مناظرات

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


المحقق: الشيخ عبد الله الحسن
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ٣ الجزء ٤

المناظرة السابعة والعشرون

مناظرة هشام مع أبي عبيدة المعتزلي (١)

قال أبو عبيدة المعتزلي لهشام بن الحكم : الدليل على صحة معتقدنا وبطلان معتقدكم كثرتنا (٢) وقلتكم ، مع كثرة أولاد علي

__________________

ح ٤٩٠ ، الأصول من الكافي ج ١ ص ١٦٩ ح ٣ ، علل الشرائع ج ١ ص ١٩٣ ح ٢ ب ١٥٢ ، بحار الانوار ج ٢٣ ص ٦ ح ١١.

(١) هو : معمر بن المثنى التميمي ، أبو عبيدة مولاهم البصري النحوي ، ولد سنة ١٢٠ ه‍ له مصنفات كثيرة ومعروفة منها : مجاز القرآن ، غريب الحديث ، مقتل عثمان ، كتاب اخبار الحجاج ، روى عن جماعة منهم هشام بن عروة وابو عمرو بن العلاء وغيرهم. وروى عن جماعة منهم اسحاق بن ابراهيم الموصلي وغيرهم واختلفوا في سنة وفاته. راجع : سير اعلام النبلاء ج ٩ ص ٤٤٥ ترجمة رقم : ١٦٨ ، تهذيب الكمال ج ٢٨ ص ٣١٦ ترجمة رقم : ٦١٠٧ ، تاريخ بغداد ج ١٣ ص ٢٥٢.

(٢) الكثرة والجماعة ليست ميزانا ومقياسا لأهل الحق بل وجدنا الكثرة في موارد كثيرة من كتاب الله تعالى هي المذمومة ، والقلة هي الممدوحة ومن ذلك قوله تعالى :

(وما آمن معه الا قليل). سورة هود : الاية ٤٠.

(وقليل من عبادي الشكور). سورة سبا : الاية ١٣.

(ما فعلوه الا قليل منهم). سورة النساء : الاية ٦٦.

(واكثرهم لا يعقلون). سورة المائدة : الاية ١٠٣.

(ولكن اكثر الناس لا يعلمون). سورة الاعراف : الاية ١٨٧.

(ولكن اكثر الناس لا يؤمنون). سورة غافر : الاية ٥٩.

(واكثرهم للحق كارهون). سورة المؤمنون : الاية ٧٠.

فلا يضر المرء كثرة الناس إذا كان على حق وصواب ولا يستوحش من الحق لقلة سالكيه

١٦١

وادعائهم.

فقال هشام : لست إيانا أردت بهذا القول إنما أردت الطعن على نوح ـ عليه السلام ـ حيث لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى النجاة ليلا ونهارا ، ما آمن معه إلا قليل (١).

__________________

ومن هنا يوصي النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ عمار بن ياسر ويقول : (يا عمار إذا رأيت عليا قد سلك واديا وسلك الناس واديا غيره فاسلك مع علي ، ودع الناس ، فانه لن يدلك على ردى ، ولن يخرجك من هدى). المناقب للخوارزمي الحنفي ص ١٠٥ ح ١١٠ ، ترجمة امير المؤمنين من تاريخ ابن عساكرج ٣ ص ٢١٤ ح ١٢١٩.

(١) المناقب لابن شهراشوب ج ١ ص ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ، بحار الانوار ج ٤٧ ص ٤٠١ ح ٣.

١٦٢

المناظرة الثامنة والعشرون

مناظرة هشام مع بعض المتكلمين

وسأل هشام بن الحكم جماعة من المتكلمين فقال : أخبروني حين بعث الله محمدا ـ صلى الله عليه وآله ـ بعثه بنعمة تامة أو بنعمة ناقصة؟

قالوا : بنعمة تامة.

قال : فأيما أتم أن يكون في أهل بيت واحد نبوة وخلافة؟ أو يكون نبوة بلا خلافة؟

قالوا : بل يكون نبوة وخلافة.

قال : فلماذا جعلتموها في غيرها ، فإذا صارت في بني هاشم ضربتم وجوههم بالسيوف ، فأفحموا (١).

__________________

(١) المناقب لابن شهراشوب ج ١ ص ٢٧٦ ، بحار الانوار ج ٤٧ ص ٤٠١ ح ٣.

١٦٣

المناظرة التاسعة والعشرون

مناظرة هشام بن الحكم مع ضرار بن عمرو الضبي (١)

دخل ضرار بن عمرو الضبي على يحيى بن خالد البرمكي فقال له : يا أبا عمرو هل لك في مناظرة رجل هو ركن الشيعة؟

فقال ضرار : هلم من شئت.

فبعث إلى هشام بن الحكم ، فأحضره.

فقال : يا أبا محمد ، هذا ضرار ، وهو من قد علمت في الكلام والخلاف لك فكلمه في الأمامة.

فقال : نعم ، ثم أقبل على ضرار فقال : يا أبا عمرو : خبرني على ما تجب الولاية والبراءة أعلى الظاهر أم على الباطن؟

فقال ضرار : بل على الظاهر فإن الباطن لا يدرك إلا بالوحي.

قال هشام : صدقت ، فأخبرني الان أي الرجلين كان أذب عن وجه

__________________

(١) ضرار بن عمرو الضبي : هو شيخ الضرارية ، رأس من رؤوس المعتزلة لم يذكروا له ولادة ولا وفاة ، ومن سيرته يفهم انه كان حيا في عصر هارون الرشيد ، وكان قاضيا ، فشهد قوم على زندقته عند القاضي سعيد بن عبد الرحمن فامر بضرب عنقه فهرب ، وقيل اخفاه يحيى بن خالد البرمكي ، وكان جلدا في مذهبه له مقالات خبيثة منها ان النار لا حر فيها ولا في الثلج برد ولا في العسل حلاوة ، وانما يخلق ذلك عند الذوق واللمس ، وله تصانيف كثيرة وكان ينكر عذاب القبر.

راجع : سير اعلام النبلاء ج ١٠ ص ٥٤٤ ترجمة رقم : ١٧٥ ، الضعفاء الكبير للعقيلي ج ٢ ص ٢٢٢ ترجمة رقم : ٧٦٥ ، ميزان الاعتدال ج ٢ ص ٣٢٨ ترجمة رقم : ٣٩٥٣ ، لسان الميزان ج ٣ ص ٢٠٣ ترجمة رقم : ٩١٢ ، الفهرست لابن النديم ص ٢١٤.

١٦٤

رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ بالسيف وأقتل لأعداء الله بين يديه وأكثر آثارا في الجهاد أعلي بن أبي طالب أو أبو بكر؟

فقال : بل علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ ولكن أبا بكر كان أشد يقينا.

فقال هشام : هذا هو الباطن الذي قد تركنا الكلام فيه وقد اعترفت لعلي ـ عليه السلام ـ بظاهر عمله من الولاية ، وأنه يستحق بها من الولاية ما لم يجب لأبي بكر.

فقال ضرار : هذا هو الظاهر نعم. قال له هشام : أفليس إذا كان الباطن مع الظاهر فهو الفضل الذي لا يدفع؟!

فقال له ضرار : بلى.

فقال له هشام : ألست تعلم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قال لعلي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (١).

قال ضرار : نعم.

قال هشام : أفيجوز أن يقول هذا القول إلا وعنده في الباطن مؤمن؟ قال : لا.

قال هشام : فقد صح لعلي ـ عليه السلام ـ ظاهره وباطنه ولم يصح لصاحبك لا ظاهر ولا باطن والحمد لله (٢).

__________________

(١) تقدمت تخريجاته.

(٢) بحار الانوار ج ١٠ ص ٢٩٢ ح ١ ، الفصول المختارة ص ٩ ـ ١٠.

١٦٥

المناظرة الثلاثون

أيضا مناظرة هشام مع ضرار

قال ضرار لهشام بن الحكم : ألا دعا علي ـ عليه السلام ـ الناس عند وفاة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ إلى الائتمام به إن كان وصيا؟

قال : لم يكن واجبا عليه ، لأنه قد دعاهم إلى موالاته والائتمام به النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ يوم الغدير (١) ويوم تبوك (٢) وغيرهما فلم يقبلوا منه ، ولو كان ذلك جائزا لجاز على آدم أن يدعو إبليس إلى السجود له بعد إذ دعاه ربه إلى ذلك ، ثم إنه صبر كما صبر أولوا العزم من الرسل (٣).

__________________

(١) تقدمت تخريجاته.

(٢) اشارة الى حديث (انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي) وقد تقدمت تخريجاته.

(٣) المناقب لابن شهر اشوب ج ١ ص ٢٧٠.

١٦٦

المناظرة الحادية والثلاثون

مناظرة مؤمن الطاق (١) مع ابن أبي خدرة

عن الأعمش قال : اجتمعت الشيعة والمحكمة (٢) عند أبي نعيم النخعي بالكوفة ، وأبو جعفر محمد بن النعمان مؤمن الطاق حاضر.

فقال ابن أبي خدرة : أنا أقرر معكم ـ أيتها الشيعة ـ أن أبا بكر أفضل من علي وجميع أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بأربع خصال لا يقدر على دفعها أحد من الناس ، هو ثان مع رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في بيته مدفون ، وهو ثاني اثنين معه في الغار ، وهو ثاني اثنين صلى بالناس آخر صلاة قبض بعدها رسول الله ـ ، صلى الله عليه وآله ـ ، وهو ثاني اثنين الصّديق من الأمّة.

__________________

(١) مؤمن الطاق : هو محمد بن علي بن النعمان بن ابي طريفة البجلي ، مولى الأحول ، أبو جعفر ، كوفي ، صيرفي ، يلقب مؤمن الطاق ، وصاحب الطاق ، وكان كثير العلم حسن الخاطر ، سمي بالطاق لانه كان دكانه في طاق المحامل بالكوفة ، وله حكايات كثيرة مع ابي حنيفة ، عد من اصحاب الصادق والكاظم ـ عليهما السلام ـ ، توفي في رجب سنة ٣٧٤.

راجع : رجال النجاشي ص ٣٢٥ ، رقم : ٨٨٦ ، رجال الطوسي ص ٣٠٢ رقم : ٣٥٥ و ص ٣٥٩ رقم : ١٨ ، سير أعلام النبلاء ج ١٠ ، ص ٥٥٣ رقم : ١٨٧ ، الكنى والالقاب ج ٢ ص ٤٢٨.

(٢) المحكمة الأولى أو المحكمية : اول فرقة من الخوارج انحازوا إلى حروراء بعد رجوع علي ـ عليه السلام ـ من صفين إلى الكوفة ، وهم يومئذ اثنا عشر ألفا ، وزعيمهم عبد الله بن الكواء وشبث بن ربعي ، كان دينهم تكفير علي وعثمان وأصحاب الجمل وأصحابه والحكمين ، ثم إنهم جوزوا ان تكون الامامة في غير قريش. معجم الفرق الاسلامية ص ٢١٤ ، الملل والنحل للشهرستاني ج ١ ص ١٠٦.

١٦٧

قال أبو جعفر مؤمن الطاق (رحمة الله عليه) : يابن أبي خدرة وأنا أقرر معك أن عليا ـ عليه السلام ـ أفضل من أبي بكر وجميع أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بهذه الخصال التي وصفتها ، وأنها مثلبة لصاحبك وألزمك طاعة علي ـ عليه السلام ـ من ثلاث جهات ، من القرآن وصفا ، ومن خبر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ نصا ، ومن حجة العقل اعتبارا ، ووقع الاتفاق على ابراهيم النخعي ، وعلى أبي اسحاق السبيعي ، وعلى سليمان بن مهران الأعمش.

فقال أبو جعفر مؤمن الطاق : أخبرني يابن أبي خدرة ، عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أترك بيوته التي أضافها الله إليه ، ونهى الناس عن دخولها إلا بإذنه (١) ميراثا لأهله وولده؟ أو تركها صدقة على جميع المسلمين؟ قل ما شئت؟ فانقطع أبن أبي خدرة لما أورد عليه ذلك ، وعرف خطأ ما فيه.

فقال أبو جعفر مؤمن الطاق : إن تركها ميراثا لولده وأزواجه فإنه قبض عن تسع نسوة ، وإنما لعائشة بنت أبي بكر تسع ثمن هذا البيت الذي دفن فيه صاحبك ، ولم يصبها من البيت ذراع في ذراع ، وإن كان صدقة فالبلية أطم وأعظم فإنه لم يصب له من البيت إلا ما لأدنى رجل من المسلمين ، فدخول بيت النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بغير إذنه في حياته وبعد وفاته معصية إلا لعلي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ وولده ، فإن الله أحل لهم ما أحل للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ.

ثم قال : إنكم تعلمون أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ أمر بسد أبواب

__________________

(١) اشارة الى قوله تعالى : (يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا ان يؤذن لكم). سورة الاحزاب : الاية ٥٣.

١٦٨

جميع الناس التي كانت مشرعة إلى المسجد ما خلا باب علي (١) ـ عليه السلام ـ فسأله أبو بكر أن يترك له كوة لينظر منها إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فأبى عليه ، وغضب عمه العباس من ذلك (٢) فخطب النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ خطبة ، وقال : إن الله تبارك وتعالى أمر لموسى وهارون أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب ولا يقرب فيه النساء إلا موسى وهارون وذريتهما ، وإن عليا مني هو بمنزلة هارون من موسى (٣) ، وذريته كذرية هارون ، ولا يحل لأحد أن يقرب النساء في مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ولا يبيت فيه جنبا إلا علي وذريته ـ عليهم السلام ـ ، فقالوا بأجمعهم : كذلك كان (٤).

__________________

(١) قال زيد بن أرقم : كان لنفر من اصحاب رسول الله ابواب شارعة في المسجد فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ : سدوا هذه الابواب الا باب علي ، فتكلم الناس في ذلك ، فقام رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد فاني أمرت بسد هذه الابواب إلا باب علي ، فقال فيه قائلكم ، واني والله ما سددت شيئا ولا فتحته ، ولكني امرت بشئ فاتبعته.

راجع : المستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٢٥ ، وصححه ، خصائص أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ للنسائي الشافعي ص ٥٥ ح ٣٧ ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٠٣ ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٨٧ ، ترجمة الامام علي بن ابي طالب ـ عليهما السلام ـ من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ١ ص ٢٧٨ ح ٣٢٤ و ٣٢٥ ، تذكرة الخواص للسبط ابن الجوزي الحنفي ص ٤١ ، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١١٤ ، احقاق الحق ج ٥ ص ٥٤٦ ، الغدير للأميني ج ٣ ص ٢٠٢.

(٢) وروي انه اخرج رسول الله ـ ـ صلى الله عليه وآله ـ ـ عمه العباس وغيره من المسجد ، فقال له العباس : تخرجنا وتسكن عليا؟ فقال : ما أنا أخرجتكم وأسكنته ، ولكن الله أخرجكم واسكنه. راجع : المستدرك للحاكم ج ٣ ص ١١٧ ، الغدير للأميني ج ٣ ص ٢٠٦.

(٣) تقدمت تخريجاته.

(٤) جاء في ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٨٨ ب ١٧ هذا الحديث باختلاف يسير وهو : أن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ`قام خطيبا فقال : ان رجالا يجدون في انفسهم شيئا ان اسكنت عليا

١٦٩

قال أبو جعفر : ذهب ربع دينك يابن أبي خدرة وهذه منقبة لصاحبي ليس لأحد مثلها ومثلبة لصاحبك ، وأما قولك : (ثاني اثنين إذ هما في الغار) (١) أخبرني هل أنزل الله سكينته على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وعلى المؤمنين في غير الغار؟

قال : ابن أبي خدرة : نعم.

قال أبو جعفر : فقد خرج صاحبك في الغار من السكينة وخصه بالحزن ومكان علي ـ عليه السلام ـ في هذه الليلة (٢) على فراش النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وبذل مهجته دونه أفضل من مكان صاحبك في الغار.

__________________

في المسجد واخرجتهم والله ما اخرجتهم ، واسكنته بل الله اخرجهم واسكنه.

ان الله عز وجل اوحى الى موسى واخيه ان تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة ، واقيموا الصلاة ثم امر موسى ان لا يسكن مسجده ولا ينكح فيه ولا يدخله جنب الا هارون وذريته ، وان عليا مني بمنزلة هارون من موسى وهو اخي ولا يحل لأحد ان ينكح فيه النساء الا علي وذريته فمن ساءه فهاهنا واشار بيده نحو الشام.

(١) سورة التوبة : الاية ٤٠.

(٢) وذلك أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ لما أراد الهجرة خلف علي بن ابي طالب ـ عليه السلام ـ بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده ، وأمره ليلة خرج الى الغار أن ينام على فراشه ، وقال له : اتشح ببردي الحضرمي الأخضر ، فإنه لا يخلص اليك منهم مكروه إن شاء الله تعالى ففعل ذلك فأوحى الله الى جبرئيل وميكائيل ـ عليهما السلام ـ إني آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الأخر ، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختارا كلاهما الحياة ، فأوحى الله عز وجل اليهما : أفلا كنتما مثل علي بن ابي طالب ، آخيت بينه وبين نبيي محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ فبات على فراشه ، يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة ، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه ، فنزلا فكان جبرئيل عند رأس علي وميكائيل عند رجليه ، وجبرئيل ينادي : بخ بخ من مثلك يابن أبي طالب يباهي الله عز وجل به الملائكة؟! فأنزل الله عز وجل إلى رسوله وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي : (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) سورة البقرة : الاية ٢٠٧ ، أسد الغابة ج ٤ ص ٩٥.

١٧٠

فقال الناس : صدقت.

فقال أبو جعفر : يابن أبي خدرة ، ذهب نصف دينك ، وأما قولك ثاني اثنين الصديق من الأمة أوجب الله على صاحبك الاستغفار لعلي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ في قوله عز وجل : (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولأخواننا الذين سبقونا بالايمان) (١) إلى آخر الاية ، والذي ادعيت إنما هو شئ سماه الناس ، وقد قال علي ـ عليه السلام ـ على منبر البصرة : أنا الصديق الأكبر (٢) آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وصدقت قبله.

قال الناس : صدقت.

قال أبو جعفر مؤمن الطاق : يا بن أبي خدرة ، ذهب ثلاثة أرباع دينك ، وأما قولك في الصلاة بالناس ، كنت ادعيت لصاحبك فضيلة لم تقم له ، وإنها إلى التهمة أقرب منها إلى الفضيلة ، فلو كان ذلك بأمر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ لما عزله عن تلك الصلاة بعينها ، أما علمت أنه لما تقدم أبو بكر ليصلي بالناس خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ فتقدم وصلى بالناس وعزله عنها ، ولا تخلو هذه الصلاة من أحد وجهين ، إما أن تكون حيلة وقعت منه فلما أحس النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ بذلك خرج مبادرا مع علته فنحاه عنها لكي لا يحتج بعده على أمته فيكونوا في ذلك معذورين ، وإما أن يكون هو الذي أمره بذلك وكان ذلك مفوضا إليه كما

__________________

(١) سورة الحشر : الاية ١٠.

(٢) فرائد السمطين ج ١ ص ٢٤٨ ح ١٩٢ ، ترجمة امير المؤمنين من تاريخ ابن عساكر ج ١ ص ٦١ ، انساب الاشراف ج ٢ ص ١٤٦ ح ١٤٦.

١٧١

في قصة تبليغ براءة (١) فنزل جبرائيل ـ عليه السلام ـ وقال : لا يؤديها ألا أنت أو رجل منك ، فبعث عليا ـ عليه السلام ـ في طلبه وأخذها منه وعزله عنها وعن تبليغها ، فكذلك كانت قصة الصلاة ، وفي الحالتين هو مذموم لأنه كشف عنه ما كان مستورا عليه ، وذلك دليل واضح لأنه لا يصلح للاستخلاف بعده ، ولا هو مأمون على شئ من أمر الدين.

فقال الناس : صدقت.

قال أبو جعفر مؤمن الطاق : يابن أبي خدرة ذهب دينك كله وفضحت حيث مدحت.

فقال الناس لأبي جعفر : هات حجتك فيما ادعيت من طاعة علي ـ عليه السلام ـ.

فقال أبو جعفر مؤمن الطاق : أما من القرآن وصفا فقوله عز وجل : (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) (٢) فوجدنا عليا ـ عليه السلام ـ بهذه الصفة في القرآن في قوله عز وجل : (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس) ـ يعني في الحرب والتعب ـ (أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) (٣) فوقع الأجماع من الأمة بأن عليا ـ عليه السلام ـ أولى بهذا الأمر من غيره لأنه لم يفر عن زحف قط كما فر غيره في غير موضع.

فقال الناس : صدقت.

وأما الخبر عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ نصا فقال : إني تارك

__________________

(١) سورة التوبة : الاية ١٢٠.

(٢) سورة البقرة : الاية ١٧٧.

١٧٢

فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (١) وقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ مثل أهل بيتى فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، ومن تقدمها مرق ، ومن لزمها لحق (١) فالمتمسك بأهل بيت

__________________

(١) حديث الثقلين هو اشهر من أن يذكر وقد بلغ حد التواتر ، وقد اخرجه أكابر علماء السنة في كتبهم من الصحاح والسنن وممن رواه :

صحيح الترمذي ج ٥ ص ٦٢٢ ح ٣٧٨٨ دار الفكر وج ٢ ص ٣٠٨ ، أسد الغابة في معرفة الصحابة ج ٢ ص ١٢ ، الدر المنثور للسيوطي ج ٦ ص ٧ وص ٣٠٦ ، ذخائر العقبى ص ١٦ ، الصواعق المحرقة ص ١٤٧ وص ٢٢٦ ، ط المحمدية وص ٨٩ ، ط الميمنية بمصر. فرائد السمطين ج ٢ ص ١٤٢ ح ٤٣٦ ـ ٤٤١ ، مسند احمد بن حنبل ج ٣ ص ١٤ وص ١٧ وج ٥ ص ١٨٢ ، صحيح مسلم ج ٤ ، ص ١٨٧٤ ح ٣٧ ، ينابع المودة للقندوزي الحنفي ص ٣٠ وص ٣٦ وص ١٩١ وص ٢٩٦ ، تفسير ابن كثير ج ٤ ، ص ١٢٣ ، جامع الاصول لابن الأثير ج ١ ، ص ١٨٧ ، كنز العمال ج ١ ص ١٨٥ ح ٩٤٢ ـ ٩٤٥ ، عبقات الانوار ج ١ ، ص ٤.

(٢) قول النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ : (ألا ان مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق) هو من الاحاديث المتواترة المشهورة.

راجع : المستدرك ج ٣ ص ١٥٠ ، نضم درر السمطين للترمذي الحنفي ص ٢٣٥ ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٢٧ وص ٣٠٨ ط اسلامبول ، إسعاف الراغبين للصبان الشافعي ص ١٠٩ ط السعيدية وص ١٠٢ ط العثمانية ، فرائد المسطين ج ٢ ص ٢٤٦ ح ٥١٩.

وجاء بلفظ آخر أيضا ، يقول ـ صلى الله عليه وآله ـ : (مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق) تجده في : حلية الاولياء ج ٤ ص ٣٠٦ ، المناقب لابن المغازلي الشافعي ص ١٣٢ ح ١٧٣ ـ ١٧٦ ، ذخائر العقبى للطبري الشافعي ص ٢٠ ، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٦٨ ، الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ ص ٥٣٣ ح ٨١٦٢ ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ١٩٣ ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي الحنفي ج ١ ص ١٠٤.

وقد ورد حديث السفينة ايضا بالفاظ أخرى ، راجع :

المعجم الصغير للطبراني ج ١ ص ١٣٩ ، المستدرك للحاكم ج ٢ ص ٣٤٣ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ ص ٢١٨.

وقال الشافعي في هذا المعنى :

١٧٣

رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ هاد مهتد بشاهدة من الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ ، والمتمسك بغيرهم ضال مضل.

قال الناس : صدقت يا أبا جعفر.

وأما من حجة العقل : فإن الناس كلهم يستعبدون بطاعة العالم ووجدنا الأجماع قد وقع على علي ـ عليه السلام ـ أنه كان أعلم أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وكان جميع الناس يسألونه ويحتاجون إليه ، وكان علي ـ عليه السلام ـ مستغنيا عنهم (١) هذا من الشاهد والدليل عليه من القرآن قوله عز وجل (أفمن يهدي الى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدى إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) (٢) فما اتفق يوم أحسن منه ودخل في هذا الأمر عالم كثير (٣).

__________________

ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم

مذاهبهم في أبحر الغي والجهل

ركبت على أسم الله في سفن النجا

وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل

وامسكت حبل الله وهو ولاؤهم

كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل

انظر : رشفة الصادي لابي بكر بن شهاب الدين الشافعي ص ١٥.

(١) قيل ـ للخليل بن احمد ـ ما الدليل على ان عليا ـ عليه السلام ـ امام الكل في الكل؟

قال : احتياج الكل إليه واستغناؤه عن الكل.

وقيل له : ما تقول في علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ؟

فقال : ما أقول في حق امرئ كتمت مناقبه اولياؤه خوفا واعداؤه حسدا ثم ظهر من بين الكتمانين ما ملأ الخافقين. (سفينة البحار ج ١ ، ص ٤٢٦)

(٢) سورة يونس : الاية ٣٥.

(٣) الاحتجاج للطبرسي ج ٢ ص ٣٧٨ ، بحار الانوار ج ٤٧ ص ٣٩٦ ح ١ ، ضحى الاسلام لأحمد امين ج ٣ ص ٢٧٠ ، الامام الصادق والمذاهب الاربعة ج ٢ ص ٧١.

١٧٤

المناظرة الثانية والثلاثون

مناظرة مؤمن الطاق مع أبي حنيفة (١)

قال أبو حنيفة لمؤمن الطاق يوما من الأيام :

لم لم يطالب علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ بحقه بعد وفاة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ إن كان له حق؟

فأجابه مؤمن الطاق فقال : خاف أن تقتله الجن كما قتلوا سعد بن عبادة (٢) بسهم المغيرة بن شعبة ، وفي رواية بسهم خالد بن الوليد (٣).

__________________

(١) هو : النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه ، مولى تيم الله بن ثعلبة الكوفي ، ويقال إنه من أبناء الفرس ، أحد الأئمة الأربعة السنية صاحب الرأي والقياس والفتاوى المعروفة في الفقه ، ولد بالكوفة سنة ٨٠ ، عاصر بعض معمري الصحابة ، أخذ عن التابعين والامام جعفر الصادق ـ عليه السلام ـ ، تاجر وتولى التدريس والفتيا في الكوفة ، استدعاه المنصور لتولي القضاء في بغداد فرفض فأمر به الى السجن فكان يساط كل يوم حتى توفي في السجن سنة ١٥٠ ه‍ ، وقبره ببغداد في مقبرة خيزران ، له الفقه الأكبر ، ومسند أبي حنيفة.

تجد ترجمته في : الجرح والتعديل ج ٨ ص ٤٤٩ رقم : ٢٠٦٢ ، سير أعلام النبلاء ج ٦ ص ٣٩٠ رقم : ١٦٣ ، تهذيب الكمال ج ٢٩ ص ٤١٧ رقم : ٦٤٣٩ ، المنجد (الاعلام).

(٢) سعد بن عبادة : رئيس الخزرج ، وكان صاحب راية الأنصار يوم بدر ، وأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ صاحب لواء رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أجتمعت الأنصار إليه وكان مريضا فجاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة وأرادوا تأميره ، ولما تم الأمر لأبي بكر امتنع عن مبايعته ، فأرسل إليه أبو بكر ليبايع فقال : لا والله حتى أرميكم بما في كنانتي ، وأخضب سنان رمحي ، وأضرب بسيفي ما أطاعني ، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن تبعني ، ولو اجتمع معكم الجن والأنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي فقال عمر : لا تدعه حتى يبايع ، فقال بشير بن سعد : إنه قد لج وليس بمبايع لكم حتى يقتل ، وليس بمقتول حتى يقتل معه أهله وطائفة من عشيرته ولا

١٧٥

المناظرة الثالثة الثلاثون

مناظرة فضال بن الحسن مع أبي حنيفة

مر الفضال بن الحسن بن فضال الكوفي بأبي حنيفة ، وهو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه وحديثه.

فقال لصاحب كان معه : والله لا أبرح أو أخجل أبا حنيفة.

فقال صاحبه الذي كان معه : إن أبا حنيفة ممن قد علت حالته وظهرت حجته.

__________________

يضركم تركه ، إنما هو رجل واحد فتركوه ، وقبلوا مشورة بشير بن سعد ، واستنصحوه لما بدالهم منه ، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ، ولا يجمع معهم ، ويحج ولا يفيض معهم بافاضتهم ، فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر ، وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج :

وخرج إلى حوران فمات بها ، قيل قتله الجن لأنه بال قائما في الصحراء ليلا ، ورو وا بيتين من شعر قيل : إنهما سمعا ليلة قتله ولم ير قائلهما :

نحن قتلنا سيد الخز

رج سعد بن عباده

ورميناه بسهمين

فلم نخطئ فؤاده

ويقول قوم : إن أمير الشام يومئذ كمن له من رماه ليلا ، وهو خارج إلى الصحراء بسهمين فقتله لخروجه عن طاعة الأمام وقد قال بعض المتأخرين في ذلك :

يقولون : سعد شكت الجن قلبه

ألا ربما صححت دينك بالغدر

وما ذنب سعد أنه بال قائما

ولكن سعدا لم يبايع أبا بكر

وقد صبرت من لذة العيش أنفس

وما صبرت عن لذة النهي والأمر

راجع : تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢١٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٠ ص ١١١ ، تنقيح المقال للمامقاني ج ٢ ص ١٦ رقم : ٦٤٩٩ ، سفينة البحار للقمي ج ١ ص ٦٢٠.

(٣) الاحتجاج للطبرسي ج ٢ ص ٣٨١ ، المناقب لابن شهر اشوب ج ١ ص ٢٧٠ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٧ ص ٢٢٣ بتفاوت.

١٧٦

قال : مه هل رأيت حجة ضال علت على حجة مؤمن! ثم دنا منه فسلم عليه فردها ، ورد القوم السلام بأجمعهم.

فقال : يا أبا حنيفة ، إن أخا لي يقول : إن خير الناس بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ علي (١) بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ وأنا أقول : أبو بكر خير الناس وبعده عمر فما تقول أنت رحمك الله؟ فأطرق مليا ثم رفع رأسه.

فقال : كفى بمكانهما من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كرما وفخرا أما علمت أنهما ضجيعاه في قبره ، فأي حجة تريد أوضح من هذا!.

فقال له فضال : إني قد قلت ذلك لأخي ، فقال : والله لئن كان الموضع لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق ، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ لقد أساءا وما أحسنا إذ رجعا في هبتهما ونسيا عهدهما.

فأطرق أبو حنيفة ساعة ، ثم قال له : لم يكن له ولا لهما خاصة ، ولكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما.

فقال له فضال : قد قلت له ذلك ، فقال : أنت تعلم أن النبي ـ صلى الله

__________________

(١) النصوص النبوية الشريفة الدالة على أفضلية أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ بعد النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ على سائر الناس بلا استثناء مستفيضة جدا ولا تقبل الشك ومنها : قوله ـ صلى الله عليه وآله ـ : (إن وصيي ، وموضع سري ، خير من أترك بعدي ، ينجز عدتي ، ويقضي ديني علي ابن أبي طالب).

راجع : مجمع الزوائد ج ٩ ص ١١٣ ، كنز العمال ج ٦ ص ٦١٠ ح ٣٢٩٥٢ ط ١ ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٣٢ ، وإحقاق الحق ج ٤ ، ص ٧٥ ، وقد تقدمت تخريجات أمثال هذا الحديث.

١٧٧

عليه وآله ـ مات عن تسع نساء ونظرنا فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ، ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر ، فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك؟ وبعد ذلك فما بال عائشة وحفصة ترثان رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وفاطمة ابنته تمنع الميراث؟

فقال أبو حنيفة : يا قوم نحوه عني فإنه رافضي خبيث (١)

__________________

(١) الفصول المختارة ج ١ ص ٤٧ ، كنز الفوائد للكراجكي ج ١ ص ٢٩٤ ، الاحتجاج ج ٢ ص ٣٨٢ ، بحار الأنوار ج ١٠ ص ٢٣١ ح ٢ وج ٤٧ ص ٤٠٠ ح ٢.

١٧٨

المناظرة الرابعة والثلاثون

مناظرة رجل مع أبي الهذيل العلاف (١)

حكي عن أبي الهذيل العلاف ، قال : دخلت الرقة فذكر لي أن بدير زكن رجلا مجنونا حسن الكلام ، فأتيته فإذا أنا بشيخ حسن الهيئة جالس على وسادة يسرح رأسه ولحيته ، فسلمت عليه ، فرد السلام وقال : ممن يكون الرجل؟

قال : قلت : من أهل العراق.

قال : نعم ، أهل الظرف والأدب.

قال : من أيها أنت؟

قلت : من أهل البصرة.

قال : أهل التجارب والعلم.

قال : فمن أيهم أنت؟

قلت : أبو الهذيل العلاف.

قال : المتكلم؟

__________________

(١) أبو الهذيل العلاف : محمد بن الهذيل بن عبيد الله العبدي البصري العلاف ، رأس المعتزلة ، لقب بالعلاف لأن داره بالبصرة كانت في العلافين ، شيخ البصريين في الاعتزال ومن اكبر علمائهم ، وصاحب المقالات في مذهبهم ، ولد في سنة إحدى أو أربع وثلاثين ومائة وتوفي في أول أيام المتوكل سنة خمس وثلاثين ومائتين بسر من رأى وسنه مائة سنة.

راجع : أمالي المرتضى ج ١ ص ١٧٨ ، سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٥٤٢ رقم : ١٧٣ ، طبقات المعتزلة ص ٤٤.

١٧٩

قلت : بلى.

فوثب عن وسادته وأجلسني عليها ، ثم قال ـ بعد كلام جرى بيننا ـ : ما تقولون في الأمامة؟

قلت : أي الأمامة تريد؟

قال : من تقدمون بعد النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ؟

قلت : من قدم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ.

قال : ومن هو؟

قلت : أبا بكر.

قال لي : يا أبا الهذيل ولم قد متم أبا بكر؟

قال : قلت : لأن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قال : (قدموا خيركم وولوا أفضلكم) وتراضي الناس به جميعا (١).

__________________

(١) لم يحصل تراض أو اجماع على بيعة ابي بكر ، فهناك الكثير ممن تخلف من الصحابة عن بيعته وعلى رأسهم أمير المؤمنين علي بن ابي طالب ـ عليه السلام ـ.

وممن ذكر ذلك : صحيح مسلم ج ٥ ص ١٥٢ ط محمد علي صبيح وج ٢ ، ص ٨١ ، ط عيسى الحلبي وج ٥ ، ص ١٥٣ ، ط المكتبة التجارية ، صحيح البخاري ج ٥ ص ٨٢ ط دار الفكر وج ٣ ص ٥٥ ط دار احياء الكتب ، الامامة والسياسة ج ١ ص ١٣ ، مروج الذهب ج ٢ ص ٣٠٧ ، تاريخ الطبري ج ٣ ، ص ٢٠٨ ، العقد الفريد ج ٥ ص ١٣.

وممن تخلف من الصحابة عن بيعة ابي بكر :

١ ـ العباس بن عبد المطلب. ٢ ـ عتبة بن ابي لهب. ٣ ـ سلمان الفارسي. ٤ ـ أبو ذر الغفاري. ٥ ـ عمار بن ياسر. ٦ ـ المقداد. ٧ ـ البراء بن عازب. ٨ ـ أبي بن كعب. ٩ ـ سعد ابن أبي وقاص. ١٠ ـ طلحة بن عبيد الله. ١١ ـ الزبير بن العوام. ١٢ ـ خزيمة بن ثابت. ١٣ ـ فروة بن عمر الأنصاري. ١٤ ـ خالد بن سعيد بن العاص. ١٥ ـ سعد بن عبادة الانصاري ، لم يبايع حتى توفي بالشام في خلافة عمر. ١٦ ـ الفضل بن العباس. وفي مقدمة هؤلاء امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ وبنو هاشم.

١٨٠