الفضائل الموضوعة عرض ونقد

المؤلف:

مهدي المنصور سمائي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: برگ فردوس
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-6379-02-9
الصفحات: ٣٥١

قوماً من الصحابه وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة فى على عليه‌السلام تقتضى الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب فى مثله فاختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير ». (١)

وقال أيضاً : « قد روى أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروى أن هذه الآية نزلت فى على عليه‌السلام (ومن الناس من يعجبك قوله فى الحيوة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو الد الخصام) (٢) ، وأن الآية الثانية نزلت فى ابن ملجم وهى قوله تعالى : (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد) (٣) فلم يقبل فبذل له مائتى ألف درهم فلم يقبل فبذل له ثلاثمائه ألف قلم يقبل فبذل له أربعمائة ألف فقبل وروى ذلك ». (٤)

وروى ابن عرفة المعروف بنفطويه : وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم فى تاريخه قال إن أكثر الأحاديث الموضوعة فى فضائل الصحابة افتعلت فى أيام بنى أمية تقرباً إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بنى هاشم. (٥)

وقال أيضاً وقد صح أن بنى أمية منعوا من إظهار فضائل على عليه‌السلام وعاقبوا على ذلك الراوى له حتى إن الرجل إذا روى عنه عليه‌السلام حديثاً لايتعلق بفضله بل بشرائع الدين لايتجاسر على ذكر اسمه فيقول عن أبى زينب (٦).

________________

١. ابن أبى الحديد شرح نهج البلاغة ج ٤ ص ٦٣ ـ ٧٣ فصل ذكر الأحاديث الموضوعة فى ذم على عليه‌السلام.

٢. سورة البقرة : ٢٠٤.

٣. سورة البقرة : ٢٠٧.

٤. ابن أبى الحديد شرح نهج البلاغة ج ١١ ص ٧٣ فصل فى ذكر الأحاديث الموضوعة فى ذم على عليه‌السلام.

٥. ابن أبى الحديد شرح نهج البلاغة : ج ١١ ص ٤٦.

٦. المصدر ص ٧٣.

٢١

فى حين انهم كانوا يضعون الأحاديث المكذوبة فى الفضائل وينسبونها إلى الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على حسب ما تقتضيه سياساتهم ومصالحهم ومن أمزجتهم طالما لم يخل مجتمعهم من بائعى الضمائر والمتاجرين بالدين من الأفاكين والوضاعين ووقّوالة الزور والمرتزقة حاملين اسم الرواى والمحدثّ فتراهم يكذبون على النبى وبكل سهولة طمعاً لدريهمات السلطة وهداياهم التى ستكون حسرة عليهم يوم القيامة أو تقريباً إلى الحكام والظلمة والمتآمرين على الإسلام والمسلمين أو هو شعار الصالحين منهم ويتقربون بها إلى المولى سبحانه كما صرح بذلك يحيى القطان وغيره قال يحيى بن سعيد القطان ما رأيت الصالحين فى شىء أكذب منهم فى الحديث. (١)

قال ابن عدى الصالحون قد رسموا بهذا الرسم أن يرووا فى فضائل الأعمال موضوعة بواطيل (٢).

وقال القرطبى لا إلتفات لما وضعه الواضعون والختلقه المختلقون من الأحاديث الكاذبة والأخبار الباطلة فى فضل سور القرآن وغير ذلك من فضائل الأعمال (٣).

هذا وقد أشار علماء الرجال بمن فيهم الذهبى والعسقلانى فى كتبهم الرجالية إلى العشرات من الوضّاعين والكذّابين أمثال :

________________

١. الخطيب البغدادى تاريخ بغداد أو مدينة السلام ج ٢ ص ٩٦ فى ترجمة محمد بن بيان بن مسلم رقم ٤٩٣ مسلم النيسابورى الجامع الصحيح (صحيح مسلم) ج ١ ص ١٣ والسيوطى اللآلى المصنوعة فى الأحاديث الموضوعة ج ٢ ص ٤٧٠.

٢. عبدالله بن عدى الكامل فى ضعفاء الرجال ج ٣ ص ٢١٧ فى ترجمة زكريا بن يحيى الوقار رقم ٢٨ / ٧١٣.

٣. القرطبى الجامع لاحكام القران ج ١ ص ٦٥ باب التنبيه على أحاديث وضعت فى فضل سور القران وغيره.

٢٢

هيثم الطائى الذى كان يقوم عامة الليل يصلى فإذا أصبح جلس يكذب (١).

محمد بن إبراهيم الشامى كان من الزهاد وهو الكذاب الوضّاع. (٢)

الحافظ عبد المغيث الحنبلى موصوف بالزهد والثقة وهو يؤلف م الموضوعات كتاباً فى فضائل يزيد بن معاوية (٣).

محمد بن عكاشة بكاء عند القراءة وهو كذّاب يضع الحديث (٤).

أبوعمر الزاهد ألف من الموضوعات كتاباً فى فضائل معاوية بن أبى سفيان (٥).

أحمدالباهلى من كبار الزهاد وهو ذلك الكذّاب الوضّاع (٦) قال ابن الجوزى كان يتزهد ويهجر شهوات الدنيا فحسّن له الشيطان هذا الفعل القبيح (٧).

وهذا البردانى رجل صالح (٨) ويضع الحديث فى فضل معاوية (٩).

وهذا أبو بشر المروزى الفقيه أصلب أهل زمانه فى السنة وكان يضع

________________

١. الخطيب البغدادى تاريخ بغداد أو مدينة السلام ج ١٤ ص ٥٣ فى ترجمة هيثم بن عدى بن عبدالرحمن رقم ٧٣٩٢.

٢. الذهبى ميزان الاعتدال فى نقد الرجال ج ٣ ص ٤٤٥ فى ترجمة محمد بن إبراهيم بن العلاء الشامى رقم ٧١٠٢.

٣. الذهبى سيرأعلام النبلاء ج ٢١ ص ١٦٠ ترجمة عبدالمغيث بن زهير.

٤. إبن عساكر تاريخ مدينة دمشق ج ٥٤ ص ٢٣٤ فى ترجمة محمد بن عكاشة.

٥. الخطيب البغدادى تاريخ بغداد أو مدينة السلام ج ٣ ص ١٥٩ فى ترجمة محمد بن عبد الواحد رقم ١١٨١.

٦. الذهبى ميزان الإعتدال فى نقد الرجال ج ١ ص ١٤١ فى ترجمة أحمد بن محمد بن غالب رقم ٥٥٧.

٧. إبن الجوزى الموضوعات ج ١ ص ٤٠.

٨. الخطيب البغدادى تاريخ بغداد أو مدينة السلام ج ١٢ ص ٨ فى ترجمة على بن عبدالله بن الفرج رقم ٦٣٦٣.

٩. الذهبى ميزان الإعتدال فى نقد الرجال ج ٣ ص ١٤٢ فى ترجمة على بن عبدالله البردانى رقم ٥٨٧٧.

٢٣

الحديث ويقلبه. (١)

وهذا أبو داود النخعى أطوال الناس قياماً بليل وأكثرهم صياماً بنهار وهو وضّاع (٢).

وهذا أبو يحيى الوكار من الكذابين الكبار وكان من الصلحاء العباد الفقهاء (٣).

وهذا إبراهيم بن محمد الآمدى أحد الزهّاد وأحاديثه موضوعة. (٤)

وهذا جعفر بن الزبير كان مجتهداً فى العبادة وهو وضّاع. (٥)

وهذا أبان بن أبى عياش رجل صالح كان من العبّاد وهو كذّاب. (٦)

وهذا نعيم بن حماد كان يضع الحديث فى تقوية السنة. (٧)

وقد جمع العلامة الأمينى قائمة بأسماء الكذّابين والوضّاعين يربوا عددهم على السبعمائة راوياً من الذين لا يتورعون فى جعل الأكاذيب أمثال مقاتل بن سليمان الذى كان يقول لأبى جعفر المنصور أنظر ما تحب أن أحدثه فيك حتى أحدثه وقالوا فيه كذّاب دجّال وضّاع. (٨)

________________

١. الخطيب البغدادى تاريخ بغداد أو مدينة السلام ج ٥ ص ٢٧٩ فى ترجمة أحمد بن محمد بن عمرو رقم ٢٧٧٣.

٢. الذهبى ميزان الإعتدال فى نقد الرجال ج ٢ ص ٢١٧ فى ترجمة سليمان بن عمرو رقم ٣٤٩٥.

٣. عبدالله بن عدى الكامل فى ضعفاء الرجال ج ٣ ص ٢١٧ فى ترجمة زكريا بن يحيى الوقار رقم ٢٨ / ٧١٣ والذهبى ميزان الإعتدال فى نقد الرجال ج ٢ ص ٧٧ فى ترجمة زكريا بن يحيى المصرى رقم ٢٨٩٢.

٤. الذهبى ميزان الإعتدال فى نقد الرجال ج ١ ص ٦٢ فى ترجمة إبراهيم بن محمد الآمدى رقم ١٩٢.

٥. الخزرجى خلاصة تذهيب تهذيب الكمال فى أسماء الرجال ج ١ ص ٦٣.

٦. إبن حجر العسقلانى تهذيب التهذيب ج ١ ص ٨٥ فى ترجمة أبان بن أبى عياش رقم ١٧٤.

٧. عبدالله بن عدى الكامل فى ضعفاء الرجال ج ٧ ص ١٦ فى ترجمة نعيم بن حماد المروزى رقم ٦ / ١٩٥٩.

٨. الخطيب البغدادى تاريخ بغداد أو مدينة السلام ج ١٣ ص ١٦٨ فى ترجمة مقاتل بن سليمان رقم ٧١٤٣.

٢٤

وهؤلاء هم الذين وضعوا قرابة من خمسمائة ألف حديث كذب ونسبوه إلى صاحب الرسالة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذباً وزوراً.

فمن موضوعاتهم المشينة كثيراً من فضائل الصحابة والخلفاء والشيخين ومعاوية والأمويين وجميع الروايات التى تمس بشخصية أمير المؤمنين وأهل بيت عليهم‌السلام.

هذا ما شجعنى إلى الدراسة الموضوعية بمعزل عن أى تعصب وانحياز فى شأن الأحاديث الفضائل ودراسة رجال السند عبر المعاريف من العلماء ومؤلفات رجال العامة ... ومراجعة الكتب التى ألّفها علماؤهم فى الروايات الموضوعة كالموضوعات لابن الجوزي م ٥٩٧ هـ. ق وتنزيه الشريعة الموفوعة لإبن عراق م ٩٦٣ هـ. ق واللئالى المصنوعة للسيوطى م ٩١١ هـ. ق والفوائد المجموعة للشوكانى م ١٢٥٠ هـ. ق و ... فانجز والحمدالله الكتاب الذى بين يديك وهو كتاب « الفضائل الموضوعة عرض ونقد » ثم إن من الواجب على أن أشكر ولدى العزيز ونور عينى سماحة الشيخ المفضال منصور سمائى الذى بذل جهده فى إعادة تنظيمه وصياغته وترصينه وتخريج مصادره وأتعب نفسخ الزكية متواصلاً للعمل والتحقيق فى سبيل إنجاز هذا المجهود المبارك فجزاه الله خير الجزاء وشكرالله سعيه.

كما أشكر أبنائى وإخوتى الذين شاركوا فى هذاالمشروع وساهموا فى إنجازه وهم تلامذتى الأعزاء أعضا لجنة التحقيق أعنى أصحاب السماحة الشيخ حسن البلقان آبادى والشيخ محمد محسن الطبسى والشيخ عليرضا البهرامى والشيخ محسن الأفضل آبادى والشيخ محممد جعفر المحمود تبار والشيخ أبوالحسن الرزاقى والسيخ مهدى المنصور سمائى والشيخ مهدى التلافى والأخوين الشيخ محمد جواد وفخر الدين الأسدى الطوسى والشيخ

٢٥

أحمد الغلاميان والشيخ رضا الصادقيان والشيخ محمد حسين الكريمى والشيخ على الرضائى والشيخ عليرضا المحجوبى نجاد والسيد حميد الحسينى كما أتقدم بجزيل الشكر والتقدير للمركز الفقهى لشيخنا الأستاذ الفقيه الراحل آية الله العظمى الفاضل اللنكرانى رحمه‌الله ونجله الباى العلامة البارع سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد جواد الفاضل اللنكرانى الذى لم يزل يواصل دعمه وبكل ما يملك من طاقة لهذا المشروع المبارك وسائر ما ألّف وكتب وما هو قيد التحقيق وقيد الطبع والنشر فجزاه الله ووالده الرؤوف عن الإسلام خيراً والسلام عليكم.

نجم الدين الطبسى

قم المقدسة

١٥ جمادى الأولى ١٤٣٢

يوم إستشهاد فاطمة الزهراء

٢٦

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واله الطيبين الطاهرين سيّما الإمام الحجة بن الحسن المهدى روحى وأرواح العالمين له الفداء واللعنة على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.

قد أبتليت الأمة الإسلامية منذ صدر تاريخها الأول بالإنحراف عن المنهج الصحيح والإبتعاد عن التنبه والإستفاده من بركاته وذلك فى علاقاتها مع أهم مصدر لبناء الحياة الإسلامية بعد القرآن الكريم ونعنى به السنة النبوية الشريفة فقد تعرضت سنة النبى الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الإساءة والتشويه من خلال مظاهر التلاعب الواسع ومحاولات الوضع والدس الخطير التى تولى كبرها وباء بإثمها أعداء الرسالة والرسول فبعد أن يئس هؤلاء من الطعن بكتاب الله والتلاعب به توجهوا إلى الحديث النبوى يدسون سمومهم ويبثون أضاليلهم فسعى الكثير من هؤلاء إلى استغلال الحديث النبوى لمآرب سياسية أو مذهبية أو شخصية وظهرت حركة الوضع التى انتجه حال الفرقة والتمزق بين أبناء الأمة الواحدة كما النتجه الإبتعاد عما أراده وضحى من أجله صاحب الرسالة.

ومع اشتداد الخلاف بين الفرق المجموعات الإسلامية حاولت كل فرقة

٢٧

من هذه الفرق الإنتصار لرأيها وتوفير الغطاء الشرعى لموقفها من خلال الإستشهاد بسنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاز دادت لهذا حركة الوضع اتساعاً وعمقاً فمن أعوزه الدليل من كتاب الله وافتقر إلى الشاهد من كلام نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لجأ إلى وضع الأحاديث وانتحالها يسد بها نقص مذهبه وضعف رأيه ولم يقتصر الأمر على وضع الأحاديث المكذوبة ونسبتها إلى صاحب الرسالة فى عهده (١) وبعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اتجهت سياسة الخلفاء إلى المنع من رواية الحديث والتشديد على عدم تدوينه وقد كانت حجتهم فى هذا المنع هوالخشية من انصراف المسلمين عن القرآن الكريم وانشغالهم بالحديث وحده مما أوجد فترة من السبات والإنقطاع عن رواية الحديث وتناقله كانت هذه كافية لأن تختمر فيها بذور الوضع وتتهيأ الأرضية لعوامل الإنحراف عن الرواية وقد بقى هذا الوضع إلى زمن أميرالمؤمنين عليه‌السلام حيث خالف وشده هذه السياسة الظالمة. شجع عليه‌السلام المسلمين على كتابة الحديث وتدوينه وكان يستحلف كل من يروى حديثاً أنه سمعه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير أن هذا الأمر لم يدم طويلاً فما إن قتل أميرالمؤمنين عليه‌السلام وانتقلت السلطة إلى بنى أمية قاشتدت حركة الوضع وبصورة منظمة للحديث النبوى إذ بادر (معاوية) إلى ضخ الأموال بلا حساب على الوضاعين والكذابين والرواة والمحدثين الذين كانوا يضعون ما يحلوله من الأحاديث والروايات التى يعتقد أنها تؤدي إلى تعزيز (الحق) الأموى فى السلطان من جهة وإخفاء فضائل أهل البيت واجتثاث الولاء من نفوس محبيهم

________________

١. قال أمير المؤمنين عليه‌السلام إن فى أيدى الناس حقّاً وباطلاً وصدقاً وكذباً وناسخاً ومنسوخاً وعاماً وخاصاً ومحكماً ومتشابهاً وحفظاً ووهماً ولقد كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عهده حتى قام خطيباً فقال من كذب على متعمداً فليتبوا مقعده من النار نهج البلاغة ج ٢ ص ١٨٨ خطبة ٢١٠ فى أحاديث البدع.

٢٨

من جهة أخرى ولسنا بحاجة إلى ذكر الأمثلة فى هذا الصدد فان تاريخ تلك الحقبة ملىء بأسماء الرواة الذين كانوا على استعداد لبيع حديثهم (بل ودينهم) مقابل ثمن بخس يحدده (الخليفة) نفسه تبعاً لأهمية الشخص ووضعه الاجتماعى من ناحية وأهمية المروى وحاجة الخليفة إليه من ناحية ثانية بل إنه تعدى هذا الحد لتشتد المصيبة وطاة فى إخفاء الأحاديث الصحيحة.

ذكر السيوطى فى اللئالى المصنوعة ثلاثين حديثاً من أشهر فضائل أبى بكر « مما اتخذه المؤلفون فى القرون الأخيرة من المتسالم عليه وأرسلوه إرسال المسلم بلا أى سند أو أى مبالاة » وزيفها وحكم فيها بالوضع وذكر رأى الحفاظ فيها.

كان السيوطى يهملج وراء القوم فبهظه أن لا يستصح حتى حديثاً واحداً من تلكم الثلاثين فقال فيما عزى إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله « عرج بى إلى السماء فمامررت بسماء إلا وجدت فيها مكتوباً محمد رسول الله أبوبكر الصديق من خلفى » بعد ما حكم عليه بالوضع ... ما لفظه قلت الذى أستخير الله فيه الحكم على هذا الحديث بالحسن لا بالوضع ولا بالضعف لكثرة شواهده ثم ذكر شواهد عن طرق لا يصح شىء منها وفى كل واحد منها وضاع أو كذب أو من أتفق على ضعفه أو مجهول لايعرف يروى عن مجهول مثله وقد عزب عنه أن الإستخارة لا تقلب خيراً ولا يعيد السقيم صحيحاً ولاالمنكر معروفاً.

وراحت إلى العطار تبغي شبابها

فهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟

والله سبحانه لا يجازف فى إسداء الخير والشواهد المكذوبة لاتقوى الضعف مع نص الحفاظ على كل واحد منها بالوضع أو الضعف.

٢٩

ويرشدك إلى صحة القول الفيروز آبادى والعجلونى (١) وبقضاء رجالات الفن أمثال إبن عدى الطبرانى إبن حبان النسائى الحاكم الدار قطنى العقيلى إبن المدينى أبوعمر الجوزقانى المحب الطبرى الخطيب البغدادى إبن الجوزى أبو زرعة إبن عساكر إسحاق الحنظلى إبن كثير إبن القيم الذهبى إبن أبى الحديد إبن حجر الهيثمى إبن حجر العسقلانى الحافظ المقدسى السيوطى الصغانى الملا على القارى إبن درويش الحوت وغيرهم.

ويشهد لبطلان تلكم الروايات الجمة فى فضائل الخليفة الأول خلو الصحاح الست والسنن والمسانيد القديمة عنها فلو كان مؤلفوها يجدون على شىء منها مسحة من الصحة بل لو كانوا واقفين عليها ولو على واحدة منها لما أجمعوا على تركها فيرويها متحروا الزوايا ونباشة الدفاين فيبرزوها إلى الملأ من تحت غبار الهجر أو وراء نسج عناكب النسيان فيرشدنا ذلك إلى أن مواليد هذه الروايات متأخر تاريخها عن عهد أرباب الصحاح وحسبها ذلك مهانة وضعة كما أن ما فى الصحاح من النزر اليسير ولائد متأخرة عن عهد النبى الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن الخليفة نفسه لوكان على ثقة من صدور شىء من تلكم الاحاديث ولو يسيراً منها من قائلها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما كان يرى مثل أبى عبيدة الجراح

________________

١. نقل صاحب كتاب مجالس المؤمنين عن الشيخ مجد الدين الفيروز آبادى الشافعى مصنف كتاب قاموس اللغة أنه قال فى باب فضائل أبى بكر سفر السعادة أشهر المشهورات من الموضوعات حديث « إن الله يتجلى للناس عامة ولأبى بكر خاصة » وحديث « ما صب الله فى صدرى شيئاً إلا وصبيته فى صدر أبى بكر » وحديث « أنا وأبوبكر كفرسى رهان » وحديث « إن الله بما اختار الأرواح اختار روح أبى بكر » وأمثال هذا من المفتريات المعلوم بطانها ببديهة العقل. (قال الفيروزآبادى فى سفر السعادة ٢ / ٢٠٣) (باب فضائل أبى بكر الصديق اشهر المشهورات من الموضوعات) ونقله العجلونى فى كشف الخفاء ومزيل الالباس عما إشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس ج ٢ ص ٤١٩ و ٤٢٠.

٣٠

حفار القبور أولى منه بالخلافة ولما قدمه على نفسه ولما ترك الاحتجاج بها يوم كانت جاجته إليه مسيسة ويوم كان الحوار فى أمر الخلافة قائماً على قدم وساق وطفق كل ذى فضل يدلى بحججه وقد احتدم الجدال حتى كاد أن يكون جلاداً واستحر الحجاج حتى عاد لجاجاً لكن الرجل لم يكن عنده حجة ولا لزبانيته إلا أنه صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثانى اثنين إذ هما فى الغار وأنه أكبر القوم سناً وكان أبوه أكبر منه لامحالة وقد اختارته الجماعة وانعقدت له البيعة بعد هوس وهياج ركوناً إلى أمثال هذه مما لاتثبت بها حجة ولايخضع لها ذو مسكة ولايصلح بها شأن الأمة ولايجمع بها شمل ولايتم بها الأمر. نعم روي عن أبى بكر أنه ذكر فى الحجاج له أشياء حذفتها الرواة ولم يذكروا منها إلا أنه أول كم أسلم أو أول من صلى عن أبى سعيد الخدرى قال قال أبو بكر ألست أحق الناس بها؟ ألست أول من أسلم؟ ألست صاحب كذا؟ ألست صاحب كذا؟ وعن أبى نضرة قال لما أبطأ الناس عن أبى بكر قال من أحق بهذا الأمر منى؟ ألست أول من صلى؟ ألست؟ ألست؟ ألست؟ فذكر خصالا فعلها مع النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن لانعرف شيئاً مما حذفوه من فضائله المزعومة أو الختلقوا نسبته إليه إذ من الممكن بل المحقق أنه لم يقل شيئاً وإنما اصطنعوا له هذه الصورة لايهام أنه كانت له يوم ذاك فضائل مسلمة لكن نعطف النظرة على المذكور من تلك المناقب وهو كون الخليفة أول من أسلم أو أول من صلى ولم يكن كذلك بل فى صحيحة الطبرى إنه أسلم بعد أكثر من خمسين رجلاً.

وقال ابن الجوزى وقد تركت أحاديث كثيرة يروونها فى فضل أبى بكر فمنها صحيح المعنى لكنه لايثبت منقولاً ومنها ما ليس بشىء وماأزال أسمع العوام يقولون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال « ما صب الله فى صدرى شيئاً إلا و

٣١

صببته فى صدر أبى بكر وإذا اشتقت إلى الجنة قبلت شيبة أبى بكر وكنت أنا وأبوبكر كفرسى رهان سبقته فاتبعنى ولو سبقنى لاتبعته » فى أشياء ما رأينا لها أثراً فى الصحيح ولا فى الموضوع ولا فائدة فى الإطالة بمثل هذه الأشياء. (١)

قال الذهبى قد سابق إبن عساكر فى ترجمة (معاوية بن أبى سفيان) أحاديث واهية وباطلة طول بها جداً وخلف معاوية خلق كثير يحبونه ويتغالون فيه ويفضلونه إما قد ملكهم بالكرم والحلم والعطاء وإما قد ولدوا فى الشام على حبه وتربى أولادهم على ذلك وفيهم جماعة يسيرة من الصحابة وعدد كثير من التابعين والفضلاء وحاربوا معه أهل العراق ونشأوا على النصب نعوذ بالله من الهوى.

ثم ذكر عشرين حديثاً من فضائل معاوية وقال فهذه الأحاديث ظاهرة الوضع والله أعلم (٢) وقال قال الأصم حدثنا أبى سمعت ابن راهويه يقول لايصلح عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فى فضل معاوية شىء. (٣)

قال العينى فى شرح البخارى فإن قلت قد ورد فى فضله (يعنى معاوية) أحاديث كثيرة قلت نعم ولكن ليس فيها حديث يصح من طرق الإسناد نص عليه إسحاق بن راهويه والنسائى وغيرهما فلذلك قال (يعني البخاري) باب ذكر معاوية ولم يقل فضيلة ولامنقبة.

أحسب أن رواة السوء أرادوا حطاً من مقام النبوة لاترفيعاً لمقام معاوية لما نعلمه من البون الشاسع بين مرتبة النبوة التى تعتقد بها المسلمون وبين متبوأ هذا

________________

١. ابن الجوزى الموضوعات ج ١ ص ٣١٩.

٢. الذهبى سير أعلام النبلاء ج ٣ ص ١٣١ فى ترجمة معاوية بن أبى سفيان رقم ٢٥.

٣. المصدر وابن الجوزى الموضوعات ج ٢ ص ٢٤.

٣٢

المقعى على أنقاض مستوى الخلافة فنسائل القوم عن الذى أوجب له هذا المقام الشامخ أهو أصله الزاكة تلك الشجرة الملعونة فى القرآن ولسان نبيه؟ أم فرعه الغاشم الظلوم؟ أم دؤبه على الكفر إلى ما قبل وفاة النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأشهر قلائل؟ أم محاربته خليفة وقته المفترضة طاعته عليه؟ وقد بايعه أهل الحل وبوائقه أيام استحواذه على الملك؟ من قتل الأبرياء الأخيار كحجر بن عدى وأصحابه؟ إنه قتل جماعة من الأبرياء والصالحين من الصحابة وغيرهم منهم « حجربن عدى » الصحابى الجليل حين أنكر على عمال معاوية سب على بن أبى طالب عليه‌السلام كما ذكره ابن حجر فى « الإصابة » بأنه قتل « بمرج عذراء » بأمر معاوية وقال الذهبى وكان مع حجر عشرون رجلاً فقتل عشرة منهم مع حجروقال الطبرى فى تاريخ وابن الأثير فى « الكامل » فى ترجمة « عبدالرحمن بن خالد بن الوليد » وكان سبب موته انه كان قد عظم شأنه عند أهل الشام ومالوا إليه لما عنده من آثار أبيه ولغنائه فى بلاد الروم وشدة بأسه فخافه معاوية وخشي منه وأمر إبن أثال النصرانى ان يحتال فى قتله وضمن له أن يضع عند خراجه ماعاش وان يوليه جباية خراج حمص فلما قدم عبدالرحمن من الروم دس إليه إبن أثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه فشربها فمات بحمص فوفى له معاوية بما ضمن له.

وممن قتل بأمر من معاوية : « محمد بن أبى بكر ». قال الذهبى سير معاوية من الشام معاوية بن حديج على مصر وعلى حرب محمد فالتقى الجمعان فكسره أبو حديج وانهزم عسكر محمد واختفى هو بمصر فى بيت امرأة فدلت عليه فقال احفظونى لأبى بكر فقال معاوية بن حديج قتلت ثمانين رجلاً من قومى فى دم عثمان وأتركك وأنت صاحبه فقتله ثم جعله فى بطن حمار وأحرقه.

٣٣

وقال ابن الأثير فى « جامع الأصول » : قتل محمد بن أبى بكر بيد أصحاب معاوية وأحرقوه فى جوف جيفة حمار فى سنة ثمان وثلاثين.

ومن قنوته بلعن أمير المؤمنين والحسن والحسين ولمة من صفوة المؤمنين؟ وحمله سماسرة الأهواء على الوقيعة فى أهل بيت النبوة وافتعال رواة الجرح فيهم وخلق أحاديث الثناء فى الأمويين؟ واستلحاقه زياداً مراغماً للحديث الثابت عند الأمة جمعاء؟ الولد للفراش وللعاهر الحجر وأخذ البيعة ليزيد ذلك الماجن الخائن السكير وتسليطه على الأعراض والدماء؟ وإدمانه على هذه المخاريق وأمثالها؟ التى سودت صحيفة التاريخ حتى أفعمت كأس بغيه واختر مته منيته.

جاء الإقتراح لدراسة هذا الموضوع من قبل أستاذنا الجليل سماحة العلامة الشيخ نجم الدين الطبسى حفظه الله حيث إقترح أن يكون محور البحث كتاب العلامة الأمينى الذي فند فيه سلسلة الوضاعين والكذابين ممن وضع الأحاديث فى الفضائل.

ثم إن الأستاذ أشار إلى تشكيل لجنة المحققين فى الدراسة والتحقيق فى تلك الأحاديث التى ناقشها الأمينى فطلب منا إعادة انظر ومراجعة المصادر وكتب الرجال والحديث وكنا نعرضها على الأستاذ فيراجعها بدقة ويبعث بملاحظات قيمة الى اللجنة ثم بعد الإنجاز طلب منى إعادة صياغتها تحت إشرافه وبين يديك ثمراة تلك التحقيقات والدراسة الواسعة ونحمد الله على هذه النعمة.

منهجنا فى التحقيق

تتركز هذه الرسالة أساساً على كتب الرجال للعامة وما ألف فى الموضوعات منهم لذلك نقول :

٣٤

١. نحن لسنا مع جميع التضعيفات الواردة فى هذا الكتاب لأن بعضها لا توافق ثوابتنا كتضعيف عطية.

٢. لم نضعف الصحابة من الرواة لأنهم عدول عند العامة رغم أن بعضهم غير موثق عندنا.

٣. بذلنا جهدنا أن نذكر مصادر التجريح على حدة ومن هنا يأتى تكرار بعض المصادر.

٤. حاولنا الاقتصار على جرح الرواة حفظاً للاختصار فى سند واحد ثم الإجارع إلى ما مضى لو تكرر إسمه فى رواية أخرى.

٥. نضع الكلمات الموضوعة بين القوسين للايضاح.

٦. ذكرنا الابحاث والموضوعات المهمة والاساسّية والتضعيفات من كتب العامّة فقط فى جرح الرواة إتماماً للحجة فى الخصم لذلك لم نستفد من مصادر الشيعة إلّا تأييداً أو تتميماً له.

٧. إقتصرنا على الأحاديث الموضوعة التى أوردها الأمينى رحمه‌الله فلو أردنا إستقصاء ما اختلف فى حق الخلفاء والصحابة لزادت هذه المجموعة إلى مجلدات.

٨. ترتيب إيراد الأحاديث :

١. الفضائل الموضوعة فى أبى بكر

٢. الفضائل الموضوعة فى عمر

٣. الفضائل الموضوعة فى الشيخين

٤. الفضائل الموضوعة فى عثمان

٥. الفضائل الموضوعة فى الثلاثة أو الراشدين الأربع

٦. الفضائل الموضوعة فى معاوية

٣٥

٧. الفضائل الموضوعة فى هارون العباسى

من الموضوعات المهمة التى وصلنا إليها فى هذه الدراسة هى أن روايات كثيرة جعلت فى فضائل الخلفاء والغلو فى شأنهم تعدّ فى الحقيقة محاولة تفشى فضائل الخلفاء لتبالغ منزلتهم إلى حدّ يناسب جعلهم خلفاء رسول الله بحيث تفوق على الفضائل الواردة عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فى أهل البيت عليهم‌السلام.

وفى الأخير نلفت عناية القارئ الكريم إلى أن هذه الدراسة لا تخلو بعض النواقص فثمّة منها ما مضت إليها الإشارة وهى عدم استيعاب ودراسة كل الأحاديث الموضوعة فى فضائل الخلفاء والصحابه.

ومنها ما يحتاج إلى دراسة واسعة واستيعاب كامل فلذا أخرناه إلى الآتى ونظراً لإيضاحات الأستاذ سماحة آية الله نجم الدين الطبسى حفظه الله طبعت هذه الدراسة على أمل إكمالها وتدارك سقطاتها فى الطبعات الآتية ولذلك نرجو من القرّاء الكرام أن ينبهوا بمواضع الخلل والثغرات كما نرجو منهم أن يقدموا لنا اقتراحاتهم.

وفى الختام أى من اللازم أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى سماحة الأستاذ الشيخ نجم الدين الطبسى حفظه الله لأنه فتح أمامنا الطريق لولوج هذه الدراسة كما أقدم شكرى الوافر إلى سماحة آية الله الشيخ محمد جواد الفاضل اللنكرانى حفظه الله حيث وفّر لنا مجالاً للقيام بمثل هذه الدراسات لى ولزملائى الاخرين كما وفّر لنا مجالاً لنتلمّذ على أساتذة الاجلّاء كأمثال سماحة الأستاذ الشيخ نجم الدين الطبسى حفظه الله وسدّد الله خطاه ... أللهم اجعل جهودهما المخلصة ذخيرة لآخرتهما وأقدم شكرى إلى سماحة حجة الإسلام والمسلمين الدكتور حسين حبيبى تبار الذى يتولّى إدارة المركز وهو يبدل جهوداً مشكورة فى سبيل تحقيق الاهداف الاسلامية له كما أشكره سماحة حجة

٣٦

الإسلام الشيخ أبو الحسن الرزاقى وسماحة حجة الإسلام الشيخ حسن البلقان آبادى على جهدهم فى توفير المجال لطباعة هذا الاثر ونتقدم بإهداء السلام وقراءة الفاتحة على روح المرجع الرحل سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد الفاضل اللنكرانى رحمه‌الله الذى كان بحق قدوة للأمة وحريصاً على نشر العقيدة الحقّة المتمثلة فى مذهب آل البيت عليهم‌السلام.

مهدي منصور سمائى

٢٦ / ١٢ / ٨٩ هـ ش.

٣٧
٣٨

الفصل الاول

الفضائل الموضوعة في أبي بكر

٣٩
٤٠