كليات في علم الرجال

الشيخ جعفر السبحاني

كليات في علم الرجال

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٣١

ولاجل ذلك لا يتبادر ذلك المعنى من توصيف غير الكافي بهذه الصفات كمعاجم اللغة والتاريخ والسير ، مثلا إذا قيل : « لسان العرب » من أجلّ الكتب في اللغة او ان تاريخ الطبري لم يعمل مثله.

وقد ذكر قدس‌سره في ضمن الوجه الثالث الذي سيوافيك ، ما يمكن ان يكون مؤيدا لكلامه هذا وقال : « ان هناك كتباً لا ينظر إلى اسانيد احاديثها ، فلا يكون الكافي أجلّ هذه الكتب إلا إذا اشتمل على تلك المزيَّة ، وإلا فلا يصح ان يعدّ من اجلها ».

اقول : لم اقف على كتاب يشتمل على تلك المزية ، ولو اراد منه الاصول المؤلفة في عصر الائمة ، فصريح الشيخ في « العدة » اشتراط صحة الاحتجاج بها بكون راويها ثقة. قال في بيان ما هو المختار فى باب حجية خبر الواحد : « وجدت الفرقة المحقة مجمعة على العمل بهذه الاخبار التي رووها في تصانيفهم ، ودونوها في اصولهم لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه ، حتى ان واحداً منهم إذا افتى بشيء لا يعرفونه ، سألوه من اين قلت هذا. فاذا أحالهم على كتاب معروف ، او اصل مشهور وكان راويه ثقة لا ينكر حديثه ، سكتوا وسلموا الأمر في ذلك وقبلوا قوله » (١).

وهذه العبارة صريحة في ان ورود الخبر في الاصول المدونة ، لم يكن كافياً في الاحتجاج ما لم يحرز وثاقة راويه ، فاذا كان هذا حال الاصول فغيرها اولى بلزوم المراجعة.

وعلى فرض وجود ما لا ينظر إلى اسانيده فالظاهر ان المراد من قولهم « ان الكافي اجلّ الكتب » وما اشبه هذا ، تفوّقه على سائر الكتب الحديثية من جهة الاسلوب والتبويب والجامعية والضابطية ، إلى غير ذلك من المزايا التي لا توجد في نظائرها المتقدمة عليه او المتأخرة عنه ، لا انه جامع لمزية كل كتاب

__________________

١ ـ عدة الاصول : ٣٣٨ ، الطبعة الحديثة.

٣٦١

كان قبله ، ويعلم مفاد هذه المدائح من امعان النظر في الكتب التي مدحت بهذه المدائح مثلاً يقال : « البحار جامع حديثي لم يعمل مثله » او « الجواهر من جلائل الكتب الفقهية » فليس النظر تصحيح كل ما في البحار من الروايات ، وتصديق كل ما جاء في الجواهر من الفتيا ، بل الجامعية في الأول ، وكثرة الفروع ودقة النظر في الثاني هي الباعثة إلى توصيفهما بما ذكرناه ، وليس المراد ان كل مزية موجودة في الكتب الحديثية او الفقهية موجودة فيهما.

الوجه الثاني : المدائح الواردة في حق المؤلف

ذهب المحدث النوري إلى ان المدائح الواردة في حق الكليني ، تستلزم صحة روايات كتابه واعتبارها وعدم لزوم المراجعة إلى آحاد اسناد رواياتها واليك بعض تلك المدائح :

١ ـ قال النجاشي : « ان الكليني أوثق الناس في الحديث واثبتهم ».

٢ ـ وقال العلاّمة في « الخلاصة » بمثله.

وهذا القول من مثل النجاشي لا يقع موقعه إلا ان يكون الكليني واجداً لكل ما مدح به الرواة والمؤلفون مما يتعلق بسند الحديث واعتبار الخبر ، ومن اجل المدائح واشرف الخصال المتعلقة بالمقام ، الرواية عن الثقات ونقل الاخبار الموثوق بها ، كما ذكروه في تراجم جماعة.

قال الشيخ في « الفهرس » : « علي بن الحسن الطاطري كان واقفياً شديد العناد في مذهبه ـ إلى ان قال : وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم ».

وقال ايضاً : « جعفر بن بشير ، كثير العلم ثقة روى عن الثقات ورووا عنه ».

٣٦٢

وقال النجاشي بمثله في ترجمة محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني.

وقال الشيخ في « العدة » : « سوَّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن ابي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن ابي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بانهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممن يوثق به ، وبين ما اسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم ».

وصرح العلاّمة في « المختلف » بأن ابن ابي عقيل شيخ من علمائنا تقبل مراسيله لعدالته ومعرفته.

فاذا كان ابو جعفر الكليني اوثقهم واثبتهم في الحديث ، فلابد وان يكون جامعاً لكل ما مدح به آحادهم من جهة الرواية فلو روى عن مجهول ، او ضعيف ممن يترك روايته ، او اخبراً يحتاج إلى النظر في سنده ، لم يكن اوثقهم واثبتهم ، فان كل ما قيل فى حق الجماعة من المدائح والاوصاف المتعلقة بالسند يرجع اليهما ، فان قيس مع البزنطي واضرابه وجعفر بن بشير لابد وان يحكم بوثاقة مشايخه ، وان قيس مع الطاطري واصحاب الاجماع ، فلا مناص من الحكم بصحة حديثه وانه لم يودع في كتابه إلا ما تلقّاه من الموثوقين بهم وبرواياتهم.

ثم ان النجاشي قال بعد توصيفه بالاوثقية بانه ألفّ الكافي في عشرين سنة ، وظاهر ان ذكره لمدة تأليفه لبيان اثبتيته وانه لم يكن غرضه مجرد جمع شتات الاخبار ، فانه لا يحتاج إلى هذه المدة الطويلة ، بل ولا إلى عشرها ، بل الغرض جمع الاحاديث المعتبرة المعتمدة الموثوق بها ، وهذا يحتاج إلى هذه المدة ، لاحتياجه إلى جمع الاصول والكتب المعتبرة ، واتصالها إلى اربابها بالطرق المعتبرة والنظر في متونها وتصحيحها وتنقيحها.

ويظهر من اوثقيته واثبتيته أيضاً ، انه مبرء عن كل ما قدح به الرواة وضعفوا

٣٦٣

به من حيث الرواية ، كالرواية عن الضعفاء والمجاهيل ، وعمن لم يلقه ، وسوء الضبط ، واضطراب ألفاظ الحديث ، والاعتماد على المراسيل التي لم يتحقق وثاقة الساقط عنده ، وامثال ذلك مما لا ينافي العدالة ولا يجتمع مع التثبت والوثاقة (١).

وقد نقلنا كلامه بطوله لما فيه من فوائد ونكات ، ومع ذلك كله ، فالنتيجة التي استنبطها غير صحيحة لوجوه :

أوّلاً : ان الاوثقية صفة تفضيل من الوثاقة ، والمراد منه التحرز عن الكذب لاجل العدالة والورع ، كما ان الاثبتية وصف تفضيل من التثبت ، والمراد منه قلة الزلّة والخطأ وندرة الاشتباه ، فلو كان غير متحرز عن الكذب لا يكون ثقة ، ولو كان كثير الزلة والخطأ ، لا يكون ثبتاً.

هذا حال المادة ، وعليه يكون معنى « الاوثق » هو الواقع في الدرجة العليا من التحرز عن الكذب ، كما يكون معنى « الاثبت » هو المصون عن الزلة والعثرة بوجه ممتاز.

وعلى ذلك فلا يدل اللفظان على ما رامه المحدث النوري وان اتعب نفسه الشريفة في جمع الشواهد لما قصده.

وبالجملة ، لا يستفاد من اللفظين ان كل ما يوصف به معدود من الرواة في الفضائل فهو حاصل فيه على الوجه الاتم والاشد بل المراد تنزيهه من جهة التحرز عن الكذب ، وتوصيفه من جهة الصيانة عن الاشتباه والزلة ، وانه من تينك الجهتين في الدرجة العليا.

واين هو من صحة عامة رواياته لاجل وثاقة رواتها ، او اكتنافها بالقرائن الداخلية ، كما هو المدعى؟

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٤ ـ ٥٣٥.

٣٦٤

ثانياً : اتصاف جماعة من اصحابنا بعدم الرواية او الارسال إلا عن ثقة ، على فرض ثبوته ، فضيلة لهم ، ليست لها دخالة في الاتصاف بالوثاقة ، بحيث لو لم يكن الكليني مثلهم لا يكون اوثق الناس واثبتهم ، لما عرفت من ان المادة والهيئة لا ترميان إلا إلى التحرز عن الكذب ، والسداد عن الزلة وقلة الاشتباه ، من دون نظر إلى سائر الجهات.

ثالثاً : ان الرواية عن الضعفاء مع ترك التسمية يخالف الوثاقة ، واما الرواية عنهم معها فلا يخالفها ابداً ، نعم اكثار الرواية من الضعفاء كان امراً مذموماً ، وقد رُمي به أحمد بن محمد بن خالد البراقي ، واما النقل عنهم على الوجه المتعارف مع التسمية فلا ينافي الوثاقة والثبت ، فلا مانع من ان يروي الكليني مع ذكر اسمائهم ومع ذلك يكون من اوثق الناس واثبتهم.

رابعاً : ان المتحرزين في النقل عن الضعفاء ، انما يتحرزون في النقل عنهم بلا واسطة ، واما النقل عنهم بواسطة الثقات ، فقد كان رائجاً ، وهذا هو النجاشي لا يروي إلا عن ثقة بلا واسطة ، واما معها فيروي عنه وعن غيره ، ولاجل ذلك يقول في ترجمة ابي المفضل محمد بن عبدالله بن محمد : « كان سافر في طلب الحديث عمره ، اصله كوفي وكان في أول امره ثبتاً ثم خلط ، ورأيت جلّ اصحابنا يغمزونه ويضعفونه ، له كتب ـ إلى ان قال : رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيراً ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه » (١).

وعلى ذلك فأقصى ما يمكن ان يقال : ان الكليني لا يروي في كتابه بلا واسطة إلا عن الثقات ، واما معها فيروي عن الثقة وغيره ، واما الالتزام بالنقل عن الثقات في جميع السلسلة فلم يثبت في حق احد ، إلا المعروفين بهذا الوصف ، اعني ابن ابي عمير وصفوان والبزنطي كما اوضحناه.

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ١٠٥٩.

٣٦٥

خامساً : إن تأليف الكافي في عشرين سنة ، لم يكن لأجل تمييز الصحيح عن غيره ، وجمع الروايات الموثوق بها فقط ، بل كان هذا أحد الاهداف ، ولكن كان هناك أسباب اُخر لطول المدّة ، وهو السعي في العثور على النسخ الصحيحة المقروءة على المشايخ ، أو المسموعة عنهم وانتخاب الصحيح عن الغلط ، والأصح من الصحيح ، والدّقة في مضمون الرواية ، ووضعها في الباب المناسب له ، إلى غير ذلك من الاسباب التي تأخذ الوقت الثمين من المؤلف ، ولم يكن التأليف يومذاك أمراً سهلاً ، ولم تكن الكتب مطبوعة منتشرة حتى يمهّد الطريق للمؤلف.

نعم ، مع ذلك لم يكن هدفه أيضاً مجرّد الجمع بلا دقّة ، والتأليف بلا ملاحظة الاسناد والمتون ، ولكن لا على وجه يغني عن ملاحظة الاسناد مطلقاً ، وعلى كل حال ، فالكتاب مع جلالته عمل فردي لا يمكن أن يكون نقيّاً عن الاشتباه والزلة غير محتاج إلى التنقيب والتفتيش ، فجهوده الكبرى مشكورة لا يستغنى عنها ، ولكن لا يكتفى بها.

الوجه الثالث : كون المؤلف في عصر الغيبة الصغرى

أشار السيد علي بن طاووس في « كشف المحجّة » في مقام بيان اعتبار الوصية المعروفة التي كتبها أمير المؤمنين لولده الحسن عليهما‌السلام وقد نقلها من كتاب « رسائل الائمة » للكليني ، إلى وجه آخر لاعتبار أحاديث الكافي وقال ما هذا لفظه : « والشيخ محمد بن يعقوب كان حيّاً في زمن وكلاء المهدي ـ صلوات الله عليه ـ : عثمان بن سعيد العمري ، وولده أبي جعفر محمد ، وأبي القاسم بن روح ، وعليّ بن محمد السيمري رحمهم‌الله ، وتوفي محمد بن يعقوب قبل وفاة علي بن محمد السيمري ، لأن علي بن محمد السيمري توفّي في شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة والكليني توفي ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، فتصانيف الكليني ورواياته في زمن الوكلاء

٣٦٦

المذكورين في وقت يجد طريقاً إلى تحقيق منقولاته وتصديق مصنفاته » (١).

ونقله المحدّث الحرّ إلى قوله « في زمن الوكلاء المذكورين » (٢) ولم ينقل تتَّمة كلامه الذي هو أوفى دلالة على ما هو بصدد اثباته.

وقال المحدّث النوري بعد نقل كلام السيد : « نتيجة ما ذكره من المقدّمات عرض الكتاب على أحدهم وإمضاؤه وحكمه بصحته ، وهو عين إمضاء الإمام عليه‌السلام ، وهذا وان كان أمراً غير قطعي يصيب ويخطئ ، ولا يجوز التشبّث به في المقام ، إلا أن التأمل في مقدماته يورث الظن القوي والاطمئنان التامّ او الوثوق بما ذكره ، فانه رحمه‌الله كان وجه الطائفة وعينهم ومرجعهم كما صرحوا به ، في بلد اقامة النوّاب ، وكان غرضه من التأليف ، العمل به في جميع ما يتعلق بامور الدين ، لاستدعائهم وسؤالهم عنه ذلك كما صرح به في أول الكتاب ، وكان بمحضره في بغداد ، يسألون عن الحجة عليه‌السلام بتوسّط أحد من النواب عن صحة بعض الاخبار ، وجواز العمل به ، وفي مكاتيب محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري اليه عليه‌السلام من ذلك جملة وافرة وغيرها ، فمن البعيد أنه رحمه‌الله في طول مدة تأليفه وهي عشرون سنة لم يعلمهم بذلك ، ولم يعرضه عليهم مع ما كان فيما بينهم من المخالطة والمعاشرة بحسب العادة وكانت الشيعة يسألون عن الابواب حوائج واُموراً دنيوية تعسرت عليهم يريدون قضاءها وإصلاحها ، وهذا أبو غالب الزراري استنسخ قسماً كبيراً من أبواب الكافي ورواه عن مؤلفه بالقراءة عليه او بالاجازة ، فمن البعيد أن لا يعرضه على الأبواب مع أنه رفع مشكلة زوجته فوافاه الجواب.

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٢ ـ وجاءت العبارة المذكورة في المحجة المطبوعة ( الصفحة ١٥٩ ) الى قوله « تحقيق منقولاته » وليس من الجملة الاخيرة فيها أثر ، نعم توجد في النسخة المكتوبة المصححة بقلم المحدث النوري في حاشيتها العبارة الاخيرة.

٢ ـ الوسائل : ٢ / ٧١.

٣٦٧

وكان عرض الكتاب على النواب مرسوماً ، روى الشيخ في غيبته أنه لما عمل الشلمغاني كتاب التكليف ، قال الشيخ أبو القاسم بن روح : اطلبوا إليّ لأنظره ، فجاؤوا به فقرأه من أوله إلى آخره ، فقال ما فيه شيء إلا وقد روي عن الائمة إلا في موضعين أو ثلاثة ، فانه كذب عليهم في روايتها ـ لعنه الله ـ.

وقد سئل الشيخ من كتب ابن أبي العزاقر بعد ما ذمّ وخرجت فيه اللعنة فقيل : كيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملأى؟ فقال : أقول فيها ما قاله ابو محمد الحسن بن علي ـ صلوات الله عليهما ـ وقد سئل عن كتب بني فضّال ، فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملأى؟ فقال ـ صلوات الله عليه ـ : « خذوا ما رووا وذروا ما رأوا ».

فمن البعيد غاية البعد أن أحداً منهم ( النواب ) لم يطلب من الكليني هذا الكتاب الذي عمل لكافة الشيعة ، او لم يره عنده ولم ينظر اليه ، وقد عكف عليه وجوه الشيعة وعيون الطائفة ، وبالجملة فالناظر إلى جميع ذلك لعلَّه يطمئن إلى ما أشار اليه السيد الأجل ، وتوهّم أنه لو عرض على الإمام عليه‌السلام ، او على أحد من نوابه لذاع واشتهر ، منقوض بالكتب المعروضة على آبائه الكرام ـ صلوات الله عليهم ـ ، فانه لم ينقل الينا كل واحد منها إلا بطريق أو بطريقين » (١).

أقول : ما ذكره مبنيّ على أمرين غير ثابتين ، بل الثابت خلافه.

١ ـ كون الكليني مقيماً ببغداد وقام بتأليفه بمرأى ومسمع من النواب ، وكان بينه وبينهم مخالطة ومعاشرة.

٢ ـ إن الجهة الباعثة إلى عرض كتاب ( التكليف ) على أبي القاسم بن روح ، كانت موجودة في الكافي أيضاً واليك بيان الأمرين :

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٢ ـ ٥٣٣.

٣٦٨

أما الأول : فيه أوّلاً : أن صريح قول النجاشي في ترجمته « شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم » أنه كان مقيماً بالري ، مؤلفا فيها ، وإنما انتقل في اُخريات عمره إلى بغداد ، ولم نقف على سنة انتقاله إلى بغداد ومدّة اقامته فيها ، وان ادّعى بعضهم أنه أقام بها سنتين ثم توفي ، ومن البعيد أن لا يستنسخ منه في موطنه عدّة نسخ بواسطة تلاميذه قبل الانتقال إلى بغداد ، ولا ينتشر في الاقطار الاسلامية ، ولو صحّ ذلك فلا فائدة من العرض بعد النشر ، ولا في الاستظهار بعد البثّ ، وانما يكون مفيداً لو عرض قبل النشر واستظهر قبل البثّ ، حتى يعالج ما يحتاج إلى الاصلاح.

وثانياً : إنه لم تكن بينهما مخالطة ومعاشرة ، بشهادة انه لم يرو عن أحد من النواب في أبواب الكافي ، حتى ما يرجع إلى الإمام الحجة عليه‌السلام ، وهذا يعرب عن عدم خلطته ومعاشرته معهم ، وإلا لنقل منهم رواية او روايات في الابواب المختلفة ، ومع هذا فكيف يصحّ أن يدّعي أنه عرض كتابه عليهم واستظهر منهم الحال.

وثالثاً : انه لو عرض هو نفسه او احد تلاميذه ، كتابه عليهم ، لذكره في ديباجة الكتاب ، وقد كتب الديباجة بعد تأليف الكتاب كما هو ظاهر لمن لاحظها ، وما ذكره المحدّث النوري من أن هنا كتباً معروضة على الإمام ، لم ينتقل إلا بطريق او طريقين غير تامّ ، لأن هذه الكتب عرضت على الإمام بعد وفاة مؤلفيها ، والمدّعى أنه عرض الكافي بواسطة المؤلف او تلاميذه في حياة مؤلفه ، فطبع الحال يقتضي أنه لو كان نفس المؤلف عرضه ، لأثبته في المقدمة قطعاً ، تثبيتاً لموقف الكتاب الذي ألّفه ليكون مرجعاً للشيعة في جميع الاعصار.

وأما الثاني : فلأن الداعي إلى عرض كتاب الشلمغاني ، هو احتمال انه أدخل فيه لأجل انحرافه ما لم يصدر عنهم عليهم‌السلام ، وكان كتاب التكليف كالرسالة العملية ينظر فيه كل عاكف وباد ، وعمل بما فيه ، وأين هو

٣٦٩

من كتاب الكافي الذي ألفه الثقة الثَّبت الورع ، الذي نقطع بعدم كذبه على الأئمة عليهم‌السلام ، فلا حاجة للعرض ، وإلا لوجب عرض غيره من الجوامع ، مثل جامع البزنطي ، ومحاسن البرقي ، ونوادر الحكمة للأشعري. كل ذلك يؤيد أنه كان هنا سبب خاص لعرض كتاب التكليف دون غيره من الكتب.

وعلى الجملة ، إن قياس كتاب الكافي بكتاب التكليف ، قياس مع الفارق ، وقد ألف الشيخ الشلمغاني كتاب التكليف حال استقامته ، ثم ادعى ما ادعى ، فخرج التوقيع على لعنه والبراءة منه من الناحية المقدسة عام ٣١٢ ، وصار ذلك مظنة للسؤال عن كتابه الذي كان كالرسالة العملية ، فصار العمل به مظنة الضلال ، كما أن تركه كان مظنّة ترك ما يصحّ العمل به.

ولأجل هذا المحذور المختصّ به ، رفع الأمر إلى الشيخ أبي القاسم بن روح ، فطلب الكتاب وطالعه وعين مواضع ضلاله ، واين هذا من كتاب الكافي الذي ألفه الثقة الثبت ليكون مصدراً ومرجعاً للفقهاء ولا بأس بنقل ما ورد حول كتاب التكليف.

منها : ما رواه الشيخ في كتاب « الغيبة » عن ابن زهومة النوبختي ، قال : سمعت روح بن أبي القاسم بن روح يقول : « لمّا عمل محمد بن علي الشلمغاني كتاب التكليف ، قال ابو القاسم الحسين بن روح : اطلبوه إليّ لأنظره ، فقرأه من أوله إلى آخره ، فقال : ما فيه شيء إلا وقد روي عن الائمة ، إلا في موضعين او ثلاثة ، فانه كذب عليهم في روايتها ـ لعنه الله ـ (١).

ومنها : ما رواه أيضاً بسنده عن عبدالله الكوفي خادم الشيخ حسين بن روح قال : « سئل الشيخ ـ يعني أبا القاسم ـ عن كتب ابن ابي العزاقر بعد ما ذمّ وخرجت فيه اللّعنة ، وقيل له فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منه ملأى؟ فقال : أقول

__________________

١ ـ الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٥١ ـ ٢٥٢ طبعة النجف.

٣٧٠

فيها ما قاله ابو محمد الحسن بن علي ـ صلوات الله عليهما ـ وقد سئل عن كتب بني فضال ، فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملأى؟ فقال ـ صلوت الله عليه ـ : « خذوا بما رووا وذروا ما رأوا » (١).

وروى ايضاً عن سلامة بن محمد قال : « انفذ الشيخ الحسين بن روح كتاب التأديب (٢) إلى قم ، وكتب إلى جماعة الفقهاء بها فقال لهم : انظروا في هذا الكتاب وانظروا فيه شيء يخالفكم؟ فكتبوا اليه : انه كله صحيح ، وما فيه شيء يخالف ، إلا قوله « الصاع في الفطرة نصف صاع من طعام » و « الطعام عندنا مثل الشعير من كل واحد صاع » (٣).

قال العلاّمة المجلسي : « اما جزم بعض المجازفين بكون جميع الكافي معروضاً على القائم عليه‌السلام ، لكونه في بلد السفراء فلا يخفى ما فيه ، نعم عدم انكار القائم وآبائه ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ عليه وعلى امثاله في تأليفاتهم ورواياتهم مما يورث الظن المتاخم للعلم بكونهم عليهم‌السلام راضين بفعلهم ومجوزين للعمل باخبارهم » (٤).

تقييم العرض على وكيل الناحية

ثم ان الشيعة عرضت كتب الشلمغاني على الشيخ ابي القاسم وكيل الناحية ، لأجل درايته بالحديث وتعرفه على كلمات الائمة عليهم‌السلام ، ولأجل ذلك لما عرض عليه كتاب التكليف قال : « ما فيه شيء إلا وقد روي عن الائمة إلا موضعين او ثلاثة » لا لأجل عرضه على القائم عليه‌السلام ، حتى انه قد انفذ الكتاب نفسه ( التأديب ) إلى فقهاء قم ، والتمس نظرهم فيه ، فكتبوا في حقه ما عرفته ، فاذا كان عرض الكتاب على الشيخ ابي القاسم لأجل

__________________

١ ـ كتاب الغيبة : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ طبعة النجف.

٢ ـ هذا الكتاب لنفس الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح ، راجع الذريعة : ٣ / ٢١٠.

٣ ـ الغيبة للطوسي : ٢٤٠ طبعة النجف.

٤ ـ مرآة العقول : ١ / ٢٢ مقدمة المؤلف.

٣٧١

تعرفه بالحديث ، لا لأجل عرضه على القائم عليه‌السلام فالكليني كان في غنى عن عرضه عليه ، لأن الشيخ لم يكن اقوى منه في الحديث وعرفان الكلم. نعم لو كان الهدف عرضه على القائم عليه‌السلام لكان لما ذكر وجه.

واما ما ذكره العلاّمة المجلسي من حصول الظن المتاخم للعلم بكونه عليه‌السلام راض بفعله فهذا مما لا شك فيه ، كيف ولولا الكافي واضرابه لما بقى الدين ، ولضاعت السنة ، ولكنه لا يقتضي ان يؤخذ بكل رواياته من دون تحقيق في الاسناد.

وقد قال العلاّمة المجلسي في نفس كلامه : « الحق عندي ان وجود الخبر في امثال تلك الاصول المعتبرة مما يورث جواز العمل به ، ولكن لا بد من الرجوع إلى الاسانيد لترجيح بعضها على بعض عند التعارض » (١).

ومما يدل على انه لم يكن جميع روايات الكتاب صحيحة عند المؤلف نفسه انه قدس‌سره عنون في مقدمة الكافي الخبرين المتعارضين وكيفية علاجهما ، بأن من المتعارضين ما أمر الإمام بترجيحه بموافقة الكتاب ومخالفته العامة وكونه موافقاً للمجمع عليه ، وفيما لا يوجد المرجحات المذكورة ، يجوز الاخذ باحدهما من باب التسليم.

ومع ذلك ، كيف يمكن القول بأن كل ما ورد في الكافي كان صحيحاً عند الكليني ، واليك نص عبارته : فاعلم يا اخي ـ ارشدك الله ـ انه لا يسع احداً تمييز شيء مما اختلف الرواة فيه عن العلماء عليهم‌السلام برأيه ، إلا على ما اطلقه العالم بقوله عليه‌السلام : « اعرضوها على كتاب الله فما وافق كتاب الله عز وجل فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردوه » وقوله عليه‌السلام : « دعوا ما وافق القوم فإنّ الرشد في خلافهم » وقوله عليه‌السلام : « خذوا

__________________

١ ـ مرآة العقول : ١ / ٢٢.

٣٧٢

بالمجمع عليه ، فان المجمع عليه لا ريب فيه » ونحن لا نعرف من جميع ذلك إلا اقلّه ولا نجد شيئاً احوط ولا اوسع من ردّ علم ذلك كله إلى العالم عليه‌السلام وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله عليه‌السلام : « بأيّما اخذتم من باب التسليم وسعكم ».

وهذا الكلام ظاهر في ان الكليني لم يكن يعتقد بصدور روايات كتابه عن المعصوم جزماً ، وإلا لم يكن مجال للاستشهاد بالرواية على لزوم الاخذ بما له مرجح.

اضف إلى ذلك انه لو كان كل ما في الكافي صحيحاً عند الكليني لنقل منه إلى غيره بعبارة واضحة ، وكان للصدوق الذي يعد في الطبقة التالية للكليني نقل ذلك القول في احد كتبه ، بل كان عليه ان يصحح ما صححه الكليني ، ويزيف ما زيفه ، إذ ليس الكليني باقل من شيخه محمد بن الحسن بن الوليد ، فقد نرى انه يقول في حقه في « فقيهه » : « اما خبر صلاة يوم غدير خمّ والثواب المذكور فيه لمن صامه فان شيخنا محمد بن الحسن كان لا يصححه ويقول انه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان غير ثقة ، وكل ما لا يصححه ذلك الشيخ ـ قدس الله روحه ـ ولم يحكم بصحته من الاخبار فهو عندنا متروك غير صحيح » (١).

وقال أيضاً : « كان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رضي الله عنه ) سيِّئ الرأي في محمد بن عبدالله المسمعي ، راوي الحديث ، واني اخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب ، لانه كان في كتاب الرحمة ، وقد قراته عليه فلم ينكره ورواه لي » (٢).

كل ذلك يشير إلى انه لم يكن كتاب الكافي عند الصدوق بهذه المنزلة.

__________________

١ ـ الفقيه : الجزء الثاني ، باب صوم التطوع وثوابه ، ذيل الحديث ٢٤١.

٢ ـ العيون : الجزء ٢ ، باب ما جاء عن الرضا عليه‌السلام من الاخبار المنثورة ، ذيل الحديث ٤٥.

٣٧٣

نعم ربما يستدل على عدم صحة ما في الكافي بأن الشيخ الصدوق انما كتب كتاب « من لا يحضره الفقيه » اجابة لطلب السيد الشريف ابي عبدالله المعروف بـ « نعمة الله » ولا شك ان كتاب الكافي اوسع من الفقيه ، فلو كانت جميع روايات الكافي صحيحة عند الشيخ الصدوق ، فضلاً عن ان تكون قطعية الصدور ، لم تكن حاجة إلى كتابة كتاب الفقيه ، بل كان على الشيخ الصدوق ارجاع السائل إلى كتاب الكافي (١).

ولا يخفى ما في هذا الاستدلال ، فان السيد الشريف طلب من الشيخ الصدوق كتاباً اشبه بالرسائل العملية الرائجة في هذه الاعصار ، ولم يكن الكافي بهذه المثابة ، فلاجل ذلك لم يرجعه الشيخ الصدوق إلى ذلك الكتاب ، لا لاجل عدم قطعية رواياته او عدم صحته.

نعم ربما يورد على المستدل بقطعية احاديث الكافي ان الشيخ الكليني روى في كتابه روايات كثيرة عن غير اهل البيت المعصومين عليهم‌السلام. وهذا لا يجتمع مع ما صرح به في ديباجة كتابه من انه يأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين عليهم‌السلام وقد نقل ذلك الشيخ المتتبع النوري ـ رضوان الله عليه ـ عن رسالة الاستاذ الاكبر ، المحقق البهبهاني فقال : « فقد اكثر من الرواياة عن غير المعصوم في أول كتاب الارث ، وقال في كتاب الديات في باب وجوه القتل : علي بن إبراهيم قال : وجوه القتل على ثلاثة اضرب ـ إلى آخر ما قال. ولم يورد في ذلك الكتاب حديثاً آخر ، وفي باب شهادة الصبيان عن ابي ايوب قال : سمعت اسماعيل بن جعفر ـ إلى آخره ، واكثر أيضاً في اصول الكافي من الرواية عن غير المعصوم منه ما ذكره في مولد الحسين من حكاية الاسد الّذي دعته فضة إلى حراسة جسده عليه‌السلام وما ذكره في مولد امير المؤمنين

__________________

١ ـ معجم رجال الحديث : ١ / ٤٠ ـ ٤١.

٣٧٤

عليه‌السلام عن اسيد بن صفوان » (١).

وقد جاء بعض ما رواه الشيخ الكليني عن غير المعصوم في « معجم رجال الحديث » أيضاً (٢).

ولا يخفى ان نقل هذه الكلمات مع التصريح باسماء المروي عنهم لا يضر المستدل ، فان نقل هذه الكلمات عن اصحابها مع كونهم غير معصومين ، كنقل معاني اللغة عن اصحابها ولا ينافي كون مجموع الكتاب مروياً عن الصادقين عليهم‌السلام.

إلى هنا تبين ان كتاب الكافي كتاب جدير بالعناية ، ويعد اكبر المراجع واوسعها للمجتهدين ، وليست رواياته قطعية الصدور فضلاً عن كونها متواترة او مستفيضة ، ولا ان القرائن الخارجية دلت على صحتها ولزوم الاعتماد عليها ، بل هو كتاب شامل للصحيح والسقيم ، فيجب على المجتهد المستنبط تمييز الصحيح عن الضعيف.

ولاجل ايقاف القارئ على بعض ما لا يمكن القول بصحته نقلاً وعقلاً نشير إلى نموذجين :

١ ـ فقد روي عن ابي عبدالله عليه‌السلام في قول الله ( وانه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون ) ـ الزخرف : ٤٤ فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذكر واهل بيته المسؤولون وهم الذكر (٣).

ولو كان المراد من « الذكر » هو النبي ، فمن المخاطب في قوله « لك » وهو سبحانه يقول : ( انه لذكر لك ) أي لك ايها النبي. نعم وجود هذه

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٤٠ الفائدة الرابعة من الخاتمة.

٢ ـ لاحظ معجم رجال الحديث : ١ / ١٠١ ـ ١٠٣.

٣ ـ الكافي : ١ / ٢١٠ ، باب ان اهل الذكر الذين أمر الله الخلق بسؤالهم هم الائمة عليهما‌السلام الحديث ٢ و ٤.

٣٧٥

الروايات الشاذة النادرة لا ينقص من عظمة الكتاب وجلالته ، وأي كتاب بعد كتاب الله العزيز ، ليس فيه شيء؟

واما الثاني ، فنرجو المراجعة إلى المصدر التالي (١).

__________________

١ ـ الكافي : ١ / ٢٣٧.

٣٧٦

٢ ـ تقييم احاديث « من لا يحضره الفقيه »

٣٧٧
٣٧٨

ان كتاب « من لا يحضره الفقيه » تأليف الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه المولود بدعاء صاحب الأمر عليه‌السلام (١) حدود عام ٣٠٦ والمتوفى سنة ٣٨١ هـ ، من اصح الكتب الحديثية واتقنها بعد الكافي وهي في الاشتهار والاعتبار كالشمس في رابعة النهار.

وقد ذكر الشيخ الصدوق في ديباجة كتابه انه لما ساقه القضاء إلى بلاد الغربة ونزل ارض بلخ ، وردها شريف الدين ابو عبدالله محمد بن الحسن المعروف بنعمة ، فدام سروره بمجالسته ، وانشرح صدره بمذاكرته ، وقد طلب منه ان يصنف كتاباً في الفقه والحلال والحرام ويسميه بـ « من لا يحضره الفقيه » كما صنَّف الطبيب الرازي محمد بن زكريا كتاباً في الطب واسماه « من لا يحضره الطبيب » فاجاب مسؤوله وصنف هذا الكتاب له.

ويصف هذا الكتاب بقوله : « ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى ايراد ما افتي به ، واحكم بصحته ، واعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي ـ تقدس ذكره ، وتعالت قدرته ـ وجميع ما فيه

__________________

١ ـ لاحظ رجال النجاشي : ١٨٤ ، وكتاب الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٠١ عند ذكر التوقيعات ، واكمال الدين واتمام النعمة : ٢٧٦.

٣٧٩

مستخرج من كتب مشهورة عليها المعول ، واليها المرجع ، مثل كتاب حريز بن عبدالله السجستاني ، وكتاب عبيدالله بن علي الحلبي ، وكتب علي بن مهزيار الاهوازي ، وكتب الحسين بن سعيد ، ونوادر أحمد بن محمد بن عيسى ، وكتاب نوادر الحكمة تصنيف محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري ، وكتاب الرحمة لسعد بن عبدالله الاشعري ، وجامع شيخنا محمد بن الحسن بن الوليد ( رضي الله عنه ) ، ونوادر محمد بن ابي عمير ، وكتب المحاسن لاحمد بن ابي عبدالله البرقي ، ورسالة ابي ( رضي الله عنه ) إلي وغيرها من الاصول والمصنفات التي طرقي اليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي واسلافي ـ رضي الله عنهم ـ وبالغت في ذلك جهدي مستعيناً بالله » (١).

وقد سلك رحمه‌الله في كتابه هذا مسلكاً غير ما سلكه الشيخ الكليني ، فان ثقة الاسلام كما عرفت جرى في الكافي على طريقة السلف من ذكر جميع السند غالباً ، وترك اوائل الاسناد ندرة اعتماداً على ما ذكره في الاخبار المتقدمة عليها واما الشيخ الصدوق فانه بنى في « الفقيه » من أول الأمر على اختصار الاسانيد ، وحذف اوائل السند ، ووضع مشيخة في آخر الكتاب يعرف بها طريقه إلى من روى عنه ، فهي المرجع في اتصال اسناده في اخبار هذا الكتاب ، وربما اخل بذكر الطريق إلى بعض فيكون السند باعتباره معلقاً.

ثم انهم اطالوا البحث عن احوال المذكورين في المشيخة ، ومدحهم وقدحهم وصحة الطريق من جهتهم او من جهة القرائن الخارجية ، وأول من دخل في هذا الباب العلاّمة في « الخلاصة » وتبعه ابن داود ، ثم ارباب المجاميع الرجالية وشراح الفقيه كالتفريشي والمجلسي الأول وغيرهما (٢).

ولا يخفى ان البحث في تقييم الكتاب ، يقع في عدة نقاط :

__________________

١ ـ من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢ ـ ٥.

٢ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٤٧ ، الفائدة الخامسة.

٣٨٠