كليات في علم الرجال

الشيخ جعفر السبحاني

كليات في علم الرجال

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٣١

الشيخ الطوسي حتى صارت سبباً لتقسيم احاديثهما حسب اختلاف حال المشايخ إلى الصحيح والموثق والحسن والضعيف ، لأن جميع الوسائط بينه وبين صاحب الكتاب ، او صاحب الاصل ، في الحقيقة مشايخ اجازة لكتاب الغير وأصله ، ولكنه امنية لا تحصل إلا بالسعي الجماعي في ذاك المجال ، وقيام لجنة بالتحقيق في المكتبات.

٣ ـ إذا اجاز رواية كتاب لم تثبت نسبته إلى مؤلفه إلا بواسطة الشيخ المجيز ـ ولا شك انه تشترط وثاقة الشيخ المجيز عند المستجيز ، إذ لولاه لما ثبت نسبته إلى المؤلف ، وبدونها لا يثبت الكتاب ولا ما احتواه من السند والمتن وعادت الاجازة امراً لغواً ـ فلو كان توثيق المستجيز او ثبوت وثاقة المجيز عند المستجيز كافياً لنا نأخذ بالرواية.

وباختصار ، ان الهدف الأسمى في هذا القسم من الاستجازة والاستمداد من ذكر الطريق إلى اصحاب هذه الكتب ، هو اثبات نسبة هذه الكتب إلى اصحابنا ومؤلفيها لا غير ، ولا يتحقق هذا الهدف إلا ان يكون الشيوخ المجيزون واحداً بعد واحد ثقات يعتمد على قولهم ، فلو لم يكن الشيخ ثقة عند المستجيز ، لما كان للاستناد اليه أية فائدة.

وبالجملة ، الفائدة العليا من ذكر الطريق في المشيخة ، هو اثبات نسبة هذه الكتب إلى مؤلفيها اثباتاً لا غبار عليه ، وهذا الهدف لا يتحقق عند المستجيز إلا بكون شيخ الاجازة ثقة عنده ، وإلا فلو كان مجهولاً او ضعيفاً او مطعوناً بإحدى الطرق ، لما كان لهذه الاستجازة فائدة. وهذا هو ما يعني به من ان شيخوخة الاجازة دليل على وثاقة الشيخ عند المستجيز.

وربما يقال بأن الحسن بن محمد بن يحيى المعروف بابن اخي طاهر ، عرفه النجاشي بقوله : « روى عن المجاهيل احاديث منكرة. رأيت

٣٤١

اصحابنا يضعفونه ومات في شهر ربيع الأول سنة ٣٥٨ هـ » (١) ، مع انه من مشايخ الاجازة للتلعكبري ، قال الشيخ في رجاله : « روى عنه التلعكبري وسمع منه سنة سبع وعشرين وثلاثمائة إلى سنة خمس وخمسين وله منه اجازة » (٢).

ولكنه لا ينافي ما ذكرنا ، لامكان ثبوت وثاقته عند المستجيز كما لا يخفى فلو كان ثبوت وثاقته عند المستجيز كافياً لنا ـ ما لم يدلّ دليل على خلافه ـ نأخذ بالحديث إذا وقع في السند وإلا فلا.

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ١٤٩.

٢ ـ رجال الشيخ : ٤٦٥ ، الرقم ٢٣ ، في باب من لم يرو عن الائمة.

٣٤٢

٩ ـ الوكالة عن الامام عليه‌السلام

٣٤٣
٣٤٤

ربما تعدّ الوكالة من الإمام ، طريقاً إلى وثاقة الراوي ، لكنه لا ملازمة بينها وبين وثاقته ، نعم لو كان وكيلاً في الامور المالية ، تكون امارة على كونه أميناً في الاُمور المالية ، واين هو من كونه عادلا ، ثقة ضابطاً؟ نعم إذا كان الرجل وكيلاً من جانب الإمام طيلة سنوات ، ولم يرد فيه ذم يمكن ان تكون قرينة على وثاقته وثبات قدمه إذ من البعيد ان يكون الكاذب وكيلاً من جانب الإمام عدة سنوات ولا يظهر كذبه للامام فيعزله.

وربما يستدل على وثاقة كل من كان وكيلاً من قبل المعصومين بما رواه الكليني عن علي بن محمد ، عن الحسن بن عبد الحميد ، قال : شككت في أمر « حاجز » فجمعت شيئاً ، ثم صرت إلى العسكر ، فخرج إلي ليس فينا شك ولا في من يقوم مقامنا ، بامرنا ، رد ما معك إلى حاجز بن يزيد » (١).

فلو لم تكن الوكالة ملازمة للعدالة ، لما كان لرد الإمام عليه‌السلام معنى.

لكن الرواية اخص من المدعى ، فان الظاهر ان المراد الوكلاء المعروفون الذين قاموا مقام الائمة بامرهم ، وهذا غير كون الرجل وكيلاً للامام في أمر ضيعته أو أمر من الامور.

__________________

١ ـ الكافي : ج ١ ، باب مولد الصاحب عليه‌السلام ، الحديث ١٤.

٣٤٥
٣٤٦

١٠ ـ كثرة تخريج الثقة عن شخص

٣٤٧
٣٤٨

ان نقل الثقة عن شخص لا يدل على كون المروي عنه ثقة ، لشيوع نقل الثقات من غيرهم ، نعم كانت كثرة النقل عن الضعاف أمراً مرغوباً عنه بين المشايخ وكانت معدودة من جهات الضعف ، ولاجل هذا اخرج أحمد بن محمد بن عيسى القمي ، زميله أحمد بن محمد بن خالد عن قم ، لكثرة النقل عن الضعفاء ، وقال العلاّمة في « الخلاصة » : « إنه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل قال ابن الغضائري : طعن عليه القمّيون ، وليس الطعن فيه ، إنما الطعن فيمن يروى عنه ، فإنه كان لا يبالي عمَّن أخذ ، على طريقة أهل الاخبار ، وكان أحمد بن محمد بن عيسى أبعده من قم ، ثمَّ أعاده اليها واعتذر اليه » (١).

وقال النجاشي في ترجمة سهل بن زياد : « كان ضعيفاً في الحديث ، غير معتمد فيه ، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ والكذب وأخرجه من قم إلى الري وكان يسكنها » (٢).

وعلى ضوء هذا يمكن أن يقال : إن كثرة تخريج الثقة عن شخص دليل

__________________

١ ـ الخلاصة : ١٤ ، القسم الأول.

٢ ـ رجال النجاشي : الرقم ٤٩٠.

٣٤٩

على وثاقته لوجهين :

الأول : ما عرفت أن كثرة الرواية عن الضّعاف كانت تعدّ من أسباب الضعف حتى آل أمر أحمد بن محمد بن خالد ، وسهل بن زياد الآدمي إلى الاقصاء من قم.

الثاني : إن كثرة النقل عن شخص آية كون المرويّ عنه ثقة ، وإلا عاد النقل لغواً ومرغوباً عنه ، وهذا بخلاف قلة النقل ، فانه ـ مع كونه أمراً متعارفاً ـ يمكن أن يكون للنقل غايات اُخرى ، غير الاعتماد وهو تعضيد سائر الروايات والنُّقول ، وهذه منتفية فيما إذا كثر النقل عن شخص.

هذا ، وإن صاحب المستدرك قد أفرط في تكثير أسباب التوثيق وجعل نقل الثقة عن شخص آية كون المرويّ عنه ثقة ، وتمسك بوجوه غير نافعة يقف عليها السابر في كتابه.

هذه نهاية الدراسة حول التوثيقات العامة ، فقد عرفت الصحيح عن السقيم ، وأن المفيد منها قليل بالنسبة إلى غيره.

وبذلك نختم الحديث حول هذا الموضوع ونخوض في موضوع آخر ، وهو بيان مدى اعتبار الكتب الاربعة من حيث الصحة والاعتبار ، وهو بحث قيّم لا يستغني عنه الفقيه ، كما أنه لا يمكن أن يكتفي بما ورد في هذه الدراسة ، بل لا بدّ من مواصلة البحث والدراسة في هذا المجال ، بدقّة ومزيد إمعان.

٣٥٠

الفصل السابع

دراسة حول الكتب الاربعة

١ ـ الكافي.

٢ ـ من لا يحضره الفقيه.

٣ ـ التهذيب والاستبصار.

٣٥١
٣٥٢

١ ـ تقييم احاديث « الكافي »

٣٥٣
٣٥٤

إن البحث عن كتاب الكافي للشيخ الأجل الكليني يقع على وجهين :

الأول : هل كلّ من ورد في أسناد الكافي ثقة او لا؟ وهذا هو الذي استقصينا البحث عنه عند البحث عن أدلة نفاة الحاجة إلى علم الرجال وأوضحنا الحال فيه فلا نعود اليه.

الثاني : هل هناك قرائن تدلّ على أن كل ما ورد فيه من الروايات صحيح ، بمعنى أنه معتبر يصحّ العمل به او لا؟ وهذا ما نبحث عنه في المقام ، ولنقدّم كلمة في حق المؤلف وكتابه.

إن كتاب الكافي أحد الكتب الاربعة التي عليها تدور رحى استنباط مذهب الإمامية ، فان أدلة الاحكام وإن كانت أربعة ( الكتاب والسنة والعقل والاجماع ) على ما هو المشهور بين الفقهاء ، إلا أن الناظر في فروع الدين يعلم أن العمدة في استعلام الفرائض والسنن ، والحلال والحرام ، هو الحديث وأن الحاوي لجلّها ، هو الكتب الاربعة ، وكتاب الكافي بينها كالشمس بين نجوم السماء ، والمؤلف أغنى من التوصيف وأشهر من التبجيل.

فقد وصف الشيخ المفيد في شرح عقائد الصدوق كتاب الكافي بأنه أجلّ

٣٥٥

كتب الشيعة وأكثرها فائدة (١).

وقال المحقّق الكركي في اجازته للقاضي صفي الدين عيسى : « ومنها جميع مصنَّفات ومرويات الشيخ الإمام السعيد الحافظ المحدّث الثقة ، جامع أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني ، صاحب الكتاب الكبير في الحديث المسمّى بالكافي ، الذي لم يعمل مثله ... ، وقد جمع هذا الكتاب من الاحاديث الشرعية ، والاسرار الربانية ما لا يوجد في غيره ، وهذا الشيخ يروي عمَّن لا يتناهى كثرة من علماء أهل البيت عليهم‌السلام ورجالهم ومحدّثيهم مثل علي بن إبراهيم بن هاشم ... » (٢).

وقال الشيخ حسين والد شيخنا البهائي في الكتاب الموسوم بـ « وصول الاخيار » : « أما كتاب الكافي ، فهو للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني ، شيخ عصره في وقته ، ووجه العلماء والنبلاء ، كان أوثق الناس في الحديث وأنقدهم له وأعرفهم به ، صنَّف كتاب الكافي وهذَّبه في عشرين سنة ، وهو يشتمل على ثلاثين كتاباً يحتوي على ما لايحتوي عليه غيره » (٣).

وقال العلاّمة المجلسي في مقدمة شرحه على الكافي : « وابتدأت بكتاب الكافي للشيخ الصدوق ثقة الاسلام مقبول طوائف الأنام ، ممدوح الخاص والعام ، محمد بن يعقوب الكليني ـ حشره الله مع الأئمة الكرام ـ لأنه كان أضبط الاصول وأجمعها وأحسن مؤلفات الفرقة الناجية وأعظمها » (٤).

إلى غير ذلك من كلمات الثناء والاطراء ممّا لا مجال لذكرها.

قال النجاشي في ترجمة الكليني : « محمد بن يعقوب بن اسحاق أبو

__________________

١ ـ شرح عقائد الصدوق : ٢٧ ، طبعة تبريز.

٢ ـ بحار الانوار : ١٠٨ / ٧٥ ـ ٧٦.

٣ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٣٢ ، الفائدة الرابعة.

٤ ـ مرآة العقول : ١ / ٣٤.

٣٥٦

جعفر الكليني ـ وكان خاله علاّن الكليني الرازي ـ شيخ أصحابنا في وقته بالري ووجههم ، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم. صنَّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمّى الكافي في عشرين سنة ، شَرْحُ كُتُبِه : كتاب العقل ، كتاب فضل العلم ـ إلى أن عدَّ أحداً وثلاثين كتاباً » (١).

ثمَّ إن صاحب « لؤلؤة البحرين » نقل عن بعض مشايخه المتأخرين : « أما الكافي فجميع أحاديثه حصرت في ستَّة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثاً ، الصحيح منها باصطلاح من تأخّر خمسة آلاف واثنان وسبعون حديثاً ، والحسن مائة وأربعة وأربعون حديثاً ، والموثق مائة حديث وألف حديث وثمانية عشر حديثاً ، والقوي منها اثنان وثلاثمائة ، والضعيف منها أربعمائة وتسعة آلاف وخمسة وثمانون حديثاً » (٢).

وقال المحقّق المتتبع المحدث النوري بعد نقل ذلك الكلام : « الظاهر أن المراد من القوي ما كان بعض رجال سنده أو كلّه ، الممدوح من غير الإمامي ولم يكن فيه من يضعف به الحديث » (٣).

وقال الشهيد في « الذكرى » : « إن ما في الكافي يزيد على ما في مجموع الصحاح الستة للجمهور وعدّة كتب الكافي اثنان وثلاثون » (٤).

قال في « كشف الظنون » نقلاً عن الحافظ بن حجر : « إن جميع أحاديث صحيح البخاري بالمكرّر ، سوى المعلقات والمتابعات ، على ما حرّرته وحقّقته ، سبعة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعون حديثاً ، والخالص من ذلك بلا تكرير ألفا حديث وستمائة وحديثان ، وإذا انضمّ اليه المتون المعلقة المرفوعة

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ١٠٢٧.

٢ ـ لؤلؤة البحرين للمحدث البحراني الطبعة القديمة غير المرقمة في أحوال شيخنا الكليني وذكر بعد هذا عدد سائر الكتب الثلاثة. وما ذكره من الأرقام ينقص عند الجمع ٧٨ حديثاً فلاحظ.

٣ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٤١ الفائدة الرابعة.

٤ ـ الذكرى : ٦.

٣٥٧

وهي مائة وخمسون حديثاً ، صار مجموع الخالص ألفي حديث وسبعمائة واحداً وستيّن حديثاً.

وروي أيضا عن مسلم أن كتابه أربعة آلاف حديث دون المكرّرات وبالمكرّرات سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً.

وقال ابو داود في أول سننه : « وجمعت في كتابي هذا اربعة آلاف حديث وثمانية أحاديث من الصحيح وما يشبهه وما يقاربه » (١).

وقد جمع الامام أبو السعادات مبارك بن محمد بن الاثير الجزري ( المولود عام ٥٤٤ هـ ، والمتوفي عام ٦٠٦ هـ ) جميع ما في هذه الصحاح في كتاب أسماه « جامع الاصول من أحاديث الرسول » فبلغ عدد أحاديثه « ٩٤٨٣ ». قال ياقوت في معجمه : جمع الجرزي فيه بين البخاري والمسلم والموطّأ وسنن أبي داود وسنن النسائي والترمذي ، عمله على حروف المعجم وشرح غريب الاحاديث ومعانيها وأحكامها وصنَّف رجالها ونبَّه على جميع ما يحتاج اليه منها (٢).

هذا حال الكتاب ومكانته ، وإليك بيان مدى صحّة رواياته.

الصحيح عند القدماء والمتأخرين

تقسيم الحديث إلى الاقسام الاربعة المشهورة تقسيم جديد حدث من زمن الرجالي السيد أحمد بن طاووس أستاذ العلاّمة وابن داود الحليين ، بعد ما كان التقسيم بين القدماء ثنائياً غير خارج عن كون الحديث معتبراً أو غير معتبر ، فما أيدته القرائن الداخلية كوثاقة الراوي ، أو الخارجية كوجوده في أصل معتبر

__________________

١ ـ كشف الظنون ، كما في مستدرك الوسائل : ٣ / ٥٤١ ـ لاحظ فتح الباري في شرح أحاديث البخاري : ١ / ٤٦٥ ، الفصل العاشر في عد أحاديث الجامع.

٢ ـ راجع مقدمة جامع الاصول : الجزء ١٢.

٣٥٨

معروف الانتساب إلى جماعة كزرارة ومحمد بن مسلم والفضيل بن يسار ، فهو صحيح ، أي معتبر يجوز الاستناد اليه ، والفاقد لكلتا المزيتين غير صحيح ، بمنعى انه غير معتبر لا يمكن الركون اليه ، وان امكن ان يكون صادراً عنهم.

هذا هو التقسيم المعروف بين القدماء إلى عصر الرجالي المعروف ابن طاووس.

اما بعده ، فقد آل الأمر إلى التقسيم الرباعي ، بتقسيمه إلى صحيح وموثق وحسن وضعيف ، واما الباعث لهذا التقسيم ورفض التقسيم الدارج بين القدماء ، فليس هنا محل ذكره ولعل السبب هو ان القرائن المورثة للاطمئنان آل إلى القلة والندرة حسب مرور الزمان ، وأوجب ضياع الاصول والمصنفات المؤلفة بيد اصحابها الثقات ، فالتجأ إلى وضع التقسيم الرباعي الذي يبتني على ملاحظة السند واحوال الراوي ، وعلى كل تقدير فهناك اصطلاحان للحديث الصحيح.

والهدف من البحث هنا ، هو استعراض صحة احاديث الكافي حسب اصطلاح القدماء ، اعني اعتبارها لاجل القرائن الداخلية او الخارجية ، وممن أصر على ذلك شيخ مشايخنا المحدث النوري في الفائدة الربعة من خاتمة المستدرك ، واعتمد في ذلك على وجوه اربعة ، أهمها الوجه الرابع الذي استعرضناه عند البحث عن ادلة نفاة الحاجة إلى علم الرجال ، لانه كان وجها عاماً يعمّ الكافي وغيره من سائر الكتب الاربعة ، وهو الاعتماد على ما صرح به مؤلفوه على صحة ما ورد فيها ، وقد عرفت مدى متانة ذلك الوجه ، وهنا نستعرض الوجوه الثلاثة الباقية ، فهي حسب اعتقاده تثبت اعتبار احاديثه وتغني الباحث عن ملاحظة حال آحاد رجال سند الأحاديث المودعة فيه ، وتورث الوثوق والاطمئنان بصدورها وصحتها بالمعنى المعروف بين القدماء ، واليك تلك الوجوه الثلاثة :

٣٥٩

الوجه الأول : المدائح الواردة حول الكافي

ان المدائح الواردة في حق الكتاب ، تقتضي غناء الفقيه عن ملاحظة آحاد رواته ، واليك المدائح اجمالاً وان مرَّ تفصيلها في صدر البحث.

١ ـ وصفه الشيخ المفيد في شرح عقائد الصدوق بأنه اجل كتب الشيعة واكثرها فائدة.

٢ ـ وعرفه المحقق الكركي في اجازته للقاضي صفيّ الدين عيسى بانه لم يعمل مثله.

٣ ـ وقال الشهيد في اجازته للشيخ زين الدين ابي الحسن علي بن الخازن : « لم يعمل للامامية مثله ».

٤ ـ وقال محمد امين الدين الاسترآبادي : « وقد سمعنا من مشايخنا وعلمائنا انه لم يصنف في الاسلام كتاب يوازيه او يدانيه ».

٥ ـ ووصفه العلاّمة المجلسي بانه اضبط الاصول واجمعها واحسن مؤلفات الفرقة الناجية واعظمها.

وهذه المدائح لا ترجع إلى كبر الكتاب وكثرة احاديثه فانه مثله واكبر منه ممن تقدم او تأخر عنه ، كان كبيراً متداولاً بينهم ، كالمحاسن لاحمد بن محمد بن خالد البراقي ، ونوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، وانما هي لاجل اتقانه وضبطه وتثبته.

اقول : لا يخفى انه يستفاد من هذه المدائح اعتبار الكتاب بما هو هو ، في مقابل عدم صلاحيته للمرجعية والمصدرية ، لانه لازم قولهم « اجل الكتب واكثرها فائدة » او « انه لم يعمل مثله في الاسلام ». اما استفادة غنى المستنبط عن ملاحظة آحاد رجال احاديثه ، وان كل ما فيه معتبر فلا ، إذ ليس معنى اعتبار الكتاب صحة كل واحد من احاديثه ، بحيث يغني الباحث عن اية مراجعة ،

٣٦٠