مناظرات

الشيخ عبد الله الحسن

مناظرات

المؤلف:

الشيخ عبد الله الحسن


المحقق: الشيخ عبد الله الحسن
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: منشورات شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٤
الجزء ٣ الجزء ٤

بالسوية ، وأبغضتك على قتالك من هو أولى منك بالأمر ، وطلبتك (١) ما ليس لك بحق وواليت عليا على ما عقد له رسولا الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من الولاء (٢) ، وحبه المساكين وإعظامه لأهل الدين ، وعاديتك على سفكك الدماء ، وجورك في القضاء ، وحكمك بالهوى.

قال : فلذلك انتفخ بطنك ، وعطم ثدياك ، وربت عجيزتك.

قالت : يا هذا ، بهند (٣) والله كان يضرب المثل في ذلك لابي.

قال يا معاوية : يا هذه أربعي (٤) ، فإنا لم نقل إلا خيرا ، إنه إذا انتفخ بطن المرأة تم خلق ولدها ، وإذا عظم ثدياها تروى (٥) رضيعها وإذا عظمت عجيزتها رزن مجلسها فرجعت وسكنت.

قال لها : يا هذه هل رأيت عليا؟

قالت : إي والله.

قال : فكيف رأيته؟

قالت : رأيته والله لم يفتنه الملك الذي فتنك ، ولم تشغله النعمة التي شغلتك.

قال : فهل سمعت كلامه؟

قالت : نعم والله ، فكان يجلو القلب من الغمى ، كما يجلو الزيت صدأ الطست.

__________________

(١) الطلبة : الطلب.

(٢) تشير إلى قول النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ (من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه).

(٣) هي : هند بنت عتبة ، أم معاوية.

(٤) ربع : وقف وانتظر وتحبس.

(٥) تروى : ارتوى.

١٢١

قال : صدقت ، فهل لك من حاجة؟

قالت : أو نفعل إذا سألتك؟

قال : نعم.

قالت : تُعطيني مائة ناقة حمراء فيها فحلها وراعيها.

قال : تصنعين بها ماذا؟

قالت : أغذوا بإلبانها الصغار ، وأستحيي بها الكبار ، وأكتسب بها المكارم ، وأصلح بها بين العشائر.

قال : فإن أعطيتك ذلك ، فهل أحُلّ عندك محلّ عليّ بن أبي طالب؟

قال : ماء ولا كصداء ، ومرعى ولا كالسعدان ، وفتى ولا كمالك (١) ، يا سبحان الله ، أو دونه (٢) فأنشأ معاوية يقول :

إذا لم أعد بالحلم مني عليكم

فمن ذا الذي بعدي يؤمل للحلم

خذيها هنيئا واذكري فعل ماجد

جزاك على حرب العداوة بالسلم

ثم قال : أما والله لو كان علي حيا ما أعطاك منها شيئا.

قالت : لا والله ، ولا وبرة واحدة من مال المسلمين (٣).

__________________

(١) صداء : عين لم يكن عندهم ماء أعذب من مائها. والسعدان : نبت ذو شوك ، وهو أفضل مراعي الابل ولا تحسن على نبت حسنها عليه. ومالك : هو ابن نويرة. قد قال أخوة متمم هذا فيه لما قتل في الردة. وهذه أمثلة تضرب للشئ يفضل على أشباهه.

(٢) استفهام إنكاري منها ، أي أولى بك أن تطلب دن محله لا أن تطلب مثل محله.

(٣) العقد الفريد : ج ١ ص ٣٥٢ ، صبح الأعشى : ج ١ ص ٣٠٦ ، بلاغات النساء ص ٧٢.

١٢٢

المناظرة السابعة عشرة

مناظرة برد الهمداني مع عمرو بن العاص

ذكروا أن رجلا من همذان يقال له برد قدم على معاوية ، فسمع عمرا يقع في علي ـ عليه السلام ـ ، فقال له : يا عمرو ، إن أشياخنا سمعوا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه (١) ، فحق ذلك أم باطل؟

فقال عمرو : حق ، وأنا أزيدك أنه ليس أحد من صحابة رسول الله له مناقب مثل مناقب علي (٢) ، ففزع الفتي؟!

__________________

(١) تقمت تخريجاته.

(٢) فقد أطبق الجمهور أنه ما جاء لاحد من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من الفضائل كما جاء لامير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ

قال رجل لابن عباس : سبحان الله ما أكثر مناقب علي ـ عليه السلام ـ وفضائله إني لاحسبها ثلاثة آلاف ، فقال ابن عباس ، أو لا تقول : إنها الى ثلاثين ألفا أقرب.

وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : لو أن الغياض أقلام والبحر مداد والجن حساب والانس كتاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب ـ عليه السلام.

وقال أحمد بن حنبل : ما جاء لاحد من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من الفضائل مثل ما جاء لعلي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ

راجع : المناقب للخوارزمي ص ٣٢ ـ ٣٣ ح ٢ و ٣ ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٢٧٥ ب ٥٨.

وحكي عن محمد بن إدريس الشافعي إمام المذهب الشافهي ، أنه قال في جواب من سأله عن علي ـ عليه السلام ـ : ما أقول في حق من أخفت أولياؤه فضائله خوفا ، وأخفت اعداؤه فضائله حسدا؟ ، وشاع من بين ذين ماملا الخافقين =

١٢٣

فقال عمرو : إنه أفسدها بأمره في عثمان.

فقال برد : هل أمر أو قتل؟

قال : لا ، ولكنه آوي ومنع.

قال : فهل بايعه الناس عليها؟

قال : نعم.

قال : فما أخرجك من بيعته؟

قال : اتهامي إياه في عثمان (١).

قال له : وأنت أيضا قد اتهمت.

قال : صدقت ، فيها خرجت إلى فلسطين.

فرجع الفتي إلي قومه ، فقال : إنا أتينا قوما أخذنا الحجة عليهم من أفواههم ، علي على الحق فاتبعوه (٢).

__________________

راجع : وقائع الايام للخياباني ج ٣ ص ٤٧٤ ، إرشاد القلوب للديلمي ص ٢١٠ ، إلا أنه نسب هذه المقالة إل يبعض الفضلاء.

(١) نعم هكذا كل من اراد ان يقاتل أمير المؤمنين أو يشتمه أو يخرج عن طاعته ، تذرع بقميص عثمان ، فراحوا بهذا القميص يؤججون عليه نار الفتن والمحن ومن ذلك حرب الجمل وصفين وغيرهما.

قال مروان بن الحكم : ما كان احدا أدفع عن عثمان من علي ـ عليه السلام ـ فقيل له : مالكم تسبونه على المنابر؟ قال : إنه لا يستقيم لنا الامر إلا بذلك.

راجع الصواعق المحرقة ص ٥٥ ، ترجمة امير المؤمنين من تاريخ ابن عساكر ج ٣ ص ١٢٧ ح ١١٤٩ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٣ ص ٢٢٠.

نعم لا يستقيم لهم الامر الا بقتاله وشتمه؟! فالله قلب من يرزء بهذه المصائب ، فانا الله وأنا إليه راجعون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، والعاقبة للمتقين.

(٢) الامامة والسياسة لابن قتيبة ج ١ ص ٩٧.

١٢٤

المناظرة الثامنة عشرة

مناظرة حرة (١) بنت حليمة السعدية مع الحجاج بن يوسف الثقفي

لما وردت حرة بنت حليمة السعدية على الحجاج بن يوسف الثقفي ، فمثلت بين يديه.

قال لها : أنت حرة بنت حليمة السعدية؟

قالت له : فراسة من غير مؤمن!

فقال لها : الله جاء بك فقد قيل عنك : إنك تفضلين عليا على أبي بكر وعمر وعثمان.

فقالت : لقد كذب الذي قال : إني أفضله على هؤلاء خاصة.

قال : وعلى من غير هؤلاء؟

قالت : أفضله على آدم ونوع ولوط وإبراهيم وداود وسليمان وعيسى بن مريم ـ عليهم السلام ـ

فقال لها : ويلك إنك تفضلينه على الصحابة وتزيدين عليهم سبعة من الانبياء من أولي العزم من الرسل؟ إن لم تأتيني ببيان ما قالت ، ضربت عنقك.

فقالت : ما أنا مفضلته على هؤلاء الانبياء ، ولكن الله عزوجل فضله عليهم في القرآن بقوله عزوجل في حق آدم : (وعصى آدم ربه

__________________

(١) إحدي المؤمنات المواليات لعلي بن أبي طالب ، عليه السلام ، وإحدي المجاهدات باللسان التي قالت كلمة الحق أمام السلطان راجع : أعلام النساء المؤمنات تأليف محمد الحسون ص ٢٩٥ تحت رقم : ١٩٣.

١٢٥

فغوي) (١) ، وقال في حق علي : (وكان سعيكم مشكورا) (٢).

فقال : أحسن ت يا حرة ، فبم تفضلينه على نوح ولوط؟

فقالت : الله عزوجل فضله عليهما بقوله : (ضرب الله مثلا للذين كفروا إمرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين) (٣) وعلي بن أبي طالب كان ملاكه تحت سدرة المنتهى (٤). زوجته بنت محمد فاطمة الزهراء التي يرضي الله تعالى لرضاها ويسخط لسخطها (٥).

فقال الحجاج : أحسنت يا حرة فبم تفضلينه على أبي الانبياء إبراهيم

__________________

(١) سورة طه : الاية ١٢١.

(٢) سورة الانسان : الاية ٢٢ يأتي الحديث عن هذه السورة وأنها نزلت في أهل البيت ، عليهم السلام ـ فراجع ما اثبتناه من مصادر العامة هناك.

(٣) سورة التحريم : الآية ١٠.

(٤) ومما يروي في تزويج علي ـ عليه السلام ـ بفاطمة ـ عليها السلام ـ ما روي عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ـ أيها الناس هذا الناس علي بن أبي طالب أنتم تزعمون أنني انا زوجته ابنتي فاطمة ولقد خطبها إلي أشراف قريش فلم أجب ، كل ذلك أتوقع الخبر من السماء حتى جاءني جبرائيل ليلة أربع وعشرين من شهر رمضان فقال : يا محمد ، العلي الاعلى يقرأ عليك السلام ، وقد جمع الروحانيين والكروبيين في واد يقال له : الافيج تحت شجرة طوبى وزوج فاطمة عليا وأمرني ، فكنت الخاطب والله تعالى الولي .. الحديث ، راجع ، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص ٢٩٩ ، الغدير ج ٢ ص ٣١٥.

(٥) اشارة الى قول رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حق فاطمة ـ عليها السلام ـ «إن الله يغضب لغضبك ويرضي لرضاك». راجع : المستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٥٤ ، الاصابة ج ٤ ص ٢٧٨ ، كنز العمال ج ١٢ ص ١١١ ح ٣٤٢٣٧ وح ٣٤٢٣٨ ، جواهر البحار للبناني ج ١ ص ٣٦٠ ، فرائد السمطين ج ٢ ص ٤٦ ح ٣٧٨ ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص ٣٥١ ح ٤٠١ ، أسد الغابة ج ٥ ص ٥٢١ ، تهذيب التهذيب ج ١٢ ص ٤٤١ ، ذخائر العقبى ص ٣٩ ، مقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٥٢ ، مجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٠٣ ، الصواعق المحرقة ص ١٩٠ ح ٥ ، فضائل الخمسة ج ٣ ص ١٨٤ ، الغدير ج ٢٠ ٣ وص ١٨٠.

١٢٦

خليل الله؟

فقالت : الله عزوجل فضله بقوله : (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) (١) ومؤلاى أمير المؤمنين قال قولا لا يختلف فيه أحد من المسلمين : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا (٢) ، وهذه كلمة ما قالها أحد قبله ولا بعده.

فقال : أحسنت يا حرة فبم تفضلينه على موسى كليم الله؟

قالت : يقول الله عزوجل : (فخرج منها خائفا يترقب) (٣) وعلي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ بات على فراش رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لم يخف حتى أنزل الله تعالى في حقه : (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) (٤).

قال الحجاج : أحسنت يا حرة فبم تفضلينه على داود وسليمان ـ عليهما السلام ـ؟

قالت : الله تعالى فضله عليهما بقوله عزوجل : (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) (٥).

__________________

(١) سورة البقرة : الاية ٢٦٠.

(٢) المناقب للخوارزمي ص ٣٧٥ ح ٣٩٥ ، ينابيع المودة ص ٦٥ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٧ ص ٢٥٣ ، احقاق الحق ج ٥ ص ٤٨ وج ٧ ص ٦٠٥ ـ ٦٠٧ وج ١٧ ص ٤٦١. ولله در البوصيري إذ يقول في هذا المعنى في همزيته العصماء :

ووزير ابن عمه في المعالي

ومن الأهل تسعد الوزراء

لم يزده كشف الغطاء يقينا

بل هو الشمس ما عليه غطاء

(٣) سورة القصص : الاية ١٨.

(٤) سورة البقرة : الاية ٢٠٧. تقدم الحديث عن هذه الاية وانها نزلت في امير المؤمنين ، فراجع ما اثبتناه من مصادر العامة.

(٥) سورة ص : الاية ٢٦.

١٢٧

قال لها : في أي شئ كانت حكومته؟

قالت : في رجلين رجل كان له كرم والاخر له غنم ، فنفشت الغنم بالكرم فرعته فاحتكما إلى داود ـ عليه السلام ـ فقال : تباع الغنم وينفق ثمنها على الكرم حتى يعود إلى ما كان عليه ، فقال له ولده : لا يا أبة بل يؤخذ من لبنها وصوفها ، قال الله تعالى : (ففهمناها سليمان) (١).

وإنَّ مولانا أمير المؤمنين عليا ـ عليه السلام ـ قال : سلوني عما فوق العرش ، سلوني عما تحت العرش (٢) ، سلوني قبل أن تفقدوني (٣) ، وإنه ـ عليه السلام ـ دخل على رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يوم فتح خيبر فقال النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ للحاضرين : أفضلكم وأعلمكم وأقضاكم علي (٤).

فقال لها : أحسنت فبم تفضلينه على سليمان؟

فقالت : الله تعالى فضله عليه بقوله تعالى : (رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي) (٥) ومولانا أمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ

__________________

(١) سورة الانبياء : الاية ٧٩.

(٢) كنز العمال ج ١٣ ص ١٦٥ ح ٣٦٥٠٢ ، ارشاد القلوب للديلمي ص ٣٧٧ ، بحار الانوار ج ١٠ ص ١٢٦ ح ٦ ، مشارق انوار اليقين ص ١٧٨.

(٣) نهج البلاغة (صبحي الصالح) ص ٢٨٠ خطبة ١٨٩ وص ١٣٧ خطبة ٩٣ ، تهذيب التهذيب ج ٧ ص ٣٣٨ كنز العمال ج ١٣ ص ١٦٥ ح ٣٦٥٠٢ ، حلية الاولياء ج ١ ص ٦٥ ، ينابيع المودة ب ١٤ في غزارة علمه (ع) ص ٦٦ ، التوحيد للصدوق ص ٩٢ ح ٦ وص ٣٠٤ ح ١ ، امالي الشيخ الصدوق ص ١ ج ٢٨٠ ، الطرائف للسيد بن طاووس ص ٧٣ ح ٩٠ ، بحار الانوار ج ١٠ ص ١٢٨ ح ٧ وج ٤٠ ص ١٥٣ وج ٤١ ص ٣٤٨ ح ٦١ ، الغدير للاميني ج ٦ ص ١٩٣.

(٤) الفضائل لابن شاذان ص ١٣٨ ، بحار الانوار ج ٤٦ ص ١٣٦ ح ٢٥ ، عوالم العلوم ج ١٨ ص ١٨٩ ح ١ ، احقاق الحق ج ٥ ص ٤٨.

(٥) سورة ص : الاية ٣٥.

١٢٨

قال : طلقتك يا دنيا ثلاثا لا حاجة لي فيك (١) ، فعند ذلك أنزل الله تعالى فيه : (تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا) (٢).

فقال : أحسنت يا حرة فبم تفضلينه على عيسى بن مريم ـ عليه السلام ـ؟

قالت : الله تعالى عزوجل فضله بقوله تعالى : (إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وامي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ، ما قلت لهم إلا ما أمرتني به) (٢) الاية. فأخر الحكومة إلى يوم القيامة ، وعلي ابن أبي طالب لما ادعوا النصيرية (٣) فيه ما ادعوه ، قتلهم (٤) ولم يؤخر حكومتهم ، فهذه كانت فضائله لم تعد بفضائل غيره.

قال : أحسنت يا حرة خرجت من جوابك ، ولو لا ذلك لكان ذلك ، ثم أجازها وأعطاها وسرحها سراحا حسنا رحمة الله عليها (٥).

__________________

(١) راجع : نهج البلاغة (صبحي الصالح) ص ٤٨٠ الخطبة ٧٧ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١٨ ص ٢٢٤ ، بحار الانوار ج ٤٠ ص ٣٤٥ ح ٢٨ ، حلية الابرار ج ٢ ص ٢١٢ ح ٥ ، خصائص الائمة (عليهم السلام) للشريف الرضي ص ٧٠.

(٢) سورة القصص : الاية ٨٣.

(٣) سورة المائدة : الاية ١١٦ ـ ١١٧.

(٤) النصيرية : طائفة من الغلاة السبأية وملخص مقالتهم في الائمة من أهل البيت ـ عليهم السلام ـ : أنهم روح اللاهوت ، وقد نقل ابن حزم في الفصل ج ٤ ص ١٤٢ والشهرستاني في الملل والنحل بهامش الفصل ج ٢ ص ٢٢ وغيرهما تفصيل مقالاتهم ، وقال الشهرستاني عنهم : غلبوا في وقتنا هذا على جند الاردن بالشام وعلى مدينة طبرية خاصة ولقد افترى الشهر ستاني وابن حزم في عد هذه الطائفة من فرق الشيعة.

(٥) انظر : شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ٨ ص ١١٩ ـ ١٢٠.

(٦) الفضائل لابن شاذان ص ١٣٧ ، بحار الانوار ج ٤٦ ص ١٣٤ ج ٢٥ ، رياحين الشريعة ج ٤ ص ١٤٤.

١٢٩

المناظرة التاسعة عشرة

مناظرة الحسن البصري (١) مع الحجاج

قال عامر الشعبي : قدمنا على الحجاج البصرة ، وقدم عليه قراء أهل المدينة ، فدخلنا عليه في يوم صائف شديد الحر ، فقال للحسن : مرحبا بأبي سعيد ، إلي ـ وذكر كلاما ـ ثم ذكر الحجاج عليا ـ عليه السلام ـ فنال منه ، وقلنا قولا مقاربا له فرقا من شره ، والحسن ساكت عاض على إبهامه ، فقال : يا أبا سعيد مالي أراك ساكتا؟

فقال : ما عسيت أن أقول.

قال : أخبرني برأيك في أبي تراب؟

قال : أفي علي؟ سمعت الله يقول : (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله) (٢) فعلي ممن هدى الله ، ومن أهل الأيمان.

وأقول : إنه ابن عم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وختنه على ابنته ،

__________________

(١) هو : الحسن بن أبي الحسن يسار ، أبو سعيد ، ولد قبل مقتل عمر بعامين في المدينة ، كانت امه مولاة لأم سلمة زوج رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عاصر كبار الصحابة وروى عن عدد منهم ، وكان من الرؤوس في التابعين ، مات سنة ١١٠ ه‍. راجع ترجمته في : التاريخ الكبير للبخاري ج ٢ ص ٢٨٩ ، حلية الاولياء ج ٢ ص ١٣١ ، طبقات ابن سعد ج ٧ ص ١٥٦ ، سير اعلام النبلاء ج ٤ ص ٥٦٣ ، تهذيب الكمال ج ٦ ص ٩٥.

(٢) سورة البقرة : الاية ١٤٣.

١٣٠

أحب الناس إليه (١) ، وصاحب سوابق مباركات سبقت له من الله ، ولا تستطيع أنت ولا أحد من الناس أن يحصرها عنه ، ولا يحول بينها وبينه.

ونقول : إنه إن كانت لعلي ذنوب فالله حسيبه والله ما أجد قولا أعدل فيه من هذا القول.

قال الشعبي : فبسر الحجاج وجهه ، وقام عن السرير مغضبا ، وخرجنا (١).

__________________

(١) جاء في كنز العمال ج ١١ ص ٣٣٤ ح ٣١٦٧٠ ، والرياض النضرة ج ٢ ص ٢١١ ، والمناقب لابن المغازلي ص ٢١٩ ، عن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ قال : علي أحب خلق الله إلى الله ورسوله.

(٢) انساب الأشراف للبلاذري ج ٢ ص ١٤٧ ح ١٤٨.

١٣١

المناظرة العشرون

مناظرة أبان بن عياش (١) مع الحسن البصري

روى أبان بن عياش ، قال : سألت الحسن البصري عن علي ـ عليه السلام ـ.

فقال : ما أقول فيه! كانت له السابقة ، والفضل والعلم والحكمة والفقه والرأي والصحبة والنجدة والبلاء والزهد والقضاء والقرابة ، إن عليا كان في أمره عليا ، رحم الله عليا ، وصلى عليه!

فقلت : يا أبا سعيد ، أتقول : (صلى عليه) لغير النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم!

فقال : ترحم على المسلمين إذا ذكروا ، وصل على النبي وآله وعلى خير آله.

__________________

(١) هو : ابان بن ابى عياش ، واسمه فيروز ، وقيل دينار ، مولى عبد القيس العبدي أبو اسماعيل البصري ، روى عن علي بن الحسين ـ عليهما السلام ـ وروى عن ابراهيم بن يزيد النخعي وانس بن مالك والحسن البصري وسعيد بن جبير ، وهو الذي آوى سليم بن قيس الهلالي وهو من أصحاب امير المؤمنين ـ عليهم السلام ـ وكان هاربا من الحجاج لانه طلبه لقتله فآواه ، فلما حضرته الوفاة ، قال لأبان : ان لك علي حقا وقد حضرتني الوفاة يابن اخي انه كان من امر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كيت وكيت واعطاه كتابا ، وهو كتاب سليم بن قيس الهلالي رواه عنه ابان بن عياش ، وعد من اصحاب السجاد والباقر والصادق ـ عليهم السلام ـ توفي في اول رجب سنة ١٣٨ ه‍ وقيل انه بقي حيا الى بعد سنة ١٤٠ ه‍.

تجد ترجمته في : تهذيب الكمال ج ٢ ص ١٩ وص ٢٣ ، ميزان الاعتدال ج ١ ص ١٤ ، تهذيب التهذيب ج ١ ص ٩٩ ، الفهرست للطبرسي ص ٨١ ، تنقيح المقال ج ١ ص ٣.

١٣٢

فقلت : أهو خير من حمزة وجعفر؟

قال : نعم.

قلت : وخير من فاطمة وابنيها؟

قال : نعم ، والله إنه خير آل محمد كلهم ، ومن يشك أنه خير منهم ، وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : (وأبوهما خير منهما) (١)! ولم يجر عليه اسم شرك ، ولا شرب خمر ، وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لفاطمة ـ عليها السلام ـ : (زوجتك خير أمتي) (٢) ، فلو كان في أمته خير منه لاستثناه ، ولقد آخى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بين أصحابه ، فآخى بين علي ونفسه ، فرسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ خير الناس نفسا ، وخيرهم أخا.

فقلت : يا أبا سعيد ، فما هذا الذي يقال عنك إنك قلته في علي؟

فقال : يا بن أخي ، أحقن دمي من هؤلاء الجبابرة ، ولو لا ذلك لسالت بي الخشب (٣).

__________________

(١) المعجم الكبير للطبراني ج ١٩ ص ٢٩٢ ح ٦٥٠ ، مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٨٣ ، المستدرك للحاكم ج ٣ ص ١٦٧ ، ذخائر العقبى ص ١٢٩ ، تاريخ بغداد ج ١ ص ١٤٠ وللحديث مصادر اخرى.

(٢) مناقب الخوارزمي ص ١٠٦ ح ١١١ ، تاريخ ابن عساكر ج ١ ص ٢٦٣ ح ٣٠٥ و ٣٠٦ ، مسند أحمد ج ٥ ص ٢٦ ، فضائل الصحابة ج ٢ ص ٧٦٤ ح ١٣٤٦ ، وللحديث مصادر كثيرة جدا.

(٣) شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ج ٤ ص ٩٦.

١٣٣

المناظرة الحادية والعشرون

مناظرة رجل من بني هاشم مع عمر بن عبد العزيز الأموي (١)

بينا عمر بن عبد العزيز جالسا في مجلسه ، دخل حاجبه ومعه امرأة أدماء (٢) طويلة حسنة الجسم والقامة ، ورجلان متعلقان بها ، ومعهم كتاب من ميمون بن مهران إلى عمر ، فدفعوا إليه الكتاب ، ففضه فإذا فيه :

بسم الله الرحمن الرحيم : إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ، من ميمون بن مهران ، سلام عليك ورحمة الله وبركاته ، أما بعد ، فإنه ورد علينا أمر ضاقت به الصدور ، وعجزت عنه الأوساع (٣) ، وهربنا بأنفسنا عنه ، ووكلناه إلى عالمه ، لقول الله عز وجل : (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) (٤) وهذه المرأة والرجلان أحدهما زوجها والاخر أبوها ، وإن أباها يا أمير المؤمنين زعم أن زوجها حلف بطلاقها أن علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ خير

__________________

(١) هو : أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ولي بعهد من سليمان بن عبد الملك يوم الجمعة لعشرة خلون من صفر سنة ٩٩ ه‍ ، وبقي واليا إلى أن مات يوم الجمعة لخمس بقين من شهر رجب سنة ١٠١ ه‍.

انظر : تهذيب الكمال ج ٢١ ص ٤٣٢ ، سير أعلام النبلاء : ج ٥ ص ١١٤.

(٢) أدماء : جمع أدم ، وهو الأسمر.

(٣) الأوساع : جمع وسع ، وهو الطاقة.

(٤) سورة النساء الاية : ٨٣.

١٣٤

هذه (١) الامة وأولاها برسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، وإنه يزعم أن ابنته طلقت منه ، وأنه لا يجوز له في دينه أن يتخذه صهرا ، وهو يعلم أنها حرام عليه كأمه ، وإن الزوج يقول له : كذبت وأثمت ، لقد بر قسمي ، وصدقت مقالتي ، وإنها امرأتي على رغم أنفك ، وغيظ قلبك ، فاجتمعوا إلي يختصمون في ذلك.

فسألت الرجل عن يمينه ، فقال : نعم ، قد كان ذلك ، وقد حلفت بطلاقها أن عليا خير هذه الأمة وأولاها برسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ، عرفه من عرفه ، وأنكره من أنكره ، فليغضب من غضب ، وليرض من رضي ، وتسامع الناس بذلك ، فاجتمعوا له ، وإن كانت الألسن مجتمعة فالقلوب شتى ، وقد علمت يا أمير المؤمنين اختلاف الناس في أهوائهم ، وتسرعهم إلى ما فيه الفتنة ، فأحجمنا عن الحكم لتحكم بما أراك الله وإنهما تعلقا بها ، وأقسم أبوها ألا يدعها معه ، وأقسم زوجها ألا يفارقها ولو ضربت عنقه إلا أن يحكم عليه بذلك حاكم لا يستطيع مخالفته والامتناع منه ، فرفعناهم إليك يا أمير المؤمنين ، أحسن الله توفيقك

__________________

(١) كما نص على ذلك النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بقوله : (علي خير من أتركه بعدي).

راجع مواقف الأيجي ج ٣ ص ٢٧٦ ، مجمع الزاوئد ج ٩ ص ١١٣ ، الغدير للاميني ج ٣ ص ٢٢ ، وأيضا روى عنه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال : (علي خير البشر فمن أبي فقد كفر).

راجع : كفاية الطالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج ٢ ص ٤٤٤ ح ٩٥٥ ـ ٩٥٨ ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٢٤٦ ط اسلامبول وص ٢٩٣ ط الحيدرية وج ٢ ص ٧١ ط العرفان صيدا ، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٣٥ ، ميزان الاعتدال للذهبي ج ٢ ص ٢٧١ ، كنوز الحقائق ص ٩٨ ط بولاق ، احقاق الحق للتستري ج ٤ ص ٢٥٤ ، تاريخ بغداد للخطيب ج ٤ ص ١٥٤ وج ٧ ص ٤٢١ ، فرائد السمطين ج ١ ص ١٥٤ ح ١١٦٠ ، الغدير للاميني ج ٣ ص ٢٢.

١٣٥

وأرشدك!

وكتب في أسفل الكتاب :

إذا ما المشكلات وردن يوما

فحارت في تأملها العيون

وضاق القوم ذرعا عن نباها

فأنت لها أبا حفص أمين

لأنك قد حويت العلم طرا

وأحكمك التجارب والشئون

وخلفك الإله على الرعايا

فحظك فيهم الحظ الثمين

قال : فجمع عمر بن عبد العزيز بني هاشم وبني أمية وأفخاذ قريش ، ثم قال لأبي المرأة : ما تقول أيها الشيخ؟

قال : يا أمير المؤمنين ، هذا الرجل زوجته ابنتي ، وجهزتها إليه بأحسن ما يجهز به مثلها ، حتى إذا أملت خيره ، ورجوت صلاحه ، حلف بطلاقها كاذبا ، ثم أراد الأقامة معها.

فقال له عمر : يا شيخ ، لعله لم يطلق امرأته ، فكيف حلف؟

قال الشيخ : سبحان الله! الذي حلف عليه لأبين حنثا وأوضح كذبا من أن يختلج في صدري منه شك ، مع سني وعلمي ، لأنه زعم أن عليا خير هذه الأمة وإلا فامرأته طالق ثلاثا.

فقال للزوج : ما تقول؟ أهكذا حلفت؟

قال : نعم.

فقيل : إنه لما قال : نعم ، كاد المجلس يرتج بأهله ، وبنو أمية ينظرون إليه شزرا ، إلا أنهم لم ينطقوا بشئ ، كل ينظر إلى وجه عمر.

فأكبَّ عمر مليا ينكت الأرض بيده والقوم صامتون ينظرون ما يقوله ، ثم رفع رأسه وقال :

إذا ولي الحكومة بين قوم

أصاب الحق والتمس السدادا

١٣٦

وما خير الإمام إذا تعدى

خلاف الحق واجتنب الرشادا

ثم قال للقوم : ما تقولون في يمين هذا الرجل؟ فسكتوا.

فقال : سبحان الله! قولوا.

فقال رجل من بني أمية : هذا حكم في فرج ، ولسنا نجترئ على القول فيه ، وأنت عالم بالقول ، مؤتمن لهم وعليهم ، قل ما عندك ، فإن القول ما لم يكن يحق باطلا ويبطل حقا جائز علي في مجلسي.

قال : لا أقول شيئا ، فالتفت إلى رجل من بني هاشم من ولد عقيل بن أبي طالب ، فقال له : ما تقول فيما حلف به هذا الرجل يا عقيلي؟

فاغتنمها ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن جعلت قولي حكما ، أو حكمي جائزا قلت ، وإن لم يكن ذلك فالسكوت أوسع لي ، وأبقى للمودة. قال : قل وقولك حكم ، وحكمك ماض.

فلما سمع ذلك بنو أمية قالوا : ما أنصفتنا يا أمير المؤمنين إذ جعلت الحكم إلى غيرنا ، ونحن من لحمتك وأولي رحمك!

فقال عمر : اسكتوا أعجزا ولؤما! عرضت ذلك عليكم آنفا فما انتدبتم له.

قالوا : لأنك لم تعطنا ما أعطيت العقيلي ، ولا حكمتنا كما حكمته.

فقال عمر : إن كان أصاب وأخطأتم ، وحزم وعجزتم ، وأبصر وعميتم ، فما ذنب عمر ، لا أبا لكم! أتدرون ما مثلكم؟

قالوا : لا ندري.

قال : ليكن العقيلي يدري ، ثم قال : ما تقول يارجل؟

قال : نعم يا أمير المؤمنين ، كما قال الأول :

دعيتم إلى أمر فلما عجزتم

تناوله من لا يداخله عجز

١٣٧

فلما رأيتم ذاك أبدت نفوسكم

نداما وهل يغني من الحذر الحرز

فقال عمر : أحسنت وأصبت ، فقل ما سألتك عنه.

قال : يا أمير المؤمنين ، بر قسمه ، ولم تطلق امرأته. قال : وأنى علمت ذاك؟

قال : نشدتك الله يا أمير المؤمنين ، ألم تعلم أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ قال لفاطمة ـ عليها السلام ـ وهو عندها في بيتها عائد لها : يا بنية ، ما علتك؟

قالت : الوعك يا أبتاه ـ وكان علي ـ عليه السلام ـ غائبا في بعض حوائج النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ.

فقال لها : أتشتهين شيئا؟

قالت : نعم أشتهي عنبا ، وأنا أعلم أنه عزيز ، وليس وقت عنب.

فقال ـ صلى الله عليه وآله ـ : إن الله قادر على أن يجيئنا به ، ثم قال : اللهم ائتنا به مع أفضل أمتي عندك منزلة.

فطرق علي الباب ، ودخل ومعه مكتل قد ألقى عليه طرف ردائه.

فقال له النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ : ما هذا يا علي؟

قال : عنب التمسته لفاطمة ـ عليها السلام ـ.

فقال : الله أكبر الله أكبر ، اللهم كما سررتني بأن خصصت عليا بدعوتي فاجعل فيه شفاء بنيتي ، ثم قال : كلي على اسم الله يا بنية.

فأكلت ، وما خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ حتى استقلت وبرأت.

فقال عمر : صدقت وبررت ، أشهد لقد سمعته ووعيته ، يا رجل ، خذ بيد امرأتك فإن عرض بك أبوها فاهشم أنفه. ثم قال : يا بني عبد

١٣٨

مناف ، والله ما نجهل ما يعلم غيرنا ، ولا بنا عمى في ديننا ، ولكنا كما قال الأول :

تصيدت الدنيا رجا لابفخها

فلم يدركوا خيرا بل استقبحوا الشرا

وأعماهم حب الغنى وأصمهم

فلم يدركوا إلا الخسارة والوزرا

قيل : فكأنما ألقم بني أمية حجرا ، ومضى الرجل بامرأته.

وكتب عمر إلى ميمون بن مهران :

عليك سلام ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد ، فإني قد فهمت كتابك ، وورد الرجلان والمرأة ، وقد صدق الله يمين الزوج ، وأبر قسمه ، وأثبته على نكاحه ، فاستيقن ذلك ، واعمل عليه ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته (١).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٢٠ ص ٢٢٢.

١٣٩

المناظرة الثانية والعشرون

مناظرة هشام بن الحكم (١) مع بعض المتكلمين في مجلس الرشيد

قال هارون الرشيد لجعفر بن يحيى البرمكي : إني أحب أن أسمع كلام المتكلمين من حيث لا يعلمون بمكاني فيحتجون عن بعض ما يريدون ، فأمر جعفر المتكلمين فأحضروا داره ، وصار هارون في مجلس

__________________

(١) هو : هشام بن الحكم أبو محمد ، مولى كندة ، وكان ينزل ببني شيبان بالكوفة وكان مولده بالكوفة ، ومنشؤه واسط ، وتجارته ببغداد ثم انتقل إليها في آخر عمره سنة تسع وتسعين ومائة ، وقيل هذه السنة هي سنة وفاته ، عين الطائفة ووجهها ومتكلمها وناصرها ، من ارباب الاصول ، وله نوادر وحكايات ولطائف ومناظرات ، ممن اتفق علماؤنا على وثاقته ، ورفعة شأنه ومنزلته عند أئمتنا المعصومين ـ عليهم السلام ـ وممن دعا له الأمام الصادق ـ عليه السلام ـ فقال : اقول لك ما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لحسان : لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك ، وبلغ من مرتبته وعلوه عند ابي عبد الله جعفر بن محمد ـ عليهما السلام ـ انه دخل عليه بمنى وهو غلام اول ما اختط عارضاه وفي مجلسه شيوخ الشيعة كحمران بن اعين وقيس الماصر ويونس بن يعقوب وابي جعفر الأحول وغيره فرفعه على جماعتهم وليس فيهم الا من هو اكبر منه سنا فلما رأى أبو عبد الله ـ عليه السلام ـ ان ذلك الفعل كبر على اصحابه قال : هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ، وكان هشام ممن فتق الكلام في الأمامة ، وهذب المذهب بالنظر ، وكان حاذقا بصناعة الكلام ، حاضر الجواب ، وكان ثقة بالروايات حسن التحقيق بهذا الأمر ، وكانت له مباحث كثيرة مع المخالفين في الأصول وغيرها ، عد في أصحاب الصادق والكاظم ـ عليهما السلام ـ ، وتوفي بعد نكبة البرامكة بمدة يسيرة متسترا وقيل في خلافة المأمون ، وكان لاستتاره قصة مشهورة في المناظرات.

راجع : رجال النجاشي ص ٤٣٣ رقم : ١١٦٤ ، سفينة البحار ج ٢ ص ٧١٩ ، رجال العلا مة ص ١٨٧ ، رجال الطوسي ص ٣٢٩ ، رقم : ١٨ وص ٣٦٢ ، رقم : ١ ، سير أعلام النبلاء ج ١٠ ص ٥٤٣ رقم : ١٧٤ ، تنقيح المقال للمامقاني ج ٣ ص ٢٩٤.

١٤٠