مناظرات

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


المحقق: الشيخ عبد الله الحسن
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ٣ الجزء ٤

ثم قال ـ عليه السلام ـ : البول أقذر أم المني؟

قال : البول أقذر.

قال ـ عليه السلام ـ : يجب على قياسك أنه يجب الغسل من البول دون المني ، وقد أوجب الله الغسل عن المني دون البول.

قال أبو حنيفة : إنما أنا صاحب حدود.

فقال ـ عليه السلام ـ : فما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح ، وأقطع قطع يد رجل ، كيف يقام عليه الحد؟ قال أبو حنيفة : أنا صاحب رأي. قال ـ عليه السلام ـ : فما ترى في رجل كان له عبد فتزوج وزوج عبده في ليلة واحدة ، ثم سافرا وجعلا المرأتين في بيت واحد فولدتا غلامين ، فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين وبقي الغلامان أيهما في رأيك المالك ، وأيهما المملوك وأيهما الوارث وأيهما الموروث؟

قال أبو حنيفة : إنما أنا رجل عالم بمباحث الأنبياء.

قال ـ عليه السلام ـ : فأخبرني عن قوله تعالى لموسى وهارون حين بعثهما إلى دعوة فرعون : (لعله يتذكر أو يخشى) (١) فلعل ، منك شك؟

قال : نعم.

قال ـ عليه السلام ـ : ذلك من الله شك إذ قال : لعله.

قال أبو حنيفة : لا أعلم.

قال الصادق ـ عليه السلام ـ : يا أبا حنيفة لا تقس فإن أول من قاس إبليس فقال : (خلقتني من نار وخلقته من طين) (٢) ، فقاس ما بين النار

__________________

(١) سورة طه : الاية ٤٤.

(٢) سورة ص : الاية ٧٦.

٥٤١

والطين ، ولو قاس نورية آدم بنورية النار لعرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدهما على الاخر.

يا أبا حنيفة : إنك تفتي بكتاب الله ولست ممن ورثه ، وتزعم أنك صاحب قياس وأول من قاس إبليس ، ولم يبن دين الأسلام على القياس ، وتزعم أنك صاحب رأي وكان الرأي من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ صوابا ومن دونه خطأ لأن الله تعالى قال : (لتحكم بين الناس بما أراك الله) (١) ، ولم يقل لغيره ، وتزعم أنك صاحب حدود ومن أنزلت عليه أولى بعلمها منك ، ولو لا أن يقال : دخل على ابن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فلم يسأله عن شئ ما سألتك عن شئ فقس إن كنت قياسا!!

قال أبو حنيفة : لا تكلمت بالرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس.

قال الصادق ـ عليه السلام ـ : كلا إن حب الرئاسة غير تاركك كما لم يترك غيرك من كان قبلك (٢).

ثم يأتينا كلام أمير المؤمنين وسيد الوصيين ـ عليه السلام ـ فيفند لنا أسباب اختلاف السنة الواردة من رسول ـ الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وما كان يعتريها من المصائب والبلايا ، فاستمع إليه أيها القارئ الكريم وهو يحدثنا عن ذلك في نهجه القويم (٣) ، وقد سأله سائل عن سبب اختلاف الأخبار التي في أيدي الناس فقال ـ عليه السلام ـ : إن في أيدي الناس حقا وباطلا ، وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ،

__________________

(١) سورة النساء : الاية ١٠٥.

(٢) الاحتجاج ج ٢ ص ٢٦٧.

(٣) نهج البلاغة : ص ٣٢٥ رقم الخطبة : ٢١٠ ، كتاب سليم ص ٦١ ، بحار الأنوار ج ٣٧ ص ٢٧٧ ح ٩٧.

٥٤٢

ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، ولقد كذب على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ على عهده حتى قام خطيبا فقال : من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار (١) وإنما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس.

رجل منافق مظهر للأيمان ، متصنع بالأسلام لا يتأثم ولا يتحرج يكذب على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ متعمدا ، فلو علم الناس أنه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم يصدقوا قوله ، ولكنهم قالوا : صاحب رسول الله رأى وسمع منه ولقف عنه فيأخذون بقوله ، وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك ووصفهم بما وصفهم به لك ، ثم بقوا بعده ـ عليه وآله السلام ـ فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والبهتان فولوهم الأعمال وجعلوهم حكاما على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا ، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله ، فهو أحد الأربعة.

ورجل سمع من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ شيئا لم يحفظه على وجهه فوهم فيه ولم يتعمد كذبا فهو في يديه ويرويه ويعمل به ويقول : أنا سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فلو علم المسلمون أنه وهم فيه لم يقبلوه منه ولو علم هو أنه كذلك لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ شيئا يأمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شئ ثم أمر به ، وهو لا يعلم فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ ، فلو علم أنه منسوخ لرفضه

__________________

(١) صحيح البخاري : ج ١ ص ٣٨ مسند أحمد ج ١ ص ٧٨ ، المستدرك على الصحيحين ج ١ ص ٧٧ ، مجمع الزوائد ج ١ ص ١٤٢ ، تاريخ بغداد ج ١٤ ص ٢٢٥ ، مسند أبي يعلى الموصلي ج ٧ ص ١٢ ح ١١٤٩ ـ (٣٩٠٤).

٥٤٣

ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.

وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله ، مبغض للكذب خوفا من الله وتعظيما لرسوله ، ولم يتوهم بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به على ما سمعه لم يزد فيه ولم ينقص منه ، فحفظ الناسخ فعمل به ، وحفظ المنسوخ فتجنب عنه ، وعرف الخاص والعام فوضع كل شئ موضعه ، وعرف المتشابه ومحكمه.

وقد كان يكون من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الكلام له وجهان : فكلام خاص وكلام عام فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله به ولا ما عنى رسول الله ، فيحمله السامع ويوجهه على غير وجهه ومعناه ، وما قصد به وما خرج من أجله ، وليس كل أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، من كان يسأله ويستفهمه حتى أنهم كانوا ليحبون أن يجئ الأعرابي والطارئ فيسأله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حتى يسمعوا ، وكان لا يمر بي من ذلك شئ إلا سألت عنه وحفظته فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم.

هذا هو مفسر القرآن وهذا هو الرجل الرابع من هؤلاء الرواة الذي عرف الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والعام والخاص والمجمل والمبين والمطلق والمقيد ، ولم يغب عنه شئ ولم تخف عليه خافية ولم يشتبه عليه أمر ، وهذا هو كتاب الله الناطق العالم بجميع حقائق كتاب الله الصامت وهذا هو الذي غذاه رسول الله بكل ما نزل عليه من ربه وزقه العلم زقا وعلمه من العلم ألف باب ينفتح له من كل باب ألف باب (١).

__________________

(١) نظم درر السمطين ص ١١٣ ، ينابيع المودة ص ٧٧ ، فرائد السمطين ج ١ ص ١٠١ ح ٧٠.

٥٤٤

وهذا هو الذي بولايته كمل الدين والشرع المبين وتمت بولايته وخلافته النعمة وبإمامته وفرض طاعته على الخلائق أجمع رضي الرحمان وفاض الأحسان ، وهذا هو الذي نطق بولايته كتاب رب العالمين وقرن طاعته بطاعته وطاعة رسوله بدون أدنى تفاوت ، فقال عز من قائل : (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (١) ، ثم يزداد في البيان والأيضاح فيقول عزوجل : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ، ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (٢).

هذا الذي كمل بولايته الدين وتمت بخلافته النعمة ورضي بإمامته رب العالمين ، يوم نصبه رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وفرض طاعته المطلقة على كل رجل وأنثى وأبيض وأسود وعربي وأعجمي ، وذلك في غدير خم عند رجوعه من حجة الوداع التي شهدها مائة ألف أو يزيدون (٣).

ثم انقلب فريق منهم يوم السقيفة ، وأسكر فريقا آخر منهم حب الرئاسة وغنائم الأموال ، وأرهب فريقا آخر التهديد والتنكيل بسيوف أهل السقيفة ، وإرهابهم الأثيم الذين خرجوا شاهرين سيوفهم لم يمر بهم أحد أو لم يمروا بأحد إلا خبطوه ومسحوا يده بيد خليفتهم (٤) الجديد ، الذي

__________________

(١) سورة النساء : الاية ٥٩.

(٢) سورة المائدة : الاية ٥٥ و ٥٦.

(٣) انظر الغدير ج ١ ص ٩.

(٤) وقد صور لنا هذا المشهد التاريخي ، البراء بن عازب إذ رأى ذلك بعينه يقول ـ رضي الله عنه ـ : لم أزل لبني هاشم محبا ، فلما قبض رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ خفت أن تتمالأ قريش على

٥٤٥

ترك رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ على فراشه بلا غسل ولا كفن ولا دفن وأسرع لعقد الخلافة وتتميم الأمر قبل الفوات وذهاب الرئاسة من أيديهم التي طالما انتظروها بفارغ الصبر وتعاقدوا عليها وعلقوا صحيفتهم في جوف الكعبة ، وستشهد عليهم يوم تشهد عليهم أيديهم وأرجلهم وأفئدتهم بما كانوا يعملون.

هذا هو صاحب الحق والأولى بالأمر بعد الرسول بلا فصل بأمر من الله ورسوله ، وهو ولي كل مؤمن ومؤمنة بإجماع المفسرين لهذه الاية الكريمة وأنها نزلت في علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ حينما تصدق بخاتمه على السائل وهو في صلاته في حال ركوعه حتى نزلت الاية تصفه كما هو عليه.

ولنستمع الان إلى ما يحدثنا عنه من شهد له رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بأنه : (ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق منه) (١) ، وهو من حواري رسول الله الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري ـ رضوان الله عليه ـ.

عن الأعمش بن غيابة بن ربعي ، قال : بينا عبد الله بن عباس جالس

__________________

إخراج هذا الأمر عنهم ، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول ، مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ، فكنت أتردد إلى بني هاشم وهم عند النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ في الحجرة ، وأتفقد وجوه قريش ، فإني كذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر ، وإذا قائل يقول : القوم في سقيفة بني ساعدة ، وإذا قائل آخر يقول : قد بويع أبو بكر ، فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه ، وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه ، شاء ذلك أو أبى ، فأنكرت عقلي ... الخ. انظر : شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ١ ص ٢١٩ ، كتاب سليم بن قيس ص ٧٥.

(١) تقدمت تخريجاته.

٥٤٦

على شفير زمزم : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، إذ أقبل رجل متعمم بعمامة فجعل ابن عباس لا يقول : قال رسول الله. إلا قال الرجل : قال رسول الله ، فقال ابن عباس : سألتك بالله من أنت؟ فكشف العمامة عن وجهه ، وقال : يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرفه بنفسي أنا جندب بن جنادة ، البدري أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بهاتين وإلا صمتا ورأيته بهاتين وإلا عميتا يقول :

علي ـ عليه السلام ـ قائد البررة وقاتل الكفرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ، أما إني صليت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يوما من الأيام صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا فرفع السائل يده إلى السماء وقال : اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئا وكان علي ـ عليه السلام ـ راكعا.

فأومأ بخنصره اليمنى إليه وكان يتختم فيها ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فلما فرغ النبي من صلاته رفع إلى السماء رأسه وقال : اللهم إن أخي موسى سألك فقال (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري) (١) ، فأنزلت عليه قرآنا ناطقا : (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما) (٢) ، اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيرا

__________________

(١) سورة طه : الاية ٢٥ ـ ٣٢.

(٢) سورة القصص : الاية ٣٥.

٥٤٧

من أهلي عليا أخي اشدد به أزري ـ ظهري ـ.

قال أبو ذر : فو الله ما استتم رسول الله الكلمة حتى نزل جبرئيل من عند الله ، فقال : يا محمد اقرأ ، قال وما أقرأ قال أقرأ : (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (١) فكبر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وقال : (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (٢).

وروى هذا الخبر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره ، والطبري (٣) ، وأبو بكر الرازي في كتاب أحكام القرآن ، وحكاه المغربي والرماني ، وهو قول مجاهد والسدي وهو المروي عن الأمام الباقر والصادق ـ عليهما السلام ـ وجميع علماء أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ورواه السيد أبو الحمد عن أبي القاسم الحسكاني (٤) وكثير من ذلك عن مجمع البيان (٥) ، فراجع.

ونظم ذلك حسان بن ثابت فقال شعرا (٦) :

أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي

وكل بطئ في الهدى ومسارع

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا

زكاة فدتك النفس يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولاية

وأثبتها مثنى كتاب الشرائع

__________________

(١) سورة المائدة : الاية ٥٦.

(٢) سورة المائدة : الاية ٥٦.

(٣) تفسير الطبري : ج ٦ ص ١٨٦.

(٤) شواهد التنزيل : ج ١ ص ٢٢١ ح ٢٣٠.

(٥) مجمع البيان : ج ٢ ص ٢١٠.

(٦) راجع : المناقب للخوارزمي ص ٢٦٥ ح ٢٦٤ ، فرائد السمطين للحموي ج ١ ص ١٨٩ ح ١٥٠ ب ٣٩ ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٢٩ ب ٦١ ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص ١٥ ـ ١٦.

٥٤٨

ويحدث الأصبغ بن نباتة فيقول : لما بويع أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لا بسا بردته منتعلا بنعله ومتقلدا بسيفه ، فصد المنبر فجلس متمكنا ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه.

ثم قال : يا معشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني : هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، هذا ما زقني رسول الله زقازقا.

سلوني قبل أن تفقدوني ، فإن عندي علم الأولين والاخرين أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها ، لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الأنجيل بانجيلهم ، وأهل الزبور بزبورهم ، وأهل القرآن بقرآنهم ، حتى ينطق كل كتاب من كتب الله فيقول : صدق علي لقد أفتاكم بما أنزل الله فيه ، ولو لا آية في كتاب الله لأخبرتكم بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ، وهي قوله تعالى : (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) (١).

ثم قال ـ عليه السلام ـ : سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الذي فلق الحبة وبرئ النسمة لو سألتموني عن آية آية في ليل نزلت أم في نهار مكيتها ومدنيها ناسخها ومنسوخها ، محكمها ومتشابهها ، وتأويلها وتنزيلها لأنبأتكم (٢).

هذا هو حجة الله على الخلائق أجمعين ومن أنكر خلافته وولايته بعد رسول الله فمصيره إلى جهنم وبئس المصير ، وهذا الذي يقول : أنا

__________________

(١) سورة الرعد : الاية ٣٩.

(٢) الاحتجاج ج ١ ص ٢٥٨ ، فرائد السمطين ج ١ ص ٣٤١ ح ٢٦٣ بتفاوت.

٥٤٩

كتاب الله الناطق والقرآن كتاب الله الصامت وأنا أفيد لكم من القرآن ، كما في نهجه القويم.

فظهر أن القرآن والسنة إنما ينفعان إذا رجعنا في أصولنا وفروعنا إلى أهل بيت النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الذين نزل عليهم القرآن واستقر في قلوبهم وعرفوا جميع ما يهدف إليه وورثوا علم الرسول ، جدهم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وعندهم المنهج الصحيح والنظام علم الرسول وأبناء البتول الذين عصمهم الله وطهرهم من الرجس تطهيرا ، لم يشركوا بالله ولم يشكوا فيه طرفة عين ولم يهموا بما يخالف أمر الله ونهيه ، وعندهم علم الأولين والاخرين ولم يترددوا في جواب شئ سئلوا عنه أبدا وعلمهم بتعليم الله لهم كابر عن كابر حتى ينتهي أمرهم إلى جدهم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وجميع أهل العلم والمعرفة عيال عليهم وهم أغنياء عن جميع الخلق بما منحهم الله وفضلهم على كافة الخلق تفضيلا.

فهل عندكم يا فضيلة الشيخ مثيل هؤلاء أم يعتريكم في ذلك شك أو ارتياب؟ ألم ترد الأخبار الصحيحة من جميع حفاظكم عن أعلمكم وأفضلكم ومصدر حقائقكم (عمر بن الخطاب) أنه قال بكل صراحة : لو لا علي لهلك عمر ولا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن علي ـ عليه السلام ـ (١) فإذا كان عظيمكم هكذا حاله فما حالة من هو لا يساويه ولا يدانيه بعشر معشاره.

__________________

(١) تقدمت تخريجاته.

٥٥٠

وهنا يتوقف الشيخ ويحتار في الجواب وكأنه صار في عالم غير هذا العالم ولكني هونت عليه واختصرت له الكلام بأشد الأيجاز.

فقلت له : يا فضيلة الشيخ لندع الكلام في المواضيع الواسعة المطولة ، ولنقتصر على مسألة واحدة لا غير وعليها يبنى كل شئ ومنها تتفرع الأشياء ، وهنا نسأل فضيلة الشيخ فنقول له : ما تقولون بيوم الشورى ألم تعرض الخلافة على علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ من قبل عبد الرحمن بن عوف قبل أن يعرضها على عثمان بن عفان ، فلماذا نبذها رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ دونه؟!

أليس لأن عبد الرحمن بن عوف اشترط عليه أن يعمل بسيرة الشيخين أبي بكر وعمر فكان جواب علي ـ عليه السلام ـ لعبد الرحمن ، بل أعمل بكتاب الله وسنة رسوله ، فذهب إلى عثمان فقال : نعم فرجع إلى علي ـ عليه السلام ـ وقال له : ابسط يدك لأبايعك على أن تعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين ، فكرر ذلك ثلاثا وفي الجميع يأبي علي ـ عليه السلام ـ أن يلتزم بسيرة الشيخين حتى صفق عبد الرحمن على يد عثمان وبارك له بالخلافة (١) تنفيذا لوصية عمر بن الخطاب التي لم تخف على أدنى فاهم رشيد.

فإذا سألنا : لماذا ترك علي بن أبي طالب الخلافة ونبذها حينما أراد عبد الرحمن أن يقيده بسيرة الشيخين؟ ونقول : هل كانت سيرة الشيخين مأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله ونبذها علي ، ولم يلتزم بهما؟ فإذا كان الأمر كذلك أليس الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله التزام بسيرة الشيخين

__________________

(١) تاريخ الطري : ج ٤ ص ٢٣٨ ، الكامل في التاريخ ج ٣ ص ٧١ ، تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ١٦٥ ، شرح نهج البلاغه لابن ابي الحديد ج ١ ص ١٨٨.

٥٥١

على فرض أنها مأخوذة منهما حتما وضرورة؟!

وما الداعي لعلي أن لا يقبل تقيد الخلافة بسيرة الشيخين إذا فرضنا أنهما مأخوذة منهما أو موافقة لهما على أقل الاحتمالات وأضعفها؟

إذن فترك علي ـ عليه السلام ـ للخلافة التي يراها أنها من حقه الخاص دون سواه وهو يعلم جيدا أنه إذا لم يقبلها سيقبلها عثمان وهو يسمع ويرى تنعيمه لعبد الرحمن في كل مرة يعرضها عليه ، ويعلم حقيقة أنه إن أخذها عثمان سيؤول أمرها إلى صبيان وغلمان بني أمية يلعبون بها كما يلعبون بالكرة.

وهو يعلم بدون شك وارتياب أن بني أمية وسيدهم أبو سفيان لم يؤمنوا بالله ولا برسوله ، وإنما استسلموا للأسلام لتسلم رؤوسهم من القطع ونفوسهم من الأعدام.

فبأي شرع أو نظام يجوز لعلي ـ عليه السلام ـ الذي هو نبراس العدل والحنان ومتراس التضحية والجهاد أن يدع حوزة الأسلام ودين الله القويم أن يصل لصبيان بني أمية فتلعب به غلمانهم كيفما يشاؤون وهم أعداء الأسلام من أول يوم وجد فيه الأسلام؟!

أيجوز لعلي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ الذي غرس الأسلام بيده وسقاه بدماء أحبائه وأعزائه وضحى في حفظه وصيانته بكل غال ونفيس ، أن يتركه لتترأس على منابره الغلمان وتلعب به الصبيان من بني أمية وبني مروان وهو على يقين من هذا كله؟ لا بالله هذا لا يقبله عقل ولا وجدان ولا يقوله مخلوق مدى الأجيال والأزمان!!

إذن فلا بد أن يكون الأمر أعظم من هذا وأضخم فلا بد من أن يكون الالتزام بسيرة الشيخين سيكلف عليا خسرانا ووبالا أشد من فقدان الخلافة وخسرانها ولم يوجد شئ في جميع ما نتصور وجوده واحتماله

٥٥٢

أنه سيوقع الخسران على علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ إلا فقدان الدين وخسران العقيدة ورضا الخالق القهار ، وهنا لا بد لعلي ولكل من عرف عليا ـ عليه السلام ـ وعرف دين علي وعقيدة علي ورب علي أن يعذر عليا ولا ينسب إليه أدنى لوم أو عتاب لتركه هذه الخلافة إذا كانت تسبب له ذهاب دينه وفقدان عقيدته وسخط سيده وخالقه.

ولا شك ولا ارتياب بأن الذي دعا عليا إلى التوقف عن قبول شرط وعقيدته ورضا خالقه وما أعطاه علي بن أبي طالب من العهد والميثاق لله ولرسوله أنه سيحافظ على هذا الدين ويصون هذه الشريعة الغراء ويبذل في سبيل الحفاظ عليها كل غال ونفيس حتى ولو أدى إلى التضحية بنفسه وولده وجميع عشيرته.

إذن فقد ظهر سبب امتناع علي عن قبوله سيرة الشيخين والعمل بهما حفاظا على دينه وعقيدته ومبدئه ورضا خالقه ومبدعه.

إذن فنحن نكون قد وصلنا إلى النتيجة المتوخاة ، والغاية المطلوبة ، فكيف يا فضيلة الشيخ نتفق وإياكم ونضع يدنا بأيديكم؟

فهل أنتم تتركون التمسك بسيرة الشيخين وتتركون العمل بموجبها؟ أم نحن ندع ديننا وعقيدتنا ورضا خالقنا ونبينا ونتبعكم على سيرة الشيخين ، وبطبيعة الحال سيكلفنا هذا أن ندع إمامنا علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ الذي ترك الخلافة العظمى ولم يقبل الالتزام بتلك السيرة التي أنتم ملتزمون بها من آبائكم وأجدادكم ، ومن زمن ما تبعتم الشيخين ونحن تبعنا شيخنا وسيدنا وعميدنا وإمامنا علي بن أبي طالب وأبناءه الغر الميامين الذين اصطفاهم الله وزكاهم وعصمهم وطهرهم من الرجس تطهيرا.

٥٥٣

أم نضع أيدينا بأيديكم وأنتم تبقون متمسكين بسيرة الشيخين ، ونحن نبقى نتبع عليا الذي هو نفس الرسول بنص القرآن والسنة ، ولا شك أنا إذا فارقنا عليا يلزمنا أن نفارق ابن عمه محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ ودينهما وعقيدتهما ورضا خالقهما الذين يتنافون مع سيرة الشيخين بنص أبي الحسنين وسيد الكونين.

أتباع كتاب الله وسنة رسوله نكون كمن يطلب المحال وكمن يطلب اجتماع الضدين واجتماع المشرق والمغرب والليل والنهار في مكان واحد وأوان واحد!

وهذا ما نراه السبب في عدم اجتماع السنة والشيعة اجتماعا حقيقيا مع تمسك السنة بسيرة الشيخين ، وتمسك الشيعة بكتاب الله وسنة نبيه الذين يستحيل اجتماعهما بنص إمام الحق وعدل القرآن علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ.

فدعونا متمسكين بكتاب الله وسنة نبيه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ولا تلزمونا بما يتنافى معهما ، ونحن معكم على طول الخط بدون أدنى توقف أو تردد ، أجيبونا مأجورين ولكم الفضل العميم والثواب الجزيل والشكر الكثير.

وهنا انتهى المقام وقام فضيلة الشيخ للوداع بعد مضي ما يقارب من أربع ساعات ، فودعناه بأمان وحملناه مزيد الكرامة والسلام ، ولحد الان لم نر له بعد ذلك شخصا أو خيالا فإنا لله وإنا إليه راجعون ، (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) (١). (٢)

__________________

(١) سورة الشعراء : الاية ٢٢٧.

(٢) ماذا في التاريخ للقبيسي : ج ٣٦ ص ٣٤٣.

٥٥٤

المناظرة السبعون

مناظرة بين شيعي وسني

قال السني للشيعي : أنتم معشر الشيعة روافض ، والروافض في الدنيا يشملهم العار ، وفي الاخرة مقرهم النار وبئس القرار.

أجاب الشيعي بكل هدوء وسكون : عافاك الله يا أخي أليس من العدل والأنصاف أن لا يحكم العاقل على غيره بدون دليل ولا برهان ، فما دليلك على أننا روافض؟ وعلى تقدير صحة ما تقول ، ما هو برهانك على أن علينا في الدنيا العار ، ومصيرنا في الاخرة إلى النار وبئس القرار؟

قال السني : أما كونكم معشر الشيعة روافض لأنكم ترفضون خلافة خلفاء رسول الله الراشدين ، وهذا أمر لا يمكن لكل شيعي إنكاره ، وهذا من أكبر العار عليكم.

وأما كونكم مقركم النار وبئس القرار ، لأنه قد قام الأجماع على أن كل من امتنع عن الأقرار بخلفاء رسول الله الراشدين ، فهو بمثابة الخروج من الدين ، وهذا أيضا لا يتمكن كل شيعي من إنكاره.

فقال الشيعي : عافاك الله يا أخي ، ها أنا شيعي وأنا أتبرؤ من كل من رفض خلفاء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، وأنا أشهد على كل شيعي قد فهم حقيقة التشيع أنه أيضا يتبرء مثلي من كل من رفض خلفاء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، فدعواك هذه على الشيعة ظلم وافتراء ، وعار على أمثالك من أهل العلم والفضل أن يتصفوا بهذه الصفات

٥٥٥

الذميمة التي قد يتحاشاها أبسط الجهال والعوام ، وحينئذ لا يبقى لحكمك يا أخي على الشيعة بالنار وبئس القرار أدنى قيمة أو اعتبار.

فأين دليلك وبرهانك اللذان قد اعتمدت عليهما في حكمك هذا الجائر الباطل ، وأرجو المسامحة فأنت أحوجتني لهذا المقال؟!

قال السني ـ وقد استشاط غضبا وغيظا ـ : ألستم معشر الشيعة ترفضون خلافة أبي بكر وعمر وعثمان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وخلفائه الراشدين ، وكيف يمكنك أو يمكن لكل شيعي أن ينكر هذا الأمر الذي هو أشهر من نور الشمس عند كل من عرف الشيعة حتى من غير المسلمين ، فما جوابك إن كنت من المنصفين؟

فقال الشيعي : عافاك الله يا أخي ما ذكرت غير الذي به حكمت ، وبين الموضوعين بون بعيد وفارق عظيم قد كان حكمك السابق مستندا إلى أن الشيعة ترفض خلفاء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، والان تثبت لهم رفضهم لخلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، وهذا موضع آخر غير ما ذكرته سابقا.

لأن نفس هؤلاء الخلفاء الثلاثة وجميع أتباعهم وأشياعهم يستنكرون على كل من يقول : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، قد استخلف وعين له خليفة من بعده أو نص عليه وأخذ له على الناس الخلافة والولاية ، وكلهم يشهدون ويجزمون على أن رسول الله قد مات ولم يعين له خليفة ، وهذا شئ كاد أن يكون من خصائص أبي بكر وعمر وعثمان وأشباههم في ذلك العصر ، والباقي أتباع لهم وعنهم قد أخذوا بهذا القول والدعوة التي يدعونها حتى عصرنا الحاضر.

فقولك : إن الشيعة ترفض أو رفضت خلفاء رسول الله ـ صلى الله

٥٥٦

عليه وآله وسلم ـ ، هذا قد تسالم جميع السنة على إنكاره ورفضه ، فمتى صار أبو بكر وعمر وعثمان خلفاء لرسول الله وهم أشد المنكرين على الشيعة الذين يدعون أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، قد أوصى في حياته ونص على خليفته وعينه بشخصه وذاته وأخذ له من جميع المسلمين على مشهد مائة ألف أو يزيدون يوم غدير خم بعد رجوعه من حجة الوداع.

ولو نظرت يا أخي بعين الأنصاف لكان عنوان الرافضة يصدق على جماعة السنة بالخصوص دون سواهم ، لأنهم هم رفضوا وصية رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وخالفوه مخالفة صريحة ، وهذه كتبهم وصحاحهم تشهد بذلك بأوضح ما يكون ، وإذا أردت فهم ذلك جليا فعليك بكتاب الغدير للشيخ النجفي حتى تعرف الحقيقة إذا كنت تجهلها ، وأبو بكر وعمر هما أول من بايع خليفة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في غدير خم وعمر هو الذي أعلنها صرخة مدوية في ذلك المكان وهو يقول : بخ بخ لك يابن أبي طالب لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (١) ، حتى قام حسان بن ثابت وأنشد في ذلك الموقف أبياته التي قل أن يخلو منها كتاب مؤرخ من محدثيهم وصحاحهم وإليك بها :

__________________

(١) راجع : ترجمة امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ٢ ص ٧٥ ح ٥٧٥ و ٥٧٧ ، المناقب للخوارزمي الحنفي ص ٩٤ ، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج ١ ص ١٥٨ ح ٢١٣ ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص ١٨ ح ٢٤ ، فرائد السمطين ج ١ ص ٧٧ ح ٤٤ ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٣٠ و ٣١ و ٢٤٩ ط ١ اسلامبول وص ٣٣ و ٣٤ و ٢٩٧ ط الحيدرية ، تفسير الفخر الرازي الشافعي ج ٣ ص ٦٣ ط الدار العامرة بمصر وج ١٢ ص ٥٠ ط مصر ١٣٧٥ ه‍ ، احقاق الحق ج ٦ ص ٢٥٦ ، الغدير للأميني ج ١ ص ٢٧٦ ، بتفاوت.

٥٥٧

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم وأسمع بالرسول مناديا

يقول فمن مولاكم ووليكم

فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت ولينا

ولم ترمنا في الولاية عاصيا

فقال له : قم يا علي فإنني

رضيتك من بعدي إماما وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه

فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا : اللهم وال وليه

وكن للذي عادى عليا معاديا (١)

وقد أخرج الطبري محمد بن جرير في كتاب الولاية عن زيد بن أرقم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ جعل يقول في ذلك الموقف الرهيب ويخاطب الجموع الغفيرة المتراصة حوله :

معاشر الناس قولوا أعطيناك على ذلك عهدا عن أنفسنا وميثاقا بألسنتنا وصفقة بأيدينا نؤديه إلى أولادنا وأهالينا ، لا نبغي بذلك بدلا وأنت شهيد علينا وكفى بالله شهيدا ، قال زيد بن أرقم : فعند ذلك بادر الناس يقولون : نعم نعم سمعنا وأطعنا ، وكان أبو بكر وعمر أول من صافق وتداكوا على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وعلى علي ـ عليه السلام ـ.

وخصوص حديث تهنئة الشيخين رواه من أئمة الحديث والتفسير ما يزيد على ستين محدثا وراويا ومؤرخا وكاتبا راجع الغدير الجزء الأول ص ٢٧٢ ترى العجب العجيب.

وأما قولك الأخير إن الشيعة ترفض خلافة أبي بكر وعمر وعثمان

__________________

(١) مناقب الخوارزمي ص ١٣٥ ح ١٥٢ ، فرائد السمطين الجويني ج ١ ص ٧٣ ح ٣٩ وص ٧٤ ح ٤٠ ، تذكرة الخواص لابن الجوزي ص ٨٠ ، بحار الأنوار ج ٣٧ ص ١٥٠ ، سفينة البحار ج ٢ ص ٣٠٦ ، وقد روي هذا الشعر في مصادر كثيرة جدا راجع : الغدير للأميني ج ٢ ص ٣٤ ـ ٣٩.

٥٥٨

فهذا شئ صحيح لا ينكره ولا واحد من الشيعة وقوام الشيعة على هذا الإنكار واستنكار ، وهذا فخر وشرف للشيعة لأن الذي دعاها لإنكار ذلك هو نفس إطاعتها وإذعانها لأمر نبيها محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ والثبات على عهده الذي أعطوه إياه في غدير خم بأمر من الله تعالى حينما أنزل على نبيه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في ذلك الموضع وألزمه بالتبليغ وهدده إذا هو لم يبادر ويعلن خلافة علي ـ عليه السلام ـ من بعده قبل أن تتفرق الجموع الهائلة وتذهب جهوده أدراج الرياح ، فأنزل عليه قوله عزوجل : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) (١) ، فلم يكتف بالتهديد حتى أخبره أنك إن لم تفعل فجميع جهادك وجهودك يذهب هباء منثورا ، ولا يترتب عليه أدنى أثر أو نفع ، ولذا تراه بعد قيامه بواجب التبليغ والأعلان نزل قوله تعالى : (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الأسلام دينا) (٢) فجعل النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول : الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة من الله بولاية أخي وابن عمي وخليفتي من بعدي علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ (٣).

وإذا الشيعة رفضت كل من خالف الله ورسوله لا خصوص أبي بكر وعمر وعثمان ، وتمسكت بأمر الله ورسوله تكون مذمومة ومستحقة لعذاب النار كيف يكون ذلك (٤)؟!

__________________

(١) سورة المائدة : الاية ٦٧.

(٢) سورة المائدة : الاية ٣.

(٣) شواهد التنزيل للحسكاني ج ١ ص ٢٠٠ ح ٢١٠ وما بعده ، مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي ج ١ ص ١١٨ ح ٦٦ وص ١٣٧ ح ٧٦.

(٤) ماذا في التاريخ للقبيسي ج ١٢ ص ٦١.

٥٥٩

المناظرة الحادية والسبعون

مناظرة الدكتور التيجاني (١) مع أحد علماء الزيتونة (٢)

يقول الدكتور التيجاني :

والعجيب والغريب أن أغلب المسلمين عندما تذكر له حديث الغدير ، لا يعرفه أو قل لم يسمع به والأعجب من هذا كيف يدعي علماء أهل السنة بعد هذا الحديث المجمع على صحته ، بأن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لم يستخلف وترك الأمر شورى بين المسلمين.

فهل هناك للخلافة حديث أبلغ من هذا وأصرح يا عباد الله؟؟ وإني لأذكر مناقشتي مع أحد علماء الزيتونية في بلادنا عندهما ذكرت له حديث

__________________

(١) هو : الدكتور محمد التيجاني السماوي التونسي ، حفظ القرآن في سن مبكر ، نشأ وترعرع على طريقة الصوفية التيجانية وهي منتشرة بكثرة في المغرب ، والجزائر ، وتونس ، وليبيا ، والسودان ، ومصر ، والتي من أسسها الحفاظ على الشعائر الدينية واحترام الأولياء والصالحين وترتيل القرآن ، ولها أذكارها وأدعيتها الخاصة وكان على مذهب الأمام مالك بن أنس وأخيرا اعتنق المذهب الشيعي بعد بحث طويل في تحقيق مسائل الخلاف بين المذاهب الأسلامية ، كما جرت بينه وبين بعض العلماء مناظرات حين زيارته للنجف الاشرف منهم السيد الخوئي ـ قدس سره ـ ، والشهيد السيد محمد باقر الصدر ـ قدس سره ـ ، له من المؤلفات كتاب ثم اهتديت الذي شرح فيه كيفية استبصاره والأسباب التي دعته إلى الأخذ بمذهب أهل البيت ـ عليهم السلام ـ ، لأكون مع الصادقين ، الشيعة هم أهل السنة ، فاسألوا أهل الذكر ، وقد حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون ـ باريس. استفدنا هذه الترجمة من كتابه ثم اهتديت.

(٢) الزيتونة : جامع في تونس بنته عطف ارملة المستنصر الحفصي ـ ١٢٨٣ ـ خارج باب البحر. المنجد ـ قسم الأعلام ـ ص ٣٤١.

٥٦٠