الدعاء المعاني والصّيغ والأنواع

الدكتور محمّد محمود عبود زوين

الدعاء المعاني والصّيغ والأنواع

المؤلف:

الدكتور محمّد محمود عبود زوين


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مركز الرسالة
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-5213-79-9
الصفحات: ١٣٩

الدّعاء ... ) (١) « يعني النداء » (٢) وقال تعالي علي لسان زكريا : ( إذ نادى ربّه نداءً خفيّاً قال ربّ إنّي وهن العظم منّي واستعل الرّاس شيباً ولم أكن بدعائك ربّ شقيّاً ) (٣) «أي بندائك» (٤).

وهنا يظهر أن لفظ الدعاء يفسر النداء والعكس يصح كذلك لهذا كان معني الدعاء ضمن وجوه النداء في القرآن (٥) قال تعالي : ( وأيّوب إذ نادي ربّه أنّي مسّني الضّرّ وأنت أرحم الرّاحمين ) (٦) أي دعا ربه والله أعلم وقوله تعالي : ( يوم يدع الدّأع إلي شيءٍ نكرٍ ) (٧) « أي يوم ينادي المنادي » (٨) (٩) وعلي الرغم من تقارب دلالتي النداء والدعاء إلاّ أننا يمكن أن نرصد فرقاً بينهما وذلك « أن النداء : هو رفع الصوت بما له معني ... والدعاء يكون برفع الصوت وخفضه يقال : دعوته من بعيد ودعوت الله في نفسي ولايقال : نادية في نفسي » (١٠). وبذلك يتضح إشراك الدعاء والنداء في جانب من دلالتهما في وضع أحدهما موضع الآخر واختلافهما من جانب آخر.

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٤٥.

(٢) قاموس القرآن : ١٧٤.

(٣) سورة مريم : ١٩ / ٣ و ٤.

(٤) بصائر ذوي التمييز ٦٠١ : ٢.

(٥) ظ : قاموس القرآن : ٤٥٠.

(٦) سورة الأنبيا : ٢١ / ٨٣.

(٧) سورة القمر : ٥٤ / ٦.

(٨) الأشباه والنظائر ٢٨٦ : ٢ ، الوجوه والنظار : ٣١٤.

(٩) ظ : الآيات التالية في السياق نفسه : سورة الإسراء : ١٧ / ١٥ سورة الروم : ٣٠ / ٥٢ سورة فاطر : ٣٥ / ١٤ ، سورة الأنبيا : ٢١ / ٧٦ و ٨٧ و ٨٩.

(١٠) الفروق اللغوية / أبو هلال العسكري : ٢٦.

٢١

الوجه الخامس ـ الدعاء بمعني السؤال :

ورد السؤال في القرآن الكريم علي عشرين وجهاً (١) والسؤال بمعني الدعاء يمكن أن يكون في بايين :

الأول : السؤال علي وجهة الاستفهام والاستعلام.

الثاني : السؤال علي جهة الطلب والرغبة في حصول المراد.

ومما جاء من آيات الذكر الكريم في الباب الأوّل قوله تعالي : ( ويوم يقول نادوا شر كاثي الّذين زعمتم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم وجعلنا بينهم موبقاً ) (٢) «يعني : فسألوهم أهم آلهة؟ ( فلم يستجيبوالهم ) بأنهم آلهة » (٣) وقال تعالي علي لسان بني إسرائيل في سؤالهم موسي : ( قالوا ادع لنا ربّك ... ) (٤) أي سل لنا (٥) أو استعلم لنا.

أما السؤال بمعني الرجاء في حصول الشيء فيأتي دائماً متعلقاً بطلب ظاهر في سياق الآية قال تعالي : ( وقال الّذين في النّار لخزنة جهنّم ادعوا ربّكم يخفّف عنّا يوماً من العذاب ) (٦) « أي سلوا ربكم واطلبوا إليه » (٧) ( يخفّف عنّا يوماً من العذاب ). وقال تعالي في سورة الزخرف : ( وقالوا

__________________

(١) ظ : بصائر ذوي التمييز ١٦٢ : ٣.

(٢) سورة الكهف : ١٨ / ٥٢.

(٣) الأشباه والنظائر ٢٨٧ : ٢.

(٤) سورة البقرة : ٢ / ٦٨.

(٥) ظ : الوجوه والنظائر : ٣١٥ ، التصاريف : ٣٢٧ ، كذلك المفردات : ١٧١ ، ظ : نزهة الأعين النواظر في علم

الوجوه والنظائر : ٢٩٥.

(٦) سورة غافر : ٤٠ / ٤٩.

(٧) الأشباه والنظائر ٢٨٧ : ٢.

٢٢

يا أيّة السّاحر ادع لنا ربّك بما عهد عندك إنّنا لمهتدون ) (١) أي سل لنا ربك (٢) ومثلما أن معني السؤال وجه من وجوه الدعاء معني الدعاء وجه من وجوه السؤال (٣).قال تعالي : ( سأل سائل بعذّاب واقع ) (٤) « يعني دعا داع » (٥).

الوجه السادس ـ الدعاء بمعني العذاب والعقوبة والموت :

قال تعالي في وصف جهنم : ( كلاّ إنّها لظي نزّاعة للشّوي تدعوا من أدبر وتولّي ) (٦) أي « تعذّب » (٧) ونقل عن بعض المفسرين قولهم « ليست كالدعاء تعال ولكن دعوتها إياهم ما نفعل لهم من الأفاعيل » (٨) وهذا عين ما استخدمته العرب عند دعائها علي شخص ما فتقول : « دعاك الله أي أماتك قول الأعرابي : دعاك الله : أي عذّبك » (٩).

الوجه السابع ـ معان مختلفة :

هناك معانٍ جديدة للدعاء نلمحها من خلال اختلاف السياق الذي وردت فيه وهي كما يلي :

__________________

(١) سورة الزخرف : ٤٣ / ٤٩.

(٢) ظ : التصاريف : ٣٢٧.

(٣) قاموس القرآن : ٢٢٤.

(٤) سورة المعارج : ٧٠ / ١.

(٥) ظ : في السياق نفسه : سورة غافر : ٤٠ / ٦٠ سورة الأعراف : ٧ / ٥٥ و ٥٦.

(٦) سورة المعارج : ٧٠ / ١٥ ـ ١٧.

(٧) بصائر ذوي التمييز ٦٠٢ : ٢ ، ظ : نزهة الأعين النواظ : ٣٩٥ ، مجمع البحرين

/ الطريحي ١٣٩ : ١.

(٨) تهذيب اللغة : باب العين والدال (دعو).

(٩) قاموس القرآن : ١٧٥.

٢٣

أ ـ الدعاء بمعني الصلاة : الصلاة في أشهر معانيها الدعاء وجاءت في القرآن بهذا المعني في كثير من آياته قال تعالي : ( واصبر نفسك مع الّذين يدّعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه .. ) (١) قال مجاهد في تفسير هذه الآية «يصلّون الصلوات الخمس» (٢).

ب ـ والدعاء بمعني التمنّي : قال تعالي : ( لهم فيها فاكهة ولهم ما يدّعون ) (٣) أي ما يتمنون (٤) وقيل إنّه «راجع إلي معني الدعاء أي ما يدّعيه أهل الجنّة يأتيهم» (٥) ، واستعمل العرب الدعاء بمعني التمنّي كما في قولهم «ادع عليّ ما شئت» (٦).

جـ ـ الدعاء بمعني التسمية : والدعاء بهذا المعني آتٍ من معني النداء لأنّ النداء غالباً ما يكون بالاسم والدعاء يأتي بمعني النداء فاستعمل الدعاء « استعمال التسمية نحو دعوت ابني زيداً : أي سميته » (٧) ، وجاء في القرآن الكريم استعمال الدعاء بمعني التسمية في قوله تعالي : ( لاتجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً .. ) (٨) أي تسمّوه باسمه كما هو بينكم بل كنّوه وعظّموه في تسميته ـ والله أعلم ـ.

__________________

(١) سورة الكهف : ١٨ / ٢٨.

(٢) تهذيب اللغة : باب العين والدال (دعو)

(٣) سورة يس : ٣٦ / ٥٧.

(٤) مجمع البحرين ١٣٩ : ١.

(٥) لسان العرب : مادة (دعو).

(٦) تهذيب اللغة : باب العين والدال (دعو).

(٧) معجم مفردات القرآن : ١٧٢.

(٨) سورة النور : ٢٤ / ٦٣.

٢٤

د ـ والدعاء بمعني اللسان : كما ورد في قوله تعالي : ( لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل علي لسان داود وعيسي ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) (١) ( علي لسان داود أي في دعائه ) (٢).

هـ ـ الدعاء بمعني النسب وإلحاق الشخص بنسبه : كما في قوله تعالي : ( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ... ) (٣) أي انسبوهم (٤) ، وقال تعالي : ( ... أن دعوا للرّجمن ولداً ) (٥) نسبوا وجعلوا له أبناء تعالي الله عن ذلك علوّاً كبيراً (٦) هذا ولم يفرّق بعضهم بين وجوه الدعاء ونظائره في القرآن وبين معانيه التفسيرية فالفيروز آبادي علي سبيل المثال أوصل وجوه الدعاء إلي سبعة عشر وجهاً (٧) جمع بين نظائر الدعاء في القرآن وتفسيره ـ والرأي عندي ـ أن تفسير الآيات يمكن إرجاعها ضمن وجوه ونظائر الدعاء مثالنا في ذلك : دعوة نوح في قوله : ( ربّ إنّي دعوت قومي ليلاً ونهاراً ) (٨) يمكن أن توضع ضمن الوجه الخامس ـ السؤال الطلبي ـ بمعني أنه سألهم الهداية وطلب منهم ذلك.

وكذلك دعوة إسرافيل ( ثمّ إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ / ٧٨.

(٢) قاموس القرآن : ٤١٥.

(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٥.

(٤) ظ : تهذيب اللغة : باب العين والدال ( دعو ) ، ظ : مجمع البحرين ١٤٠ : ١.

(٥) سورة مريم : ١٩ / ٩١.

(٦) ظ : تهذيب اللغة : باب العين والدال ( دعو ).

(٧) انظر بصائر ذوي التمييز ٦٠١ : ٢ ـ ٦٠٣.

(٨) سورة نوح : ٧١ / ٥.

٢٥

تخرجون ) (١) هي ضمن الوجه الرابع ـ بمعني النداء ـ أي ناداكم مكما فعل ذلك مقاتل البلخي عندما جمع بين وجه الدعاء وتفسيره ضمن وجه النداء في قوله تعالي : ( يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده ... ) (٢) يقول : «يوم يناديكم إسرافيل» (٣) ومثل هذا في قوله تعالي في يونس : ( دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ ... ) (٤) وهو دعاء أهل الجنة «يعني قولهم إذا اشتهوا الطعام ( سبحانك اللّهم ...) » (٥) وضع ضمن اوجه الثاني معني القول لذا فليس من المناسب أن نضع لكل سياق وجهاً جديداً لأنّ أغلب وجوه الدعاء لاتخرج عما ذكرناه آنفاً ـ والله أعلم ـ ويتضح مما تقدّم أن معاني الدعاء متعددة الوجوه وكثيرة النظائر وأن هناك ألفاظاً حملت معني الدعاء في دلالتها سواء أكان ذلك في صيغها أم كان في مضمونها وهذا ما سيتكفل بطرحه المبحث الآتي.

المبحث الثاني

الألفاظ المستعملة في معني الدعاء

إذ كانت أهمية الدعاء ـ في جانبمنها ـ متأتيةً من كثرة ألفاظه واستخدامها علي صعيد النص القرآني ، فإن مضامين الدعاء ودلالته في ألفاظ أخري لا تقل أهمية وسعة واستعمالاً في القرآن الكريم ولهذا تجد ألفاظاً

__________________

(١) سورة الروم : ٣٠ / ٢٥.

(٢) سورة الإسراء : ١٧ / ٥٢.

(٣) الأشباه والنظائر ٢٨٦ : ٢ ، التصاريف : ٣٢٦.

(٤) سورة يونس : ١٠ / ١٠.

(٥) قاموس القرآن : ١٧٣.

٢٦

كثيرة تتحقق فيها مظاهر الدعاء وأركانه في مضامينها وسياقها مما جعلنا نعدّها دعاء فضلاً عن أصلها اللغوي ومعناها الاصطلاحي الذي سوّغ لنا ذلك وهدانا إلي استكشاف أبعادها الدلالية التي أسمهت ـ إلي حد بعيد ـ في إظهار ما ندهب إليه من تقارب روافدها مع الدعاء بل واشتراك استعمالها قرآنياً بمعاني الدعاء الأمر الذي حدا بالبحث إلي أن يلتمس بذائقته بعضاً من تلك الألفاظ ويتتبعها كي تتكامل الظاهرة الدعائية ـ كما نرى ـ وترتسم معالمها لفظاً ومعني علي مستوي النص القرآني وأول هذه الألفاظ :

الصلاة :

تنقسم معاني الصلاة في أصلها اللغوي علي معانٍ أربعة نستعرضها بإيجاز ونبيّن ما ذهبنا إليه.

المعني الأوّل : أن الصلاة مأخوذه من الصلا «وهو مغرز الذنب من الفرس والاثنان صلوان» (١) والصلا في الإنسان «العظم الذي عليه الإليتان وهو آخر ما يبلي من الإنسان في القبر» (٢) وأطلقت الصلاة علي حركة رفع الصلا في الركوع والسجود لدي المصلي.نقل هذا المعني الزمخشري في كشافه (٣) إلاّ أن الرازي أنكر هذا المعني وعابه في قوله : «إن الاشتقاق الذي ذكره صاحب الكشاف يفضي إلي طعن عظيم في كون القرآن حجة وذلك لأن لفظ الصلاة من أشد الألفاظ شهرة وأكثرها دوراناً علي ألسنة المسلمين ، واشتقاقه من تحريك الصلوين من أبعد الأشياء واشتهاراً بين أهل النقل» (٤).

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن / القرطبي ٨٨ : ٣.

(٢) جمهرة اللغة : مادة ( صلي ).

(٣) الكشاف / الزمخشري ١٠٠٠ : ١.

(٤) مفاتيح الغيب ٣٣ : ٢.

٢٧

وقد فض هذا الأصل في الصلاة الشريف الجرجاني (١) أيضاً ويغنينا عن القول في استبعاد معني الصلاة من ( الصلا ) ما تقدّم من كلام الرازي فقد بيّن عدم اشتهار هذا الأصل بالنسبة للمسلمين فضلاً عن قلّة شواهده الجاهلية التي تؤيد استعمال العرب للصلاة من هذا المعني.

المعنى الثاني : أصل الصلاة من صلي «وصليت القناة : قوّمتها بالنار» (٢) ثم استعير تقويم العصا بالنار وتلينها إلي تقويم النفس ظاهراً وباطناً بمعني أن وقوف العبد أمام خالقه و «قبالة عظمته وجلاله ورأفته ورحمته ... فوصل إليه من هذه الأشياء كما وصل إليه من حرّ النار حتي صلي بها» (٣) وهذا الأصل وإن حمل بعضاً من روح الصلاة إلاّ أنّه يقصر عن أن يكون أصلاً للصلاة.

المعنى الثالث : يقارب المعني الثاني وهو أن أصل الصلاة : اللزوم أو الملازمة ، « يقال : صلي واُصطلى : إذا لزم ومن هذا يصلى في النار أي يلزم » (٤) وتبنّي الأزهري هذا الرأي في أصل الصلاة حيث قال : « والقول عندي ... إنما الصلاة لزوم ما فرض الله والصلاة من أعظم الفرض الذي أمر بلزمه » (٥).

وأري أن هذا المعني جزء من المعني السابق من الصلي بالنار ولاينهض كأصل للصلاة كذلك وإن حمل تأويلاً لطيفاً في التزام الصلاة كفرض لايتهاون فيه.

المعنى الرابع : وهو أن أصل الصلاة : الدعاء « مأخوذ من صلى يصلي إذا

__________________

(١) حاشية السيد الجرجاني علي الكشاف ١٠٠ : ١ طبعة البابي الحلبي ، مصر ، ١٩٨٤.

(٢) أساس البلاغة : ٥٣٩.

(٣) تحصيل نظائر القرآن / الحكيم الترمذي : ٧١.

(٤) تهذيب اللغة : باب الصاد واللاّم ( صلى ).

(٥) المصدر نفسه : باب الصاد واللاّم ( صلى ).

٢٨

دعا » (١) وهو المعنيى الأكثر شهرة وإليه يذهب أغلب أهل اللغة وجمهورها حيث تؤكده الشواهد الشعرية الجاهلية ، جاء في جامع البيان : « أما الصلاة في كلام العرب فإنّها الدعاء » (٢).

قال الأعشى (٣).

تقول بنتي وقد قربت مرتحلا

يا رب جنّب أبي الأوصاب والوجعا

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي

نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا

مثل الذي صليت بمعني مثل الذي دعيت لي.

وقال كذلك :

وقابلها الريح في دنّها

نوماً فإن لجنب المرء مضطجعا (٤)

 « ارتسم الرجل : كبر ودعا » (٥).

ويمكن أن نقول : إن الصلاة « حقيقة في الدعاء مجاز لغوي في الهيئات المخصوصة المشتملة عليه » (٦) والمقصود بالهيئات المخصوصة المعاني الأخري للصلاة ومثل هذا الرأي ـ ولاريب ـ معقول ومقبول وذلك « لورود الصلاة بمعني الدعاء قبل تشريع الصلاة المشتملة علي الركوع والسجود ولورودها في كلام من لا يعرف بالهيأة المخصوصة » (٧) ثم إنّ تواتر استعمال

__________________

(١) الجامع ١٦٨ : ١.

(٢) جامع البيان / الطبري ١٠٤ : ١.

(٣) ديوان الأعشى / ميمون بن قيس : ١٠١.

(٤) ديوان الأعشى : ٣٥. والبيت الذي قبله :

وصهباء طاف بها يهوديها

وأبرزها وعليها ختم

 (٥) الجامع ١٦٨ : ١.

(٦) حاشية السيد الشريف الجرجاني علي تفسير الكشاف ١٠٠ : ١.

(٧) كشاف الفنون / التهانوي٨٥٩ : ٤.

٢٩

الصلاة بمعني الدعاء يؤيد ذلك كما جاء عن الرسول « إذا دعي أحدكم إلي طعام فليجب فإن كان مضطراً فليطعم وإن كان صائماً فليصلّ » (١).

« قال أبو عبيدة : قوله فليصلّ يعني فليدع لهم بالبركة والخير ، وكل داعٍ فهو مصلّ » (٢).

وفضّل الرازي الدعاء كأصل للصلاة بوصفه الأقرب إليها من المعاني الأخري (٣) وعلّل إطلاق الدعاء عليها مجازاً لغوياً مشهوراً في « إطلاق اسم الجزء علي الكل ولما كانت الصلاة الشرعية مشتملة علي الدعاء لاجرم أطلق اسم الدعاء عليها على سبيل المجاز » (٤) بمعنى إن تسمية الصلاة بالدعاء « كتسمية الشيء باسم بعض ما يتضمنه » (٥) وإذا دقّقنا النظر في فعاليات الصلاة علمنا أن الدعاء في كل حركاتها لأنّ معنى الطلب مع الخضوع والتذلّل واضح في جانب ومعنى التعظيم والإجلال للخالق ظاهر في جانب آخر كما في القراءة والقنوت والركوع والسجود فضلاً عما يجب علي الفرد من آدابها القلبية التي هي مظهر آخر من الطلب والدعاء.

والصلاة في القرآن جاءت علي أكثر من وجه أوصلها أحدهم إلي عشرين وجهاً (٦) من بينها وجه الدعاء وفي ذلك إثبات على نزول القرآن بلغة العرب واستعماله للألفاظ والمعاني من جنس ما استعملوا كما في قوله تعالي : ( إنّ

__________________

(١) سنن أبي داود / سليمان بن الأشعث ٣٠٦ : ٢.

(٢) تهذيب اللغة : باب الصاد واللاّم (صلى).

(٣) ظ : مفاتيح الغيب ٤٧ : ٣.

(٤) مفاتيح الغيب ٤٧ : ٣.

(٥) معجم مفردات ألفاظ القرآن : ٢٩٣.

(٦) ظ : منتخب قرة العيون النواظر / ابن الجوزي : ١٦١.

٣٠

الله وملائكته يصلّون علي النّبيّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً ) (١).

يقول الطبري في معرض حديثه عن هذه الآية « أن يصلّي على النبي ، ويثني عليه بالثناء الجميل ويبجّله لأعظم التبجيل وملائكته يصلّون ويثنون بأحسن الثناء ويدعون له بأزكى الدعاء » (٢).

وقال تعالي : ( .. وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ) (٣) فمعنى ( وصلّ عليهم ) « واعطف عليهم بالدعاء لهم وترحّم » (٤).

وفرّق العلماء بين صلاة الله تعالي وصلاة المخلوقين ـ الملائكة والإنس ـ فالصلاة منه ـ عزّ ذكره ـ الرحمة (٥) ومن المخلوقين ـ الدعاء والاستغفار (٦) وفي هذا لمحة عظيمة دالّة علي التوحيد والعطف في آن واحد علي التوحيد لأنّه تعالي يفيض برحمته ولا يفاض عليه ويدعي ولا يدعو ولمن يدعو؟ ولا شيء قبله بعده غني مطلق الغنى عن كل شيء.

أما على العطف فهو عالم سبحانه بافتقار خلقه إليه فرحمته لهم عطف منه تعالى وفضل سابق وجاء معنى الرحمة في صلاة الله تعالي قول الراعي (٧) :

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٥٦.

(٢) مجمع البيان / الطبرسي ٣٦٩ : ٨ ظ : الكشاف ٣٠٧ : ٢.

(٣) سورة التوبة : ٩ / ١٠٣.

(٤) الكشاف ٣٠٧ : ٢ ، ظ : التبيان في إعجاز القرآن / ابن الزملكاني : ٩٠.

(٥) ظ : تهذيب اللغة باب الصاد واللاّم ( صلى ) ظ : مفاتيح الغيب ٢١٥ : ٢٥.

(٦) ظ : معجم مفردات ألفاظ القرآن : ٢٩٣ ، كشاف الفنون ٨٥٩ : ٤.

(٧) لسان العرب : مادة صلى : ولم أجد هذا الشاهد في كتاب شعرالراعي وأخباره لناصر الحاني بل وليس له وجود في كتاب شعر الراعي النميري : د.نوري حمودي القيسي.

٣١

صلّى على عزّة الرحمن وابنتها

ليلى وصلّى علي جاراتها الاُخر

ونخلص من الحديث عن الصلاة بجلاء مفهوم الدعاء سواء كأصل لغوي أو استعمال قرآني أو ركن تشريعي.

الابتهال :

« أصل البهل : اللعن » (١) وتباهل القوم « إذا تلاعنوا » (٢) أي طلب كل منهما اللعن لغيره.

والتبهّل « العناء بالطلب » (٣) ويقال كذلك « ابتهل إلي الله بالدعاء : تضرّع واجتهد » (٤) وأخلص في الدعاء.

قال لبيد في هذا المعنى :

في كهول سادة من قومه

نظر الدهر إليهم فابتهل (٥)

أي اجتهد في إهلاكهم.

ونجد في الابتهال في القرآن بصيغة واحدة كما في آية المباهلة ، قال تعالي : ( فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ويساءنا ويساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) (٦).

ووجود اللفظ في هذه الآية بالذات يحمل دلالة لطيفة لا يوديها عنه لفظ آخر وإن ماثله في معناه كلفظ « ندعو » لأنّ الابتهال هنا ليس مجرد الدعاء بل

__________________

(١) جمهرةاللغة : مادة ( بهل ).

(٢) تهذيب اللغة باب الهاء واللاّم ( بهل )

(٣) لسان العرب : مادة ( بهل )

(٤) ظ : معجم مفردات ألفاظ القرآن : ٦١ ، أساس البلاغة : ٧١ ، الجامع ١٠٤ : ٤.

(٥) ديوان لبيد : ١٤٨.

(٦) سورة آل عمران : ٣ / ٦١.

٣٢

هو الاجتهاد في التضرع والإخلاص في الدعاء وفرّق بين ما يحمل « نبتهل » عن « ندعو » من معنى لذلك « لا يقال ابتهل في الدعاء إلاّ إذا كان هناك اجتهاد » (١) وإذا وضعنا أمامنا حساسية الموقف فالرسول قد كذّبته النصاري وفي الابتهال إقامة الحجّة علي النبوة إذ ليس هناك موقف أعظم من هذا يتوجه فيه بالدعاء الصادق المخلص فضلاً عما يحمل الابتهال من معنى اللعن والاهلاك للكاذب لذلك فما أن استيقن النصاري من صدق الرسول من جانب وعزمه علي الابتهال من جانب آخر حتي سالموه وقبلوا مرغمين على دفع الجزية (٢).

ونري من ذلك أن الابتهال أدل علي الضراعة والإلحاح في الدعاء وقد مثّل مظهراً من مظاهرا الدعاء في القرآن.

القنوت :

تتعدّد دلالات لفظ القنوت ومعانيها إلي أكثر من معنى وهي « الطاعة ، والخشوع ، والصلاة ، والدعاء ، والقيام ، وطول القيام ، والسكون ، فيصرف كل واحد من هذه المعاني إلي ما يحمله لفظ الحديث الوارد فيه » (٣).

وكل هذه المعاني تلتقي في أصل واحد وهو الطاعة (٤) حتى السكوت أو الإمساك عن الكلام يرد في معنى الطاعة وهو من قبل الانقطاع إليه تعالى

__________________

(١) مفاتيح الغيب ٨٧ : ٨ ظ : الكشاف ٣٦٨ : ١.

(٢) ظ : أسباب النزول / الواحدي النيسابوري : ٥٨ ـ ٥٩.

(٣) لسان العرب : مادة ( قنت ).

(٤) ظ : مقاييس اللغة : باب القاف والنون وما يثلثهما ( قنت ) ظ : معجم مفردات ألفاظ القرآن : ٤٢٨.

٣٣

بالكلام دون غيره من الخلق لذلك يقال « للمصلي قانت » (١) أي المتوجه بالكلام إلي خالقه إلاّ أنّ أشهر المعاني السابقة للقنوت عند أهل اللغة الدعاء فما نقل عن الزجاج إذ يقول : « والمشهور في اللغة أن القنوت الدعاء وحقيقة القانت أنّه القائم بأمرالله فالداعي إذا كان قائماً خص بأن يقال له قانت لأنّه ذاكرالله تعالى وهو قائم على رجليه فحقيقة القنوت العبادة والدعاء لله عزّوجلّ في حال القيام ويجوز أن يقع في سائر الطاعة لأن إن لم يكن قيام بالرجلين فهو قيام بالشيء بالنيّة » (٢).

وقد يقال إن القنوت مصطلح قرآني لم يرد « هو أو إحدى مشتقاته في الشعر الجاهلي والمجموعات الكثيرة التي ألّفت فيه » (٣).

إلاّ أننا رأينا استعمال اللفظ باجاهلية ـ بمعني الدعاء ـ مما يؤيد ما ذهب إليه الزجاج من ناحية وإلي أن العرب قد عرفته واستخدمته ويظهر ذلك من مسائل ابن الأزرق لعبد الله بن عباس حين سأله عن معني قوله تعالى : ( ... كلّ له قانتون ) (٤) « فقال ابن عباس : مقرون. واستشهد بقول عدي بن زيد (٥) :

قانتاًلله يرجو عفوه

يوم لا يكفر عبد ما ادّخر

وفي القرآن الكريم جاءت مادة ( قنت ) في ثلاثة عشر موضعاً يمكن

__________________

(١) تهذيب اللغة : باب القاف والتاء ( قنت ).

(٢) المصدر السابق : باب القاف والتاء ( قنت ).

(٣) ظ : التطور الدلالي / عودة خليل أبو عودة : ٢١٠.

(٤) سورة البقرة : ٢ / ١١٦.

(٥) « عدي بن زيد بن حماد بن زيد العبادي ، التميمي ، شاعر من دهاة الجاهلين ت ... نحو ٣٥ ق ه ـ ٥٩٠م » ظ : الأعلام / خير الدين الزركلي ٩ : ٥ ، ظ : ترجمته : خزانة الأدب / البغدادي ١٨٤ : ١ ، والأغاني ٩٧ : ٢ الشعر والشعراء : ٦٣.

٣٤

حملها علي المعاني السابقة الذكر علي الرغم من أن بعضهم جعل لها وجهين فقط هما الإقرارلله تعالي بالعبودية ، والثاني الطاعة (١) وتفرّق بنت الشاطئ بين معني الإقرار والقنوت من خلال السياق القرآني وتصل إلي أن « تفسير القنوت بالإقرار ، لا يكون إلاّ علي وجه الإلزام وقد يكون عن تقية وخوف ولايكون القنوت إلاّ عن خشوع صادق » (٢).

والمعني الذي نميل إليه في القنوت هو الدعاء وقد امتدحه سبحانه وتعالي ووصف به إبراهيم وأولياء (٣) كما في قوله تعالي : ( إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتاً لله حنيفًا ولم يك من المشركين ) (٤).

وقال جلّ شأنه : ( يا مريم اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الرّاكعين ) (٥).

وجعله صفة للمؤمنين والمؤمنات بقوله سبحانه : ( إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصّادقين والصّادقات والصّابرين والصّابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدّقين والمتصدقّات والصّائمين والصّائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذّاكرين الله كثيراً والذّاكرات أعدّالله لهم مغفرةً وأجرًا عظيماً ... ) (٦)

__________________

(١) الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الأزرق / د. بنت الشاطئ : ٣٥٠.

(٢) ظ : التعاريف : ٢١٠.

(٣) الإعجاز البياني للقرآن / بنت الشاطئ : ٣٥٢.

(٤) سورة النحل : ١٦ / ١٢٠.

(٥) سورة آل عمران : ٣ / ٤٣.

(٦) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٥.

٣٥

التضرّع :

وفي هذا اللفظ معني الدعاء على الرغم من كونه حالة من حالات الداعي إلاّ أنّنا يمكن أن نلحظ في التضرّع دعاء من خلال أصله اللغوي واستعماله القرآني.

فالتضرّع لغة : يأتي لمعان كثيرة هي : التذلّل والخشوع ، والابتهال ، والتلوي ، والاستغاثة (١) وفي هذا المعني قال الأحوص :

كفرت الذي أسدوا إليك ووسّدوا

من الحسن إنعاماً وجنبك ضارع (٢)

 ويمكن حمل ضارع في قوله علي المعاني السابقة.

والتضرّع بآياته الست التي ورد فيها في القرآن الكريم اقترن أربع منها بالتعريض بالأقوام التي لم تنهج طريق الدعاء ولم تقر بالذلة لله تعالى ، والتي ترجع بعد البأساء والضراء إلي الإشراك والعنت ولا ينفعها ـ حينذاك ـ تضرّعها ودعاءها قال تعالى : ( ولقد أرسلنا إلي أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يتضرّعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرّعوا ولكن قست قلوبهم وزيّن لهم الشّيطان ما كانوا يعملون ) (٣) يقول القرطبي في حديثه حول الآية الكريمة « وهذا عتاب على ترك الدعاء وإخبار عنهم أنّهم لم يتضرّعوا حين نزول العذاب ، ويجوز أن يكونوا تضرّعوا تضرّع من لم يخلص أو تضرّعوا حين لابسهم العذاب والتضرّع علي هذه الوجوه غير نافع ، والدعاء مأمور به حال الرخاء والشدّة » (٤).

__________________

(١) ظ : لسان اعرب : مادة ( ضرع ).

(٢) ديوان الأحوص : ١٣٠.

(٣) سورة الأنعام : ٦ / ٤٢ و ٤٣.

(٤) الجامع لأحكام القرآن ٤٢٥ : ٦ ظ : مجمع البيان٦٧ : ٤ مفاتيح الغيب ٢٢ :

٣٦

ويظهر من كلام القرطبي حمل التضرّع على الدعاء ، أما الآيتان الأخريان فقد حثّتا على التضرّع والدعاء حيث قرنتا الدعاء بالتضرّع والخليفة مما يدل على سبحانه : ( ادعوا ربّكم تضرّعًا وخفيةً أنّه لا يحب المعتدين ) (١).

وقال تعالى : ( واذكر ربّك في نفسك تضرّعاً وخفيةً ودون الجهر من القول بالغدوّ والآصال ولا تكن من الغافلينن ) (٢).

السلام :

الأصل في السلام لغة : « التعري من الآفات الظاهرة ، والباطنة » (٣) وذهب الأزهري إلي أن السلام « دعاء للإنسان بأن يسلم من الآفات في دينه ونفسه » (٤).

وورد السلام في القرآن ـ على تعدّد معانيه ـ منسوباً لله تعالى حيناً وللخلق من الملائكة والناس حيناً آخر ، فيكون السلام منه تعالى لأنبيائه وعباده الصالحين على جهة الثناء الجميل (٥).

ـ قال تعالى : ( سلام على إبراهيم ) (٦) ، وقال سبحانه : ( سلام علي إل ياسين ) (٧) ، (٨).

__________________

٣٧.

(١) سورة الأعراف : ٧ / ٥٥.

(٢) سورة الأعراف : ٧ / ٢٠٥.

(٣) معجم مفردات القرآن : ٢٤٥ ، ظ : الجامع ٢٩٧ : ٥.

(٤) تهذيب اللغة : باب السين واللاّم (سلم).

(٥) ظ : منتخب قرة العيون النواظر : ١٤٥.

(٦) سورة الصافات : ٣٧ / ١٠٩.

(٧) سورة الصافات : ٣٧ / ١٣٠.

(٨) ظ : الآيات الأخرى في السياق نفسه : (سورة الصافات : ٣٧ / ١٢٠ و ١٨١ و

٣٧

أما ما ورد من السلام منسوباً لخلقه فهو دعاء لبعضهم البعض كما ورد علي لسان الملائكة في دعائهم لأهل الجنة قال تعالى شأنه : ( سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبي الدّار ) (١).

وقال عزّ ذكره : ( الّذين تتوفّاهم الملائكة طيّبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنّة بما كنتم تعملون ) (٢). (٣)

ومما يجدر ذكره هنا أن الإسلام قد شرع التحيّة وأكدها بقوله سبحانه : ( وإذا حييتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها إنّ الله كان على كلّ شيءٍ حسيباً ) (٤).

« وأصل التحية : الدعاء بالحياة » (٥) وتحية الإسلام المعروفة « السلام عليكم » بمعني « السلامة عليكم ولكم » (٦) ومن خلال ذلك يظهر الدعاء حتى في تشريع السلام ، ونستطيع حينئذٍ أن نضع السلام ـ بنحو ما ـ ضمن مظاهر الله تعالى هو المطلوب منه » (٧) والمجيب لدعاء عباده.

الحمد ـ الشكر :

وفي هذين اللفظين نلحظ تضمّ ، اًللدعاء « فالحمد في كلام العرب معناه

__________________

٧٩ ، سورة هود : ١١ / ٤٨ ).

(١) سورة الرعد : ١٣ / ٢٤.

(٢) سورة النحل : ١٦ / ٣٢.

(٣) ظ : في السياق نفسه : ( سورة الزمر : ٣٩ / ٧٣ ).

(٤) سورة النساء : ٤ / ٨٦.

(٥) الجامع ٢٩٧ : ٥.

(٦) الزينة / أبوبكر الرازي ٦٣ : ٢ ، ظ : مجمع البيان ١٧٦ : ٥.

(٧) بدائع الفوائد ١٤٠ : ٢.

٣٨

الثناء الكامل » (١) والحمد كذلك « نقيض الذم » (٢) بمعنى أن قولنا « الحمد لله » إخلاصاً في تنزيهه تعالى وإقراراً بكماله لذلك فقد « عبّر بعض الصوفية عن إظهار الصفات الكمالية بالحمد » (٣).

وقول الحمد لله بمنزلة الدعاء فيستلزم الإجابة ، ومن الشواهد القرآنية يتضّح ذلك.

قال تعالى على لسان أهل الجنة في دعائهم : ( دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ وتحيّتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله ربّ العالمين ) (٤). (٥)

والحمد كذلك دعاء الأنبياء قال تعالى على لسان نوح : ( فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الّذي نجّاما من القوم الظّالمين ) (٦). (٧)

وفي السنّة النبوية نجد التأكيد على ىعاء الحمد كما روي عن الرسول الكريم قوله : « ... أفضل الدعاء الحمد لله » (٨) ودعاء الحمد في القرآن « صار مصطلحاً خاصّاً معروفاً في حياة المسلمين لا يتوجه به المسلم إلاّ لله

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ١٣٣ : ١.

(٢) لسان العرب مادة (حمد).

(٣) كشاف الفنون ٣٨٩ : ١.

(٤) سورة يونس : ١٠ / ١٠.

(٥) ظ : الآيات في السياق نفسه : (سورة الأعراف : ٧ / ٤٣ سورة الزمر : ٣٩ / ٧٤ ، سورة فاطر : ٣٥ / ٣٤).

(٦) سورة المؤمنون : ٢٣ / ٢٨.

(٧) ظ : الآيات في السياق نفسه : (سورة النمل : ٢٧ / ٥٩ و ٩٣ ، سورة الإسراء : ١٧

(٨) سنن المصطفى / ابن ماجه ٤٢٠ : ٢.

٣٩

عزّوجلّ » (١) والحمد المتعارف بين الناس هو قبل شكر الخالق عن طريق خلقه لأنّ الحمد في حقيقة يطلق ويراد به النعم الأوّل والآخر جلّ وعلا.

ومن ألطف اللطائف القرآنية بدء القرآن بالحمد ولم يبدأ بكلمة التوحيد ـ لاإله إلاّ الله ـ مثلاً لأنّ في قولنا ( الحمد لله ربّ العالمين ) (٢) « توحيد وحمد وفي قول لا إله إلاّ الله توحيد فقط » (٣) وفيه أيضاً إقرار بالوحدانية وعرفان بالنعمة الأبدية التي لا تنفد. وفي دعاء الحمد شمول للمحامد كلها وشمول للأوقات أجمعها.

أما شموله للمحامد كلها فبد لالة دخول الألف واللاّم « الاستغراق الجنسي من المحامد » (٤) ولأنّ في اتصالها في الحمد « معنى لا يؤديه قول القائل حمداً بإسقاط الألف ، ولذك أن دخولها منبئ عن أن معناه جميع المحامد والشكر الكامل لله ، ولو أسقطنا عنه لما دلّ إلاّ على أن حمد قائل ذلك دون المحمد كلها » (٥).

ويعلل هذا القول مجيء أكثر مواضع الحمد بالألف واللاّم إذ جاء في ثمانية وعشرين موضعاً.

أما شموله الأوقات كلها ، ففي الحمد « تعلّق بالماضي ، وتعلّق بالمستقبل. أما تعلّقه بالماضي : فهو أن يقع شكراً على النعم المقدمة وأما تعلقه

__________________

(١) التطور الدلالي : ٣٠٧.

(٢) سورة الفاتحة : ½.

(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٣٢ : ١.

(٤) الجامع لأحكام القرآن ١٣٤ : ١.

(٥) الإسلام ومشكلات الفكر / فتحي رضوان : ٦٨.

٤٠