كليات في علم الرجال

الشيخ جعفر السبحاني

كليات في علم الرجال

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٣١

الفصل الثامن

في فرق الشيعة الواردة في الكتب

* الكيسابية والزيدية.

* الناووسية والاسماعيلية.

* الفطحية والواقفية.

* الخطابية والمغيرية.

* الغلاة.

٤٠١
٤٠٢

ربما يضعف الراوي لاجل انتمائه إلى بعض فرق الشيعة كالكيسانية والفطحية والواقفية ، كما يضعف من غير جانب العقيدة ككونه متساهلاً في الرواية ، غير ضابط في النقل ، إلى غير ذلك من موجبات التضعيف في جانب العمل ، ولاجل ايقاف القارئ على مبدأ تكوّن هذه الفرق وعقائدها إجمالاً عقدنا هذا الفصل ، ليكون القارئ على بصيرة عند الوقوف على اسماء هذه الفرق. نعم اكثر هذه الفرق بائدة هالكة ، لم يبق منهم إلا الزيدية والاسماعيلية ، وانما تشكل اكثرية الشيعة ، الفرقة الإمامية التي تطلق عليها الاثنا عشرية أيضاً.

الشيعة هم المسلمون الذين بقوا على ما عهد اليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كون الإمام بعده علي بن ابي طالب عليه‌السلام وان ذلك المنصب ، منصب يعين صاحبه من عند الله سبحانه ، كما ان منصب النبوة كذلك.

وليست الشيعة فرقة حادثة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كسائر الفرق التي تكونت بعد النبي في ظل الابحاث الكلامية.

ان المسلمين اختلفوا بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسألة الإمامة ، فذهبت عدة كثيرة منهم إلى ان الإمامة سياسة زمنية تناط باختيار العامة

٤٠٣

وينتصب بنصبهم ، وذهبت عدة اخرى إلى انها قضية اصولية وهي ركن الدين ، ولا يجوز للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اغفاله واهماله ولا تفويضه إلى العامة ، واستدلوا على ذلك بما ورد في الكتاب حول الإمامة ، وما سمعوه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم الدار ويوم الغدير وغيرهما من المقامات.

واما تسميتهم بالشيعة فانما هو لاجل ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمى محبي علي بن ابي طالب ومقتفيه شيعة. روى السيوطي في تفسير قوله سبحانه : ( ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية ) (١) اخرج ابن عساكر عن جابر بن عبدالله قال : كنا عند النبي ، فاقبل علي ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « والذي نفسي بيده ان هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ». ونزل ( ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية ). فكان اصحاب النبي إذا اقبل علي قالوا : « جاء خير البرية » واخرج ابن عدي وابن عساكر عن ابي سعيد مرفوعاً : « علي خير البرية ».

وأخرج ابن عدي عن ابن عبّاس قال : لمّا نزلت ( انّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ : « أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين ».

واخرج ابن مردويه عن علي ، قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ألم تسمع قول الله ( ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية ) انت وشيعتك ، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جيئت الامم للحساب تدعون غراً محجّلين » (٢).

والحاصل ؛ ان الشيعة على وجه الاجمال هم الذين بقوا على ما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق الوصي ولم يغيروا طريقه ، فالشيعة ليست

__________________

١ ـ البيّنة : ٧.

٢ ـ الدر المنثور تأليف الحافظ جلال الدين السيوطي : ٦ / ٣٧٩ ـ والمراد المحجلين هو المشرقون والمضيئون.

٤٠٤

فرقة مختلقة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يخلقهم السياسات الزمنية ، ولا الابحاث الكلامية ، بل لم تتكوّن الشيعة إلا في نفس عصر النبي ، فبقوا على ما كان النبي عليه وان كانوا من حيث العدد قليلين.

هذا هو اصل الشيعة الذي يجمع جميع فرقها الاعتقاد بأن الإمامة قضية اصولية غير مفوضة إلى الامة ، بل إلى الله سبحانه وتعالى بعد وفاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله .

نعم تفرقت الشيعة حسب مرور الزمان وحسب السياسات الوقتية والابحاث الكلامية إلى فرق مختلفة ، غير انه لم يبق من تلك الفرق إلا ثلاث فرق وهم : الإمامية ، الزيدية ، والاسماعيلية ، والفرقة الشاخصة من بينها هي الإمامية المعتقدة بامامة الائمة الاثني عشر ، اولهم علي بن ابي طالب فالحسن ، فالحسين ، فعلي بن الحسين ، فمحمد بن علي ، فجعفر بن محمد ، فموسى بن جعفر ، فعلي بن موسى ، فمحمد بن علي ، فعلي بن محمد ، فالحسن بن علي ، فمحمد بن الحسن القائم الذي يملأ الله به الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ـ صلوات الله عليهم اجمعين ـ.

فكلما اطلقت الشيعية في زماننا تنصرف إلى الشيعة الإمامية ، اما غيرهم كالزيدية والاسماعيلية فيحتاج إلى قرينة.

نعم كانت الفرق الشيعة الاخرى موجودة في عصر الائمة وبعده ، ولاجل ذلك جاء اسماء عدة من فرق الشيعة في اسناد الروايات ، فلاجل ذلك نبحث عن الفرق الشائعة الرائجة في عصرهم عليهم‌السلام وبعده بقليل ، وان شرب عليهم الدهر وابادتهم واهلكتهم ، فلم يبق منهم اثر في الأزمنة الاخيرة ، واليك بيانها :

١ ـ الكيسانية

قيل : ان كيسان مولى امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام.

٤٠٥

وقيل : هو المختار بن ابي عبيدة الثقفي ، وعلى كل تقدير ، هم الذين يعتقدون بامامة محمد بن الحنفية بعد امير المؤمنين عليه‌السلام وقيل لا بل بعد الحسن والحسين وكان كيسان يدعو الناس اليه وقد نسب إلى تلك الفرقة عقائد سخيفة في كتاب الملل والنحل (١).

قال ابو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي :

والكيسانية يرجع محصَّلها إلى فرقتين : احداهما تزعم ان محمد بن الحنفية حي لم يمت ، وهم على انتظاره ويزعمون انه المهدي المنتظر ، والفرقة الثانية منهم يقرّون بامامته في وقته وبموته ، وينقلون الإمامة بعد موته إلى غيره ويختلفون بعد ذلك في المنقول اليه (٢).

وكان السيد الحميري ايام عدم استبصاره يذهب مسلك الكيسانية ، وان رجع عنه واستبصر ، وقد قال في ذلك الزمان اشعاره التالية :

إلاّ ان الائمة من قريش

ولاة الحق ، اربعا سواء

علي والثلاثة من بنيه

هم الأسباط ليس بهم خفاء (٣)

ثم ان الكيسانية تفرقوا إلى هاشمية ، إلى بيانية ، إلى رزامية ، ولا حاجة إلى البحث عن عقائدهم ومن اراد فليراجع إلى محالها.

٢ ـ الزيدية

وهم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام عدلوا عن إمامة الإمام الباقر عليه‌السلام إلى إمامة أخيه « زيد » وهم ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة عليها‌السلام ولم يجوّزوا

__________________

١ ـ الملل والنحل : ١ / ١٤٧.

٢ ـ الفرق بين الفرق : ٢٣.

٣ ـ الملل والنحل : ١٥٠ ـ ١٩٠.

٤٠٦

ثبوت الإمامة في غيرهم ، إلا أنهم جوزوا أن يكون كل فاطمي عالم شجاع سخيّ خرج بالإمامة ، إماماً واجب الطاعة سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين عليهما‌السلام ، ولمّا قتل زيد بن علي وصلب سنة ١٢١ هـ ، قام بالإمامة بعده يحيى بن زيد ومضى إلى خراسان واجتمعت عليه جماعة كثيرة ، وقد وصل اليه الخبر من الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام بأنه يقتل كما قتل أبوه ، ويصلب كما صلب أبوه ، فجرى عليه الأمر كما اُخبر في سنة ١٢٦ هـ ، وقد فوَّض الأمر بعده إلى محمد وإبراهيم اللَّذين خرجا بالمدينة ، ومضى إبراهيم الى البصرة واجتمع الناس عليه وقتل أيضا.

فزيد بن علي قتل بكناسة الكوفة ، قتله هشام بن عبد الملك ، ويحيى بن زيد قتل بجوزجان خراسان ، قتله أميرها ، ومحمد الإمام قتل بالمدينة ، قتله عيسى بن ماهان ، وإبراهيم الإمام قتل بالبصرة أمر بقتله المنصور.

والزيدية أصناف ثلاثة : الجارودية ، والسليمانية ، والبترية. والصالحية منهم والبترية على مذهب واحد.

الف ـ الجارودية : أصحاب أبي الجارود زياد بن المنذر ، وقد نقل عنهم الشهرستاني بأنهم زعموا أن النبي نصّ على علي بالوصف دون التسمية ، وقد خالفوا في هذه المقالة إمامهم زيد بن علي ، فانه لم يعتقد هذا الاعتقاد وقد وردت في ذمّ أبي الجارود روايات في رجال الكشي (١).

قال النجاشي : « زياد بن المنذر أبو الجارود الهمداني الخارفي ... كان من أصحاب أبي جعفر وروى عن أبي عبدالله عليهما‌السلام وتغيَّر لمّا خرج زيد ( رضي الله عنه ) إلى أن قال : له تفسير القرآن ، رواه عن أبي جعفر عليه‌السلام » (٢) وتفسيره هذا هو الذي بثّه تلميذ القمي في تفسيره ، كما

__________________

١ ـ رجال الكشي : الرقم ١٠٤.

٢ ـ رجال النجاشي : الرقم ٤٤٨.

٤٠٧

أوضحنا حاله ، والرجل انحرف عن إمامة أبي جعفر بعد خروج زيد أخيه ، وأسَّس فرقة الجارودية.

ب ـ السليمانية : وهم أصحاب سليمان بن جرير ، وكان يقول : إن الإمامة شورى في ما بين الخلق ، ويصحّ أن تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين ، وأنها تصحّ في المفضول مع وجود الافضل ، وقالوا إن الأمة أخطأت في البيعة لهما مع وجود علي ( رضي الله عنه ) خطأ لا يبلغ درجة الفسق ، وذلك الخطأ خطأ اجتهادي ، غير أنه طعن في عثمان للأحداث التي أحدثها وكفرّه بذلك.

ج ـ الصالحية والبترية : الصالحية ، أصحاب الحسن بن صالح بن حيّ ، والبترية ، أصحاب كثير ، وهما متّفقان في المذهب وقولهم في الإمامة كقول السليمانية ، إلا أنهم توقفوا في أمر عثمان أهو مؤمن أم كافر (١).

قال عبد القاهر بن طاهر البغدادي : « فأما الزيدية فمعظمها ثلاث فرق وهي : الجارودية والسليمانية وقد يقال الجريرية أيضاً ، والبترية ، وهذه الفرق الثلاث يجمعها القول بإمامة زيد بن علي بن الحسين في أيام خروجه ، وكان ذلك في زمن هشام بن عبد الملك » (٢).

ثم إن النوبختي مؤلف « فرق الشيعة » وهو من أعلام القرن الثالث ذكر فرق الزيدية في كلام مبسوط (٣).

٣ ـ الناووسية

وهم الذين قالوا إن جعفر بن محمد عليهما‌السلام حيّ لم يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي اُمور الناس ، وأنه هو المهدي عليه‌السلام وزعموا

__________________

١ ـ راجع فيما نقلناه حول الزيدية إلى الملل والنحل : ١ / ١٥٤ ـ ١٦١.

٢ ـ الفرق بين الفرق : ٢٢.

٣ ـ لاحظ : الصفحة ٣٨ من « فرق الشيعة ».

٤٠٨

أنهم رووا عنه أنه قال : « إن رأيتم رأسي قد أهوى عليكم من جبل فلا تصدّقوه ، فإني أنا صاحبكم » وأنه قال لهم : « ان جاءكم من يخبركم عنّي أنه غسلني وكفنني فلا تصدّقوه ، فإني صاحبكم صاحب السيف » وهذه الفرقة تسمّى الناووسية ، وسمّيت بذلك لرئيس لهم من أهل البصرة يقال له فلان بن فلان الناووس (١).

وقال عبد القاهر : وهم أتباع رجل من أهل البصرة كان ينتسب إلى « ناووس » بها وهم يسوقون الإمامة إلى جعفر الصادق بنصّ الباقر عليه وأنه المهدي المنتظر (٢).

وقال الشهرستاني قريباً منه ; غير أنه قال : « هم أتباع رجل يقال له ناووس »(٣).

٤ ـ الإسماعيلية

هم طائفة يقولون إن الإمام بعد جعفر الصادق عليه‌السلام هو ابنه اسماعيل ، إلا أنهم اختلفوا في موته في حال حياة أبيه ، فمنهم من قال : لم يمت إلا أنه أظهر موته تقيّة من خلفاء بني العباس ، ومنهم من قال : موته صحيح ، والنصّ لا يرجع قهقري ، والفائدة في النصّ بقاء الإمامة في أولاد المنصوص عليه دون غيرهم ، فالإمام بعد اسماعيل هو محمد بن اسماعيل ، وهؤلاء يقال لهم المباركية. ثم منهم من وقف على محمد بن اسماعيل وقال برجعته بعد غيبته.

ومنهم من ساق الإمامة في المستورين منهم ، ثمَّ في الظاهرين القائمين

__________________

١ ـ فرق الشيعة : ٧٨.

٢ ـ الفرق بين الفرق : ٦١.

٣ ـ الملل والنحل : ١ / ١٦٦.

٤٠٩

من بعدهم وهم الباطنية (١).

قال عبد القاهر البغدادي : « إن الاسماعيلية ساقوا الإمامة إلى جعفر وزعموا أن الإمام بعده اسماعيل وافترق هؤلاء فرقتين :

فرقة منتظرة لإسماعيل بن جعفر مع اتفاق أصحاب التواريخ على موت اسماعيل في حياة ابيه ، وفرقة قالت : كان الإمام بعد جعفر ، سبطه محمد بن اسماعيل بن جعفر ، حيث إن جعفراً نصب أبنه اسماعيل للإمامة بعده ، فلمّا مات اسماعيل في حياة أبيه علمنا أنه إنما نصب ابنه اسماعيل ، للدلالة على إمامة ابنه محمد بن اسماعيل وإلى هذا القول مالت الاسماعيلية من الباطنية » (٢).

قال النوبختي : « فرقة زعمت أن الإمام بعد جعفر بن محمد ، ابنه اسماعيل بن جعفر وأنكرت موت اسماعيل في حياة أبيه ، وقالوا : كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس ، لأنه خاف فغيَّبه عنهم ، وزعموا أن اسماعيل لا يموت حتى يملك الارض ويقوم بأمر الناس ، وأنه هو القائم لأن أباه اشار اليه بالإمامة بعده ، وقلدهم ذلك له وأخبرهم أنه صاحبه ، والإمام لا يقول إلا الحق ، فلمّا ظهر موته علمنا أنه قد صدق وأنه القائم وأنه لم يمت وهذه الفرقة هي الاسماعيلية الخالصة » (٣).

وفي الختام نلفت نظر القارئ إلى أن الإمام حسب عقيدة الشيعة الإمامية لم يقل بإمامة اسماعيل قطّ ، وإنما الناس كانوا يزعمون ذلك لكبره وما تسالموا عليه من أن الأمر في الأكبر ما لم يكن به عاهة.

__________________

١ ـ الملل والنحل : ١ / ١٦٧ ـ ١٦٨.

٢ ـ الفرق بين الفرق : ٦٣.

٣ ـ فرق الشيعة : ٨٩.

٤١٠

٥ ـ الفطحية أو الافطحية

وهم الذين يقولون بانتقال الإمامة من الصادق إلى ابنه عبدالله الافطح ، وهو اخو اسماعيل من ابيه وامه وكان اسن اولاد الصادق ، زعموا انه قال : الإمامة في اكبر اولاد الإمام ، وهو ما عاش بعد ابيه إلا سبعين يوماً ومات ولم يعقب له ولداً ذكرا (١).

سماهم عبد القاهر في « الفرق بين الفرق » باسم العمارية ، وهم منسوبون إلى زعيم منهم يسمى عمارين ، وهم يسوقون الأمامة إلى جعفر الصادق عليه‌السلام ثم زعموا ان الإمام بعده ولده عبدالله وكان اكبر اولاده ولهذا قيل لاتباعه « الأفطحية » (٢).

وقال النوبختي : « هذه الفرقة هي القائلة بامامة عبدالله بن جعفر ، وسموا الفطحية لأن عبدالله كان افطح الرأس ( عريضه ) ـ إلى ان قال : ومال إلى هذه الفرقة جلّ مشايخ الشيعة وفقهائهم ولم يشكّوا في ان الأمامة في عبدالله بن جعفر وفي ولده من بعده ، فمات عبدالله ولم يخلف ذكراً ، فرجع عامة الفطحية عن القول بامامته سوى قليل منهم إلى القول بامامة موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، وقد كان رجع جماعة منهم في حياة عبدالله إلى موسى بن جعفر عليهما‌السلام ثم رجع عامتهم بعد وفاته عن القول به ، وبقي بعضهم على القول بامامته ، ثم امامة موسى بن جعفر من بعده وعاش عبدالله بن جعفر بعد ابيه سبعين يوماً او نحوها » (٣).

__________________

١ ـ الملل والنحل : ١ / ١٦٧.

٢ ـ الفرق بين الفرق : ٦٢.

٣ ـ فرق الشيعة : ٨٨ ـ ٨٩.

٤١١

٦ ـ الواقفة

وهم الذين ساقوا الامامة إلى جعفر بن محمد ، ثم زعموا ان الإمام بعد جعفر كان ابنه موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، وزعموا ان موسى بن جعفر حي لم يمت ، وانه المهدي المنتظر ، وقالوا انه دخل دار الرشيد ولم يخرج منها وقد علمنا امامته وشككنا في موته فلا نحكم في موته إلا بتعيين ، هذا مع ان مشهد موسى بن جعفر معروف في بغداد (١).

وقال الشهرستاني : « كان موسى بن جعفر هو الذي تولى أمر الصادق وقام به بعد موت ابيه ورجع اليه الشيعة واجتمعت عليه مثل المفضل بن عمر وزرارة بن اعين وعمار الساباطي ، ثم ان موسى لما خرج واظهر الإمامة حمله هارون الرشيد من المدينة ، فحبسه عند عيسى بن جعفر ، ثم اشخصه إلى بغداد عند السندي بن شاهك ، وقيل ان يحيى بن خالد بن برمك سمه في رطب فقتله ، ثم اخرج ودفن في مقابر قريش واختلفت الشيعة بعده ـ إلى ان قال : ومنهم من توقف عليه وقال : انه لم يمت وسيخرج بعد الغيبة ويقال لهم الواقفية » (٢).

وقال النوبختي : « ان وجوه اصحاب ابي عبدالله ثبتوا على امامة موسى بن جعفر ، حتى رجع إلى مقالتهم عامة من كان قال بامامة عبدالله بن جعفر فاجتمعوا جميعاً على امامة موسى بن جعفر ، ثم ان جماعة المؤمنين بموسى بن جعفر بعد ما مات موسى في حبس الرشيد صاروا خمس فرق ، فمن قال مات ورفعه الله اليه وأنه يردّه عند قيامه فسمّوا هؤلاء الواقفية » (٣).

غير أن هؤلاء لم يشيروا إلى أنه كيف برزت تلك الفرقة ولكنَّ أبا عمرو

__________________

١ ـ الفرق بين الفرق : ٦٣.

٢ ـ الملل والنحل : ١ / ١٦٨ ـ ١٦٩.

٣ ـ فرق الشيعة : ٨٩ ـ ٩١.

٤١٢

الكشي صاحب الرجال المعروف قد كشف الستر عن كيفية نشوء هذه الفرقة وقال ما هذا خلاصته : « كان بدء الواقفية انه كان اجتمع ثلاثون الف رجل عند الاشاعثة لزكاة اموالهم وما كان يجب عليهم فيها ، فحملوها إلى وكيلين لموسى بن جعفر عليهما‌السلام بالكوفة ، احدهما حنان السراج وآخر كان معه ، وكان موسى عليه‌السلام في الحبس ، فاتخذا بذلك دوراً وعقاراً واشتريا الغلات ، فلما مات موسى عليه‌السلام وانتهى الخبر اليهما ، انكرا موته واذاعا في الشيعة انه لا يموت ، لانه القائم ، فاعتمدت عليهما طائفة من الشيعة وانتشر قولهما في الناس حتى كان عند موتهما اوصيا بدفع المال إلى ورثة موسى عليه‌السلام واستبان للشيعة انهما انما قالا ذلك حرصاً على المال » (١).

واعلم ان اطلاق الوقف ينصرف إلى من وقف على الكاظم عليه‌السلام ولا ينصرف إلى غيرهم إلا بالقرينة. نعم ربما يطلق على من وقف على الكاظم من الائمة في زمانه عليه‌السلام ، ويستفاد من الروايات المروية في رجال الكشي في ترجمة يحيى بن أبي القاسم اطلاق الوقف في حال حياة الكاظم عليه‌السلام (٢).

وبهذا يعلم ان الواقفية صنفان ، صنف منهم وقفوا على الكاظم في زمانه واعتقدوا كونه قائم آل محمد عليهم‌السلام وماتوا في زمانه كسماعة ، وصنف وقفوا عليه بعد موته ولا يصح تضليل من وقف على الكاظم في زمان حياته لشبهة حصلت له ، لانه عرف إمام زمانه.

وها هنا كلمة قيمة للوحيد البهبهاني ، يرشدنا إلى علة حصول شبهة الوقف في بعض الشيعة وهو ان الشيعة من فرط حبهم دولة الائمة وشدة تمنيهم اياها وبسبب الشدائد والمحن التي كانت عليهم وعلى ائمتهم ، كانوا دائماً

__________________

١ ـ رجال الكشي : ٣٩٠ ، الرقم ٣٢٩.

٢ ـ رجال الكشي : ٤٠٢ ـ ٤٠٣ ، الرقم ٣٤٦ و ٣٤٧.

٤١٣

مشتاقين إلى دولة قائم آل محمد عليهم‌السلام ، متوقعين لوقوعه عن قريب ، ولاجل ذلك قيل ان الشيعة تربي بالاماني ، ومن ذلك انهم كانوا كثيراً ما يسألون عن ائمتهم عن قائمهم ، فلربما قال واحد منهم فلان ـ يعني الذي يجيء بعد ـ تسلية لخواطرهم ، تصوروا ان المراد هو الذي يجيء بعد ذلك الإمام بلا فاصلة وهم من فرط ميل قلوبهم وزيادة حرصهم ربما كانوا لا يتفطنون (١).

٧ ـ الخطابية

وهم فرقة يتظاهرون بالوهية الإمام الصادق عليه‌السلام وان ابا الخطاب ـ اعني محمد بن مقلاص ابا زينب الأسدي الكوفي الأجدع ، البزاز ـ نبي مرسل ، أمر الصادق عليه‌السلام بطاعته وهم احلوا المحارم وتركوا الفرائض ، وقد اورد الكشي في رجاله روايات كثيرة في ذمه وقد قتله عيسى بن موسى صاحب المنصور في الكوفة.

روى الكشي عن عيسى بن ابي منصور قال : سمعت ابا عبدالله عليه‌السلام عندما ذكر ابو الخطاب عنده فقال : اللّهم العن ابا الخطاب فانه خوفني قائماً وقاعداً وعلى فراشي ، اللّهم اذقه حر الحديد.

وقد نقل عن إبراهيم بن ابي اسامة قال : قال رجل لابي عبدالله عليه‌السلام : اُؤخر المغرب حتى تستبين النجوم؟ فقال : خطابية ان جبرائيل انزلها على رسوله حين سقط القرص.

ونقل أيضاً عن يونس بن عبد الرحمن ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : كتب ابو عبدالله إلى ابي الخطاب بلغني انك تزعم ان الزنا رجل ، وان الخمر رجل ، وان الصلاة رجل ، والصيام رجل ، والفواحش رجل وليس هو كما تقول. انا اصل الحق ، وفروع الحق طاعة الله ، وعدونا اصل الشر ،

__________________

١ ـ الفرائد الرجالية ، الفائدة الثانية : ٤٠.

٤١٤

وفروعهم الفواحش ، كيف يطاع من لا يعرف وكيف يعرف من لا يطاع؟ (١).

ثم ان الخطابية لما بلغهم ان جعفر بن محمد عليهما‌السلام لعنه وبرأ منه ومن اصحابه تفرقوا اربع فرق.

قال الشهرستاني : « ان ابا الخطاب عزى نفسه إلى ابي عبدالله جعفر بن محمد الصادق ولما وقف الصادق على غلوه الباطل في حقه ، تبرأ منه ولعنه وأمر اصحابه بالبراءة منه ، وشدد القول في ذلك ، وبالغ في التبري منه واللعن عليه فلما اعتزل عنه ادعى الإمامة لنفسه ».

ثم ذكر قسماً من ارائه الفاسدة والفرق المنتمية اليه (٢).

٨ ـ المغيرية

وهم اتباع المغيرة بن سعيد العجلي خرج بظاهر الكوفة في امارة خالد بن عبدالله القسري فظفر به فاحرقه واحرق اصحابه سنة ١١٩ هـ (٣).

روى الكشي عن الرضا عليه‌السلام : « كان المغيرة بن سعيد يكذب على ابي جعفر فاذاقه الله حر الحديد ».

وروى عن ابن مسكان عمن حدثه من اصحابنا عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : « لعن الله المغيرة بن سعيد ، انه كان يكذب على ابي فاذاقه الله حر الحديد ، لعن الله من قال فينا ما لا نقوله في انفسنا ولعن الله من ازالنا عن العبودية لله الذي خلقنا واليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا » (٤).

وروى أيضاً عن يونس بن عبد الرحمن ان بعض اصحابنا سأله وانا حاضر

__________________

١ ـ راجع في هذه الروايات واضرابها ; رجال الكشي : ٢٤٦ ، رقم الترجمة ١٣٥.

٢ ـ الملل والنحل : ١ / ١٧٩ ـ ١٨١.

٣ ـ تاريخ الطبري : ٥ / ٤٥٦ تحت عنوان : خروج المغيرة بن سعيد في نفر وذكر الخبر عن مقتلهم.

٤ ـ رجال الكشي : ١٩٥ ـ ١٩٦ ، رقم الترجمة ١٠٣.

٤١٥

فقال له : يا ابا محمد ما اشدك في الحديث واكثر انكارك لما يرويه اصحابنا ، فما الذي يحملك على رد الاحاديث؟ فقال : حدثني هشام بن الحكم انه سمع ابا عبدالله عليه‌السلام يقول : « لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنة او تجدون معه شاهداً من احاديثنا المتقدمة ، فان المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب اصحاب ابي احاديث لم يحدث بها ابي ».

وروى الكشي عن يونس قال : « وافيت العراق فوجدت بها قطعة من اصحاب ابي جعفر عليه‌السلام ووجدت اصحاب ابي عبدالله عليه‌السلام متضافرين فسمعت منهم واخذت كتبهم فعرضتها بعد على ابي الحسن الرضا عليه‌السلام فانكر منها احاديث كثيرة ان تكون احاديث ابي عبدالله عليه‌السلام وقال لي : ان ابا الخطاب كذب على ابي عبدالله عليه‌السلام ، لعن الله ابا الخطاب وكذلك اصحاب ابي الخطاب يدسون هذه الاحاديث إلى يومنا هذا في كتب اصحاب ابي عبدالله ، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن ».

وروى أيضاً عن يونس عن هشام بن الحكم انه سمع ابا عبدالله عليه‌السلام يقول : « كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على ابي ويأخذ كتب اصحابه ، وكان اصحابه المستترون باصحاب أبي يأخذون الكتب من اصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة ، فكان يدس فيها الكفر والزندقة ويسندها إلى ابي ، ثم يدفعها إلى اصحابه فيأمرهم ان يبثوها في الشيعة ، فكل ما كان في كتب اصحاب ابي من الغلو فذاك ما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم » (١).

وهذه الاحاديث تعطي بوضوح ان الدس كان يرجع إلى الغلوّ في الفضائل والمغالاة ، كما يصرح به قوله : « فكان يدس فيها الكفر والزندقة » وقوله :

__________________

١ ـ راجع رجال الكشي : ١٩٥ ـ ١٩٦.

٤١٦

« فكل ما كان في كتب اصحاب ابي من الغلو » وكانت الاحاديث المروية حول الفروع والاحكام محفوظة عن الدس.

قال النوبختي : « اما المغيرية اصحاب المغيرة بن سعيد فانهم نزلوا معهم ( مع الزيدية ) إلى القول بامامة محمد بن عبدالله بن حسن وتولوه واثبتوا امامته ، فلما قتل صاروا لا إمام لهم ولا وصي ولا يثبتون لاحد امامة بعده » (١).

وما ذكره النوبختي يكشف عن وجه عداوته للامام الباقر عليه‌السلام ، فان الزيدية ومن لف لفهم يعتقدون بامامة زيد بن علي بعد الحسين ، ثم امامة يحيى بن زيد بن علي ، وبعده بامامة عيسى بن زيد بن علي ، ثم بامامة محمد بن عبدالله بن الحسن الملقب بالنفس الزكية المقتول في المدينة سنة ١٤٥.

والرجل لانحرافه عن الامام الباقر كان يدس في كتب اصحابه ليشوه سمعته بادخال الاحاديث الحاكية عن المغالاة في الفضائل (٢).

٩ ـ الغلاة

وهم الذين غلوا في حق النبي وآله حتى اخرجوهم من حدود الخليقة ، والخطابية والمغيرية من هذه الصنوف غير ان كثرة ورودهم على السن الائمة وفي طيات الاحاديث صارت سبباً لعنوانهم مستقلين وان كان الكل داخلاً تحت هذا العنوان ( الغلاة ).

ثم ان الغلاة صنوف قد عدهم الشهرستاني احد عشر صنفاً منهم : السبائية ، الكاملية ، العليائية ، المغيرية ، المنصورية ، الخطابية ، الكيالية ، الهشامية ، النعمانية ، اليونسية ، النصيرية ( الاسحاقية ) ثم ذكر آراءهم وعقائدهم (٣).

__________________

١ ـ فرق الشيعة : ٧١ ـ ٧٢.

٢ ـ راجع في تفسير احواله : الملل والنحل : ١ / ١٧٦ ـ ١٧٧.

٣ ـ لاحظ الملل والنحل : ١ / ١٧٤ ـ ١٩٠.

٤١٧

اقول : ما ذكره من الصنوف وما نسب إليهم من الآراء السخيفة غير ثابت جدّاً ، خصوصاً ما زعم من الفرقة السبائية التي أصبحت اسطورة تاريخية اختلقها بعض المؤرّخين ونقلها الطبري بلا تحقيق وأخذ عنه الآخرون وهكذا ساق واحد بعد واحد (١).

ويتلوه في البطلان ما نسبه إلى هشام بن حكم من الآراء كالتشبيه وغيره ، فإن هذه الآراء ممّا يستحيل أن ينتحل بها تلميذ الإمام الصادق عليه‌السلام الذي تربّى في أحضانه ، ومن الممكن جدّاً ، بل هو الواقع أن رمي هشام بهذه الآراء إنما جاء من جانب المخالفين والحاسدين لفضله والمنكرين لفضل بحثه ، فلم يجدوا مخلصاً إلا تشويه سمعته بنسبة الأقاويل الباطلة اليه (٢).

ومثله ما نسبه إلى محمد بن نعمان أبي جعفر الاحول الملقّب بمؤمن الطاق وإن لقَّبه مخالفوه بشيطان الطاق عصياناً لقوله سبحانه : ( ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق ) الحجرات : ١١.

هذه ليست أول قارورة كسرت في التاريخ ، بل لها نظائر وأماثل كثيرة ، فكم من رجال صالحين شوَّه التاريخ سمعتهم ، وكم من أشخاص طالحين قد وزن لهم التاريخ بصاع كبير ، وعلى أي تقدير فلا نجد لأكثر هذه الفرق بل جميعها مصداقاً في أديم الارض ، ولو وجد من الغلاة من الطراز الذي ذكره الشهرستاني في الجوامع الاسلامية ، فإنما هي فرقة العلياوية وهم الذين يقولون بربوبية علي بن أبي طالب عليه‌السلام وربما يفسر النصيرية أيضا بهذا المعنى (٣).

__________________

١ ـ لاحظ كتاب عبدالله بن سبأ للعلاّمة السيد مرتضى العسكري.

٢ ـ انظر كتاب هشام بن حكم للعلاّمة الشيخ نعمة ، فقد ألف كتاباً في ترجمة هشام بن حكم ونزه ساحته عن تلك المغالاة.

٣ ـ نقله العلاّمة المامقاني عن بعض معاصريه. لاحظ مقباس الهداية : ١٤٦.

٤١٨

قال الكشي : « وقالت فرقة بنبّوة محمد بن نصير الفهري النميري ، وذلك أنه ادّعى أنه نبي رسول ، وأن علي بن محمد العسكري أرسله ، وكان يقول بالتناسخ والغلوّ في أبي الحسن الهادي عليه‌السلام ويقول فيه بالربوبية ـ إلى آخر ما قاله » (١).

وقال النوبختي : « فرقة من القائلين بامامة علي بن محمد في حياته قالت بنبوَّة رجل يقال له محمد بن نصير النميري ، وكان يدَّعي أنه نبي بعثه أبو الحسن العسكري ، وكان يقول بالتناسخ والغلوّ في أبي الحسن الهادي ، ويقول فيه بالربوبية ويقول بالاباحة للمحارم » (٢).

وعلى كل تقدير ، فلا جدوى في البحث عن الغلاة على النحو الذي ذكره الشهرستاني وغيره في كتابه ، فان الرواة الواردين في أسناد الروايات ، منزهون عن الغلوّ بهذا المعنى الذي يوجب الخروج عن التوحيد والاسلام ، ويلحق الرجل بالكفار والمشركين ، كالقول بالربوبية ورسالة غير نبيّنا أو غير ذلك.

نعم وصف عدَّة من الرواة بالغلوّ والمغالاة ووقعوا في أسناد الروايات ، فيجب البحث عن هذا الطراز من الغلوّ لأن وضع كتابنا لا يقتضي إلا البحث فيما يرجع إلى الرواة والرجال الذين جاءت أسماؤهم في أسناد الروايات.

التفويض ومعانيه

إن الفرقة المعروفة بالغلوّ هي فرقة المفوّضة ، غير أنه يجب تحقيق معناها حتى يتبين الصحيح عن الزائف فنقول : إن التفويض يفسر بوجوه :

الأول : تفويض خلقة العالم إلى النبي والأئمة عليهم‌السلام وأنهم هم الخالقون والرازقون والمدبرون للعالم.

__________________

١ ـ رجال الكشي : ٤٣٨.

٢ ـ فرق الشيعة : ١٠٢ ـ ١٠٣.

٤١٩

وغير خفيّ أن التفويض بهذا المعنى شرك على وجه ، وباطل على وجه آخر. فلو قالوا بأن الله سبحانه فوض أمر الخلق والتدبير اليهم عليهم‌السلام واعتزل هو عن كل شيء ، فهذا هو الشرك والكفر ، يخالفه العقل والبرهان ، ويضادّه صريح الآيات. قال سبحانه ( بديع السموات والأرض أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء وهو بكل شيء عليم * ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل ) الانعام : ١٠١ ـ ١٠٢.

وقال سبحانه : ( إنَّ ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستّة أيام ثم استوى على العرش يدبّر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون ) يونس : ٣.

ولو زعموا أن النبي والأئمة من جملة الأسباب لخلق العالم وتدبيره ، وأن الفاعل الحقيقي والسبب الواقعي هو الله سبحانه ، وهو لم يعتزل بعد ، وإنما جعلهم في مرتبة الاسباب والعلل ، فهذا القول وإن كان لا يوجب الشرك ، لكنه غير صحيح ، فان النبي والأئمة عليهم‌السلام ليسوا من أسباب الخلقة ، بل هم يستفيدون من تلك الاسباب الطبيعية وتتوقف حياتهم على وجود العلل والأسباب المادية ، فكيف يكونون في مرتبة العلل والأسباب؟ فالنبي والإمام يستنشقان الهواء ، ويسدّان جوعهما بالطعام ، ويداويان بالادوية إلى غير ذلك من الاُمور التي يتصف بها كل الناس.

نعم إن للعالم الامكاني ظاهره وباطنه ، دنياه واُخراه مدبراً ومدبّرات يدبّرون الكون بأمره سبحانه كما ينبئ عنه قوله تعالى : ( فالمدبّرات أمراً ) النازعات : ٥.

وقال سبحانه : ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) التحريم : ٦.

٤٢٠