كليات في علم الرجال

الشيخ جعفر السبحاني

كليات في علم الرجال

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٣١

بالجحفة عن نيف وتسعين سنة حيث اراد الغسل للاحرام » (١).

الفائدة التاسعة

ان كلا من الشيخ ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي والشيخ الصدوق ابي جعفر محمد بن بابويه روى عن رجال لم يلقهم ، لكنه بينه وبينهم رجال ، فمنهم المستقيمون مذهباً ، فذاك السند صحيح ، ومنهم الموثقون مع فساد مذهبهم ، فذاك قوي. ومنهم المجروحون فذاك السند ضعيف. وقد سرد ابن داود اسامي هؤلاء في التنبيه التاسع من رجاله فليرجع من اراد (٢).

وقد عرفت حقيقة المقال عند البحث عن « شيخوخة الاجازة » وان ضعف المشايخ لا يضر بصحة الرواية إذا كان الكتاب المنقول عنه من الكتب المشهورة.

الفائدة العاشرة

وقع في اسناد كثير من الروايات تبلغ الفين ومائتين وخمسة وسبعين مورداً عنوان « ابي بصير » (٣) فاختلف في تعيين المراد منه ، كما اختلف في تحقيق عدد من يطلق عليه هذه الكنية. فذهب بعضهم إلى اطلاقها على اثنين ، وبعض آخر على ثلاثة ، وجمع كثير على اربعة. وربما يظهر من بعضهم اكثر من هذا العدد أيضاً. قال المحقق التستري في رسالته الموسومة بالدر النظير في المكنين بابي بصير :

« ان هذه الكنية جعلوها مشتركة بين عدة ذكر القدماء بعضهم ، وبعضهم الآخر المتأخرون ، يصل جمعهم إلى ثمانية » (٤).

__________________

١ ـ الرجال لابن داود : ٣٠٦.

٢ ـ الرجال لابن داود : ٣٠٨.

٣ ـ معجم رجال الحديث : ٢١ / ٤٥.

٤ ـ قاموس الرجال : ١١ / ٦٠.

٤٦١

لكن المشهور كما ذكرنا اشتراكها بين اربعة رجال ، كما ذهب اليه ابن داود والتفرشي والعلاّمة المامقاني. قال الأول : « ابو بصير مشترك بين اربعة : « ١ ـ ليث بن البختري ٢ ـ يحيى بن ابي القاسم ٣ ـ يوسف بن الحارث البتري ٤ ـ عبدالله بن محمد الاسدي » (١).

وهؤلاء الاربعة ليسوا كلهم ثقات ، كما جاء في « معجم رجال الحديث » : « وقد ذكر بعضهم ان ابا بصير مشترك بين الثقة وغيره. ولاجل ذلك تسقط هذه الروايات الكثيرة عن الحجية » (٢).

ولكن الحق كما صرح به المحقق التستري في قاموسه وفي رسالته المذكورة آنفاً والعلاّمة النحرير الخوانساري في تأليفه المنيف الموسوم بـ « رسالة عديمة النظير في احوال ابي بصير » وجمع آخر من المحققين ان المراد منه « يحيى بن ابي القاسم الاسدي الثقة ، احد فقهاء الطبقة الأولى من اصحاب الاجماع.

ولو تنزلنا عن هذا لقلنا بانه مردد بين شخصين ثقتين : يحيى وليث ، كما في « معجم رجال الحديث » فانه قال :

« ان ابا بصير عندما اطلق فالمراد به هو يحيى بن ابي القاسم ، وعلى تقدير الاغماض فالامر يتردد بينه وبين ليث بن البختري الثقة. واما غيرهما فليس بمعروف بهذه الكنية. بل لم يوجد مورد يطلق فيه ابو بصير ويراد به غير هذين » (٣).

__________________

١ ـ الرجال لابن داود : ٢١٤ ، القسم الأول ، باب الكنى.

٢ ـ معجم الرجال : ٢١ / ٤٧.

٣ ـ المصدر نفسه. ويظهر هذا أيضاً من العلاّمة الكلباسي في سماء المقال. فانه بعد استظهار انصراف ابي بصير إلى يحيى ، قال : « تنزلنا عن انصرافها فهي مترددة بينه وبين ليث كما صرح به بعض المحققين » ( سماء المقال : ١ / ١١٥ ).

٤٦٢

هذا خلاصة القول فى المكنين بأبي بصير. ونشير إلى بعض التفاصيل الواردة في المقام.

الف ـ ان عبدالله بن محمد الاسدي المذكور في الكتب الرجالية هو الذي يعبر عنه في الاسانيد بالحجال ، وعبدالله الحجال ، وعبدالله بن محمد الحجال ، وأبي محمد الحجال ، وعبدالله المزخرف ، والمزخرف (١) وهو من أصحاب الرضا عليه‌السلام (٢) فلا اشتراك بينه وبين ليث بن البختري ، ويحيى بن أبي القاسم من حيث الطبقة ، مع أن كنيته أبو محمد ولم يذكره أحد من الرجاليين بعنوان أبي بصير.

أما « أبو بصير عبدالله بن محمد الاسدي » فليس له ذكر في الكتب الرجالية إلا ما عنونه الكشي في رجاله واعتمد عليه الشيخ الطوسي ومن تبعه فانه بعدما ذكر أبا بصير ليث بن البختري المرادي ، ونقل الروايات الواردة فيه (٣) أتى بهذا العنوان : « في أبي بصير عبدالله بن محمد الاسدي » ونقل في ذيله رواية واحدة ليس في سندها ولا في متنها أيّة دلالة على المعنون (٤) لانّ أبا بصير المذكور فيها مطلق والراوي عنه هو « عبدالله بن وضاح » الذي كان من رواة يحيى بن أبي القاسم (٥) ومن مميزات مروياته كما سنشير اليه. والرواية منقولة عن أبي عبدالله عليه‌السلام وفيها أنّ الامام خاطب أبا بصير بقوله : « يا أبا

__________________

١ ـ سماء المقال : ١ / ١٠١ ; فهرس رجال اختيار معرفة الرجال : ١٧٠. رجال النجاشي : ٢٢٦ الرقم ٥٩٥.

٢ ـ رجال الشيخ : ٣٨١.

٣ ـ اختيار معرفة الرجال : ١٦٩ ـ ١٧٤ ، الرقم ٢٨٥ إلى ٢٩٨ ـ والجدير بالذكر ان اكثر الروايات الواردة فيها ليست في شان ليث ، بل هي مرتبطة بيحيى بن ابي القاسم الاسدي منها الروايات برقم ٢٨٩ ، ٢٩١ ، ٢٩٢ ، ٢٩٦ ، فراجع.

٤ ـ المصدر نفسه : ١٧٤ الرقم ٢٩٩.

٥ ـ قال النجاشي في ترجمة عبدالله بن وضاح : « صاحب ابا بصير يحيى بن أبي القاسم كثيراً وعرف به » ( الصفحة ٢١٥ ، الرقم ٥٦٠ ).

٤٦٣

محمد » ، مع أنّ أبا محمد كنية يحيى أيضاً.

فحينئذ نسأل الكشي من اين وقف على ان ابا بصير هذا ليس يحيى بن ابي القاسم ، بل هو عبدالله بن محمد الاسدي الذي يشترك مع يحيى في الطبقة والراوي ، وفي كونه مكنى بابي بصير وابي محمد ، ولم يتفطن احد غيره بوجود هذا الرجل في اصحاب الصادق عليه‌السلام؟ (١). قال العلاّمة الكلباسي : « فلقد اجاد من قال : ان ظني ان ايراده ـ أي الكشي ـ هذا الخبر في هذا المقام مما لا وجه له » (٢) ، وجزم المحقق التستري ان الرجل المذكور ليس له وجود اصلا وان منشأ ذكره في الكتب الرجالية المتأخرة تصحيف العنوان المذكور في الكشي واعتماد الشيخ رحمه‌الله وذكره في رجاله ، كذكره في اختياره ثم اتباع من تأخر عن الشيخ كابن داود ، لحسن ظنهم به (٣).

ولو اغمضنا عن هذا وفرضنا وجود هذا الرجل المكنى بابي بصير ، فلا اقل من عدم اشتهاره بهذه الكنية بحيث لو اطلقت احتمل انصرافها اليه كانصرافها إلى يحيى. يدلنا على ذلك ما اجاب به علي بن الحسن بن فضال حينما سئل عن ابي بصير فقال : اسمه يحيى بن ابي القاسم ، كان يكنى ابا محمد وكان مولى لبني اسد وكان مكفوفاً » (٤).

ولا يخفى انه لو كان رجل آخر مشتهراً بابي بصير ومشتركاً مع يحيى في كنيته الاخرى وفي كونه اسدياً ، وفي كونه من اصحاب الصادق عليه‌السلام ، كان من الواجب على ابن فضال ان ينبه عليه ولم ينبه.

__________________

١ ـ بل ليس لهذا الرجل ذكر في رجال البرقي ولم يذكره العقيقي وابن عقدة وابن الغضائري الذين صنفوا في الرجال واخذ عنهم من جاء بعدهم.

٢ ـ سماء المقال : ١ / ١٠٠.

٣ ـ قاموس الرجال : ١١ / ٦٥ ـ ٩٩ ـ وللمؤلف ـ دام ظله ـ استظهارات لطيفة في تصحيح العنوان المذكور في الكشي.

٤ ـ اختيار معرفة الرجال : ١٧٣ الرقم ٢٩٦.

٤٦٤

ب ـ ذكر الشيخ في رجاله : « يوسف بن الحارث ، بتري يكنى ابا بصير » (١) ومستنده بعض نسخ الكشي حيث جاء فيه في عنوان « محمد بن اسحاق صاحب المغازي » : « ابو بصير يوسف بن الحارث بتري » (٢) فتبعهما العلاّمة وابن داود في رجالهما وذكرا الرجال بعنوان ابي بصير يوسف بن الحارث. ثم ادعى ابن داود اشتراك ابي بصير بينه وبين عبدالله المتقدم وليث ويحيى الآتيان ، كما مر.

ولكنه يظهر من القهبائي في مجمعه ان الموجود في النسخ المصححة من الكشي هو « ابو نصر بن يوسف بن الحارث بتري » والشيخ اما استعجل في قراءته واما اخذه من نسخة اخرى وذكره بالعنوان المذكور ومال جمع من المتأخرين إلى هذا القول ، كما يظهر من « سماء المقال » (٣).

اضف إلى ذلك ان كون الرجل مكنى بكنية لا يستلزم اشتهاره بتلك الكنية وانصرافها عند الاطلاق اليه. يؤيد هذا ان الكشي ـ مع فرض صحة نسخة الشيخ ـ قيد الكنية باسم الرجل ولم يطلقها. فلا يبعد ان الشيخ أيضاً لم يرد اشتهاره بهذه الكنية ، لكن ابن داود رحمه‌الله اشتبه عليه الأمر وافتى بالاشتراك.

بقى شيء وهو ان الرجل المذكور لم يكن ثقة قطعاً ، بل هو كما صرح الكشي والشيخ ـ كان بتريا والبترية هم الذين قال الصادق عليه‌السلام في شأنهم : « لو ان البترية صف واحد ما بين المشرق إلى المغرب ما اعز الله بهم دينا » والبترية هم اصحاب كثير النوا ، والحسن بن صالح بن حي ، وسالم بن ابي حفصة ، والحكم بن عتيبة ، وسلمة بن كهيل وابي المقدام ثابت

__________________

١ ـ رجال الشيخ ، اصحاب الباقر ، باب الياء ، الرقم ١٧.

٢ ـ اختيار معرفة الرجال : ٣٩٠ الرقم ٧٣٣ ـ وما في هذه النسخة المطبوعة مطابق لما ذكره القهبائي.

٣ ـ سماء المقال : ١ / ٩٨ ؛ مجمع الرجال : ٥ / ١٤٩.

٤٦٥

الحداد. وهم الذين دعوا إلى ولاية علي عليه‌السلام ، ثم خلطوها بولاية ابي بكر وعمر ويثبتون لهما امامتهما ، وينتقصون عثمان وطلحة والزبير ، ويرون الخروج مع بطون ولد علي بن ابي طالب ، يذهبون في ذلك إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويثبتون لكل من خرج من ولد علي عليه‌السلام عند خروجه الامامة (١) ولكن الكلام في كونه ابا بصير يوسف ابن الحارث « او » ابا نصر بن يوسف بن الحارث والاظهر الثاني.

كما انه يوجد رجل مسمى بيوسف بن الحارث في اسانيد « نوادر الحكمة » لمحمد بن أحمد بن يحيى ولكنه لا دليل على تكنيته بابي بصير.

وإلى هذا اشار المحقق التستري وقال : « استثنى ابن الوليد من روايات محمد ابن أحمد بن يحيى ما رواه عن يوسف بن الحارث. فهو ضعيف. ولا يبعد كونه يوسف بن الحارث الكميداني ، وانما ننكر وجود ابي بصير مسمى بيوسف ابن الحارث ، لعدم شاهد له من خبر او رجال معتبر » (٢).

ج ـ يظهر من مطاوي كلمات ائمة الرجال وعلماء الحديث ان ليث بن البختري (٣) المرادي كان من اصحاب الباقر والصادق والكاظم عليهم‌السلام فقد عده البرقي في اصحاب الباقر عليه‌السلام والمفيد والنجاشي من اصحاب الباقر والصادق عليهما‌السلام والشيخ في فهرسته من رواة الصادق والكاظم عليهما‌السلام وفي رجاله من اصحاب الثلاثة عليهم‌السلام.

ويمكن ادعاء اطباق الكل على ان الرجل كان يكنى بابي بصير وانه كان مشهوراً بهذه الكنية كما صرح بها في بعض الروايات. غير ان النجاشي حكى في رجاله عن بعض كونه مكنى بابي بصير الاصغر (٤) ولكنه لا يقاوم ما عليه سائر

__________________

١ ـ اختيار معرفة الرجال : ٢٣٢ ـ ٢٣٣ الرقم ٤٢٢.

٢ ـ قاموس الرجال : ١١ / ١٠٥.

٣ ـ البختري بفتح الباء والتاء وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء.

٤ ـ رجال النجاشي : ٣٢١ الرقم ٨٧٦.

٤٦٦

مهرة الفن فكون الرجل مشهوراً بابي بصير مما لا ريب فيه.

اما تكنيته بابي محمد وابي يحيى وكذا مكفوفيته كما ادعاه بعض ، كالمولى محمد تقي المجلسي (١) ، فلا دليل عليه ولعله ناش من خلط العبائر الواردة فيه وفي عديله يحيى.

اما وثاقته ، فلا ترديد فيها وان لم يصرح بها في كتب القدماء (٢).

والدليل على ذلك جملة من الروايات الصحيحة الواردة فيه. منها ما رواه الكشي بسند صحيح عن جميل بن دراج قال : سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : بشر المخبتين بالجنة : بريد بن معاوية العجلي وابا بصير ليث ابن البختري المرادي ومحمد بن مسلم وزرارة ، اربعة نجباء ، امناء الله على حلاله وحرامه. لولا هؤلاء انقطعت اثار النبوة واندرست (٣).

ومنها ما رواه أيضاً في ترجمة زرارة بن اعين بسند صحيح عن سليمان بن خالد الاقطع ، قال : سمعت ابا عبدالله عليه‌السلام يقول : ما احد أحيا ذكرنا واحاديث ابي عليه‌السلام إلا زرارة وابو بصير ليث المرادي ومحمد ابن مسلم وبريد بن معاوية العجلي. ولولا هؤلاء ما كان احد يستنبط هذا. هؤلاء حفاظ الدين وامناء ابي عليه‌السلام على حلال الله وحرامه. وهم السابقون الينا في الدنيا والسابقون الينا في الآخرة (٤).

ودلالة هذين الخبرين على ان ليثاً كان في مستوى عال من الوثاقة غير خفي ولذا قال بعض : ان المدح المستفاد من هذه النصوص مما لا يتصور

__________________

١ ـ سماء المقال : ١ / ١٢٦.

٢ ـ قال المحقق التستري : انما وثق ابن الغضائري حديثه ، والكشي انما روى فيه اخباراً مختلفة والشيخ والنجاشي اهملاه ... ولكن الحق ترجيح اخبار مدحه ( قاموس الرجال : ١١ / ١١٩ ).

٣ ـ اختيار معرفة الرجال : ١٧٠ ، الحديث ٢٨٦.

٤ ـ المصدر نفسه : ١٣٦ ، الحديث ٢١٩.

٤٦٧

فوقه مدح ولا يعقل اعلى منه ثناء (١).

هذا ، مضافا إلى اعتضادها بمقالة غير واحد من الاصحاب في شأنه كالعلامة في « الخلاصة » والشهيد الثاني في « المسالك » والعلاّمة المجلسي في « الوجيزة » (٢). ويؤيده توثيق ابن الغضائري المعروف بكثرة التضعيف لحديثه وان طعن في دينه (٣).

اما الروايات الواردة في قدحه ، فلا تعارض ما دلت على مدحه قطعا لانها اما مرسلة او موثقة مع احتمال صدورها عن تقية كما صدرت في حق سائر الاجلاء كزرارة وهشام بن الحكم ، فقد روى الكشي عن عبدالله بن زرارة انه قال : قال لي ابو عبدالله عليه‌السلام : اقرأ مني على والدك السلام ، وقل له اني انما اعيبك دفاعاً مني عنك. فان الناس والعدو يسارعون إلى كل من قربناه وحمدنا مكانه لإدخال الاذى في من نحبه ونقربه ... فانما اعيبك لانك رجل اشتهرت بنا ـ إلى آخر الحديث (٤).

فاذن نقطع بوثاقة ليث بن البختري المرادي المكنى بابي بصير.

د ـ ان يحيى بن ابي القاسم الاسدي كان من اصحاب ورواة الائمة الثلاثة الباقر والصادق والكاظم عليهم‌السلام وكان مكفوفاً ضرير البصر قد رأى الدنيا مرة او مرتين. مات سنة خمسين ومائة فلم يدرك الرضا عليه‌السلام وكان هو مكنى بابي بصير وابي محمد وكان اسم أبيه اسحاق. روى الكشي عن محمد بن مسعود العياشي انه قال : سألت علي بن الحسن بن فضال عن ابي بصير ، فقال : اسمه يحيى بن ابي القاسم فقال : ابو بصير كان

__________________

١ ـ سماء المقال : ١ / ١٢١.

٢ ـ راجع المصدر نفسه : ١٢٢.

٣ ـ الخلاصة : ١٣٧ ، القسم الأول ، الباب ٢٢.

٤ ـ اختيار معرفة الرجال : ١٣٨ الرقم ٢٢١.

٤٦٨

يكنى ابا محمد وكان مولى لبني اسد وكان مكفوفاً (١).

هذا ولكن النجاشي ذكره بعنوان « يحيى بن القاسم ابو بصير الاسدي » وزاد عليه : « وقيل يحيى بن ابي القاسم واسم ابي القاسم اسحاق » (٢) ، وكلامه صريح في اختياره القول الأول وتمريض القول الثاني وهو وان كان خبيراً بالانساب ومتضلعاً في علم الرجال (٣) ، لكن مع كثرة الاقوال والاخبار الدالة على كونه يحيى بن ابي القاسم لا مجال لما ادعاه.

اما وثاقته وجلالة قدره فلا ريب فيهما لما صرح به علماء الرجال كالنجاشي والكشي والشيخ في عدته وابن الغضائري ومن تأخر عنهم. وروى الكشي بسند صحيح عن شعيب العقرقوفي ابن اخت ابي بصير انه قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : ربما احتجنا ان نسأل عن الشيء فمن نسأل؟ قال عليك بالاسدي ، يعني ابا بصير (٤).

وورلله أيضاً في اخبار عديدة ان الامامين الباقر والصادق عليهما‌السلام كانا يخاطبانه « يا ابا محمد » تعظيماً له ، كما ان الباقر عليه‌السلام ضمن له الجنة. وبالجملة وثاقته وفقاهته اظهر من ان يتردد فيه.

اما نسبة الوقف اليه ، فوهم ناش من زعم اتحاد ابي بصير هذا مع يحيى بن القاسم الحذاء الواقفي. والحال انه مات سنة خمسين ومائة والوقف حدث بعد شهادة مولانا الكاظم عليه‌السلام والحذّاء المذكور بقي إلى زمن الامام الرضا عليه‌السلام ، واما نسبة الغلو إليه ، فلم يقله احد وانكره ابن فضال ،

__________________

١ ـ اختيار معرفة الرجال : ١٧٤ الرقم ٢٩٦.

٢ ـ رجال النجاشي : ٤٤٠ الرقم ١١٨٧ ـ وصرح أيضاً في ترجمة عبدالله بن وضاح انه صاحب ابا بصير يحيى بن القاسم ( الصفحة ٢١٥ الرقم ٥٦٠ ).

٣ ـ قال الشهيد الثاني في المسالك : وظاهر حال النجاشي انه اضبط الجماعة واعرفهم بحال الرجال ... وهذا مما اختص به النجاشي.

٤ ـ اختيار معرفة الرجال : ١٧١ الرقم ٢٩١.

٤٦٩

كما انه نسبه إلى التخليط ولم يبين المراد منه. فنحن نأخذ بما اطبق عليه الجل بل الكل ولا نبالي بهذا القول المجمل من ابن فضال الفطحي ولا نرفع اليد عن الادلة القوية الدالة على جلالته باخبار احاد غير قطعية السند والمفاد.

هـ ـ ذكر الاصحاب في تمييز روايات كل من المرادي والاسدي عن الآخر قرائن وشواهد. وحيث ان كلا منهما ثقة جليل ، فلا فائدة مهمة في التمييز إلا عند تعارض رواياتهما. لأن المشهور ترجيح المرادي على الاسدي. وخيرة بعض آخر كالسيد الداماد والمحقق الخوانساري العكس.

لكنا نذكر ما ذكره الرجاليون تتميماً للفائدة واستيفاء للبحث فنقول : ان علي بن ابي حمزة روى عن الاسدي كثيراً وكان قائده (١) والظاهر انه لم يرو عن المرادي اصلاً. كما ان رواية شعيب العقرقوفي وعبدالله بن وضاح والحسين بن ابي العلاء وجعفر بن عثمان قرينة على كون المراد من ابي بصير هو الاسدي.

وإذا كان الراوي عن ابي بصير عبد الله بن مسكان أو أبا جميلة مفضَّل بن صالح أو أبان بن عثمان فالمراد به اللَّيث المرادي.

قال المحقّق التستري بعد ذكر مميزات الاسدي وتزييف بعضها ما هذا لفظه : « إذا كان يحيى وليث في عصر واحد فاي مانع من ان يروي كل من روى عن احدهما عن الآخر؟ حتى ان البطائني الذي اتفقوا على انه من رواة يحيى وقائد يحيى يجوز ان يروي عن ليث وان لم نقف عليه محققاً » (٢).

وقريب منه ما افاده العلاّمة الكلباسي في « سماء المقال » بعد الفحص عن مميزات كل من الاسدي والمرادي عن الآخر (٣). هذا ، وسيوافيك ما يدل

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ٦٥٦.

٢ ـ قاموس الرجال : ١١ / ١٦٧.

٣ ـ سماء المقال : ١ / ١٣٣.

٤٧٠

على ان ابا بصير بقول مطلق ، هو يحيى بن ابي القاسم ، ليس غير.

و ـ ان كلاً من المحقق التستري والعلاّمة الخوانساري افرد رسالة في تحقيق حال المكنين بابي بصير والمراد من هذه الكنية حيثما اطلقت ، وذهب كلاهما إلى ان المراد منه يحيى بن ابي القاسم الاسدي واقاما دلائل وشواهد عديدة. ونحن نأتي بما هو المهم منها :

قال المحقق التستري : « ان ابا بصير لا يطلق إلا على يحيى ... اما ليث فاما يعبر عنه بالاسم وهو الغالب ، واما بكنية مع التقييد بالمرادي. بخلاف يحيى ، فلم نقف في الكتب الاربعة وغيرها على التعبير عنه بالاسم إلا في سبعة مواضع بلفظ يحيى وتقييد كنيته بالاسدي او المكفوف او المكنى بابي محمد يسير أيضاً. والتعبير عنه بالكنية المجردة كثير وهو دليل الانصراف.

ويدل على ما قلنا امور :

منها : قول الصدوق في المشيخة : « وما كان فيه عن ابي بصير فقد رويته عن محمد بن علي ماجيلويه ـ إلى ان قال : عن علي بن ابي حمزة ، عن ابي بصير » (١) وكذا قوله : « ما كان فيه عن عبد الكريم بن عقبة فقد رويته عن ابي ( رضي الله عنه ) ... إلى ان قال : عن ليث المرادي ، عن عبد الكريم ابن عتبة الهاشمي » (٢).

فالصدوق لم يعبر عن يحيى بغير كنية مجردة (٣) ولم يعبر عن ليث بغير اسمه. كما انه قد روى في الفقيه في مواضع مختلفة عن ليث ، مصرحاً تارة

__________________

١ ـ الفقيه : ج ٤ ، شرح المشيخة الصفحة ١٨.

٢ ـ المصدر نفسه : ٥٥.

٣ ـ بدا السند في الفقة بابي بصير ما يقرب من ثمانين مورداً والمراد به يحيى. معجم الرجال : ٢٠ / ٢٧٤ ».

٤٧١

باسمه واخرى بكنيته مقيداً بالمرادي (١).

ومنها : قول العياشي في سؤاله عن ابن فضال عن ابي بصير. فلولا الانصراف لقال : سالته عن ابي بصير الاسدي ، ولأجابه ابن فضال ان ابا بصير يطلق على شخصين ، احدهما يحيى والآخر ليث. لم يجبه كذلك كما مر ، بل يمكن ان نقول ان سؤال العياشي دال على ان يحيى كان في الاشتهار بالكنية بمثابة حتى كأنّ الكنية اسمه ولا يعلم اسمه كل احد ، بل اوحدي مثل ابن فضال.

ومنها : ان النجاشي لم يذكر التكنية بابي بصير لغير يحيى. وحكى في ترجمة ليث ان بعضهم عرفه بابي بصير الاصغر.

فتلخص من جميع ما ذكرنا ان ابا بصير المذكور في اسانيد الاخبار اما يحيى جزماً واما مردد بين يحيى وليث ، وحيث ان كلا الرجلين في ذروة من الجلالة والوثاقة ، فلا يوجب الاشتراك جهالة او ضعفاً في السند.

الفائدة الحادية عشرة

قال صاحب « المعالم » في مقدمة المنتقى (٢) : « قد يرى في بعض الاحاديث عدم التصريح باسم الإمام الذي يروى عنه الحديث ، بل يشار اليه بالضمير. وظن جمع من الاصحاب ان مثله قطع ، ينافي الصحة. وليس ذلك على اطلاقه بصحيح ، إذا القرائن في اكثر تلك المواضع تشهد بعود الضمير إلى المعصوم. وهذا لأن كثيراً من قدماء رواة حديثنا ومصنفي كتبه كانوا يروون عن الائمة مشافهة ويوردون ما يروونه في كتبهم جملة ، وان كانت الاحكام التي في

__________________

١ ـ راجع الفقية : ١ / ١٥٨ ، الباب ٣٨ من كتاب الصلاة الحديث ١٨ : وسأل ليث المرادي ابا عبدالله عليه‌السلام ... ج ٢ ، الصفحة ٢١٦ ، الباب ١١٧ الحديث ١٣ ـ وسأله ليث المرادي.

٢ ـ المنتقى : ١ / ٣٩ ، الفائدة الثامنة ، بتصرف يسير.

٤٧٢

الروايات مختلفة.

فيقول احدهم في أول الكلام : « سألت فلاناً » ويسمي الامام الذي يروي عنه. ثم يكتفي في الباقي بالضمير ويقول : « سألته » او نحو هذا. ولا ريب ان رعاية البلاغة تقتضي ذلك. ولما ان نقلت تلك الاخبار إلى كتاب آخر صار لها ما صار في اطلاق الاسماء بعينه. ولكن الممارسة تطلع على انه لا فرق في التعبير بين الظاهر والضمير ».

الفائدة الثانية عشرة

قال المحقق المتقدم أيضاً : « يوجد في كثير من الاسانيد اسماء مطلقة مع اشتراكها بين الثقة وغيرها وهو مناف للصحة في ظاهر الحال. والسبب في ذلك ان مصنفي كتب اخبارنا القديمة كانوا يوردون فيها الاخبار المتعددة في المعاني المختلفة من طريق واحد ، فيذكرون السند في أول حديث مفصلاً ثم يجملون في الباقي اعتماداً على التفصيل اولاً. ولما طرأ على تلك الاخبار ، التحويل إلى كتاب آخر يخالف في الترتيب الكتاب الأول ، تقطعت تلك الاخبار. بحسب اختلاف مضامينها ، وإذا بعد العهد وقع الالتباس والاشكال.

ولكن الطريق إلى معرفة المراد فيه تتبع الاسانيد في تضاعيف ابواب المجاميع الروائية ومراجعة كتب الرجال المتضمنة لذكر الطرق كالفهرست وكتاب النجاشي وتعاهد ما ذكره الصدوق رحمه‌الله من الطرق إلى رواية ما اورده في كتاب « من لا يحضره الفقية » وللتضلع من معرفة الطبقات في ذلك اثر عظيم » (١).

ثم يذكر المراد من عدة من الاسماء المطلقة كحماد ، وعباس ، وعلاء ، ومحمد ، وابن مسكان ، وابن سنان وعبد الرحمن ، فمن اراد الوقوف ، فعليه

__________________

١ ـ المنتقى : ١ / ٣٤ ـ ٣٨ بتلخيص.

٤٧٣

بالمراجعة اليه.

الفائدة الثالثة عشرة

إن من المصطلحات الرائجة فى ألسن ائمة الرجال والتراجم والمحدّثين والفقهاء ألفاظ أربعة وهي : الكتاب ، الأصل ، التصنيف ( أو المصنف ) والنوادر. وربما يظهر من بعضهم أن كون الرجل ذا أصل أو ذا كتاب وتصنيف من أسباب الحسن والوثاقة. فيجب علينا أن نعرف المراد من هذه الألفاظ والفرق بينها أولا ، والمعرفة الاجمالية بالاصول المدونة للاصحاب في عهد الأئمة عليهم‌السلام ثانياً ، ووجه العناية بهذه الاُصول ومدى دلالتها على وثاقة المؤلف ثالثاً. فنقول : يقع البحث في مقامات :

الأول : في الالفاظ الاربعة

١ ـ الكتاب

إن الكتاب مستعمل في كلمات العلماء بمعناه المتعارف وهو أعمّ من الاصل والنوادر ـ وكذا من التصنيف على المشهور ـ ولا تقابل بينه وبينهما. بل يطلق على كل منهما الكتاب. فمثلا يقول الشيخ في رجاله في ترجمة أحمد بن ميثم : « روى عنه حميد بن زياد كتاب الملاحم وكتاب الدلالة وغير ذلك من الاُصول » (١).

وقال في اسباط بن سالم : « له كتاب أصل » (٢) ومثله ما قاله النجاشي

__________________

١ ـ رجال الشيخ : ٤٤٠ الرقم ٢١ ـ وقال بمثله في أحمد بن مسلمة ( سلمة ) ( الصفحة ٤٤٠ الرقم ٢٢ ) وفي أحمد بن الحسين بن مفلس الصفحة ٤٤١ الرقم ٢٦ وفي محمد بن عباس بن عيسى الصفحة ٤٤٩ الرقم ٥١ وفي يونس بن علي بن العطار الصفحة ٥١٧ الرقم ٢ وغيرهم من الذين ذكرهم المحقق التستري في مقدمة القاموس الصفحة ٤٨ ـ ٤٩ فراجع.

٢ ـ هكذا نقل عن الفهرست في قاموس الرجال : ١ / ٤٩ وادعى صاحب الذريعة في ج ٢ ،

٤٧٤

في ترجمة الحسن بن ايوب : « له كتاب اصل » (١). ويؤيد ذلك ان كثيراً مما اسماه الطوسي اصلاً ، سماه النجاشي كتاباً ، وبالعكس يعبر هو كثيراً عما سماه النجاشي « النوادر » بعنوان الكتاب وقليلاً ما يتفق عكس ذلك (٢).

٢ ـ الاصل

عرف الاصل بانه الكتاب الذي يمتاز عن غيره بأن جمع فيه مصنفه الاحاديث التي رواها عن المعصوم عليه‌السلام او عن الراوي عنه (٣). وبين العلاّمة الطهراني سبب هذه التسمية بقوله :

« ان كتاب الحديث ان كان جميع احاديثه سماعاً من مؤلفه عن الامام عليه‌السلام او سماعاً منه عمن سمع عن الامام عليه‌السلام ، فوجود تلك الاحاديث في عالم الكتابة من صنع مؤلفها وجود اصلي بدوي ارتجالي غير متفرع من وجود آخر ... كما ان أصل كل كتاب هو المكتوب الأولى منه الذي كتبه المؤلف فيطلق عليه النسخة الأصلية او الاصل لذلك » (٤).

ويظهر من الوحيد قدس‌سره أن بعضهم قال : إن الكتاب ما كان مبوَّباً ومفصلاً والاُصول مجمع أخبار وآثار. وردَّ بأن كثيراً من الاُصول مبوبة (٥).

٣ ـ التصنيف ( المصنف )

ظاهر كلام الشيخ في ديباجة « الفهرست » دالّ على أن التصنيف مقابل

__________________

الصفحة ١٤٠ الرقم ٥٢٢ ان هذا مطابق لما في النسخ الصحيحة. ولكن في النسخة المطبوعة من الفهرست ، الصفحة ٦٣ لا يوجد لفظة كتاب ، بل جاء فيها « له اصل ».

١ ـ رجال النجاشي : ٥١ الرقم ١١٣.

٢ ـ الذريعة : ٢٤ / ٣١٥.

٣ ـ الفوائد الرجالية للوحيد البهبهاني : ٣٣ ( المطبوع مع رجال الخاقاني ).

٤ ـ الذريعة : ٢ / ١٢٥.

٥ ـ الفوائد الرجالية : ٣٤.

٤٧٥

للأصل ، حيث قال فيها :

« إن أحمد بن الحسين بن عبيدالله الغضائري عمل كتابين : أحدهما ذكر فيه المصنفات والآخر ذكر فيه الاصول ».

ثم ذكر أنه نفسه جمع بينهما في « الفهرست » واعتذر عن ذلك بقوله : « لأن في المصنفين من له أصل فيحتاج إلى أن يعاد ذكره في كل واحد من الكتابين » (١).

وقال أيضاً في هارون بن موسى التلعكبري : « روى جميع الاُصول والمصنفات » (٢) كما أنه قال في حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي : « يروي جميع مصنفات الشيعة واُصولهم » (٣).

ومن هنا جزم المحقّق التستري أن بين الاصل والتصنيف تقابلاً ، وأن الكتاب أعمّ منهما. فكأنه أراد أن يقول في تعريف المصنف ( التصنيف ) أنه الكتاب الذي كان جميع أحاديثه أو أكثرها منقولاً عن كتاب آخر سابق وجوده عليه أو كان فيه كلام المؤلف كثيراً بحيث يخرجه عن اطلاق القول بأنه كتاب رواية.

وإنما قلنا « أكثرها » لأنه ربما كان بعض الروايات وقليلها ، يصل معنعناً ولا يؤخذ من اصل او كتاب سابق عليه ولكنه لا يوجب ذكره في عداد الاُصول قطعاً (٤).

أما الوحيد البهبهاني فيظهر منه أن المصنف أعمّ من الأصل والنوادر لأنه

__________________

١ ـ الفهرست : ٢٤.

٢ ـ رجال الشيخ : ٥١٦ الرقم ١.

٣ ـ المصدر نفسه : ٤٦٣ الرقم ٨.

٤ ـ هذا قريب ممّا أفاده الوحيد في فوائده الرجالية : ٣٤ المطبوعة في ذيل رجال الخاقاني فراجع.

٤٧٦

يطلق عليهما ، كما في ترجمة أحمد بن ميثم في فهرس الشيخ ، حيث قال : له مصنفات منها كتاب الدلائل ، كتاب المتعة ، كتاب النوادر ، كتاب الملاحم و ... (١) ولا يبعد صحة هذا القول ، كما يظهر من عبائر الاجلاء كالمحقق والشهيد الثاني وشيخنا البهائي عند ذكر الاُصول الاربعمائة وسيوافيك كلماتهم ـ إن شاء الله ـ.

فالذي يقوى في النظر أن الكتاب والمصنف مصطلحان مترادفان والمراد منهما كل ما دونه الاصحاب رحمهم‌الله (٢) والاصل قسم خاص من الكتاب او المصنف. وذكره في قبال التصنيف لا يدلّ على كونهما متقابلين ، بل الغرض منه بيان اختصاص بعض مصنفات الرجل بكونه اصلا. كما أن ذكر الاصل في قبال الكتاب لا يدل على التقابل أيضاً. ولعل منشأ هذا الاختصاص بالذكر هو العناية بشأن الاُصول.

٤ ـ النوادر

ذكر النجاشي عند عدّ كتب كثير من الاصحاب أن لهم كتاب « النوادر ».

فمثلاً يقول : « الحسين بن عبيدالله السعدي .. له كتب صحيحة الحديث ، منها : التوحيد ، المؤمن ، والمسلم ... النوادر ، المزار و ... » (٣). او يقول : « الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، كوفي ثقة كثير الرواية ، له كتاب مجموع ، نوادر » (٤). وكذا يقول : « الحسين بن عبيدالله بن إبراهيم الغضائري ، شيخنا رحمه‌الله ، له كتب ، منها : كتاب كشف التمويه والغمّة ، كتاب التسليم على أمير المؤمنين عليه‌السلام بامرة

__________________

١ ـ الفهرس : ٤٩ الرقم ٧٧.

٢ ـ قال النجاشي في ترجمة الحسن بن سعيد الاهوازي : « شارك اخاه في تأليف الكتب الثلاثين المصنفة » ( رجال النجاشي : ٥٨ الرقم ١٣٦ و ١٣٧ ) ، مع كونها من الاصول.

٣ ـ رجال النجاشي : ٤٢ الرقم ٨٦.

٤ ـ المصدر نفسه : ٤٠ الرقم ٨٢.

٤٧٧

المؤمنين ... ، كتاب النوادر في الفقه ، كتاب مناسك الحج ... » (١). ويقول في ترجمة صفوان بن يحيى : « وصنَّف ثلاثين كتاباً كما ذكر أصحابنا. يعرف منها الآن : كتاب الوضوء ، كتاب الصلاة ، كتاب الصوم ... كتاب البشارات ، نوادر » (٢).

والتأمل في الموارد التي ذكرها هو ـ وتبلغ خمسين ومائة مورد ـ يرشدنا إلى أن النوادر اسم للكتب المدونة التي ليس لمطالبها موضوع معين او ليست لرواياتها شهرة متحققة ، سواء كانت الاحاديث الواردة فيها عن امام واحد او اكثر ، او كان موضوع الكتاب واحداً مع تفرق مضامين رواياته بحيث لا يمكن تبويبها. وإلى هذا اُشير في الموسوعة القيمة « الذريعة » حيث جاء فيها :

« إن النوادر عنوان عام لنوع من مؤلفات الاصحاب في القرون الاربعة الاُولى كان يجمع فيها الاحاديث غير المشهورة او التي تشتمل على أحكام غير متداولة او استثنائية او مستدركة لغيرها » (٣).

ثم سرد عدداً من أسامي هذه الكتب يقرب من مائتي كتاب وذكر أنه استخرجها من كتب الكشي والنجاشي والطوسي ، مصنفي الاصول الرجالية قدس‌سرهم.

ومن هنا يظهر وجه تسمية بعض الأبواب الموجودة في الجوامع الحديثية بعنوان النوادر ، كنوادر الصلاة ، ونوادر الزكاة ونحوه. لأن الاحاديث المذكورة

__________________

١ ـ المصدر نفسه : ٦٩ الرقم ١٦٦.

٢ ـ المصدر نفسه : ١٩٧ الرقم ٥٢٤ ـ ولمزيد الاطلاع انظر الارقام التالية في نفس المصدر : ٢٠ ، ٢١ ، ٢٥ ، ٢٧ ، ٣٠ ، ٣٦ ، ٤٥ ، ٧٢ ، ٧٤ ، ٧٦ ، ٨١ ، ٨٥ ، ٩٩ ، ١٢٥ ، ١٣٢ ، ١٣٣ ، ١٣٤ ، ١٣٩ ، ١٤١ وغيرها.

٣ ـ الذريعة : ٢٤ / ٣١٥.

٤٧٨

في هذه الابواب إما مستدركة وإما شاذّة غير معمول بها عند الاصحاب (١) ، واما غير قابل لذكر العنوان لها بسبب قلته.

قال الوحيد في فوائده : « أما النوادر فالظاهر أنه ما اجتمع فيه أحاديث لا تضبط في باب ، لقلته بأن يكون واحداً او متعدّداً لكن يكون قليلاً جدّاً ... وربما يطلق النادر على الشاذ. والمراد من الشاذّ ما رواه الراوي الثقة مخالفاً لما رواه الاكثر وهو مقابل المشهور. ونقل عن بعض أن النادر ما قل روايته وندر العمل به ، وادّعى أنه الظاهر من كلام الاصحاب. ولا يخلو من تأمل » (٢).

هذا ، ومن الكتب المشهورة في هذا المضمار نوادر محمد بن أحمد بن يحيى المشهور بدبَّة شبيب. قال النجاشي : « ولمحمد بن أحمد بن يحيى كتب ، منها : كتاب « نوادر الحكمة » وهو كتاب حسن كبير يعرفه القمّيون بدبَّة شبيب. قال : وشبيب فامي كان بقم له دبَّة ذات بيوت ، يعطي منها ما يطلب منه من دهن. فشبَّهوا هذا الكتاب بذلك » (٣).

أما النسبة بين الاصل والنوادر ، فقال الوحيد قدس‌سره : « الاصل أن النوادر غير الاصل وربما يعدّ من الاُصول ، كما يظهر في أحمد بن الحسن بن سعيد وأحمد بن سلمة وحريز بن عبدالله » (٤).

اما الأول فقد قال الشيخ في الفهرست : « أحمد بن الحسين بن سعيد ، له كتاب النوادر. ومن أصحابنا من عدّه من جملة الاصول » (٥) وقال في الثالث : « حريز بن عبدالله السجستاني ، له كتب ، منها كتاب الصلاة ، كتاب

__________________

١ ـ ولعل غرض الشيخ الطوسي من تبديل عنوان النوادر في كتابه التهذيب بابواب الزيادات للارشاد إلى انها مستدركة لا شاذة.

٢ ـ الفوائد الرجالية : ٣٥.

٣ ـ رجال النجاشي : ٣٤٨ الرقم ٩٣٩.

٤ ـ الفوائد الرجالية : ٣٣.

٥ ـ الفهرست : ٥٠ الرقم ٧٠. والنجاشي ترجمه بعنوان أحمد بن الحسن بن سعيد.

٤٧٩

النوادر ، تعدّ كلها في الاُصول » (١).

كما أن النجاشي قال في مروك بن عبيد : « قال أصحابنا القمّيون : نوادره اصل » (٢). وعلى هذا لا يبعد صحة القول بأن النسبة بين الاصل والنوادر هو العموم والخصوص من وجه. بمعنى جواز أن يكون المؤلف أصلاً من جهة ونوادر من جهة اُخرى (٣). واستيفاء البحث والرأي الجازم متوقف على التتبّع التامّ في كتب الفهرس.

بقي شيء وهو أنه قد يقع النوادر والأصل مقابلين للكتاب ، كما في ترجمة معاوية بن الحكيم وعباس بن معروف (٤) ، ومن المعلوم ـ كما أشرنا آنفاً ـ ان الغرض بيان الفرق بين الكتاب الذي ليس بأصل او ليس من النوادر وبين ما هو أصل او من النوادر ، وهذا لا يدل على التقابل بينه وبينهما.

وملخص القول : إنّ الكتاب أعمّ من الاصل والنوادر ، وكذا التصنيف أعمّ منهما على ما اخترنا والنسبة بين الاصل والنوادر التباين ظاهراً وان لم يكن احتمال نسبة العموم والخصوص من وجه بينهما ببعيد.

الثاني : في الاصول المدونة في عصر ائمتنا عليهم‌السلام

صرح جمع من أعاظم المحدثين والمؤرخين أن أصحاب الائمة عليهم‌السلام صنّفوا اُصولاً وأدرجوا فيها ما سمعوا عن كل من مواليهم عليهم‌السلام ، لئلا يعرض لهم نسيان وخلط ، او يقع فيه دسّ وتصحيف.

__________________

١ ـ المصدر نفسه : ١٨٨ الرقم ٢٥٠.

٢ ـ رجال النجاشي : ٤٢٥ الرقم ١١٤٢.

٣ ـ هذا ، ولكن ادعى في الذريعة ان من تتبع الموارد يستنتج ان النوادر ليس اصلاً مروياً. ( الذريعة : ٢٤ / ٣١٨ ).

٤ ـ قال النجاشي : « معاوية بن حكيم بن معاوية ... له كتب ، منها : كتاب الطلاق وكتاب الحيض وكتاب الفرائض و ... وله نوادر » ( رجال النجاشي : ٤١٢ الرقم ١٠٩٨ وقال في عباس بن معروف ان له كتاب الآداب وله نوادر ( الصفحة ٢٨١ الرقم ٧٤٣ ).

٤٨٠