مناظرات

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


المحقق: الشيخ عبد الله الحسن
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ٣ الجزء ٤

الغدير محتجا به على خلافة الأمام علي ـ عليه السلام ـ فاعترف بصحته ، بل وزاد في الحبل وصلة فأطلعني على تفسيره للقرآن الذي ألفه بنفسه ، والذي يذكر فيه حديث الغدير ويصححه ، ويقول بعد ذلك :

(وتزعم الشيعة بأن هذا الحديث هو نص على خلافة سيدنا علي ـ كرم الله وجهه ـ ، وهو باطل عند أهل السنة والجماعة لأنه يتنافى مع خلافة سيدنا أبي بكر الصديق وسيدنا عمر الفاروق وسيدنا عثمان ذي النورين ، فلا بد من تأويل لفظ المولى الوارد في الحديث على معنى المحب والناصر ، كما ورد ذلك في الذكر الحكيم ، وهذا ما فهمه الخلفاء الراشدون والصحابة الكرام ـ رضي الله تعالى عليهم أجمعين ـ ، وهذا ما أخذه عنهم التابعون وعلماء المسلمين ، فلا عبرة لتأويل الرافضة لهذا الحديث لأنهم لا يعترفون بخلافة الخلفاء ويطعنون في صحابة الرسول وهذا وحده كاف لرد أكاذيبهم وإبطال مزاعمهم) انتهى كلامه في الكتاب.

سألته : هل الحادثة وقعت بالفعل في غدير خم (١)؟

أجاب : لو لم تكن وقعت ما كان ليرويها العلماء والمحدثون!

قلت : فهل يليق برسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أن يجمع أصحابه في حر الشمس المحرقة ويخطب لهم خطبة طويلة ليقول لهم : بأن علي محبكم وناصركم؟ فهل ترضون بهذا التأويل؟

أجاب : إن بعض الصحابة اشتكى عليا وكان فيهم من يحقد عليه ويبغضه ، فأراد الرسول أن يزيل حقدهم ، فقال لهم : بأن عليا محبكم وناصركم ، لكي يحبوه ولا يبغضوه.

__________________

(١) تقدمت تخريجاته.

٥٦١

قلت : هذا لا يتطلب إيقافهم جميعا والصلاة بهم وبدأ الخطبة بقوله : ألست أولى بكم من أنفسكم ، لتوضيح معنى المولى ، وإذا كان الأمر كما تقول فكان بإمكانه أن يقول لمن اشتكى منهم عليا : (إنه محبكم وناصركم) ، وينتهي الأمر بدون أن يحبس في الشمس ، تلك الحشود الهائلة وهي أكثر من مائة ألف فيهم الشيوخ والنساء ، فالعاقل لا يقنع بذلك أبدا!

فقال : وهل العاقل يصدق بأن مائة ألف صحابي لم يفهموا ما فهمت أنت والشيعة؟؟

قلت : أولا لم يكن يسكن المدينة المنورة إلا قليل منهم.

وثانيا : إنهم فهموا بالضبط ما فهمته أنا والشيعة ، ولذلك روى العلماء بأن أبا بكر وعمر كانا من المهنئين لعلي بقولهم : بخ بخ لك يابن أبي طالب أمسيت وأصبحت مولى كل مؤمن (١).

قال : فلماذا لم يبايعوه إذا بعد وفاة النبي؟ أتراهم عصوا وخالفوا أمر النبي؟ أستغفر الله من هذا القول!

قلت : إذا كان العلماء من أهل السنة يشهدون في كتبهم بأن بعضهم ـ أعني من الصحابة ـ كانوا يخالفون أوامر النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حياته وبحضرته (٢) ، فلا غرابة في ترك أوامره بعد وفاته ، وإذا كان أغلبهم يطعن في تأميره أسامة بن زيد لصغر سنه رغم أنها سرية محدودة ولمدة قصيرة فكيف يقبلون تأمير علي على صغر سنه ولمدة الحياة ،

__________________

(١) تقدمت تخريجاته.

(٢) صحيح البخاري ومسلم إذ أخرجا عدة مخالفات لهم كما في صلح الحديبية وكما في رزية يوم الخميس وغير ذلك كثير ، وخير من كتب في هذا الموضوع السيد شرف الدين (قدس سره) في كتابه : النص والاجتهاد فراجع.

٥٦٢

وللخلافة المطلقة؟ ولقد شهدت أنت بنفسك بأن بعضهم كان يبغض عليا ويحقد عليه!!

أجابني متحرجا : لو كان الأمام علي ـ كرم الله وجهه ورضي الله عنه ـ يعلم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ استخلفه ، ما كان ليسكت عن حقه وهو الشجاع الذي لا يخشى أحدا ويهابه كل الصحابة.

قلت : سيدي هذا موضوع آخر لا أريد الخوض فيه لأنك لم تقتنع بالأحاديث النبوية الصحيحة ، وتحاول تأويلها وصرفها عن معناها حفاظا على كرامة السلف الصالح ، فكيف أقنعك بسكوت الأمام علي أو باحتجاجه عليهم بحقه في الخلافة؟

ابتسم الرجل قائلا : أنا والله من الذين يفضلون سيدنا عليا ـ كرم الله وجهه ـ على غيره ، ولو كان الأمر بيدي لما قدمت عليه أحدا من الصحابة ، لأنه باب مدينة العلم وهو أسد الله الغالب ، ولكن مشيئة الله سبحانه هو الذي يقدم من يشاء ويؤخر من يشاء ، (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) (١).

ابتسمت بدوري له ، وقلت : وهذا أيضا موضوع آخر يجرنا للحديث عن القضاء والقدر ، وقد سبق لنا أن تحدثنا فيه وبقي كل منا على رأيه ، وإني لأعجب يا سيدي لماذا كلما تحدثت مع عالم من علماء أهل السنة وأفحمته بالحجة سرعان ما يتهرب من الموضوع إلى موضوع آخر لا علاقة له بالبحث الذي نحن بصدده.

قال : وأنا باق على رأيي لا أغيره.

__________________

(١) سورة الانبياء : الاية ٢٣.

٥٦٣

ودعته وانصرفت. بقيت أفكر مليا لماذا لا أجد واحدا من علمائنا يكمل معي هذا المشوار ويوقف الباب على رجله ، كما يقول المثل الشائع عندنا.

فالبعض يبدأ الحديث ، وعندما يجد نفسه عاجزا عن إقامة الدليل على أقواله يتملص بقوله : (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم) (١) والبعض يقول ما لنا ولأثارة الفتن والأحقاد فالمهم أن السنة والشيعة يؤمنون بإله واحد ورسول واحد وهذا يكفي ، والبعض يقول بإيجاز : يا أخي اتق الله في الصحابة ، فهل يبقى مع هؤلاء مجال للبحث العلمي وإنارة السبيل والرجوع للحق الذي ليس بعده إلا الضلال؟ وأين هؤلاء من أسلوب القرآن الذي يدعو الناس لأقامة الدليل : (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) (٢) مع العلم بأنهم لو يتوقفون عن طعنهم وتهجمهم على الشيعة لما ألجأونا للجدال معهم حتى بالتي هي أحسن (٣).

__________________

(١) سورة البقرة : الاية ١٣٤.

(٢) سورة البقرة : الاية ١١١.

(٣) مع الصادقين للدكتور التيجاني السماوي ص ٥٨.

٥٦٤

المناظرة الثانية والسبعون

مناظرة الدكتور التيجاني مع أحد العلماء

قلت لأحد علمائنا : إذا كان معاوية قتل الأبرياء وهتك الأعراض وتحكمون بأنه اجتهد وأخطأ وله أجر واحد.

وإذا كان يزيد قتل أبناء الرسول وأباح المدينة (١) لجيشه وتحكمون بأنه اجتهد وأخطأ وله أجر واحد ، حتى قال بعضكم : (قتل الحسين بسيف جده) (٢) لتبرير فعل يزيد.

فلماذا لا أجتهد أنا في البحث ، وهو ما يجرني للشك في الصحابة وتعرية البعض منهم وهذا لا يقاس بالنسبة للقتل الذي فعله معاوية وابنه يزيد في العترة الطاهرة ، فإن أصبت فلي أجران وإن أخطأت فلي أجر (واحد) ، على أن انتقاصي لبعض الصحابة لا أريد منه السب والشتم واللعن ، وإنما أريد الوصول إلى الحقيقة لمعرفة الفرقة الناجية من بين الفرق الضالة.

وهذا واجبي وواجب كل مسلم ، والله سبحانه يعلم السرائر وما تخفي الصدور.

أجابني العالم قائلا : يا بني لقد أغلق باب الاجتهاد من زمان.

__________________

(١) تقدمت تخريجاته.

(٢) حياة الأمام الحسين ـ عليه السلام ـ للقرشي ج ٣ ص ٤٠٣ ، العواصم من القواصم لابن العربي ص ٢٣٢ بما معناه.

٥٦٥

فقلت : ومن أغلقه؟

قال : الأئمة الأربعة.

فقلت متحررا : الحمد لله إذ لم يكن الله هو الذي أغلقه ولا رسول الله ولا الخلفاء الراشدون الذين (أمرنا بالاقتداء بهم) فليس علي حرج إذا اجتهدت كما اجتهدوا.

فقال : لا يمكنك الاجتهاد إلا إذا عرفت سبعة عشر علما ، منها علم التفسير واللغة والنحو والصرف والبلاغة والأحاديث والتاريخ وغير ذلك.

وقاطعته قائلا : أنا لن أجتهد لأبين للناس أحكام القرآن والسنة أو لأكون صاحب مذهب في الأسلام ، كلا ، ولكن لأعرف من على الحق ومن على الباطل ، ولمعرفة إن كان الأمام علي على الحق ، أو معاوية مثلا ، ولا يتطلب ذلك الأحاطة بسبعة عشر علما ، ويكفي أن أدرس حياة كل منهما وما فعلاه حتى أتبين الحقيقة.

قال : وما يهمك أن تعرف ذلك : (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون) (١).

قلت : أتقرأ (ولا تسألون) بفتح التاء أم بضمها؟

قال : تسألون بالضم.

قلت : الحمد لله لو كانت بالفتح لامتنع البحث ، وما دامت بالضم فمعناها أن الله سبحانه سوف لن يحاسبنا عما فعلوا وذلك كقوله تعالى : (كل نفس بما كسبت رهينة) (٢) ، و (أن ليس للانسان إلا ما

__________________

(١) سورة البقرة : الاية ١٣٤.

(٢) سورة المدثر : الاية ٣٨.

٥٦٦

سعى) (١).

وقد حثنا القرآن الكريم على استطلاع أخبار الأمم السابقة ولنستخلص منها العبرة ، وقد حكى الله لنا عن فرعون وهامان ونمرود وقارون وعن الأنبياء السابقين وشعوبهم ، لا للتسلية ولكن ليعرفنا الحق من الباطل.

أما قولك : (وما يهمني من هذا البحث)؟

فأجيب عليه بقولي : يهمني :

أولا : لكي أعرف ولي الله فأواليه ، وأعرف عدو الله فأعاديه ، وهذا ما طلبه مني القرآن بل أوجبه علي.

ثانيا : يهمني أن أعرف كيف أعبد الله وأتقرب إليه بالفرائض التي افترضها وكما يريدها هو جل وعلا ، لا كما يريدها مالك أو أبو حنيفة أو غيرهم من المجتهدين لأني وجدت مالكا يقول بكراهة البسملة في الصلاة (٢) بينما يقول أبو حنيفة بوجوبها (٣) ، ويقول غيره ببطلان الصلاة بدونها!

وبما أن الصلاة هي عمود الدين إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها ، فلا أريد أن تكون صلاتي باطلة ، كما أن الشيعة يقولون بمسح الرجلين في الوضوء ويقول السنة بغسلهما بينما نقرأ في القرآن (وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم) (٤) وهي صريحة في المسح ، فيكف

__________________

(١) سورة النجم : الاية ٣٩.

(٢) الفقه على المذاهب الأربعة للجزري ج ٢٥٧ ١.

(٣) الفقه على المذاهب الأربعة ج ١ ص ٢٥٧ ، الفقه الأسلامي وأدلته ج ١ ص ٦٤٦.

(٤) سورة المائدة : الاية ٦.

٥٦٧

تريد يا سيدي أن يقبل المسلم العاقل قول هذا ويرد قول ذاك بدون بحث ودليل.

قال : بإمكانك أن تأخذ من كل مذهب ما يعجبك لأنها مذاهب إسلامية وكلهم من رسول الله ملتمس.

قلت : أخاف أن أكون ممن قال الله فيهم : (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون) (١). يا سيدي أنا لا أعتقد بأن المذاهب كلها على حق ما دام الواحد منهم يبيح الشئ ويحرمه الاخر ، فلا يمكن أن يكون الشئ حراما وحلالا في آن واحد والرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لم يتناقض في أحكامه لأنه (وحي من القرآن) ، (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (٢). وبما أن المذاهب الأربعة فيها اختلاف كثير فليست من عند الله ولا من عند رسوله لأن الرسول لا يناقض القرآن.

ولما رأى الشيخ العالم كلامي منطقيا وحجتي مقبولة.

قال : أنصحك لوجه الله تعالى مهما شككت فلا تشك في الخلفاء الراشدين ، فهم أعمدة الأسلام الأربعة إذا هدمت عمودا منها سقط البناء!!

قلت : استغفر الله يا سيدي فأين رسول الله إذن إذا كان هؤلاء هم أعمدة الأسلام؟

أجاب : رسول الله هو ذاك البناء! هو الأسلام كله.

ابتسمت من هذا التحليل وقلت : استغفر الله مرة أخرى يا سيدي

__________________

(١) سورة الجاثية : الاية ٢٣.

(٢) سورة النساء : الاية ٨٢.

٥٦٨

الشيخ فأنت تقول من حيث لا تشعر : بأن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لم يكن ليستقيم إلا بهؤلاء الأربعة بينما يقول الله تعالى : (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) (١).

فقد أرسل محمدا بالرسالة ولم يشركه فيها أحدا من هؤلاء الأربعة ولا من غيرهم ، وقد قال الله تعالى في هذا الصدد : (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) (٢).

قال : هذا ما تعلمناه نحن من مشايخنا وأئمتنا ، ولم نكن نحن في جيلنا نناقش ولا نجادل العلماء مثلكم اليوم الجيل الجديد أصبحتم تشكون في كل شئ وتشككون في الدين ، وهذه من علامات الساعة فقد قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : لن تقوم الساعة إلا على شرار الخلق (٣).

فقلت : يا سيدي لماذا هذا التهويل ، أعوذ بالله أن أشك في الدين أو أشكك فيه ، فقد آمنت بالله وحده لا شريك له وملائكته وكتبه ورسله ، وآمنت بأن سيدنا محمدا عبده ورسوله وهو أفضل الأنبياء والمرسلين وخاتمهم وأنا من المسلمين ، فكيف تتهمني بهذا؟

قال : أتهمك بأكثر من هذا لأنك تشكك في سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر وقد قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : لو وزن إيمان أمتي بإيمان أبي

__________________

(١) سورة الفتح : الاية ٢٨.

(٢) سورة البقرة : الاية ١٥١.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ج ١ ص ٣٩٤ ، صحيح مسلم ج ٤ ص ٢٢٦٨ ح ١٣١ ـ (٢٩٤٩) ، المعجم الكبير للطبراني ج ١٠ ص ١٢٧ ح ١٠٠٩٧ ، شرح السنة للبغوي ج ١٥ ص ٩٠ ح ٤٢٨٦ ، كنز العمال ج ١٤ ص ١١٢ ح ٣٨٤٣٦.

٥٦٩

بكر لرجح إيمان أبي بكر (١).

وقال في حق سيدنا عمر : عرضت علي أمتي وهي ترتدي قمصا لم تبلغ الثدي وعرض علي عمر وهو يجر قميصه ، قالوا : ما أولته يا رسول الله؟ قال : الدين (٢).

وتأتي أنت اليوم في القرن الرابع عشر لتشكك في عدالة الصحابة وبالخصوص أبي بكر وعمر ، ألم تعلم بأن أهل العراق هم أهل الشقاق ، هم أهل الكفر والنفاق!!

ماذا أقول لهذا العالم المدعي العلم الذي أخذته العزة بالأثم ، فتحول من الجدال بالتي هي أحسن إلى التهريج والافتراء وبث الأشاعات أمام مجموعة من الناس المعجبين به والذين احمرت أعينهم وانتفخت أوداجهم ولاحظت في وجوههم الشر.

فما كان مني إلا أن أسرعت إلى البيت وأتيتهم بكتاب الموطأ للأمام مالك وصحيح البخاري ، وقلت : يا سيدي إن الذي بعثني على هذا الشك

__________________

(١) فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ج ٢ ص ٤١٨ ح ٦٥٣ ، شعب الأيمان للبيهقي ج ١ ص ٦ ٩ ح ٣٦ ، كشف الخفاء للعجلوني ج ٢ ص ٢١٦ ح ٢١٣٠ ، إتحاف السادة المتقين للزبيدي ج ١ ص ٣٢٣.

والحديث حكم بضعفه وذلك لضعف راويه وهو عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد لأنه يحدث عن أبيه ، عن نافع عن ابن عمر بأحاديث لا يتابعه أحد عليها.

قال ذلك ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال ج ٤ ص ١٥١٨ ، وقال عنه العقيلي يحدث عن أبيه ، أحاديثه مناكير غير محفوظة ، ليس ممن يقيم الحديث الضعفاء الكبير ج ٢ ص ٢٧٩ ترجمة رقم : ٨٤٢ ، وفي ميزان الاعتدال قال أبو حاتم وغيره : أحاديثه منكرة ، وقال ابن الجنيد : لا يساوي فلسا ج ٢ ص ٤٥٥.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ج ٣ ص ٨٦ ، صحيح البخاري ج ٥ ص ١٥ ، صحيح مسلم ج ٤ ص ١٨٥٩ ح ١٥ ـ (٢٣٩٠) ، الرياض النضرة ج ٢ ص ٣٠٤.

٥٧٠

هو رسول الله نفسه ، وفتحت كتاب الموطأ وفيه روى مالك أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال لشهداء أحد : هؤلاء أشهد عليهم ، فقال أبو بكر الصديق : ألسنا يا رسول الله إخوانهم أسلمنا كما أسلموا ، وجاهدنا كما جاهدوا ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : بلى ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي! فبكى أبو بكر ثم بكى ثم قال : (إننا لكائنون بعدك (١).

ثم فتحت صحيح البخاري وفيه : دخل عمر بن الخطاب على حفصة وعندها أسماء بنت عميس فقال ـ حين رآها ـ : من هذه؟ قالت : أسماء بنت عميس ، قال عمر : الحبشية هذه ، البحرية هذه ، قالت أسماء : نعم ، قال : سبقناكم بالهجرة فنحن أحق برسول الله منكم ، فغضبت وقالت : كلا والله ، كنتم مع رسول الله يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله ، وأيم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أذكر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ونحن كنا نؤذى ونخاف وسأذكر ذلك للنبي أسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه ، فلما جاء النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قالت : يا نبي الله ، عمر قال : كذا وكذا.

قال : فما قلت له. قالت : كذا وكذا.

قال : ليس بأحق بي منكم ، وله ولأصحابه هجرة واحدة ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان ، قالت : فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتونني أرسالا يسألونني عن هذا الحديث ما من الدنيا شئ هم به أفرح ولا أعظم ما في أنفسهم مما قال لهم النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ (٢).

__________________

(١) الموطأ لمالك ج ٢ ص ٤٦١ ح ٣٢ ، المغازي للواقدي ج ١ ص ٣١٠.

(٢) صحيح البخاري ج ٥ ص ١٧٥ ، صحيح مسلم ج ٤ ص ١٩٤٦ ح ٢٥٠٣ ، حلية الأولياء ج ٢ ص ٧٤ ، دلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ٢٤٤ ، البداية والنهاية لابن كثير ج ٤ ص ٢٠٦.

٥٧١

وبعد ما قرأ الشيخ العالم والحاضرون معه الأحاديث تغيرت وجوههم وبدأوا ينظرون بعضهم إلى بعض ينتظرون رد العالم الذي صدم فما كان منه إلا أن رفع حاجبيه علامة التعجب وقال : (وقل رب زدني علما) (١).

فقلت : إذا كان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هو أول من شك في أبي بكر ولم يشهد عليه لأنه لا يدري ماذا سوف يحدث من بعده ، وإذا كان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لم يقر بتفضيل عمر بن الخطاب على أسماء بنت عميس بل فضلها عليه ، فمن حقي أن أشك وأن لا أفضل أحدا حتى أتبين وأعرف الحقيقة ومن المعلوم أن هذين الحديثين يناقضان كل الأحاديث الواردة في فضل أبي بكر وعمر ويبطلانها ، لأنهما أقرب إلى الواقع المعقول من أحاديث الفضائل المزعومة.

قال الحاضرون : وكيف ذلك؟

قلت : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لم يشهد على أبي بكر ، وقال له إنني لا أدري ماذا تحدثون بعدي! فهذا معقول جدا وقد قرر ذلك القرآن الكريم والتاريخ يشهد أنهم بدلوا بعده ولذلك بكى أبو بكر ، وقد بدل وأغضب فاطمة الزهراء بنت الرسول ، وقد بدل حتى ندم قبل وفاته (٢) وتمنى أن لا يكون بشرا.

أما الحديث الذي يقول : لو وزن إيمان أمتي بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر (٣) ، فهو باطل وغير معقول ، ولا يمكن أن يكون رجل قضى أربعين سنة من عمره يشرك بالله ويعبد الأصنام أرجح إيمانا من أمة

__________________

(١) سورة طه : الاية ١١٤.

(٢) تقدمت تخريجاته.

(٣) تقدمت تخريجاته.

٥٧٢

قضى أربعين سنة من عمره يشرك بالله ويعبد الأصنام أرجح إيمانا من أمة محمد بأسرها ، وفيها أولياء الله الصالحين والشهداء والأئمة الذين قضوا أعمارهم كلها جهادا في سبيل الله ، ثم أين أبو بكر من هذا الحديث؟ لو كان صحيحا لما كان في آخر حياته يتمنى أن لا يكون بشرا.

ولو كان إيمانه يفوق إيمان الأمة ما كانت سيدة النساء فاطمة بنت الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، تغضب عليه وتدعو الله عليه في كل صلاه تصليها (١).

ولم يرد العالم بشئ ، ولكن بعض المجالسين قالوا : لقد بعث والله هذا الحديث الشك فينا ، عند ذلك تكلم العالم ليقول لي : أهذا ما تريده؟ لقد شككت هؤلاء في دينهم!!

وكفاني أحدهم الرد عليه ، إذ قال : كلا ، إن الحق معه ، نحن لم نقرأ في حياتنا كتابا كاملا ، واتبعناكم واقتدينا بكم في ثقة عمياء بدون نقاش ، وقد تبين لنا الان أن ما يقوله الحاج صحيح ، فمن واجبنا أن نقرأ ونبحث!! ووافقه على رأيه بعض الحاضرين ، وكان ذلك انتصارا للحق والحقيقة ، ولم يكن انتصارا بالقوة والقهر ولكنه انتصار العقل والحجة والبرهان (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) (٢).

ذلك ما دفعني وشجعني على الدخول في البحث وفتح الباب على مصراعيه فدخلته باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله ، راجيا منه سبحانه وتعالى التوفيق والهداية فهو الذي وعد بهداية كل باحث عن الحق وهو لا يخلف وعده (٣).

__________________

(١) تقدمت تخريجاته.

(٢) سورة البقرة : الاية ١١١.

(٣) كتاب ثم اهتديت للدكتور التيجاني ص ١٤٩.

٥٧٣

٥٧٤

٥٧٥

٥٧٦

٥٧٧

الفهارس الفنيّة

(١) فهرس الآيات

(٢) فهرس احاديث المعصومين (ع)

(٣) فهرس الآثار والأقوال

(٤) فهرس اسماء المعصومين (ع)

(٥) فهرس الأعلام

(٦) فهرس أعلام النساء

(٧) فهرس الكنى

(٨) فهرس الألقاب

(٩) فهرس الأشعار

(١٠) فهرس الوقائع والأحداث

(١١) فهرس الأماكن والبقاع

(١٢) فهرس الملل والنحل والقبائل

(١٣) فهرس مصادر الكتاب

(١٤) الفهرس الموضوعي التفصيلي العام للكتاب

(١٥) الفهرس الاجمالي للكتاب

٥٧٨

(١٥) الفهرس الاجمالي للكتاب

الإهداء......................................................................... ٥

تقريض الاستاذ فرات الأسدي (قصيدة) (١)....................................... ٧

تقريض الشيخ محمدباقر الأيرواني (قصيدة) (٢)..................................... ٩

تقديم......................................................................... ١٠

المقدمة........................................................................ ١٥

حكم المناظرة في الشريعة الأسلامية............................................... ٢١

تمهيد :........................................................................ ٢١

أقسام المناظرة.................................................................. ٢٣

المناظرة المشروعة............................................................... ٢٣

المناظرة غير المشروعة........................................................... ٣٠

آداب المناظرة.................................................................. ٣٢

تاريخ الاحتجاج والمناظرة في الخلافة الاسلامية.................................... ٣٦

احتجاج أمير المؤمنين عليه السلام في الخلافة ومطالبته بحقه.......................... ٣٦

احتجاج فاطمة الزهراء ـ عليها السلام ـ في الخلافة.............................. ٥١

احتجاج الأمام الحسين بن علي ـ عليه السلام ـ................................. ٥٤

احتجاج العباس بن عبد المطلب.................................................. ٥٤

٥٧٩

احتجاج الفضل بن العباس...................................................... ٥٥

احتجاج ابن عباس............................................................. ٥٦

احتجاج سلمان المحمدي........................................................ ٥٦

احتجاج أبي ذر................................................................ ٥٧

احتجاج المقداد................................................................ ٥٨

احتجاج قيس بن سعد بن عبادة................................................. ٥٩

احتجاج أبي سفيان............................................................. ٥٩

المناظرة الأولى : مناظرة العباس بن عبد المطلب (ره) مع أبي بكر وعمر............... ٦١

المناظرة الثانية : مناظرة العباس بن عبد المطلب مع عمر............................. ٦٤

المناظرة الثالثة : مناظرة ابن عباس مع عمر بن الخطاب............................. ٦٥

المناظرة الرابعة : مناظرة ابن عباس مع عمر....................................... ٦٨

المناظرة الخامسة : مناظرة ابن عباس مع عمر...................................... ٧٠

المناظرة السادسة : مناظرة ابن عباس مع عمر بن الخطاب........................... ٧١

المناظرة السابعة : مناظرة ابن عباس مع عمر...................................... ٧٥

المناظرة الثامنة : مناظرة ابن عباس مع عمر........................................ ٧٦

المناظرة التاسعة : مناظرة ابن عباس مع عثمان..................................... ٧٨

المناظرة العاشرة : مناظرة عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ مع الحرورية....... ٧٩

المناظرة الحادية عشر : مناظرة ابن عباس مع معاوية بن ابي سفيان.................... ٨٣

المناظرة الثانية عشر : مناظرة محمد بن أبي بكر مع معاوية.......................... ٨٦

المناظرة الثالثة عشرة : مناظرة عبد الله بن جعفر مع معاوية بن أبي سفيان............. ٩٢

المناظرة الرابعة عشرة : مناظرة قيس بن سعد وابن عباس مع معاوية بن أبي سفيان... ١٠٦

المناظرة الخامسة عشرة : مناظرة أروى بنت الحارث بن عبد المطلب............... ١١٥

٥٨٠