ينابيع الأحكام - ج ٥

السيّد علي الموسوي القزويني

ينابيع الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيّد علي الموسوي القزويني


المحقق: السيد عبد الرحيم الجزمئي القزويني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-470-850-3
الصفحات: ٩٣٥
الجزء ١ الجزء ٥

[ختم المقام]

وينبغي ختم المقام ببيان ما ظهر حكمه على الإجمال في تضاعيف المسألة ، وهو القصد المعتبر في العقد المنحلّ إلى قصد التلفّظ وقصد المعنى المادّي كالبيع في بعت وقصد المعنى الإنشائي فإنّه أيضاً من شروط المتعاقدين ، ولقد اهمل ذكره صريحاً في الشرائع وذكره صريحاً في القواعد ، ولعلّ وجه إهمال الشرائع إحالة اعتباره إلى وضوحه أو الاكتفاء بذكره ضمناً في ضمن الاختيار ، فإنّه بحسب المرتبة متأخّر عن القصد بأنواعه الثلاث ، وكيف كان فلا ينبغي الاسترابة في كونه شرطاً بلا خلاف يظهر ، فما لم يقصد فيه إلى اللفظ ـ كما في الغافل والغالط ونحوهما ـ أو إلى المعنى كما في الهاذل ، أو الإنشاء كما فيه أو في المتورّي يقع فاسداً من حينه بلا خلاف يظهر ، سواء قصد معنى آخر كالإجارة ونحوها والإخبار أو لا؟ للأصل الّذي لا تزاحمه هنا الأصل الاجتهادي المستنبط من العمومات كـ «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» و «تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» لأنّ عموم الحكم فرع على تحقّق موضوع البيع والتجارة والعقد وليس شي‌ء منها متحقّقاً بدون القصد المذكور كما هو واضح ، مضافاً إلى الإجماع الّذي يعلم بالتتبّع في أبواب العقود والإيقاعات ومن ذلك ما يشتهر أنّ العقود تتبع القصود.

وقد يستدلّ بأخبار النيّة ، كقوله عليه‌السلام : «لا عمل إلّا بنيّة» (١) «وإنّما الأعمال بالنيّات وإنّما لكلّ امرئ ما نوى» (٢) بتقريب أنّ النيّة لغة هو القصد ، وإجراء العقد عمل ، وهو بدون القصد ليس بعقد بناءً على نفي الحقيقة ، أو ليس بصحيح بناءً على نفي الصحّة الّذي هو أقرب المجازات إلى الحقيقة.

__________________

(١) الوسائل ١ : ٤٦ / ١ ، ب ٥ مقدّمات العبادات ، الكافي ٢ : ١٦٩ / ١.

(٢) الوسائل ١ : ٤٨ / ١٠ ، ب ٥ مقدّمات العبادات ، أمالي الطوسي ٢ : ٢٣١.

٧٢١

وفيه : نظر يظهر وجهه بمراجعة رسالتنا المنفردة في بيان أحكام الواجب وأقسامه ، وينبغي تفصيل القول في القضيّة المشتهرة المتقدّم إليها الإشارة ، وهي أنّ العقود تابعة للقصود ببيان أنّ القصد الّذي يتبعه العقد أيّ قصد وكم هو ومتعلّقه الّذي هو المقصود أيّ شي‌ء؟ وبيان ما يعتبر قصده وما لا يعتبر ، وما يضرّ ، قصده وما لا يضرّ وما يفيد قصده وما لا يفيد ، فنقول : الأشياء الّتي يصلح قصدها في العقود أنواع :

منها : الامور المعتبرة في ماهيّة العقد وذاته من حيث كونه لفظاً خاصّاً ، كالتلفّظ والمعنى مادّة وهيئة ، فهل يعتبر قصدها في انعقاد العقد وتحقّق ذاته أو لا؟.

ومنها : الامور المعتبرة في ماهيّته من حيث تقوّمه بمحلّ تأثيره ومورد أثره الّتي يعبّر عنها بأركان العقد ، وقد يقال لها ضروريّات العقد كالمتعاقدين والعوضين في عقود المعاوضة ، فهل يعتبر قصد تعيين هذه الامور؟ بأن يقصد الموجب قابلاً معيّناً والقابل موجباً معيّناً ، وهما يقصدان مبيعاً معيّناً وثمناً معيّناً في البيع ، فلو قال الموجب : «بعت داري بمائة» من دون قصد إلى قابل معيّن ، فقال أحد : «قبلت» أو قال الموجب : «بعتك» قاصداً إلى معيّن ، فقال القابل : «قبلت» من دون قصد إلى موجب معيّن للذهول عن التعيين ، أو قال الموجب : «بعتك بمائة» من دون قصد إلى مبيع معيّن ، فقال المشتري : «قبلت» ثمّ عيّنا المبيع ، أو قال البائع : «بعتك داري» من دون قصد إلى ثمن معيّن ، فقال المشتري : «قبلت» ثمّ عيّنا الثمن.

ومنها : الامور الّتي هي لوازم عقليّة لتأثير العقد كانتقال ملك المعوّض إلى مالك العوض ، وانتقال ملك العوض إلى مالك المعوّض ، وهل قصد ذلك شرط فيه أو لا؟ وعلى الثاني فهل قصد خلافه ـ بأن يقصدا انتقال ملك المعوّض إلى غير مالك العوض كولده مثلاً أو يقصدا انتقال ملك العوض إلى غير مالك المعوّض كولده ـ مانع أو لا؟ وعلى الثاني فهل معنى عدم المانعيّة وقوع الانتقال على حسبما قصداه أو وقوع القصد المذكور لغواً وانتقال ملك كلّ من العوضين يقع لمالك العوض الآخر قهراً على خلاف ما قصد؟.

ومنها : الأحكام المترتّبة على العقد ، كحلّيّة البضع في عقد النكاح ، واستحقاق الزوجة للنفقة ، ووجوب القسم بين الزوجات على الزوج ، ولحوق الولد ، والتوارث بين الزوجين ، وحرمة الجمع بين الاختين ، وحرمة نكاح الخامسة ونحو ذلك ، وإباحة

٧٢٢

التصرّف في المثمن أو الثمن في البيع ، واللزوم ، وضمان الدرك ، والشفعة ، وخيار المجلس ، وخيار ثلاثة أيّام في الحيوان وما أشبه ذلك ، فهل يعتبر في ترتّب هذه الأحكام قصدها أو لا؟.

ومنها : الامور الّتي لو لا قصدها لا يقتضي العقد لو خلّي وطبعه ترتّبها عليه ـ كإرث الزوجة واستحقاقها النفقة في عقد الانقطاع ، وخيار فسخ النكاح في غير الأسباب الموجبة له ونحو ذلك ـ فهل قصدها يفيد ترتّبها عليه أو لا؟.

وينبغي لتنقيح المطلب وبيان ما هو الحقّ في هذه المقامات أن يبيّن ضابطاً كلّيّاً ، وهو أنّه قد ذكرنا سابقاً أنّ العقد بحسب العرف واللغة عبارة عن الربط المعنوي الّذي توجده المتعاقدان فيما بينهما ، وهو في البيع والاشتراء أن يجعل أحدهما ملك عينه لصاحبه بإزاء مال صاحب ليكون ملكه له عوضاً عن عينه ، ولقد شاع في لسان الفقهاء إطلاقه على الصيغة المركّبة من الإيجاب والقبول ، كما يرشد إليه التتبّع في كلماتهم في سائر أبواب العقود ، ومن كلماتهم تصريحهم بأنّ العقد مركّب من الإيجاب والقبول ، ولا ريب أنّ المركّب هو مجموع صيغتي الإيجاب والقبول كـ «بعت واشتريت» وهذا ليس بوضع عرفي لانحصاره في الربط المعنوي ولا بوضع شرعي لعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة في لفظ العقد ، بل هو عرف فقهائي حصل لمناسبة السببيّة من تسمية السبب باسم المسبّب. ولقد اعتبر الفقهاء في هذا المعنى العرفي الخاصّ قصد التلفّظ وقصد المعنى المادّي وقصد المعنى الإنشائي ، لصحّة سلب اسم العقد عندهم عن الخالي عن القصود الثلاث ، كما في الصيغة الصادرة عن الغافل أو الغالط أو الهاذل أو المورّي.

نعم لم يعتبر فيه مقارنة الرضا وهو قصد وقوع الأثر في الخارج ، كما يشهد به إطلاقهم العقد على عقد المكره من غير صحّة سلبه عنه عندهم ، فالقصود الثلاث المذكورة معتبر في تحقّق ماهيّة العقد بالمعنى العرفي الفقهائي والقصد الرابع معتبر في تأثيره.

ولقد جعل الشارع هذا المعنى العرفي الخاصّ أعني الصيغة المركّبة من الإيجاب والقبول المقرونة بالقصود الثلاث مع قصد وقوع الأثر سبباً للعقد بالمعنى العرفي اللغوي وهو الربط المعنوي ، ضرورة أنّ المتعاقدين بواسطة الصيغة المركّبة بشرائطها مع شرط قصد وقوع الأثر في الخارج يوجدان الربط المعنوي المذكور ، وظاهر أنّ هذا

٧٢٣

المعنى لا يتأتّى ولا يترتّب على الصيغة المركّبة إلّا بأن الموجب والقابل معاً إلى المعوّض المعيّن والعوض المعيّن ، ويقصد الموجب قابلاً معيّناً والقابل موجباً معيّناً ، فإنّ جعل الموجب ملك عينه للقابل بإزاء مال القابل ليصير له عوضاً عن عينه مع قبول القابل ـ على معنى إنشائه الرضا بما صنعه الموجب ـ يتضمّن القصد إلى تعيين المعوّض والعوض منهما ، والقصد إلى تعيين القابل من الموجب ، والقصد إلى تعيين الموجب من القابل.

فهذه القصود الأربع بعد حصول الصيغة المركّبة المقرونة بشروطها المذكورة معتبرة في تحقّق ماهيّة العقد بمعنى الربط المعنوي. ولكنّ الكلام في أنّ هذه القصود الأربع عين قصد المعنى المادّي وقصد المعنى الإنشائي وقصد وقوع الأثر في الخارج والاختلاف بينهما إنّما هو في مجرّد العبارة ، أو أنّها قصود انتزاعيّة تنتزع من القصود الثلاث المذكورة المعتبرة في السبب ، أو أنّها قصود مغايرة لها ولوازم منها؟ أوجه ، أوجهها الأخير فإنّها على ما يرشد إليه التأمّل قصود مستقلّة هي لوازم للقصود الثلاث المعتبرة في السبب ، فإنّ المعنى المادّي لقول البائع «بعتك داري بمائة» عبارة عن تمليك العين بعوض ، ومعناه الهيئي عبارة عن إيجاد نقل ملك هذه العين إلى المشتري بإزاء المائة ، وأثره عبارة عن انتقال ذلك الملك في الخارج إلى المشتري بإزاء انتقال ملك المائة في الخارج إلى البائع ، فالبائع بتلك الصيغة يقصد باعتبار مادّة البيع تمليك داره بعوض المائة بقصد إيجاد نقل ملكه في الدار إلى المشتري من الهيئة مع قصده لوقوع انتقال الملك له في الخارج بعوض انتقال ملك المائة إليه فيه ، والمشتري بقوله «اشتريت» يقصد إنشاء الرضا بما صنعه البائع من نقل ملك العين إليه لوقوع الانتقال له بإزاء وقوع انتقال المائة إليه في الخارج. وهذه القصود يستلزم القصد منهما إلى المعوّض المعيّن والعوض المعيّن ، والقصد من الموجب إلى القابل المعيّن ، ومن القابل إلى الموجب المعيّن قصداً تفصيليّاً أو إجماليّاً.

وبجميع ما ذكر يتبيّن ما هو الحقّ في المقام الأوّل ، وما هو الحقّ في المقام الثاني ، كما يتبيّن بالتأمّل فيما تبيّن في المقامين ما هو الحقّ في المقام الثالث ، وهو وقوع انتقال ملك كلّ من العوضين لمالك العوض الآخر ، فإنّ العقد بمعنى الربط المعنوي على الوجه المتقدّم بطبعه يقتضي ذلك مع كونه مقصوداً للمتعاقدين قصداً إجماليّاً ، وهذا هو معنى

٧٢٤

قاعدتهم المعروفة المعبّر عنها بأنّ «مقتضى المعاوضة وقوع ملك كلّ من العوضين لمالك العوض الآخر» فإنّ ذلك مأخوذ في مفهوم المعاوضة الّتي هي مفاعلة من العوض ، ولا تتحقّق إلّا بتبادل ملكي العوضين. ومن هنا عرّف البيع أهل اللغة بـ «مبادلة مال بمال» فإنّ المبادلة لا تصدق إلّا بصيرورة مال كلّ من البائع والمشتري بدلاً عن مال الآخر.

وقضيّة ذلك كلّه أنّه لو قصد البائع بنقل عين غيره إلى المشتري لينتقل ثمن المشتري إليه كما في البائع الفضولي ، أو قصد المشتري بجعل مال غيره ثمناً لينتقل عين مال البائع إليه كما في المشتري الفضولي ، أو قصد البائع نقل عينه إلى المشتري لينتقل الثمن من المشتري إلى غيره كولده مثلاً ، أو قصد المشتري بجعل ماله ثمناً انتقال عين البائع إلى غيره كولده مثلاً ، أن يقع ذلك القصد بجميع صوره الأربع لكونه على خلاف مقتضى المعاوضة وعلى خلاف مقتضى العقد بطبعه المقتضى للقصد الإجمالي لوقوع كلّ عوض بدلاً عن العوض الآخر لغواً غير مؤثّر فيما قصد.

ومن هنا ربّما توهّم وقوع التعارض بين القاعدة المشار إليها وقاعدة تبعيّة العقود للقصود ، لكون مفاد كلّ منافياً لمفاد الاخرى ، فإنّ قاعدة المعاوضة تقتضي دخول كلّ عوض في ملك مالك العوض الاخر لا غيره ، ومقتضى قاعدة تبعيّة العقود للقصود وقوع البيع في الصور المذكورة على حسب ما قصد من دخول العوض أو المعوّض في ملك غير مالك الآخر. فجمع بينهما بضابطة ورود الأصل الثانوي على الأصل الأوّلي وحكومة القاعدة الثانويّة على القاعدة الأوّليّة ، بتقريب : أنّ قاعدة المعاوضة أخصّ مورداً من قاعدة التبعيّة فتحكم عليها بإخراج موردها عن عمومها ، فيكون مفاد القاعدتين بعد الجمع بينهما أنّ العقود تابعة للقصود إلّا فيما قصد حصول الأثر في أحد العوضين لغير مالك العوض ، فإنّه يحصل لمالك العوض وإن قصد خلافه تحقيقاً لمفهوم المعاوضة وإحرازاً للعوضيّة والبدليّة.

أقول : ويمكن منع التعارض من أصله ، بدعوى أنّ المراد من القصود الّتي يتبعها العقود القصود الّتي هي مقوّمات للعقد اللفظي كقصد التلفّظ وقصد المعنى مادّة وهيئة ، والعقد المعنوي كقصد الأركان من المعوّض والعوض والموجب والقابل ووقوع ملك العوض لمالك المعوّض وبالعكس ليس من أركان العقد بل فائدته ، فلا يكون قصده من

٧٢٥

مقوّماته فلا يندرج في قاعدة التبعيّة.

والفرق بين هذا الاعتبار والاعتبار السابق أنّ ما سبق دفع للمنافاة بطريق التخصيص ، وهذا دفع لها بطريق التخصّص.

ولا ينتقض قاعدة المعاوضة بما يكثر وقوعه في عقد النكاح من جعل المهر المسمّى فيه من مال غير الزوج من أبيه أو غيره فإنّه يدخل في ملك الزوجة مع أنّ الزوجيّة غير حاصلة لمالكه الأصلي ، لعدم كون عقد النكاح من عقود المعاوضة ، فاعتبار المهر فيه ليس على وجه العوضيّة والبدليّة ـ ولذا صحّ بلا اعتبار مهر كما في مفوّضة البضع ـ بل إنّما يعتبر على وجه الشرطيّة فيكون خارجاً عن ماهيّة المعاوضة ، ولذا يتعدّى صيغة «أنكحت وزوّجت» بالنسبة إلى المهر بكلمة الاستعلاء للتنبيه على الشرطيّة ، لا بكلمة المقابلة المفيدة للعوضيّة.

ومن هذا القبيل ما يعتبر شرطاً في عقد البيع من مال آخر خارج عن الثمن لغير البائع ، كأن يقول : «بعتك الدار بمائة ، وشرطت عليك هذا الثوب لزيد» فإنّ زيداً يملكه مع عدم كونه مالكاً لأحد العوضين. والسرّ فيه أنّ هذا المال المشترط به خارج عن حقيقة المعاوضة ، لكونها متقوّمة بالمبيع والثمن ، وهذا شرط خارج عنهما.

وعلى هذا فلو قال الراهن للمرتهن : «بعه لنفسك» أو قال المالك لمن يستقرض منه مالاً : «بعه بشرط الخيار لنفسك» أو دفع مالاً إلى من يطلب منه الطعام ، وقال : «اشتر به طعاماً لنفسك» فإن أراد به البيع أو الاشتراء عنه مع الإذن في التصرّف في الثمن أو المثمن لم يناف قاعدة المعاوضة ، لكونه توكيلاً في البيع أو الاشتراء. وإن أراد به وقوع البيع أو الاشتراء عن نفسه ليقع ملك الثمن أو المثمن له لا للمالك ينافيها ، فلو باع أو اشترى حينئذٍ بقصد وقوع الملك لنفسه لم يؤثّر فيما قصد ، بل الوجه فيه وقوع القصد لغواً مع وقوع الأثر للمالك.

ومن ثمّ يقال : إنّ حكمهم ببطلان البيع في مثال الرهن واشتراء الطعام معناه عدم وقوعه للمخاطب ، لا أنّ المخاطب إذا قال : «بعته لنفسي أو اشتريته لنفسي» لم يقع لمالكه إذا أجازه ، فإنّ حكمهم بصحّة بيع الفضولي أو شرائه لنفسه ووقوعه للمالك يدلّ على عدم تأثير قصد وقوعه لغير المالك.

٧٢٦

ثمّ اعلم : أنّ التعيين المعتبر في المعوّض والعوض عبارة عن العهد بمعنى المعهوديّة ، بأن يكون كلّ منهما معهوداً عند المتعاقدين بأحد أسبابه الّتي منها الحضور ، ومنها الذكر والوصف ، وهو يتأتّى على وجهين :

أحدهما : العهد باعتبار كون كلّ منهما أو أحدهما شخصاً معيّناً في الخارج.

وثانيهما : العهد باعتبار إضافة كلّ منهما أو أحدهما إلى ذمّة شخص معيّن ، ومن هنا ينقسم مورد العقد بالنسبة إلى العوضين إلى الجزئي الحقيقي الموجود في الخارج والكلّي المعتبر وجوده في الذمّة ، فالعقد باعتبار المورد المنقسم إلى العين الشخصيّة والعين الكلّيّة يصحّ في صور أربع :

الاولى : أن يرد على عين شخصيّة بإزاء عين شخصيّة كأن يقول البائع : «بعتك هذا الكرّ من الطعام بهذا الألف» ويقول : «المشتري اشتريت هذا بهذا».

الثانية : أن يرد على عين كلّيّة في ذمّة البائع بإزاء عين كلّيّة في ذمّة المشتري ، كأن يقول : «بعتك كرّ طعام في ذمّتي بألف في ذمّتك» ويقول المشتري : «اشتريت».

الثالثة : أن يرد على عين شخصيّة بإزاء عين كلّيّة في الذمّة ، كأن يقول : «بعتك هذا الكرّ بألف في ذمّتك» ويقول المشتري : «اشتريت».

الرابعة : أن يرد على عين كلّيّة في الذمّة بإزاء عين شخصيّة كأن يقول : «بعتك كرّ طعام في ذمّتي بهذا الألف» ويقول المشتري : «اشتريت».

وحينئذٍ فلو ورد على عين مبهمة بإزاء عين مبهمة كأن يقول : «بعتك كرّ طعام بألف» من دون اعتبار كون الأوّل في ذمّة البائع ولا في ذمّة موكّله ، وكون الثاني في ذمّة المشتري ولا في ذمّة موكّله ، ويقول المشتري : «اشتريت» بطل. وكذلك لو ورد على عين معيّنة بإزاء عين مبهمة. أو على عين مبهمة بإزاء عين معيّنة ، والسرّ في البطلان عدم تحقّق العقد بمعنى الربط المعنوي مع الإبهام ولو في أحد العوضين ، فإنّ المراد به الربط المعنوي بين المالين وهو يتبع العهد بأحد الوجهين ، فالإبهام ولو في أحدهما مانع عن تحقّقه كما لا يخفى.

وأمّا التعيين المعتبر في المتعاقدين فلا يكون إلّا بكون كلّ منهما شخصاً معهوداً للآخر في الخارج فلا يمكن فيهما الكلّيّة ، فلو قال البائع : «بعتك كرّ طعام في ذمّة رجل

٧٢٧

بألف في ذمّة امرأة» بطل ، وكذلك لو قال : «بعتك كرّ طعام» متردّداً بين اعتبار كونه في ذمّته أو في ذمّة موكّله إذا اجتمع فيه جهتا الأصالة والوكالة بألف في ذمّتك ، أو قال : «بعتك كرّ طعام في ذمّتي بألف» متردّداً بين اعتباره في ذمّة المشتري أو في ذمّة وكيله إذا اجتمع فيه جهتا الأصالة والوكالة ، أو قال : «بعتك كرّ طعام بألف» متردّداً فيهما معاً ، لعدم تحقّق العقد بمعنى الربط المعنوي سواء اعتبرنا حصوله بين المالين أو بين المتعاقدين كما يظهر بالتأمّل.

ومن هنا يعلم عدم صحّة عقد النكاح فيما اعتبر الناكح أو المنكوحة كلّيّاً كما لو قال : «أنكحت امرأة من رجل على مهر كذا» أو قال : «أنكحت هذه المرأة من رجل على مهر كذا» أو قال : «أنكحت امرأة من هذا الرجل على مهر كذا» أو قال وليّ الصغيرة لوليّ الصغير : «أنكحت بنتي لابنك على مهر كذا» وله بنات متعدّدة من دون تعيين أو للقابل بنين متعدّدين من دون تعيين. والسرّ في البطلان أنّ العهد المعنوي في عقد النكاح لا بدّ وأن يحصل بين الناكح والمنكوحة ، وهو عبارة عن الزوجيّة الّتي إذا حصلت بين شخصين من الذكور والانثى صحّ أن يقال لأحدهما الزوج وللآخر الزوجة ، وهذه كما ترى غير حاصلة في الأمثلة المذكورة ونظائرها ، إذ لا أحد صحّ أن يقال له الزوج أو الزوجة. وأيضاً فإنّ الإنكاح والتزويج في مادّتي «أنكحت وزوّجت» عبارة عن المعنى الّذي يقال له في الترجمة الفارسيّة «زن را شوهر دادن يا مرد را زن دادن» وهذا كما ترى غير حاصل في الأمثلة المذكورة ونظائرها الّتي ضابطها إبهام أحد المتعاقدين أو كليهما. فظهر الفرق بين عقد البيع وعقد النكاح في جواز كون مورد الأوّل كلّيّاً وعدم جوازه في الثاني.

وبالتأمّل في جميع ما قرّرناه في المقامات الثلاث يعلم ما هو الحقّ في المقام الرابع ، وهو أنّه لا يعتبر في ترتّب الأحكام المترتّبة على العقود قصدها بل تترتّب قهراً قصد ترتّبها أو لم يقصد ، لعدم كونها من أركان العقد ليكون قصدها من مقوّماته ، بل هي أحكام رتّبها الشارع على موضوعات يحرزها العقود ، فإذا تحقّق الموضوع لزمه أن يترتّب عليه موضوعه وإن لم يقصد ترتّبه كسائر الأحكام المترتّبة على موضوعاتها بلا مدخليّة لقصد المكلّف في ترتّبها.

٧٢٨

ومن ذلك علم ما هو الحقّ في المقام الخامس أيضاً ، وهو عدم التأثير في قصد عدم ترتّب ما يترتّب على العقد بطبعه ، ولا في قصد ترتّب ما لا يترتّب على العقد بطبعه ، أمّا الأوّل فلما عرفت من أنّ ترتّب ما ذكر يتبع تحقّق موضوعه ، وكما أنّ قصد ترتّبه ليس شرطاً بل يترتّب قهراً ، وكذلك قصد عدم ترتّبه ليس مانعاً. وأمّا الثاني فلأنّ الشارع لم يجعل للعقد ولا الموضوع المحرز به نحو ذلك الأثر فلا تأثير لقصد ترتّبه ، لأنّ قصد المكلّف لا يجعل غير المجعول مجعولاً.

فظهر بجميع ما قرّرناه حقيقة المراد من قضيّة تبعيّة العقود للقصود ، وأنّ القصود الّتي يتبعها العقود هي القصود المقوّمات للعقد اللفظي ، وهي قصد التلفّظ وقصد المدلول مادّة وهيئة ، أو العقد المعنوي وهي قصد وقوع الأثر في الخارج ، وقصد تعيين العوضين والمتعاقدين.

٧٢٩

فصل

ومن شروط المتعاقدين على ما ذكره الأصحاب الحرّيّة ، واحترزوا بها عن بيع المملوك ـ ذكراً كان أو انثى ـ واشترائه وصلحه وسائر عقوده بدون إذن سيّده. وينبغي تحرير المقام بما يتشخّص به موضوع المسألة عن غيره ، فنقول : إنّ تصرّفات المملوك الّتي رتّب عليها الشارع أحكاماً وآثاراً على قسمين :

أحدهما : ما يترتّب عليه الآثار قهراً أذن فيه السيّد أو لم يأذن ورضي به أم لم يرض ، وهي التصرّفات الغير الإنشائيّة المندرجة في الأسباب الخارجة عن العقود والإيقاعات ، كغسله لثوب الغير أو بدنه وجنايته وقتله ، فإنّه لو جنى على حرّ أو رقّ يترتّب عليه أحكامه الشرعيّة المقرّرة في محلّه قهراً من غير توقّف له على إذن السيّد ورضاه ، وكذلك إتلافه مال الغير أو غصبه فإنّه يضمن بذلك مطلقاً ، غاية الأمر أنّه لا يطالب بردّ العوض إلّا بعد التحرّر لأنّه ما لم يتحرّر لا مال له وأنّ جميع ما في يده لو كان لسيّده.

وأمّا لو أتلف مال سيّده أو غصبه فالمصرّح به في كلامهم أنّه لا يضمن لسيّده بلا خلاف يظهر ، وقد نقل عليه الإجماع أيضاً كما عن التنقيح (١) وعلّله جماعة بأنّه ملك للسيّد ولا يعقل تعلّق الملك بالملك ، وهذا التعليل عليل لا لما عن المحقّق الأردبيلي من المناقشة فيه تمسّكاً بالعمومات المقتضية للضمان كعموم «من أتلف مال الغير فهو ضامن» وعموم «على اليد ما أخذت» لوضوح فساده ـ فإنّ العلّة وهي عدم

__________________

(١) التنقيح ٤ : ٦٧.

٧٣٠

المعقوليّة المدّعاة في التعليل لو كانت مسلّمة فدفعها بالتمسّك بالعمومات غير صحيح ، لأنّها بنفسها تنهض مخصّصة للعمومات لأنّها حكم عقلي لا يزاحمها العموم ـ بل لمنع عدم المعقوليّة الّذي هو في معنى الاستحالة العقليّة فإنّ العقل لا يستحيل تعلّق الملك بالملك بل الشرع أيضاً لا يأباه ، كيف وقد وقع في الشرع كما في مال الكتابة الّذي يملكه السيّد في ذمّة المكاتب خصوصاً المكاتب المشروط. فالوجه في دليل عدم الضمان هو الإجماع المنقول المعتضد بعدم ظهور الخلاف بل ظهور الإجماع.

وثانيهما : ما لا يترتّب عليه الأثر إلّا بإذن السيّد سابقاً أو لاحقاً ، كبيعه وشرائه وصلحه وسائر عقوده بل مطلق إنشاءاته حتّى الإيقاعات ، ومحلّ الكلام في المقام هو هذا القسم لا القسم الأوّل. وهذا القسم من التصرّفات قد يتكلّم في جوازها التكليفي وعدمه ، وقد يتكلّم في جوازها الوضعي وهو الصحّة وترتّب الأثر وعدمه.

أمّا الجهة الاولى : فالظاهر أنّه لا إشكال بل لا خلاف في عدم جوازها من دون إذن السيّد فيعصي بها وإن وقعت في مال غير السيّد كما لو باع مال الغير أو اشترى لنفسه في ذمّته ، لأنّه بنفسه وبدنه وجميع أعضائه وجوارحه حتّى لسانه ملك لسيّده ، فتصرّفه في نفسه وبدنه فعلاً وفي لسانه قولاً ما لم يكن مأذوناً فيه بالإذن الصريح أو الفحوى أو شاهد الحال تصرّف في ملك الغير من دون إذن مالكه ، فيكون قبيحاً عقلاً ومحرّماً شرعاً ، بل لا يختصّ القبح والحرمة من هذه الجهة بتصرّفاته الإنشائيّة ، بل يعمّ سائر أفعاله وأقواله الغير المأذون فيها من السيّد.

عدا ما استثنى بدليل عقل ، كضروريّات عيشه ولوازم حياته من التنفّس في الهواء والتحيّز في مكان ما وما أشبه ذلك.

أو بدليل شرع كما في واجباته الشرعيّة من صلاته وصومه وطهارته.

أو بسيرة كالأعمال أو الأقوال الجزئيّة الّتي ليس لها عوض وقيمة ـ كسلامه وكلامه العادي ، ودلالته إلى طريق وتعريفه لأحد ، وأخذه شيئاً من الأرض ودفعه إلى صاحبه ، وإعانته في الحمل ، ونحوه ، وما أشبه ذلك ، ممّا لم يتعلّق به اجرة من أفعال العقلاء ـ لقضاء السيرة القطعيّة المستمرّة بين المسلمين المنتهية إلى أعصار الأئمّة وزمان صادع الشريعة بجواز هذه التصرّفات وإن لم يكن أذن فيها السيّد.

٧٣١

ويمكن كون الجهة المسوّغة لها شهادة حال السيّد الّتي هي من أقسام الإذن ، وعليها مدار السيرة ، وحينئذٍ فلو منع السيّد عنها وجب اتّباعه فلو خالف أثم.

وكيف كان فجهة الجواز التكليفي في تصرّفات المملوك الإنشائيّة وغيرها أيضاً خارجة عن محلّ البحث ، بل البحث إنّما هو في الجواز الوضعي وعدمه ، والحرّيّة المعتبرة في شروط المتعاقدين معتبرة في الجواز الوضعي. وقضيّة كونها شرطاً توقّف الجواز على إذن السيّد سابقاً أو لاحقاً.

فليعلم أنّ المملوك في عقده بدون إذن سيّده ليس كالصبيّ ليقع تصرّفه من أصله باطلاً ، ولا كالحرّ المالك ليقع تصرّفه من حينه صحيحاً نافذاً ، بل هو كالحرّ الفضولي واسطة بينهما ، فيمتاز عن الصبيّ بكون الصبيّ كالمجنون مسلوب العبارة فليس في تصرّفه العقدي أهليّة التأثير ولا شأنيّة الصحّة بخلافه ، وعن الحرّ المالك بكون تصرّف الحرّ صحيحاً صحّة فعليّة فتصرّفه العقدي ببيع أو اشتراء أو صلح في ذمّته أو في مال سيّده أو في مال غير سيّده متأهّل للصحّة والتأثير ، ومن شأنه أن يترتّب عليه الأثر إلّا أنّ ترتّبه فعلاً عند مشترطي الحرّيّة يقف على إذن السيّد سابقاً أو لاحقاً ، وهذا هو المعروف من مذهب الأصحاب.

ومن هنا يعلم أنّ الحرّيّة من شروط المتعاقدين ليست كالبلوغ والعقل لأنّهما شرطان لأهليّة التأثير وشأنيّته ، بخلاف الحرّيّة فإنّ الأهليّة والشأنيّة حاصلة بدونها فهي شرط لفعليّة التأثير ، فتكون في إخراجها لعقد المملوك بدون إذن السيّد كالاختيار المخرج لعقد المكره لفقده الرضا وطيب النفس.

وقد يستشمّ من بعض العبارات كون إذن السيّد بالنسبة إلى عقد المملوك معتبرة في جوازه التكليفي لا الجواز الوضعي ، فليس في عقده الصادر منه من دون إذن السيّد في مال الغير إلّا العصيان ، وإلّا فجوازه الوضعي حاصل بدون إذنه ، بل هو ظاهر الشيخ في شرح القواعد حيث إنّه في شرح عبارة القواعد «ليس للمملوك أن يبيع أو يشتري» قال : «ليس يباح للمملوك أن يبيع أو يشتري لغير سيّده إلّا بإذن السيّد» فإنّه على ما حكي ظاهر كالصريح في أنّ الموقوف على إذن السيّد إنّما هو إباحة التصرّف وجوازه التكليفي ، وأصرح منه كلامه في الصور الّتي فرضها للمسألة :

٧٣٢

«منها : ما لو باع لغير سيّده بدون إذن السيّد ولا إذن المالك يكون عاصياً فضوليّاً ، فلو أجاز بعد ذلك المالك صحّ ولو أجاز السيّد لم ينفع ، لأنّ العصيان قد تحقّق سابقاً من جهة تصرّفه في ملك الغير وهو نفسه بغير إذن مالكه.

ومنها : ما لو باع بإذن المالك دون السيّد صحّ ، ويكون عاصياً ، بل ولو كان مع نهي السيّد لم يقدح في الصحّة أيضاً لتعلّقه بأمر خارج عن المعاملة.

ومنها : ما لو باع بإذن السيّد دون المالك يكون فضوليّاً غير عاصٍ ، فيقف الصحّة على إجازة المالك.

ومنها : ما لو باع بإذنهما صحّ ولا عصيان» (١) انتهى ملخّصاً.

وظاهر إطلاق كلام الأصحاب أنّه لا فرق في تصرّف المملوك ببيع أو اشتراء بين وقوعه على مال السيّد أو على مال غيره أو عدم وقوعه على مال أحد ، كما لو اشترى شيئاً في ذمّته بل هو صريح جماعة منهم الشيخ المتقدّم في عبارته المذكورة.

وبالتأمّل فيما ذكرناه ظهر أنّ البحث في عقد المملوك ليس من جهة كونه فضوليّاً حتّى يتوجّه إليه أنّ إفراده بالبحث مع اندراجه في عنوان عقد الفضولي الآتي ممّا لا وجه له لكون البحث في عقد الفضولي مغنياً عن البحث عنه بانفراده ، إذ ليس النظر هنا إلى حيثيّة وقوع التصرّف في مال الغير سيّداً كان أو غيره وهذا هو جهة الفضوليّة ، بل إلى حيث كونه تصرّفاً في نفسه ولسانه وهو ملك لسيّده وقد تصرّف فيه بغير إذن مالكه ، وهذه حيثيّة اخرى غير حيثيّة الفضوليّة ، ويظهر الثمرة فيما إذا اشترى شيئاً في ذمّته بغير إذن السيّد أو باع مال الغير بإذنه دون إذن سيّد بل ما لو باع مال الغير بغير إذنه وإذن سيّده ، فهل يتوقّف على إجازتين أو على إجازة واحدة وهي إجازة المالك فقط ولا يتوقّف على إجازة السيّد؟ ففي المقام جهتان من البحث :

إحداهما : توقّف الجواز الوضعي لتصرّف المملوك ببيع أو اشتراء أو نحوهما من حيث كونه تصرّفاً في ملك السيّد على إذن السيّد وعدمه.

واخراهما : كفاية الإجازة اللاحقة من السيّد في جوازه الوضعي أعني نفوذه

__________________

(١) شرح القواعد ٢ : ٦٦ ـ ٦٧.

٧٣٣

وترتّب الأثر عليه وعدمه.

فأمّا الجهة الاولى : فالظاهر توقّف نفوذ تصرّفاته الإنشائيّة على إذن السيّد سابقاً أو لاحقاً ، فبدونها تقع فاسدة ، للأصل ، والإجماع الّذي نقله سيّد الرياض (١) في كتاب الحجر ، ولقوله عزّ من قائل : «ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ» (٢) «وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ» فإنّ قوله : «لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ» (٣) صفة بعد صفة للجنس على حدّ قوله تعالى : «وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ» (٤) وحاصله أنّ عدم القدرة على شي‌ء من لوازم ماهيّة العبوديّة ، ولفظة «شي‌ء» نكرة في سياق النفي مفيدة للعموم ، فتدلّ باعتبار العموم على أنّ العبد المملوك لا يقدر على إجراء العقد وغيره من التصرّفات الإنشائيّة لأنّه أيضاً شي‌ء ، وظاهر أنّ ليس المراد بالقدرة المنفيّة هنا القدرة العقليّة ليكون نفيها إثباتاً للامتناع لكونه دفعاً للضرورة وتكذيباً للحسّ ، فإنّا نرى بالضرورة ونشاهد بالحسّ أنّ جميع مقدورات الأحرار مقدورة للعبيد فتحمل على إرادة الاستقلال. وحاصل مفاد الآية حينئذٍ أنّ العبد المملوك ليس كالحرّ ليكون مستقلّاً في تصرّفاته بحيث لا يتوقّف شي‌ء من تصرّفاته في نفسه على إذن غيره وإجازته بل لا يستقلّ في شي‌ء من تصرّفاته ، وهو كناية عن توقّف نفوذ تصرّفاته على إذن السيّد.

لا يقال : إنّ القدرة العقليّة إذا تعذّرت يحمل القدرة المنفيّة على القدرة الشرعيّة ليكون نفيها إثباتاً للمنع الشرعي ، وقضيّة ذلك أن يكون عقده بدون إذن سيّده ممنوعاً بالمنع الشرعي ، على معنى كونه منهيّاً عنه والنهي يقتضي الفساد ، وقضيّة ذلك أن يقع عقده فاسداً من حين وقوعه. لأنّ إرادة المنع الشرعي بهذا المعنى يأباه ما ورد في تصحيح نكاحه بعد إجازة السيّد من الروايات ، ومن ذلك قوله عليه‌السلام : «لم يعص الله وإنّما عصى سيّده فإذا أجاز جاز» (٥).

نعم ربّما أمكن المناقشة في الدلالة بحمل القدرة المنفيّة على المالكيّة ، وإطلاق عدم القدرة على شي‌ء عدم ملك شي‌ء ، يقال في مقام إظهار الفقر : «لا أقدر على شي‌ء»

__________________

(١) الرياض ٩ : ٢٥٤.

(٢) ٢ و ٣ النحل : ٧٥ و ٧٦.

(٤) الأنعام : ٣٨.

(٥) الوسائل ٢١ : ١١ / ١ ، ب ٢٤ نكاح العبيد والإماء ، التهذيب ٧ : ٣٥١ / ١٤٣٢.

٧٣٤

أي لا أملك شيئاً ، فتكون الآية في مقام بيان عدم مالكيّة المملوك شيئاً حتّى أنّ ما في يده لمولاه. وحاصل معناها حينئذٍ أنّه إذا حاز حطباً أو حشيشاً ليتملّك لا يملك ، ولو قبل هبة أو وصيّة ليتملّك الموهوب أو الموصى به لا يملك ، حتّى أنّه لو مات مورّث له لا يملك الإرث. وعلى هذا فالآية خارجة عن محلّ المقام فيسقط بها الاستدلال.

ويمكن دفعها بالروايات الّتي منها المرويّ عن الفقيه بسنده عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليه‌السلام قالا : «المملوك لا يجوز نكاحه ولا طلاقه إلّا بإذن سيّده ، قلت : فإن كان السيّد زوّجه بيد من الطلاق؟ قال : بيد السيّد «ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ» فشي‌ء الطلاق» (١) فإنّ استشهاد الإمام عليه‌السلام لنفي قدرته على الطلاق بالآية يأبى عن كون المراد بالقدرة المنفيّة هو الملك ، ولو سلّم فوجب حمل الملك على ما يعمّ ملك الطلاق ، لا خصوص الملك المعتبر في الأموال وحاصله السلطنة ، فمعنى أنّه «لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ» أنّه لا يتسلّط على شي‌ء حتّى إجراء العقد وإيقاع الطلاق ، ومرجعه إلى نفي استقلاله في التصرّفات الّتي منها تصرّفاته الإنشائيّة ، فليتدبّر.

وأمّا الجهة الثانية : ففي كفاية الإجازة المتأخّرة من السيّد في نفوذ تصرّفاته الإنشائيّة إشكال : من أنّ المنع هنا ليس لحيثيّة راجعة إلى العوضين اللذين يتعلّق بكلّ منهما حقّ المالك له فله أن يرضى بما وقع على ماله من التصرّف وله أن لا يرضى ، بل لحيثيّة راجعة إلى نفس الإنشاء الصادر من المملوك من حيث كونه تصرّفاً في نفسه الّذي هو ملك لسيّده. ووجه الفرق بينهما أنّ الإجازة على الحيثيّة الاولى إنّما تتعلّق بمضمون العقد وهو انتقال المال بعوض فيقع للمجيز ، وعلى الثانية تتعلّق بأصل الإنشاء من حيث كونه تصرّفاً خاصّاً في ملك الغير من دون إذنه فلا تنفع في رفع قبحه العقلي ولا في زوال تحريمه الشرعي الموجب للإثم والعصيان.

ومن عموم أدلّة وجوب الوفاء بالعقود المقتضي لنفوذ التصرّفات وترتّب الآثار عليها ، ولا ينافيه عدم استقلال العبد في تلك التصرّفات المستفاد من الآية المتقدّمة

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ١٠١ / ١ ، ب ٤٥ أبواب مقدّمات الطلاق ، التهذيب ٧ : ٣٤٧ / ١٤١٩.

٧٣٥

حسبما مرّ الإشارة إليه ، لأنّ قصارى ما يستلزمه عدم الاستقلال هو ثبوت مدخليّة للمولى فيها لا اشتراط نفوذها وترتّب الأثر عليها بإذنه السابق حتّى أنّه لو شكّ في الاشتراط كان التمسّك بالعموم لنفيه متّجهاً. وهو الأقوى ، للعموم ، ويؤيّده الأخبار الواردة في نكاحه الدالّة على أنّه لمولاه إن شاء أجاز وإن شاء لم يجز بل فرّق بينهما ، ومنها ما تقدّم من تعليل الصحّة بعد الإجازة بأنّه «لم يعص الله وإنّما عصى سيّده فإذا أجاز جاز».

نعم ربّما يشكل الحال في هذا التعليل من جهة أنّ نفي عصيان الله لا يجامع ما تقدّم من قبح الإنشاء عقلاً وتحريمه شرعاً ، من جهة كونه تصرّفاً غير مأذون فيه من مالكه خصوصاً على طريقة من يحمل العصيان في قضيّتي النفي والإثبات على عدم الإذن لا مخالفة الخطاب ، دفعاً للتدافع عمّا بينهما ، فيكون معناه أنّه لم يأت بما لم يأذن فيه الله بل أتى بما لم يأذن فيه السيّد فإذا أجاز صحّ.

ويمكن الذبّ عنه بحمل العصيان المنفيّ بالنسبة إليه تعالى على إرادة أنّ هذا العقد من حيث كونه هذه المعاملة الخاصّة ليس ممّا نهى عنه الله تعالى ليكون من المعاملة المنهيّ عنها لنفسها ويكون النهي مقتضياً لفساده بل عصى سيّده الّذي نهاه عنه ، وهذا لا ينافي قبحه ولا حرمته من حيث كونه تصرّفاً في ملك السيّد من دون إذنه ، وهذا النهي لا يقتضي الفساد حتّى ينهض مخصّصاً للعمومات المقتضية للصحّة لتعلّقه بأمر خارج عن المعاملة ، لوضوح أنّ التصرّف في ملك الغير من دون إذن المالك أمر خارج عن المعاملة ، حتّى أنّ مخالفة السيّد المنهيّ عنها أيضاً أمر خارج عن المعاملة.

فلا يرد أنّ معصية السيّد تستلزم معصية الله تعالى فكيف ينفى أوّلاً ، فإنّ المنفيّ هو المعصية اللازمة من النهي عن النكاح من حيث كونه هذه المعاملة الخاصّة ، فيكون حاصل معنى التعليل منطوقاً ومفهوماً أنّه إذا عصى الله في عقد باعتبار كونه في نفسه ممّا نهي عنه كان باطلاً لعدم تصوّر رضا الله بما سبق من معصيته ، وأمّا إذا لم يعص الله وعصى سيّده أمكن رضا سيّده فيما بعد بما لم يرض به سابقاً فإذا رضي به وأجاز صحّ.

ومحصّله أنّ معيار الصحّة في معاملة المملوك بعد كون المعاملة في نفسها ممّا لم ينه عنه الشارع هو رضا سيّده بوقوعه سابقاً أو لاحقاً ، وأنّه إذا عصى سيّده بمعاملة

٧٣٦

ثمّ رضي السيّد بها صحّت. فما قيل : من أنّ معصية السيّد لا يزول حكمها برضاه بعده وأنّ الرضا اللاحق غير نافع ، كما نقل عن طائفة من العامّة (١) غير سديد.

وعن الشيخ في شرح القواعد (٢) الاستشهاد بهذه الرواية وغيرها في قوله المتقدّم بصحّة عقد العبد ، وإن لم يسبقه إذن ولم يلحقه إجازة بل ومع سبق النهي أيضاً ، لأنّ غاية الأمر هو عصيان العبد وإثمه في إيقاع العقد والتصرّف في لسانه الّذي هو ملك للمولى ، لكنّ النهي مطلقاً لا يوجب الفساد خصوصاً النهي الناشئ عن معصية السيّد ، كما يومئ إليه هذه الأخبار الدالّة على أنّ معصية السيّد لا تقدح بصحّة العقد.

وردّ بأنّ الروايات واضحة الدلالة على أنّ الصحّة من جهة ارتفاع كراهة المولى وتبدّله بالرضا بما فعله العبد ، وليس ككراهة الله عزوجل بحيث يستحيل رضاه بعد ذلك بوقوعه السابق ، فكأنّه قال : «لم يعص الله» حتّى يستحيل تعقّبه للإجازة والرضا ، وإنّما عصى سيّده فإذا أجاز جاز ، فقد علّق الجواز صريحاً على الإجازة ، ويدلّ بالمفهوم على عدم الجواز بعدم الإجازة.

أقول : والأظهر في معنى هذه الروايات كما بيّنّاه أن يحمل نفي معصية الله على انتفاء النهي عن معاملة العبد في نفسها ، فلا يكون عقده من المعاملة المنهيّ عنها لنفسها حتّى يوجب النهي الفساد. وهذا لا ينافي كونها منهيّاً عنها من حيث إنّها تصرّف في ملك المولى بغير إذنه ، أو من حيث كونها معصية للمولى لأنّ كلاًّ من ذلك أمر خارج عن حقيقة المعاملة ، والنهي عنها باعتبار الأمر الخارج لا يوجب الفساد. وبالجملة النهي المتصوّر بالنسبة إلى عقد العبد على وجوه : النهي عنه في نفسه ليكون من المعاملة المنهيّ عنها لنفسها ، والنهي عنه من حيث كونه تصرّفاً غير مأذون فيه ، والنهي عنه من حيث كونه معصية للسيّد إمّا بمعنى عدم إذنه فيه أو بمعنى كونه مخالفة لنهيه ، والمنفيّ بقوله عليه‌السلام : «لم يعص الله» هو الوجه الأوّل ، وهو لا ينافي ثبوت النهي على الوجه الثاني أو الثالث.

ودعوى : أنّ قوله : «لم يعص الله» مطلق وإطلاقه يقتضي انتفاء النهي بجميع وجوهه

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ١١٤ / ١ ، ب ٢٤ نكاح العبيد والإماء ، التهذيب ٧ : ٣٥١ / ١٤٣٢ ، المغني لابن قدامة ٦ : ٥١٥.

(٢) شرح القواعد ٢ : ٦٩.

٧٣٧

فما معنى الفرق والتفصيل ، مدفوعة بأنّ إطلاق الدليل اللفظي لا يعارض الحكم العقلي ولا يدافع الضرورة ، وحرمة التصرّف في ملك الغير من دون إذنه تنشأ من القبح العقلي ، وحرمة معصيته السيّد ثابتة بضرورة الدين ، فإنّ من ضروريّاته حرمة معصية العبيد لمواليهم ، فقضيّة الجمع بينه وبينهما تقييد الإطلاق بالنهي النفسي الغير المنافي لثبوت القبح العقلي والتحريم الضروري. نعم ربّما يتّجه الدعوى المذكورة في الجملة إن صحّ منع القبح العقلي من هذا النحو من التصرّف ، كما يلوح ذلك عن بعض مشايخنا (١) حيث منع في أثناء كلامه حرمة هذا النوع من التصرّفات الجزئيّة تمسّكاً بالسيرة المستمرّة على مكالمة العبيد ونحو ذلك من المشاغل الجزئيّة ، إلّا أنّها لا تتمّ بالنسبة إلى حرمة معصية السيّد ، لكون الضرورة المثبتة لها ممّا لا يمكن الاسترابة والتشكيك فيها.

فرع : لو أمره أحد باشتراء نفسه من مولاه عنه بمال فذهب إلى مولاه وقال : «أمرني أو وكّلني فلان بأن أشتري نفسي منك عنه بكذا» فإن قال المولى : «أنت مأذون في قبول الوكالة» ثمّ قال : «بعتك من فلان بكذا» فقال العبد : «قبلت أو اشتريت» فلا إشكال في الصحّة ، لسبق الإذن في قبول الوكالة على البيع إيجاباً وقبولاً.

وإن قال : «بعتك من فلان بكذا» من دون سبق الإذن صريحاً ، فقال العبد : «قبلت» فالظاهر أيضاً وفاقاً لجماعة منهم الفاضلان في القواعد (٢) والشرائع (٣) الصحّة ، لأنّ قول السيّد «بعتك» مع كونه إيجاباً للبيع إجازة ضمنيّة للعبد في قبوله الوكالة بناءً على أنّه في ذهابه إلى سيّده ليشتري نفسه قصد قبول الوكالة وهو قبول فعلي يكفي في باب الوكالة ، أو أنّه مع كونه إيجاباً للبيع إذن ضمني للعبد في قبول الوكالة بناءً على عدم قصده القبول بالفعل المذكور.

فقول العبد : «قبلت» قبول للبيع حصل بعد قبول الوكالة المأذون فيه ، لا بمعنى أنّ القبول حصل في ضمن قبول البيع حتّى يقال إنّ جزءاً من لفظ «قبلت» ولو أوّل حرف منه حصل قبل تماميّة الوكالة ، بل بمعنى أنّ إخراج العبد نفسه في معرض قبول البيع بعد إيجاب السيّد قبول فعلى ، غاية الأمر عدم اتّصال القبول بإيجاب الوكالة وهو غير

__________________

(١) المكاسب ٣ : ٣٤١.

(٢) القواعد ٢ : ٣٥٢.

(٣) الشرائع ٢ : ١٩٨.

٧٣٨

قادح في باب الوكالة ، كما لا يقدح عدم قابليّة العبد للقبول في زمان الإيجاب من جهة عدم انعقاد الوكالة بعد ، لأنّ هذا الشرط ليس على حدّ غيره من الشروط كالبلوغ والعقل حتّى يعتبر وجوده من حين الشروع في الإيجاب مستمرّاً إلى الفراغ عن القبول ، بل هو كإذن مالك الثمن في المشتري الفضولي إذا حصل بعد إيجاب البيع وقبل قبوله يكفي حصوله في الأثناء.

وعن القاضي ابن البرّاج القول ببطلان البيع في المسألة ، تعليلاً بأنّ عبارة العبد عبارة السيّد فيتّحد الموجب والقابل.

والتعليل عليل ، إذ لو أراد به أنّ عبارة العبد عين عبارة السيّد ، فهو مكابرة للوجدان ومدافعة للبداهة. ولو أراد به أنّ عبارته بمنزلة عبارة السيّد في الأحكام ، فكما أنّ عبارة «قبلت» إذا صدرت من السيّد بعد الإيجاب كان من اتّحاد الموجب والقابل فكذا ما هو بمنزلته. ففيه أوّلاً : منع المنزلة والمشاركة في الأحكام ، إذ لا دليل عليها. [وثانيا] : منع البطلان من جهة اتّحاد الموجب والقابل بالذات ، لأنّ التغاير بالاعتبار كافٍ في الصحّة.

وأضعف منه الاسترابة في الصحّة باعتبار اتّحاد المبيع والمشتري ، وهو خلاف القانون المقرّر في البيع من لزوم تغايرهما ، ولذا عدّ أركانه أربعة المتعاقدان والعوضان. ووجه الضعف عدم كون المشتري هو العبد فإنّه قابل على حسب الوكالة والمشتري هو الموكّل ، هذا كلّه إذا أمره بالاشتراء من المولى.

ولو أمره بالاشتراء من وكيل المولى ، فعن جماعة منهم المحقّق والشهيد الثانيان في جامع المقاصد (١) والمسالك (٢) عدم الصحّة ، لعدم الإذن من المولى في قبول الوكالة.

ويمكن القول بالصحّة فيه أيضاً بدعوى تحقّق الرضا من المولى بوكالة عبده من إطلاق توكيل وكيله في بيع عبده ، فإنّ إطلاق الوكالة يقتضي الرضا ببيعه من الأصيل أو من الوكيل مع إطلاقه في الوكيل بالنسبة إلى عبده أو غيره.

فلا حاجة إلى توجيه الصحّة بأنّ غاية ما هنالك النهي عن قبول الوكالة باعتبار التصرّف في ملك الغير وهو لا يوجب الفساد سيّما إذا كان باعتبار أمر خارج عن

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٦٨.

(٢) المسالك ٣ : ١٥٣.

٧٣٩

حقيقته ، حتّى يردّ بأنّ وجه المنع ليس هو النهي بل عدم استقلال العبد في شي‌ء من تصرّفاته المستفاد من آية أنّه «لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ» المقتضي لاعتبار إذن السيّد سابقاً أو لاحقاً في الصحّة والنفوذ ، والمفروض أنّ الإذن غير حاصل. وإن كان يمكن دفع هذا الردّ بما استكشفناه من إطلاق الوكالة من تحقّق الرضا من السيّد بوكالة عبده كرضاه بوكالة غيره ، ولكنّ المسألة بعد محلّ تأمّل من جهة خفاء الفرد ، فليتدبّر.

٧٤٠