السلام ـ : يا أخا بني أسد إنك لقلق الوضين ، ترسل في غير سدد ، ولك بعد ذمامة الصهر وحق المسألة ، وقد استعلمت فاعلم :

أما الاستبداد علينا بهذا المقام ، ونحن الأعلون نسبا ، والأشدون برسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ نوطا ، فإنها كانت أثرة (٢) شحت

__________________

(١) نهج البلاغة للأمام علي ـ عليه السلام ـ ص ٢٤٦ رقم الخطبة : ١٧٢ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٩ ص ٣٠٥ ، الأمامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ ص ١٤٤ ط مصطفى محمد بمصر وج ١ ص ١٣٤ ط الحلبي ، بتفاوت.

على أن تذمر الأمام علي ـ عليه السلام ـ من قريش لا يخفى على كل باحث إذ أعرب بصراحة في مواقف عديدة عن عداء قريش لال محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وكذلك أخبر النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بذلك وقد روته كتب السنة أجمع ، فكان صرف الخلافة عنه لازما بموجب هذا العداء ، وأما تذرع من يتذرع بصغر سن الأمام وخوف الفتنة فما هو إلا كتمسك الغريق بقشة ، راجع : كتاب الغدير والمعارضون للسيد جعفر مرتضى العاملي لتقف على عشرات النصوص المصرحة بهذا العداء بعهد النبي الاكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ والمنقولة من كتب السنة.

(٢) وقد أشار النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ إلى ذلك بقوله للأنصار : ستلقون بعدي أثرة ، والأثرة هي : الاستئثار والاستبداد بالأمر. راجع : شرح النهج لابن أبي الحديد ج ٩ ص ٢٤٣.

٤٢

عليها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرين ، والحكم الله والمعود إليه يوم القيامة.

ودع عنك نهبا صيح في حجراته

ولكن حديثا ما حديث الرواحل (١)

٩ ـ ومن خطبة له ـ عليه السلام ـ قال : حتى إذا قبض الله رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، رجع قوم على الأعقاب (٢) ، وغالتهم السبل ، واتكلوا على الولائج (٣) ، ووصلوا غير الرحم ، وهجروا السبب (٤) الذي أمروا بمودته ، ونقلوا البناء عن رص (٥) أساسه ، فبنوه في غير موضعه ، معادن كل خطيئة ، وأبواب كل ضارب في غمرة ، قد ماروا في الحيرة ، وذهلوا في السكرة ، على سنة من آل فرعون ، من منقطع إلى الدنيا راكن ، أو مفارق للدين مباين (٦).

__________________

(١) نهج البلاغة للأمام علي ـ عليه السلام ـ من كلام له رقم : ١٦٢ ص ٢٣١ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٩ ص ٢٤١.

(٢) وهذا الحدث التاريخي قد صرحت به الاية الشريفة (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) سورة آل عمران : الاية ١٤٤.

(٣) الولائج جمع وليجة ، وهي : البطانة يتخذها الأنسان لنفسه.

(٤) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ٩ ص ١٢٣ ، في شرحه لهذه الخطبة : وهجروا السبب ، يعني أهل البيت أيضا ، وهذه إشارة إلى قول النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : خلفت فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، حبلان ممدودان من السماء إلى الأرض ، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ، فعبر أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ عن أهل البيت ـ عليهم السلام ـ بلفظ (السبب) لما كان النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال : (حبلان) ، والسبب في اللغة : الحبل.

(٥) الرص مصدر رصصت الشئ أرصه ، أي ألصقت بعضه ببعض ، ومنه قوله تعالى : (كأنهم بنيان مرصوص) سورة الصف : الاية ٥.

(٦) نهج البلاغة للأمام علي ـ عليه السلام ـ ص ٢٠٩ رقم الخطبة : ١٥٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٩ ص ١٣٢.

٤٣

١٠ ـ ومن خطبة له ـ عليه السلام ـ قال : أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا (١)؟ كذبا وبغيا علينا أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يستعطى الهدى ، ويستجلى العمى ، إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم ... الخ (٢).

١١ ـ قوله ـ عليه السلام ـ : اللهم فاجز قريشا عني الجوازي فقد قطعت رحمي ، وتظاهرت علي ، ودفعتني عن حقي ، وسلبتني سلطان ابن أمي ، وسلمت ذلك إلى من ليس مثلي في قرابتي من الرسول ، وسابقتي في الأسلام إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه ، ولا أظن الله يعرفه ، والحمد لله على كل حال (٣).

١٢ ـ قوله ـ عليه السلام ـ : إن لنا حقا إن نعطه نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الأبل وإن طال السرى.

١٣ ـ قوله ـ عليه السلام ـ : مازلت مظلوما منذ قبض الله رسوله حتى يوم الناس هذا.

١٤ ـ قوله ـ عليه السلام ـ : اللهم أخز قريشا فإنها منعتني حقي ، وغصبتني أمري.

١٥ ـ قوله ـ عليه السلام ـ : فجزى قريشا عني الجوازي ، فإنهم

__________________

(١) لا شك أن العقل والشرع يقضيان بالفارق الكبير بين من يقول : أقيلوني ، وبين من يقول : سلوني.

(٢) نهج البلاغة للأمام علي ـ عليه السلام ـ ص ٢٠١ خطبة رقم : ١٤٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٩ ص ٨٤.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٢ ص ١١٩ ، ومثله بتفاوت في ج ١٦ ص ١٤٨ ، ونهج البلاغة ص ٤٠٩ رقم الكتاب : ٣٦.

٤٤

ظلموني حقي ، واغتصبوني سلطان ابن أمي.

١٦ ـ قوله ـ عليه السلام ـ وقد سمع صارخا ينادي : أنا مظلوم ، فقال : هلم فلنصرخ معا ، فإني مازلت مظلوما.

١٧ ـ قوله عليه السلام : اللهم إني استعديك على قريش فإنهم ظلموني حقي وغصبوني إرثي.

١٨ ـ قوله ـ عليه السلام ـ : مازلت مستأثرا علي ، مدفوعا عما أستحقه وأستوجبه.

١٩ ـ قوله ـ عليه السلام ـ : لقد ظلمت (١) عدد الحجر والمدر (٢).

٢٠ ـ ومن خطبة له ـ عليه السلام ـ بعد البيعة له قال : لا يقاس بآل محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من هذه الأمة أحد ، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا ، هم أساس الدين ، وعماد اليقين ، إليهم يفئ الغالي ، وبهم يلحق التالي ، ولهم خصائص حق الولاية ، وفيهم الوصية والوراثة ، الان إذ رجع الحق إلى أهله (٣) ، ونقل إلى منتقله (٤).

٢١ ـ قوله ـ عليه السلام ـ : فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي

__________________

(١) جاء في شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ٤ ص ١٠٦ عن المسيب بن نجبة قال : بينا علي ـ عليه السلام ـ يخطب إذ قام أعرابي ، فصاح وامظلمتاه! فاستدناه علي ـ عليه السلام ـ ، فلما دنا ، قال له : إنما لك مظلمة واحدة ، وأنا قد ظلمت عدد المدر والوبر ، قال : وفي رواية عباد بن يعقوب ، أنه دعاه ، فقال له : ويحك! وأنا والله مظلوم أيضا ، هات فلندع على من ظلمنا.

(٢) راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٩ ص ٣٠٦ ـ ٣٠٧ وج ١٠ ص ٢٨٦.

(٣) قوله ـ عليه السلام ـ : الان إذ رجع الحق الى أهله : صريح كل الصراحة ولا يحتاج إلى تأويل أو تفسير ، ولازمه : أن الخلافة لم تكن عند أهلها وفي موضعها وقد فهم ابن أبي الحديد هذا المعنى ، ولكن حاول ان يؤوله كما هي عادته في كل نص صريح لا يقبل التأويل والتفسير.

(٤) نهج البلاغة للأمام علي ـ عليه السلام ـ ص ٤٧ من الخطبة الثانية ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ ص ١٣٨ ـ ١٣٩.

٤٥

فضننت بهم عن الموت ، واغطيت على القذى ، وشربت على الشجى ، وصبرت على أخذ الكظم وعلي أمر من طعم العلقم (١).

٢٢ ـ قوله ـ عليه السلام ـ : اللهم إني أستعديك على قريش ، فإنهم أضمروا لرسولك ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ضروبا من الشر والغدر ، فعجزوا عنها ، وحلت بينهم وبينها ، فكانت الوجبة بي والدائرة علي ، اللهم احفظ حسنا وحسينا ، ولا تمكن فجرة قريش منهما ما دمت حيا ، فإذا توفيتني فأنت الرقيب عليهم ، وأنت على كل شئ شهيد (٢).

٢٣ ـ قوله ـ عليه السلام ـ : أما والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة ، إنه لعهد النبي الأمي إلي أن الأمة ستغدر بك من بعدي (٣).

٢٤ ـ قوله ـ عليه السلام ـ : قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : إن اجتمعوا عليك فاصنع ما أمرتك ، وإلا فألصق كلكلك بالأرض ، فلما تفرقوا عني جررت على المكروه ذيلي ، وأغضيت على القذى جفني ، وألصقت بالأرض كلكلي (٤).

٢٥ ـ عن أنس بن مالك ، قال : كنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وآله

__________________

(١) نهج البلاغة للأمام علي ـ عليه السلام ـ ص ٦٨ رقم الخطبة : ٢٦ ، الامامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ ص ١٣٤ بتفاوت ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٢ ص ٢٠.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٢٠ ص ٢٩٨ ، من حكمه المنسوبة إليه ـ عليه السلام ـ رقم : ٤١٣.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ٢٠ ص ٣٢٦ ، من حكمه المنسوبة إليه ـ عليه السلام ـ رقم : ٧٣٤ ، وجاء في شرح النهج ايضا ج ٦ ص ٤٥ : عن حبيب بن ثعلبة بن يزيد ، قال : سمعت عليا يقول : أما ورب السماء والأرض ، ثلاثا ، إنه لعهد النبي الأمي إلي لتغدرن بك الأمة من بعدي.

(٤) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٢٠ ص ٣٢٦ ، من حكمه المنسوبة إليه ـ عليه السلام ـ رقم : ٧٣٦.

٤٦

وسلم ـ ، وعلي بن ابي طالب معنا ، فمررنا بحديقة ، فقال علي : يا رسول الله ، ألا ترى ما أحسن هذه الحديقة!.

فقال : إن حديقتك في الجنة أحسن منها ، حتى مررنا بسبع حدائق ، يقول علي ما قال : ويجيبه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بما أجابه ، ثم إن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وقف ، فوقفنا ، فوضع رأسه على رأس علي وبكى.

فقال علي ـ عليه السلام ـ : ما يبكيك يا رسول الله؟

قال : ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدوني.

فقال : يا رسول الله ، أفلا أضع سيفي على عاتقي فأبيد خضراءهم.

قال : بل تصبر.

قال : فإن صبرت؟

قال : تلاقي جهدا.

قال : أفي سلامة من ديني؟

قال : نعم.

قال : فإذا لا أبالي (١).

٢٦ ـ ومن احتجاجاته الشديدة قوله ـ عليه السلام ـ : لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم (٢).

٢٧ ـ قوله ـ عليه السلام ـ : لما عزموا على بيعة عثمان : لقد علمتم أني أحق الناس بها من غيري ، ووالله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة ، التماسا لأجر ذلك وفضله ، وزهدا فيما

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ج ٤ ص ١٠٧ ـ ١٠٨.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٢ ص ٤٧ ، سفينة البحار للقمي ج ١ ص ٥٠٣ و ٥٠٤.

٤٧

تنافستموه من زخرفه وزبرجه (١).

٢٨ ـ قوله ـ عليه السلام ـ : فإنه لما قبض الله نبيه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، قلنا : نحن أهله وورثته وعترته ، وأولياؤه دون الناس ، لا ينازعنا سلطانه أحد ، ولا يطمع في حقنا طامع ، إذ انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا ، فصارت الأمرة لغيرنا وصرنا سوقة ، يطمع فينا الضعيف ، ويتعزز علينا الذليل ، فبكت الأعين منا لذلك ، وخشيت الصدور ، وجزعت النفوس ، وأيم الله لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين ، وأن يعود الكفر ، ويبور الدين ، لكنا على غير ما كنا لهم عليه ... الخ (١).

٢٩ ـ قوله ـ عليه السلام ـ في خطبته عند مسيره للبصرة :

إن الله لما قبض نبيه ، استأثرت علينا قريش بالأمر ، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة ، فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين ، وسفك دمائهم ، والناس حديثوا عهد بالأسلام ، والدين يمخض مخض الوطب ، يفسده أدنى وهن ، ويعكسه أقل خلف ، فولي الأمر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهادا ، ثم انتقلوا إلى دار الجزاء ، والله ولي تمحيص سيئاتهم ، والعفو عن هفواتهم ... الخ (٣).

٣٠ ـ قوله ـ عليه السلام ـ : لا يعاب المرء بتأخير حقه ، إنما يعاب من أخذ ما ليس له. (٤)

__________________

(١) نهج البلاغة للامام علئ ـ عليه السلام ـ ص ١٠٢ رقم الخطبطة : ٧٤ ، شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد ج ٦ ص ١٦٦.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ ص ٣٠٧.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ ص ٣٠٨.

(٤) نهج البلاغة للأمام علي ـ عليه السلام ـ ص ٥٠٠ من حكمه رقم : ١٦٦.

٤٨

٣١ ـ قوله ـ عليه السلام ـ : كنت في أيام رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كجزء من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ينظر إلي كما ينظر إلى الكواكب في أفق السماء ، ثم غض الدهر مني ، فقرن بي فلان وفلان ، ثم قرنت بخمسة أمثلهم عثمان ، فقلت : واذ فراه! ثم لم يرض الدهر لي بذلك ، حتى أرذلني ، فجعلني نظيرا لابن هند وابن النابغة! لقد استنت الفصال حتى القرعى (١).

٣٢ ـ قوله ـ عليه السلام ـ : كل حقد حقدته قريش على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أظهرته في وستظهره في ولدي من بعدي ، مالي ولقريش! إنما وترتهم بأمر الله وأمر رسوله ، أفهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين (٢).

٣٣ ـ قال له قائل : يا أمير المؤمنين ، أرأيت لو كان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ترك ولدا ذكرا قد بلغ الحلم ، وآنس منه الرشد ، أكانت

__________________

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ١٨ ص ٣٩٠ في شرحه لهذه الكلمة : لعل هذه الكلمه قالها في جواب سائل سأله : لم أخرت المطالبة بحقك من الأمامة ، ولا بد من إضمار شئ في الكلام على قولنا وقول الامامية لأنا نحن نقول : الأمر حقه بالأفضلية ، وهم يقولون : إنه حقه بالنص وعلى كلا التقديرين فلا بد من إضمار شئ في الكلام لأن لقائل أن يقول له ـ عليه السلام ـ : لو كان حقك من غير أن يكون للمكلفين فيه نصيب لجاز ذلك أن يؤخر كالدين الذي يستحق على زيد يجوز لك أن تؤخره لأنه خالص لك وحدك ، فأما إذا كان للمكلفين فيه حاجة ماسة لم يكن حقك وحدك لأن مصالح المكلفين منوطة بإمامتك دون إمامة غيرك ، فكيف يجوز لك تأخير ما فيه مصلحة المكلفين؟ فإذن لا بد من إضمار شئ في الكلام ، وتقدير ه لا يعاب المرء بتأخير حقه إذا كان هناك مانع عن طلبه ويستقيم المعنى حينئذ على المذهبين ...

(١) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ٢ ص ٣٢٦ ، من حكمه المنسوبة إليه ـ عليه السلام ـ رقم : ٧٣٣.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ٢ ص ٣٢٨ ، من حكمه امنسوبة إليه ـ عليه السلام ـ رقم : ٧٦٤.

٤٩

العرب تسلم إليه أمرها؟

قال : لا ، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلت ، إن العرب كرهت أمر محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ وحسدته على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته ، ونفرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها ، وجسيم مننه عندها وأجمعت مذ كان حيا على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته ... إلى آخر كلامه ـ عليه السلام ـ (١).

٣٤ ـ قال محمد بن حرب : لما توفي النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ، وجرى في السقيفة ما جرى تمثل علي ـ عليه السلام ـ :

وأصبح أقوام يقولون ما اشتهوا

ويطغون لما غال زيدا غوائله (١)

٣٥ ـ قال عاصم بن قتادة : لقي علي ـ عليه السلام ـ عمر ، فقال له علي : أنشدك الله هل استخلفك رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ؟

قال : لا.

قال : فكيف تصنع أنت وصاحبك؟!!

قال : أما صاحبي فقد مضى لسبيله ، وأما أنا فسأخلعها من عنقي إلى عنقك.

فقال : جذع الله أنف من ينقذك منها! لا ولكن جعلني الله علما فإذا قمت فمن خالفني ضل. (٢)

٣٦ ـ عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال : كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات بينهم فسمعت عليا ـ عليه السلام ـ يقول :

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ٢٠ ص ٢٩٨ رقم : ٤١٤.

(٢) السقيفة للجوهري ص ٦٢ ، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ٦ ص ١٤.

(٣) شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد ج ٢ ص ٥٨.

٥٠

بايع الناس أبا بكر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق به منه ، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف ، ثم بايع الناس عمر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق به منه ، فسمعت وأطعت مخافة أن يرجع الناس كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف ، ثم أنتم تريدون أن تبايعوا عثمان؟!!! إذا لا أسمع ولا أطيع وإن عمر جعلني من خمسة نفر أنا سادسهم لا يعرف لي فضلا عليهم في الصلاح ولا يعرفونه لي كلنا فيه شرع سواء وأيم الله لو أشاء أن أتكلم ثم لا يستطيع عربيهم ولا عجميهم ولا معاهد منهم ولا المشرك رد خصلة منها لفعلت (١).

إلى غير ذلك من احتجاجاته ـ عليه السلام ـ في شأن الخلافة ، وناهيك عن احتجاجاته ومناشداته بحديث الغدير في مواطن كثيرة منها في مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بعد وفاته ، ويوم الشورى ، وأيام عثمان ، ويوم الرحبة ، ويوم الجمل ، وفي الكوفة ، ويوم صفين ، ومواطن أخرى (٢).

احتجاج فاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ في الخلافة :

١ ـ فمن خطبة لها حينما عدنها نساء المهاجرين والأنصار ، قالت : ويحهم أنى زحزحوها ـ أي الخلافة ـ عن رواسي الرسالة؟! وقواعد النبوة ، ومهبط الروح الأمين ، الطبن بأمور الدنيا والدين ، ألا ذلك الخسران المبين ، وما الذي نقموا من أبي الحسن؟ نقموا والله نكير سيفه ، وشدة

__________________

(١) الفرائد السمطين ج ١ ص ٣٢٠ ح ٢٥١.

(٢) راجع في ذلك الذذير للاميني ج ١ ص ١٥٩ ـ ١٩٦ ، والاحتجاج للطبرسي.

٥١

وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمره في ذات الله ، وتالله لو تكافأ واعلى زمام نبذه إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لاعتقله وسار بهم سيرا سجحا لا يكلم خشاشه ، ولا يتتعتع راكبه ، ولأوردهم منهلا رويا فضفاضا تطفح ضفتاه ، ولا يترنم جانباه ، ولأصدرهم بطانة ونصح لهم سرا وإعلانا ، غير متحل منهم بطائل إلا بغمر الناهل ، وردعة سورة الساغب ، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض ، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون ، ألا هلم واستمع وما عشت أراك الدهر عجبا ، وإن تعجب ، فقد أعجبك الحادث ، إلى أي لجأ لجأوا؟ وبأي عروة تمسكوا ، لبئس المولى ولبئس العشير ، بئس للظالمين بدلا ، استبدلوا والله الذنابا بالقوادم ، والعجز بالكاهل ، فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ، ويحهم (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) (١) ... إلى آخر الخطبة (٢).

٢ ـ ومن خطبة لها ـ عليها السلام ـ لما منعوها فدكا قالت :

فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه ، ومأوى أصفيائه ، ظهر فيكم حسكة النفاق ، وسمل جلباب الدين ، ونطق كاظم الغاوين ، ونبغ خامل الأقلين ، وهدر فنيق المبطلين ، فخطر في عرصاتكم ، وأطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين ، وللعزة فيه ملاحظين ، ثم

__________________

(١) سورة يونس : لاية ٣٥.

(٢) راجع : بلاغات النساء لابن ابي طيفور امتوفى سنة ٢٨٠ ه‍ ص ١٢ ـ ١٩ ، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ١٦ ص ٢٣٣ ـ ٢٣٤ ، اعلام النساء لعمر رضا كحالة ج ٣ ص ٢٠٨ ـ ، الاحتجاج للطبرسي ج ١ ص ١٠٨ ـ ١٠٩.

٥٢

استنهضكم فوجدكم خفافا ، وأحمشكم فألفاكم غضابا فوسمتم غير إبلكم ، ووردتم غير مشربكم ، هذا والعهد قريب والكلم رحيب ، والجرح لما يندمل ، والرسول لما يقبر ، ابتدارا زعمتم خوف الفتنة (١) (ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) (٢) فهيهات منكم ، وكيف بكم ، وأنى تؤفكون! وكتاب الله بين أظهركم ، أموره ظاهرة وأحكامه زاهرة وأعلامه باهرة ، وزواجره لائحة ، وأوامره واضحة ، وقد خلفتموه وراء ظهوركم أرغبة عنه تريدون أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلا ، (ومن يبتغ غير الأسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين) (٣) ... إلى آخر الخطبة (٤).

احتجاج الأمام الحسن بن علي ـ عليهما السلام ـ :

١ ـ لما رأى الحسن ـ عليه السلام ـ أبا بكر وهو يخطب على المنبر قال له : انزل عن منبر أبي.

فقال أبو بكر : صدقت والله إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي (٥).

__________________

(١) اشارة الى قول أبي بكر ـ وذلك لما بويع ـ قال له أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ أفسدت علينا أمورنا ، ولم تستشرؤ ولم ترع لنا حقا ، فقال أبو بكر : بلى ، ولكني خشيت الفتنة. انظر : مروج الذهب للمسعودي ج ٢ ص ٣٠٧.

(٢) سورة التوبة : الاية ٤٩.

(٣) سورة آل عمران : الاية ٨٥.

(٤) راجع : الاحتجاج للطبرسي ج ١ ص ١٠١ ، بلاغات النساء لابن أبي طيفور ص ١٩ ـ ٢٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٦ ص ٢٥١ بتفاوت ، إعلام النساء لكحالة ج ٣ ص ٢١٩.

(٥) راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٦ ص ٤٢ ـ ٤٣ ، الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٧٥ ط المحمدية وص ١٠٥ ط الميمنية بمصر ، الاتحاف بحب الأشراف للشبراوي ص ٧.

٥٣

٢ ـ احتجاجه على معاوية في الأمامة قال ـ عليه السلام ـ :

نحن نقول أهل البيت : إن الأئمة منا ، وإن الخلافة لا تصلح إلا فينا ، وإن الله جعلنا أهلها في كتابه وسنة نبيه ، وإن العلم فينا ونحن أهله ، وهو عندنا مجموع كله بحذافيره ، وإنه لا يحدث شئ إلى يوم القيامة حتى أرش الخدش إلا وهو عندنا مكتوب بإملاء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وبخط علي ـ عليه السلام ـ بيده وزعم قوم : أنهم أولى بذلك منا حتى أنت يا بن هند تدعي ذلك ... إلى آخر احتجاجه عليه السلام (١).

احتجاج الأمام الحسين بن علي ـ عليه السلام ـ :

١ ـ روي أن عمر بن الخطاب كان يخطب الناس على منبر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فذكر في خطبته أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فقال له الحسين ـ عليه السلام ـ من ناحية المسجد : انزل عن منبر أبي رسول الله ، لا منبر أبيك ، فقال له عمر : فمنبر أبيك لعمري يا حسين لا منبر أبي (٢).

احتجاج العباس بن عبد المطلب :

١ ـ احتج على أبي بكر إذ قال له في كلام دار بينهما (٣) :

فإن كنت برسول الله طلبت ، فحقنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين

__________________

(١) الاحتجاج للطبرسي ج ٢ ص ٢٨٧ ـ ٢٨٨.

(٢) الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٧٥ ط المحمدية وص ١٠٥ ط الميمنية بمصر ، الاحتجاج للطبرسي ج ٢ ص ٢٩٢.

(٣) سوف تأتي هذه المناظرة.

٥٤

طلبت ، فنحن منهم متقدمون فيهم ، وإن كان هذا الأمر إنما يجب لك ، فما وجب إذ كنا كارهين ... إلى آخر احتجاجه (١).

٢ ـ قال اليعقوبي في تاريخه في خبر سقيفة بني ساعدة : وجاء البراء بن عازب ، فضرب الباب على بني هاشم وقال : يا معشر بني هاشم ، بويع أبو بكر. فقال بعضهم : ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه ، ونحن أولى بمحمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ.

فقال العباس : فعلوها ، ورب الكعبة (٢)؟!!

احتجاج الفضل بن العباس :

١ ـ فمن احتجاج له على قريش قال فيه : يا معشر قريش ، وخصوصا يا بني تيم ، إنكم إنما أخذتم الخلافة بالنبوة ، ونحن أهلها دونكم ، ولو طلبنا هذا الأمر الذي نحن أهله لكانت كراهة الناس لنا أعظم من كراهتهم لغيرنا ، حسدا منهم لنا ، وحقدا علينا ، وإنا لنعلم أن عند صاحبنا عهدا هو ينتهي إليه (٣).

٢ ـ وقال أيضا لما بلغه نبأ بيعة أبي بكر : يا معشر قريش إنه ما حقت لكم الخلافة بالتمويه ، ونحن أهلها دونكم وصاحبنا أولى بها منكم (٤).

__________________

(١) الامامة والسياسة لابن قتيبة ص ١٥ ، تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٠٤ ، شرح نهج البلاغة ج ١ ص ٢٢١.

(٢) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٢٤.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ٦ ص ٢١ ، بحار الانوار ج ٢٨ ص ٣٥٢.

(٤) تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٢٤.

٥٥

احتجاج ابن عباس :

لابن عباس ـ رضي الله عنه ـ الكثير من الاحتجاجات والمناظرات في أحقية أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ بالخلافة ، سوف تأتي في طيات هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

احتجاج سلمان المحمدي :

١ ـ احتجاج سلمان المحمدي ـ يوم بويع أبو بكر ـ قال ـ رضي الله عنه ـ :

أصبتم ذا السن منكم وأخطأتم أهل بيت نبيكم ، لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم اثنان ولأكلتموها رغدا (١).

٢ ـ احتجاج سلمان المحمدي ـ رضي الله عنه ـ بعد وفاة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لما ترك القوم أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ.

ومن جملة ما قال في احتجاجه : أما والله لتركبن طبقا عن طبق ، حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة (٢) ، أما والذي نفس سلمان بيده ، لو وليتموها عليا لأكلتم من فوقكم ، ومن تحت أقدامكم (٣) ، ولو دعوتم

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٢ ص ٤٩ وج ٦ ص ٤٣.

(٢) اشارة الى الحديث النبوي الشريف : (ستحذو أمتي حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتم فيه). راجع : مسند أحمد ج ٥ ص ٣٤٠ ، كنز العال ج ١١ ص ١٣٤ ح ٣٠٩٢٤ ، كتاب السنة لابن أبي عاصم ج ١ ص ٢٥ ج ٤٥ ، المعجم الكبير للطبراني ج ١٧ ص ١٣ ح ٣ ، مستدرك الحاكم ج ١ ص ١٢٩ ، جامع الاصول ج ١٠ ص ٤٠٨ ح ٧٤٧١ ، مجمع الزوائد ج ٧ ص ٢٦٠ ، الدر المنثور ج ٢ ص ٦٢ ، كتاب سليم بن قيس ص ٧٩ ـ ٩٣ ، بحار الأنوار ج ١٣ ص ١٨ ح ١٠.

(٣) جاء في انساب الاشراف للبلاذري ج ١ ص ٥٩١ قال سلمان الفارسي حين بويع أبو بكر : كرداذ وناكرداذ ، اي عملتم ، لو بايعوا عليا لاكلوا من فوقفهم ومن تحت أرجلهم.

٥٦

الطير لأجابتكم في جو السماء ، ولو دعوتم الحيتان من البحار لأتتكم ، ولما عال ولي الله ، ولا طاش لكم سهم من فرائض الله ، ولا اختلف اثنان في حكم الله ، ولكن أبيتم فوليتموها غيره ، فأبشروا بالبلايا واقنطوا من الرخاء ، وقد نابذتكم على سواء ، فانقطعت العصمة فيما بيني وبينكم من الولاء.

عليكم بآل محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، فإنهم القادة إلى الجنة ، والدعاة إليها يوم القيامة ، عليكم بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ فوالله لقد سلمنا عليه بالولاية وإمرة المؤمنين ، مرارا جمة مع نبينا ، كل ذلك يأمرنا به ، ويؤكده علينا ، فما بال القوم عرفوا فضله فحسدوه؟! وقد حسد هابيل قابيل فقتله ... إلى آخر احتجاجه (١).

احتجاج أبي ذر :

١ ـ قال ابن لهيعة : لما مات رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأبو ذر غائب ، وقدم وقد ولي أبو بكر ، فقال : أصبتم قناعه ، وتركتم قرابه ، لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيكم لما اختلف عليكم اثنان (٢).

٢ ـ روي أن أبا ذر كان يقول في عهد عثمان وقد كان واقفا بباب المسجد : وعلي بن أبي طالب وصي محمد ووارث علمه ، أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها أما لو قدمتم من قدم الله وأخرتم من أخر الله ، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم ، لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم ، ولما عال ولي الله ولاطاش سهم من فرائض الله ، ولا اختلف

__________________

(١) الاحتجاج ج ١ ص ١١١.

(٢) السقيفة للجوهري ص ٦٢ ، شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ٦ ص ١٣.

٥٧

اثنان في حكم الله إلا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنة نبيه ، فأما إذا فعلتم ما فعلتم فذوقوا وبال أمركم ، (وسيعلم الذي ظلموا أي منقلب ينقلبون) (١) ، (٢).

احتجاج المقداد :

١ ـ من احتجاج له لما بويع عثمان ، روى بعضهم قال : دخلت مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فرأيت رجلا جاثيا على ركبتيه يتلهف تلهف من كانت الدنيا له فسلبها ، وهو يقول : واعجبا لقريش ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم وفيهم أول المؤمنين ... (١).

٢ ـ عن المعروف بن سويد ، قال : كنت بالمدينة أيام بويع عثمان ، فرأيت رجلا في المسجد جالسا وهو يصفق بإحدى يديه على الأخرى ، والناس حوله ويقول : واعجبا من قريش واستئثارهم بهذا الأمر على أهل هذا البيت ، معدن الفضل ، ونجوم الأرض ونور البلاد ، والله إن فيهم لرجلا ما رأيت رجلا بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أولى منه بالحق ، ولا أقضى بالعدل ، ولا آمر بالمعروف ، ولا أنهى عن المنكر.

فسألت عنه فقيل : هذا المقداد ، فتقدمت إليه وقلت : أصلحك الله من الرجل الذي تذكره؟ فقال : ابن عم نبيك رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ.

قال : فلبثت ما شاء الله ، ثم أني لقيت أبا ذر ـ رحمه الله ـ فحدثته ما قال

٥٨

المقداد.

فقال : صدق.

قلت : فما يمنعكم أن تجعلوا هذا الأمر فيهم؟

قال : أبى ذلك قومهم.

قلت : فما يمنعكم أن تعينوهم؟

قال : مه لا تقل هذا ، إياكم والفرقة والاختلاف.

قال : فسكت عنه ثم كان من الأمر بعد ما كان (٢).

احتجاج قيس بن سعد بن عبادة :

قال علي بن سليمان النوفلي : سمعت أبيا يقول : ذكر سعد بن عبادة يوما عليا بعد يوم السقيفة ، فذكر أمرا من أمره نسيه أبو الحسن ، يوجب ولايته ، فقال له ابنه قيس بن سعد : أنت سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول هذا الكلام في علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ ثم تطلب الخلافة ، ويقول أصحابك منا أمير ومنكم أمير! لاكلمتك والله من رأسي بعد هذا كلمة أبدا. (١)

وسوف يأتي احتجاجه على معاوية في شأن الخلافة ودفاعه عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ.

احتجاج أبي سفيان :

لما اجتمع المهاجرون على بيعة أبي بكر ، أقبل أبو سفيان وهو

__________________

(١) السقيفة للجوهري ص ٨١ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٩ ص ٢١ ـ ٢٢.

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٦ ص ٤٤.

٥٩

يقول : أما والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم ، يالعبد مناف ، فيم أبو بكر من أمركم! أين المستضاف؟ أين الأذلان! ـ يعني عليا والعباس ـ ، ما بال هذا في أقل حي من قريش ، ثم قال لعلي : ابسط يدك أبايعك ، فو الله إن شئت لأملأنها على أبي فضيل ـ يعني أبا بكر ـ خيلا ورجالا ، فامتنع عليه علي ـ عليه السلام ـ ، فلما يئس منه قام عنه وهو ينشد شعر المتلمس :

ولا يقيم على ضيم يراد به

إلا الأذلان ، عير الحي والوتد

هذا على الخسف مربوط برمته

وذا يشج فلا يرثي له أحد (١).

ونكتفي بهذا القدر من الاحتجاجات مع الأحالة إلى بقية المناظرات الأخرى في أصل هذا الكتاب لما في بعضها من السبق الزماني الذي يعود إلى عصر صدر الأسلام.

وبعد كل هذه الشواهد والبراهين التي مرت عليك نستكشف أن مسألة الاحتجاج والمناظرة في أحقية أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ وإثبات ذلك بالنصوص الشرعية وغيرها تعود إلى الصدر الأول من الإسلام ، وهكذا استمرت عبر العصور المختلفة وإلى يومنا هذا.

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ ص ٢٢١ ـ ٢٢٢.

٦٠