كليات في علم الرجال

الشيخ جعفر السبحاني

كليات في علم الرجال

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : رجال الحديث
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٥٣١

حسين بن حنظلة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : أكل الكباب يذهب بالحمى (١).

وروى أيضاً عن عدة من اصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن ابي نصر ، عن عبد اللَّه بن محمد الشامي ، عن الحسين بن حنظلة قال : الدباء يزيد في الدماغ (٢).

وروى البرقي في المحاسن بسنده عن أحمد بن محمد بن ابي نصر ، عن عبد اللَّه بن محمد الشامي ، عن الحسين بن حنظلة ، عن احدهماعليهما‌السلام قال : السمك يذيب الجسد(٣).

اما وجه النقض فان عبداللَّه بن محمد ، من رجال كتاب « نوادر الحكمة » وقد ضعف عدة من رجالها ، وذكرها النجاشي في ترجمة مؤلفها ، منهم عبد اللَّه بن محمد الشامي ، واليك نص النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي : « كان ثقة في الحديث إلا ان اصحابنا قالوا : كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ، ولا يبالي عمن أخذ ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء وكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثنى من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ، ما رواه عن موسى بن محمد الهمداني ـ إلى ان قال : او عبد الله بن محمد الشامي ، او عبد الله بن أحمد الرازي ... » (٤).

اقول : ان عبد اللَّه بن محمد الشامي ، الذي يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى صاحب « نوادر الحكمة » غير عبد اللَّه بن محمد الشامي الذي يروي عنه البزنطي ، فان الأول شيخ صاحب النوادر وتلميذ أحمد بن محمد بن

__________________

١ ـ الكافي : ج ٦ كتاب الاطعمة باب الشواء والكباب ، الحديث ٤.

٢ ـ الكافي : ٦ / ٣٧١ كتاب الاطعمة باب القرع ، الحديث ٤.

٣ ـ المحاسن : ٤٧٦ ، الحديث ٤٨٣.

٤ ـ رجال النجاشي : الرقم ٩٣٩.

٢٦١

عيسى قال الشيخ : « عبد الله بن محمد يكنى ابا محمد الشامي الدمشقي يروي عن أحمد بن محمد بن عيسى وغيره من اصحاب العسكري عليه‌السلام » وقال في فصل من لم يرو عنهم عليهم‌السلام : « عبد الله بن محمد الشامي روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى » وهذا هو الذي استثناه ابن الوليد من روايات كتاب « نوادر الحكمة ».

واما عبد الله بن محمد الشامي الذي يروي عنه أحمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي ، فهو متقدم على سميّه بواسطتين : ١ ـ أحمد بن محمد بن عيسى ٢ ـ أحمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي ، وذلك لأن ابن عيسى يروي كثيراً عن البزنطي ، وهو يروي عن عبد الله بن محمد الشامي ، فلا يمكن ان يكونا شخصاً واحداً.

وبعبارة اخرى ؛ توفي مؤلف النوادر حوالي ٢٩٠ ، وتوفي أحمد بن محمد بن عيسى بعد ٢٧٤ ، أو بعد ٢٨٠ ، وتوفي البزنطي ٢٢١ ، فكيف يمكن ان يروي صاحب « نوادر الحكمة » عن شيخ البزنطي وهو عبد الله بن محمد الشامي. ومنشأ الاشتباه اتحاد الراويين في الاسم والنسبة.

ولأجل ان يقف القارئ على تعددهما ذاتاً وطبقة ، فليلاحظ ما رواه الصدوق في عيون اخبار الرضا باب النص على الرضا عليه‌السلام قال : حدثنا ابي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، وأحمد بن محمد بن يحيى العطار ، ومحمد بن علي ماجيلويه ـ رضي اللَّه عنهم ـ قالوا حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ( مؤلف نوادر الحكمة ) عن عبد الله بن محمد الشامي ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن علي بن أسباط ، عن الحسين مولى ابي عبدالله عليه‌السلام ... (١). ترى فيه ان عبد الله بن محمد الشامي يروي عن علي

__________________

١ ـ عيون اخبار الرضا : ١٦ ، الطبعة الحجرية.

٢٦٢

بن اسباط بواسطة ، وكان علي بن اسباط معاصراً لعلي بن مهزيار ، وقد دارت بينهما رسائل ، وعلي بن مهزيار متأخر عن البزنطي (١). وليسا في طبقة واحدة ، فكيف يمكن ان يكون الشامي الذي هو شيخ صاحب النوادر ، شيخاً للبزنطي؟ ولأجل ذلك يحكم بتعدد الراويين.

٤ ـ عبد الرحمن بن سالم : روى الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد بن ابي نصر ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن اسحاق بن عمار قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر ... (٢).

وروى ايضاً بهذا السند عن عبد الرحمن بن سالم ، عن مفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام جعلت فداك ما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرجال ليس فيهم لها ذو محرم ... (٣).

وروى أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن مفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من غسل فاطمة عليها‌السلام؟...(٤).

اقول : ويروي عنه ابن ابي عمير أيضاً. روى الكليني عن علي بن إبراهيم عن ابيه ، عن ابن ابي عمير ، عن عبد الرحمن بن سالم ، عن ابيه ،

__________________

١ ـ توفي ابن مهزيار في ايام إمامة الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ، روى الكليني مكاتبته عنه في الحج لاحظ ج ٤ ، الصفحة ٣٠ باب بلا عنوان بعد باب الحج عن المخالف ، وقد تقلد الإمام العسكري عليه‌السلام الإمامة بعد وفاة ابيه عام ٢٥٤ هـ ، وعلى ذلك يكون موت ابن مهزيار حوالي تلك السنة.

٢ ـ الوسائل : ج ١ باب ٤ من ابواب الوضوء ، الحديث ٤.

٣ ـ الوسائل : ج ٢ باب ٢٢ من ابواب غسل الميت ، الحديث ١.

٤ ـ الوسائل : ج ٢ باب ٢٤ من ابواب غسل الميت الحديث ٦ والظاهر سقوط الواسطة بين أحمد بن محمد بن عيسى ، وعبد الرحمن بن سالم وهو أحمد بن محمد بن ابي نصر ، كما في الاستبصار الرقم ( ٧٣٠ ) ويشهد بذلك السندان السابقان.

٢٦٣

عن ابي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : هل يكره الجماع في وقت من الأوقات وان كان حلالاً؟ ... (١).

وقع بعنوان « عبد الرحمن بن سالم » في اسناد ثلاث وعشرين رواية ، فهو يروي عن ابي بصير وابيه ، واسحاق بن عمار ، والمفضل بن عمر ، وروى عنه ابن ابي عمير ، وابن ابي نصر ، والحسن بن ظريف ، وسهل بن زياد ، ومحمد بن أسلم وغيرهم.

قال النجاشي : « عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن الكوفي العطار ـ وكان سالم بياع المصاحف ـ وعبد الرحمن اخو عبد الحميد بن سالم ، له كتاب » ثم ذكر سنده اليه (٢). وعده الشيخ في رجاله من اصحاب الصادق عليه‌السلام كما عده البرقي من اصحابه (٣).

ولم يضعفه إلا ابن الغضائري وقال : « روى عن ابي بصير ، ضعيف » ومن المعلوم ان تضعيفاته غير موثوق بها ، لما أوضحنا حالها.

حصيلة البحث : قد تعرفت على النقوض المتوجهة إلى الضابطة من جانب المحقق مؤلف « معجم رجال الحديث » والفاضل المعاصر مؤلف « مشايخ الثقات » وان شيئاً منها لا يصلح لأن يكون نقضاً للقاعدة ، وذلك لجهات شتى نشير اليها :

١ ـ ان كثيراً من هؤلاء الضعاف لم يكونوا مشايخ للثقات ، بل كانوا أعدالهم وأقرانهم ، وانما توهمت الرواية عنهم بسبب وجود « عن » مكان « الواو » ، فتصحيف العاطف بحرف الجر ، صار سبباً لأوهام كثيرة. وقد نبه

__________________

١ ـ الكافي : ٥ / ٤٩٧ ، كتاب النكاح باب الاوقات التي يكره فيها الباه.

٢ ـ رجال النجاشي : الرقم ٦٢٩.

٣ ـ رجال الشيخ : الرقم ٧١١.

٢٦٤

على هذه القاعدة صاحب « منتقى الجمان » كما أوضحناه فتصور العديل استاذاً لهم.

٢ ـ ان كثيراً ممن اتهم بالضعف ، مضعفون من حيث المذهب والعقيدة ، لا من حيث الرواية ، وهذا لا يخالف وثاقتهم وصدقهم في الحديث. وقد وقفت في كلام الشيخ على ان المراد من الثقات هم الموثوق بهم من حيث الرواية والحديث لا المذهب ، وبعبارة اخرى كانوا ملتزمين بالنقل عن الثقات سواء كانوا إماميين أم غيرهم.

٣ ـ ان منشأ بعض النقوض هو الاشتراك في الاسم بين المضعف وغيره ، كما مر نظيره في عبد الله بن محمد الشامي.

٤ ـ ان بعض من اتهم بالضعف لم يثبت ضعفهم أوّلاً ، ومعارض بتعديل الآخرين ثانياً. وعلى ضوء ما تقدم ، تقدر على الاجابة عن كثير من النقوض المتوجهة إلى الضابطة ، التي ربما تبلغ خمسة واربعين نقضاً. وأغلبها مستند إلى سقم النسخ وعدم إتقانها.

نعم من كان له إلمام بطبقات الرواة ، وميز الشيخ عن التلميذ ، يقف على كثير من الاشتباهات الواردة في الاسناد التي لم تقابل على النسخ الصحيحة.

فابتلاؤنا بكثير من هذهالاشتباهات وليد التقصير في دراسة الحديث ، وعدم معرفتنا بأحوال الرواة ، وطبقاتهم ومشايخهم وتلاميذهم ، وفقدان النسخ الصحيحة.

محاولة للاجابة عن النقوض

ان هنا محاولة للاجابة عن هذه النقوض لا بأس بطرحها ، وهي :

ان شهادة الشيخ في المقام لا تقصر عن شهادة ابن قولويه وعلي بن

٢٦٥

إبراهيم في أول كتابيهما بأنهما لا يرويان فيهما إلا عن ثقة. فكما انه يجب الاخذ بشهادتهما مطلقاً ، إلا إذا عارضها تنصيص آخر ، وعند التعارض اما ان يتوقف ، او يؤخذ بالثاني لو ثبت رجحانه ، فهكذا المقام يؤخذ بهذه الشهادة إلا إذا ثبت خلافها ، او تعارضت مع نصّ اخر ، فكما ان ثبوت الخلاف في مورد شهادة ابن قولويه وعلي بن إبراهيم ، لا يضر بالاخذ بقولهما في غير مورده فهكذا المقام.

وجه ذلك ان الشهادة الاجمالية في هذه المقامات تنحل إلى شهادات حسب عدد الرواة ، فالتعارض او ثبوت الخلاف في موارد خاصة يوجب عدم الأخذ بها في الموارد التي ثبت خلافها دون ما لم يثبت ، وقد اورد على هذه المحاولة بوجهين :

الوجه الأول : ان هذا الجواب انما يتم لو كانت الشهادة منتهية إلى نفس هؤلاء الثلاثة ، بأن كانوا مصرحين بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة فعند ذلك تؤخذ بشهادتهم إلا في صورة التعارض او ثبوت الخلاف ، اما إذا كانت الشهادة مستندة إلى نفس الشيخ ، بأن يشهد هو قدس‌سره بأن هؤلاء المشايخ لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، فعندئذ يكون الوقوف على مشايخ لهم مضعفين بنفس الشيخ ، موجباً لسقوط هذه الشهادة عن الاعتبار فلا يبقى لها وثوق.

والفرق بين كون الشهادة منتهية إلى نفس الأقطاب الثلاثة ، وكونها منتهية إلى نفس الشيخ واضح ، إذ لو كانت الشهادة منتهية إلى نفس المشايخ ، يكون معناه انهم شهدوا على انهم ما كانوا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة عندهم. فاذا تبين الخلاف ، او تعارض مع تنصيص اخر ، يحمل على انه صدر اشتباهاً من هؤلاء في هذه الموارد المتبينة ، فحسبوا غير الثقة ثقة فرووا عنه. وهذا لا يضر بالاخذ بها في غير تلك الموارد وكم له من نظائر في عالم الشهادات.

٢٦٦

واما إذا كانت الشهادة منتهية إلى نفس الشيخ ، وكانت شهادته على انهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، مبنية على استقرائه في مشايخهم ، فلا تعتدّ بها إذا تبين الخلاف ، واعلم انهم يروون عن غير الثقة أيضاً ، إذ عندئذ يتبين ان استقراء الشيخ كان استقراء ناقصاً غير مفيد لامكان انتزاع الضابطة الكلية ، فلا يصح الأخذ بها لبطلان اساسها.

هذا ما يرومه معجم رجال الحديث. وان كانت العبارة غير وافية بهذا التقرير ، ولكن الإجابة عن هذا الاشكال ممكنة بعد الدقة في عبارة « العدة ». لأن الظاهر من عبارة الشيخ هو استكشاف الطائفة التزامهم بأنهم ما كانوا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، على وجه كانت القضية مشهورة في الأوساط العلمية قبل زمن الشيخ إلى ان انتهت اليه ، فعند ذاك يكون الشيخ حاكياً لهذا الاستكشاف ، لا انه هو الذي كشف ذلك ، وادعى الإجماع عليه. ألا ترى انه يقول : « سوت الطائفة بين ما يرويه هؤلاء وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به ».

فالطائفة التي سوت بين ما يرويه هؤلاء هي التي كشفت هذا الالتزام عنها وعرفها الشيخ ، وبذلك يسقط الاشكال عن الصلاحية ، لانه كان مبنياً على ان الشيخ هو الذي كشف الضابطة عن طريق الاستقراء ، وبالعثور على مشايخ ضعفهم الشيخ نفسه في كتبه ، يكون ذلك دليلاً على نقصان الاستقراء.

ولكنك عرفت ان احتمال كون الشيخ هو المستكشف ، فضلاً عن كون استكشافه مبنياً على الاستقراء ، أمر لا توافقه عبارة « العدة ». وعلى ذلك يؤخذ بهذه الشهادة ، ويحكم بوثاقة مشايخهم عامة ، وان لم يذكروا في الكتب الرجالية بشيء من الوثاقة والمدح.

الوجه الثاني : ربما يقال ان هذه المحاولة انما تنتج في المسانيد ، فيحكم بوثاقة كل من جاء فيها إلا من ثبت ضعفه. وأما المراسيل فلا تجري

٢٦٧

فيها ، إذ من المحتمل أن تكون الواسطة هي من ثبت ضعفه فعندئذ لا يمكن الأخذ بها ، لأنه يكون من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية (١).

وأجاب عنه السيد الشهيد الصدر ـ رضوان الله عليه ـ على أساس حساب الاحتمالات ، وحاصله : أن الوسيط المجهول إذا افترضنا أنه مردّد بين جميع مشايخ ابن أبي عمير ، وكان مجموع من روى عنه أربعمائة شخص ، وكان ثابت الضعف منهم بشهادة أخرى ، لا يزيدون على خمسة أو حوالي ذلك ، فعندئذ يكون احتمال كون الوسيط المحذوف أحد الخمسة المضعفة ٨٠/١ ، وإذا افترضنا أن ثابت الضعف من الاربعمائة هم عشرة ، يكون احتمال كون الوسيط المحذوف منهم ٤٠/١ ومثل هذا الاحتمال لا يضرّ بالاطمئنان الشخصي ، وليس العقلاء ملتزمين على العمل والاتباع ، إذا صاروا مطمئنين مائة بالمائة.

ثمَّ إنه قدس‌سره أورد على ما أجاب به إشكالاً هذا حاصله : إن هذا الجواب إنما يتم إذا كانت الاحتمالات الاربعمائة في الوسيط المجهول ، متساوية في قيمتها الاحتمالية ، إذ حينئذ يصحّ أن يقال احتمال كونه أحد الخمسة المضعفين قيمة ٨٠/١ ، وإذا فرضنا أن ثابت الضعف عشرة في أربعمائة ، كان احتمال كون الوسيط أحدهم ٤٠/١ ، وأما إذا لم تكن الاحتمالات متساوية ، وكانت هناك أمارة احتمالية تزيد من قيمة احتمال أن يكون الوسيط المجهول أحد الخمسة ، فسوف يختلّ الحساب المذكور ، ويمكن أن ندّعي وجود عامل احتمالي ، يزيد من قيمة هذا الاحتمال ، وهو نفس كون ابن أبي عمير يروي الرواية عن رجل او بعض اصحابه ، ونحو ذلك من التعبيرات التي تعرب عن كون الراوي بدرجة من عدم الاعتناء ، وعدم الوثوق بالرواية ، يناسب أن يكون المرويّ عنه أحد أولئك الخمسة ، وإلا لما

__________________

١ ـ معجم رجال الحديث : ١ / ٨٠ ، ومشايخ الثقات : ٤١.

٢٦٨

كان وجه لترك اسمه والتكنية عنه برجل ونحوه وعندئذ يختلّ الحساب المذكور ويكون المظنون كون المرويّ هو أحد الخمسة ، لا أحد الباقين ، فتنقلب المحاسبة المذكورة (١).

ولا يخفى أن الجواب المذكور غير واف لدفع الاشكال ، وعلى فرض صحّته فالذي اُورد عليه غير تامّ.

أما الأول ، فلأن العقلاء في الاُمور المهمّة ، يحتاطون بأكثر من ذلك ، فلا يأخذون بخبر يحتمل كذبه بنسبة ٨٠/١ فلو علم العقلاء أن قنبلة تصيب بناية من ثمانين بناية ، لا يقدمون على السكنى في أحدها ، كما أنه لو وقفوا على أن السيل سيجرف إحدى السيارات التي تبلغ العدد المذكور لا يجرأون على ركوب أي منها ، وهكذا غير ذلك من الامور الخطيرة.

نعم الاُمور الحقيرة التي لا يهتمّ العقلاء باضرارها ، ربّما يأخذون بخبر يحتمل صدقه حتى بأقل من النسبة المذكورة. والشريعة الالهية من الامور المهمة ، فلا يصحّ التساهل فيها ، مثل ما يتساهل في الاُمور غير المهّمة.

ولأجل ذلك قلنا إن أصل الجواب غير تامّ. اللّهم إلا أن يقال : إنَّ تسويغ الشارع العمل بمطلق قول الثقة ، يكشف عن أنه اكتفى في العمل بالشريعة ، بالمراتب النازلة من الاطمئنان ، وإلا لما سوَّغ العمل بقول الثقة على وجه الاطلاق ، وليس قول كل ثقة مفيداً للدرجة العليا من الاطمئنان.

وأما الثاني ، وهو أن الاشكال غير وارد على فرض صحَّة الجواب ، فلأن النجاشي يصرّح بأن وجه إرساله الروايات ، هو أن اُخته دفنت كتبه في حال استتاره ، وكونه في الحبس أربع سنين ، فهلكت الكتب وقيل : بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت ، فحدَّث من حفظه وممّا كان سلف له في أيدي

__________________

١ ـ مشايخ الثقات : ٤٤ ـ ٤٥.

٢٦٩

الناس ، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله (١).

وعلى هذا فقوله « عن رجل » وما شاكله ، لأجل أنه نسي المرويّ عنه ، وإلا لصرّح باسمه ، لا كأنه بلغ من الضعف إلى درجة يأنف عن التصريح باسمه ، حتى يستقرب بأنه من أحد الخمسة الضعاف.

نعم هاهنا محاولة لحجيّة مراسيله لو صحت لاطمأنّ الإنسان بأنّ الواسطة المحذوفة كانت من الثقات لا من الخمسة الضعاف.

وحاصلها أن التتبع يقضي بأن عدد رواياته عن الضعاف قليل جدّاً بالنسبة إلى عدد رواياته عن الثقات ، مثلاً إنه يروي عن أبي أيوب في ثمانية وخمسين مورداً ، كما يروي عن ابن اذينة في مائة واثنين وخمسين مورداً ، ويروي عن حمّاد في تسعمائة وخمسة وستّين مورداً ، ويروي عن عبد الرحمن بن الحجّاج في مائة وخمسة وثلاثين مورداً ، كما يروي عن معاوية بن عمّار في أربعمائة وثمانية وأربعين مورداً ، إلى غير ذلك من المشايخ التي يقف عليها المتتبّع بالسبر في رواياته.

وفي الوقت نفسه لا يروي عن بعض الضعاف إلا رواية او روايتين او ثلاثة ، وقد عرفت عدد رواياته في الكتب الاربعة عن هذه الضعاف.

فاذا كانت رواياته من الثقات أكثر بكثير من رواياته عن الضعاف ، يطمئن الانسان بأن الواسطة المحذوفة في المراسيل هي من الثقات ، لا من الضعاف. ولعلّ هذا القدر من الاطمئنان كاف في رفع الاشكال.

نعم لمّا كانت مراسيله كثيرة مبسوطة في أبواب الفقه ، فلا جرم إن الانسان يذعن بأن بعض الوسائط المحذوفة فيها من الضعفاء.

__________________

١ ـ رجال النجاشي : الرقم ٨٨٧.

٢٧٠

ولكن مثل هذا العلم الاجمالي أشبه بالشبه غير المحصورة ، لا يترتب عليها أثر ، كالعلم بأن بعض الاخبار الصحيحة غير مطابق للواقع ، ولا صادر عن المعصوم.

٢٧١
٢٧٢

٣ ـ العصابة المشهورة بأنهم لا يروون إلا عن الثقات

* أحمد بن محمد بن عيسى.

* بنو فضال كلهم.

* جعفر بن بشير البجلي.

* محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني.

* علي بن الحسن الطاطري.

* أحمد بن علي النجاشي صاحب الرجال.

٢٧٣
٢٧٤

قد عرفت حقيقة الحال في ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي. هلمّ معي ندرس حال الباقين ممَّن قيل في حقّهم إنهم لا يروون إلا عن ثقة ، وهم عبارة عن عدّة من أجلاء الاصحاب منهم :

ألف ـ أحمد بن محمد بن عيسى القمي

لا شكّ أن أحمد بن محمد بن عيسى ثقة جليل وثَّقه النجاشي والشيخ ، ونقل العلاّمة في خلاصته (١) أنه أخرج أحمد بن محمد بن خالد البرقي القمي من قم لانه كان يروي عن الضعاف ، لكنه أعاده اليها ، معتذراً اليه ، ولمّا توفي مشى أحمد بن محمد بن عيسى في جنازته حافياً حاسراً ليبرء نفسه ممّا قذفه به وهذا يدلّ على أن أحمد بن محمد بن عيسى ما كان يروي عن الضِّعاف وإلا لما أخرج سميّه ومعاصره من قم ، فيعدّ هذا دليلاً على أنه لا يروي إلا عن ثقة.

والظاهر بطلان هذا الاستنتاج ، لأنه لم يخرج البرقي من قم لأجل روايته عن ضعيف او ضعيفين او ضعاف معدودين ، بل لأجل أنه كان يكثر الرواية عن

__________________

١ ـ الخلاصة : ١٤ ، طبعة النجف. ونقل النجاشي في فهرسه ( الرقم : ٤٩٠ ) قريباً منه في حق سهل بن زياد الآدمي ، وان ابن عيسى اخرجه من قم وكان يشهد عليه بالغلو والكذب.

٢٧٥

الضعاف ويعتمد عليهم. قال الشيخ في ترجمته : « وكان ثقة في نفسه غير أنه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل » (١) وقال العلاّمة في « الخلاصة » : « أصله كوفي ثقة غير أنه اكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل ، قال ابن الغضائري : طعن عليه القميون وليس الطعن فيه ، إنما الطعن فيمن يروي عنه فانه كان لا يبالي عمَّن أخذ على طريقة أهل الاخبار ».

والمتحصل من ذلك أن أحمد بن محمد بن عيسى أخذ على البرقي إكثار الرواية من الضعاف ، وهو يدل على عدم اكثاره منها لا أنه لا يروي عن ضعيف قطّ.

أضف إلى ذلك أن أحمد بن محمد بن عيسى بنفسه روى عن عدَّة من الضعفاء نظراء :

١ ـ محمد بن سنان : روى الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان ، عن اسماعيل بن جابر ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : العلماء أمناء ، والاتقياء حصون (٢).

ومحمد بن سنان هذا ممَّن ضعفه النجاشي وقال : « قال أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد : إنه روى عن الرضا عليه‌السلام قال : وله مسائل عنه معروفة ، وهو رجل ضعيف جدّاً لا يعوَّل عليه ولا يلتفت إلى ما تفرّد به ، وقد ذكره ابو عمرو في رجاله ، قال أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري قال : قال أبو محمد الفضل بن شاذان : لا اُحلّ لكم أن ترووا أحاديث محمد بن سنان » (٣).

٢ ـ علي بن حديد : روى الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن

__________________

١ ـ فهرست الشيخ : الرقم ٥٥.

٢ ـ الكافي : ١ / ٣٣ ، كتاب فضل العلم ، الباب الثاني ، الحديث ٥.

٣ ـ رجال النجاشي : الرقم ٨٨٨ ، ورجال الكشي : ٤٢٨.

٢٧٦

محمد بن عيسى ، عن علي بن حديد ، عن مرازم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء (١).

وقد مضى أن علي بن حديد في الضعاف.

٣ ـ اسماعيل بن سهل : روى الكليني عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن اسماعيل بن سهل ، عن حماد ، عن ربعي ، عن ابي عبدالله عليه‌السلام قال : قال امير المؤمنين عليه‌السلام : ان الندم على الشر يدعو إلى تركه (٢).

واسماعيل بن سهل هذا ضعفه النجاشي. قال : « اسماعيل بن سهل الدهقان ضعفه اصحابنا ، له كتاب » (٣) وقال العلاّمة في القسم الثاني من الخلاصة وابن داود مثله (٤).

٤ ـ بكر بن صالح : روى الكليني عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن بكر بن صالح ، عن الحسن بن علي ، عن عبدالله بن إبراهيم ، عن علي بن أبي علي اللهبي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدو عليه ويروح (٥).

وبكر بن صالح هذا ممَّن ضعفه النجاشي. قال : « مولى بني ضبَّة روى عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، ضعيف له كتاب نوادر » (٦).

__________________

١ ـ الكافي : ١ / ٥٩ ، كتاب فضل العلم ، باب الرد إلى الكتاب والسنة ، الحديث ٢١.

٢ ـ الكافي : ٢ / ٤٢٧ ، كتاب الايمان والكفر ، باب الاعتراف بالذنوب ، الحديث ٧.

٣ ـ رجال النجاشي : الرقم ٥٦.

٤ ـ الخلاصة : ٢٠٠ ، ورجال ابن داود : ٢٣١ ، وذكراه في القسم الثاني.

٥ ـ الكافي : ٢ / ١٠١ باب حسن الخلق ، الحديث ١٢.

٦ ـ رجال النجاشي : الرقم ٢٧٦.

٢٧٧

وقال العلاّمة في القسم الثاني من الخلاصة : « بكر بن صالح الرازي مولى بني ضبَّة ، وروى عن أبي الحسن الكاظم عليه‌السلام ، ضعيف جدّاً كثير التفرّد بالغرائب » (١).

ب ـ بنو فضّال

قد استدلّ على وثاقة كل من روى عنه بنو فضال بالحديث التالي : روى الشيخ في كتاب « الغيبة » عن أبي محمد المحمدي قال : وقال أبو الحسين بن تمام : حدثني عبدالله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح ( رضي الله عنه ) قال : سئل الشيخ ـ يعني أبا القاسم ( رضي الله عنه ) ـ عن كتب ابن ابي العزاقر (٢) بعد ما ذمّ وخرجت فيه اللعنة ، فقيل له : فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملآى؟ فقال : أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي عليه‌السلام وقد سئل عن كتب بني فضال ، فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملآى؟ فقال ـ صلوات الله عليه ـ : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا (٣).

وهذه الرواية ممّا استند اليه الشيخ الانصاري رحمه‌الله في كتاب صلاته عند ما تعرض لرواية داود بن فرقد وقال : « روى الشيخ عن داود بن فرقد ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي بمقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات ، فاذا مضى مقدار ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر ... ـ ثم قال : وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أن سندها إلى الحسن بن فضّال صحيح وبنو فضّال ممّن أُمروا بالأخذ بكتبهم ورواياتهم » (٤).

__________________

١ ـ الخلاصة : ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

٢ ـ هو محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن ابي العزاقر وقد خرج التوقيع بلعنه على يد الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح في ذي الحجة من شهور سنة ٣١٢ هـ ، وله كتاب « التكليف ».

٣ ـ كتاب الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٣٩ ، طبعة النجف.

٤ ـ صلاة الشيخ الانصاري : ١.

٢٧٨

غير أن الاستدلال بهذا الحديث على فرض صحة سنده قاصر ، لأن المقصود من الجملة الواردة في حقّ بني فضال هو أن فساد العقيدة بعد الاستقامة لا يضرّ بحجية الرواية المتقدمة على الفساد ، لا انه يؤخذ بكل رواياتهم ومراسيلهم ومسانيدهم من غير أن يتفحص عمَّن يروون عنه ، بل المراد أنه يجري على بني فضال الحكم الذي كان يجري على سائر الرواة ، فكما أنه يجب التفتيش عنهم حتى تتبيّن الثقة منهم عن غيرها فهكذا بنو فضال.

ج ـ جعفر بن بشير

قد استدل المحدث النوري في مستدركه (١) على وثاقة كل من روى جعفر بن بشير عنهم ومن رووا عنه بما ذكره النجاشي في رجاله حيث قال : « جعفر بن بشير البجلي الوشاء من زهاد اصحابنا وعبّادهم ونسّاكهم وكان ثقة وله مسجد بالكوفة ـ إلى أن قال : مات جعفر رحمه‌الله بالأبواء سنة ٢٠٨ هـ. كان أبو العباس بن نوح يقول : كان يلقّب فقحة العلم (٢) روى عن الثقات ورووا عنه ، له كتاب المشيخة » (٣).

ولكن الظاهر أن العبارة غير ظاهرة في الحصر ، بل المراد أن جعفر بن بشير يروي عن الثقات كما تروي الثقات عنه ، وأما إنه لا يروي عنه إلا الثقات وهو لا يروي إلا عنهم ، فلا تفيده العبارة ، كيف ومن المستبعد عادة أن لا يروي عنه إلا ثقة وهو خارج عن اختياره ، وأقصى ما تفيده العبارة أن القضية غالبية.

كيف وقد روى جعفر بن بشير عن الضعيف أيضاً.

__________________

١ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٧٧ ، الفائدة العاشرة.

٢ ـ هكذا ضبطه في الايضاح على ما نقله قاموس الرجال والفقحة من النبت الزهرة ، كما ضبطه في الخلاصة : ٣٢ ، ورجال ابن داود بـ « قفة العلم ».

٣ ـ رجال النجاشي : الرقم ٣٠٤.

٢٧٩

روى الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن صالح بن الحكم قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الصلاة في السفينة ... إلى آخره (١).

وصالح بن الحكم ممن ضعفه النجاشي وقال : « صالح بن الحكم النيلي الاحول ، ضعيف » (٢).

د ـ محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني

وقد قيل (٣) في حقه ما قيل في حقّ جعفر بن بشير مستدلاً بما ذكره النجاشي في حقه أيضاً حيث قال : « محمد بن اسماعيل بن ميمون الزعفراني أبو عبدالله ثقة عين روى عن الثقات ورووا عنه ولقي أصحاب أبي عبدالله عليه‌السلام » (٤).

والمراد من هذه العبارة ما ذكرناه في حقّ المتقّدم عليه.

هـ ـ علي بن الحسن الطاطري

قال الشيخ في ترجمة الرجل : « كان واقفياً شديد العناد في مذهبه ، صعب العصبية على ما خالفه من الإمامية ، وله كتب كثيرة في نصرة مذهبه وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم فلأجل ذلك ذكرناها » (٥).

استدل بذيل كلام الشيخ من أن كل من روى علي بن الحسن الطاطري عنه فهو ثقة ، لأن الشيخ شهد على أنه روى كتبه عن الرجال الموثوق بهم

__________________

١ ـ التهذيب : ٣ / ٢٩٦ ، باب الصلاة في السفينة ، الحديث ٨٩٧.

٢ ـ رجال النجاشي : الرقم ٥٣٣.

٣ ـ مستدرك الوسائل : ٣ / ٧٧٧ ، الفائدة العاشرة.

٤ ـ رجال النجاشي : الرقم ٩٣٣.

٥ ـ فهرست الشيخ : ١١٨ ، الرقم ٣٩٢.

٢٨٠