ينابيع الأحكام - ج ٥

السيّد علي الموسوي القزويني

ينابيع الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيّد علي الموسوي القزويني


المحقق: السيد عبد الرحيم الجزمئي القزويني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-470-850-3
الصفحات: ٩٣٥
الجزء ١ الجزء ٥

باطل. وإن كان المتوسّط صحّ ذلك مع ما بعده لأنّ بإجازته انتقل ملك الدار عنه إلى المشتري الثاني فهو في بيعه إيّاها بالفرس قد باع ملكه ، وبطل المتقدّم لعدم إجازته. وإن كان الأوّل صحّ وما بعده جميعاً ، لأنّ بإجازته انتقل ملك الدار عنه إلى المشتري الأوّل ، فكان كلّ من المشتريين في بيعهما إيّاها قد باعا ملكهما.

وأورد المحقّق والشهيد الثانيان (١) على إطلاق ذلك الحكم بأنّه لا يستقيم إلّا على القول بكون الإجازة كاشفة إذ على هذا القول ينكشف بالإجازة خروج المبيع حين العقد المجاز عن ملك المجيز ودخوله في ملك مشتريه فيكون ذلك المشتري ومن بعده في بيع ذلك المبيع قد باع ملك ملكه ، وأمّا على القول بكونها ناقلة فالمبيع قد خرج عن ملك المجيز حال الإجازة لا حين العقد المجاز فيكون بيع من انتقل إليه حينئذٍ بيعاً له قبل أن يملكه ، فصحّته مبنيّة على صحّة ما لو باع مال غيره ثمّ ملكه بعد البيع. وقد تقدّم أنّ فيه وجوهاً ثلاث. البطلان ، والصحّة مع عدم إجازة بائعه ، والصحّة مع وقوفها على إجازته ، فعلى القول بالبطلان ـ كما هو الأقوى ـ اختصّت الصحّة بالمجاز.

المقام الثاني : في ترتّب العقود على الثمن وهو سلعة الأصيل المدفوع عوضاً عن سلعة الفضولي ، وقد سمعت أنّهم أطلقوا الصحّة في المجاز وما قبله ، وذلك لأنّه لا يملك الثمن في العقد المجاز إلّا على تقدير تملّكه للأثمان في العقود السابقة عليه ، فصحّته تتوقّف على صحّتها بخلاف العقود المتأخّرة لعدم الإجازة ، قال في الروضة على إطلاق الحكم المذكور : «هذا إذا بيعت الأثمان في جميع العقود أمّا لو تعلّقت العقود على الثمن الأوّل مراراً كان كالمثمن في صحّة ما اجيز وما بعده ، وهذا القيد وارد على ما أطلقه الجميع في هذه المسألة كما فصّلناه أوّلاً ، مثاله ما لو باع مال المالك بثوب ثمّ باع الثوب بمائة ثمّ باعه المشتري بمائتين ثمّ باعه مشتريه بثلاثمائة فأجاز المالك العقد الأخير فإنّه لا يقتضي إجازة ما سبق بل لا يصحّ سواه ، ولو أجاز الوسط صحّ وما بعده كالمثمن ، نعم لو كان قد باع الثوب بكتاب ثمّ باع الكتاب بسيف ثمّ باع السيف بفرس فإجازة بيع السيف بالفرس تقتضي إجازة ما سبقه من العقود ، لأنّه إنّما

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٧٠ ، والمسالك ٣ : ١٥٩.

٨٤١

يملك السيف إذا ملك العوض الّذي اشترى به وهو الكتاب ولا يملك الكتاب إلّا إذا ملك العوض الّذي اشترى به وهو الثوب فهنا يصحّ ما ذكروه» (١) انتهى.

أقول : قوله : «وهذا القيد وارد على ما أطلقه الجميع» يمكن منع إطلاق الجميع بأنّ كلامهم مفروض في العقود المترتّبة على الثمن من حيث الثمنيّة ، بأن يكون كلّ من العقود المتأخّرة واقعاً على ما هو ثمن في سابقه مثل ما فرضه أخيراً ، فما فرضه من تعلّق العقود على الثمن الأوّل مراراً ليس بداخل في إطلاق كلامهم حتّى يرد عليهم القيد.

ثمّ إنّ إطلاقه في بيع الأثمان في جميع العقود بعدم صحّة ما سوى العقد الأخير الّذي أجازه إنّما هو بالنسبة إلى العقود المترتّبة على الثمن الأوّل لا بالنسبة إلى العقد الأوّل الواقع على مال المالك بإزاء الثوب المفروض كونه ثمناً في ذلك العقد ، فإنّ ذلك العقد لا بدّ من صحّته ليكون الثوب بسببه ملكاً له حتّى يصحّ العقد الأخير الّذي معنى صحّته دخول ثلاثمائة في ملكه ، فيكون إجازة ذلك الأخير متضمّناً لإجازة العقد الأوّل الّذي بيع فيه المال بالثوب ، نعم إنّما لا يصحّ بيع الثوب بمائة وبيعه بمائتين لعدم إجازتهما.

المقام الثالث : فيما استشكله العلّامة في القواعد والنهاية ، فإنّه في القواعد بعد ما ذكر أنّ بيع الفضولي موقوف على الإجازة على رأي قال : «وكذا الغاصب وإن كثرت تصرّفاته في الثمن بأن يبيع الغصب ويتصرّف في ثمنه مرّة بعد اخرى فللمالك تتبّع العقود ورعاية مصلحته ، ومع علم المشتري إشكال» (٢) انتهى.

وينبغي الإشارة إلى فقه مسألة بيع الغاصب ليتّضح به وجه الاستشكال ، فنقول : إذا باع الغاصب العين المغصوبة وأقبضها المشتري وأخذ منه الثمن ثمّ رجع المالك على المشتري بعينها ، فإن كان المشتري جاهلاً بالغصب رجع على الغاصب بثمنه إجماعاً كما في مفتاح الكرامة ، وإن كان عالماً به وكان الثمن تالفاً في يد الغاصب ففي الكتاب المذكور أنّه قد أجمع الأصحاب على أنّه لا يرجع على الغاصب بالثمن ، وإن كان عينه باقية في يده ففي الكتاب أيضاً أنّ ظاهرهم أيضاً أنّه لا يرجع عليه أيضاً بالثمن ، قال :

__________________

(١) الروضة ٣ : ٢٣٣.

(٢) القواعد ٢ : ١٩ ، نهاية الإحكام ٢ : ٤٧٦.

٨٤٢

وفي ظاهر التذكرة (١) وظاهر الإيضاح (٢) وغيره (٣) الإجماع عليه (٤).

ثمّ اختلفت الأنظار في محلّ الإشكال حسبما رامه العلّامة ، فعن الشهيد في حواشي القواعد يمكن أن يكون الإشكال في صحّة البيع مع الإجازة وفي التتبّع معاً ، قال : «لأنّ المشتري مع علمه بالغصب يكون مسلّطاً للبائع الغاصب على الثمن فلا يدخل في ملك ربّ العين ، فحينئذٍ إذا اشترى به البائع متاعاً فقد اشتراه لنفسه وأتلفه عند الدفع إلى البائع فيتحقّق ملكه للمبيع ، فلا يتصوّر نفوذ الإجازة هنا لصيرورته ملكاً للبائع ، وان أمكن إجازة البيع مع عدم احتمال نفوذها أيضاً ، لأنّ ما دفعه إلى الغاصب كالمأذون له في إتلافه ، فلا يكون ثمناً فلا تؤثّر الإجازة في جعله ثمناً ، فصار الإشكال في صحّة البيع وفي التتبّع. ثمّ قال : إنّه يلزم من القول ببطلان البيع بطلان إجازة البيع في المبيع ، لاستحالة كون المبيع بلا ثمن ، فإذا قيل إنّ الإشكال في صحّة العقد كان صحيحاً» (٥) انتهى.

وعن القطب الراوندي أنّه جعل الإشكال في التتبّع ، قال : «وجه الإشكال أنّ المشتري مع العلم يكون مسلّطاً للبائع الغاصب على الثمن ، ولذا لو تلف لم يكن له الرجوع ، ولو بقي ففيه الوجهان : فلا ينفذ فيه إجازة الغير بعد تلفه بفعل المسلّط بدفعه ثمناً عن مبيع اشتراه ، ومن أنّ الثمن عوض عن العين المملوكة ولم يمنع من نفوذ الملك فيه إلّا عدم صدوره عن المالك ، فإذا أجاز جرى مجرى الصادر عنه» (٦) انتهى.

وعن جامع المقاصد (٧) جعل الإشكال في صحّة البيع وذكر في وجهه نحو ما ذكره الشهيد أخيراً.

وفي مفتاح الكرامة بعد نقل كلام عن الإيضاح «أنّه قد تحصّل أنّ هنا مقامين :

الأوّل : هل للمشتري العالم بالغصبيّة مطالبة الغاصب البائع بالثمن مطلقاً سواء بقيت العين في يده أم أتلفها أم ليس له المطالبة مطلقاً أم له مع بقائها خاصّة؟

__________________

(١) التذكرة ١٠ : ١٨.

(٢) الإيضاح ١ : ٤١٧.

(٣) كما في المسالك ٣ : ١٦٠ ـ ١٦١.

(٤) مفتاح الكرامة ١٢ : ٦١٢.

(٥) الحواشي النجّاريّة : ٥٧ (مخطوط).

(٦) نقله عنه في مفتاح الكرامة ١٢ : ٦١٣.

(٧) جامع المقاصد ٤ : ٧١.

٨٤٣

الثاني : هل بيع الغاصب مع علم المشتري بالغصب صحيح ، فللمالك تتبّع العقود والإجازة أم ليس بصحيح؟» (١).

أقول : أمّا التكلّم في المقام الأوّل فله محلّ آخر يأتي في مسألة رجوع المشتري على البائع الفضولي بما اغترم وبثمنه على تقدير ردّ المالك العقد ورجوعه على المشتري بعينه ، فإنّهم تكلّموا في رجوع المشتري العالم بالغصب وعدم رجوعه في هذه المسألة.

وأمّا التكلّم في المقام الثاني فقد مضى عند البحث في معمّمات عقد الفضولي ، وقد ذكرنا ثمّة أنّه لا فرق في صحّة عقد الفضولي مع الإجازة بين ما لو باع الفضولي للمالك أو لنفسه ، كما لو اعتقد المال لنفسه جهلاً أو كان غاصباً ، ونقلنا القول ببطلان بيع الغاصب مطلقاً ، أو مع علم المشتري بالغصب ، ونقلنا أدلّته ودفعناها فلا حاجة إلى الإعادة هنا.

غير أنّه نزيد هنا دفع ما عرفت عن الشهيد من دليل عدم صحّة هذا البيع مع علم المشتري «وهو أنّ ما دفعه المشتري إلى الغاصب من الثمن كالمأذون له في إتلافه فلا يكون ثمناً فلا تؤثّر الإجازة في جعله ثمناً فلا تؤثّر أيضاً في صحّة المبيع لاستحالة المبيع بلا ثمن» (٢) فإنّه على إطلاقه غير جيّد ، لأنّ لبيع الغاصب مع علم المشتري بالغصب صورتين :

إحداهما : أن يبيع الغاصب ويشتري العالم مع علمها بالفساد وعدم ترقّبهما لإجازة المالك وبنائهما على عدم الاعتناء بشأنه ، ومرجعه إلى أنّ الغاصب يجعل البيع الصوري وسيلة للتوصّل إلى الثمن والمشتري يجعله وسيلة للتوصّل إلى العين المغصوبة ، وهذا ممّا لا يستريب أحد في بطلانه ، وحينئذٍ فالمشتري يصير غاصباً والعين مضمونة عليه حتّى يؤدّيها إلى مالكها ، فإذا رجع المالك عليه بالعين فإن كان الثمن في يد الغاصب تالفاً فهو لا يتسلّط على الرجوع عليه بغرامته لأنّه سلّطه على إتلافه مجّاناً ، وإن كان باقياً في يده فلا ريب أنّه باقٍ على ملك المشتري ، وتسليطه الغاصب على إتلافه مع أنّ المفروض عدم إتلافه له لم يخرجه عن ملكه. وتوهّم أنّه يخرجه عن ملك مالكه وإن لم يدخله في ملك الغاصب أيضاً ، يدفعه استحالة الملك بلا مالك ، وقضيّة الملك أن

__________________

(١) مفتاح الكرامة ١٢ : ٦١٤ ـ ٦١٥.

(٢) الحواشي النجّاريّة : ٥٧.

٨٤٤

يتسلّط المالك على استرجاعه. ولو سلّم قيام احتمال خروجه عن الملك كفى في نفيه استصحاب الحالة السابقة ، فيندرج في عموم «الناس مسلّطون على أموالهم» فمقتضى القواعد جواز رجوعه على الغاصب بثمنه المفروض بقاؤه في يده إلّا أن يكون هنا إجماع على المنع ، كما استظهره صاحب مفتاح الكرامة (١) فيما تقدّم ، ونسب ظهور نقله أيضاً إلى التذكرة والإيضاح.

ثانيتهما : أن يبيع الغاصب ويشتري المشتري العالم بالغصبيّة مترقّبين لإجازة المالك ، ففي مثل ذلك لم يسلّطه على إتلافه مجّاناً فلو أجازه المالك وجب القطع بصحّته ، وحينئذٍ فلو ردّه واسترجع عينه من المشتري رجع المشتري أيضاً على الغاصب بثمنه عيناً أو بدلاً ، فإذا صحّ على تقدير الإجازة لزمه جواز تتبّع العقود على تقدير ترتّبها.

ثمّ قد عرفت أنّهم في العقود المترتّبة على الثمن المجاز أحدها ، أطلقوا الحكم بصحّة المجاز وما قبله. وهذا بإطلاقه على ما يترجّح غير جيّد ، إذ الصور المتصوّرة في إجازة العقد المتأخّر مثلاً فيما لو باع الكتاب بثوب والثوب بسيف والسيف بفرس ثلاث :

الاولى : أن يعلم من حال المجيز أنّه قصد بإجازته العقد المتأخّر إجازة ما سبقه من العقود أيضاً. ولا ينبغي الاسترابة في صحّة الجميع حينئذٍ.

الثانية : أن يعلم أنّه قصد إجازة خصوص المتأخّر دون ما سبقه. والوجه فيها بطلان الجميع ، لأنّ معنى صحّة العقد المتأخّر في نحو المثال أن يكون المجيز مالكاً للفرس ، وهو موقوف على أن يكون مالكاً للسيف في سابقه ، وهو موقوف على أن يكون مالكاً للثوب في العقد الأوّل ، ومالكيّته للثوب في هذا العقد وللسيف في العقد الثاني موقوفة على إجازتهما ، والمفروض عدم القصد إلى إجازتهما ، والإجازة المتعلّقة بالعقد الأخير لا يرتبط بهما ، فهي بالنسبة إلى العقد الأخير من إجازة الأجنبيّ فلا تكون مؤثّرة في ملك ثمن هذا العقد.

فإن قلت : إجازة العقد المتأخّر تدلّ على إجازة العقود المتقدّمة بالدلالة الالتزاميّة الاقتضائيّة ، وهي عبارة عن كون المدلول الالتزامي بحيث يتوقّف عليه صدق الكلام أو

__________________

(١) مفتاح الكرامة ١٢ : ٦١٥.

٨٤٥

صحّته عقلاً أو صحّته شرعاً ، وإجازة العقود المتقدّمة ممّا يتوقّف عليه صحّة إجازة العقد المتأخّر.

قلت : الدلالة الالتزاميّة الاقتضائيّة على ما حقّق في محلّه من الدلالات المقصودة ، ومعناها كون المدلول الالتزامي بحيث يتوقّف على قصده صحّة الكلام والمفروض عدم كون إجازة العقود المتقدّمة مقصودة ، فلم يتحقّق بالنسبة إليها دلالة اقتضاء.

فإن قلت : قضيّة انتفاء القصد ثبوت دلالة الإشارة بالنسبة إلى صحّة العقود المتقدّمة ، وهي أن يكون المدلول الالتزامي لازماً للمراد والمقصود من إجازة العقد المتأخّر.

قلت : أوّلاً أنّ صحّة العقود المتقدّمة إنّما تكون لازمة للمراد من إجازة العقد المتأخّر على تقدير تحقّق شرط الصحّة وهو الإجازة ، والمفروض عدم تحقّقه بعدم قصدها.

وثانياً : أنّ صحّة العقود المتقدّمة غير مندرجة في ضابط دلالة الإشارة ، فإنّها دلالة عقليّة تبعيّة والحاكم باللزوم فيها العقل بملاحظة الخطاب مع مقدّمة عقليّة من لزوم الكذب أو الإغراء بالجهل أو تكليف ما لا يطاق أو قبح آخر لو لا كونه لازماً للمراد ، ولا ريب أنّه لا يلزم بعدم صحّة العقود المتقدّمة (١) لم يلزم في إجازة خصوص العقد المتأخّر شي‌ء ممّا ذكر.

الثالثة : أن يشكّ في قصده إجازة العقود المتقدّمة وعدم قصده لها فهل تلحق هذه الصورة بالصورة الاولى فيحكم بصحّة الجميع لأصالة الصحّة ، أو تلحق بالصورة الثانية فيحكم ببطلان الجميع لأصالة الفساد في المعاملات ، أو يفصّل بين أن يعلم أو يحتمل كونه حين إجازة العقد المتأخّر ملتفتاً إلى ما سبقه من العقود فتلحق بالصورة الاولى ، وبين أن يعلم عدم التفاته إلى ما سبقه فبالثانية؟ أوجه :

أوجهها الأخير ، أمّا الصحّة في الأوّلين فلأصالة الصحّة في فعل المجيز وقوله ، ويكفي في حمله على الصحّة احتمال قصده إجازة العقود المتقدّمة أيضاً ، كما يكفي في احتمال القصد احتمال التفاته حين الإجازة إليها فضلاً عن العلم به. وأمّا البطلان في الثاني فلاستحالة قصد إجازة العقود المتقدّمة من إجازة العقد المتأخّر مع عدم الالتفات إليها.

__________________

(١) كذا في الأصل.

٨٤٦

الأمر الثامن : في أحكام الردّ ، وفيه مسائل :

المسألة الاولى : في بيان ما يتحقّق به الردّ من القول الصريح والقول الغير الصريح وما بمعناه ، والفعل. فأمّا القول الصريح في الردّ ـ كقوله : رددته ، أو فسخته ، أو أبطلته ، أو أفسدته وما أشبه ذلك ـ فلا يمكن الاسترابة في تحقّق الردّ به وهو محلّ وفاق ، كما أنّه لا ينبغي الاسترابة في عدم تحقّقه بالقول الغير الصريح في الردّ كقوله : ما رضيت به أو لا أرضى به ، وما أجزته ، أو لا اجيزه ، وما أشبه ذلك.

وأولى منه بعدم وقوع الردّ به السكوت الغير الكاشف عن الرضا فإنّه كما لا يكفي في الإجازة فكذلك لا يكفي في الردّ ، وكذلك التردّد بين الإجازة والردّ فإنّه ليس ردّاً ، وكذلك الكراهة سواء كانت حادثة بعد العقد أو مقارنة له مع الاطّلاع على العقد ومع عدمه. وكلّ ذلك لأصالة بقاء اللزوم من طرف الأصيل وأصالة بقاء قابليّته للزوم من طرف الفضولي.

ويظهر الثمرة في كون القول الصريح ردّاً وعدم كون ما عداه من الامور المذكورة ردّاً في عدم تأثير الإجازة الواقعة بعده على الأوّل ، وتأثيرها على الثاني.

وأمّا جواز أخذ العين من المشتري على تقدير إقباضه إيّاها فهو ليس من أحكام الردّ ، بل من أحكام عدم الإجازة فيكفي فيه عدم الإجازة ، ولذا يكون كلّ من الإقباض والقبض قبل الإجازة محرّماً ، كما سبق بيانه.

وأمّا الفعل فعلى أنحاء :

منها : التصرّفات المخرجة للعين عن الملك من إتلاف أو عتق أو نقل بالبيع أو الصلح أو الهبة.

ومنها : التصرّفات المنافية لملك المشتري من حين العقد ، كاستيلاد الجارية ، وإجارة العبد ، وتزويج الأمة ، وما أشبه ذلك.

ومنها : التصرّفات الغير المخرجة عن الملك ولا المنافية لملك المشتري من حين العقد ، كتعريض المبيع للبيع الفاسد.

أمّا النوع الأوّل : فالتصرّفات المخرجة عن الملك وإن لم تكن ردّاً للعقد إلّا أنّ مفادها مفاد الردّ ، لأنّها على تقدير وقوعها صحيحة مفوّتة لمحلّ الإجازة لفرض

٨٤٧

خروج العين عن ملك المالك فلا تؤثّر إجازته لو حصلت عقيب تلك التصرّفات.

وأمّا النوع الثاني : فالتصرّفات المذكورة فيه وإن لم تكن مخرجة للعين عن قابليّة وقوع الإجازة عليه لبقاء ملك العين ، إلّا أنّها مخرجة له عن قابليّة وقوع الإجازة عليه من حين العقد ، لفرض وقوعها صحيحة فلا تصحّ مع صحّتها الإجازة الواقعة عليه من حين العقد فيبطل العقد.

والأصل في ذلك أنّ من حكم عقد الفضولي المجمع عليه عندهم قبوله الإجازة من زمان العقد ، وأنّ للمالك أن يتصرّف في ماله قبل الإجازة بجميع أنواع التصرّفات حتّى التصرّفات المذكورة المنافية لملك المشتري من زمان العقد مع كونها صحيحة وفاقاً من القائلين بصحّة عقد الفضولي مع الإجازة ، وأنّ صحّة هذه التصرّفات تنافي وقوع الإجازة مؤثّرة من زمان العقد ، كما أنّ وقوع الإجازة مؤثّرة من ذلك الزمان ينافي صحّة هذه التصرّفات ، وأنّ من حكم المتنافيين أنّه إذا وقع أحدهما مؤثّراً استحال أن يقع الآخر مؤثّراً لامتناع اجتماع المتنافيين. ونتيجة هذه المقدّمات أنّ وقوع هذه التصرّفات صحيحة منافٍ لوقوع الإجازة مؤثّرة من زمان العقد ، فإذا وقع أحد المتنافيين صحيحاً فلا بدّ من امتناع وقوع الآخر مؤثّراً ، أو من إبطال صاحبه ورفع صحّته ، أو كشفه عن كون إيقاعه على غير وجه الصحّة ، ولا سبيل إلى الأخيرين ، إذ لا دليل من عقل ولا نقل على كون الإجازة المتأخّرة عن التصرّفات الواقعة على وجه مبطلة لها ورافعة لصحّتها ، والمفروض أنّها وقعت صحيحة في الظاهر والواقع فلا معنى لكشف الإجازة المتأخّرة عن البطلان بحسب الواقع ، فتعيّن الأوّل.

ولذا يقال : إنّ كلّما يكون باطلاً على تقدير لحوق الإجازة المؤثّرة من حين العقد فوقوعه صحيحاً مانع من لحوق الإجازة مؤثّرة ، لامتناع اجتماع المتنافيين.

وتوهّم : منع وقوع الإجازة مؤثّرة من حين العقد من أنّ المالك لو انتفع بالعين قبل الإجازة بالسكنى واللبس والركوب وما أشبه ذلك كان عليه اجرة مثل هذه التصرّفات إذا أجاز بعدها ، يدفعه : أنّ كلامنا في التصرّفات المنافية لملك المشتري من زمان العقد على القول بالكشف في الإجازة ، والتصرّفات المذكورة ليست منافية لملكه فإذا أجاز كشفت عن وقوعها في ملك المشتري فيجب عليه ردّ اجرة المثل إليه ، بخلاف ما نحن

٨٤٨

فيه من التصرّفات المنافية لملكه.

لا يقال : لا دليل على اشتراط قابليّة العقد لتأثير الإجازة من حينه ولذا صحّح جماعة إجازة المالك الجديد فيمن باع شيئاً فضولاً ثمّ ملكه ثمّ أجاز ، لاندفاعه باتّفاق أهل الكشف على كون الإجازة مؤثّرة من حين العقد ، مع أنّه تقدّم منّا بيان أنّ مقتضى أدلّة الكشف في الإجازة كونها كاشفة من حينه لا في الزمان المتأخّر عنه.

فإن قلت : هذا كلّه إنّما يتمّ على الكشف في الإجازة ، وأمّا على النقل فلا ، إذ الملك إذا حصل بالإجازة حينها فلا ينافيه التصرّفات السابقة عليه ، فيجمع بين صحّتها وتأثير الإجازة من حينها ، إلّا أن يدّعى ثبوت الملازمة بين القولين في عدم التأثير ، بأن يقال : كلّما لم تكن الإجازة مؤثّرة من حين العقد على القول بالكشف لم تكن مؤثّرة من حينها على القول بالنقل ، فيقع الكلام في ثبوت الملازمة وهو محلّ منع ، إذ لا دليل عليها من عقل ولا نقل.

قلت : يمكن دعوى ثبوت الملازمة العقليّة بأنّ الإجازة ليست مؤثّرة تامّة ، بل العمدة من المؤثّر هو العقد والإجازة على الكشف محقّقة لشرط تأثيره وهو رضا العاقد الممضى بإمضاء المالك والإجازة إمضاء ، وعلى القول بالنقل إمّا شرط لتأثيره أو جزء للمؤثّر على معنى كون المؤثّر التامّ هو المجموع من العقد والإجازة ، وحينئذٍ فمعنى كون صحّة التصرّفات المذكورة مانعة من وقوع الإجازة مؤثّرة من حين العقد أنّها أخرجت هذا العقد الشخصي عن كونه في عرضة التأثير ، فإذا خرج العقد بتلك التصرّفات عن كونه في عرضة التأثير فلا يتفاوت فيه الحال بين القول بالكشف والقول بالنقل في الإجازة ، إذ لا يمكن أن يقال بأنّه على القول بالكشف خرج عن كونه في عرضة التأثير وعلى القول بالنقل لم يخرج عن كونه في عرضة التأثير ، لاستحالة اجتماع المتنافيين ، فإذا خرج على الكشف عن كونه في عرضة التأثير فلا بدّ وأن يخرج على النقل أيضاً. وقضيّة ذلك ثبوت الملازمة المذكورة الّتي ملاكها استحالة اجتماع المتنافيين.

فإن قلت : إنّ المتنافيين إنّما يستحيل اجتماعهما بحسب الواقع ، وهو أن يقال : إنّ هذا العقد الشخصي باعتبار القولين يكون في عرضة التأثير في الواقع ولا يكون في عرضة التأثير في الواقع ، وهذا مبنيّ على صحّة كلّ من القولين ومطابقته الواقع وهي

٨٤٩

مبنيّة على القول بالتصويب ، ولمّا كان التصويب باطلاً فلا محالة أحد القولين باطل في الواقع وإن صحّ ظاهراً في نظر قائله ، وحينئذٍ فهذا العقد الشخصي على حدّ الانفصال الحقيقي إمّا أن يكون في عرضة التأثير في الواقع أو لا يكون في عرضة التأثير في الواقع ولا استحالة فيه ، والمفروض أنّ القائل بالنقل يدّعي كونه في عرضة التأثير.

قلت : قد ذكرنا أنّ التصرّفات المذكورة المفروض صحّتها قد أخرجته عن كونه في عرضة التأثير ، فلو كان دائراً بين كونه في عرضة التأثير وعدم كونه في عرضة التأثير لزم منه كون التصرّفات المذكورة دائرة بين الصحّة في الواقع والبطلان كذلك ، وهذا باطل بدليل الخلف ، إذ لا كلام لأحد في صحّة هذه التصرّفات بل هو محلّ وفاق عند الفريقين ، وصحّتها مستلزمة لخروج العقد عن عرضة التأثير في الواقع ومعه لا يمكن أن يكون في عرضة التأثير في الواقع على القول بالنقل ، وإلّا لزم اجتماع المتنافيين في الواقع وهو محال.

فإن قلت : إنّ التصرّفات وإن كانت صحيحة على القولين إلّا أنّ صحّتها إنّما أخرجت العقد عن كونه في عرضة التأثير لمنافاتها لملك المشتري ، والمنافاة إنّما تحصل على القول بالكشف لا على القول بالنقل ، فإذا لم تكن منافية لملك المشتري في الزمان المتأخّر عن وقوعها وهو زمان الإجازة لم تكن مؤثّرة في خروج العقد عن كونه في عرضة التأثير في الواقع فلم يثبت الملازمة المدّعاة.

قلت : إنّ من حكم المتنافيين أنّه إذا وقع أحدهما على محلّ في زمان استحال أن يقع الآخر عليه في ذلك الزمان ، وذلك مثل السواد والبياض فإنّ السواد على تقدير وقوعه على الشي‌ء الأبيض كان منافياً لبياضه فيكون البياض الواقع عليه أيضاً منافياً للسواد ، وقد ذكرنا أنّ من حكم المتنافيين أنّه إذا وقع أحدهما على محلّ في زمان استحال أن يقع الآخر عليه في ذلك الزمان ، ووجه الاستحالة خروج المحلّ في ذلك الزمان عن قابليّته لوقوع الآخر.

وحينئذٍ نقول : إنّ الإجازة على تقدير وقوعها مؤثّرة في زمان التصرّفات المذكورة كانت على القول بالنقل منافية لصحّة التصرّفات في ذلك الزمان فتكون صحّة التصرّفات الواقعة في ذلك الزمان منافية لوقوع الإجازة فيه مؤثّرة على القول بالنقل ،

٨٥٠

ولمّا كان التقدير تقدير وقوعها صحيحة فيستحيل وقوع الإجازة فيه مؤثّرة لخروج المحلّ وهو العقد في ذلك الزمان عن قابليّته لوقوع الإجازة عليه مؤثّرة ، ومعنى ذلك خروج العقد في ذلك الزمان عن كونه في عرضة التأثير على القول بالنقل أيضاً ، فإذا خرج عن كونه في عرضة في ذلك الزمان لزمه خروجه عن كونه في عرضة التأثير في سائر الأزمنة المتأخّرة عن ذلك الزمان ، إذ لا معنى لكون عقد فاسداً في زمان ثمّ يصير صحيحاً في الأزمنة الاخر المتأخّرة عن ذلك الزمان فثبت الملازمة ، وهي أنّ الإجازة كلّما لم تكن مؤثّرة من حين العقد على القول بالكشف لم تكن مؤثّرة من حينها على القول بالنقل.

وأمّا النوع الثالث : وهو التصرّفات الغير المنافية لملك المشتري من حين العقد كتعريض المبيع فضولاً للبيع صحيحاً أو فاسداً ، وبيعه فاسداً وما أشبه ذلك. فلا يخلو إمّا أن لا يكون حين ذلك الفعل ملتفتاً إلى وقوع العقد ، أو يكون ملتفتاً إلى وقوعه.

فإن كان الأوّل فلا ينبغي الاسترابة في عدم كونه ردّاً للعقد ولا مبطلاً له ، أمّا أنّه ليس ردّاً لافتقاره إلى قصد إنشاء الردّ وهو مع عدم الالتفات محال ، وأمّا أنّه ليس مبطلاً لعدم منافاته ملك المشتري من زمان العقد.

وإن كان الثاني فقد يقال : بأنّه مع الالتفات ردّ فعلي للعقد ، ملحق بالردّ القولي محتجّاً بوجوه :

الأوّل : صدق الردّ عليه ، فيشمله عموم ما دلّ على أنّ للمالك الردّ.

الثاني : أنّ المانع من صحّة الإجازة بعد الردّ القولي موجود في الردّ الفعلي ، وهو خروج المجيز بعد الردّ عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد.

الثالث : فحوى الإجماع المدّعى على حصول فسخ ذي الخيار بالفعل كالوطئ والبيع والعتق ، فإنّ الوجه في حصول الفسخ بهذه الأفعال هي دلالتها على قصد فسخ البيع ، وإلّا فتوقّفها على الملك لا يوجب حصول الفسخ بها بل يوجب بطلانه لعدم حصول الملك المتوقّف على الفسخ قبلها حتّى تصادف الملك. وتوضيح الفحوى أنّه إذا صلح الفسخ الفعلي لرفع أثر العقد الثابت المؤثّر فعلاً صلح لرفع أثر العقد المتزلزل من حيث الحدوث القابل للتأثير بطريق أولى.

٨٥١

ولا خفاء في ضعف الجميع :

أمّا الأوّل : فلمنع صدق الردّ عرفاً على الفعل المفروض عدم منافاته لصحّة العقد وعدم القصد به إلى إنشاء الردّ. ودعوى : أنّ الالتفات إلى العقد حال الفعل ظاهر في قصد الردّ ، يدفعها : منع الظهور لكونه أعمّ فإنّه قد يكون الباعث له على الفعل كراهته للعقد الّتي تقدّم عدم كونها ردّاً ، ولو سلّم الظهور أو قام قرينة مقام على القصد المذكور يتطرّق المنع إلى كفاية هذا الفعل وإن قصد به الردّ في تحقّق الردّ ورفع أثر العقد ، لما حكاه المستدلّ (١) من بعض معاصريه من ظهور دعوى الاتّفاق على اعتبار اللفظ في الفسخ ، ولذا استشكل العلّامة في القواعد (٢) في بطلان الوكالة بإيقاع العقد الفاسد على متعلّقها مع الجهل بفساده ، وعن الإيضاح (٣) وجامع المقاصد (٤) تقريره على الإشكال. وغاية ما هنالك بقاء شكّ في تأثيره في رفع أثر العقد وخروجه عن قابليّة التأثير ، والأصل عدمه.

وأمّا الثاني : فلمنع كون المانع في الردّ القولي ما ذكر ، بل خروج العقد عن قابليّة التأثير ، ومعه لا يقع الإجازة مؤثّرة ولا تصير الفاسد صحيحاً ، وكون الفعل المفروض مثله في إخراج العقد عن قابليّة التأثير أوّل المسألة.

وأمّا الثالث : فلمنع الفحوى والأولويّة ، فإنّ الوطء والبيع والعتق إنّما تدلّ على قصد الفسخ لتوقّفها على الملك ، فلا بدّ من إعادة الملك السابق برفع الملك اللاحق ولا يكون إلّا بقصد الفسخ ، بخلاف الفعل المفروض فإنّه لعدم منافاته صحّة العقد لا يتوقّف على الملك فلا يدلّ على قصد الفسخ. مآل الكلام إلى أنّ القدر المتيقّن من الردّ هو الردّ القولي ، وفي حكمه ما يفوّت محلّ الإجازة بحيث لا يصحّ وقوعها مؤثّرة من حين العقد.

المسألة الثانية : في أنّه إذا لم يجز المالك بالمعنى الأعمّ من فسخه العقد أو امتناعه من إجازته ، فإن كان ماله في يده فلا حكم له في الرجوع على المشتري ، كما أنّ المشتري إن لم يقبض الثمن على البائع الفضولي لا حكم له في الرجوع عليه. وإن كان في يد المشتري بإقباض البائع أو بقبض المشتري بنفسه من دون إقباضه فله انتزاعه

__________________

(١) المكاسب ٤ : ٤٨١.

(٢) القواعد ٢ : ٣٦٥.

(٣) الإيضاح ٢ : ٣٥٤.

(٤) جامع المقاصد ٨ : ٢٨٢.

٨٥٢

قولاً واحداً ، وهل له زائداً على ماله حقّ آخر يطالبه من المشتري من عوض منافع أو بدل حيلولة أو غير ذلك ، أو لا؟

فنقول : إنّ المال إمّا أن يكون ممّا له منافع يستحقّ الاجرة عليها كالعبد والجارية والدار والدابّة والثوب ، أو لا يكون له منافع كالدينار والدرهم والعين من الذهب أو الفضّة ، ومثّل له في التذكرة (١) بالغنم والشجر والطير.

وعلى الأوّل إمّا أن يكون المشتري قد انتفع به واستوفى منافعه أو لا ، والمصرّح به في كلام جماعة كالمبسوط (٢) والقواعد (٣) والتذكرة (٤) وجامع المقاصد (٥) ومفتاح الكرامة (٦) وغيرها أنّه يستحقّ مطالبة اجرة المنافع المستوفاة والمنافع التالفة في يد المشتري ، وعليه ردّها إليه. والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه ، وفي مواضع عديدة من التذكرة ما ظاهره دعوى الإجماع عليه ، بل كلامه في بعض المواضع صريح فيه حيث قال : «منافع الأموال من العبيد والثياب والعقار وغيرها مضمونة بالتفويت والفوات تحت اليد العادية ... إلى أن قال : بأن بقيت في يده مدّة لم يستعملها عند علمائنا أجمع» (٧). ودعوى : أنّ يد المشتري ليست بعادية لظهورها في يد الغاصب ، يدفعها : أنّه قبض المال قبل الإجازة من غير استحقاق فيكون يده عادية ويكون هو في تصرّفاته وانتفاعاته غاصباً.

فهذا الإجماع المنقول المعتضد بظهور عدم الخلاف وبفتوى المعتبرين هو الحجّة ، مضافاً إلى عموم «على اليد ما أخذت» بناءً على كون المراد من الأخذ هو الاستيلاء ، وكما يصدق بالنسبة إلى عين المال أنّ المشتري استولى عليها ، فكذلك يصدق ذلك بالنسبة إلى منافعها المستوفاة ومنافعها التالفة تحت يده ، وفي حكمها نماءاتها التالفة تحت يده من ثمرة أو لبن أو غير ذلك.

وهل يستحقّ بدل الحيلولة فيما له منافع وما ليس له منافع بالنسبة إلى مدّة كون العين في يده؟ الوجه هو عدم الاستحقاق ، لأنّ التقدير تقدير انتزاع عين المال ووصولها إلى يد المالك وهو رافع لموضوع بدل الحيلولة بالنسبة إلى الأزمنة الماضية ، فإنّ

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٨١.

(٢) المبسوط ٢ : ٣٨١.

(٣) القواعد ٢ : ١٩. (٤) والتذكرة ١٠ : ٢٩٢.

(٥) جامع المقاصد ٤ : ٧٧ ، و ٦ : ٣٢٦.

(٦) مفتاح الكرامة ١٢ : ٦٣٣ ـ ٦٣٤.

(٧) التذكرة ٢ : ٣٨١.

٨٥٣

الحيلولة عبارة عن السلطنة الّتي تفوّت على المالك على التصرّف في ماله بأنواع الانتفاعات والاكتسابات والاشتراء بها النفقة وغيرها من ضروريّاته فيما تعذّر انتزاع العين ، كما لو كان عبداً فأبق في يد المشتري أو دابّة فشردت في يد الغاصب أو طال مدّة انتزاعها والوصول إليها مدّة يعتدّ بها في العرف والعادة للانتفاعات والاكتسابات ، كما لو أخرجها المشتري من بلد المالك إلى بلد آخر يطول زمان إحضارها فحينئذٍ يجب عليه أن يدفع إلى المالك بدلها مثلاً في المثلي أو قيمة في القيمي ، وإذا دفعه ملكه مالك العين ملكاً مراعى على تمكّنه من عين ماله ووصولها إلى يده فيتصرّف فيه حيث شاء وكيف أراد حتّى أنّه جاز له إخراجه عن يده ببيع أو صلح أو هبة أو غيرها من التصرّفات الناقلة بل المتلفة ، فإذا تمكّن من عين ماله زال ملكه عنه ووجب ردّه إلى المشتري مع بقاء عينه ومع عدم بقاء العين يرد عليه مثله أو قيمته ، وهذا هو معنى كون انتزاع العين رافعاً لموضوع الحيلولة وهو ملك البدل على تقدير أخذه له فكيف يستحقّه بعد الانتزاع بالنسبة إلى الأزمنة المتقدّمة؟

وكيف كان فلو أخرجه المشتري إلى بلد آخر كان للمالك أن يطالبه بإحضاره وعليه إحضاره ، كما أنّه لو دفعه إلى غيره كان للمالك أن يطالبه باسترداده وعليه استرداده ، ولو افتقر إحضاره أو استرداده إلى مئونة وجب عليه بذلها وإن كثرت وزادت على قيمة المال ، سواء تمكّن المالك من إحضاره أو استرداده بلا مئونة أولا؟.

ولو توقّف استرداده إلى مئونة وتمكّن المالك من استرداده بلا مئونة كان له مطالبته بالاسترداد وليس له أن يأخذ منه مئونة لاسترداده ليباشر بنفسه الاسترداد ، ولو لم يتمكّن من استرداده إلّا المالك ولكن مع المئونة كان له أن يأخذ مئونة الاسترداد ، ولو تعذّر إحضاره أو استرداده للمشتري كان للمالك أن يأخذ منه بدل الحيلولة مثلاً أو قيمة ليتصرّف فيه وينتفع به أو يكتسب به إلى أن يتمكّن من عين ماله على معنىً إليه ، فيردّ ما أخذه من البدل عيناً أو عوضاً مع عدم بقاء العين إلى المشتري.هذا كلّه على تقدير بقاء عين المال في يد المشتري أو في يد من دفعه إليه.

ولو لم تكن العين باقية بأن تكون تالفة وفي حكم التلف تعذّر الوصول إليها أبداً ـ كما لو ألقاها إلى البحر أو أخذها ظالم متسلّط وما أشبه ذلك ـ كان عليه ضمان

٨٥٤

عوضه للمالك مثلاً أو قيمة ، لعموم «على اليد» وغيره ، بل الظاهر أنّه كضمان العين محلّ وفاق.

المسألة الثالثة : فيما يتعلّق بالمشتري من رجوعه على البائع بثمنه وبما اغترمه للمالك وعدمه ، ففيه مقامان :

المقام الأوّل : في رجوعه عليه بالثمن وعدمه ، فنقول : إنّه حين الابتياع إمّا أن يكون جاهلاً بالغصبيّة ، أو يكون عالماً بها ، فإن كان جاهلاً فلا إشكال بل لا خلاف ظاهراً في أنّه يرجع على البائع بالثمن الّذي دفعه إليه فيأخذه عيناً إن كان باقياً وإلّا فعوضه مثلاً أو قيمة ، وعن المختلف (١) وشرح الإرشاد (٢) لفخر الإسلام الإجماع عليه ، وفي جواهر (٣) شيخنا الإجماع بقسميه ، وهو مع كونه إجماعيّاً منصوص عليه في بعض الأخبار كخبر جميل بن درّاج ـ المدّعى كونه موثّقاً ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولّدها ، ثمّ يجي‌ء مستحقّ الجارية ، فقال : يأخذ الجارية المستحقّ ، ويدفع إليه المبتاع قيمة الولد ، ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد الّتي اخذت منه» (٤).

وهو مع هذا كلّه مطابق للقواعد لأنّه لم يدفع الثمن إلى البائع مجّاناً بل إنّما دفعه عوضاً عن المبيع ، فإذا لم يسلّم له العوض وخرج مستحقّاً للغير يستحقّ الرجوع بماله عيناً أو عوضاً ، فأصل الحكم ممّا لا ينبغي الاسترابة فيه.

ثمّ ربّما يشكل الحال في أنّه لو أقرّ المشتري حال المبايعة بمالكيّة البائع للمبيع فهل يسقط به استحقاقه الرجوع عليه بثمنه ـ نظراً إلى أنّه إقرار باستحقاق البائع للثمن فيكون إقراراً بعدم استحقاقه له فلا يستحقّ الرجوع عليه به ـ أو لا يسقط؟ نظراً إلى ظهور استناده فيه إلى ظاهر اليد فيكون إقراراً بالمالك الظاهري لا باستحقاقه له في الواقع ، فإذا تبيّن خلاف الواقع بخروج المبيع مستحقّاً للغير ظهر استحقاقه له في الواقع فيستحقّ الرجوع عليه بأخذه منه ، ومن ثمّ قال شيخنا قدس‌سره : «ولا يقدح في ذلك اعترافه

__________________

(١) المختلف ٥ : ٥٦.

(٢) شرح الإرشاد للنيلى : ٤٧.

(٣) الجواهر ٢٢ : ٣٠١.

(٤) الوسائل ١٤ : ٥٩٢ / ٥ ، ب ٨٨ نكاح العبيد والإماء.

٨٥٥

بكون البائع مالكاً لأنّ اعترافه مبنيّ على ظاهر يده» (١) وفي معناه قول العلّامة في القواعد (٢) والتذكرة (٣) ونهاية الإحكام (٤).

ولا يبطل رجوع المشتري الجاهل بادّعاء الملكيّة للبائع لأنّه يبني على الظاهر ، وقال السيّد الشارح في شرح عبارة القواعد : «يريد أنّ المشتري الجاهل إذا ادّعى أنّ هذا المال مال زيد وقد باع عينه (٥) ثمّ ثبت أنّه مال الغير لم يمنع قوله ذلك عن الرجوع على زيد ، لأنّه بنى في ذلك على الظاهر وإن كان ظاهر قوله ينافي استحقاق الرجوع» (٦) انتهى.

ثمّ إنّ العلّامة في القواعد لم يستشكل فيما ذكره من عدم سقوط استحقاقه الرجوع بإقراره السابق ولم يحتمل أيضاً خلافه ، وفي التذكرة استشكل فيه بقوله : «على إشكال» ينشأ من اعترافه بالظلم فلا يرجع على غير ظالمه ، وعنه في نهاية الإحكام احتمال عدم الرجوع لاعترافه بالظلم فلا يرجع على غير ظالمه. ومراده بالظلم الّذي اعترف أخذ الغير المدّعي لكون المال ماله ، المال منه. ويرد على إطلاقه أنّه إنّما يكون ظلماً إذا أخذه منه قهراً لمجرّد الادّعاء ، وقد يأخذه منه بحقّ كما لو ادّعاه فأقام عليه البيّنة عند الحاكم فأخذه بحكم الحاكم فلا يكون حينئذٍ معترفاً بالظلم لئلّا يستحقّ الرجوع على غير ظالمه ، ومع الغضّ عن ذلك فمستنده في اعترافه بالظلم إنّما هو البناء على ظاهر اليد ، فكما أنّ إقراره بالملكيّة المستند إليه لا يؤثّر في سقوط استحقاقه الرجوع ، فكذلك اعترافه بالظلم المستند إليه لا يؤثّر في سقوط استحقاقه.

ثمّ إنّ شيخنا قدس‌سره بعد كلامه المتقدّم ، قال : «نعم لو اعترف به على وجهٍ يعلم عدم استناده إلى اليد ـ كأن يكون اعترافه بذلك بعد قيام البيّنة ـ لم يرجع بشي‌ء ، ولو لم يعلم استناد الاعتراف إلى اليد أو إلى غيره ، ففي الأخذ بظاهر الحال من استناده إلى اليد أو بظاهر لفظ الإقرار من دلالته على الواقع وجهان» (٧).

__________________

(١) المكاسب ٣ : ٤٨٤.

(٢) القواعد ٢ : ١٩.

(٣) التذكرة ١٠ : ١٨.

(٤) نهاية الإحكام ٢ : ٤٧٨.

(٥) في هامش الأصل : عنه نسخة بدل.

(٦) مفتاح الكرامة ١٢ : ٦٤٠.

(٧) المكاسب ٣ : ٤٨٤.

٨٥٦

أقول : إقرار المشتري الجاهل بمالكيّة البائع قد يستند إلى علمه بكونه مالكاً ، وقد يستند إلى سبب صحيح معتبر شرعاً قائم مقام العلم باعتبار كونه مرآتاً للواقع كالبيّنة القائمة عند الحاكم ، وقد يستند إلى سبب شرعي مفيد للملكيّة الظاهريّة كاليد ونحوه استصحاب الملكيّة السابقة ، وقد يستند إلى سبب غير صحيح كإخبار من لا يعتبر إخباره كالفاسق أو الصبيّ أو المجنون إذا أخبر أحدهم بكونه مالكاً وعوّل عليه المشتري فأقرّ بمالكيّته ، وقد لا يعلم استناده إلى أيّ شي‌ء من الامور المذكورة.

ثمّ إنّ موضوع الكلام في المسألة لمّا كان هو الجهل بالغصبيّة المقابل للعلم بالمعنى الأعمّ ، من العلم الحقيقي والعلم الشرعي الّذي منه البيّنة العادلة القائمة عند الحاكم المقبولة لديه ، فيما لو ادّعى أحد عند اشترائه المال من بائعه المدّعي للمالكيّة أو المأذونيّة عن المالك كونه مالكاً له وأقام عند الحاكم بيّنة عادلة مقبولة ، فإنّه حينئذٍ لو اشتراه مع قيام البيّنة المذكورة فإن أخذه المدّعي بعد ذلك منه كان حكمه من حيث رجوعه على البائع بثمنه كحكم المشتري العالم بالغصبيّة ، فإن بنينا فيه على عدم استحقاق الرجوع مطلقاً أو إذا لم يكن عين الثمن باقية فهذا أيضاً لا يستحقّ الرجوع كذلك ، لأنّ البيّنة المفروضة علم شرعي بالغصبيّة في حقّه وإن لم يحكم الحاكم على طبقها بعد ، لأنّ الحقّ يثبت بمجرّد قيامها عنده بحيث تكون مقبولة لديه ولا مدخليّة لحكمه الإنشائي في ثبوت الحقّ ، بل هو إلزام على ردّه إلى صاحبه حتّى يتفرّع إليه عدم جواز نقضه.

وأمّا لو ادّعى أحد المالكيّة في المال من دون إقامته البيّنة أو مع إقامته بيّنة ناقصة ـ كشهادة عدل واحد ، أو شهادة فاسقين ، أو شهادة عدل وفاسق ، أو بيّنة عادلة عند غير الحاكم ، أو عنده مع عدم قبوله إيّاها ـ فهو غير خارج في شي‌ء من هذه الصور عن عنوان الجاهل بالغصبيّة حتّى في صورة قيام البيّنة العادلة عند غير الحاكم ، لأنّ استماع البيّنة في مقام الخصومة بالدعوى والإنكار أو بالتداعي من وظيفته لا وظيفة غيره. فنحو هذه البيّنة ليس علماً شرعيّاً في حقّ المشتري ، وكذلك ما لم يقبله الحاكم وإن كانت تامّة عند المشتري ، فله حينئذٍ اشتراء ذلك المال ، ولو تبيّن بعد اشترائه فساد العقد وخروج المال مستحقّاً لمدّعيه حين الاشتراء يرجع على المشتري ويأخذ منه ثمنه.

٨٥٧

نعم لو كان عالماً بسبق ملك ذلك الغير المدّعي له وسبق يده عليه بأن علم أنّه كان مالكاً له في سابق الزمان ولكن يجده الآن في يد البائع المدّعي للمالكيّة أو المأذونيّة من المالك رجع الواقعة إلى مسألة تعارض اليدين إحداهما سابقة والاخرى لاحقة ، فإن بنينا في تلك المسألة على تقديم اليد السابقة استصحاباً للحال ، فليس له الاشتراء ، ولو اشتراه ثمّ انتزعه منه مدّعيه كان حكمه كحكم المشتري العالم بالغصبيّة ، لأنّ القاعدة المقتضية لتقديم اليد السابقة علم شرعي في حقّه. بخلاف ما لو بنينا في تلك المسألة على تقديم اليد اللاحقة اعتباراً للحال وحملاً لها على الصحّة فله الاشتراء ثمّ الرجوع بعده على البائع بثمنه على تقدير خروج المال مستحقّاً لمدّعيه ، لعدم خروجه عن عنوان الجاهل بمجرّد ادّعاء المدّعي ولا بمجرّد علمه بسبق ملكه ويده ، فليتدبّر.

وإن كان عالماً بالغصبيّة ففي رجوعه على البائع بالثمن مطلقاً ، أو عدمه كذلك ، أو إذا كان باقياً دون ما لو كان تالفاً ، وجوه :

فقيل بأنّه لا يرجع مطلقاً ، وهو ظاهر إطلاق الشيخ في النهاية (١) وربّما عزي الموافقة له إلى بني إدريس (٢) وزهرة (٣) وحمزة (٤) ونسب أيضاً إلى ظاهر السيّد (٥) قدس‌سره ولكنّا لم نجد من كتبهم ، ونسبه في التذكرة (٦) إلى علمائنا مؤذناً بدعوى الإجماع ، ويقرب منه ما عنه في نهاية الإحكام (٧) والمختلف (٨).

ففي الأوّل : «أطلق علماؤنا ذلك» وفي الثاني «قال علماؤنا : ليس للمشتري الرجوع على الغاصب ، وأطلقوا القول في ذلك» ونحوه حكي عن ولده في الإيضاح (٩) وعنه في موضع آخر نسبته تارةً إلى قول الأصحاب ، واخرى إلى نصّهم ، وثالثة إلى الأكثر (١٠) وفي المسالك (١١) والرياض (١٢) والكفاية (١٣) نسبته إلى المشهور ، وفي موضع من الروضة (١٤) نسبته إلى الأكثر.

وقيل بالرجوع مع البقاء دونه مع التلف كما اختاره العلّامة في كثير من كتبه

__________________

(١) النهاية : ٤٠٢. (٢) السرائر ٢ : ٢٦٦.

(٣) الغنية : ٢٠٧. (٤) الوسيلة : ٢٣٧.

(٥) الرياض ٨ : ٢٢٩. (٦) التذكرة ١٠ : ١٨.

(٧) نهاية الإحكام ٢ : ٤٧٨. (٨) المختلف ٥ : ٥٥.

(٩) الإيضاح ١ : ٤١٧. (١٠) الإيضاح ٢ : ١٩٤.

(١١) المسالك ٣ : ١٠٦. (١٢) الرياض ٨ : ٢٢٨.

(١٣) الكفاية : ٨٩. (١٤) الروضة ٣ : ٢٣٥.

٨٥٨

كالتذكرة (١) والمختلف (٢) ونهاية الإحكام (٣) والقواعد (٤) وعن ولده في الإيضاح (٥) وشرح الإرشاد (٦) واختاره الشهيدان في الدروس (٧) والمسالك (٨).

وعن المحقّق [الثاني] في جامع المقاصد (٩) وعن المحقّق الأردبيلي في مجمع الفائدة (١٠) التردّد ، وربّما عزي إلى المحقّق في الشرائع (١١) لمكان قوله : «وقيل لا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب» (١٢) من غير ترجيح ولا ردّ له.

وأمّا الرجوع مطلقاً فلم نقف على قائل به صريحاً ولم ينقل القول به في كلامهم ، نعم احتمله في المسالك ناسباً له إلى المحقّق في بعض فتاويه قال : «ولو لا ادّعاء العلّامة في التذكرة الإجماع على عدم الرجوع مع التلف لكان في غاية القوّة» (١٣) واستحسنه في الرياض.

ونحن نتكلّم تارةً في حكمه مع البقاء ، واخرى فيه مع التلف ، فيقع الكلام فيهما في مسألتين :

المسألة الاولى : أنّ الأصحّ الأقوى والأوفق بالقواعد أنّه يرجع بالثمن مع بقاء عينه ، لنا على ذلك أنّه عين ماله وملكه فيستحقّ انتزاعه من يد الغاصب لعموم «الناس مسلّطون على أموالهم» إذ المفروض عدم خروجه عن ملكه ولا انتقاله إلى البائع ، ضرورة أنّه يحتاج إلى سبب شرعي وليس بمتحقّق ، لأنّه إن كان هو العقد الّذي لم يجزه المالك فالمفروض بطلانه بالفسخ ، وإن كان تجارة عن تراض فالمفروض عدم وقوعها بينهما ، وإن كان هبة فالمفروض عدم قصدها حين الدفع ولو سلّم قصدها وتحقّق شرائطها فهي أيضاً في غير ذي رحم ما دامت العين باقية قابلة للفسخ والرجوع ، وإن كان الإعراض بدعوى أنّه في دفعه إيّاه إلى البائع مع علمه بعدم استحقاقه له إعراض عن ماله ، ففيه أوّلاً : أنّه لم يقصد الإعراض ، ولو سلّم فغايته أنّ البائع بقصده التملّك ملكه ملكاً متزلزلاً فإذا عاد المالك ورجع بماله فهو أولى به.

__________________

(١) التذكرة ١٠ : ١٨.

(٢) المختلف ٥ : ٥٦. (٣) نهاية الإحكام ٢ : ٤٧٨.

(٤) القواعد ٢ : ١٩. (٥) الايضاح ١ : ٤١٧.

(٦) شرح الإرشاد للنيلي : ٤٦. (٧) الدروس ٣ : ١٩٣.

(٨) المسالك ٣ : ١٥٤. (٩) جامع المقاصد ٤ : ٧١ و ٧٧.

(١٠) مجمع البرهان ٨ : ١٦٤ ـ ١٦٥. (١١) الشرائع ٢ : ١٣.

(١٢) مجمع البرهان ٨ : ١٦٤ ـ ١٦٥. (١٣) المسالك ٣ : ١٥٤.

٨٥٩

ودعوى : أنّه سلّطه على إتلافه مجّاناً ، يدفعها : أنّ التقدير تقدير عدم تحقّق الإتلاف ، وكون التسليط بمجرّده مخرجاً عن الملك أو ناقلاً إلى البائع أوّل المسألة ، ويحتاج إلى دليل وهو منتف والأصل يقتضي عدمه.

حجّة القول بعدم الرجوع : ما أشار إليه في المسالك فإنّه في شرح عبارة الشرائع وقيل : لا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب ، قال : «هذا هو المشهور بين الأصحاب مطلقين الحكم فيه الشامل لكون الثمن باقياً أو تالفاً ، ووجّهوه بكون المشتري قد دفعه إليه وسلّطه عليه مع علمه بعدم استحقاقه له فيكون بمنزلة الإباحة ، وهذا يتمّ مع تلفه ، أمّا مع بقائه فله أخذه لعموم النصوص الدالّة على ذلك بل يحتمل الرجوع بالثمن مطلقاً ، وهو الّذي اختاره المصنّف في بعض تحقيقاته لتحريم تصرّف البائع فيه حيث إنّه أكل مال بالباطل فيكون مضموناً عليه ...» (١) إلى آخر ما ذكر.

وقد يجاب أيضاً بالنقض بالمقبوض بالعقد الفاسد من المثمن والثمن ، فإنّ كلاًّ من المتعاقدين يسلّط صاحبه على ماله. ولعلّ المراد نقضه بصورة علمهما بفساد العقد وإلّا كان في غير محلّه.

والتحقيق في الجواب أن يقال : إنّه من جهة التعبير بكونه بمنزلة الإباحة ينتج ضدّ المطلوب ، لأنّ كون شي‌ء بمنزلة شي‌ء في الروايات وعبائر العلماء بل في العرف واللغة أيضاً عبارة عن لحوقه به في حكمه مع عدم دخوله في اسمه ، كما يقال : «النبيذ بمنزلة الخمر» وماء في قوله عليه‌السلام : «ماء الحمام بمنزلة الجاري» وما أشبه ذلك ، وحينئذٍ نقول : إنّ كون التسليط المذكور بمنزلة الإباحة على تقدير تسليمه معناه أنّه ليس بإباحة اسماً ولكن حكمه حكم الإباحة ، ومن حكم الإباحة جواز رجوع المالك المبيح إلى ما أباحه مع بقائه وأخذه من المباح له ، فالدليل المذكور ينتج جواز الرجوع بالثمن مع بقائه لا عدم جوازه.

وفي كلام غير واحد التعبير مكان ما تقدّم بعبارة «فيكون إباحة» ويرد عليه أيضاً أنّه لو سلّمنا كونه إباحة ينتج خلاف المطلوب ، مع تطرّق المنع إلى كونه إباحة ، لأنّه إمّا

__________________

(١) المسالك ٣ : ١٦٠.

٨٦٠