مناظرات

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


المحقق: الشيخ عبد الله الحسن
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ٣ الجزء ٤

فكيف تجاوزوا ذلك إلى التحكم على تدبير الله جل جلاله في عباده وبلاده والأقدام بظنونهم الضعيفة على هدم الاهتمام بثبوت أقدام النبوة الشريفة ونقل تدبيرها عن اليقين الشريف إلى الظن الضعيف ومن جعل لهم ولاية على كل من في الدنيا والدين وما حضروا معهم في اختيار الأمام ولا شاركوهم ولا أذنوا لهم من سائر بلاد الأسلام ومن وليهم علي وأنا غافل بعيد عنهم حتى يختاروا لي بظنهم الضعيف إماما ما وكلتهم فيه ولا أرضى أبدا بالاختيار منهم فهل هذا إلا ظلم هائل وجور شامل من غير رضى من يدعي وكالته ونيابة ما استنابه فيها من غير رضى من يدعي نيابته؟!

ثم قلت لهم : أنتم ما كنتم تتفكرون فساده في أول مرة لما أظهر العدل واجتمعتم عليه فلما تمكن منكم قتلكم وأخذ أموالكم وقد رأيتم ورأينا وسمعتم وسمعنا من اختيار الملوك والخلفاء والاطلاع على الغلط في الاختيار لهم وقتلهم وعزلهم وفساد تلك الاراء.

وقلت لهم : أنتم تعلمون أنه يمكن أن يكون عند وقت اختياركم لواحد من ولد فاطمة ـ عليها السلام ـ غير معصوم ولا منصوص عليه أن يكون في ذلك البلد وغيره من هو مثله أو أرجح منه ولا تعرفونه فكيف تبايعون رجلا وتقتلون أنفسكم بين يديه ولعل غيره أرجح منه وأقوم بما تريدون.

وقلت له : أنتم يا بني الحسن لعل ما منعكم من القول بإمامة أئمة بني الحسين إلا أنكم ولد الأمام الأكبر ولعلكم أبيتم أن تكونوا تبعا لولد الأمام الأصغر وما أراكم خلصتم من هذا العار لأنكم قلدتم زيدا وهو حسني فنسبتم مذهبكم إليه وفي بني الحسن والحسين ـ عليهما السلام ـ من هو

٣٢١

أفضل منه ، قبله كان عبد الله بن الحسن وولداه والباقر والصادق ـ عليهما السلام ـ ما يقصرون عنه ، ثم إنكم ما وجدتم له فقها أو مذهبا يقوم بالشريعة فتممتم مذهبكم بمذهب أبي حنيفة وأبو حنيفة من العوام والغلمان لجدكم ولكم ، فإذا رضيتم إماما زيديا وهو حسني مرقع مذهبه بمذهب أبي حنيفة فأنا أدلكم على الباقر والصادق وغيرهما ـ عليهم السلام ـ من بني الحسين ـ عليه السلام ـ من غير مرقعين وعلومهم كافية في أمور الدنيا والدين.

ثم قلت له : الناس يعرفون أنا كنا معشر بني هاشم رؤساء في الجاهلية والأسلام وما كنا أبدا تبعا ولا أذنابا للعوام ، فلما بعث محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وشرفنا بنبوته وشريعته نصير تبعا لغلمانه وللعوام من أمته وتعجز عناية الله جل جلاله به أن يكون لنا رئيس منا أي مصيبة حملتكم على ذلك وفينا من لا يحسن أبو حنيفة يجلس بين يديه ويحتاج أبو حنيفة وغيره من العلماء أن يقرؤا عليه فعرف الزيدي الحق ورجع عن مذهبه في الحال ، وقد اختصرت في المقال (١).

__________________

(١) كشف المحجة لابن طاووس : ص ٨٢ ـ ٨٦.

٣٢٢

المناظرة السابعة والخمسون

مناظرة ابن طاووس مع فقيه من المستنصرية (١)

قال ابن طاووس ـ عليه الرحمة ـ :

إني كنت في حضرة مولانا الكاظم والجواد ـ عليهما السلام ـ فحضر فقيه من المستنصرية ، كان يتردد علي قبل ذلك اليوم ، فلما رأيت وقت حضوره يحتمل المعارضة له في مذهبه ، قلت له : يا فلان ما تقول لو أن فرسا لك ضاعت منك وتوصلت في ردها إلي أو فرسا لي ضاعت مني وتوصلت في ردها إليك أما كان ذلك حسنا أو واجبا؟

فقال : بلى.

فقلت له : قد ضاع الهدى ، إما مني واما منك والمصلحة أن ننصف من أنفسنا وننظر ممن ضاع الهدى فنرده عليه.

فقال : نعم.

فقلت له : لا أحتج بما ينقله أصحابي لأنهم متهمون عندك ، ولا تحتج بما ينقله أصحابك لأنهم متهمون عندي أو على عقيدتي ، ولكن نحتج بالقرآن ، أو بالمجمع عليه من أصحابي وأصحابك ، أو بما رواه أصحابي لك وبما رواه أصحابك لي.

فقال : هذا إنصاف.

__________________

(١) المستنصرية : جامعة في بغداد ، أنشأها المستنصر بالله الخليفة العباسي ، لا تزال آثارها قائمة. (المنجد).

٣٢٣

فقلت له : ما تقول فيما رواه البخاري ومسلم في صحيحها؟

فقال : حق بغير شك.

فقلت : فهل تعرف أن مسلما روى في صحيحه عن زيد بن أرقم أنه قال ما معناه : إن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ خطبنا في (خم) فقال : أيها الناس إني بشر يوشك أن أدعى فأجيب ، وإني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي (١).

فقال : هذا صحيح.

فقلت : وتعرف أن مسلما روى في صحيحه (٢) في مسند عائشة أنها روت عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنه لما نزلت آية (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (٣) جمع عليا وفاطمة والحسن والحسين ـ عليهم السلام ـ فقال : هؤلاء أهل بيتي.

فقال : نعم هذا صحيح.

فقلت له : تعرف أن البخاري ومسلما رويا في صحيحيهما ، أن الأنصار اجتمعت في سقيفة بني ساعدة ليبايعوا سعد بن عبادة وأنهم ما نفذوا إلى أبي بكر ولا عمر ولا إلى أحد من المهاجرين حتى جاء أبو بكر وعمر وأبو عبيدة لما بلغهم في اجتماعهم ، فقال لهم أبو بكر : قد رضيت لكم إحد هذين الرجلين ، يعني عمر وأبا عبيدة ، فقال عمر : ما أتقدم عليك

__________________

(١) مسند أحمد ج ٣ ص ١٧ ، طبقات ابن سعد ج ٢ ص ١٩٤ ، المستدرك للحاكم ج ٣ ص ١ ٠٩ ، كنز العمال ج ١ ص ١٨٥ ح ٩٤٤ ، بحار الأنوار ج ٢٣ ص ١١٤ ح ٢٣ ، والحديث له مصادر وطرق كثيرة وروي بألفاظ متفاوتة ، وقد تقدمت تخريجاته فيما سبق.

(٢) صحيح مسلم : ج ٤ ص ١٨٨٣ ح ٦١ ـ (٢٤٢٤).

(٣) سورة الأحزاب : الاية ٣٣.

٣٢٤

فبايعه عمر وبايعه من الأنصار (١) وأن عليا ـ عليه السلام ـ وبني هاشم امتنعوا من المبايعة ستة أشهر (٢) ، وأن البخاري ومسلما قالا فيما جمعه الحميدي من صحيحيهما : وكان لعلي ـ عليه السلام ـ وجه بين الناس في حياة فاطمة ـ عليها السلام ـ فلما ماتت فاطمة ـ عليها السلام ـ بعد ستة أشهر من وفاة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ انصرفت وجوه الناس عن علي ـ عليه السلام ـ فلما رأى علي انصراف وجوه الناس عنه خرج إلى مصالحة أبي بكر (٣).

فقال : هذا صحيح.

فقلت له : ما تقول في بيعة تخلف عنها أهل بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الذين قال عنهم : أنهم الخلف من بعده وكتاب الله جل جلاله ، وقال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فيهم : أذكركم الله في أهل بيتي (٤).

وقال عنهم : انهم الذين نزلت فيهم آية الطهارة (٥) ، وإنهم ما تأخروا مدة يسيرة حتى يقال : إنهم تأخروا لبعض الاشتغال ، وإنما كان التأخر للطعن في خلافة أبي بكر بغير إشكال في مدة ستة أشهر ، ولو كان الأنسان تأخر عن غضب يرد غضبه أو عن شبهة زالت شبهته بدون هذه المدة ، وإنه ما صالح أبا بكر على مقتضى حديث البخاري ومسلم إلا لما ماتت

__________________

(١) صحيح البخاري : ج ٥ ص ٨.

(٢) صحيح البخاري : ج ٨ ص ٢١٠.

(٣) صحيح البخاري : ج ٥ ص ١٧٧.

(٤) تقدمت تخريجاته.

(٥) وهي قوله تعالى : (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) سورة الأحزاب : الاية ٣٣ وقد تقدمت تخريجات نزولها فيهم ـ عليهم السلام ـ.

٣٢٥

فاطمة ـ عليها السلام ـ ورأى انصراف وجوه الناس عنه خرج عند ذلك الى المصالحة.

وهذه صورة حال تدل على أنه ما بايع مختارا ، وأن البخاري ومسلما رويا في هذا الحديث أنه ما بايع أحد من بني هاشم حتى بايع علي ـ عليه السلام ـ.

فقال : ما أقدم على الطعن في شئ قد عمله السلف والصحابة.

فقلت له : فهذا القرآن يشهد بأنهم عملوا في حياة النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهو يرجى ويخاف والوحي ينزل عليه بأسرارهم في حال الخوف وفي حال الأمن وحال الصحة وإلايثار عليه ما لا يقدروا ان يجحدوا الطعن عليهم به ، وإذا جاز منهم مخالفته في حياته وهو يرجى ويخاف فقد صاروا أقرب إلى مخالفته بعد وفاته وقد انقطع الرجاء والخوف منه وزال الوحي عنه.

فقال : في أي موضع من القرآن؟

فقلت : قال الله جل جلاله في مخالفتهم في الخوف : (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) (١) ، فروى أصحاب التواريخ أنه لم يبق معه إلا ثمانية أنفس ، علي ـ عليه السلام ـ والعباس ، والفضل بن العباس ، وربيعة ، وأبو سفيان ، ابنا الحارث بن عبد المطلب ، وأسامة بن زيد ، وعبيدة بن أم أيمن وروي أيمن بن أم أيمن (٢).

__________________

(١) سورة التوبة : الاية ٢٥.

(٢) راجع : تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٢ ، السيرة الحلبية ج ٣ ص ٦٧ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي

٣٢٦

وقال الله جل جلاله في مخالفتهم له في الأمن : (وإذا رأوا تجارة أولهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) (١) ، فذكر جماعة من المؤرخين أنه كان يخطب يوم الجمعة فبلغهم أن جمالا جاءت لبعض الصحابة مزينة فسارعوا إلى مشاهدتها وتركوه قائما ، وما كان عند الجمال شئ يرجون الانتفاع به (٢).

فما ظنك بهم إذا حصلت خلافة يرجون نفعها ورئاستها ، وقال الله تعالى في سوء صحبتهم ما قال الله جل جلاله : (ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) (٣) ، ولو كانوا معذورين في سوء صحبتهم ما قال الله جل جلاله (فاعف عنهم واستغفر لهم) ، وقد عرفت في صحيحي مسلم والبخاري معارضتهم للنبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في غنيمة هو أذن لما أعطى المؤلفة قلوبهم أكثر منهم ، ومعارضتهم له لما عفى عن أهل مكة ، وتركه تغيير الكعبة وإعادتها إلى ما كانت في زمن ابراهيم ـ عليه السلام ـ خوفا من معارضتهم له (٤) ومعارضتهم له لما خطب في تنزيه صفوان بن المعطل لما

__________________

الحديد ج ١٣ ص ٢٧٨ ، الأفصاح للمفيد ص ٥٨ ، الأرشاد للمفيد ص ٧٤ ، مجمع البيان ج ٥ ص ٢٨ ، بتفاوت.

(١) سورة الجمعة : الاية ١١.

(٢) راجع : مسند أحمد ج ٣ ص ٣١٣ وص ٣٧٠ ، صحيح البخاري ج ٦ ص ١٧٩ ، الجامع الصحيح للترمذي ج ٥ ص ٣٨٦ ح ٣٣١١ ، الدر المنثور ج ٨ ص ١٦٥ ، جامع البيان للطبري ج ٢٨ ص ٦٧ ، مجمع البيان ج ١٠ ص ٤٣٣.

(٣) سورة آل عمران : الاية ١٥٩.

(٤) راجع : صحيح مسلم : ج ٢ ص ٩٦٨ ـ ٩٧٢ ح ٣٩٨.

٣٢٧

قذف عائشة ، وأنه ما قدر أن يتم الخطبة ، أتعرف هذا جميعه في صحيحي مسلم والبخاري؟

فقال : هذا صحيح.

فقلت : وقال الله جل جلاله في إيثارهم عليه القليل من الدنيا : (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) (١) ، وقد عرفت أنهم امتنعوا من مناجاته ومحادثته لأجل التصدق برغيف وما دونه حتى تصدق علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ بعشرة دراهم عن عشر دفعات ناجاه فيها ثم نسخت الاية بعد أن صارت عارا عليهم وفضيحة إلى يوم القيامة بقوله جل جلاله : (ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم) (٢)

__________________

(١) سورة المجادلة : الاية : ١٢.

(٢) سورة المجادلة : الاية ١٣ فقد روى الثعالبي والواحدي وغيرهما من علماء التفسير أن الاغنياء اكثروا مناجاة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وغلبوا الفقراء على المجالسة عنده حتى كره رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ذلك واستطال جلوسهم وكثرت مناجاتهم فانزل الله تعالى : (يا ايها الذين امنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم واطهر فإن الله غفور رحيم).

فأمر بالصدقة امام المناجاة فأما اهل العسرة فلم يجدوا واما الاغنياء فبخلوا ، وخف ذلك على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وخف ذلك الزحام وغلبوا على حبه والرغبة في مناجاته حب الحطام ، واشتد على اصحابه ، فنزلت الاية التي بعدها راشقة لهم بسهام الملام ناسخة بحكمها حيث احجم من كان دأبه الاقدام وقال علي ـ عليه السلام ـ ان في كتاب الله لاية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل احد بها بعدي وهي اية المناجاة ، فإنها نزلت كان لي دينار فبعته بدراهم ، وكنت إذا ناجيت الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ تصدقت حتى فنيت فنسخت بقوله : (ءأشفقتم ان تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) الاية.

راجع : تفسيرا لطبري ج ٢٨ ، ص ١٤ ، اسباب النزول للواحدي ص ٢٣٥ ، خصائص النسائي ص ٣٩ ، احكام القرآن للجصاص ج ٣ ص ٤٢٨ ، الدر المنثور ج ٦ ص ١٨٥ ، تفسير

٣٢٨

فإذا حضرت يوم القيامة بين يدي الله جل جلاله وبين يدي رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وقالا لك : كيف جاز لك أن تقلد قوما في عملهم وفعلهم وقد عرفت منهم مثل هذه الأمور الهائلة ، فأي عذر وأي حجة تبقى لك عند الله وعند رسوله في تقليدهم فبهت وحارحيرة عظيمة.

فقلت له : أما تعرف في صحيحي البخاري ومسلم في مسند جابر ابن سمرة وغيره أن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال في عدة أحاديث : لا يزال هذا الدين عزيزا ماوليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ، وفي بعض أحاديثه ـ عليه وآله والسلام ـ من الصحيحين : لايزال امر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش (١).

وأمثال هذه الألفاظ كلها تتضمن هذا العدد الاثنا عشر فهل تعرف في الأسلام فرقة تعتقد هذا العدد غير الأمامية الاثني عشرية فإن كانت هذه أحاديث صحيحة كما شرطت على نفسك في تصحيح ما نقله البخاري ومسلم ، فهذه مصححة لعقيدة الأمامية وشاهدة بصدق ما رواه سلفهم وإن كانت كذبا فلأي حال رويتموها في صحاحكم.

فقال : ما أصنع بمارواه البخاري ومسلم من تزكية أبي بكر وعمر

__________________

الفخر الرازي ج ٢٩ ، ص ٢٧٢ ، كنز العمال ج ٣ ص ١٥٥ ، كفاية الطالب ص ١٣٥ ، الثعالبي ج ٤ ص ٢٧٩ ـ ٢٨٠ منشورات الاعلمي بيروت ، سفينة البحار ج ٢ ص ٥٧٩ ، الكشاف للزمخشري ج ٤ ص ٤٩٣ ـ ٤٩٤ ، نشر الكتاب العربي بيروت ، الحاكم في المستدرك ج ٢ ص ٤٨٢ ، فرائد السمطين ج ١ ص ٣٥٧ ح ٢٨٣ وص ٣٥٨ ح ٢٨٤.

وكان ابن عمر يغبط امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ على هذه الفضيلة التي لم يسبقه ولم يلحقه إليها احد ، وكان يقول : كان لعلي ثلاثة ، لو كان لي واحدة منها ، كانت أحب إلي من حمر النعم : تزويجه بفاطمة ـ عليها السلام ـ ، واعطاء الراية يوم خيبر ، وآية النجوى. منتخب كنز العمال المطبوع في هامش مسند أحمد ج ٥ ص ٣٥ ، وكفاية الطالب ص ١٣٧.

(١) تقدمت تخريجاته.

٣٢٩

وعثمان وتزكيه من تابعهم؟

فقلت له : أنت تعرف أنني شرطت عليك أن لا تحتج علي بما ينفرد به أصحابك ، وأنت أعرف أن الأنسان ولو كان من أعظم أهل العدالة وشهد لنفسه بدرهم وما دونه ما قبلت شهادته ، ولو شهد في الحال على أعظم أهل العدالة بمهما شهد من الأمور مما يقبل فيه شهادة أمثاله قبلت شهادته والبخاري ومسلم يعتقدان إمامة هؤلاء القوم ، فشهادتهم لهم شهادة بعقيدة نفوسهم ونصرة لرئاستهم ومنزلتهم.

فقال : والله ما بيني وبين الحق عداوة ، ما هذا إلا واضح لا شبهة فيه ، وأنا أتوب إلى الله تعالى بما كنت عليه من الاعتقاد ، فلما فرغ من شروط التوبة ، إذا رجل من ورائي قد أكب على يدي يقبلها ويبكي.

فقلت : من أنت؟

فقال : ما عليك اسمي ، فاجتهدت به حتى قلت : فأنت الان صديق أو صاحب حق ، فكيف يحسن لي أن لا أعرف صديقي وصاحب حق علي لأكافئه فامتنع من تعريفي اسمه.

فسألت الفقيه الذي من المستنصرية.

فقال : هذا فلان بن فلان من فقهاء النظامية (١) سهوت عن اسمه الان (٢).

__________________

(١) النظامية : فرقة من المعتزلة أصحاب أبي أسحاق إبراهيم بن سيار بن هانئ النظام البصري المتوفي سنة ٢٣١ ه‍ ، وهو ابن أخت أبي الهذيل العلاف شيخ المعتزلة ، وكان أستاذا للجاحظ. معجم الفرق الاسلامية ص ٢٥٠.

(٢) كشف المحجة لابن طاووس ص ٧٦ ـ ٨٠.

٣٣٠

المناظرة الثامنة والخمسون

مناظرة العلامة الحلي (١) مع علماء المذاهب الأربعة بمحضر الشاه خدا بنده (٢)

يقال : إن الشاه خدابنده غضب يوما على امرأته فقال لها : أنت طالق ثلاثا ، ثم ندم وجمع العلماء.

فقالوا : لابد من المحلل.

فقال : عندكم في كل مسألة أقاويل مختلفة أو ليس لكم هنا

__________________

(١) هو : أبو منصور الحسن بن الشيخ الفقيه النبيه سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي المشهور بالعلامة ، له أكثر من تسعين كتابا في مختلف العلوم الأسلامية ، من أشهرها : مختلف الشيعة ، المنتهى ، نهج الحق وكشف الصدق ، منهاج الكرامة ، الألفين ، وهو ابن أخت المحقق الحلي حيث اهتم بتربيته وتدريسه ، بالأضافة إلى ذلك فقد تتلمذ العلامة على أيدي أساطين العلماء منهم : والده ، والسيدين جمال الدين أحمد ، ورضي الدين علي ابني طاووس ، والشيخ ميثم بن علي البحراني وغيرهم الكثير ، توفي ليلة السبت الحادي والعشرين من شهر محرم الحرام سنة ست وعشرين وسبعمائة ، حيث قد ولد لأحدى عشرة ليلة خلون أو بقين من شهر رمضان المبارك عام ثمانية وأربعين وستمائة في مدينة الحلة في العراق ، ونقل نعشه الشريف إلى جوار أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ودفن هناك. راجع : روضات الجنات ج ٢ ص ٢٦٩ رقم : ١٩٨.

(٢) محمد بن أرغون بن أبغا بن هلاكو بن تولى بن جنكزخان المغولي ، السلطان غياث الدين المعروف بخدابند ومعناه بالعربية عبد الله ، ملك العراق وخراسان وآذربيجان ، ولد سنة نيف وسبعين وستمائة ، كان على مذهب العامة فتشيع وكان يحب العمارة أنشأ مدينة جديد بأذربيجان سماها السلطانية توفي سنة ٧١٦. راجع : الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني ج ٣ ص ٣٧٨ ترجمة رقم : ١٠٠٣.

٣٣١

اختلاف؟

فقالوا : لا.

فقال أحد وزرائه : إن عالما بالحلة وهو يقول ببطلان هذا الطلاق. فبعث كتابه إلى العلامة ، وأحضره ، فلما بعث إليه.

قال علماء العامة : إن له مذهبا باطلا ، ولا عقل للروافض (١) ، ولا يليق

__________________

(١) الرافضة : اسم أطلقه خصوم ومبغضوا الشيعة عليهم وذلك للاستهانهة بهم وتحقير هم وسبب ذلك كله هو أنهم والوا عليا وأهل بيته واعتقدوا بإمامتهم ـ عليهم السلام ـ لما ثبت عندهم بالأدلة القطعية الصارمة من خلافتهم وإمامتهم ووجب التمسك بهم ـ عليهم السلام ـ وهل من يوالي عليا واهل بيته ويتمسك بهم يعتبر رافضيا؟ إذا كان كذلك فهذا نعم الاسم فنحن غيرهم.

فهذا كل ما في المسألة فالذي يتبعهم ويروي اخبارهم ويذكر مخناقبهم وفضائلهم يعتبر رافضيا ، يقول الربيع بن سلمان ، قلت للشافعي : إن ههنا قوما لا يصبرو ن على سماع فضيلة لأهل البيت فإذا أراد أحد أن يذكر ها يقولون : هذا رافضي!! قال ، فأنشأ الشافعي يقول :

إذا في مجلس ذكروا عليا

وسبطيه وفاطمة الزكية

فأجرى بعضهم ذكرى سواهم

فأيقن أنه سلقلقيه

إذا ذكروا عليا أو بينه

تشاغل بالروايات العلية

وقال : تجاوزوا يا قوم هذا

فهذا من حديث الرافضية

برأت إلى المهيمن من أناس

يرون الرفض حب الفاطمية

على آل الرسول صلاة ربي

ولعنته لتلك الجاهلية

فرائد السمطين ج ١ ص ١٣٥ ح ٩٨.

وقال ايضا :

قالوا ترفضت؟ قلت : كلا

ما الرفض ديني ولا اعتقادي

لكن توليت غير شك

خير إمام وخير هادي

إن كان حب الولي رفضا

فإنني أرفض العباد

فرائد السمطين ج ١ ص ٤٢٣.

٣٣٢

بالملك أن يبعث إلى طلب رجل خفيف العقل.

قال الملك : حتى يحضر.

فلما حضر العلامة بعث الملك إلى جميع علماء المذاهب الأربعة ، وجمعهم. فلما دخل العلامة أخذ نعليه بيده ، ودخل المجلس ، وقال : السلام عليكم ، وجلس عند الملك.

فقالوا للملك : ألم نقل لك إنهم ضعفاء العقول.

قال الملك : اسألوا عنه في كل ما فعل.

__________________

وقال أيضا :

يا راكبا قف بالمحصب من مني

واهتف بقاعد خيفها والناهض

سحرا إذا فاض الحجيج إلى من

فيضا كملتطم الفرات الفائض

إني أحب بني النبي المصطفى

وأعده من واجبات فرائضي

لو كان رفضا حب آل محمد

فليشهد الثقلان إني رافضي

فرائد السمطين ج ١ ص ٤٢٣ ـ ٤٢٤.

وبعد هذا كله تعرف أن سبب في التسمية يكمن في اباع الشيعة لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ الذين قال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عنهم : (أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى) وقال أيضا : (اوصيكم بالثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما) ولهذه الأدلة وغيرها تمسكنا بهم وابتعناهم فأطلقوا علينا هذا الاسم.

وقد جاء في المحاسن عن أبي بصير قال : قلت لأبي جعفر ـ عليه السلام ـ جعلت فداك اسم سمينا به استحلت به الولاة دماءنا وأموالنا وعذابنا ، قال : وما هو؟ قلت : الرافضة ، فقال أبو جعفر ـ عليه السلام ـ : إن سبعين رجلا من عسكر فروعن رفضوا فرعون فأتوا موسى ـ عليه السلام ـ فلم يكن في قوم موسى أحدا أشد اجتهادا وأشد حبا لهارون منهم فسما هم قوم موسى الرافضة فأوحى الله تعالى إلى موسى ـ عليه السلام ـ أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة فإني نحلتهم وذلك اسم قد نحلكموه الله. سفينة البحار ج ٣ ص ٣٨٤.

ولكن يأبى الله عز وجل إلا أن يجعل عليا ـ عليه السلام ـ شبيها لهارون حتى في شيعته ومحبيه ألم يقل سيد البشر ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ فكل خصال هارون ـ عليه السلام ـ ثابتة لعلي ـ عليه السلام ـ إلا النبوة.

٣٣٣

فقالوا له : لم ما سجدت للملك وتركت الآداب؟

فقال : إن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كان ملكا وكان يسلم عليه ، وقال الله تعالى : (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة) (١) ، ولا خلاف بيننا وبينكم أنه لا يجوز السجود لغير الله.

ثم قال له : لم جلست عند الملك؟

قال : لم يكن مكان غيره ، وكلما يقوله العلامة بالعربي كان المترجم يترجم للملك.

قالوا له : لأي شئ أخذت نعلك معك ، وهذا مما لا يليق بعاقل بل إنسان؟

قال : خفت أن يسرقه الحنفية كما سرق أبو حنيفة نعل رسول الله!!

فصاحت الحنفية : حاشا وكلا ، متى كان أبو حنيفة في زمان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بل كان تولده بعد المأة من وفاته ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ.

فقال : فنسيت فلعله كان السارق الشافعي!!

فصاحت الشافعية كذلك ، وقالوا : كان تولد الشافعي في يوم وفاة أبي حنيفة ، وكانت نشوءه في المأتين من وفاة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ.

وقال : لعله كان مالك!!

فصاحت المالكية كالأولين.

فقال : لعله كان أحمد ففعلت الحنبلية كذلك.

__________________

(١) سورة النور : الاية ٦١.

٣٣٤

فأقبل العلامة إلى الملك ، وقال : أيها الملك علمت أن رؤساء المذاهب الأربعة لم يكن أحدهم في زمن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ولا الصحابة ، فهذا أحد بدعهم أنهم اختاروا من مجتهديهم هذه الأربعة ، ولو كان فيهم من كان أفضل منهم بمراتب لا يجوزون أن يجتهد بخلاف ما أفتى واحد منهم.

فقال الملك : ما كان واحد منهم في زمان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ والصحابة؟!

فقال الجميع : لا.

فقال العلامة : ونحن معاشر الشيعة تابعون لأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ نفس رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأخيه وابن عمه ووصيه ، وعلى أي حال فالطلاق الذي أوقعه الملك باطل لأنة لم يتحقق شروطه ، ومنها العدلان فهل قال الملك بمحضرهما؟

قال : لا.

ثم شرع في البحث مع العلماء حتى ألزمهم جميعا ، فتشيع الملك ، وبعث إلى البلاد والأقاليم حتى يخطبوا بالأئمة الأثني عشر ـ عليهم السلام ـ ، ويضربوا السكك على أسمائهم وينقشوها على أطراف المساجد والمشاهد منهم (١).

ومن لطائفه أنه بعد إتمام المناظرة وبيان احقية مذهب الأمامية الاثنى عشرية ، خطب الشيخ ـ قدس الله لطيفه ـ خطبة بليغة مشتملة على حمد الله والصلاة على رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ والأئمة ـ عليهم

__________________

(١) روضات الجنات للخونساري : ج ٢ ص ٢٧٩.

٣٣٥

السلام ـ فلما استمع ذلك السيد الموصلي الذي هو من جملة المسكوتين بالمناظرة.

قال : مالدليل على جواز توجيه الصلاة على غير الأنبياء ـ عليهم السلام ـ؟

فقرأ الشيخ في جوابه ـ بلا انقطاع الكلام ـ : (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) (١).

فقال الموصلي على طريق المكابرة : ما المصيبة التي أصاب آله حتى أنهم يستوجبون لها الصلاة؟

فقال الشيخ ـ رحمه الله ـ : من أشنع المصائب وأشدها أن حصل من ذراريهم مثلك الذي يرجح المنافقين الجهال المستوجبين اللعنة والنكال على آل رسول الملك المتعال.

فاستضحك الحاضرون ، وتعجبوا من بداهة جواب آية الله في العالمين ، وقد انشد بعض الشعراء :

إذا العلوي تابع ناصبيا

بمذهبه فما هو من أبيه

وكان الكلب خيرا منه حقا

لأن الكلب طبع أبيه فيه (٢)

__________________

(١) سورة البقرة : الاية ١٥٦ و ١٥٧.

(٢) روضات الجنات : ج ٢ ص ٢٨٤.

٣٣٦

المناظرة التاسعة والخمسون

مناظرة أبي القاسم بن محمد الحاسمي (١) مع رفيع الدين حسين

قال الأمير السيد حسين العاملي ـ المعروف بالمجتهد المعاصر للسلطان شاه عباس الماضي الصفوي ـ في أواخر رسالته المعمولة في أحوال أهل الخلاف في النشأتين ، عند ذكر بعض المناظرات الواقعة بين الشيعة وأهل السنة هكذا :

وثانيهما : حكاية غريبة وقعت في بلدة طيبة همذان (٢) بين شيعي اثنى عشري وبين سني ، رأيت في كتاب قديم يحتمل أن يمضي من تاريخ كتابته ثلاثمائة سنة نظرا إلى العادة ، وكان المسطور في الكتاب المذكور أنه وقع بين بعض من علماء الشيعة الاثنى عشرية اسمه : أبو القاسم بن محمد بن أبي القاسم الحاسمي وبين بعض من علماء أهل السنة : رفيع

__________________

(١) قال عنه صاحب الرياض هو : الفاضل العالم الكامل المعروف بالحاسمي ، وكان من أكابر مشائخ أصحابنا ، والظاهر أنه من قدماء الأصحاب.

رياض العلماء للأصبهاني ج ٥ ص ٥٠٤.

(٢) همذان : مدينة من الجبال أعذبها ماء وأطيبها هواء ، وهي أكبر مدينة بها ، وإنما خربها بخت نصر ، ولم تزل بعد ذلك خرابا إلى أن عمرها بعد ذلك درا بن دارا ، وحصنها ونقل أمواله إليها ، وما زالت محلا للملوك ومعدنا لأهل الدين والفضل ، إلا أن شتاءها مفرط البرد ، وفي ذلك يقول الشاعر :

النار في همذان يبرد حرها

والبرد في همذان داء مسقم

إلا أنها مع ذلك كثيرة الزاهر والرياحين في الربيع ، وأرضهم منبت الزعفران ، وعندهم أنواع من الألوان لا تكون في بلاد غيرهم. مراصد الاطلاع ج ٣ ص ١٤٦٤ ـ ١٤٦٥.

٣٣٧

الدين حسين ، مصادقة ومصاحبة قديمة ، ومشاركة في الأموال ، ويتخالطان في أكثر الأحوال والأسفار ، وكل واحد منهما لا يخفي مذهبه وعقيدته عن الاخر ، وعلى سبيل الهزل ينسب أبو القاسم رفيع الدين إلى الناصبي ، وينسب رفيع الدين أبا القاسم إلى الرافضي ، وبينهما في هذه المصاحبة لا يقع مباحثة في المذهب ، إلى أن وقع الاتفاق في مسجد بلدة طيبة همذان يسمى ذلك المسجد بالمسجد العتيق ، وفي أثناء المكالمة فضل رفيع الدين حسين أبا بكر وعمر على أمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ ، ورد أبو القاسم على رفيع الدين وفضل عليا ـ عليه السلام ـ على أبي بكر وعمر ، وأبو القاسم استدل على مدعاه بآيات عظيمة وأحاديث منزلة وذكر كرامات ومقامات ومعجزات وقعت منه ـ عليه السلام ـ.

ورفيع الدين يعكس القضية واستدل على تفضيل أبي بكر على علي ـ عليه السلام ـ بمخالطته ومصاحبته في الغار ، ومخاطبته بخطاب الصديق الأكبر من بين المهاجرين والأنصار ، وأيضا قال : إن أبا بكر مخصوص من بين المهاجرين والأنصار بالمصاهرة والخلافة والأمامة ، وأيضا قال رفيع الدين : الحديثان عن النبي واقعان في شأن أبي بكر أحدهما (أنت بمنزلة القميص) ـ الحديث ، وثانيهما (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) (١).

وأبو القاسم الشيعي بعد استماع هذا المقال من رفيع الدين ، قال لرفيع الدين : لأي وجه وسبب تفضل أبا بكر على سيد الأوصياء وسند الأولياء وحامل اللواء (٢) ، وعلي إمام الأنس والجان ، وقسيم

__________________

(١) تقدم الكلام عنه مع تخريجاته.

(٢) راجع : ينابيع المودة ص ٨١ ، كنز العمال ج ١٣ ص ١٥٣ ح ٣٦٤٨٧ ، وجاء في المناقب

٣٣٨

الجنة والنار (١) ، والحال أنك تعلم أنه ـ عليه السلام ـ الصديق

__________________

للخوارزمي ص ٣٥٨ ح ٣٦٩ : عن جابر بن سمرة قال : قيل يارسول الله من يحمل رايتك يوم القيامة قال : من عسى أن يحملها إلا من حملها في الدنيا علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ.

(١) راجع : لسان الميزان ج ٣ ص ٢٤٧ ، مناقب ابن المغازلي ص ٦٧ ح ٩٧ ، الفردوس ج ٣ ص ٦٤ ح ٤١٨ ، بحار الأنوار ج ٣٨ ص ٩٥ ح ١١.

وقد جاء في فرائد السمطين ج ١ ص ٣٢٦ ح ٢٥٤ عن علي ـ عليه السلام ـ قال : أنا قسيم النار إذا كان يوم القيامة قلت : هذا لك وهذا لي.

قوله ـ عليه السلام ـ : (أنا قسيم النار) أي مقاسمها ومساهمها يعني أصحابه على شطرين مهتدون وضالون فكأنه قاسم النار إياهم فشطر لها وشطر معه في الجنة ، فالذين هم ضالون في نار الجحيم ، والذين هم مهتدون مهتدون إلى جناب جنات النعيم. ولله در القائل في مدحه ـ عليه السلام ـ وقد بلغ فيه غاية الكمال والتمام :

علي حبه جنة

قسيم النار والجنة

وصي المصطفى حقا

إمام الأنس والجنة

وقال ابن أبي الحديد ـ في شرح النهج ج ١٩ ص ١٣٩ ـ : ومنها قوله ـ عليه السلام : أنا قسيم النار ، قال ابن قتيبة : أراد أن الناس فريقان! فريق معي فهم على هدى ، وفريق علي فهم على ضلالة ، كالخوارج ، ولم يجسر ابن قتيبة أن يقول : وكأهل الشام ، يتورع يزعم ، ثم إن الله أنطقه بما تورع عن ذكره ، فقال متمما للكلام بقوله : فأنا قسيم النار ، نصف في الجنة معي ، ونصف في النار ، قال : وقسيم في معنى مقاسم ، مثل جليس وأكيل وشريب. قلت : قد ذكر أبو عبيد الهروي هذه الكلمة في الجمع بين الفريقين ، قال : وقال قوم إنه لم يرد ما ذكره ، وإنما أراد : هو قسيم النار والجنة يوم القيامة حقيقة ، يقسم الأمة ، فيقول : هذا للجنة ، وهذا للنار.

وقد جاء هذا المعنى في الأبيات المشهورة المنسوبة إليه ـ عليه السلام ـ :

ياحار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني شخصه وأعرفه

بعينه واسمه وما فعلا

وأنت يا حار إن تمت ترني

فلا تخف عثرة ولا زللا

أسقيك من بارد على ظمأ

تخاله في الحلاوة العسلا

أقول للنار حين تعرض في ال‍

حشر ذريه لا تقربي الرجلا

ذريه لا تقربيه إن له

حبلا بحبل الوصي متصلا

شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ١ ص ٢٩٩.

٣٣٩

الأكبر (١) ، والفاروق الأزهر (٢) ، أخو رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وزوج البتول ، وتعلم أيضا أنه ـ عليه السلام ـ وقت فرار الرسول إلى الغار من الظلمة وفجرة الكفار ضاجع على فراشه (٣) ، وشاركه علي في حال العسر والفقر ، وسد رسول الله أبواب الصحابة من المسجد إلا بابه (٤) ، وحمل عليا على كتفه لأجل كسر الأصنام (٥) في أول الأسلام ، وزوج الحق

__________________

وجاء في سفينة البحار للقمي ج ٢ ص ٤٢٨ ـ ٤٢٩ : عن كشف الغمة ، قال المأمون للرضا ـ عليه السلام ـ يا ابا الحسن اخبرني عن جدك علي بن ابي طالب ـ عليه السلام ـ بأي وجه هو قسيم الجنة والنار. فقال : يا أمير المؤمنين الم ترو عن أبيك عن ابائه عن عبد الله ابن عباس انه قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول : حب علي ايمان وبغضه كفر. فقال : بلى. قال الرضا ـ عليه السلام ـ : فقسم الجنة والنار. فقال المأمون : لا ابقاني الله بعدك يا ابا الحسن أشهد أنك وارث علم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ.

وقد صنف محمد بن سعد كتاب (من روى في علي ـ عليه السلام ـ أنه قسيم النار) ، انظر : بحار الانوار ج ٣٩ ص ٢٠٤.

(١) فقد جاء في فرائد السمطين ج ١ ص ٢٤٨ ح ١٩٢ : عن عباد بن عبد الله الأسدي قال : قال علي ـ عليه السلام ـ : أنا عبد الله وأخو رسول الله ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا كاذب ، صليت قبل الناس سبع سنين.

(٢) وقد جاء أيضا في فرائد السمطين ج ١ ص ٣٩ ح ٣ : عن أبي سخيلة قال : حججت أنا وسلمان فنزلنا بأبي ذر فكنا عنده ما شاء الله ، فلما حان منا حفوف قلنا : يا أبا ذر إني أرى أمورا قد حدثت وإني خائف على الناس الاختلاف فإن كان ذلك فما تأمرني؟ قال : الزم كتاب الله وعلي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ فأشهد أني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول : علي أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصديق الأكبر وهو الفاروق يفرق بين الحق والباطل.

(٣) تقدمت تخريجاته.

(٤) تقدمت تخريجاته.

(٥) راجع : مسند أحمد ج ١ ص ٨٤ ، ذخائر العقبى ص ٨٥ ، المناقب للخوارزمي ص ٧١ فصل ١١ ط طهران ، وقد جاء في فرائد السمطين ج ١ ص ٢٤٩ ح ١٩٢ : عن علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ قال : انطلق بي رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حتى أتى بي الكعبة فقال

٣٤٠