ينابيع الأحكام - ج ٥

السيّد علي الموسوي القزويني

ينابيع الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيّد علي الموسوي القزويني


المحقق: السيد عبد الرحيم الجزمئي القزويني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-470-850-3
الصفحات: ٩٣٥
الجزء ١ الجزء ٥

واقيم المضاف إليه مقامه ، بل القائلون بالنصب لم يحتملوا سوى هذين على ما في المجمع ، مصرّحاً «بأنّ الاستثناء على هذا الوجه أيضاً منقطع» (١) يعني على تقدير النصب ، فلا حصر في الآية ، ولا مقتضي لدخول عقد الفضولي في المستثنى منه فيكون مسكوتاً عنه.

ولو سلّم دخوله فيه فيكفي في صدق أكل المال بالباطل على التصرّف في المال المأخوذ من جهته قبضه والتصرّف فيه قبل لحوق الإجازة الّذي لا خلاف عند أهل القول بصحّة الفضولي في كونه محرّماً ويشمله النهي المفيد للحرمة بهذا الاعتبار.

ولا ينافيه ارتفاع الحرمة بلحوق الإجازة المبيحة للتصرّفات ، لأنّه إنّما يفيد حرمة أكل المال بالباطل من حيث كونه أكلاً له بالباطل ، وهذا لا ينافيه ارتفاع الحرمة بلحوق الجهة المبيحة كالتصرّف في المال المأخوذ بالقمار أو المعاملة الربويّة أو البخس بالميزان أو الظلم قد يرتفع حرمته بلحوق الهبة أو إنشاء الإباحة الصريحة أو الإذن الصريح في التصرّف أو نحو ذلك ، ومن هذا الباب إجازة المالك في الفضولي على ما قضت به أدلّة الصحّة ، ففي الحقيقة لا تعارض بين الآية وأدلّة صحّة الفضولي بالإجازة ، هكذا ينبغي أن يحقّق المقام.

وأمّا السنّة فعدّة روايات عاميّة وخاصّيّة :

ومن الاولى النبويّ المستفيض نقله وهو قوله لحكيم بن حزام : «لا تبع ما ليس عندك» (٢) وفي معناه ما في حديث المناهي المذكور في الفقيه من قوله : «ونهى عن بيع ما ليس عندك» (٣) وعبّر عنه جماعة (٤) بالنهي عن بيع ما ليس عنده.

ووجه الاستدلال أنّ لفظة «عند» ترد لغةً ظرفاً للمكان تارةً ، والزمان اخرى ، وعلى التقديرين يراد بها الحضور في المكان أو الزمان ، يقال زيد عندنا أي حاضر لدينا في المكان الّذي نحن فيه فهو حقيقتها ، ولا ينافيه تفسيرها في كلمات العلماء في غير هذا المقام بالمقارنة ، لأنّها هيئة منتزعة عن الشيئين باعتبار حضور أحدهما للآخر.

ولكن ليس المراد بقوله : «ليس عندك» نفي الحضور المكاني ليكون مفاده اعتبار

__________________

(١) مجمع البيان ٣ : ٧٨.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٢٦٧ و ٣١٧ ، سنن النسائي ٧ : ٢٨٩.

(٣) الوسائل ١٨ : ٣٧ / ٤ ، ب ٢ أحكام العقود ، التهذيب ٧ : ٢٣٠ / ١٠٠٥.

(٤) كما في مفتاح الكرامة ١٢ : ٥٩٥ ، والرياض ٨ : ٢٢٥.

٧٦١

حضور المبيع عند البائع ولو كان مالكاً في مجلس المبايعة في الصحّة ليترتّب عليه بطلان بيع الغائب ، لعدم كون الحضور من شرائط الصحّة نصّاً وفتوى ، ولا خلاف لأحد في صحّة بيع الغائب. بل هو كناية عن نفي السلطنة على إقباضه وتسليمه.

فالمراد ما لا سلطنة لك على إقباضه وتسليمه ، لا لمانع عقلي كعدم القدرة على التسليم بل لمانع شرعي من جهة انتفاء الملك والولاية على المالك والوكالة عنه ، فيكون مفاده راجعاً إلى مفاد نبويّ آخر من قوله : «لا بيع فيما لا يملك» بعد قوله «لا طلاق فيما لا يملك ولا عتق فيما لا يملك» وقد يروى ذلك بهذه العبارة «لا بيع إلّا فيما يملك» بعد قوله : «لا طلاق إلّا فيما يملك ولا عتق إلّا فيما يملك» بناء على أنّ المراد نفي الملكيّة الفعليّة لا نفي قابليّة الملك ليكون مورده بيع مثل الحرّ والخنزير والخمر وما أشبه ذلك.

فينطبق الجميع على بيع الفضولي الّذي يبيع عين ملك غيره ولا يتسلّط على التصرّف فيه ولا تسليمه الغير بناءً على كون الموصول كناية عن العين الشخصيّة لا العين الكلّيّة للنصّ والإجماع على صحّة بيع الكلّي المضمون في الذمّة ومنه السّلَم.

والنهي يقتضي الفساد ، والنفي أيضاً إن كان لنفي الحقيقة كما هو الحقيقة فيثبت به المطلوب أيضاً مع زيادة ، وإلّا لا بدّ من حمله على نفي الصحّة لأنّ نفيها أقرب إلى نفي الحقيقة الّذي هو الحقيقة.

ومن الثانية : ما في التهذيب في صحيح الصفّار «كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام ـ يعني العسكري ـ في رجل باع قرية ، وإنّما له فيها قطاع أرضين ، فهل يصلح للمشتري ذلك وقد أقرّ له بكلّها؟ فوقّع عليه‌السلام : لا يجوز بيع ما ليس بملك وقد وجب الشراء على ما يملك» (١).

وصحيح محمّد بن القسم بن فضيل «سألت أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام عن رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم وكتب عليها كتاباً بأنّها قد قبضت المال ولم تقبض أيعطيها أم يمنعها؟ قال : قل له يمنعها أشدّ المنع ، فإنّها باعت ما لا تملكه» (٢).

وصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام «انّه سأله عن رجل من أهل النيل عن أرض

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣٣٩ / ١ ، ب ٢ عقد البيع وشروطه ، التهذيب ٧ : ١٥٠ / ٦٦٧.

(٢) الوسائل ١٧ : ٣٣٣ / ٢ ، ب ١ عقد البيع وشروطه ، التهذيب ٦ : ٣٣٩ / ٩٤٥.

٧٦٢

اشتراها بفم النيل ، وأهل الأرض يقولون هي أرضهم ، وأهل الاستان يقولون هي من أرضنا ، قال : لا تشترها إلّا برضا أهلها» (١) فم النيل صدره وساحله ، والنيل نهر كان في قديم الأيّام في العراق نظير ما هو موجود الآن ، والاستان بضمّ الهمزة أربع كور ببغداد عالي وأعلى وواسط وأسفل ، وفي نسخة أوسط وأسفل.

وتوقيع الحميري المرويّ عن الاحتجاج في السؤال «عن ضيعة للسلطان فيها حصّة مغلوبة ، فهل يجوز شراؤها من السلطان أم لا؟ فأجاب عليه‌السلام : لا يجوز ابتياعها إلّا من مالكها أو بأمره أو رضا منه» (٢).

وخبر جرّاح المدائني «لا يصلح شراء السرقة والخيانة إذا عرفت» (٣).

وخبر قرب الإسناد عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام «سألته عن رجل سرق جارية ثمّ باعها يحلّ فرجها لمن اشتراها؟ فقال : لا يحلّ إذا أنبأهم أنّها سرقة وإن لم يعلم به فلا بأس» (٤).

والجواب عن الطائفة الاولى : بأنّها تكون دلالتها بالعموم قابلة للتخصيص بأدلّة صحّة الفضولي بالإجازة ، فتخصّص بما لم يلحقه إجازة المالك.

وقد يجاب بمنع الدلالة فتارةً : بالحمل على أن يبيع غير المالك عيناً شخصيّة للغير عن نفسه ثمّ يمضي ليشتريها ويسلّمها المشتري ، كما عن التذكرة قال : «لأنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكره جواباً لحكيم بن حزام ، حيث سأله عن أن يبيع الشي‌ء فيمضي ويشتريه ويسلّمه» (٥) فإنّ هذا البيع غير جائز ولا نعلم فيه خلافاً للنهي المذكور وللغرر ، لأنّ صاحبها قد لا يبيعها.

واخرى : بحمل النهي المقتضي للفساد على البطلان ، بمعنى عدم ترتّب الأثر المقصود ، فإنّ البائع يبيعه عن نفسه ومعناه وقوع البيع له ، ومعنى بطلانه عدم وقوعه له ، وهذا لا ينافي وقوعه للمالك إذا أجازه كما يستفاد من كلام بعض مشايخنا (٦).

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣٣٤ / ٣ ، ب ١ عقد البيع وشروطه ، التهذيب ٧ : ١٤٩ / ٦٦٢.

(٢) الوسائل ١٧ : ٣٣٧ / ٨ ، ب ١ عقد البيع وشروطه ، الاحتجاج : ٤٨٧.

(٣) الوسائل ١٧ : ٣٣٦ / ٧ ، ب ١ عقد البيع وشروطه ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ / ١٠٨٩.

(٤) الوسائل ١٧ : ٣٣٨ / ١٢ ، ب ١ عقد البيع وشروطه ، قرب الإسناد : ١١٤.

(٥) التذكرة ١٠ : ١٥.

(٦) المكاسب ٣ : ٣٦٧.

٧٦٣

وثالثة : بإبداء احتمال كون المراد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا بيع فيما لا يملك» بيع ما لا يصحّ تملّكه كالحرّ ونحوه لعدم جواز بيعه كما يأتي ، أو رجوع النفي إلى اللزوم فيكون المراد «لا بيع لازم إلّا فيما يملك» ومن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تبع ما ليس عندك» النهي عن بيع غير المقدور على تسليمه كبيع الطير في الهواء ونحوه ، والمقام ليس منه لإمكان القدرة على تسليمه بإجازة صاحبه» (١) كما في الرياض.

وأجاب عنه أيضاً : بمعارضته بكثير من النصوص المعتبرة المجوّزة لبيع ما ليس عنده المعربة عن كون المنع منه مذهب العامّة ، ففي الصحيح «عمّن باع ما ليس عنده قال : «لا بأس ، قلت : إنّ من عندنا يفسده ، قال : ولِمَ؟ قلت : باع ما ليس عنده ، قال : ما يقول في السلف قد باع صاحبه ما ليس عنده ...» (٢) الخبر.

وهذا في غاية الضعف لقضائه بخروج الخبر من جهة موافقته لمذهب العامّة مخرج التقيّة ، وهي من النبيّ غير معقولة.

وعن الطائفة الثانية : بقبول الجميع للتخصيص بأدلّة الصحّة على تقدير تسليم الدلالة ، وإلّا فيتطرّق المنع إلى أصل دلالتها على ما ينافي القول بصحّة الفضولي بالإجازة :

أمّا في الخبر الأوّل : فلظهور كون المراد بالجواز المنفيّ نفوذ البيع ولزومه في غير المملوك للبائع ، بقرينة قوله عليه‌السلام : «وقد وجب الشراء على ما يملك» بالنسبة [إلى] مملوكه من الأرضين بناءً على أنّ الوجوب في البيع نفوذه ولزومه.

وأمّا في الثاني : فلأنّ أقصى ما فيه المنع من دفع الثمن إلى البائع لملك الغير وهو ممّا يسلّمه القائلون بصحّة الفضولي ، لأنّهم لا يجوّزون للمشتري تسليم الثمن إلى البائع الفضولي.

وأمّا في الثالث : فلظهوره في مسألة السائل المريد لاشتراء أرض في فم النيل عمّن يشتريها مع وقوع التداعي فيها بين الداخل الّذي عبّر عنه بأهل الأرض والخارج الّذي عبّر عنه بأهل الاستان ، فأجاب الإمام عليه‌السلام بما وافق القاعدة من تقديم قول ذي

__________________

(١) الرياض ٨ : ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

(٢) الوسائل ١٨ : ٤٧ / ٣ ، ب ٧ أحكام العقود ، الكافي ٥ : ٢٠٠ / ٤.

٧٦٤

اليد حتّى يثبت الخارج حقّه بالبيّنة ، فقوله عليه‌السلام : «لا تشترها إلّا برضا أهلها» كناية عن أنّ المناط المجوّز للاشتراء هو رضا الداخل لا رضا الخارج لتقدّم قول ذي اليد.

وأمّا في الرابع : فلأنّه على خلاف مطلب المستدلّ أدلّ ، من جهة أنّه عليه‌السلام حصر من يجوز الابتياع منه في أنواع ثلاث : المالك ، ومن يأمره المالك أي وكيله ومأذونه في البيع ، ومن رضي بفعله المالك ، وهو في مقابلة الوكيل المأذون في البيع لا محمل له إلّا غير الوكيل الّذي لحق فعله رضا المالك ، فتأمّل.

وأمّا في الخامس والسادس : فلظهورهما في شراء السرقة على وجه ترتيب الآثار على نفس الشراء من دون مراعاة إجازة المالك ، بل الثاني منهما ظاهر كالصريح في المنع عن ترتيب الآثار على نفس الشراء ، حيث سأل الراوي عن حلّ وطء الجارية المسروقة ، ومنع منه المعصوم عليه‌السلام من علم بإخبار البائع بكونها مسروقة ، والقائل بصحّة الفضولي يسلّم هذا المنع قبل الإجازة.

وأمّا الإجماع فإجماعان منقولان :

أحدهما : ما عن الشيخ في الخلاف مع اعترافه بكون الصحّة مذهب قوم من أصحابنا (١).

والآخر : ما عن ابن زهرة في الغنية (٢) ويعضدهما ما عن الحلّي (٣) في باب المضاربة من ادّعاء عدم الخلاف في بطلان شراء الغاصب إذا اشترى بعين المغصوب.

والجواب : أنّ الإجماع المنقول إنّما يعتبر عندنا حتّى أورث الظنّ الاطمئناني بالحكم الشرعي لا تعبّداً ولا من حيث النبئيّة. وهو فيما نحن فيه لا يورث ظنّاً بادئاً فضلاً عن كونه اطمئنانيّاً ، لصيرورته موهوناً من جهات عديدة :

منها : اعتراف الشيخ بكون الصحّة مذهب قوم من أصحابنا.

ومنها : ما حكي عنه في موضع آخر من الخلاف (٤) من تفصيله في الفضولي بين كون البائع فضوليّاً فصحّحه ، وكون المشتري فضوليّاً فأبطله ، وهذا يوهن إطلاق نقله الإجماع.

ومنها : ذهابه في النهاية (٥) الّذي قيل : إنّه آخر مصنّفاته إلى الصحّة ، وقيل : آخر

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١٦٨ ، المسألة ٢٧٥.

(٢) الغنية : ٢٠٧. (٣) السرائر ٢ : ٤١٥.

(٤) الخلاف : لم نعثر عليه.

(٥) النهاية : ٣٨٥.

٧٦٥

مصنّفاته الاستبصار ، وقد صار فيه أيضاً إلى الصحّة. وهذا عدول منه كاشف عن عدم كون البطلان إجماعيّاً.

ومنها : ذهاب معظم القدماء كالقديمين (١) والمفيد (٢) والمرتضى (٣) وسلّار (٤) وابن برّاج (٥) وابن حمزة (٦) إلى الصحّة مع اتّباع المتأخّرين (٧) إلّا شذّ منهم وندر.

وأمّا العقل : فقرّر بأنّ العقل مستقلّ بقبح التصرّف في مال الغير بدون إذنه ، والنقل مطابق له ، ومن النقل ما في المرويّ عن احتجاج الطبرسي من التوقيع عن مولانا صاحب الأمر عجّل الله فرجه من قوله عليه‌السلام : «لا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلّا بإذنه» (٨) وفي معناه النبويّ المعروف المتلقّى بالقبول عند الفريقين «لا يحلّ مال امرئ إلّا عن طيب نفسه» (٩) وعقد الفضولي في مال الغير تصرّف في ماله بدون إذنه فيكون قبيحاً عقلاً محرّماً شرعاً ، والرضا اللاحق لا يرفع القبح السابق.

والجواب أوّلاً : منع الصغرى فإنّ مجرّد إجراء العقد على مال الغير من دون ترتيب الآثار عليه ولا قبضه وإقباضه ليس تصرّفاً في العرف ، فإنّه في متفاهم العرف عبارة عن استيلاء الإنسان على المال بحيث يقلّبه كيف شاء وحيث أراد ، ومجرّد إجراء العقد ليس بتلك المكانة. وهذا المنع نظير ما ذكره أهل القول بالإباحة في الأشياء النافعة الخالية عن أمارة المضرّة قبل ورود الشرع ـ كالاستظلال بجدار الغير والاستضاءة بضوئه والاستنارة بناره وما أشبه ذلك ـ في ردّ الحاظرين المتمسّكين على الحظر بكونه تصرّفاً في مال الغير بدونه من منع صدق التصرّف على هذه الأشياء ، بل المنع فيما نحن فيه أوضح منه في هذه الأشياء لتحقّق انتفاع واستيفاء منفعة فيها ، بخلاف ما نحن فيه الّذي لا منفعة للعاقد الفضولي في إجرائه العقد أصلاً.

وثانياً : منع كلّيّة الكبرى بعد تسليم الصغرى ، لعدم حكم العقل بقبح نحو هذا التصرّف الّذي لا ينتفع به المتصرّف أصلاً ، ولا ينتقص بسببه المال أصلاً ، ولا يتضرّر به

__________________

(١) نقله عنهما في المختلف ٥ : ٥٣. (٢) المقنعة : ٦٠٦.

(٣) الناصرّيات (الجوامع الفقهيّة) : ٢٤٧ ، المسألة ١٥٤.

(٤) المراسم : ١٥٠.

(٥) المهذّب ٢ : ١٩٤. (٦) الوسيلة : ٢٤٩.

(٧) كما في مجمع البرهان ٨ : ١٥٨ ، والحدائق ١٨ : ٣٧٨.

(٨) الوسائل : / ٦ ، ب ٣ الأنفال.

(٩) عوالي اللآلئ ٢ : ١١٣ / ٣٠٩.

٧٦٦

المالك أصلاً ، خصوصاً مع مقارنته لتوقّع لحوق إجازة المالك ورضاه ، ولا سيّما مع عدم القصد إلى ترتيب شي‌ء من الآثار حتّى يلحقه الإجازة. وتناول النقل لمثل هذه التصرّفات أيضاً غير واضح. ولو سلّم القبح العقلي والحرمة الشرعيّة فهو لا ينافي تأهّل العقد لأن يترتّب عليه الآثار بعد الإجازة ولو على جهة الكشف ، فإنّ الحرمة لم تتعلّق بالعقد من حيث إنّه هذه المعاملة الخاصّة ، بل باعتبار أمر خارج عنه متّحد معه في الوجود ، فكونها مقتضية للفساد غير واضح بل واضح المنع كما لا يخفى.

واستدلّ على البطلان أيضاً بوجوه اخر من الاعتبارات والوجوه العقليّة وغيرها :

منها : ما عن فخر المحقّقين (١) من أنّ جواز التصرّف بالعقود تابع للملك ومعلول له ، فلو صحّحنا عقد الفضولي لزم تخلّف المتبوع عن تابعه والعلّة عن معلولها ، واللازم باطل فكذا الملزوم.

وفيه من وضوح الفساد ما لا يخفى ، إذ لو اريد من التصرّف بالعقود مجرّد إجراء العقد ومن الملك ملك التصرّف في المال على معنى سلطنة العاقد على التصرّف فيه ، فدعوى توقّف جوازه عليه أوّل المسألة ، فيكون الدليل مصادرة ، سواء كان المراد من الجواز هو الجواز التكليفي وهو الإباحة أو الجواز الوضعي وهو النفوذ واللزوم.

ولو اريد بالتصرّف بالعقود مجرّد إجراء العقد ومن الملك ملك المال عيناً أو منفعة ، فدعوى توقّف جوازه عليه تكليفاً ووضعاً ـ مع أنّها مصادرة أيضاً ـ منقوضة بعقد الوليّ والوكيل ، ومردودة بمنع توقّفه على الملك بل يتوقّف على الرضا ولو متأخّراً ، نعم يعتبر في الرضا كونه من المالك فهو شرط للشرط كما نبّهنا عليه في مفتتح المسألة.

ولو اريد بالتصرّف بالعقود التصرّف في المال بسبب العقد الواقع عليه ، فجوازه وإن كان موقوفاً على ملك المال فدعوى الملازمة ممنوعة ، لأنّ النظر فيها إن كان إلى ما قبل لحوق الإجازة فنحن لا نجوّز التصرّف حينئذٍ حتّى يلزم تخلّف المتبوع والعلّة ، وإن كان إلى ما بعد الإجازة فالمتبوع والعلّة وهو الملك غير متخلّف عن التابع والمعلول.

ومنها : أنّ القدرة على التسليم شرط في صحّة البيع ولذا حكموا بفساد بيع العبد

__________________

(١) الإيضاح ١ : ٤١٧.

٧٦٧

الآبق ، والفضولي غير قادر عليه ، لمكان المنع الشرعي وهو كالمانع العقلي.

وفيه أوّلاً : النقض ببيع الوكيل إذا كان وكيلاً في إجراء العقد فقط ، لا في تسليم المال.

وثانياً : الحلّ بأنّ المعتبر في الصحّة هو قدرة المالك لا العاقد ، ولا ريب أنّ المالك المجيز قادر على التسليم ، والمشتري أيضاً في العقد مع الإجازة قادر على التسلّم ، وهو كما يأتي في محلّه كافٍ في الصحّة حتّى أنّ بيع العبد الآبق إذا قدر المشتري على التسلّم صحيح.

ومنها : أنّ بيع الفضولي موضع غرر لعدم الوثوق عند التعاقد بالتأثير وترتّب الأثر ، لأنّ لحوق الإجازة مجهول الحصول ، فهو بيع في موضع الجهالة فيبطل.

وفيه أوّلاً : النقض بما لو تعاقد المالكان مع الشكّ في الفساد للجهل بشرطيّة شي‌ء في الصحّة ورجعا إلى الحاكم المفتي وسألاه فحكم بالصحّة ، فالجهالة بالتأثير حين العقد غير قادحة في الصحّة وليست من الغرر القادح فيها ، وكذلك معاملات الجاهل بشرائط العقد وصحّته إذا طابقت الواقع.

وثانياً : الحلّ بأنّ الغرر بمعنى الخطر وهو خوف النفس وعدم اطمئنانها بحصول المال على الوجه المقصود الّذي يتفاوت باختلافه الماليّة والرغبة ، ولذا يعتبر كونه معلوماً بجميع جهاته الّتي لها مدخليّة في الماليّة والرغبة من جنس ووصف ومقدار كيلاً أو وزناً أو ذرعاً أو عدداً أو مساحة وغير ذلك ممّا لا يتسامح فيه عرفاً وفي مجاري العادات ، ولا ريب أنّ احتمال عدم ترتّب الأثر بل الشكّ فيه بل الظنّ بعدمه أيضاً لا يعدّ غرراً وخطراً ، ولا ينافي الاطمئنان والوثوق بحصوله ولعلّه لكفاية كون المال موجوداً في زمان العقد ممكناً حصوله في يد المشتري عادةً في رفع الخطر وعدم صدق الغرر عرفاً ، ولا ريب أنّ الجهل بحصوله من جهة احتمال الفساد لا ينافي الاطمئنان والوثوق بحصوله عادةً على الوجه المقصود على تقدير الصحّة ، وعلى هذا فلا غرر في عقد الفضولي ولو كان غاصباً ونحوه عقد المكره سيّما مع توقّع لحوق الرضا وترقّب إجازته. نعم لو كانا قاطعين بعدم إجازة المالك إيّاه فسد من حينه لكن لا من جهة الفضوليّة بل من جهة سفهيّة المعاملة في نحو الصورة المفروضة ، مع أنّه قد يكون المتعاقدان أو المشتري فقط قاطعاً بحصول الإجازة.

٧٦٨

ومنها : أنّ العقود تابعة للقصود ، ومن القصد المعتبر فيها قصد وقوع الأثر ، وهذا القصد إنّما يتأتّى من المالك ويمتنع حصوله من الفضولي فعقده فاقد لهذا القصد فيكون باطلاً.

وفيه : منع امتناع قصد وقوع الأثر من الفضولي إذا احتمل لحوق إجازة المالك ، ولو ظنّ لحوقها فإمكان حصوله منه أظهر ، ولو قطع به كان أظهر من سابقه ، غاية ما هنالك أنّه لا يؤثّر إلّا بعد لحوق الإجازة لأنّها تتضمّن إمضاء ذلك القصد فيؤثّر حينئذٍ. ولو سلّم امتناعه منه فيكفي حصوله من المالك حين الإجازة الكاشفة عن الرضا النفساني الّذي هو عبارة عن قصد وقوع الأثر ، غاية الأمر عدم مقارنته العقد ، ولا ضير فيه بعد مساعدة الأدلّة على صحّة الفضولي الكاشفة عن أنّ المعتبر في الصحّة هو أصل الرضا لا مقارنته.

المسألة الثانية : أن يبيع للمالك مع سبق منعه وكراهته ، وقد عزي إلى المشهور (١) صحّته أيضاً.

وقيل بالبطلان هنا ، وعن فخر الدين «أنّه حكى عن بعض القائلين بصحّة الفضولي أنّه اعتبر فيها عدم سبق نهي المالك» (٢) ومعناه البطلان مع سبقه.

ويلوح ذلك من العلّامة في نكاح التذكرة (٣) حيث إنّه بعد ما ضعّف سند النبوي «أيّما عبد تزوّج بغير إذن مولاه فهو عاهر» (٤) حمله على أنّه نكح بعد منع مولاه وكراهته فإنّه يقع باطلاً ، بناءً على ما قيل من أنّ الظاهر أنّه لا يفرّق بين النكاح وغيره. ويظهر أيضاً ممّن أفسد بيع الغاصب تعليلاً بوجود القرينة الدالّة على الكراهة وعدم الرضا وهو الغصب.

ووجه البطلان من أهل القول ببطلان الفضولي رأساً واضح ، فإنّ جميع الأدلّة المتقدّمة للقول بالبطلان آتية هنا بل بطريق أولى ولا حاجة إلى الإعادة ، والجواب عنها هو الجواب المتقدّم.

وأمّا من القائل بصحّة الفضولي في المسألة الاولى فوجهه لا يخلو من أحد الأمرين : من دعوى فقد المقتضي للصحّة بتخيّل كون أدلّة الصحّة مختصّة بغير هذه الصورة خصوصاً رواية عروة البارقي ، أو دعوى وجود المانع بتخيّل أنّ المنع الموجود

__________________

(١) كما في المكاسب ٣ : ٣٧٣.

(٢) الإيضاح ١ : ٤١٧.

(٣) التذكرة ٢ : ٥٨٨.

(٤) سنن البيهقي ٧ : ١٢٧.

٧٦٩

بعد العقد ولو آناً ما كافٍ في الردّ فلا ينفع الإجازة اللاحقة بعده ، بناءً على أنّه يكفي في الردّ مجرّد الكراهة وعدم الرضا الباطني الّذي كشف عنه المنع كما التزمه بعضهم حيث حكم بأنّه إذا حلف الموكّل على نفي الإذن في اشتراء الوكيل انفسخ العقد ، لأنّ الحلف عليه أمارة عدم الرضا.

وأيّاً ما كان فهو واضح الدفع :

أمّا الأوّل : فلمنع الاختصاص لعدم انحصار أدلّة الصحّة في رواية عروة ، والعمومات جارية في الصورتين ، مع ترك الاستفصال المفيد للعموم في صحيحة محمّد ابن قيس في بيع الوليدة ، وفحوى أدلّة نكاح العبد بدون إذن سيّده الظاهرة في سبق منع السيّد ولو بشاهد الحال فيما بين الموالي والعبيد ، بل هو صريح «وإنّما عصى سيّده» في بعضها ، مع جريان الروايات الاخر في بيع مال اليتيم والمغصوب ومخالفة ربّ المال فيما اشترط عليه الصريح في منعه عمّا عداه.

وأمّا الثاني : فلأنّ المنع السابق الباقي بعد العقد الواقع ولو آناً ما ليس فسخاً لذلك العقد الشخصي وردّاً له في عرف ولا شرع ، لعدم الدليل عليه حتّى لا يفيد الإجازة اللاحقة بعده. وكون مجرّد الحلف على نفي الإذن في اشتراء الوكيل موجباً لانفساخ العقد من دون حاجة إلى الفسخ بعد الحلف غير مسلّم ، ولو سلّم فالانفساخ ليس لمجرّد عدم الرضا الّذي يكشف عنه الحلف ، بل الانفساخ على الحلف كاشف عن سبق الفسخ اللازم من الخصومة والمؤاخذة السابقة على الحلف ، وينهض ما تقدّم من صحّة عقد المكره بعد لحوق رضا المالك ينهض شاهداً بأنّ كراهة المالك حال العقد وبعد العقد لا يؤثّر في فساد العقد. فالأقوى إذن هو القول المشهور.

المسألة الثالثة : أن يبيع العاقد الفضولي مال الغير أو يشتري بمال الغير لنفسه ، على معنى القصد إلى [أن] يقع الثمن في الأوّل والمثمن في الثاني ملكاً له ، إمّا لجهله بالموضوع بتخيّل كون المال له فتبيّن خلافه ، أو مع علمه بالموضوع كما في الغاصب بتخيّل الصحّة ، ولقد نسب إلى المشهور (١) فيه القول بالصحّة أيضاً ، ومرجعه إلى عدم

__________________

(١) المكاسب ٣ : ٣٧٦.

٧٧٠

الفرق في صحّة الفضولي بين ما لو باع أو اشترى للمالك وبينه لنفسه. وقيل بالمنع ، ومرجعه إلى الفرق بين الصورتين بالصحّة في الاولى والبطلان في الثانية. وقيل بالفرق بين صورتي علم المشتري وجهله ، فالصحّة في الثانية دون الاولى.

والأقوى هو الصحّة وفاقاً للمشهور ، لعموم «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» (١) وخصوص صحيحة الحلبي ، وظهور صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمتين (٢) ولو سلّم عدم ظهور الثانية فيكفي ظهورها في العموم من جهة ترك الاستفصال ، وفحوى ما دلّ على صحّة النكاح في الفضولي حتّى نكاح العبد بدون إذن مولاه.

وليس للقول بالمنع إلّا وجوه ضعيفة :

منها : النبويّان المتقدّمان ، في أحدهما «لا تبع ما ليس عندك» وفي الآخر «لا بيع إلّا فيما يملك» (٣) والفضولي يبيع لنفسه ما لا يملكه فيبطل للنهي والنفي.

والجواب ما تقدّم في المسألة الاولى من الظهور فيما لا يتعلّق به ملك المسلم كالخمر والمسلم وما أشبه ذلك ، وقبول التخصيص بما إذا لم يلحقه إجازة المالك ، واحتمال البطلان بمعنى عدم ترتّب الأثر المقصود للعاقد وهو وقوع البيع له ، فهو لا ينافي وقوعه للمالك بعد الإجازة وإن لم يقصده العاقد.

ومنها : الأخبار الناهية عن شراء السرقة والخيانة ، وقد تقدّم (٤) منها رواية جرّاح المدائني وفيها «لا يصلح شراء السرقة والخيانة» والمرويّ عن قرب الإسناد في السؤال عن حلّ فرج الجارية المسروقة المبتاعة.

والجواب ـ مع عدم ظهور «لا يصلح» في التحريم ، وظهور خبر الجارية سؤالاً وجواباً في التصرّف قبل لحوق إجازة المالك ، فالمنع عنه لا ينافي صحّة أصل العقد بعد لحوق الإجازة ـ بأنّها قابلة للحمل على المنع من ترتيب الآثار الّتي منها جواز التصرّف على نفس الشراء من دون مراعاة الإجازة ، بل هو على ما عرفت ظاهر المرويّ عن قرب الإسناد فلتحمل عليه جمعاً.

ومنها : أنّ عقد الفضولي يعتبر في صحّته عدم سبق منع المالك وكراهته وهو في بيع

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) تقدّم في الصفحة ٧٥٦ و ٧٥٢.

(٣) تقدّما في الصفحة : ٧٦١.

(٤) تقدّم في الصفحة : ٧٦٣.

٧٧١

الغاصب مفقود غالباً ، وقد سمعت عن المحقّق الثاني في «أنّ الغصب قرينة عدم الرضا» (١)

واجيب عنه أوّلاً : أنّ الكلام في الأعمّ من بيع الغاصب.

وثانياً : أنّ الغصب أمارة عدم الرضا بالبيع للغاصب ، وهو لا ينافي رضاه به على أن يقع له.

وثالثاً : قد تقدّم في المسألة الثانية أنّ منع المالك غير مؤثّر ، ولا دليل على كونه ردّاً لهذا العقد الشخصي.

ومنها : أنّ العقود تابعة للقصود ، والمفروض أنّ العاقد الفضولي قصد البيع لنفسه ، فإذا أجازه المالك ، فإمّا أن يجيزه على أن يقع له لم يصحّ ، لأنّ ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد. وإن أجازه على أن يقع للعاقد حسبما قصده لم يصحّ ، لخروجه عن عقد المعاوضة ، فإنّ البيع من عقود المعاوضة والأدلّة تصحّحه على هذا الوجه ، والمعاوضة بمفهومها تقتضي وقوع كلّ من العوضين لمالك العوض الآخر وهو هاهنا على تقدير الصحّة يقع لغير مالك العوض الآخر ، فلا يندرج البيع لأجله في أدلّة الصحّة.

وقد يقرّر بأنّ المالك إمّا أن يجيز البيع على أن يكون العوض للعاقد على حسبما وقع عليه العقد ، أو على أن يكون له على خلاف ما قصده العاقد ، ولا سبيل إلى شي‌ء منهما ، أمّا الأوّل فلخروج الفرض عن قانون المعاوضة المقتضية لانتقال ملك العوض إلى مالك المعوّض ، وأمّا الثاني فلأنّ الإجازة إمضاء للعقد السابق فلا بدّ وأن يقع على طبق ما وقع عليه العقد ، ومفروض المقام ليس كذلك. فما وقع غير مجاز ، والمجاز غير واقع لعدم المطابقة.

وتوهّم : عدم الخروج عن قانون المعاوضة بكون الإجازة هبة ضمنيّة إمّا للعين فينتقل بها إلى العاقد آناً ما ثمّ تنتقل منه إلى المشتري لا من المالك ، أو للثمن على معنى انتقاله آناً ما إلى المالك بالبيع المجاز ثمّ من المالك إلى العاقد بالهبة الضمنيّة.

يزيّفه منع تحقّق الهبة بالإجازة حيث لم يقصدها المالك بشي‌ء من التقريرين ، مع عدم تحقّق القبول من العاقد وهي من العقود فلا يعقل حصولها بدون القبول ، مع فوات شرط صحّته وهو قبض العين الموهوبة في بعض الأحيان ، إذ لا يعتبر في عقد الفضولي

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٦٩.

٧٧٢

كون العين مقبوضة في يده حين العقد.

وعن الفاضل القمّي في أجوبة مسائل شتاته تصحيح العقد بالإجازة على تقدير وقوعها على أن يكون الثمن للمالك «بأنّ الإجازة مصحّحة لبيع لا بمعنى لحوق الإجازة لنفس العقد كما في الفضولي المعهود ، بل بمعنى تبديل رضى الغاصب وبيعه لنفسه برضى المالك ووقوع البيع عنه. وقال : نظير ذلك فيما لو باع شيئاً ثمّ ملكه» (١).

وعنه في موضع آخر أنّه «صرّح بأنّ حاصل الإجازة يرجع إلى أنّ العقد الّذي قصد إلى كونه واقعاً على المال المعيّن لنفس البائع الغاصب والمشتري العالم قد بدّلته على كونه على هذا الملك بعينه لنفسي ، فيكون عقداً جديداً كما هو أحد الأقوال في المسألة» (٢).

وفي كلّ من التقريرين من التكلّف الّذي لا يرجع إلى محصّل ما لا يخفى :

أمّا التقرير الأوّل : فلأنّ تبديل الرضى بالرضى إن اريد به التبديل الحقيقي ، فهو غير معقول. وإن اريد به التبديل التنزيلي على معنى أنّ الشارع نزّل رضى البائع الغاصب منزلة رضى المالك بإجازته ، فهو دعوى تحتاج إلى دليل ، وأيّ دليل عليها؟ وأمّا تنظيره المقام بما ذكره من بيع شي‌ء ثمّ ملكه فممّا لم نتحقّق معناه.

وأمّا التقرير الثاني : فلأنّه إن اريد بكون الإجازة على الوجه المذكور عقداً جديداً أنّها بانفرادها إيجاب للبيع من المالك وقبول من المشتري عن المالك ، فهو غير متصوّر عقلاً وغير صحيح شرعاً ، للإجماع على انحصار كلّ من صيغتي الإيجاب والقبول في ألفاظ مخصوصة ليس منها قول المالك «أجزت».

وإن اريد به أنّها قائمة مقام الإيجاب وينضمّ إليها قبول المشتري المتقدّم فيصير المجموع عقداً جديداً ولو لتجدّد أحد جزأيه كما يؤيّده قوله «كما هو أحد الأقوال في الإجازة» فإنّ الظاهر أنّ مراده بذلك القول ما حكي عن كاشف الرموز أنّه نقله عن شيخه من «أنّ الإجازة من مالك المبيع بيع مستقلّ فهو بيع بغير لفظ البيع قائم مقام إيجاب البائع ، وينضمّ إليه القبول المتقدّم من المشتري» (٣) ـ فهو غير صحيح ، أمّا أوّلاً :

__________________

(١) جامع الشتات ٢ : ٣١٩ ، غنائم الأيّام : ٥٥٤.

(٢) جامع الشتات ٢ : ٢٧٦ ، وغنائم الأيّام : ٥٤١.

(٣) كشف الرموز ١ : ٤٥٥ ـ ٤٤٦.

٧٧٣

فلعدم المطابقة بين الإيجاب والقبول لعدم موافقة القصدين بالنسبة إلى الثمن.

وأمّا ثانياً : فلعدم الاتّصال العرفي بينهما.

وأمّا ثالثاً : فلعدم تقدّم الإيجاب على القبول.

وأمّا رابعاً : فلعدم دلالة «أجزت» على إيجاب البيع بشي‌ء من الدلالات ، مع مخالفته لإجماعهم على حصر الإيجاب في ألفاظ مخصوصة ليس هذا منها. وما عدا الأوّل من هذه الوجوه يرد على شيخ كاشف الرموز.

وقد يجاب بأنّ قصد المعاوضة مبنيّ على جعل الغاصب نفسه مالكاً حقيقيّاً ، وإن كان هذا الجعل لا حقيقة له لكنّ المعاوضة الحقيقيّة المبتنية على هذا الأمر الغير الحقيقي حقيقيّة نظير المجاز الادّعائي في الاصول ، نعم لو باع لنفسه من دون بناء على ملكيّة المثمن ولا اعتقاد له كانت المعاملة باطلة غير واقعة له ولا للمالك ، لعدم تحقّق معنى المعاوضة. ولذا ذكروا أنّه لو اشترى بماله لغيره شيئاً بطل ولم يقع له ولا لغيره ، والمراد ما لو قصد تملّك الغير للمبيع بإزاء مال نفسه. وعن بعض المحقّقين «أنّ البطلان هنا يستلزم البطلان في المقام ، وهو ما لو باع مال غيره لنفسه ، لأنّه عكسه» (١). ويندفع بأنّ عكسه هو ما لو باع وقصد تملّك الثمن من دون بناء ولا اعتقاد لتملّك المثمن ، وأمّا مع البناء المذكور فلا ، والحاصل أنّ البائع يملّك المثمن بانياً على تملّكه وتسلّطه عليه عدواناً أو اعتقاداً لزم منه بناؤه على تملّك المثمن والتسلّط عليه ، وهذا معنى قصد بيعه لنفسه ، وحيث إنّ المثمن ملك لمالكه واقعاً فإذا أجاز المالك الواقعي المعاوضة انتقل عوضه إليه ، فالإجازة الحاصلة منه متعلّقة بإنشاء الفضولي وهو التملّك المسند إلى مالك المثمن وهو حقيقة نفس المجيز فيلزم من ذلك انتقال الثمن إليه.

وفيه ـ مع ما فيه من التعسّف والتكلّف الواضح ـ منع الصغرى أوّلاً ، ومنع الكبرى ثانياً.

أمّا الأوّل : فلأنّ البناء والجعل المذكور ممّا لا يكاد يتحقّق في بيع الغاصب ، ومجرّد الاعتقاد في غير الغاصب لا يجعل المعاوضة [حقيقيّة] ، نظراً إلى أنّها مفاعلة بين ملكي العوضين ، وملك العوض بحسب الواقع منتف عن البائع. وتنظيره بالمجاز الادّعائي في

__________________

(١) لم نعثر عليه ولكن نقله عنه في المكاسب ٣ : ٣٧٨.

٧٧٤

الاصول باطل ، لأنّ عدم تحقّق ماهيّة المعنى الحقيقي في الفرد الادّعائي حقيقة لا ينافي وقوع استعمال اللفظ في معناه الموضوع له فيكون الاستعمال حقيقة ، ولا استعمال للفظ المعاوضة في المقام لئلّا ينافي حقيقيّته عدم تحقّق الملك للبائع حقيقة ، وكون الجعل المفروض لا حقيقة له بل هي أمر لبّي ينوط تحقّقه بتحقّق ملكي العوضين للبائع والمشتري ، والمفروض عدم تحقّقه للبائع في المثمن ، فالمعاملة غير واقعة بين المالكين لتكون معاوضة.

وأمّا الثاني : فلأنّ البائع ادّعى قيام صفة المالكيّة بنفسه ليدخل الثمن في ملكه باعتبار هذه الصفة الّتي لا حقيقة له ، والمالك أجاز بيعه ليقع الثمن له لا لمن ادّعى صفة المالكيّة لنفسه على خلاف الواقع فلم يطابق القصدان ، فالواقع غير مجاز والمجاز غير واقع.

نعم لو قرّر الاعتبار المذكور بأنّ البائع جعل نفسه نفس المالك ادّعاءً بأن ادّعى كونه زيداً مثلاً لو كان المالك زيداً فباع المال عن نفسه بعنوان أنّه زيد ليقع الثمن له بعنوان الزيديّة فأجازه المالك فقد أجاز بيع زيد عن نفسه لنفسه ، كان له وجه ، لأنّه أجاز ما وقع. ولكن هذا الاعتبار غير واقع بل مبنيّ على مجرّد الفرض ، وفرض الشي‌ء لا تحقّق ذلك الشي‌ء.

وقد يجاب أيضاً : بأنّ إجازة عقد الفضولي موجبة لصيرورة العوض ملكاً للفضولي ، وبعبارة اخرى أنّ العقد الملحوق به الإجازة يوجب صيرورة الثمن للفضولي. ونسب (١) ذلك إلى الشيخ النجفي في شرحه للقواعد (٢) وذكروا في توجيهه وجوهاً :

منها : أنّ الإجازة هبة ضمنيّة تفيد دخول العين في ملك العاقد آناً ما ، فيقع البيع في ملكه ويفيد انتقال الثمن إليه.

وفيه : منع واضح تقدّم ذكره في أوائل المسألة ، لعدم القصد إلى الهبة من المجيز ، وعدم تحقّق القبول من العاقد ، وعدم كون العين مقبوضة له حين استكمال عقد الهبة.

ومنها : أنّ الإجازة تنحلّ إلى تمليك المال للفضولي وإمضاء تمليكه الغير ، فإنّ قول الفضولي «بعت» ينحلّ إلى تملّك وتمليك ، فكأنّه قال : «تملّكت هذا عن فلان ثمّ ملّكته

__________________

(١) المكاسب ٣ : ٣٨٤.

(٢) شرح القواعد ٢ : ٢٣ ـ ٢٦.

٧٧٥

لك بكذا» فيكون قول المالك «أجزت» إمضاءً لهذين الأمرين ، فكأنّه قال : «أجزت تملّكك ثمّ تمليكك.

وفيه ـ مع أنّ اعتبار إمضاء تمليك الفضولي مع إفادة لفظ «أجزت» تمليك المال له لغو ـ أنّ الانحلال القهري غير معقول ، والانحلال القصدي غير حاصل لعدم حصول قصد التملّك في «بعت» ولا قصد التمليك في «أجزت» مع عدم دلالة اللفظ على التملّك والتمليك الضمنيّين عرفاً بشي‌ء من الدلالات ، والصحّة بدون القصد والدلالة ولو اقتضاء غير معقولة. ودعوى : أنّ العمومات شاملة للمفروض ، مدفوعة بأنّها إنّما تشمل الفضولي المعهود المشتمل على قانون المعاوضة لا غير.

ومنها : أنّ قضيّة بيع مال الغير عن نفسه أو الشراء بمال الغير لنفسه جعل ذلك المال له ضمناً حتّى أنّه على فرض صحّة ذلك البيع أو الشراء تملّكه ، قبل آن انتقاله إلى غيره ليكون انتقاله إليه عن ملكه ، نظير ما إذا قال : «اعتق عبدك عنّي» أو قال «بع مالي عنك أو اشتر بمالي لك كذا» فهو تملّك ضمني حاصل ببيعه أو شرائه ، ونقول في المقام أيضاً : إذا أجاز المالك صحّ البيع أو الشراء وصحّته يتضمّن انتقاله إليه حين البيع أو الشراء ، فكما أنّ الإجازة المذكورة تصحّح البيع أو الشراء كذلك تقضي بحصول الانتقال الّذي يتضمّنه البيع الصحيح ، فتلك الإجازة اللاحقة قائمة مقام الإذن السابق قاضية بتمليكه المبيع ليقع البيع في ملكه ولا مانع منه.

وفيه : منع الحكم في الأصل ـ وهو الإذن السابق ـ أوّلاً ، ثمّ في الفرع وهو الإجازة ثانياً.

أمّا الأوّل : فلأنّ صحّة الإذن في بيع المال لنفسه أو الشراء به لنفسه ممنوعة ، لمنافاته مفهوم المعاوضة والمبادلة.

وأمّا الثاني : فلأنّ جعل الإجازة قائمة مقام الإذن السابق قياس مع الفارق ، فإنّ الإذن في البيع يحتمل فيه أن يوجب من باب الاقتضاء دخول المال في ملكه ولو آناً ما ، بخلاف الإجازة الغير الدالّة عليه ولو من باب الاقتضاء ، فإنّها تعلّقت بما وقع من الفضولي ، والمفروض أنّه لم يقع إلّا مبادلة مال الغير بمال آخر أو مبادلة مال بمال الغير.

ومنها : أنّه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكاً للعاقد في انتقال بدله إليه ، بل يكفي أن يكون مأذوناً في بيعه لنفسه أو الشراء به ، فلو قال : «بع هذا لنفسك أو

٧٧٦

اشتر لك بهذا» ملك الثمن في الصورة الاولى بانتقال المبيع عن مالكه إلى المشتري وكذا ملك المثمن في الصورة الثانية ، ويتفرّع عليه أنّه لو اتّفق بعد ذلك فسخ المعاملة رجع الملك إلى مالكه لا إلى العاقد.

وفيه : أنّ الدليل على الاشتراط هو مفهوم المبادلة ومفهوم البيع الّذي هو «مبادلة مال بمال أو تمليك عين على وجه التعويض» فإنّ معنى المبادلة جعل ملك أحد المالين بدلاً عن ملك المال الآخر ، كما أنّ معنى المعاوضة هو جعل ملك أحد المالين عوضاً عن ملك المال الآخر ، والمفروض أنّ ملك أحد المالين ليس للفضولي بل لمالكه فلا يتحقّق البدليّة ولا التعويض للفضول ، بل لو تحقّق فإنّما يتحقّق للمالك ، ولذا صرّح العلّامة في غير موضع على ما حكي «بأنّه لا يتصوّر» كما في موضع أو «لا يعقل» كما في موضع آخر «أن يشتري الإنسان شيئاً لنفسه بمال الغير» (١) بل عن بعضهم في مسألة قبض المبيع ادّعاء «عدم الخلاف في بطلان قول مالك الثمن : اشتر لنفسك به طعاماً» (٢) قيل (٣) وقد صرّح به الشيخ (٤) والمحقّق (٥) وغيرهما (٦) أيضاً.

وتحقيق المقام : كما بيّنّاه في باب عقد المكره أنّ قولهم «العقود تابعة للقصود» ليس على إطلاقه ، بل إنّما هو بالنسبة إلى أركان العقد اللفظي من التلفّظ والمعنى المادّي والمعنى الإنشائي ووقوع الأثر في الخارج ، والعقد اللفظي من تعيين المبيع وتعيين الثمن وتعيين الموجب وتعيين القابل ، وأمّا تعيين من ينتقل إليه المال فليس من أركانه. فقصد انتقال الثمن إلى مالك المثمن أو انتقال المثمن إلى مالك الثمن ليس شرطاً ، ولا قصد انتقال الثمن إلى غير مالك المثمن أو انتقال المثمن إلى مالك الثمن مانعاً ، بل المثمن ينتقل إلى مالك الثمن والثمن إلى مالك المثمن قصد أو لم يقصد ، قصد خلافه أو لم يقصد.

والأصل في ذلك أنّ الصيغة إيجاباً وقبولاً بظهورها النوعي وانفهامها العرفي تقتضي انتقال ملك كلّ من العوضين إلى مالك العوض الآخر قصد أو لم يقصد قصد

__________________

(١) القواعد ٢ : ٨٧ و ٣٥٤ ، التذكرة ١ : ٤٧٣ : ١٦٦.

(٢) ادّعاه صاحب الجواهر ٢٣ : ١٧٤.

(٣) في المكاسب ٣ : ٣٨٧.

(٤) المبسوط ٢ : ١٢١.

(٥) الشرائع ٢ : ٣٢.

(٦) كما في المهذّب ١ : ٣٨٧ ، والمسالك ٣ : ٢٥٢ ، مفتاح الكرامة ١٣ :

٧٧٧

خلافه أولا ، للسيرة المعلومة ، وإجماع الفرقة المحقّة. ولذلك ترى المتعاملين أنّهم في العينين الشخصيّين لا يتعلّق غرضهم إلّا بإنشاء تمليك إحداهما في عوض ملك الاخرى ، ولا يلاحظون كون طرفي العقد أصيلين أو وكيلين أو مختلفين ، ولا يستفسرون عن أنّه هل عقد لنفسه أو لغيره بل مهما وجدوا العين شخصيّة يقصدون العقد عليها من دون قصد إلى مالكها ولا إلى من ينتقل إليه ملك عوضها.

قيل : والسرّ في ذلك أنّ العقد عبارة عن الربط بين المالين دون المالكين ، فإذا كان المالان شخصيّين يحصل الربط بقصد إنشاء تمليك عين في مقابل عين آخر ، فيصير أحدهما معوّضاً والآخر عوضاً ، ولا حاجة له بعد ذلك إلى تعيين المالك وقصده ، ولا إلى تعيين من ينتقل إليه الملك وقصده.

نعم لو عقد على عين شخصيّة في مقابلة كلّي في الذمّة فلا ينبغي التأمّل في كون تعيين من له الذمّة ركناً وقصده شرطاً ، فلو باع بعشرة دراهم في الذمّة أو اشترى بعشرة دراهم كذلك من غير قصد من له الذمّة لم ينعقد ، ولذلك ذكروا أنّ الوكيل لو اشترى شيئاً بما [في] ذمّة الموكّل لا بدّ من أن يقصد ذلك بالخصوص ، وأنّ الوليّ لو اشتراه بما في ذمّة المولّى عليه من غير قصد لذلك لم يؤثّر شيئاً في ذمّته.

وحجّة المفصّل (١) أمران :

أحدهما : ما نسب الإشارة إليه إلى العلّامة (٢) وولده فخر المحقّقين (٣) بالنسبة إلى البطلان في صورة العلم ، من أنّهم أطبقوا في بيع الغاصب مع علم المشتري بالغصبيّة على أنّه لو دفع الثمن إلى الغاصب وتلف في يده ورجع عليه المالك بأخذ عين ماله على تقدير البقاء أو عوضه مثلاً أو قيمة على تقدير التلف ، لا يرجع على الغاصب بأخذ ثمنه ولا هو مسلّط عليه ، وأطلقوا في هذا الحكم ، وهذا ينافي صحّة الفضولي لنفسه مع علم المشتري بالحال.

وفيه : أنّهم ذكروا ذلك في بيع الغاصب مع البناء على نفس العقد في التصرّف في المال من دون بناءٍ على رجاء إجازة المالك ، وعلّلوه بعلّة غير جارية في الفضولي

__________________

(١) ذكر التفصيل في ص ٧٧٠.

(٢) التذكرة ١٠ : ١٧.

(٣) الإيضاح ١ : ٤١٧.

٧٧٨

المبنيّ فيه على لحوق إجازة المالك مع لحوقها أيضاً ، وهو أنّ المشتري أقدم على إتلاف ماله حيث دفعه إلى الغاصب وسلّطه على إتلافه مجّاناً ، وهذا لا ينافي الصحّة على تقدير إجازة المالك مع علمه بأنّ المالك إمّا يجيز أو لا يجيز فيرجع على ماله عيناً أو عوضاً.

وثانيهما : أنّه إذا قصد المتبايعان العقد لهما دون المالك مع العلم بالحال كان العقد لا عن قصد إنشاء النقل والتمليك ، لأنّ قصد نقل ملك الغير مع العلم بكونه ملكاً للغير لينتقل إليه العوض غير ممكن فيكون فاسداً ، لاشتراط الصحّة بقصد إنشاء النقل والتمليك.

وفيه : منع عدم إمكان القصد مع العلم بالموضوع إذا بنى على الجهل بمسألة المعاوضة من اقتضائها بدخول كلّ عوض في ملك مالك العوض الآخر ، وقد يكون العالم بالمسألة أيضاً غافلاً عنها حين العقد ، مع إمكان منع منافاة العلم لقصد إنشاء النقل كما يظهر بالتأمّل.

وقد يجاب : بإمكان القصد مع البناء على التنزيل وجعل الفضولي نفسه مالكاً ادّعاءً ، وقد ظهر ضعفه.

وينبغي ختم الباب بذكر امور مهمّة :

الأمر الأوّل : أنّ مال الغير المعقود عليه في الفضولي قد يكون عيناً في الخارج وقد يكون كلّيّاً في الذمّة ، والظاهر على القول بصحّة بيع الفضولي عدم الفرق بينهما في الصحّة مثمناً كان الكلّي أو ثمناً ، وتشخيص كونه كلّيّاً في الذمّة يتأتّى تارةً بإضافة الذمّة إلى الغير ، بأن يقول «بعت كرّاً من طعام في ذمّة فلان بكذا» أو «بعت هذا بعشرة دراهم في ذمّة فلان» ويقع العقد له فإن أجازه صحّ وإن ردّه بطل ، واخرى بقصد الفضولي العقد له فكلّ من قصده الفضولي في العقد لينتقل الثمن أو المثمن إليه في الكلّي تعيّن كونه صاحب الذمّة ، لضابطة استحالة دخول أحد العوضين في ملك غير من خرج عنه العوض الآخر.

ومن فروع هذه الضابطة : أنّ تعيين العوض في الخارج يغني عن قصد من وقع له العقد كما تقدّم.

ومنها : أنّ قصد من وقع له العقد يغني عن تعيين صاحب الذمّة بإضافة الثمن الكلّي

٧٧٩

إليه ، وحينئذٍ فإن أجاز العقد من قصد له وقع له وعليه ردّ ما في ذمّته إلى مالك من خرج عنه العوض. فإن ردّه فهل بطل واقعاً أو وقع للعاقد الفضولي واقعاً؟ قولان :

اختار أوّلهما شيخنا قدس‌سره قائلاً : «بأنّ مقتضى القاعدة بطلان العقد واقعاً ، لأنّ مقتضى ردّ العقد بقاء كلّ عوض على ملك صاحبه ، إذ المال في باب الفضولي مردّد بين مالكه الأصلي ومن وقع له العقد ، فلا معنى لخروجه عن ملك مالكه وتردّده بين الفضولي ومن وقع له العقد ، ولو صحّ وقوعه للفضولي لم يحتج إلى إجازة ووقع له ، إلّا أنّ الطرف الآخر لو لم يصدّقه على هذا العقد وحلف على نفي العلم حكم به على الفضولي ، لوقوع العقد له ظاهراً ، كما عن المحقّق (١) وفخر الإسلام (٢) والمحقّق الكركي (٣) والسيوري (٤) والشهيد الثاني (٥)» انتهى (٦).

ونسب ثانيهما إلى ظاهر إطلاق بعض الكلمات كالقواعد (٧) والمبسوط (٨) وحكي نسبته أيضاً إلى جماعة (٩) في بعض فروع المضاربة.

ولعلّ مبناه على كون العقد عبارة عن الربط بين المالين لا المالكين ، فالبائع في صورة كلّيّة المثمن بتمليكه الكلّي بإزاء الثمن الخارجي ليكون عوضاً عنه يربط بينهما قاصداً البيع لزيد مثلاً ، وفي صورة كلّيّة الثمن بتمليكه العين الخارجي بإزاء الثمن الكلّي يربط بينهما والمشتري يقبله قاصداً الشراء لزيد مثلاً ، وإذا لم يجزه زيد انصرف الكلّي في الأوّل إلى ذمّة البائع وفي الثاني إلى ذمّة المشتري لعموم وجوب الوفاء بالعقود.

وفيه : أنّ تحقّق الربط بين المالين فرع على تحقّق الارتباط وهو في الفضولي المفروض مراعى بإجازة من قصد له البيع أو الشراء ، فإذا ردّه ارتفع الارتباط المراعى فلم يتحقّق الربط فلا يشمله العموم لانتفاء العقد.

ثمّ إنّ العلّامة قال في التذكرة : «لو اشترى فضوليّاً فإن كان بعين مال الغير فالخلاف في البطلان والوقف على الإجازة ، إلّا أنّ أبا حنيفة (١٠) قال : للمشتري لكلّ حال وإن كان

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٢٠٥. (٢) الإيضاح ٢ : ٣٤٧.

(٣) جامع المقاصد ٨ : ٢٥١ ـ ٢٥٢. (٤) لم نقف عليه في التنقيح.

(٥) المسالك ٥ : ٣٠٠ ، و ٤ : ٣٧٩.

(٦) المكاسب ٣ : ٣٩٠ ـ ٣٩١.

(٧) القواعد ١ : ٢٤٧. (٨) المبسوط ٢ : ٣٨٦.

(٩) كما في الشرائع ٢ : ١٤٢ ، والقواعد ١ : ٢٤٧ ، والرياض ١ : ٦٠٧ ، والجواهر ٢٢ : ٣٨٤.

(١٠) المجموع ٩ : ٢٦١ ، المغني ٤ : ٢٩٦ ، الشرح الكبير ٤ : ١٨.

٧٨٠