ينابيع الأحكام - ج ٥

السيّد علي الموسوي القزويني

ينابيع الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيّد علي الموسوي القزويني


المحقق: السيد عبد الرحيم الجزمئي القزويني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-470-850-3
الصفحات: ٩٣٥
الجزء ١ الجزء ٥

حجّة لمكان انتقاض أحد الأصلين بيقين تجدّد ملك مردّد في النظر والأصل الآخر مشتبه به فسقط عن الحجّية ، فيبقى أصالة عدم سلطنتهما على الترادّ سليمة ، وهي تقضي بعود العين إلى الناقل على معنى صيرورتها ملكاً له ليكون الأصل المذكور بالقياس إليه مثبتاً ، لأنّا لسنا بصدد إثبات الملك للناقل بل بصدد بيان عدم عود الجواز بمعنى السلطنة على الاسترجاع ، والأصل المذكور كافٍ في ذلك ولا حاجة إلى إثبات الملك الناقل فتدبّر.

ومن طريق بيان كون نقل العينين كالتلف ملزماً للمعاطاة يعلم أنّه لا فرق فيه بين النقل مع العوض ـ كالأمثلة المتقدّمة ـ والنقل بلا عوض كالهبة الغير المعوّضة لذي رحم والصدقة والوقف ، لأنّ الجهة المقتضية للّزوم وهو امتناع الترادّ مشترك اللزوم بينهما.

وفي حكم نقل الملك في إفادة اللزوم الإخراج عن الملك كالعتق لكونه فكّ ملك ، والوقف العامّ على القول بكونه فكّاً للملك لامتناع الترادّ معه أيضاً. بل ومن تضاعيف المسألة يظهر أنّه لا يجوز لهما ترادّ بدلي العينين فيما لو غصب العينين غاصب وأتلفه فرجعا عليه ببدلهما مثلاً أو قيمة ، إذ المقتضي لجواز المعاطاة إنّما اقتضاه في نفس العينين لا البدلين ، هذا كلّه في النقل اللازم. ولو كان النقل جائزاً كالهبة الغير المعوّضة لغير ذي رحم والبيع أو الصلح بطريق المعاطاة مثلاً فالظاهر أنّه كالنقل اللازم في إفادة اللزوم ليس لكلّ من المتعاطيين إلزام الناقل باسترجاع عينه ، ولا رجوعه بنفسه إلى عينه ، أمّا الأوّل فلأصالة عدم سلطنته على الإلزام ، وأمّا الثاني فلأنّ أثر المعاطاة في العين قد زال بالنقل المفروض ، والأثر المتجدّد فيها حاصل عن سبب آخر ولا سلطنة له على إزالة ذلك الأثر.

وأمّا نقل إحدى العينين فالظاهر أنّه كنقل ملك العينين في إفادة اللزوم من غير خلاف يظهر ، فليس لصاحب العين المنتقلة إلى الغير الرجوع بها ، ولا لصاحب العين الباقية الرجوع بعينه ، أمّا الأوّل فلأنّ أثر المعاطاة قد زال عنها والأثر المتجدّد ليس من المعاطاة فلا سلطنة له على إزالته ، وأمّا الثاني فلأنّه إمّا أن يرجع بعينه الباقية بلا عوض عمّا نقله لمالكه الأصلي أو يرجع بها مع العوض مثلاً أو قيمة ، والأوّل باطل للزوم الجمع بين العوض والمعوّض وكذلك الثاني لأصالة عدم استحقاق صاحب العين

٥٦١

المنتقلة لغرامة عينه مثلاً أو قيمة. ولو كان النقل المفروض جائزاً فليس لمالك العين المنتقلة إلى الغير إلزام الناقل بالرجوع بها ولا رجوعه بنفسه إليها ، لما تقدّم في نقل العينين كذلك.

وأمّا نقل البعض من كلّ من العينين أو نقل بعض إحدى العينين على وجه اللزوم أو الجواز فيجري فيهما كلّ ما تقدّم في المسألتين المتقدّمتين في تلف البعض منهما أو من إحداهما ، ولا حاجة إلى الإعادة والتكرار.

المسألة الرابعة : في تغيير العينين معاً أو إحداهما ، وهو إمّا تغيير ذاتي كجعل الحَبّ زرعاً والبيضة فرخاً والخشب فحماً وغير ذلك من موارد الاستحالة ، أو اسمي كجعل الحنطة طحيناً والطحين عجيناً والعجين خبزاً وجعل العنب عصيراً والعصير دبساً أو خلّاً وما أشبه ذلك من موارد تبدّل الاسم مع بقاء الحقيقة ، أو وصفي كصبغ الثوب أو فصله أو خياطته ، أو حالي كمزج العين بمثلها بحيث لا يتمايزان كالحنطة بحنطة اخرى والدهن بدهن آخر ونحو ذلك ، ومدرك اللزوم وعدم اللزوم في هذه الأقسام جريان أصالة البقاء وعدم جريانها.

ففي القسم الأوّل : ينبغي القطع باللزوم لامتناع الترادّ ، وعدم جريان أصالة البقاء لعدم بقاء الموضوع باعتبار تبدّل الحقيقة من جهة الاستحالة.

وأمّا القسم الثاني : ففي اللزوم وعدمه وجهان ، من عدم جريان أصالة العدم لتبدّل موضوع المستصحب من جهة تبدّل الاسم ، ومن جريانها نظراً إلى بقاء الموضوع فإنّ موضوع جواز الرجوع هو هذا الشخص الخارجي وحقيقته غير متبدّلة بحقيقة اخرى وإن تبدّل اسمه. وأمّا التكلّم في تبدّل الموضوع وعدمه هنا فهو مبنيّ على النظر في أنّ موضوع المستصحب هل هو الأمر العرفي أو الأمر الحقيقي؟ ولا يبعد ترجيح الأوّل لضابط أنّ المعيار في إحراز بقاء الموضوع وعدم بقائه في الاستصحاب إنّما هو كون القضيّة المشكوكة في الآن اللاحق هو القضية المتيقّنة في الزمان السابق بعينها وكونها غيرها ، وموضوع القضيّة المتيقّنة هنا في الأمثلة المتقدّمة هو الحنطة أو العنب مثلاً وفي القضيّة المشكوكة الطحين أو العصير مثلاً ، وهما متغايران عرفاً ، ولذا لو أراد من طحن الحنطة ردّ الطحين إلى صاحب الحنطة بعنوان الرجوع قهراً عليه يمتنع من قبوله معتذراً

٥٦٢

بأنّي لم أبعك الطحين وإنّما بعتك الحنطة وإن كنت تريد الترادّ فردّ إليّ حنطتي ، وهذا آية كون الموضوع عرفيّاً.

وأمّا القسم الثالث : فالّذي يتراءى في بادئ النظر هو الإذعان بعدم اللزوم ، لأصالة البقاء نظراً إلى عدم تبدّل الموضوع حقيقة ولا اسماً كما لا يخفى ، إلّا أنّه قد يقال باللزوم تعليلاً «بأنّ الجواز قد أثبته الدليل في عين ما أثّر فيه المعاطاة» ومن البيّن أنّ ما حصل فيه الأثر هو العين بصفة خاصّة وقد زالت عنها الصفة ، فإنّ الصفات قد تملك تبعاً لملك العين ويتعلّق بها ضمان القيمة بالغصب والإتلاف لو كانت متموّلة ، وبالجملة أثر المعاطاة إنّما حصل في المجموع من العين وصفاتها فإذا زالت تلك الصفات زال عين ذلك الأثر ومعه لا يبقى محلّ للرجوع.

وقد يقرّر ذلك بأنّ الصفات تنزّل منزلة الأجزاء فزوال وصف العين بمنزلة زوال جزئها من حيث إنّها عين مملوكة بالمعاطاة وزوال جزء العين تلف للعين ، وقد تقدّم أنّ التلف يوجب اللزوم لعدم إمكان الترادّ.

وفيه نظر ، لمنع مدخليّة الصفة في الموضوع عرفاً ، ولا بدّ في محلّ الاستصحاب من تغيير في صفة أو حالة ، والمعيار جريان أصالة البقاء ولا مانع منه من جهة تغيير الوصف ، لبقاء الموضوع عرفاً.

نعم قد يفصّل بين أن يتضرّر المالك الأصلي المرجوع إليه بتغيير الوصف وأن لا يتضرّر ، كما عن الشيخ في شرح القواعد جعل المدار في جواز الرجوع على عدم الضرر مع إمكان الردّ قائلاً : «بأنّا نعلم من تتبّع كلام القوم والنظر إلى السيرة القاطعة أنّ الجواز مشروط بإمكان الردّ وبالخلوّ عن الضرر المنفيّ بحديث (١) «الضرار» (٢).

وهذا التفصيل ليس ببعيد بل جيّد ، وحيث يجري قاعدة نفي الضرر لا تأثير لأصالة البقاء لورود القاعدة عليها.

وأمّا القسم الرابع ففيه وجوه : اللزوم وسقوط الرجوع مطلقاً لامتناع الترادّ ، الجواز مطلقاً لأصالة بقاء سلطنة المالك الأصلي على ماله الممتزج بمال الغير فيصير شريكاً

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٣ و ٤ ، ب ١٧ أبواب الخيار.

(٢) شرح القواعد ٢ : ٢٩.

٥٦٣

مع مالك المال الممتزج به ومعها يمكن الترادّ بالقسمة ، والفرق بين المزج بالأجود فتلزم ـ لئلّا يلزم الضرر على مالك الأجود بذهاب بعض من أجوده إلى مالك غير الأجود ـ وبين المزج بالمساوي أو الأردأ فلا تلزم ، والفرق بين القول بالملك فسقط الرجوع لامتناع التراد والقول بالإباحة فلا يسقط لأنّ الأصل بقاء تسلّط المالك على ماله الممتزج بمال الغير فيكون شريكاً. والقول المحقّق من هذه الوجوه في اثنين منها ، أحدهما : الوجه الأوّل نسب القول به في المسالك إلى جماعة فيما يأتي من عبارته ، والآخر : الوجه الأخير اختاره شيخنا (١) قدس‌سره.

وأمّا الوجه الثالث فقد ذكره في المسالك احتمالاً لا اختياراً حيث قال : «لو اشتبهت بغيرها أو امتزجت بحيث لا يتميّز فإن كان بالأجود فكالتلف ، وإن كان بالمساوي أو الأردأ احتمل كونه كذلك لامتناع الترادّ على الوجه الأوّل واختاره جماعة ، ويحتمل العدم في الجميع لأصالة البقاء» (٢) انتهى.

ومن ذيل العبارة يلوح أنّه ذكر الوجه الأوّل احتمالاً لظهور الجميع في الثلاثة ، ولو حمل على إرادة المساوي والأردأ كان ذكراً للوجه الثالث احتمالاً ، وكيف كان فأصحّ الوجوه وأقواها هو الوجه الأوّل وفاقاً للجماعة ، لامتناع الترادّ بقول مطلق ، فإنّ دليل الجواز في المعاطاة إنّما اقتضى جواز الترادّ ما دام ممكناً وحيث امتنع كما فيما نحن فيه سقط الجواز.

لا يقال : إنّ الترادّ ممكن بالقسمة بعد التزام حصول الشركة. لأنّ الشركة المتوهّمة إن اريد بها ما يحصل على القول بالملك فهو غير صحيح ، لأنّ القسمة في اصطلاح الشرع عبارة عن اجتماع حقوق الملّاك في مال على سبيل الإشاعة ، وما نحن فيه من اجتماع ملكي مالك واحد فلا يصدق عليه الشركة بالمعنى المذكور.

وإن اريد بها ما يحصل على القول بالإباحة ، وعليه فإن اريد بها الشركة بالمعنى الشرعي فلا موجب ، والأصل عدمها ، لأنّها تقتضي انتقالاً وتملّكاً لكلّ من المتعاطيين في كلّ جزء من أجزاء المالين على سبيل الإشاعة والأصل ينفيه. وتوهّم : أنّ هذا

__________________

(١) المكاسب ٣ : ٩٩.

(٢) المسالك ٣ : ١٥٠.

٥٦٤

الأصل يعارضه أصالة بقاء سلطنة المالك على ماله الممتزج ، يدفعه كون الأصل المذكور سببيّاً فيكون وارداً على أصالة بقاء السلطنة.

وإن اريد بها الشركة بمعنى اشتباه المال الممتزج بالممتزج به فهو مسلّم إلّا أنّ الموجب لامتناع الترادّ هو هذا الاشتباه.

وتوهّم : إمكان الترادّ على هذا التقدير بالقرعة الّتي هي لتعيين المعيّن في الواقع المشتبه في الظاهر كما احتمله بعضهم ، يدفعه عدم الجابر لعموم أخبار القرعة بالنسبة إلى هذا المورد وبدونه لا اعتبار بالقرعة. ولو اشتبه إحدى العينين بعين اخرى مثلها على وجه الشبهة المحصورة لا الامتزاج فالظاهر سقوط الرجوع لامتناع الترادّ أيضاً مع الاشتباه. واحتمال التعيين بالقرعة مدفوع بما عرفت.

وينبغي ختم الباب بإيراد امور مهمّة :

الأمر الأوّل : فيما يتعلّق بالمنافع المستوفاة من العين والنماءات المتجدّدة منها بعد المعاطاة من لبن أو صوف أو نتاج في الحيوان أو ثمار في النخيل والأشجار ، فهذا يتضمّن مسألتين :

الاولى : لو رجع بالعين بعد ما استعملها من هي بيده واستوفى منافعها إلى زمان الرجوع بالعين ـ كسكنى الدار وركوب الدابّة واستخدام الأمة ـ لا يرجع بأُجرة المنافع المستوفاة ، كما نصّ عليه في المسالك (١).

والظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه ، وهو المطابق للصواب الموافق للقواعد ، من غير فرق فيه بين القول بالملك والقول بالإباحة.

أمّا على الأوّل فلأنّه إنّما استوفاها في ملكه على معنى كونها ملكاً له تبعاً لملك العين فلا يعقل الاجرة عليها ، مضافاً إلى أصالة عدم استحقاقه الاجرة وأصالة براءة ذمّة المستوفي لها عن وجوب ردّ الاجرة.

وأمّا على الثاني فلأنّه إنّما استوفاها بإذن المالك حيث أباح له التصرّفات الّتي هي في معنى إباحة المنافع ، فتلفها مستند إلى تسليط المالك فلا يعقل كونها مضمونة عليه.

__________________

(١) المسالك ٣ : ١٥٠.

٥٦٥

الثانية : لو حصل من العين نماء فإن كان تالفاً لم يرجع صاحبها بغرامته ، وإن أتلفه من هي بيده كما في المسالك (١). والظاهر أنّ هذا أيضاً ممّا لا خلاف فيه ، من غير فرق فيه بين ما لو تلفت العين أيضاً وما لو بقيت رجع بها صاحبها أو لا ، ولا بين القول بالملك أو الإباحة ، لما عرفت من أنّه على الأوّل إتلاف للملك فلا يستتبع ضماناً ، وعلى الثاني إتلاف مستند إلى تسليط المالك وإذنه فلا يوجب ضماناً أيضاً.

وإن كان باقياً فهل يرجع به صاحب العين أو لا؟ فنقول : إنّ له صوراً ثلاث لأنّ بقاءه إمّا أن يكون مع تلف العين ، أو مع بقائها وأراد الرجوع به دونها ، أو أراد الرجوع بهما معاً.

أمّا الصورة الاولى : فقد يقال بأنّ الحكم فيه من حيث جواز الرجوع به وعدمه يختلف على القول بالإباحة والقول بالملك ، إذ على الأوّل لا ينبغي التأمّل في جواز الرجوع به لكونه ملكاً له قبل تلف العين تبعاً لملك العين فكذلك بعده استصحاباً للحالة السابقة ، وكون تلف العين ملزماً له أيضاً لا يتمّ إلّا بكونه مملّكاً له لمن بيده تلف العين ، وهذا يحتاج إلى دليل وهو مفقود ، والأصل يقتضي بقاءه على ملك مالك العين وعموم «الناس مسلّطون على أموالهم» يقتضي تسلّطه على الرجوع به. وعلى الثاني في اللزوم وعدمه وجهان : من أنّ النماء كما أنّه تابع للعين في الملك فيكون ملكاً لمن له ملك العين فكذلك تابع لها في وصف الملك من حيث اللزوم والجواز فيلزم بلزوم العين وحيث إنّ التلف يوجب اللزوم في العين فيلزم النماء أيضاً تبعاً لها ، ومن أنّ اللزوم بالنسبة إلى العين بالتلف إنّما التزمناه لضرورة امتناع الترادّ والضرورة تتقدّر بقدرها ، والرجوع إنّما تعذّر بالتلف بالنسبة إلى العين وهو بالنسبة إلى النماء غير متعذّر فلا ضرورة للزومه فيكون جائزاً.

وأمّا الصورة الثانية (٢) : فيحتمل فيها القول بالجواز لأنّه كما يتبع العين في الملك فكذلك يتبعها في الجواز واللزوم فله أن يرجع به كما أنّ له أن يرجع بالعين ، والقول باللزوم لمن بيده العين لأنّ الجواز وصف فيما وقع عليه المعاطاة والنماء ليس منه ،

__________________

(١) المسالك ٣ : ١٥٠.

(٢) في الأصل : الثالثة.

٥٦٦

والقول بالتفصيل بين القول بالملكيّة فيلزم ، والقول بالإباحة فيجوز الرجوع به.

وأمّا الصورة الثالثة : فيجري فيها الوجوه المذكورة أيضاً بالقياس إلى النماء ، وتحقيق المقام أنّه لمّا كان مبنى المسألة على قاعدة التبعيّة فلا بدّ من التكلّم في تلك القاعدة ، فنقول : إنّ التبعيّة قد تلاحظ بالنسبة إلى أصل الملك ، وقد تلاحظ بالنسبة إلى وصفه من حيث الجواز واللزوم ، أمّا بالنسبة إلى أصله فالظاهر أنّ التبعيّة فيه ثابتة في الجملة وأنّها إجماعيّة فالنماء ملك لمالك العين سواء على القولين بالملكيّة وبالإباحة ، غاية الأمر أنّه على الأوّل ملك لمن هي بيده لأنّها ملك له ، وعلى الثاني ملك للمبيح لأنّها ملك له.

ولكن قد يورد عليه بأنّ السيرة في خصوص المعاطاة قائمة بملكيّة النماء لمن بيده العين مطلقاً حتّى على القول بالإباحة ، ودعوى السيرة إن صحّت كانت السيرة مخصّصة للقاعدة المجمع عليها ، ولكن قيامها بالملكيّة على الوجه المذكور محلّ شكّ عندنا ، وهذا يوجب كون القاعدة في معقد الإجماع مجملة ثابتة على وجه القضيّة المهملة ، فلا بدّ بالقياس إلى النماء في مورد المعاطاة من الرجوع إلى الاصول والأخذ بما يقتضيه الأصل ، فنقول : لا شبهة في أنّ النماء بتجدّده من العين صار ملكاً مردّداً بين مالكها ومن هي بيده ، ولو قيل : الأصل عدم دخوله في ملك من هي بيده ، يقال : الأصل عدم دخوله في ملك من هي ملك له ، والأصلان يتساقطان فيرجع إلى أصل ثالث ، وهو أصالة عدم تسلّط المبيح على الرجوع به واسترجاعه ممّن هو بيده. وقضيّة هذا الأصل عدم التبعيّة في وصف الملك وهو الجواز على القول بالملكيّة ، فإنّ الأصل عدم تسلّط المالك الأصلي للعين على استرجاع نمائها من مالكه وهو مالك العين سواء كانت العين تالفة أو باقية أراد الرجوع بالعين أو لا. فتقرّر أنّ مقتضى الاصول في النماء هو اللزوم وعدم الرجوع به في جميع الصور الثلاث المذكورة ، من غير فرق فيه بين القول بالملكيّة والقول بالإباحة ، فتدبّر.

الأمر الثاني : قد علم من تضاعيف الباب أنّ المعاطاة في نفسها معاملة جائزة ويعرضها اللزوم بأحد الأسباب الملزمة المتقدّمة ، فإن توافق المتعاطيان على عدم تحقّق شي‌ء من الأسباب الملزمة فلا إشكال في عدم اللزوم بل هو في معنى اتّفاقهما

٥٦٧

على الجواز ، كما أنّه لو توافقا على تحقّق شي‌ء من الملزمات لا إشكال في اللزوم بل هو في معنى اتّفاقهما على اللزوم.

وإن اختلفا في الجواز واللزوم بأن ادّعى أحدهما الجواز وأنكره الآخر بادّعاء اللزوم فله صور ، لأنّه قد يكون اختلافهما لشبهة حكميّة كما لو اختلفا في ملزميّة ما اتّفقا على تحقّقه كالمزج مثلاً ، وقد يكون لشبهة موضوعيّة ، وهو قسمان :

أحدهما : ما لو اختلفا في تحقيق ما اتّفقا على ملزميّته كالتلف ونحوه.

وثانيهما : ما لو اختلفا في المتقدّم والمتأخّر من الفسخ وحصول الملزم بعد ما اتّفقا على حصولهما معاً ، فمدّعي الجواز ادّعى تقدّم الفسخ ليرجع بالعين أو عوضها مثلاً أو قيمة ، ومدّعي اللزوم ادّعى تقدّم حصول الملزم لئلّا يرجع صاحبه بالعين أو بدله ، فهذه صور ثلاث :

أمّا الصورة الاولى : فالحاكم بعد ترافعهما إليه يقضي بينهما بموجب فتواه ، كما هو ميزان القضاء في الشبهات الحكميّة.

وأمّا الصورة الثانية : فيقدّم فيها قول المدّعي للجواز المنكر لحصول الملزم سواء أطلق أو عيّن السبب ، لأصالة عدم حصوله مع أصالة بقاء الجواز.

ويشكل بامتناع الترادّ واقعاً لأنّ المدّعي لحصول الملزم قد يكون صادقاً في الواقع ، وعلى تقدير الكذب يمتنع الترادّ ظاهراً لأنّه لا يردّ العين بل لا يظهرها لئلّا يظهر كذبه ، فإن رجع المدّعي للجواز على تقدير تقديم قوله بالعين فهو ممتنع واقعاً وظاهراً أو ظاهراً ، وإن رجع بغرامة مثلاً أو قيمة بعد ردّ ما في يده ، فالأصل عدم استحقاقه لها ، وهذا الأصل منضمّاً إلى امتناع ترادّ العين يقتضي تقديم المدّعي للّزوم ، ويعارض الأصلين المذكورين.

ويمكن الذبّ بورود الأصلين عليه ، لسببيّة شكّيهما كما هو واضح.

ولكن قد يحتمل تقديم قول المدّعي للّزوم ، لأصالة بقاء الملك ، وأصالة اللزوم في العقود المستفاد من عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» خرج منها المعاطاة في الحال المتقدّم على التداعي وبقى فيها الحال الاخرى المتأخّرة عن الحال الاولى.

وهو في غاية الضعف ألفساد الأصلين :

٥٦٨

أمّا أصالة بقاء الملك ـ فمع أنّها لا تجري على القول بالإباحة ـ ليست في محلّها ، لعدم اختلافهما في بقاء الملك وعدم بقائه ، بل هما متّفقان على بقاء الملك إلّا أنّ المنكر لحصول الملزم يريد إلزام صاحبه بالجواز ليرجع عليه بعينه ويزيل برجوعه الملك ، والمدّعي لحصوله يريد منع ذلك فلا معنى لأصالة بقاء الملك.

ولو سلّم كونها في محلّها بتقريب أنّ النظر في إجرائها إلى ما بعد رجوع المدّعي للجواز فإنّه يشكّ حينئذٍ في تأثير رجوعه في زوال ملك المدّعي عليه وعدمه ، وأصالة البقاء يقتضي بقاءه ، ولكنّها تندفع بسببيّة شكّ الأصلين المذكورين لتقديم قول المدّعي للجواز كما لا يخفى.

وأمّا أصالة اللزوم : فلأنّها ممّا لا مقتضي له كما ذكرنا سابقاً ، لأنّ المعاطاة بجميع حالاتها مخرجة عن عموم آية الوفاء فلا مقتضي لأصالة اللزوم بالقياس إلى الحالة المتأخّرة عن الحالة الاولى ، ومع الغضّ عن ذلك فأصالة بقاء الجواز يقتضي عدم اللزوم ولا يلزم تخصيص العامّ بالاستصحاب لأنّه من استصحاب حكم المستثنى وهو المعاطاة لأنّها خرجت عن العامّ بالتخصيص ، ولا يبقى بعد خروجها عموم بالقياس إلى حالتها المتأخّرة عن التداعي ، نظراً إلى أن العموم الأحوالي في العامّ بالقياس إلى فرد منه تابع لعمومه الأفرادي فإذا خرج عنه الفرد بالتخصيص ارتفع عمومه الأحوالي أيضاً إلى حالات ذلك الفرد. نعم لو كان المخرج بالتخصيص حالة مخصوصة من الفرد لا ذاته ثمّ شكّ في خروج حالة اخرى له عن العموم بتخصيص آخر كان التمسّك بعمومه الأحوالي لنفي احتمال تخصيص آخر في محلّه ، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل ، فاستصحاب حكم المستثنى بالنسبة إلى حالته المتأخّرة عن الحالة لا يزاحمه عموم دليل حكم المستثنى منه ليلزم من العمل به تخصيص العامّ ، فليتدبّر.

وأمّا الصورة الثالثة : فالظاهر أنّ الاختلاف في التقدّم والتأخّر لا يتأتّى إلّا على تقدير عدم كون الفسخ وحصول الملزم معلومي التاريخ وإلّا قدّم ما تقدّم تاريخه ، وحينئذٍ فإمّا أن يكون تاريخ أحدهما معلوماً والآخر مجهولاً ، أو يكونا مجهولي التاريخ ، وعلى الأوّل يقدّم ما علم تاريخه لأصالة تأخّر الحادث بالقياس إلى ما جهل تاريخه ، وعلى الثاني فهما بالقياس إلى أصالة [تأخّر الحادث] سيّان فيتعارض الأصل

٥٦٩

من الجانبين ، وحينئذٍ فالملزم المتّفق على حصوله إن كان ما عدا نقل الملك من تلف أو تغيير وصف يقدّم قول الفاسخ لأصالة الصحّة في الفسخ الصادر منه الّذي هو من فعل المسلم لأنّه تقدّمه على حصول الملزم لزم كونه باطلاً لم يترتّب عليه أثر الانفساخ وهو ينافي أصالة الصحّة في فعل المسلم ، ولا معارض لها في جانب المدّعي لتقدّم حصول الملزم ، وإن كان هو النقل فهو أيضاً كالفسخ من فعل المسلم والأصل يقتضي صحّته بترتّب أثر الانتقال عليه ، كما أنّ الأصل في الفسخ يقتضي صحّته بترتّب أثر الانفساخ عليه ، فالأصلان في جانب الفاسخ وفي جانب الناقل متعارضان ، وحينئذٍ لا بدّ من الرجوع إلى اصول اخر ، لو لا أصالة الصحّة مشغولة بمعارضة مثلها كانت واردة عليها. ويمكن حينئذٍ تقديم قول الفاسخ على القول بالإباحة عملاً باستصحاب ملكه في العين إلى زمان النقل وما بعده ، فإنّه لو كان حصوله مقدّماً لكان رافعاً لملك المبيح عن العين من حينه إلى ما بعده وهو مشكوك فيه ، ومقتضى الاستصحاب بقاؤه إلى حين النقل وما بعده ، وهذا يقتضي تقدّم الفسخ عليه لكونه لا يرفع ملك المبيح بل يؤكّده ، وإنّما يرفع الإذن في التصرّفات الّتي منها هذا النقل.

ويشكل الحال على القول بالملكيّة ، لعدم وضوح جريان أصل يقتضي تقديم أحد القولين. ولكن يسهل الذبّ عنه بتعيّن تقديم الفاسخ أيضاً لأصالة بقاء سلطنته على الرجوع بالعين في زمان الفسخ ، فإنّه لو كان النقل متقدّماً عليه لكانت السلطنة المذكورة اللازمة من المعاطاة الّتي يعبّر عنها بجواز الرجوع منقطعة ، وهو في زمان وقوع الفسخ محلّ شكّ والأصل يقتضي بقاءها. ولا يمكن معارضته بأصالة بقاء سلطنة الناقل على نقل ما في يده إلى الغير حين النقل ، فإنّ تقدّم الفسخ عليه يوجب انقطاعها وهو في زمان وقوع النقل محلّ شكّ ، والأصل يقتضي بقاءها لوروده عليها باعتبار كونه مخرجاً للمورد وهو العين عن موضوع المستصحب ، فإنّ سلطنة الناقل على نقل العين ليست من مقتضى المعاطاة كما كانت سلطنة الفاسخ على الفسخ من مقتضاها بل من مقتضى عموم «الناس مسلّطون على أموالهم».

ولا ريب أنّ موضوع الحكم المستفاد من هذا العامّ هو المال المملوك وأصالة بقاء سلطنة الفاسخ على الفسخ الّتي هي عبارة عن جواز الرجوع بالعين يخرجها عن هذا

٥٧٠

الموضوع ، فلا يعقل جريان حكمه فيها بعد ملاحظة خروجها عن موضوعه بحكم الأصل المذكور ، فلا يجري استصحابه حال جريان الأصل المذكور حتّى يعارضه.

لا يقال : إنّما يعارضه حينئذٍ أصالة بقاء موضوع الحكم المذكور حال النقل ، لأنّ الشكّ في بقاء هذا الموضوع مسبّب عن الشكّ في بقاء سلطنة الفاسخ حال الفسخ ، فيكون الأصل بقاء هذه السلطنة لكون شكّه سببيّاً وارداً على أصالة بقاء موضوع سلطنة الناقل على النقل ، فليتدبّر فإنّ المقام دقيق وكلام الأصحاب فيه غير محرّر.

الأمر الثالث : قد ظهر في تضاعيف الباب أنّ انعقاد المعاطاة فعليّة أو قوليّة أو ملفّقة منهما بيعاً صحيحاً مفيداً للملك ، متفرّع على عدم مدخليّة الصيغة المخصوصة ولا اللفظ المطلق في صدق اسم البيع ولا في صحّته على معنى إفادته الملك ، وهل يكفي في الفعل الكافي في انعقاد البيع وصحّته الإشارة المفهمة من المتمكّن من النطق والتلفّظ أو لا؟ الوجه نعم ، لوحدة المناط وهو الدلالة على التراضي وقصد إنشاء التمليك وقبوله ، فإنّ الإفهام المعتبر في الإشارة عبارة عن ذلك ، ولا ينافي ما ذكرناه ما في كلام الأصحاب من اعتبار العذر والعجز عن النطق في قيام الإشارة مقام البيع لأنّهم إنّما اعتبروه في قيامها مقام البيع العقدي المفيد للّزوم ، وغرضنا ممّا ذكرنا جعلها قسماً من المعاطاة لا غير. ولمّا انجرّ الكلام إلى الإشارة المفهمة ممّن عليه العذر كالأخرس ومن بلسانه آفة فينبغي التكلّم فيها وفيما يعتبر وما لا يعتبر فيها ، والكلام فيه يتمّ برسم مسائل :

المسألة الاولى : في أنّ معنى قيام الإشارة مع العذر مقام اللفظ أو البيع العقدي المفيد للّزوم هل هو لحوقها به في الاسم على معنى أنّها من أفراد ماهيّة البيع فإطلاق البيع عليها حقيقة ، أو لحوقها به في الحكم على معنى أنّها ليست من أفراد الماهيّة بل يجري عليها أحكامها من حيث إفادة الملك واللزوم وجريان الخيارات والشفعة وغير ذلك ، فلفظ البيع حيث عليها مجاز لعلاقة المشابهة وهي المشاركة في الأحكام والخواصّ ، أو تبنى المسألة على الاختلاف في تعريفات البيع ، فعلى تعريفه بالنقل أو الانتقال أو التمليك كانت من أفراد البيع فيكون إطلاق اللفظ عليها حقيقة وعلى تعريفه باللفظ الدالّ على نقل الملك كما في ظاهر الشرائع لا يكون من الأفراد فيكون الإطلاق مجازاً ، أو تبنى على الاختلاف في المعاطاة من حيث البيعيّة المفيدة للملك أو الإباحة

٥٧١

أو المعاوضة المستقلّة فعلى المختار من كونها بيعاً مفيداً للملك اتّجه الحقيقة كما أنّه حقيقة في المعاطاة غاية الأمر حصول الفرق بينهما في الجواز واللزوم بخلافه على القولين الآخرين؟ وجوه ، وكلام الأصحاب غير محرّر هنا بل لم نقف على من تعرّض لهذا المقام في عنوان الإشارة ، وإن نسب إلى ظاهر الأكثر المصير إلى المجازيّة إلّا أنّ [أوجه] الوجوه الوجه الأخير لما عرفت.

المسألة الثانية : في أنّ المبايعة بطريق الإشارة إن وقعت بين عاجزين عن النطق فلا إشكال فيه من حيث إنّ الإيجاب والقبول كلاهما من جنس الإشارة المغتفرة منهما. وإن وقعت بين عاجز وغير عاجز موجباً كان أو قابلاً فهل يعتبر منه الإتيان باللفظ وإن لزم منه كون العقد ملفّقاً من الإشارة واللفظ ، بناءً على عدم اعتبار المطابقة بين الإيجاب والقبول من هذه الجهة مع عدم اغتفار الإشارة من غير العاجز ، أو يعتبر الإتيان بالإشارة كالعاجز رعاية للمطابقة بينهما من هذه الجهة مع كونه كالعاجز في اغتفار الإشارة منه ، أو يجب عليه توكيل عاجز آخر رعاية للمطابقة مع عدم الاغتفار ، أو يجب على العاجز توكيل غير العاجز ليأتي كلّ منهما باللفظ رعاية للمطابقة مع عدم الاغتفار ، أو يجب الجمع بين اللفظ والإشارة احتياطاً لقيام اعتبار اللفظ وعدم اغتفار الإشارة مع احتمال الاغتفار واعتبار المطابقة ، أو يفصّل بين عاجز لا يسمع قولاً ولا يفقهه كالأخرس الأصلي ـ بناءً على جري العادة بكونه أصمّ فلا يفقه القول بل لا يسمعه فيكتفي في المبايعة معه بالإشارة ـ وبين غيره ممّن يسمع القول ويفقهه فيحتاط فيه بالجمع بين الإشارة واللفظ؟ وجوه ، أوجهها من جهة الأوفقيّة بالقواعد والاصول أخيرها.

أمّا اعتبار الجمع على الثاني فلطريقة الاحتياط ، وأمّا الاكتفاء بالإشارة في الإشارة فلأنّ كون الطرف المقابل لغير العاجز من لا يسمع القول ولا يفقهه أيضاً عذر مانع من النطق ، بناءً على أنّه في كلام الأصحاب هنا أعمّ ممّا كان في نفس طرف العقد أو في الطرف الآخر هذا ، مضافاً إلى العقود والمعاملات إنّما وردت على طبق عادات الناس ، ومن عاداتهم في المحاورات أنّهم يحاورون الأخرس الأصمّ الغير الفاهم للكلام بطريق الإيماء والإشارة. وبذلك يعلم سقوط احتمال التوكيل من الجانبين مع أنّه قد يكون عسراً ، فعموم الملّة السمحة السهلة يقتضي نفي اعتباره وكذلك العمومات النافية للعسر

٥٧٢

والحرج. وكلام الأصحاب في هذا المقام أيضاً غير محرّر ، بل لم نقف على من تعرّض له أيضاً.

المسألة الثالثة : في أنّ مناط كفاية الإشارة المفهمة عن البيع اللفظي المفيد للّزوم هل هو الخرس أو العجز عن النطق أو العذر؟والفرق أنّ الأوّل أخصّ من الثاني وهو أخصّ من الثالث ، فإنّ العذر مفهوم عامّ يشمل الخرس الأصلي والعجز عن النطق من جهة الآفة العارضة للّسان وغيرهما ممّا كان لفوات غرض ومصلحة أو لدفع مضرّة ومفسدة بأن يكون للمتبايعين غرض ومصلحة في المبايعة لا يحصل إلّا بالمبايعة بطريق الإشارة ، أو كان في المبايعة بالعقد اللفظي مضرّة ومفسدة لا تندفع إلّا بالمبايعة بطريق الإشارة ، فالعدول عن اللفظ إلى الإشارة إنّما هو لئلّا يفوت ما يقصدان من المصلحة ، أو ليندفع ما يقعان فيه من المفسدة ، والعذر يعمّ نحو ذلك بخلاف العجز عن النطق فيكون أخصّ منه ، نعم هو يعمّ العجز العارضي لآفة عارضة للّسان فيكون أعمّ من الخرس. وكلمة الأصحاب وعباراتهم في مناط الحكم الدائر بين هذه الثلاث مختلفة ، فمنهم من أناطه بالخرس كالعلّامة والشهيد في نهاية الإحكام (١) والدروس (٢) حيث عبّرا بإشارة الأخرس ، منهم من أناطه بالعجز عن النطق كالعلّامة والشهيد في التذكرة (٣) والقواعد (٤) واللمعة (٥) حيث عبّرا بالإشارة مع العجز ، ونحوه ما في كشف اللثام على ما حكي عنه في النكاح من قوله بعد ذكر العقد اللفظي : «لو عجز أشار بما يدلّ على العقد وهو ممّا قطع به الأصحاب ولم نجد نصّاً من الأصحاب فيمن عجز لإكراه» (٦) انتهى ، ومنهم من أناطه بالعذر كالمحقّق في الشرائع لمكان قوله : «ويقوم مقام اللفظ الإشارة مع العذر» (٧) وفي معناه ما عن إرشاد العلّامة «لو تعذّر النطق كفت الإشارة» (٨).

وهل هذا الاختلاف لأجل خلاف بينهم في مناط الحكم ، أو أنّه اختلاف في مجرّد التعبير وإلّا فلا خلاف بينهم في المعنى ، إمّا بدعوى أنّ مناط الحكم عند الكلّ هو الخرس خاصّة بناءً على تنزيل العجز عن النطق وتنزيل العذر في كلام من عبّر

__________________

(١) نهاية الإحكام ٢ : ٤٥١.

(٢) الدروس ٣ : ١٩٢. (٣) التذكرة ١٠ : ٩.

(٤) القواعد ٣ : ١٠. (٥) اللمعة : ١٠٩.

(٦) كشف اللثام ٧ : ٤٧.

(٧) الشرائع ٢ : ١٣.

(٨) إرشاد الأذهان ١ : ٣٥٩.

٥٧٣

بأحدهما على إرادة العجز للخرس الأصلي والعذر الخاصّ ، أو بدعوى أنّ المناط عند الكلّ هو العجز عن النطق مطلقاً بناءً على حمل الأخرس في كلام من عبّر به على إرادة المثال وتنزيل إطلاق العذر في كلام من عبّر به على إرادة العجز عن النطق خاصّة ، أو بدعوى أنّ المناط عند الكلّ هو العذر بقول مطلق بناءً على حمل الأخرس والعجز عن النطق في كلام من عبّر بأحدهما على إرادة المثال؟

والحقّ أنّ المسألة في كلامهم غير منقّحة بل لم نقف على من تعرّض لها أصلاً ، نعم قد عرفت في عبارة كاشف اللثام قوله «ولم نجد نصّاً من الأصحاب فيمن عجز لإكراه» (١) إلّا أنّه لم يتعرّض لتحقيق المقام.

ولكنّ الّذي ينبغي أن يقطع به بملاحظة فحاوى كلماتهم والإشارات الواقعة فيها وتعليلاتهم أنّ الحكم غير مقصور على الخرس الأصلي بل يكفي فيه عدم القدرة على النطق لآفة عارضة في اللسان ، نعم كفاية مطلق العذر حتّى ما كان لعدم فوات المصلحة أو لدفع المفسدة محلّ شكّ ، غير أنّ المشكوك فيه كفاية ذلك في اللزوم لا في انعقاد أصل البيع ولا صحّته وإفادته الملك ، فإنّا بنينا على أنّ الإشارة المفهمة مع عدم العذر قسم من المعاطاة المفيدة للبيعيّة والملكيّة فكيف بها مع العذر المذكور. فالإشكال في أنّ الإشارة في نحو هذه الصورة الّتي هي من صور العذر هل تفيد اللزوم أيضاً لتلحق بالبيع العقدي المفيد للّزوم أو لا تفيده حتّى تلحق بالمعاطاة؟.

وظاهر أنّه لا طريق لاستعلام هذا الحكم إلّا النظر في دليل كفاية الإشارة ، إلّا أنّه لم نقف على دليل عليه في النصوص ، وكأنّ دليله الإجماع كما يوهمه بعض ، وربّما ادّعاه بعض من عاصرناه ، ويلوح دعواه من عبارة كاشف اللثام لمكان قوله فيما تقدّم : «وهو ممّا قطع به الأصحاب» فإنّه بملاحظة الجمع المحلّى في معنى أنّ الأصحاب أجمعوا عليه بعنوان القطع ، بل هذا لكونه إجماعاً على القطع بالحكم أبلغ من سائر الإجماعات المنقولة بلفظ الإجماع ، لعدم كون كلّ المجمعين في أكثرها قاطعين بالحكم ، بل قد يكون فتوى بعضهم عن دليل ظنّي بل قد تكون الفتوى من كلّهم عن

__________________

(١) كشف اللثام ٧ : ٤٧.

٥٧٤

دليل ظنّي إلّا أنّ الإجماع المذكور لا يجدينا نفعاً لمكان الإجمال في معقده ، والقدر المتيقّن منه هو العجز عن النطق بقول مطلق ، ودخول العذر على الوجه الأخير الّذي فرضناه في معقده محلّ شكّ ، خصوصاً مع ملاحظة ما سمعت عن كاشف اللثام من «أنّه لم يجد نصّاً من الأصحاب فيمن لإكراه» (١).

نعم في عبارة الكفاية حكاية الشهرة على مناطيّة العذر حيث قال : «ويقوم مقام اللفظ الإشارة ، والمشهور اشتراط ذلك بالعذر» (٢) ولكنّه لا يورث قطعاً ولا ظنّاً بمناطيّة مطلق العذر.

ويمكن أن يكون دليل المسألة الّذي هو مدرك الإجماع ظاهراً عموم آية «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» بناءً على صدق العقد بمعنى الربط المعنوي على ما يحصل بالإشارة المفهمة كما هو الأظهر فيشمله العموم.

وتوهّم المنع لأجل الانصراف إلى الأفراد الغالبة وهو العقود اللفظيّة وهذا فرد نادر ، يدفعه عدم جريان قاعدة الانصراف في العمومات والجمع المحلّى عامّ وعمومه وضعي. ومحصّله أنّ هيئته موضوعة لتسرية الحكم إلى أفراد موضوعه ولا يتفاوت فيه الحال بين الأفراد الغالبة والأفراد النادرة ، وقضيّة العموم لزوم الإشارة المفهمة بجميع أفراد العذر حتّى ما نحن فيه.

المسألة الرابعة : في أنّه هل تلحق كتابة المعذور بإشارته ويقوم مقامها في إفادة البيع المفيد للّزوم؟كلمة الأصحاب فيه مختلفة بين من يظهر منه الجواز ، ومن يظهر منه المنع لقصور الكتابة عن الدلالة على الرضا وقصد الإنشاء ، ومن يظهر منه التردّد ، وفي التحرير (٣) قيّد الكتابة في قيامها مقام الإشارة بانضمام قرينة تدلّ على المعنى المقصود ويمكن أن يكون ذلك مراد من أطلق الجواز وعليه سقط دليل المانع. وقد يفصّل بين الكتابة مع العجز عن الإشارة فيجوز والكتابة بدون العجز عنها فرجّح الإشارة.

والتحقيق أنّ الكتابة إن دلّت على المعنى المقصود في نفسها أو بمعونة القرينة فلا يبعد قيامها مقام الإشارة مع العجز عنها وبدونه لأجل العموم المتقدّم ، وهل يشترط

__________________

(١) كشف اللثام ٧ : ٤٧.

(٢) الكفاية : ٤٤٩.

(٣) التحرير ٢ : ٢٧٥. «٣»

٥٧٥

في كفاية إشارة المعذور أو كتابته عن البيع العقدي عدم تمكّنه من توكيل غير المعذور في إجراء العقد اللفظي؟ الظاهر عدم الاشتراط ، لظاهر إطلاق الأكثر وصريح جماعة (١). وقد يستدلّ بفحوى ما دلّ في طلاق الأخرس بطريق الإشارة أو إظهار الكراهة على عدم وجوب توكيل الغير ، بل قد يقال : بأنّ الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه.

وهل يجوز لغير المعذور توكيل المعذور في إجراء العقد بالإشارة؟ قيل : نعم ، لعموم أدلّة الوكالة ، مع كون وظيفة المعذور العقد بالإشارة ، فإذا جاز له توكيله جاز له الاكتفاء بإشارته. ويحتمل المنع ، لأنّ الوكيل قائم مقام الموكّل فيؤول إشارته إلى إشارة غير المعذور. وهو ضعيف ، والأوّل غير بعيد.

__________________

(١) مفتاح الكرامة ١٢ : ٥٢٦ ، المكاسب ٣ : ١١٨.

٥٧٦

المبحث الثاني

في نفس صيغة البيع والامور المعتبرة فيها ، وجهات الكلام هنا متعدّدة : فقد يتكلّم في الصيغة من حيث موادّ الألفاظ المعتبرة فيها ، وقد يتكلّم أيضاً من حيث الهيئة المعتبرة في كلّ من الإيجاب والقبول بانفراده ككونها جملة فعليّة وكالماضويّة ، وقد يتكلّم أيضاً من حيث الهيئة المعتبرة فيها من حيث تركّبها من الإيجاب والقبول كتقديم الإيجاب على القبول والاتّصال ، فهاهنا جهات من الكلام :

الجهة الاولى : فيما يتعلّق بها من حيث موادّ ألفاظها ، وفيها مسائل :

المسألة الاولى : في أنّه هل يعتبر فيها العربيّة على معنى كونها بألفاظ عربيّة ، أو لا؟ خلاف على قولين ، أشهرهما بل المشهور منهما العدم ، لأنّ معتبري العربيّة جماعة معدودين من المتأخّرين كالسيّد العميدي (١) والمحقّق الثاني في جامع المقاصد (٢) وتعليق الإرشاد (٣) ورسالته في صيغ العقود (٤) والشهيد الثاني في الروضة (٥) والفاضل المقداد (٦) على ما حكي ، ولم نقف على مستند لهم سوى الأصل والتأسّي والأولويّة.

أمّا الأوّل : فلأنّ الأصل في البيع بل كلّ عقد عدم الصحّة وعدم ترتّب أثر النقل والانتقال إلّا ما خرج بالدليل ، والقدر المخرج بالدليل ما وقع باللفظ العربي فيبقى غيره تحت الأصل.

وأمّا الثاني : فلأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام ما زالوا كانوا يتبايعون بالألفاظ العربيّة ،

__________________

(١) حكاه عنه الشهيد في حواشيه على ما في مفتاح الكرامة ١٢ : ٥٢٦.

(٢) جامع المقاصد ٤ : ٥٩.

(٣) تعليق الإرشاد : ١١٦.

(٤) رسائل محقّق الكركي ١ : ١.

(٥) الروضة ٣ : ٢٥٥.

(٦) التنقيح الرائع ٢ : ١٨٤.

٥٧٧

والتأسّي بهم واجب لقوله تعالى : «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» (١).

وأمّا الثالث : فلعدم انعقاد البيع بغير الماضي من الأمر والمضارع مع كونه عربيّاً ، فعدم وقوعه بغير العربي بطريق أولى.

وفي الجميع من الضعف ما لا يخفى :

أمّا الأصل : فيخرج عنه بالعمومات كآية «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» و «تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» لصدق كلّ من العقد والبيع وتجارة عن تراض عرفاً بما يحصل بالألفاظ الغير العربيّة فيشمله العموم والإطلاق. ومنع شمولها إلّا لما يقع بالألفاظ العربيّة لأنّه المتداول في زمان الصدور مكابرة.

وأمّا التأسّي : فبمنع صغراه أوّلاً ، فتارةً بعدم معلوميّة أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الأئمّة كانوا يباشرون البيع والشراء ، واخرى فبعدم معلوميّة اتّفاق كون طرف العقد معهم في البيع أو الاشتراء من غير العرب فضلاً عن العلم بأنّهم كانوا يعقدون معه باللفظ العربي. ومنع كبراه ثانياً ، فتارةً بأنّ وجوب التأسّي خلافي ومعركة للآراء والأقوى فيه عدم الوجوب ، واخرى بأنّ وجوبه على القول به مشروط بامور ، منها : عدم كون الفعل الصادر منهم من مقتضى الطبيعة والسجيّة والعادة ، ولا ريب أنّ التكلّم بالألفاظ العربيّة من العرب من مقتضى طبائعهم وعاداتهم ، فالعقد باللفظ العربي من النبيّ والأئمّة لو ثبت مداومتهم عليه من عاداتهم باعتبار كونهم عربي اللسان فلا يكون من موضوع وجوب التأسّي. وبالتأمّل في ذلك علم عدم صحّة الاستدلال على اعتبار العربيّة بقوله تعالى : «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلّا بِلِسانِ قَوْمِهِ» (٢).

وأمّا الأولويّة : فبمنعها لوضوح الفرق بين الماضي وأخويه بكونه أقرب إلى المعنى المقصود من العقد وهو الإنشاء وكونهما أبعد عنه ، بل الفرق أنّ صيغ الماضي في كلّ عقد من المنقولات إلى المعنى الإنشائي فهو فيها بالوضع العرفي الثاني دالّ عليه بخلافهما.

فتحقيق المقام : أنّ معتبري العربيّة إن أرادوا اعتبارها في انعقاد أصل البيع وصدق اسمه أو في صحّته وترتّب الأثر ، فالحقّ ما هو المشهور من عدم اعتبارها لعين ما مرّ في

__________________

(١) الأحزاب : ٢١.

(٢) ابراهيم : ٤.

٥٧٨

بحث المعاطاة من عدم مدخليّة الصيغة المخصوصة الّتي من جملة خصوصيّاتها العربيّة في صدق الاسم ولا في الصحّة ، فمعنى البيع يتحقّق بالألفاظ الغير العربيّة عرفاً أيضاً كما أنّه يترتّب عليه الأثر شرعاً لأجل العموم كما عرفت. وإن أرادوا اعتبارها في اللزوم ، فهو كما قالوه لعين ما مرّ في المبحث المذكور من مدخليّة الصيغة المخصوصة في اللزوم.

ثمّ إنّها حيثما وقعت بالعربي فهل يشترط في ألفاظها الصحّة في مقابلة اللحن؟على معنى عدم كونها ملحونة ، وهو عدم الموافقة للقانون المقرّر لكلمات لغة العرب من حيث الإعراب والبناء أصليّاً كان أو عارضيّاً ، ومن حيث الحركات والسكنات اللاحقة لبنية الكلمات ، ومن حيث الحروف بتبديل حرف بآخر ويقال له التحريف ، أو بتقديم حرف على حرف ويقال له : «التصحيف» كما لو قيل بَعت بفتح الباء أو التاء وقبلت بضمّ الباء وبحت مكان بعت ، وكبلت مكان قبلت ، وسريت أو استريت بالسين مكان شريت واشتريت ، أو جوّزت مكان زوّجت وما أشبه ذلك. فعلى المختار من عدم اشتراط العربيّة إلّا في اللزوم كان المتّجه اشتراط السلامة من اللحن في اللزوم دون الصحّة ما لم يكن اللحن مغيّراً للمعنى المقصود في العقد في عرف المتعاقدين ، أمّا اشتراطها في اللزوم فلأنّ القدر المتيقّن ممّا دلّ على مدخليّة الصيغة المخصوصة في اللزوم الصيغة العربيّة السليمة عن اللحن بجميع وجوهه ، وأمّا عدم اشتراطها في الصحّة فلعموم أدلّة الصحّة حسبما تقدّم بيانه ، وأمّا اعتبار عدم كونه مغيّراً للمعنى المقصود فلأنّ المخاطب لا يدري بأيّ شي‌ء خوطب فيبطل ، وأمّا على اشتراط العربيّة في الصحّة فمقتضى العمدة من دليله وهو الاقتصار على القدر المتيقّن ممّا خرج من الأصل اشتراط السلامة عن اللحن أيضاً ، لأنّ القدر المتيقّن ممّا خرج هو الصيغة العربيّة الغير الملحونة. وكذلك على الاستدلال بالتأسّي فإنّه إن تمّ وأفاد اشتراط العربيّة أفاد اشتراط السلامة عن اللحن أيضاً.

وقد يفصّل بين ما كان مغيّراً للمعنى المقصود فلا يصحّ ، وما لم يكن مغيّراً فيصحّ. وهو ضعيف بالنظر إلى دليل مشترطي العربيّة كما عرفت.

وحكي (١) عن فخر الدين الفرق بين ما لو قال بعتك بفتح الباء وبين ما لو قال

__________________

(١) حكى في مفتاح الكرامة عنه ١٢ : ٥٢٦.

٥٧٩

جوّزتك بدل زوّجتك فصحّح الأوّل دون الثاني إلّا مع العجز عن التعلّم والتوكيل. قيل : ولعلّه لعدم معنى صحيح في الأوّل إلّا البيع بخلاف التجويز فإنّ له معنى آخر فاستعماله في التزويج غير جائز. وهذا أيضاً بالنظر إلى الدليل المذكور لأنّه إن تمّ وأفاد اشتراط العربيّة أفاد المنع من الملحون مطلقاً.

ثمّ على اشتراط العربيّة في الصيغة فهل يعتبر كون المتكلّم وهو العاقد عربيّاً أيضاً؟ الوجه عدم الاشتراط ، لإجماعهم المعلوم بالتتبّع في جميع العقود والإيقاعات على الاكتفاء بالصيغ العربيّة الصادرة عن غير العربي بل هو معلوم بالسيرة المحقّقة في الأعصار والأمصار.

وهل يعتبر على تقدير كونه غير عربي اللسان أن يكون عارفاً لجميع ألفاظ لغة العرب مميّزاً بين حقائقها ومجازاتها أو لا؟ والوجه أنّه غير معتبر أيضاً ، لما عرفت.

وعليه فهل يعتبر أن يكون عارفاً للألفاظ المستعملة في العنوان المقصود في العقد أعني البيع وفارقاً بين معنى بعت إخباراً وإنشاءً وأبيع وبع وأنا بائع ، أو يكفي مجرّد علمه بأنّ بعت بمعنى «فروختم» يستعمل في لسان العرب لإنشاء البيع؟ قيل : الظاهر هو الأوّل ، لأنّ عربيّة الكلام ليست باقتضاء نفس الكلام بل يقصد المتكلّم منه المعنى الّذي وضع له عند العرب ، فلا يقال : إنّه تكلّم وأدّى المطلب على طبق لسان العرب إلّا إذا ميّز بين معنى بعت وأبيع وأوجدت البيع وغيرها ، بل على هذا لا يكفي معرفة أنّ بعت مرادف لقوله «فروختم» حتّى يعرف أنّ الميم في الفارسي عوض تاء المتكلّم فيميّز بين بعتك وبعت بالضمّ وبعت بفتح التاء.

وفيه نظر ، بل الأقوى كفاية ما ذكر مطلقاً ، لإجماعهم المعلوم بالتتبّع على عدم التزامهم بالمعرفة والتمييز المذكورين حتّى في صيغة النكاح.

وهل يعتبر العربيّة على القول باشتراطها في جميع الألفاظ المأخوذة في الإيجاب والقبول ممّا يدلّ على المثمن أو الثمن أو على مقاديرهما فلو قال «بعتك اين كتاب را به يك تومان او بده درهم» لا يقع صحيحاً أو لا؟ الوجه هو التفصيل فإن قلنا باشتراط ذكر متعلّقات الإيجاب في العقد اتّجه عدم كفاية ما ذكر لعين ما عرفت من دليل اشتراط عربيّة نفس الصيغة ، وإلّا كما في القبول فالمتّجه هو الكفاية ومرجعه إلى عدم إخلال

٥٨٠