الشيخ الطوسي مفسراً

خضير جعفر

الشيخ الطوسي مفسراً

المؤلف:

خضير جعفر


الموضوع : التراجم
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-424-589-X
الصفحات: ٣٢٠

١
٢

٣

٤

٥
٦

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

وبعد : فقد كان القرآن الكريمُ ولايزال موضعَ احترامِ المسلمين وتقديسهم ، فمنه يستمدّون أُسُسَ اعتقاداتهم ، ويستلهمونَ من آياته ماتصلحُ به أُمورُ دينهم ودنياهم ، وينهلون من فيضه قِيمَهم وأفكارَهم ومعاييرَ سلوكِهم ، فنشأتِ العلاقةُ بين القرآن والإنسان المسلم على هذا الأساسِ ، وظلّت تتعمّقُ الصلات بينهما وتتجذّر الأَواصِرُ بتناسبٍ طردي مع وَعْي الإنسانِ والتزامِه.

ولقد استطاع القرآنُ الكريمُ أن يقفزَ بالمؤمنين به قفزاتٍ عملاقةً على صَعيدِ الفكر والسلوك والبناءِ الحضاريّ والمحتوى الداخلي للإنسانِ ؛ وبالتالي فقد جعل منهم أُمةً وسطاً شاهدةً على الخلقِ ، ونصبَ من العاملين به خلفاءَ لله على أرضه وحُجَجاً على عباده.

وارتبط المسلمون بهذا الدستور الإلهي أيّما ارتباطٍ ، ومنحوه من العنايةِ والاهتمام ماوسِعَتْهم الحيلةُ وأسعَفَهُم الجهدُ والإمكان ، ولذلك انصبّت جُهودُ العلماء على اكتشاف خزائنِ عطائه وكنوزِ خيراته من خلال توضيح معانيه واستنطاقِ آياتِه واستجلاءِ حقائِقِهِ وتبيانِ مفاهيمه ، وتنافسوا في ذلك مستفرغين الوُسْعُ ، فتشعّبتْ مذاهبُهم وأتحفوا المكتبة

٧

الإسلاميّة بما لاحصر له من التفاسير التي ستبقى ـ رغم ما فيها من جوانبَ مشرقةٍ ـ قاصرةً عن إدراك كُنْهِ المعجزة الإلهيّة وأسرار النصّ القرآني.

وقد حظي القرآن الكريم باهتمام المسلمين جميعاً بمختلف مذاهبهم وطرائقهم ، إذ انبرى له من كلّ مذهب جمع من خِيرة العلماء والمتخصّصين لدراسته والغوصِ في بحارمفاهيمه ومعانيه ؛ وقد كان للشيعة الإماميّة شرفُ المساهمةِ في استجلاء معاني النصّ القرآني ، حيث تطوّع جمعٌ من علمائهم على مرّ العصور المتعاقبة لتفسير القرآن الكريم ، وتوضيح آياته واستنباط أحكامه وتشريعاته.

وقد شهد القرن الخامس الهجري ولادةَ كتابٍ يحتوي على تفسير جميع القرآن ، ويشتمل على فنون معانيه ١ لواحدٍ من أكبر علماء عصره هو الشيخُ الطوسي ـ زعيم المذهب الإمامي آنذاك ـ الذي استطاع أن يقومَ بعمليّةِ تطويرٍ واضحةِ المعالمِ في المنهجِ التفسيري الذي تَبنّاه في تبيانه.

وقد تصدّيتُ بعد التوكّل على الله تعالى لخوض غمارِ دراسةٍ حولَ الشيخ الطوسي ومنهجه في التفسير ، فكانت رسالتي الموسومة الطوسي مفسراً جُهداً متواضعاً على شواطِئ بحر العظمة القرآنيّة التي غاص في عُباب رحمتِها الشيخُ الطوسي ؛ ليحمل من لآلِئها مايُزيّنُ بها تبيانَهُ ، ويتقلّدها وِسامَ فخرٍ يغالبُ الزمنَ ، وتنقشه ريشةُ الخُلودِ عطاءً ثَراً وسِفْراً خالداً وشجرةً مباركةً تُؤتي أُكُلَها كلَّ حينٍ ذِكراً حَسناً وثناءً جميلاً.

ولعلّ بواعثَ اختياري لهذا الموضوع هي ما يلي :

١. كونُ تفسيرِ التبيان أوَلَ محاولةٍ تفسيريّةٍ كاملةٍ عند الشيعةِ الإماميّةٍ.

٢. كونُ الشيخِ الطوسي ، فقيهاً مجتهداً استطاعَ أن يتعاملَ مع النصّ القرآني بِذهْنيّةٍ إسلاميّةٍ ذات طابعٍ شُمُولي لإحاطة المفسّر بأكثرِ جوانبِ العلومِ والثقافةِ الإسلاميّة فضلاً عن كونِه مؤسِّساً للحوزةِ العلميّة في النجفِ الأشرفِ ، والتي أصبحتْ فيما بعد من أهمِّ وأكبرِ الجامعاتِ في العالم الإسلامي.

__________________

١. انظر التبيان ، ج ١ ، ص ١.

٨

٣. سلكَ المفسّرُ في تفسيره منهجاً ثنائيَّ الاتّجاهِ جمع فيه منهجَ التفسير بالرأي إلى جانب منهج التفسير بالأثر ، وبهذا يكون ُالشيخ الطوسي قد أقام التفسيرَ على دعامتي العقلِ والنقلِ بعد أن كان مستنداً إلى دِعامةِ النقلِ وحدَها.

٤. استطاع الشيخُ الطوسي من خلال تَطرُّقه إلى الأبواب المتعدِّدَةِ في تفسيره ، أن يحفظَ تُراثاً فكريّاً وثقافيّاً ولغويّاً ضخماً سواء عندَ مناقشتهِ لآراء أصحاب المذاهبِ الإسلاميّة أو آراء النحاة واللغويّين فيما يذهبون إليه.

٥. كان الشيخ الطوسي يتحلّى بروحٍ موضوعيّةٍ عاليةٍ ونزعةٍ علميّةٍ نزيهةٍ ، ويظهرُ ذلك جليّاً من خلال سرده لآراءِ من يختلف معهم من علماءِ المدارس الإسلاميّة وأصحاب المذاهب والمقالات وذلك أثناء مناقشته لهم وردوده عليهم بعيداً عن كلّ تعصّبٍ ذميمٍ أو تحجّر ممقوت ، حيث كان يقبل من آراء الآخرين ما يراه صحيحاً ، بينما يرفضُ أو يُضعّف مالاينسجم والمنهج العلمي الذي آمن به ، وإن كان من المرويّات المنسوبة إلى أئمّة أهلِ البيت عليهم‌السلام وبهذا يكون الطوسي عالماً باحثاً عن الحقيقةِ مؤمناً بها رافضاً لما سواها بغضِّ النظر عن كلّ اعتبارٍ آخر.

ولهذا فقد جاءت دراستي هذه محاولةً منّي للكشف عن جوانب العَظمةِ في شخصيّةِ الشيخ الطوسي وآثارِه العظيمةِ التي يشكّل التبيانُ أحدَ دعائمها.

وقد تناولت في هذه الدراسةَ ثلاثة أبوابٍ وخاتمةٍ :

ففي البابِ الأوّلِ تحدّثتُ بفصلين عن حياةِ الشيخ الطوسي وبيئته وعصره مبيِّناً ثقافَتهُ وهجراتهُ ومراحلَ دراستهِ وشيوخَهُ وتلاميذَهُ وتأليفَهُ شارحاً بالتفصيلِ الظروفَ السياسيّةَ والفِتنَ الطائفيّة التي عصفتْ به في بغدادَ ومن ثمّ هجرتَهُ إلى مدينةِ النجفِ الأشرف وإنشاءَهُ لمدرستهِ الجديدةِ فيها.

وفي الباب الثاني قسّمتُ الحديث إلى فصول أربعةٍ :

الفصل الأوّل ، أَجملْتُ فيه البحثَ حولَ نشأةِ التفسيرِ وتطوّر مناهجِهِ ، ثمّ أردفتُهُ بوصفٍ مُجْملٍ عن التبيان.

أمّا الفصلُ الثاني ، فقد تكلّمت فيه عن الجانبِ العقلي في التبيان ، وبيّنتُ منهجَ المفسّرِ

٩

وآراءهُ وطريقتهُ في التعامُلِ مع النصِّ القرآني بوحي من العقلِ والرأي المقبولِ موضحاً مناقشتَهُ لآراءِ المفسرين ، وأصحابِ المذاهبِ من المعتزلةِ والمَشَبِّهةِ والمُجَسِّمَةِ والمُفوّضةِ وغيرِهم.

وفي الفصل الثالث ، تناولتُ الجانب الأثري في التبيانِ موضّحاً تفسيرَهُ للقرآن بالقرآن وتفسيرَه للقرآن بالسنّةِ ، وطريقة استخدامِ الشيخِ الطوسي للسياق والنظم بين الآياتِ في فهمِ النُصوصِ القُرآنيّةِ.

أمّا الفصلُ الرابعُ ، فقد تكلّمتُ فيه بشيءٍ من التفصيلِ عن الجانبِ اللغوي في التبيان موضّحاً طريقة استخدامِ المفسّرِ للّغةِ والإعرابِ والقراءةِ والشعرِ والأمثالِ في استيضاحِ المعنى المرادِ بيانه.

وفي الباب الثالث تطرّقتُ بفصلينِ مستقلّينِ عن علومِ القرآنِ وعقائدِ الإماميّةِ على التوالي :

ففي الفصلِ الأوّلِ تعرّضتُ لموقفِ الشيخِ الطوسي من علومِ القرآن كالناسخ والمنسوخ ‌والتأويلِ وأسبابِ النزولِ والمُحكَمِ والمتشابهِ وآياتِ الأحكامِ.

أمّا الفصل الثاني من هذا البابِ فقد أفردتهُ للحديث عن عقائدِ الإماميّة ، وتطرّقتُ فيه إلى أُصول الدين : التوحيد والعدلِ والنُبُوّةِ والإمامةِ والمَعادِ ، وما يتفرّعُ من مسائلَ كالتقيّةِ والعِصمةِ والصفاتِ وخَلْقِ القرآنِ وأَفعالِ العبادِ والحُسْنِ والقُبْحِ والمُتْعةِ وغيرِها.

وبهذا حاولتُ الكشفَ عن المنهجِ التفسيري للشيخ الطوسي مُستعيناً بالله تعالى ومستمدّاً منه القوّةَ ؛ إذ لاحولَ لي ولاقوّةَ بسواهُ ، واللهَ أسالُ أن يهديَنا سُبُلَ الرشادِ ، ويوفّقنا للعلمِ والعملِ بكتابِ الله ، إنّه نِعمَ المولى ونِعْمَ النصيرُ ، والحمدلله ربّ العالمين.

١٠

البابُ الأوّل

الطوسي ، حياته ، ثقافته ، عصره

الفصل الأوّل : حياته ، ثقافته

الفصل الثاني : عصره

١١
١٢

الفصل الأول :

حياة الشيخ الطوسي وثقافته

حياة الشيخ الطوسي

الشيخُ الطوسي هو أبو جعفر محمّدُ بنِ الحسنِ بنِ عليِ بنِ الحسنِ الطوسي.

« المولودُ في شهر رمضانَ عام ٣٨٥ ه‍ ١ » في طوس ٢ بإيران ، والذي كان قد نشأ فيها ٣ ، وترعرعَ وإلى أن بلغَ الثالثةَ والعشرين من عُمرِهِ ، عندها عزم على الهِجرة إلى العراق ، فنزل بغداد عام ٤٠٨ ه‍.

وقد تعرّضتْ مدينةُ طوسَ للعديدِ من النكبات ، وصارتْ هَدفاً لأعداءِ أهل البيتِ ، شأنها

__________________

١. البحراني ، لؤلؤة البحرين ، ص ٥٩٣ ، الإسترابادي ، منهج المقال ، ص ٢٩٢ ، القمّي ، سفينة البحار ، ج ٢ ، ص ٩٧ ؛ الصدر ، تأسيس الشيعه ، ص ٢٦٧ ؛ كحّالة ، معجم المؤلفين ، ج ٩ ، ص ٢٠٢ ؛ المامقاني ، تنقيح المقال ، ج ٣ ، ص ١٠٤.

٢. بحر العلوم ، دليل القضاء الشرعي ، ج ٣ ، ص ١٧٧ ؛ الطاهر ، الشعر العربي ، ج ١ ، ص ٦٦.

٣. طوس ، وإليها يُنسب الشيخ الطوسي ، وهي مدينةٌ بخراسانَ تشتملُ على بلدتينِ يُقال لأحدِهما : الطابران وللاُخرى نوقان ، ولهما أكثر من ألف قريةٍ ، وفيها قبر الإمام عليّ بن موسي الرضا عليه‌السلام وقبرُ الخليفهِ العباسي هارون الرشيد ؛ انظر البغدادي ، مراصد الاطلاع ، ج ٢ ص ٨٩٧ ؛ والقزويني ، آثار البلاد ص ٤١١ ؛ والطريحي ، جامع المقال ، ص ١٦٥ ؛ والأمين ، دائره المعارف الإسلامية الشيعيّة ، ج ١٢ ، ص ١٤٣.

١٣

شأن غيرها من المُدن الإسلاميّة المقدّسةِ التي ضَمّتْ مراقدَ آلِ محمّدٍ عليه‌السلام ، فقد ضُربت هذه المدينة ثلاث مرّات : هدمها للمرّة الأُولىٰ الأمير سبكتكين ، وقوّضها للمرّة الثانية الغزنويّون ، وأتلفتها للمرّة الثالثة عاصفةُ الفتنة المغوليّة عام ٧١٦ ه‍ على عهد الطاغية جنگيزخان ، وقد تجدّدت أبنيتُها ، وأُعيدت آثارها بعد كلّ مرّة ١ ، وهي اليوم ـ مع ماحلّ فيها من تخريب ودمار ـ من أجلّ معاهد العلم عند الشيعة.

« وفيها خزانة كتب للإمام الرضا عليه‌السلام » ٢.

وقدكانت طوسُ إحدى المراكز العلميّة المهمّةِ في إقليمِ خراسانَ ، والذي « يُنسبُ إليه خَلْقٌ كثيرٌ من العلماءِ في كلّ فنٍّ » ٣ ، حيث نبغَ فيها فحولُ العلماءِ من المهاجرينَ إليها والمتولّدينَ فيها ، ومن بين هـؤلاء أبو أحمدُ محمّد بن محمّدٍ بنِ أحمدَ الغزّالي صاحب كتاب إحياء العلوم مدرّس النظاميّةِ ببغدادِ ، وحسن بن فضل بن حسن الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان الذي يُعَدّ من مراجع كتب التفسير ، ومحمّد بن حسين بن عبدالصمدِ الحارثي العاملي المعروف بالشيخِ البهائي ، أو بهاءِ الدينِ العاملي ، ومنهم الشيخُ محمّد بن الحسن بن عليّ الحرّ العاملي صاحب وسائل الشيعة ، والجواهر السنّية ، من مراجع كتب الحديث ، وأبوالقاسم محمودُ بنُ عمر بن محمّد الملقّب بالزمخشري صاحب كتاب تفسير الكشّاف ، وأبوجعفر محمّد بن الحسنِ الطوسي صاحب التهذيب والاستبصار وتفسير التبيان ـ مفسرنا ـ والفيلسوفُ العالم نصير الملّة والدين محمّد بن محمدِ الطوسي الحكيم والفلكي المعروف ، والمحدّثُ الفقيه أبو عبدالرحمن أحمد بن عليّ بن شعيب النسائي صاحبُ كتاب الخصائص والسنن ، وأبوبكر أحمدُ بن الحسينِ البيهقي ، الفقيهُ الشافعي ، وأبو الفتح محمّد بن عبدالكريم الشهرستاني صاحب كتاب الملل والنِحل ، والعالم اللغوي الشهير عبدالملك بن محمّد بن إسماعيل الثعالبي الملقّب بالفرّاء صاحب كتاب فقه اللغة ويتيمة الدهر وسحر البلاغة ، ثمّ

__________________

١. الطهراني ، مقدّمة التبيان ، ج ١ ، ص ٧.

٢. نفس المصدر.

٣. ابن الأثير ، اللباب ، ج ٢ ، ص ٩٣.

١٤

العالمُ المنطـقي المعروفُ سعدُ بنُ عمرَ بن عبدالله التفتازاني مصنّفُ كتاب التهذيب في المنطـق والمطوّل في المعاني والبيان ، وأبو نصر إسماعيل بن حمّاد الفارابي المعلّم الثاني ، والعالمُ الرياضي الحكيمُ الخيّامُ ؛ هؤلاء هم بعضُ الذين نبغوا من أرض طوسَ ، وتركوا للعالم آثاراً أبديّة ١.

وممّا أضفى على هذهِ المدينةِ أهميّةً كُبرى هو مرقدُ الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ثامن أئمّة الشيعةِ الاثني عشريّة ، وهي لذلك مهوى أفئدتِهم ، يؤمّونها من الأماكن البعيدةِ والبلدانِ النائيةِ ، ويتقاطرون اليها من كلّ حدبٍ وصوبٍ للتبرّكِ بالعتبةِ المقدّسةِ ٢.

وقد ترعرعَ الشيخ الطوسيّ في مَسقَطِ رأسهِ ، ودرسَ فيها علومَ اللغة والأدبِ والفقهِ والحديثِ وعلمَ الكلامِ ؛ ليهاجر بعدها إلى العراقِ ٣ « حاملاً من الثقافةِ الإسلاميّةِ فنونَها » ٤.

وهناك استقرّ الطوسي في بغدادَ ، حيث كانتْ تعجُّ بالثقافةِ والعلومِ ، ويقصدُها طلابُ المعرفةِ من كلّ بلادٍ ، وصادفَ وصولهُ إلى بغدادَ بعدَ تربّعِ الشيخ المفيدِ على كرسي الزعامةِ الفكريّةِ للمذهبِ الجعفري ، وبعد أن قَطعَ شوطاً بعيداً في مجالِ العلمِ والمعرفة ، الأمرُ الذي جعلَ حلقاتِ درسِهِ زاخرةً بطلبةِ العلومِ « فكان يحضر مجلسَهُ خَلْقٌ كثيرٌ من العلماءِ من سائرِ الطوائفِ ٥ ».

مما يُؤكّدُ موضوعيّةَ الشيخِ المفيدِ احترامُ الناسِ له ، وإنِ اختلفوا معه في الرأي أو الانتماء المذهبي ، فكان لهذهِ الأجواءِ تأثيرٌ بالغٌ في اجتذابِ الطلاّب إلى بغدادَ والتي كانت في ذلك الوقت عاصمةً للخلافةِ ، حتّى صار شيخُنا الطوسي واحداً من بين العديدينَ الذين

__________________

١. الأمين ، دائرة المعارف الإسلاميّة الشيعية ، ج ١٢ ، ص ٣٠٠.

٢. بحر العلوم ، مقدّمة الأمالي للشيخ الطوسي ، ج ١ ، ص ٤.

٣. الطهرانيّ ، الذريعة ، ج ٢ ، ص ١٤ ؛ بحر العلوم ، موسوعة العتبات ، ج ٢ ، ص ٢٣.

٤. بحر العلوم ، مقدّمة الأمالي ، ج ١ ، ص ٤.

٥. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ج ١٢ ، ص ١٥.

١٥

أمّوا بغداد وقَصَدوها ، وقد تتلمذَ صاحبُنا على يد الشيخِ المفيدِ آنذاك ونهل من معارِفِه وعلومهِ ماشاء الله.

وَتْلمذةُ الطوسي على يدِ الشيخِ المفيدِ ، تدلّ على أنّ مفسّرنا كانَ قد قطعَ شوطاً كبيراً من دراستهِ في مَسقطِ رأسهِ قبل هجرتهِ إلى بغدادَ ، ممّا أهّلَهُ لأن يَحظى بموقعٍ متقدِّمٍ في مَجال الدراسةِ التي يَشرف عليها الشيخُ المفيدُ مباشرةً ، وهو صاحبُ الزعامةِ الفكريّةِ للشيعةِ الإماميّةِ آنذاك.

وقد أثنى على الشيخِ الطوسي جمعٌ من العلماءِ والمؤرّخينَ ، وهنا نورِدُ بعضَ أقوالِهم :

فالعلاّمةُ الحلّي ( ت ٧٢٦ ) يصفهُ بأنّه :

شيخُ الإماميّةِ ووجهُهم ورئيسُ الطائفة ، جليلُ القدر ، عظيمُ المنزلةِ ، ثقةٌ ، عينٌ ، صدوقٌ ، عارفٌ بالأخبار والرجالِ والفقهِ والأُصولِ والكلامِ والأدبِ ، وجميعُ الفضائل تنسب إليه ، صنّف في كلّ فنونِ الإسلامِ ، وهو المهذِّبُ للعقائد في الأُصول والفروع الجامعُ لكمالاتِ النفسِ في العلمِ والعملِ ١.

وقال الشيخُ المجلسي بحقّه : « ثقة ، وفضلُه وجلالتُه أشهرُ من أنْ يحتاجَ إلى بيان ٢».

وقال السيّد بحرُ العلومِ في الفوائد الرجاليّة عند ترجمته للشيخ الطوسي :

شيخُ الطائفةِ المُحقّةِ ، ورافعُ أعلامِ الشريعةِ الحقّةِ ، إمامُ الفرقةِ بعدَ الأئمّةِ المعصومينَ ، وعِمادُ الشيعةِ الإماميّة ، في كلّ مايتعلّقُ بالمذهب والدين ، محقّقُ الأُصولِ والفروعِ ، ومهذِّبُ فنون المعقولِ والمسموعِ ، شيخُ الطائفةِ على الإطلاقِ ، ورئيسُها الذي تُلْوى إليه الأعناقُ ، صنّف في جميعِ علومِ الإسلامِ ، وكان القدوةَ في كلّ ذلك ٣.

ويصفه الأردبيلي بأنّه « رئيسُ الطائفةِ ٤ ».

__________________

١. الحلّي ، خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرجال ، ص ٧٣.

٢. المجلسي ، الوجيزة ، ص ١٦٣.

٣. بحر العلوم ، الرجال ، ج ٣ ، ص ٢٢٧.

٤. محمد علي الأردبيلي ، جامع الرواة ، ج ٢ ، ص ٩٥ ، ط طهران ١٣٣٤.

١٦

وابن كثير يصفه : « فقيهُ الشيعةِ » ١.

وابن الجوزي ينعتُه بعبارة : « متكلمُ الشيعةِ » ٢ ، والمتكلّمُ يعني فيما يعني ، اهتمامُه بالعقائد والفلسفة ، ومثل هذه الأقوالِ أو مايشبهُها من الثناء والإطراء اقترنتْ مع اسم الشيخِ ‌الطوسي ، حال ذكره أو ترجمته من قِبَلِ العلماءِ والرواة وأصحابِ التراجمِ والسيرِ ، وهنا نوردُ بعضاً ممن أطراهُ من الأعلام :

أ) من أعلامِ أهلِ السنّة

١. ابن الأثير عزّالدين أبوالحسن علي بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبدالكريم الشيباني الجزري ٣ ( ت ٦٠٦ ه‍ ).

٢. ابن حجر شهاب‌الدين أبوالفضل أحمد بن عليّ العسقلاني ٤ ( ت ٨٥٢ ه‍ ).

٣. ابن كثير عمادُالدين أبوالفداء إسماعيل بن عمر القرشي ٥ ( ت ٧٧٤ ه‍ ).

٤. أبوالفرج عبدالرحمن بن علي الجوزي ٦ ( ت ٥٩٧ ه‍ ).

٥. تاج الدين أبونضر عبدالوهاب بن عليّ بن عبدالكافي السبكي ( ت ٧٧١ ه‍ ) ٧.

٦. الشيخ محمودُ أبو زهرة المصري ٨.

٧. الدكتور محمودُ محمّد الخضيري ٩.

__________________

١. ابن كثير ، البداية والنهاية ، ج ١٢ ، ص ٩٧.

٢. ابن الحوزي ، المنتظم ، ج ٨ ، ص ١٧.

٣. انظر الكامل لابن الأثير ، في حوادث ٤٤٩ ه‍.

٤. انظر لسان الميزان ، ج ٥ ، ص ١٣٥.

٥. انظر البداية والنهاية ، ج ١٢ ، ص ٧.

٦. انظر المتنظم ، ج ٨ ، ص ١٧٣ ، ١٧٩.

٧. انظر طبقات الشافعيّة ، ج ١٢ ، ص ٥١.

٨. انظر كتاب الامام الصادق ، ص ٢٦٠ ، ٤٤٨.

٩. انظر مجلّة الإسلام القاهريّة ، العدد الأول ، السنة السابعة ، ص ٤٠.

١٧

ب) من أعلام الشيعة

١. معاصره الشيخ أبوالعبّاس النجاشي ( ت ٤٥٠ ه‍ ) ١.

٢. العلاّمة الحلّي جمال الدين أبومنصور الحسن بن يوسف الحلّي ( ت ٧٢٦ ه‍ ) ٢.

٣. الشيخ محمّد باقر المجلسي ( صاحب البحار ) ( ت ١١١١ ه‍ ) ٣.

٤. المحدّث الشيخ يوسف البحراني ( ت ١١٨٦ ه‍ ) ٤.

٥. الشيخ حسين بن الشيخ عبدالصمد الحارثي ( ت ٩٨٤ ه‍ ) والد الشيخ البهائي٥.

٦. المحدّث الشيخ ميرزا محمّد حسين النوريّ النجفي ( ت ١٣٢٠ ه‍ ) ٦.

٧. العلاّمة الشيخ محمّد باقر الخوانساري ( ت ١٣١٣ ه‍ ) ٧.

٨. العلاّمة الميرزا محمّد بن عليّ الاسترابادي ( ت ١٠٢٨ ه‍ ) ٨.

٩. الحافظ محمّد بن عليّ بن شهر آشوب المازنداراني ( ت ٥٨٨ ه‍ ) ٩.

١٠. الشيخ أبو علي الحائري ( ت ١٢١٥ ه‍ ) ١٠.

١١. العلاّمة السيّد حسن الصدر الكاظمي ( ت ١٣٥٤ ه‍ ) ١١.

هذا وقد حظي شيخنا الطوسي بعناية خاصّة من لدنِ الكتّابِ والعلماءِ والباحثينَ ، حيث

__________________

١. انظر رجال النجاشيّ ، ص ٢٨٧.

٢. انظر خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرجال ، ص ٧٣.

٣. انظر الوجيزة ، ص ١٦٣.

٤. انظر لؤلؤة البحرين ، ص ٢٤٥.

٥. انظر وصول الأخيار ، ص ٧١.

٦. انظر مستدرك الوسائل ، ج ٣ ، ص ٥٠٥.

٧. انظر روضات الجنات ، ص ٥٨٠.

٨. انظر نهج المقال.

٩. انظر معالم العلماء ، ص ١١٤.

١٠ ـ انظر منتهى المقال ، ص ٢٦٩.

١١. انظر تأسيس الشيعة ، ص ٣٣٩.

١٨

تَرجم له الكثيرون ، ويكفي أن نشيرَ هنا إلى ماكتبهُ الشيخُ الدكتور محمّد هادي الأميني تحت عنوان « مصادر الدراسة عن شيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي » اذ ذكر في كتابه هذا (٢٤٠) مائتين وأربعين مصدراً عربيّاً وفارسيّاً ، كان بعضُها مطبوعاً والبعضُ الآخرُ مخطوطاً ، وكلُّها تُتَرجمُ للشيخ الطوسي ، أو تذكرُ شيئاً عن أحواله ١ ، الأمرُ الذي يعكس مكانةُ الطوسي وعلوَّ شأنِه ، فاستحوذَ على اهتمام الدارسين والمؤرخين وأصحاب التراجمِ والسِّيرِ ، وهذا مالايحصل عليه إلاّ أولئك الخاصّةُ من العلماءِ والمهتمّين في التاريخ.

شيوخه

تتلمذَ الشيخُ الطوسي على يد جملةٍ من العلماءِ والشيوخِ سواءً في طوسَ أو في بغدادَ ، وكان هؤلاء الأساتذةُ والشيوخُ ينتمونَ إلى مذاهبَ إسلاميّةٍ مختلفةٍ ، ففيهم علماء الإماميّة والزيدية واهل السنة ، الامر الذي ساهم وبشكل فعال في خلق الثقافة الموسوعيّة لمفسرنا ، كما وطبع شخصيته بشيء من الانفتاح ، ومنحها خاصية التحري والاستقصاء ، بعد ان وقف على مالدى جمعٍ من علماء الإسلام من مختلف المذاهب الإسلاميّة ، وبهذا يكون الطوسي قد درس جملة من المذاهب والافكار على يد اصحابها وعلمائها ، لذا نجده حينما يناقش اراء العلماء او يحاورهم يمتاز بالدقة والموضوعية وسعه الاطلاع ، وقداستفاد ذلك كله من الاجواء العلمية المنفتحة والحرية الفكرية التي كانت سائدة في عصره ، وخاصةً ايام العهدالبويهي ، فنهل من العلوم ماشاء الله على يد جمعٍ كثيرٍ من علماء المسلمين. ويبدو ان مشايخ ‌الطوسي في الرواية واساتذته في القراءة كثيرون ، وقدبلغ عدد هؤلاء الشيوخ سبعةً وثلاثين شخصاً ٢ ، كان قد ذكرهم الشيخ الطوسي في مؤلفاته العديدة ، الا ان الذين اكثر الرواية عنهم وتكرر ذكرهم في الفهرست وفي كل من كتابيه : التهذيب والاستبصار ، كانوا خمسةً ، وهم :

١. الشيخ ابو عبد الله احمد بن عبدالواحد بن احمد البزاز المعروف بابن الحاشر ، او

__________________

١. الاميني ، مصادر الدراسة عن الشيخ الطوسي ، ط نجف.

٢. ، انظر الطهراني ، مقدمة تفسير التبيان ، ج ١ ، ص ٣٨ ومابعدها.

١٩

ابن عبدون والمتوفّى سنة ٤٢٣ هـ.

وفيه يقول الطوسي : « سمعنا منه واجاز لنا بجميع مارواه »١.

٢. الشيخ احمدبن محمد بن موسى المعروف بابن الصلت الاهوازي ، المتوفّى سنة ٤٠٩ هـ.

٣. الشيخ ابوعبد الله الحسين بن عبيداللّه بن الغضائري المتوفّى سنة ٤١١ هـ.

وقال فيه الطوسي : « سمعنا منه واجاز لنا بجميع مارواه »٢.

٤. الشيخ ابوالحسين علي بن احمدبن محمد بن ابي جيد القمي والمتوفى بعد سنة ٤٠٨ ، حيث كان حيا عند وصول الشيخ الطوسي إلى بغداد في ذلك التاريخ.

٥. شيخ الامة ابوعبد الله محمد بن محمد بن النعمان المعروف بالشيخ المفيد والمتوفى سنة ٤١٣ هـ.

اما غير هؤلاء من شيوخه ، فقد ذكرهم ، ولكن لا بهذه الكثرة ، وفيما يلي اسماء هؤلاء الشيوخ الذين روى عنهم والذين ذكرهم أهل التراجم والسير ٣ مرتبة على حروف الهجاء :

١. ابوالحسين الصفار ، أو ابن الصفار.

٢. ابوالحسين بن سوار المغربي ، وهو من مشايخ الطوسي من علماء أهل السنة.

٣. الشيخ ابوطالب بن غرور.

٤. القاضي ابوالطيب الطبري الحويزي.

٥. ابو عبد الله اخو سروة.

٦. ابو عبد الله بن الفارسي.

٧. ابو علي بن شاذان المتكلّم ، وهو من شيوخه من علماء أهل السنة.

__________________

١. الطوسي ، الرجال ، ص ٤٥ ، النجف.

٢. نفس المصدر.

٣. الطهراني ، مقدمة التبيان ، ج ١ ، ص ٣٨ ومابعدها ، وانظر السيد بحر العلوم ، مقدمة الأمالي ، ج ١ ، ص ٢٠ ـ ٢٣ ؛ ومقدمة رجال الطوسي ، ط نجف.

٢٠