الغذاء دواء

أحمد الوائلي

الغذاء دواء

المؤلف:

أحمد الوائلي


الموضوع : الطّب
الناشر: محلاتي
الطبعة: ٠
ISBN: 964-7455-26-7
الصفحات: ٤٠٠

ضغط الدم ، وزيادة الجهد الذي يبذله القلب ... وهناك خطر محقق على المعرَّضين للإِصابة بالذبحة الصدرية (١) الناشئة عن انقباض الشريان (٢) التاجي المغذي لعضلة القلب أو انسداده ... وقد وُجِدَ ان الذين يدخنون عشرين سيجارة فأكثر في اليوم معرضون للاصابة بجلطة (٣) القلب بمعدل ثلاثة اضعاف غير المدخنين ... كذلك يزيد نسبة الوفيات (٤) في المدخنين بنسبة ٧٠ % عنها في غير المدخنين.

ومن المعلوم أن السيجارة تحتوي على عشرين مليجراماً من النيكوتين ، يمتص جسم المدخن منها اثنين من المليجرامات ... والنيكوتين يساعد على إِفراز هرمون « الإِدرينالين » و « النورادينالين » اللذين يزيدان من تقلص الشرايين بصفة عامة ، وشرايين الاطراف بصفة خاصة.. كذلك يساعد هرمون « الإِدرينالين » على تخزين المخزون الدهني في الجسم إِلى الدم ، فيزيد بذلك نسبة الأحماض الدهنية ونسبة الكولسترول عند المدخنين .. فضلاً عن أن النيكوتين يساعد على إِفراز مادة « الترسين » من الغدة النخامية (٥) .. وهذه المادة قابضة للأوعية الدموية ، وخاصة شرايين القلب التاجية.

ثانياً : يترتب على انقباض الأوعية الدموية برودة الأطراف ، لقلة ما يصل اليها من الدم ، وقد تشتد الإِصابة فتنسد هذه الاوعية ، ويؤدي ذلك إِلى ضرورة بتر

__________________

(١) الالم المفاجىء في الذراع اليسرى بعد القيام بالحركة [ والذي ] يزول بعد دقائق قليلة من الراحة ( الذبحة الصدرية ) : دليل على المشاكل القلبية. ( مرشد العناية الصحية : ص ٣٢٥ ).

(٢) الشريان : عِرق ينقل الدم من القلب الى الجسم ، وللشرايين نبض ، بينما ليس للاوردة نبض ، وهي التي تنقل الدم من الجسم الى القلب ( مرشد العناية الصحية : ص ٣٨٢ ).

(٣) إن آخر الإِحصائيات التي قدمت امام المؤتمر الاُوربي الثامن للقلب ، والذي عقد في مدينة باريس عام ١٩٨٠ تقول : إن ٧٨ % من المصابين بجلطة القلب من المدخنين.

(٤) ( فإِذا جاءَ اجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) سورة الاعراف الآية ٣٤.

(٥) الغدة النخامية : تفرز تسعة أنواع من الهرمونات. ( موسوعة جسم الإنسان ص ٥٥ ).

١٦١

الأطراف المصابة.

ثالثاً : يسبب التدخين زيادة في عدد ضربات القلب وتحميله عبئاً لا داعي له ... وقد أمكن اثبات ذلك بجهاز المسجل الكهربائي للقلب.

رابعاً : ينشأ عن التدخين زيادة نسبة السكر في الدم ، ويتبع ذلك بطبيعة الحال نقص في كمية السكر المختزن في الكبد والعضلات ، وينشأ عن ذلك تعب المدخن كلما قام بأي مجهود عضلي.

خامساً : ينشأ عن التدخين ضعف الشهية للطعام ، وهذا يؤدي بدوره إِلى الضعف العام للجسم .. كما أن التدخين ـ في نظر رجال الطب ـ يؤثر على غدد المعدة فيجعلها تكثر من إِفراز حامض « الايدرو كلوريك » الذي تسبب زيادته إصابة المعدة بالقرحة ، ولذلك يطلب الاطباء من المصابين بها الاقلاع عن التدخين في الحال.

سادساً : يسبب التدخين إلتهاباً في الحنجرة ، وللأوتار الصوتية ، وضيقاً في التنفس وكحة وسعالاً.

سابعاً : يسبب التدخين ضعفاً لأعصاب العين ، واختلالاً في النظر ... ويؤكد أحد الباحثين (١) البارزين أن التدخين يتسبب أيضاً في ضيق الشعيرات الدموية الدقيقة بشبكية العين ، ويعمل على جفافها وتحجرها بالشبكية ، مما يهدد بزوال القدرة على الإِبصار.

ثامناً : يسبب ازدياداً في عملية إِحتراق المواد الغذائية ، فلا يختزن الجسم

__________________

(١) البروفيسور « جارتز » أستاذ امراض العيون بجامعة مايتس بألمانيا من تقرير بحث اُجري على ٣٥٠٠ سيدة نشرت نتائجه مجلة « لانست » الطبية البريطانية.

ومن المعروف في الإِسلام أن التحريم يتبع الخبث والضرر ، فما كان خالص الضرر فهو حرام ، وما كان خالص النفع فهو حلال .. وما كان ضرره أكبر من نفعه فهو حرام ، وما كان نفعه أكبر من ضرره فهو حلال ... ولو طبقنا هذه القاعدة على السجائر لخرجنا بنتيجة أن السجائر حرام ولا سيما في ضوء ما أورده المتخصصون.

١٦٢

شيئاً من الزائد عن حاجته منها لينتفع به فيما بعد ... هذا ، وقد لوحظ أن الاشخاص النحفاء قد ازداد وزنهم بعد الإِقلاع عن التدخين.

تاسعاً : يرى بعض الباحثين أن ينتج أثناء إِحتراق السيجارة مادة « الاكرولين » ... وهذه لها أثر ضار على المراكز العصبية في المخ ، وينشأ عن ذلك الخفقان والرعشة.

هذه هي الاضرار التي يكاد يكون عليها إِجماع تام بين علماء الطب وباحثيه على حدوثها ، بسبب التدخين ... وهناك عرض مرضي آخر قد أشارت إِليه تقارير البحوث العلمية مؤداه : أن التدخين يقلل كمية البول التي تفرزها الكلية ، لأنه يسبب انقباض شرايين هذا العضو.

هذا ، وقد ثبتت من التقارير الطبية الدولية أن الدول المتقدمة تلزم شركات الدخان بإنتاج أنواع من السجائر ذات مواصفات طبية معينة ، تقلل من نسبة المواد الضارة في مكوناتها ، حفاظاً على الصحة القومية ... كما ثبت أن السجائر المصدرة للخارج لا تخضع لهذه المواصفات الطبية لديهم ، وبالتالي فإن المنتجين يزيدون من نسب المواد الفعالة ذات التأثير السريع على الادمان ، حتى يظل المدخن أسير هذه المدمرات ! ( ثبت علمياً ص ١٢٣ ـ ١٢٦ ).

درجات الادوية

إِن كل شيء مما يؤكل أو يُشرب ولا محالة يعمل هو في البدن عملاً ، أو يعمل منه البدن.

أو يعمل هو في البدن اوَّلاً ، ثم يعمل منه البدن.

أو يعمل فيه البدن اوَّلاً ، ثم يعمل هو في البدن.

وكل ما عمل في البدن إِذا ورد عليه من غير أن يعمل البدن فيه ويُحيله : فهو يتم.

وكل ما عمل فيه البدن إِذا ورد عليه : فهو غذاؤه.

١٦٣

وكل ما إِذا ورد على البدن عمل اوَّلاً فيه ، ثم عمل فيه البدن وأحاله كالبصل ، والثوم ، والخس ، والخشخاش : فهو غذاء دوائي.

وكل ما اذا ورد على البدن فَسَخَّنَه أو بَرَّدهُ أو رَطَّبَهُ أو جَفَّفَه : فهو دواء.

وهذه المأكولات والمشروبات : إِما ان تعمل في البدن عملاً خَفِيَّاً ، واما ان تعمل عملاً أبْيَن من ذلك قليلاً. واما ان تعمل عملاً بَيِّناً ظاهراَ ، واما ان تعمل عملاً بليغاً قوياً.

فكل ما عمل منها عملاً خَفِيَّاً : فهو في الدرجة الأُولى من التسخين ، أو التبريد ، أو التجفيف ، أو الترطيب بحسب ما عمله ذلك في البدن. والذي يكون عمله بين من الخفي قليلاً : هو في الدرجة الثانية فيها.

والذي يكون عمله ظاهراً بيناً : فهو في الدرجة الثالثة.

والذي يكون عمله بليغاً قوياً : فإِنه يكون في الدرجة الرابعة.

والشيء الحار الرطب : لا تتجاوز حرارته بالدرجة الأُولى ; لأن الحرارة إِذا زادت على ذلك المقدار : أفنَت الرطوبة.

فلذلك لا يوجد دواءهو حار في الدرجة الثانية ، أو الثالثة ، إِلا انه وُجِدَ يابس.

وكل ما حار في الدرجة الرابعة; فإِنه ما بين في تلك الدرجة تبينها وادراك الدواء المفرد الكيفية عسر جداً ; كما ان ادراك المزاج المفرد الكيفية عسر ، بل بالإضافة ينسب إِلى الأغلب عليه كلاهما (١).

__________________

(١) الكفاية في الطب : ص ٩٠ و ٩١.

١٦٤

قوانين الادوية والاغذية

الغذاء : هو ما استحوذ (١) عليه البدن ، فأحاله إِلى طبعه ، كالخبز. فإن البدن جعله كيلوساً (٢) ، ثم دماً ، ثم لحماً وعظماً ، وغير ذلك من اعضائه.

والدواء : هوما استحوذ على البدن ، فأحاله الى طبعه ، كالسقمونيا ; فإنها حارة تغلب قوَّة البدن ، وتحيله إِلى حرارتها.

وفيما بين هذين غذاء دوائي ، ودواء غذائي.

فالغذاء الدوائي : هو الذي يحيله البدن بما فيه من طبع الغذاء ، ويحيل البدن بما فيه من طبع الدواء ، غير ان طبع الغذاء عليه اغلب : كالشحم والثوم والبصل والنبيذ.

والدواء الغذائي هذا سبيله ، إِلا ان طبع الدواء فيه اغلب : كالكمون والكرويا.

وكل واحد من الغذاء والدواء : إمّا مفرد وإما مُركَّب (٣) :

فالمفرد : هو الذي لم يخالطه بالصنعة شيء غيره ، وإِن كان مركباً من طبايع مختلفة ، فإن الكمون مفرد ، وهو طبيعة واحدة اعني : انه حار يابس لطيف.

والفجل مفرد ، وإِن كان مركباً من طبايع مختلفة ، لأن فيه ارضية ونارية.

وأما الارضية فلثقله ووخامته.

وأمّا النارية فلحرافته.

والمركب : هو الذي خلطت الصنعة به غيره : كالحب المتخذ من السقمونيا ،

__________________

(١) استحوذ : استولى.

(٢) الكيلوس : هو الطعام والشراب اذا امتزجا في المعدة وانطبخا ، فصارا كماء الشعير. ( مفتاح الطب لابن هندو : ص ١٦٣ الفصل ١١ ).

(٣) المركب : هو الجسم المتماثل ذو التركيب الثابت الخواص الناتج من عنصرين أو اكثر اتحدا كيمياوياً ، ( المعجم الوسيط ).

١٦٥

والصبر ، والافسنتين.

وإِذا قلنا في الغذاء والدواء انه معتدل : فالمراد انه يتشبَّه بالبدن ، من غير ان يؤثِّر فيه تأثيراً يُبَيِّنُ للحس من حرارة أو برودة ، أو رطوبة أو يبوسة.

وإِذا قلنا فيه انه حار أو بارد أو رطب أو يابس : فالمراد انه يحدث في البدن الحرارة أو البرودة أو الرطوبة أو اليبوسة ، سواء كانت هذه الكيفيات موجودة بالفعل في الدواء والغذاء أو لم تكن.

وذلك انّا نقول : الكبريت حارّ ، وإِن بَرَّدناه على الثلج ; لأَنه يحمي البدن ، متى ورد ، أو لاقاه.

ونقول الكافور بارد ، وإِن أُحمِيَ على النار ، لأَنه يُبرِّد البدن.

واعلم ان الغذاء إِذا ورد البدن : اثَّرَ اولاً في البدن ، ثم استحوذ عليه البدن : كالسوِيق (١) والسكَّر المبرِّدين فإنهما : إِذا وردا البدن برَّداه اولاً بما فيهما من البرودة بالفعل; ثم إن البدن يحميهما ويحملهما إلى طبعه ، ويغتذي بهما.

والدواء على ضد هذه الحال فإِنه : يقبل اولاً التأثير من البدن ، ثم يؤثِّر في البدن ، فإن الفلفل وهو حار إِذا ورد البدن : قَبِلَ الحرارة من البدن. فإِذا احمته حرارة البدن ، وفرَّقت اجزاؤه ; اخذ يسخن البدن ويلهب حرارته.

وبين الاغذية والادوية تفاوت في مقادير افعالها وتأثيراتها ، فإن تبريد

__________________

(١) السويق : هو ما يتخذ من الحنطة والشعير ، وقيل دقيق الشعير أو السُّلْت المقلو ويكون مع القمح ، والاكثر جعله من الشعير ( تاج العروس حرف السين ).

السويق : دقيق مقلو يعمل من الحنطة والشعير ( مجمع البحرين : حرف السين ).

السويق بالفتح ثم الكسر : يتخذ من الحنطة والشعير والنبق والتفاح ، والقرع وحب الرمان والعدس والغبيراء المسحوق يعني يؤخذ دقيقها أو يدقها أو يتخذ من الشعير والماء واللبن [ الحليب ] والخشخاش المقلو المسحوق ( دائرة معارف الاعلمي : ج ١٠ ص ٥٥١ ) ; السويق : طعام يتخذ من مدقوق الحنطة والشعير سُمِّي بذلك لانسياقه في الحلق ( المعجم الوسيط ).

١٦٦

الكافورزائد على تبريد ماء الشعير ، وإسخان لحم الافاعي اكثر من إسخان الثوم ، فلهذا احتيج إِلى إِخراج درجاتها ، ليعلم التفاوت فيها ، وتستعمل بحسب مقادير افعالها.

فالغذاء والدواء : إِذا كان معتدلاً ، فلا درجة له في شيء من الكيفيات الاربع الاُمهات ، لأنه لا تأثير له في البدن ; لأن معنانا في قولنا درجة : كمية تأثير الشيء في البدن ، وإِنما البدن : هو المؤثَّر فيه. فإِذا خرج عن الاعتدال : لم يخل من إِحدى درجات اربع :

فالدرجة الأُولى : هي الاشياء التي تؤثر في البدن اكثر مما يؤثِّر البدن فيها ، وذلك بأن يحل كيفية الهواء الذي في باطن البدن فقط.

وعلامة ذلك ان يحس المستعمل له بتغيُّر يسير ينال البدن.

والدرجة الثانية : هي الاشياء التي تؤثر في البدن تاثيراً ابْيَن من ذلك ، بأَن تتجاوز إِحالة الهواء إِلى إِحالة رطوبة الجسد.

والدرجة الثالثة : هي الاشياء التي تؤثر في البدن تاثيراً مفرطاً يتجاوز الهواء والرطوبة إِلى التأثير في الشحم الذي هو اشد منها.

والدرجة الرابعة : هي الاشياء التي تُفْسِدُ البدن ، وتخرجه عن صورته ، بأن تذيب لحمه ، وتُفرِّق اجزاءه ، أو تخدِّره ، وتطفي حرارته ، ولا قوام للحيوان (١) بعد ذلك ولا تماسك فلهذا لا يوجد درجة خامسة ، حتى يمكِن ان يقال انهاالاشياء التي تعمل في العظم.

وهذا كما فعله اصحاب الموسيقى بأوتار العود ، فإِنهم جعلوها اربعة :

أوَّلُها : البم الذي يَخرج منه اثقل النغم ، وآخرها الزير الذي يخرج منه احد

__________________

(١) الحيوان : كل ذي روح ناطقاً كان أو غير ناطق ، مأخوذ من الحياة ، يستوي فيه الواحد والجمع لأَنه مصدر في الأصل.

( التحقيق في كلمات القرآن الكريم : ج ٢ ، ص ٣٣٥ ).

١٦٧

النغم ، وما بينهما المثنّى والمثلَّث.

ولم يزيدوا وتراً خامساً ، لأنهم لم يجدوا نغمة تخرج من حلق الإنسان تلائم الوتر الخامس الزائد ثقله على ثقل البم أو الناقص حدّته عن حدّة الزير.

وليس يكتفي الاطباء بهذه الدرجات الاربع ، حتى جعلوا في كل درجة ثلاث مراتب وهي : اول الدرجة ، ووسطها ، وآخرها ، وذلك انهم رأوا الاشياء التي في درجة واحدة تتفاوت حتى يكون احدها في اول تلك الدرجة ، والآخر في وسطها ، أو في طرفها الأخير.

فلذلك يقولون : دواء كذى في اول الدرجة الأُولى ، أو في وسطها ، أو في آخرها.

وقد يكون الغذاء أو الدواء معتدلاً في واحدة من الكيفيات الاربع ، غير معتدل في اُخرى ، مثل ان يعتدل في الرطوبة ، ويخرج عن الاعتدال في البرودة ، وقد يكون خارجاً عن الاعتدال في كيفيتين ، مثل ان يكون حاراً يابساً أو حاراً رطباً أو بارداً يابساً أو بارداً رطباً.

وها هنا اشياء لا يلتئم بعضها مع بعض ، وقد يُمتحَن بها علم الطبيب ، فإِنه لا يوجد دواء رطب في الدرجة الرابعة ، ولا دواء حار في الدرجة الاولى رطب في الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة ، ولا دواء حار في الدرجة الثانية أو الثالثة ، الرابعة ، رطب في الدرجة الثانية أو الثالثة أو الرابعة.

والقوى التي ذكرناها هي القوى الاُوَل للغذاء والدواء ، ولهما قوى ثوان ، مثل : ان يقال فيه انه مُنضج أو محلل أو فتّاح.

وقوى ثوالث مثل : ان يقال فيه انه يغرز اللبن أو يُنزِّل الطمث.

في كيفية امتحان الادوية :

والطريق الموثوق به في استخراج قوى الاغذية والادوية ان يُجَرَّب على

١٦٨

البدن المعتدل مراراً ، إِذا كانت الابدان الخارجة عن الاعتدال لا نهاية لها ، قدرة على معرفة فعل الدواء في كل واحد منها ، فمتى لم تؤثر في هذا البدن المعتدل شيئاً في الكيفيات الاربع ، قيل انها معتدلة.

ومتى اثرت ، نُسبت إلى تلك الكيفية التي هي فعلها وتأثيرها ، ثم يتدرج من ذلك إِلى استعمال الحدس والتقريب في الابدان الخارجة عن الاعتدال ، مثل إنّا إِذا رأينا العسل يسخّن البدن المعتدل ، علمنا انه يسخن البدن الخارج عن الاعتدال إِلى الحرارة إِسخاناً أكثر ، والخارج عن الاعتدال إِلى البرد اسخاناً اقل.

وقد يُتَوَصَّل إِلى معرفة قوى الاغذية والادوية من طعومها وروائحها وألوانها إِلا ان هذه الطرق ليست في وثاقة الطريق الاوّل.

والطعوم : اصح دلالة وأصدق شهادة من الروائح ، وأضعفها كلها الألوان.

( مفتاح الطب ص ١٤٦ ـ ١٥٢ الفصل ٨ )

تورم درقي

تورم درقي (١) : تورّم في اسفل الرقبة يسببه عادة نقص في مادة اليود.

( مرشد العناية الصحية ص ٣٨١ )

دم الاخوين

قال ابن البيطار : دم الاخوين هو التنين ، ودم الثعبان ايضاً.

وقال ابو حنيفة : هو صمغ شجرة يؤتى به من سقطرى وهي جزيرة الصبر

__________________

(١) الغدة الدرقية : هذه الغدة التي تقع في مقدمة الحنجرة ومباشرة تحت تفاحة آدم ، مسؤولة عن إِنتاج الهرمونات التي تتحكم بتطور الجسم ونموه ( تحويل الطعام إِلى طاقة ) ; كما تساعد هذه الغدة على تنظيم حرارة الجسم الداخلية ( دليل الاسرة الصحي ج ٣ ص ١٠ ).

١٦٩

السقطري يداوى به الجراحات ، وهو الايدع عند الرواة ويقال له : الشيان ايضاً.

وقال مسيح : وقوّته باردة في الدرجة الثالثة قابضة.

وقال البصري : صالح لقطع السيف وشبهه ، وتدميل الجراحات الحادثة الدامية ، وإذا احتقن به عقل الطبيعة وقوى الشرج (١).

وقال غيره : شديد القبض يقطع نزف الدم من أي عضو كان ، وينفع من سحج الامعاء (٢) إذا شُرِبَ منه نصف درهم في بيضة نيمرشت (٣).

وقال ابن سينا : واما يبسه ففي [ الدرجة ] الثانية ، يقوي المعدة وينفع من شقاق المقعدة. ( الجامع لمفردات الادوية والاغذية ج ٢ ص ٩٦ ).

قال الانطاكي : دم الاخوين ويقال اثنين والثعبان والشبان ، وقيل إنه صمغ نخله الهند أو شجرة كحي العالم ، أو هو كبيره أو هو عصارة نبات صبر سقطرا والصحيح انّا لا نعرف اصله ، وإنما يجلب هكذا من نواحي الهند وأجوده الخالص الحمرة الاسفنجي الجسم الخفيف ، تبقى قوّته طويلا وهو بارد يابس في [ الدرجة ] الثالثة : يحبس الدم والاسهال ، ويدمل ويمنع سيلان الفضول وحرارة الكبد والسحج والثقل والزحير بصفار البيض ، ويضر الكلى وتصلحه الكثيرا ، وشربته إلى نصف درهم ، وبدله الشادنة ( تذكرة أُولي الألباب ج ١ ص ١٥٤ ).

__________________

(١) الشرج : هو انبوب قصير يمتد من المستقيم إلى خارج الجسم ، وهو مغلق بواسطة خلقة من العضلات ( أو العضلة العاصرة ). ( دليل الاسرة الصحي ج ٣ ص ٩٣ ).

(٢) سحج الأمعاء : معنى السحج : هو تقشُّر أو سلخ يعرض من تلاقي فُخْذَي الرِّجل ، والمقصود هنا هو سحج الامعاء اي تقشرها ، واصل السحج : القشر ، ويوقِعُهُ الاطباء على قشر المعى في الاسترسال إذا قالوا مطلقاً. فإن ارادوا غيره قيَّدوه كسحج : الخف للرِّجل ، وسحج الحائط ، وغير ذلك لما صاكه في الاعضاء الظاهرة ، فيستفاد مما ذكر : إنَّ الانسحاج : هو انقشار الجلد.

(٣) بيضة نيمرشت : يُوقعون القدماء لفظ نيمرشت على نصف شي البيضة اي نصف سلق البيضة.

١٧٠

قوَّة الدماغ

يحتوي دماغُك المُدهِش ما يزيد على ١٠٠ مليون مليون خلية عصبية.

يحتاج الدِّماغ ليعمل بانتظام إلى كمية هائلة من الاكسجين (١) والغلوكوز (٢) لتوفير الطاقة ، مع ان الدماغ لا يشكل إلا ٢ % من وزن الجسم الإجمالي ، فإِنه يستهلك ٢٠ % من الأكسجين الذي يصل إلى الجسم ، و ٢٠ % من إمدادات الوقود ، ويتطلب ١٥ % من الدم. ( موسوعة جسم الإنسان ص ٩٩ ).

الدمعة

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : الكحل ينبت الشَّعر ويجفف الدمعة ويُعذِبُ الريق ويجلو البصر. ( الكافي : ج ٦ ص ٤٩٤ حديث ١٠ ).

وقال الإمام الرضا عليه‌السلام : السواك يجلو البصر وينبت الشَّعر ويذهب بالدمعة.

( مكارم الأخلاق : ج ١ ص ١١٨ حديث ٢٧٩ ).

الدموع

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « الا ومن ذرفت عيناه من خشية الله كان له بكل قطرة قطرت من دموعه قصر في الجنة مكلَّلاً بالدر والجوهر فيه ما لا عين رأت ولا أُذن

__________________

(١) الاُكسجين : غاز يكون في الهواء ، وهو ضروري للحياة.

نتنفس الاُكسجين عبر الرئتين ، وتستخدمه خلايانا لإطلاق الطاقة من الطعام. ( موسوعة جسم الإنسان ص ١٠٤ ).

(٢) الغلوكوز : نوع بسيط من السكر يؤدي وظيفة « الوقود » للجسم ويتم إنتاج السكر في الجسم عند تحلل الطعام في الجهاز الهضمي ، وتحمل الخلايا السكر الى الدم ، وتُعرف كمية السكر في الدم بمستوى غلوكز الدم. ( مرض السكر ص ٥٣٧ ).

١٧١

سمعت ولا خطر على قلب بشر ».

عن أنس بن مالك قال : رأيت إِبراهيم ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يجود بنفسه فدمعت عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : « العين تدمع ويحزن القلب ولا اقول إِلا ما يُرضي ربنا ; وإِنا بك يا إِبراهيم لمحزونون » (١).

الدمع

إن غدة الدمع تفرز باستمرار فتطهر العين ، وترطبها ، وتعطيها بريقها الخاص ، ولكن اين المصرف ؟

إن هناك طريقاً خاصاًيصرِّف مفرز الدمع إلى الانف ، فإذا زادت الكمية طفح إلى الخارج كما يحدث في البكاء ( ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ) سورة المائدة الآية ٨٣.

ونتساءل هنا ما علاقة التأثر والخشوع بالبكاء (٢) وإفراز هذه الغدة الدمعية ؟

إن النفس تحتاج إلى غسل وتطهير كأي عضو وما هذه الحالة إلا تطهيراً من الذنوب ، كما يطهر الدمع كرة العين.

إن حالة الخشوع والتأثر هي حالة وجدانية إنفعالية نتيجة معرفة روعة التصميم ، ودقة البناء ، وعظمة القدرة ، حيث تخطط يد الإرادة الحكيمة ، وتحوِّر ، وتنسق على كيفية مذهلة ، وينتقل هذا التأثير عبر اعصاب معينة فتدعو هذه الغدة إلى الإِفراز فتفرز الدمع الهتون ، حيث تصل النفس إلى مرحلة تعجز عن التعبير فيعبر البكاء ، وهذه الحالة النفسية الوجدانية هي حال العارفين الصالحين العلماء العاملين ( ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً ) سورة الاسراء الآية ١٠٩.

__________________

(١) صحيح مسلم : ج ٤ ص ١٨٠٧ حديث ٢٣١٥.

(٢) كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلى ولجوفه ازيز كأزير المرجل من البكاء.

١٧٢

إن المنظر الجميل يهيج الرؤية ، والصوت الجميل يهيج السمع ، والرائحة الجميلة تهيج الشم ، والطعم اللذيذ يهيج غدد اللعاب (١) ، وكذلك المعنى الجميل فإنه يثير الخواطر ويفرز الدمع (٢). ( الطب محراب الإيمان ص ٢٠٨ ).

لا تمنع الدموع البكاء دليل صحة ومتنفس طبيعى للأَحزان

لقد حاول ولا يزال عدد كبير من العلماء والباحثين دراسة سر البكاء (٣) والدموع ولذلك عمدوا إِلى تصميم التجارب المختبرية ، ووضعوا النظريات لمعرفة الفوارق بين الدموع التي يذرفها الإِنسان حين تلم به مصيبة أو حين يطير من الفرح.

وقد ميَّز العرب الاقدمون بين دموع الفرح الباردة فوصفوها بالندى الرقراق ، ودموع الحزن الساخنة ووصفوها برمال الصحراء عند الظهيرة.

وتشير الدراسات : الى ان البكاء دليل صحة ومتنفس طبيعى للأحزان ، حين

__________________

(١) راجع الغدد اللعابية واللعاب في حرف اللام.

(٢)

نرى عِظَما بالبين والصّدُّ اعظمُ

ومَن سِرّهُ في جَفْنِهِ كيف يُكتَمُ

ونَتّهِمُ الواشين والدّمْعُ مِنهمُ

ولما التَقَينا والنّوى ورَقيبُنا

ومَن لُبُّه مع غيره كيفَ حالُهُ

غَفُولانِ عَنّا ظِلتُ ابكي وتَبسِمُ

( ديوان المتنبى ص ٩٣ ).

(٣)

ابكي ويبسم والدجى ما بيننا

لبس الغروب ولم يعد لطلوع

حتى اضاءَ بثغره ودموعي

لو حيث يستمع السرار وقفتما

تفلي انامله التراب تعللاً

لعجبتما من عزه وخضوعي

وأنا ملي في سني المقروع

ابغي هواه بشافع من غيره

قمراً إذا استخجلته بعتابه

شر الهوى ما نلته بشفيع

لو أن قلبك كان بين ضلوعي

قد كنت اجزيك الصدود بمثله

١٧٣

تلم بالمرء ، كما ان الاشخاص الذين لا يستطيعون البكاء يتعرضون لكثير من المتاعب الجسدية والنفسية.

فالبكاء : هو الصمام الذى تتسرب من خلاله ابخرة الضغوط النفسية والمتاعب الجسدية ، ولولاه لأخذ التعبير عن العواطف والضغوط اشكالاً مدمرة.

وقد حاول شارلز دارون منذ سنة ١٨٧٢ م تفسير دوافع البكاء (١) في كتابه ( التعبير عن العواطف ) ، ووصف الإِنسان بأنه الوحيد بين الحيوانات ، الذي يستطيع ان يعبِّر عن عواطفه بذرف الدموع.

وقد ميز دارون بين عملية البكاء الناتجة عن الحزن وبين ذرف الدموع اثناء البكاء من النواحى الفسيولوجية.

ووصف علاقة الدموع بالبكاء بأنها عرضية وتشابه إِلى حد ما ذرف الدموع بعد تعرض العين لضربة خارجية.

وقد بقيت هذه النظرية قائمة لفترة طويلة من الزمن.

اما العالم اشلي مونتاغو ، فقد اضاف سنة ١٩٦٠ م تفسيراً آخر للعلاقة بين الدموع (٢) والبكاء ، حيث بيَّن بأن الدموع : تقوم بترطيب الغشاء المخاطي المبطن للممرات التنفسية عند جفافة نتيجة ازدياد عمليات الشهيق والزفير اثناء البكاء ،

__________________

(١)

قِفا نَبْكِ مِن ذِكرى حَبِيب ومَنزِلِ

بسِقط اللوَى بينَ الدَّخول فحَومَلِ

( لامرئ القيس شرح القصائد العشر ص ٢٠ )

(٢)

بحر الدموع يعج في امواجه

كم كان عمري في رباك مغرداً

وصدى الانين قد استحال عتابا

وله الدنى كان ترد جواباً

يا مهدى ايامي ونبع صبابتي

نلهو بشاطئك الجميل وننتشي

كم قد شممت بروضك الاطيابا

فرحاً وكنا إخوة اصحابا

لأبي رقية الساعدي

١٧٤

ولولا الدموع لتحطم هذا الغشاء ، وسبب متاعب كثيرة لصاحبه.

( أما العالم الأمريكي وليم فراي الاستاذ في جامعة منيسوتا : فقد عارض في كتابه « دموع نشطة » رأي دارون القائل بأن علاقة الدموع بالبكاء مسأَلة عرضية ، وبيَّن ان البكاء : يحقق حاجة جسدية بحتة ، وهي إفرازات الجسم التي تعبر عن احتياجاته الجسدية كإِفراز العَرَق والبول ، وأن الدموع تحوي مواد سامة يريد الجسم التخلص منها ، كما هو الحال مع بقية المواد التي يطرحها الجسم مع العرق والبول.

وقد بيَّن العالم فراى كذلك بأن الضغوط العاطفية تغير التركيب الكيمياوي للسوائل الجسمية للإنسان ( وهذا ما لا يمكن حصوله في الحيوانات ) ، ومن الممكن في نفس الوقت ان يحدث العكس حيث يتغير التركيب الكيمياوي للجسم وبالتالي يؤدي إِلى تغير الحالة العاطفية للإنسان ، فالاشخاص الذين يعانون من ضيق نفسي يكونون عرضة لاختلال التركيب الكيمياوي داخل اجسامهم ، لذلك فإِنهم يحاولون المحافظة على التوازن الكيمياوى ولو جزئياً بواسطة البكاء وعن طريق طرح مواد معينة من خلال الدموع (١).

ويوافق العالم فراي رأي دارون القائل بأن البكاء متنفس للضغوط العاطفية ، ويعتقد بأن الدموع عامل مهم واساس في عملية التنفيس هذه.

دموع المهيجات ودموع العواطف :

لقد أُجريت دراسات كثيرة ومنذ مئات السنين لغرض تحليل الدموع للتفريق بين تركيب الدموع الناتجة عن مهيجات العين كتقشير البصل مثلاً والدموع العاطفية.

كانت أُولى هذه الدراسات ما قام به العالمان لويس فاكولين وانطوان فوركروى

__________________

(١)

قام لتوديعي وفي خده

فالدمع من عيني ومن

للدمع من عينيه نهران

عينه كأنه در ومرجان

١٧٥

سنة ١٧٩١ م من تحليل للدموع ، حيث بيَّنا ان الدموع على اختلاف انواعها وسواء كانت عاطفية المنشأ أو سببها مهيجات العين ، تحتوي على ملح الطعام المعروف كيمياوياً بكلوريد الصوديوم ، إِضافة إِلى املاح اُخرى مذابة في الماء.

وفى سنة ١٩٥٧ م : استطاع الامريكي روبرت برونيش بعد سلسلة من التحليلات الكيمياوية في المختبر ان يجد بعض الفروق بين الدموع العاطفية والدموع التى تسببها مهيجات العين ، حيث بيَّن ان الدموع العاطفية تكون اكثر غزارة وأكبر حجماً من الدموع التي تسببها المهيجات والالتهابات إِضافة إِلى احتواء الاُولى على تركيزات عالية في البروتين ، ولكن هذه الدراسة ما لبثت ان عورضت من قبل العالم الفنلندي اولف كراور سنة ١٩٥٩ م الذي اثبت عدم وجود اي فروق بين طبيعة الدموع في الحالتين.

اما احدث الدراسات في هذا المجال : فهي ما يقوم بها مجموعة من الباحثين الامريكان في مستشفى بول رامزي في ولاية مينسوتا وعلى رأسهم العالم وليم فراي ، وقد استقدم عدد من المتطوعين بلغ المئة متطوع لغرض الخضوع للتجارب ، وقد تكبد العلماء مصاعب كثيرة وهم يحاولون ابكاء المتطوعين لأخذ عينات من دموعهم ، مرة لأسباب عاطفية وذلك عن طريق مشاهدة افلام عاطفية محزنة (١) جداً ، ومرة أُخرى يجعلهم يقشرون البصل ، كما تم جمع عينات من دموع الفرح ايضاً ، وذلك بعد اضحاك المتطوعين.

ومن المفارقات التي جعلت هذه الدراسة غاية في الصعوبة ، عدم بكاء العديد من المتطوعين لعلمه المسبق بأَنه يقوم بتجربة مختبرية بحتة ، وكذلك قلة حجم

__________________

(١)

الحُزنُ يُقْلِقُ والتَجَمُّلُ يُرْدَعُ

يتنازعان دُمُوعَ عَينِ مُسَهَّد

والدّمعُ بينهُما عَصِيُّ طَيِّعُ

هذا يَجيءُ بها وهذا يَرْجِعُ

( ديوان المتنبي ص ٣٨١ ).

١٧٦

العينات ، ولكن عرض فلمين يرويان قصتين واقعيتين ، الاول عن بطل رياضي يموت نتيجة إِصابته بالسرطان ، والآخر عن مأساة عائلة متشردة لا تجد بيتاً لتعيش فيه جعل اكثر المتطوعين يجهشون في البكاء.

وقد اكدت نتائج هذه الدراسة ما توصل إِليه العالم برويش حول زيادة تركيز البروتين في دموع الحزن عنه في الدموع التي تسببها مهيجات العين كما توصل علماء آخرون إِلى ان الضغط النفسي يؤدي إِلى إِفراز مجموعة من المواد مثل هرمون النمو وبيتا اندوفين ( مادة مهدئة للآلام ) ، كما ظهر بأن للحالة العاطفية اثراً في إِفراز نوع المادة إِلى الدم ، فالغضب الظاهر مثلاً يؤدي إِلى إِفراز الكاتيكولامين من الجهاز العصبي ، والغضب المكبوت يؤدي إِلى إِفراز الادرينالين إِلى الدم.

وفى تجارب أُجريب في الاتحاد السوفيتي تأكد وجود تراكيز كبيرة من مادة الكاتيكولامين في الدموع ، إِضافة إِلى مواد كيمياوية أُخرى تؤثرالعاطفة وطبيعة المزاج ، يجري البحث لمعرفة طبيعتها.

ومن كل ما تقدم ، فقد بات من المؤكد بأَن الدموع هي المتنفس الطبيعي للأحزان والضيق النفسي وليس اسلم من اطلاق العنان لهذا المتنفس الطبيعي عن طريق البكاء لإِزالة الضغوط النفسية ومواجهة الازمات ، ومن المعروف بأن الرجال يمنعون دموعهم عادة اكثر من النساء (١) ، لذلك نراهم اكثر عرضة للإصابة بالامراض

__________________

(١)

تطاول هذا الليل فالعين تدمع

إِذا ما تذكرت الذي كان بيننا

وأرَّقني حزن لقلبي مُوجع

وجدت فؤادي حسرة يتصدع

فبتُ أُقاسي الليل ارعى نجومه

وكل حبيب ذاكر لحبيبه

وبات فؤادي بالجوى يتقطع

يرجى لقاه كل يوم ويطمع

إِذا غاب منها كوكب في مغيبه

فذا العرش فَرِّج ما ترى من صبابتي

لمحت بعيني كوكباً حين يطلع

فأنت الذي يدعو العباد فيَسمع

١٧٧

العصبية. ( نفحات في العلم والمعرفة الطبية ص ٧٢ ـ ٧٥ ).

كبت الدموع يؤدي إِلى إِصابتك بالصداع :

تشير احدث الدراسات التي اُجريت في معامل الابحاث النفسية في ولاية « نيسوتا » إِلى ان ذرف الدموع (١) ليس دليلاً على الضعف أو عدم النضج ، ولكنها على العكس ، تعتبر أسلم طريقة لتحسين حالة الصحة ، من حيث التخلص من المواد الكيماوية المرتبطة بالتوتر ، والموجودة بالجسم ، كما أنها تساعد على إِرخاء العضلات.

كما تبين أن البكاء (٢) أُسلوب طبيعي لإِزالة تأثير المواد الضارة من الجسم ، تماما مثل إِفراز العرق ... فيقول د. « وليام فراى » مدير المعمل : ان الإِنسان عندما يكون تعيساً أو قلقاً ، فإِنه يفرز كمية من الكيماويات الحيوية ، والدموع تساعد على

__________________

دعوتك في السراء والضر دعوة

على حاجة بين الشراسيف تلذع

( هذا الشعر لإِمرأة في دمشق فقدت وليَّها بظلم من عبدالملك بن مروان).

(١) الدموع تريح الجسم : اثبتت الدراسات العلمية من خلال إِحصاءات ان بين كل ٤١ مريضاً بالقرحة المعوية يوجد ٣٣ شخصاً على الاقل اُصيبوا بهذا المرض نتيجة لكبت مشاعرهم بالحزن ، وعدم التخلص منها عن طريق الدموع ، فاختزنوها في انفسهم ، مما ادى إِلى إِصابتهم بالقرحة في معدتهم.

كما تبين ان الذين يشعرون برغبة في البكاء ، ويقاومون هذه الرغبة لسبب أو لآخر ، يعانون من اضطرابات عاطفية خطيرة ، من هنا فالبكاء ليس ضرورة فسيولوجية فحسب ، بل هو ايضاً ضرورة سيكلوجية في الوقت نفسه. ( ثبت علمياً ص ٤٠ ).

(٢)

الا ياحمامات العراق اعنني

على شجني وابكين مثل بكائيا

( قيس بن المُلَوَّح )

١٧٨

التخلص منها.

ويؤكد العلماء المتخصصون أن البكاء يزيد من عدد ضربات القلب ، ويعتبر تمريناً مفيداً للحجاب الحاجز وعضلات الصدر والكتفين ... وعند الانتهاء من البكاء تعود سرعة ضربات القلب إِلى طبيعتها ، وتسترخي العضلات ، وتحدث حالة شعور بالراحة ، وتكون النظرة إِلى الاُمور والمشاكل التي تؤرق الشخص اكثر وضوحاً.

أما كبت الدموع فيؤدي إِلى الإِحساس بالضغط والتوتر ... كما أنه يمكن ان يؤدي إِلى الإِصابة ببعض الامراض ، مثل الصداع ... « وقد أثبت أحد الاطباء العالميين من خلال تحليل دموع البشر إِلى ان الدموع تحتوي على مواد كيميائية مسكنة للألم يفرزها المخ عندما يبكي » (١).

وأظهرت الدراسات التي قام بها الباحثون في المعمل ... أن المرضى الذين يعانون من أمراض لها علاقة بالتوتر النفسي ـ مثل القرحة (٢) ـ يبكون اقل من الأشخاص الاصحاء. ( ثبت علمياً ص ١٣٦ ).

جواز دموع الاحزان

جاء في عمدة القارئ : ج ٤ ص ٨٧ ، انه : اخرج النسائي وابن ماجة عن ابي هريرة انه قال :

مات ميت من آل الرسول صلى الله عليه [ واله ] وسلم ، فاجتمع النساء تبكي عليه ، فقام عمر ينهاهن ويطردهن فقال صلى الله عليه [ واله ] وسلم : ( دعهن يا عمر ،

__________________

(١) مجلة المصور الصادرة في ٣٠ / ٣ / ١٩٨٤ م.

(٢) القرحة : كل إصابة مرضية لا يغطيها الجلد أو الغشاء المخاطي ، وأشهر أنواعها : الهضمية بالمعدة أو بالاثني عشري وقيل القرح : ثلم في الجلد ، والقرحة مشبَّهة بذلك ، وقيل التقريح : عبارة عن التآكل.

١٧٩

فإِن العين دامعة ، والقلب مصاب والعهد قريب ).

وعند وفاة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : بكت النساء فضربهن عمر بسوطه ، فنهاه رسول الله ، كما جاءَ في مسند احمد ج ١ ص ٢٣٧ ، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٩١ ، ومسند ابي داود الطيالسي ص ٣٥١ ، والاستيعاب ج ٢ ص ٤٨٢ ، ومجمع الزوائد ج ٣ ص ١٧ ، وكان رسول الله يمسح دموع ابنته فاطمة.

وقال عمر : إن الميت يُعذَّب بالبكاء ، وكذَّبته عائشة حيث اخرجه الحاكم في مستدركه ج ١ ص ٣٨١ ، فقد قالت عائشة : والله ما قال رسول الله إن الميت يُعذَّب ببكاء احد ، ولكنه صلى الله عليه [ واله ] وسلم قال : ( إن الكافر يزيده عند الله بكاء اهله عذاباً شديداً ، وإِنَّ الله هو اضحك وأَبكى « ولا تزر وازرة وزر اُخرى ».

وكان رسول الله يبكي ولده العزيز إِبراهيم ويقول : ( العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنابك يا إبراهيم لمحزونون ). راجع : سنن ابي داود : ج ٣ ص ٥٨ ، وابن ماجة : ج ١ ص ٤٢ ، وهو صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ينعى جعفراً ، وزيد بن حارثة ، وعبدالله بن رواحة وعيناه تدمعان ، راجع : صحيح البخارى كتاب المناقب في علامات النبوة وسنن البيهقي : ج ٤ ص ٧٠ ، وهو صلى الله عليه [ وآله ] وسلم زار قبر أُمه وبكى ، وأبكى عليها ، وراجع : سنن البيهقى ج ٤ ص ٧٠ ، وتاريخ بغداد ج ٧ ص ٢٨٩.

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : يازرارة إن السماء بكت على الحسين اربعين صباحاً بالدم وإن الارض بكت اربعين صباحاً بالسواد وإِنَّ الشمس بكت اربعين صباحاً بالكسوف والحمرة ، وإِنَّ الجبال تقطَّعت وانتثرت ، وإِن البحار تفجرت ، وإِن الملائكة بكت اربعين صباحاً على الحسين ، وما اختضبت منا إِمرأَة ولا ادهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى اتانا رأس عُبيدالله بن زياد لعنه الله ولا زلنا في عبرة بعده ، وكان جدى إِذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته وحتى يبكى لبكائه رحمة له من رآه وان الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء والسماء من

١٨٠