ينابيع الأحكام - ج ٥

السيّد علي الموسوي القزويني

ينابيع الأحكام - ج ٥

المؤلف:

السيّد علي الموسوي القزويني


المحقق: السيد عبد الرحيم الجزمئي القزويني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-470-850-3
الصفحات: ٩٣٥
الجزء ١ الجزء ٥

الشرط منتف هنا ، فإنّ هذا البائع إذا ترك بيع متاعه لتوصّل إليه المشتري من غيره فلا يكون تركه علّة لتركه وإنّما يكون كذلك إذا انحصر المبيع فيه ، أو علم البائع أو احتمل بعدم قيام غيره ممّن عندهم جنس هذا المبيع بترك البيع ، وكلّ من هذين إنّما يتحقّق في فرض نادر لا يصلح مناطاً للحكم.

مع أنّه لو حرّم البيع في نحو هذه الصورة من باب النهي عن المنكر لزم سدّ [باب] المعاملات بأسرها مع سلاطين الجور وحكّام الجور والظلمة وأعوانهم والفسقة من الرجال والنسوان لمكان العلم التفصيلي أو الإجمالي بأنّهم يصرفون المبيع ـ من مأكول أو مشروب أو ملبوس أو نحو ذلك ـ في الملاهي والمعاصي والفسوق والقبائح ووجوه الظلم ، وهو خلاف الضرورة من الدين ، ويصادم السيرة من المسلمين الكاشفة عن التقرير ورضا المعصوم.

فلو كان في أدلّة وجوب النهي عن المنكر عموم بحيث يتناول المقام وجب تخصيصها بغيره. ومن هنا يعلم وجه الخروج عن قاعدة حرمة الأمر بالمنكر على معنى الحمل على المعصية لو فرض في أدلّة حرمته عموم يتناول المقام لقبولها التخصيص.

مضافاً إلى منع صدق الحمل على المعصية على البيع الحاصل لا بقصد الغاية المحرّمة من البائع ، فإنّ المصداق المشترك بين عنوانين قبيح وحسن محرّم ومباح لا يصرف إلى أحدهما إلّا إذا حصل بقصده ، ولذا لا يصدق عنوان الظلم على ضرب اليتيم المقصود به التأديب مثلاً.

ومن ذلك أيضاً يتطرّق المنع إلى مخالفته لقاعدة اللطف ، فإنّ البيع الغير المقصود به توصّل المشتري إلى المعصية لا يصدق عليه التقريب إلى المعصية ولا ترك التبعيد عن المعصية ، مضافاً إلى أنّ التقريب إلى المعصية كالحمل عليها من الأفعال المسندة إلى ذوي الاختيار بالتسبيب لا بالمباشرة ولا يصحّ إسنادها عرفاً إلى مع صدق عنوان السبب على البائع عرفاً وهو منوط بقصد الغاية المحرّمة ، هذا.

ثمّ إنّ الكراهة في هذا البيع مقصورة على صورة علم البائع ولا يثبت لغيرها خصوصاً صورة القطع بالعدم ، ودونه صورة الظنّ به ، ودونه صورة الشكّ ، وهو ظاهر

١٦١

كلام المعظم القائلين بالجواز على كراهية ، ولذا يعبّرون عن عنوان المسألة ببيع العنب والخشب ممّن يعلم أنّه يعملهما خمراً أو صنماً مثلاً اقتصاراً في الحكم المخالف للأصل على مقدار دلالة النصّ.

ولا ريب أنّ ظاهر الخبرين حيث ذكر فيهما «باعه ممّن يتّخذه صلباناً» أو «أبيعه ممّن يصنع الصليب أو الصنم» إنّما هو علم البائع بأنّه يتّخذ أو يصنع ، مع أنّ الموجود في نبذة من الأخبار المتقدّمة إنّما هو العلم بأنّه يفعله فالجواز بالمعنى الأعمّ المحمول عليه هذه الأخبار مقيّد به.

ثمّ إنّ البيع ممّن يصنعه خمراً إذا كان عصيراً فالمستفاد من جمله من النصوص المتقدّمة كراهة تأخير قبض ثمنه إلى ما بعد صيرورته خمراً ، وفي الأخير منها تعليله بأن لا يكون مع التأخير آخذ ثمن الخمر ، وهذا تشبيه لأدنى ملابسة ، وإلّا فالثمن ثمن عصير حقيقة وقد انتقل إلى ملك البائع بالعقد ، غاية الأمر أنّه تأخّر قبضه.

ثمّ إنّه بقي من أطراف المسألة دقيقة أشرنا إليه سابقاً عند منع منافاة الجواز هنا لوجوب النهي عن المنكر ، وتوضيحها أنّ بيع العنب أو الخشب أو غيرهما ممّن يعلم أنّه يصرفه في المحرّم ويعمله خمراً أو صنماً أو غيرهما بالقياس إلى تركه له صور : فقد يكون ترك هذا البائع للبيع سبباً وعلّة تامّة لترك المشتري وارتداعه عن المعصية ، وقد يكون السبب لتركه وارتداعه المجموع من تركه وترك الآخرين ممّن عندهم العنب أو الخشب أو غيره البيع وضابط الوجهين انحصار جنس هذا المبيع فيما عند هذا البائع وعدم انحصاره فيه ، وعلى التقدير الثاني فقد يعلم هذا البائع بقيام الآخرين بترك البيع من هذا المشتري ، وقد يحتمله احتمالاً راجحاً كما لو ظنّ ذلك ، أو مساوياً كما لو شكّ فيه ، أو مرجوحاً كما لو ظنّ العدم ، وقد يعلم عدم قيامهم بترك البيع. وهذه صور ستّ لا يتمّ الجواز إلّا في الصورة الأخيرة ، والمتّجه في غيرها المنع والحرمة لعموم وجوب الردع عن المعصية ، مع العلم بتأثير ترك هذا البيع على أنّه علّة تامّة لارتداع المشتري أو أنّه جزء للعلّة أو احتماله ولو مرجوحاً.

وتوهّم : عموم الجواز لجميع الصور المذكورة من إطلاق النصوص المجوّزة مع

١٦٢

انضمام ترك الاستفصال المفيد للعموم المعتضد بإطلاق فتوى المعظم ، يدفعه : منع الإطلاق بندرة فرض الانحصار ، وندرة العلم بالتأثير ، أو احتماله على تقدير عدم الانحصار ، نظراً إلى أنّ الغالب عدم انحصار جنس المبيع فيما عند البائع ، والغالب من هذا الغالب أيضاً علم البائع بعدم قيام غيره ممّن عندهم العنب أو الخشب أو غيرهما بترك البيع ، والمطلق ينصرف إلى الغالب الشائع من فروض المسألة ، وترك الاستفصال ممّا لا مجرى لعمومه في نحو المقام لأنّ من شروطه أن لا يكون للمورد فرض شائع ينصرف إليه الإطلاق سؤالاً وجواباً ، وإطلاق فتوى المعظم أيضاً لعلّه منزّل على الغالب بحكم الانصراف ، فالوجه حينئذٍ في غير مورد الغالب حرمة البيع لوجوب النهي عن المنكر والردع عن المعصية بلا معارض يوجب الخروج عنه.

المسألة الثانية : في المعاوضة على الجارية المغنّية وكلّ عين مشتملة على صفة يقصد منها الحرام كالعبد الماهر في شغل السرقة أو المقامرة أو الملاهي أو غير ذلك ، وله صور لأنّه قد تباع الجارية على أن يتغنّى بها أي يشترط ذلك في متن العقد ، وقد يتوافق البائع والمشتري على ذلك قبل إجراء العقد من دون تصريح بذكره في ضمنه ، وقد يقصدان من دون شرط ولا توافق على معنى أن يكون الغاية المقصودة لهما ذلك ، وقد يقصده البائع دون المشتري ، وقد يقصده المشتري دون البائع بأن يكون الغاية الباعثة على اشترائها التغنّي بها ، وقد لا يقصدان ولكن كان لوجود هذه الصفة للمبيع في نظرهما مدخليّة في زيادة الثمن المبذول له على وجه يقع منه في ظرف التحليل بإزاء الموصوف ومنه بإزاء الصفة ، وقد يكون مع عدم القصد بحيث لا مدخليّة للصفة في زيادة الثمن وكان وجودها في نظرهما بمنزلة العدم ومرجعه إلى كون الثمن المبذول لها كالثمن المبذول للجارية الفاقدة لتلك الصفة.

وأكثر هذه الصور كالأُولى والثانية والثالثة والرابعة يبعد تحقّقها من البائع المسلم ، إذ لا غرض له في اعتبار الشرط المذكور ، ولا التوافق مع المشتري ولا القصد إلى الغاية المحرّمة بأن يكون داعيه إلى البيع هذه الغاية لا غير. ولكن حيث تحقّق البيع بأحد هذه الوجوه فلا ينبغي التأمّل في حرمته وفساده ، لحرمة الإعانة على الإثم ، ووجوب النهي

١٦٣

عن المنكر ، والردع عن المعصية ، وحرمة الأمر بالمنكر والحمل على المعصية والتقريب إليها عقلاً ونقلاً ، مضافاً إلى أنّ أخذ الثمن وبذله بإزاء المبيع لأجل الغاية المحرّمة أكل للمال بالباطل.

وأمّا الصور الثلاث الباقية فلا إشكال في جواز الأخيرة منها ، للأصل الثانوي المستفاد من عمومات العقود أجناساً وأنواعاً وأصنافاً ، مع عدم مخرج منه من الأدلّة الخاصّة ولا القواعد العامّة ، مع ورود نصّ خاصّ دالّ على الجواز والصحّة فيه ، مثل ما رواه عبد الله بن الحسن الدينوري عن أبي الحسن عليه‌السلام في حديث قال : «قلت : فأشتري المغنّية أو الجارية تحسن أن تغنّي اريد منها الرزق لا سوى ذلك؟ قال : اشتر وبع» (١).

وأمّا الصورتان الاخريان فالظاهر حرمة اولاهما ، وهي ما لو كان الغاية المقصودة للمشتري التغنّي بها لا غير ، كما يدلّ عليه الخبر المذكور حيث قال : «اريد بها الرزق لا سوى ذلك» لقضائه بأنّ عدم الجواز مع إرادة الغاية المحرّمة معتقد السائل مفروغ عنه عنده وقد قرّره الإمام عليه‌السلام على معتقده ، مضافاً إلى النصوص المستفيضة الصريحة في المنع والفساد المنصرفة إلى هذه الصورة لأنّها الغالب في المعاوضة على الجواري المغنّية ، ففي بعضها «ثمن المغنّية حرام» (٢) وفي بعضها «ثمن الكلب والمغنّية سحت» (٣) وفي ثالث عن شراء المغنّية قال : «قد تكون للرجل الجارية تلهيه وما ثمنها إلّا ثمن كلب ، وثمن الكلب سحت والسحت في النار» (٤) وفي رابع عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «سأله رجل عن بيع الجواري المغنّيات؟ فقال : شراؤهنّ حرام ، وبيعهنّ حرام ، وتعليمهنّ كفر واستماعهنّ نفاق» (٥).

وفي خامس عن إبراهيم بن أبي البلاد قال : «أوصى إسحاق بن عمر بجوار له مغنّيات أن تبيعهنّ ويحمل ثمنهنّ إلى أبي الحسن عليه‌السلام قال إبراهيم : فبعت الجواري

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ١٢٢ / ١ ، ب ١٦ ما يكتسب به ، التهذيب ٦ : ٣٨٧ / ١١٥١.

(٢) الوسائل ١٧ : ١٢٢ / ٣ ، ب ١٦ ما يكتسب به ، إكمال الدين : ٤٨٣ / ٤.

(٣) الوسائل ١٧ : ١٢٣ / ٤ ، ب ١٦ ما يكتسب به ، قرب الإسناد : ١٢٥.

(٤) الوسائل ١٧ : ١٢٤ / ٦ ، ب ١٦ ما يكتسب به ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ / ١٠١٩.

(٥) الوسائل ١٧ : ١٢٤ / ٧ ، ب ١٦ ما يكتسب به ، الكافي ٥ : ١٢٠ / ٥.

١٦٤

بثلاثمائة ألف درهم وحملت الثمن إليه فقلت له : إنّ مولى لك يقال له إسحاق بن عمر أوصى عند وفاته ببيع جوار له مغنّيات وحمل الثمن إليك وقد بعتهنّ وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم ، فقال : لا حاجة لي فيه إنّ هذا سحت ، وتعليمهنّ كفر ، والاستماع منهنّ نفاق ، وثمنهنّ سحت» (١) إلى غير ذلك ممّا يقف عليه المتتبّع.

وهذه النصوص كما قيل مبنيّة على الغالب وهو صورة قصد المشتري للغاية المحرّمة ، أو هي مع الصورة الاخرى وهي ما لو كان لوجود الصفة مدخليّة في نظرهما ، أو في المعاملة مدخليّة لزيادة الثمن ، وقصور أسانيدها ينجبر باستفاضتها ، مضافاً إلى أنّ أخذ نحو هذا الثمن وبذله أكل للمال بالباطل.

وتوهّم : أنّ شيئاً من الثمن مبذول بإزاء الصفة وهذا يقضي ببطلان العقد بالنسبة إلى الصفة لا الموصوف ، يدفعه : أنّ البيع لا وجود له إلّا وجود القيد ، وهذا الوجود الخاصّ ممّا لم يمضه الشارع ولا وجود للبيع في الموصوف سواه ، فالصحّة في الموصوف بدونها في الصفة غير صحيح ، هذا ولكن في كون مدخليّة الصفة في زيادة القيمة بحسب المعاملة وفي عادة النوع لا في نظرهما وجعلهما مقتضية للمنع والفساد نظر خصوصاً لو لم يكن للمشتري غرض في اشترائها إلّا الاستخدام وغيرها من المنافع المباحة ، بل منع ، فالأقرب حينئذٍ الجواز والصحّة.

المسألة الثالثة : في إجارة المسكن أو السفينة أو الحمولة للمحرّمات كعمل الخمر أو بيعه أو اقتنائه أو حمله وحمل الخنازير وما أشبه ذلك ، والظاهر أنّه لا خلاف بين الأصحاب في تحريم نحو هذه الإجارة وفسادها ، بل عن الشيخ وابن زهرة في الخلاف (٢) والغنية (٣) الإجماع على عدم صحّة إجارة المسكن ليحرز فيه الخمر وإجارة الدكّان ليباع فيه.

والمراد بالإجارة هنا على ما ينساق من كلماتهم أن يعتبر المنفعة المحرّمة بالخصوص عنواناً في الإجارة ومورداً للعقد سواء على وجه الركنيّة ـ كأن يقول :

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ١٢٣ / ٥ ، ب ١٦ ما يكتسب به ، التهذيب ٦ : ٣٥٧ / ١٠٢١.

(٢) الخلاف ٣ : ٥٠٨.

(٣) الغنية : ٢٨٥.

١٦٥

آجرتك داري على أن تعمل فيها الخمر ، أو دكّاني على أن تبيع فيه الخمر أو لحم الخنزير ، أو دابّتي على أن تحمل عليها الخمر ـ أو على وجه الشرطيّة ، أو على وجه التواطي والتوافق عليها قبل إجراء العقد ، أو بقصدها من المؤجر والمستأجر ، أو من المؤجر فقط. وإطلاق كلماتهم مع إطلاق معقد الإجماعين يعمّ الجميع.

ومدرك الحكم ـ بعد الإجماعين المعتضدين بظهور عدم الخلاف ، مضافاً إلى حرمة الإعانة على الإثم ووجوب النهي عن المنكر والردع عن المعصية وأنّ أخذ المال بإزاء المنفعة المحرّمة الساقطة في نظر الشارع والتصرّف فيه أكل للمال بالباطل ـ خبر جابر بالسند الجاري مجرى الصحيح بوقوع عبد الله بن مسكان مع انتهائه إليه صحيحاً قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر؟ فقال : حرام اجرته» (١) وفي نسخة اخرى «حرام أجره».

وربّما توهّم معارضة صحيحة عمر بن اذينة قال : «كتبت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام أسأله عن الرجل يؤاجر سفينته أو دابّته ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير؟ قال : لا بأس له» (٢).

ولأجل ذا جمع الشيخ (٣) بينهما على ما حكي عنه بحمل الأوّل على من يعلم أنّه يباع فيه الخمر ، والثاني على من لا يعلم أنّه ما يحمل عليها.

ولعلّه أراد به الجمع التبرّعي دفعاً للمناقضة الظاهرة كما هو دأبه في التهذيبين لا الجمع الالتزامي على وجه يكون مناطاً للإفتاء والعمل ، وإلّا يرد عليه أنّه ممّا لا شاهد عليه مع افتقار نحو هذا الجمع إلى شاهدين.

وربّما وجّه بأنّ الأوّل نصّ فيمن يعلم وظاهر في غيره والثاني بعكس ذلك ، فيطرح ظاهر كلّ بنصّ الآخر. وفيه من التحكّم ما لا يخفى ، لمنع النصوصيّة في المقامين.

والوجه عندي أنّ الخبر الأوّل دليل تامّ على المسألة بجميع صورها ، لظهوره

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ١٧٤ / ١ ، ب ٣٩ ما يكتسب به ، التهذيب ٧ : ١٣٤ / ٥٩٣.

(٢) الوسائل ١٧ : ١٧٤ / ٢ ، ب ٣٩ ما يكتسب به ، التهذيب ٦ : ٣٧٢ / ١٠٧٨.

(٣) التهذيب ٧ : ١٣٤.

١٦٦

فيما جعل بيع الخمر عنواناً في الإجارة ومورداً للعقد لمكان الفاء في قوله : «فيباع فيه الخمر» فإنّه لا يلائم شي‌ء من معانيها مورد السؤال إلّا كونها عاطفة من عطف مفصّل على مجمل على حدّ ما في قوله : «فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ» (١) فإنّ المعطوف عليه أعني قوله «يؤاجر بيته» كأن يتضمّن جعل بيع الخمر عنواناً ولو في إرادة السائل وكان يدلّ عليه إجمالاً ، فذكر ما يفصّله بطريق العطف بالفاء واستظهر الإمام عليه‌السلام هذا الاعتبار من السؤال بواسطة كلمة الفاء في المعطوف فذكر في الجواب «حرام اجرته» وإطلاقه من جهة ترك الاستفصال يعمّ جميع الصور المذكورة.

نعم يعارضه الصحيحة بظاهرها لاحتمالها إرادة إجارة السفينة أو الدابّة ممّن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير على وجه جعل حمل الخمر والخنازير عنواناً فيها مورداً للعقد على وجه الركنيّة ، أو يشترط في ضمن العقد ، أو توافق قبل إجرائه ، أو في قصد المؤجر والمستأجر ، أو في قصد المؤجر فقط ، أو المستأجر كذلك. أو لم يجعل عنواناً ولكن كان الخمر أو الخنازير من جملة ما قصد حمله من الأمتعة على وجه علم به المؤجر ، أو قصد مطلق الحمل ، أو حمل ما يحلّ حمله من الأمتعة ولكن كان حمل الخمر أو الخنازير مقصوداً له من باب الغاية الداعية إلى الاستيجار من دون أن يكون مورداً للعقد ولا بعضاً منه وعلم به المؤجر ، أو كان في قصده ذلك وعلم به المؤجر بعد الإجارة لا حينه ، أو أنّه بدا له بعد الإجارة أن يحمل الخمر أو الخنازير من دون كونه مقصوداً له حين العقد.

ولكنّه ينهض مخصّصاً لها بحملها على الصور الأربع الأخيرة لكونه باعتبار أقلّيّة الصور المندرجة فيه أخصّ منها فيكون أظهر منها في العموم ، ومن الواجب تقديم الأظهر على الظاهر ، مضافاً إلى أنّه حاظر وهي مبيحة والحاظر مقدّم على المبيح ، وإلى اعتضاده بفهم الأصحاب وعملهم ، وبموافقة مضمونه الكتاب لآية «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» (٢) وبموافقته للقواعد العامّة المحكّمة حسبما تقدّم الإشارة إليها.

هذا ، ويدلّ عليه أيضاً ما في رواية تحف العقول من قوله عليه‌السلام : «فأمّا وجوه الحرام

__________________

(١) البقرة : ٣٦.

(٢) البقرة : ١٨٨.

١٦٧

من وجوه الإجارة ، نظير أن يؤاجر نفسه على حمل ما يحرم أكله أو شربه ، أو يؤاجر نفسه في صنعة ذلك الشي‌ء أو حفظه ، أو يؤاجر نفسه في هدم المساجد ضراراً ، أو قتل النفس بغير حقّ ، أو عمل التصاوير والأصنام والمزامر والبرابط والخمر والخنازير والميتة والدم ، أو شي‌ء من وجوه الفساد الّذي كان محرّماً عليه من غير جهة الإجارة فيه ، وكلّ أمر منهيّ عنه من جهة من الجهات فمحرّم على الإنسان إجارة نفسه فيه أو له أو شي‌ء منه أو له ، إلّا لمنفعة من استأجره كالّذي يستأجر له الأجير ليحمل الميتة ينحّيها عن أذاه أو أذى غيره وما أشبه ذلك» (١).

فإنّ مورده وإن كان إجارة الإنسان نفسه ولم يذكر فيه نحو المسكن والسفينة والحمولة ، غير أنّه يستفاد منه كون المناط في التحريم والفساد جعل المنفعة المحرّمة عنواناً ومورداً للعقد ، مع أنّ إجارة الإنسان نفسه فيها أيضاً من أفراد المسألة.

ثمّ اعلم أنّه ليس إجارة شي‌ء ممّا ذكر ممّن يعلم المؤجر أنّه قصد المنفعة المحرّمة بالخصوص من عمل الخمر أو اقتنائه أو بيعه أو حمله أو نحو ذلك كبيع العنب أو الخشب ممّن يعلم أنّه يجعله خمراً أو صنماً في الجواز على ما قدّمناه من جواز ذلك على كراهية وفاقاً للمشهور ، فإنّه غير صحيح جزماً.

ووجه الفرق أنّ وُضِع عقد الإجارة لنقل المنافع وانتقالها وتمليكها وتملّكها ، وهو مركّب كسائر العقود من الإيجاب والقبول ، فالسبب هو المجموع منهما وكلّ منهما جزء للسبب فوجب تواردهما على محلّ واحد ، ولا يتأتّى ذلك إلّا بتوارد قصد المؤجر والمستأجر على محلّ واحد ، فلا بدّ أن تفسد الإجارة ممّن يعلم أنّه قصد المنفعة المحرّمة لا غير.

وقصد المؤجر لمطلق المنفعة أو خصوص المحلّلة منها لا يجدي نفعاً في تصحيحه ، لأنّ ما قصده المؤجر لم يقصده المستأجر ، وما قصده المستأجر لم يمضه الشارع ، مضافاً إلى عدم قصد المؤجر إيّاه أيضاً ، فصار وجود القبول بمنزلة عدمه لوروده على المنفعة المحرّمة.

__________________

(١) تحف العقول : ٣٣١.

١٦٨

والإيجاب المتعلّق بمطلق المنفعة أو خصوص المنفعة المحلّلة بانفراده غير مؤثّر لعدم كونه سبباً تامّاً ، بخلاف بيع العنب أو الخشب ، فإنّ وضع عقد البيع لنقل الأعيان وتمليكها وتملّكها وقد قصده البائع والمشتري ، فتوارد الإيجاب والقبول على عين يصحّ نقلها وانتقالها وتمليكها وتملّكها ، غاية الأمر أنّ المشتري قصد من تملّكها غاية محرّمة ، وقصد الغاية ليس من أركان العقد ولا من شروط صحّته فيلغو ، فالعقد بمجموع جزئيه ورد محلّه فيؤثّر أثره.

والكراهة إنّما هو للنصّ ، فما يستفاد من تضاعيف عبارات شيخنا قدس‌سره في الجواهر (١) من جعلهما من وادٍ واحد على وجه يظهر منه الجواز فيهما ليس على ما ينبغي ، وما حكاه من ظاهر التهذيب (٢) والمختلف (٣) وحواشي الشهيد (٤) والمسالك (٥) والروضة (٦) ونهاية (٧) الشيخ من حرمة الإجارة مع العلم في خصوص المساكن والحمولات في غاية المتانة.

ثمّ إنّه لو آجر نفسه أو دابّته لحمل الميتة ونحوها ممّا يحرم أكله أو شربه لمصلحة مأذون فيها كدفع أذاها عن الناس ، فيؤاجر لتبعيدها عنهم وطرحها في الصحراء أو المزبلة أو نحوها ينبغي القطع بجوازه ، لأنّه في الحقيقة إجارة في منفعة محلّلة ولرواية التحف كما قدّمنا نقله.

ولو جعل مورد الإجارة كلّ منفعة أو مطلق المنفعة لا بشرط بحيث دخل المحرّمة في جملته من جهة العموم أو الإطلاق ، لا ينبغي الإشكال في الجواز والصحّة فيه بالنسبة إلى المنافع المحلّلة المندرجة في العموم أو الإطلاق ، ولا يقدح فيهما عدم تأثيره في خصوص المنفعة المحرّمة ، وبالجملة يصرف الإجارة إلى خصوص المنافع المحلّلة ويصحّ للأصل والعمومات ، ولخصوص رواية ابن اذينة.

القسم الثالث : (٨) من الأقسام الثلاث المندرجة فيما يحرم التكسّب به لتحريم

__________________

(١) الجواهر ٢٢ : ٣١.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٧٣.

(٣) المختلف ٥ : ٢٢.

(٤) حاشية الإرشاد : ٢٠٥ (مخطوط).

(٥) المسالك ٣ : ١٢٤.

(٦) الروضة ١ : ٣٠٩.

(٧) النهاية ٢ : ١٠٥.

(٨) تقدّم القسم الثاني في ص ١٥١.

١٦٩

ما يقصد به ما من شأنه أن يقصد به الحرام وإن لم يكن مقصوداً بالفعل حين عقد المعاوضة عليه ، وهذا بهذا العنوان الكلّي غير مذكور في كلام الأصحاب ، ولم يساعد على تحريمه على الوجه الكلّي أيضاً دليل ، بل الدليل في غالب موارده في عدم المنع والتحريم إذ ما من شي‌ء من المبيعات إلّا ومن شأنه أن يقصد منه غاية محرّمة ، فلو كان ذلك مناطاً للمنع وتحريم المعاوضة لانسدّ باب أكثر عقود المعاوضة في غالب مواردها وأنّه باطل بالضرورة ، بل المذكور في كلامهم نوع خاصّ منه وهو بيع السلاح لأعداء الدين ، ولذا ذكر بعض مشايخنا (١) رحمهم‌الله بعد ما أخذ العنوان على الوجه الّذي ذكرناه : وتحريم هذا القسم مقصور على النصّ ، إذ لا يدخل ذلك تحت الإعانة خصوصاً مع عدم العلم بصرف الغير إيّاه في الحرام.

وكيف كان فكلمات الأصحاب في تحريم بيع السلاح لأعداء الدين من حيث الإطلاق والتقييد بأحد الوجوه الآتية مختلفة ، وأقوالهم فيه مضطربة متشتّتة :

فمنهم من أطلق القول بتحريمه كما في الشرائع (٢) وعزي إلى جماعة من القدماء كالشيخين في المقنعة (٣) والنهاية (٤) وسلّار (٥) والحلبي (٦) وغيرهم (٧) بل عن حواشي الشهيد (٨) أنّ المنقول أنّ بيع السلاح حرام مطلقاً في حال الحرب والصلح والهدنة ، لأنّ فيه تقوية الكافر على المسلم فلا يجوز على كلّ حال.

ومنهم من قيّده بأحد امور ثلاث : قصد الإعانة ، أو قيام الحرب ، أو التهيّؤ له كما في عبارة المسالك (٩).

وقد يقيّد بأحد القيدين الأوّلين على معنى كون التحريم إمّا في صورة الإعانة أو في حال الحرب. وربّما اكتفى في التقييد بقصد الإعانة فقط. وربّما اقتصر على قيام الحرب فقط.

وربّما اعتبر الأمران معاً على معنى الجمود في التحريم على صورة قيام الحرب مع

__________________

(١) المكاسب للشيخ الأنصاري ١ : ١٤٧.

(٢) الشرائع ٢ : ٩.

(٣) المقنعة : ٥٨٨.

(٤) النهاية : ٣٦٥.

(٥) المراسم : ١٧٠.

(٦) الكافي في الفقه : ٢٨٢.

(٧) كما في السرائر ٢ : ٢١٦ ، وفي كشف الرموز ١ : ٤٣٩.

(٨) حاشية الشرائع : ٣٢٦.

(٩) المسالك ٣ : ١٢٣.

١٧٠

قصد الإعانة.

وما أبعد بينه وبين ما نسب إلى الشيخ النجفي في شرحه للقواعد (١) من التعدّي من السلاح إلى كلّ ما يتقوّى به الكفر من الأطعمة والأشربة والألبسة وغيرها ، فقال بتحريم بيع الكلّ من أعداء الدين من الكفّار والمشركين.

وقيل : لعلّ وجهه الإعانة على إثم الحرب مع المسلمين. فردّ بأنّ المعتبر في صدق الإعانة قصدها وحصول المعان عليه والشرط غير متحقّق هنا.

ويقوّى في النظر كون مستنده توهّم العموم من رواية تحف العقول حيث ذكر فيه «وكذلك كلّ مبيع ملهوّ به ، وكلّ منهيّ عنه ممّا يتقرّب به لغير الله عزوجل أو يقوى به الكفر والشرك أو باب يوهن به الحقّ فهو حرام محرّم بيعه وشراؤه وإمساكه وملكه وهبته وعاريته وجميع التقلّب فيه» فإنّ قوله : «باب يوهن به الحقّ» يعمّ ما ذكر.

ولكن يزيّفه أنّ هذا العموم ممّا لا عامل به من الأصحاب بل يشبه بكونه خلاف السيرة المستمرّة من عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكلّ واحد من الأئمّة عليهم‌السلام لاستقرارها على حمل المسلمين إلى الكفّار والمشركين وسائر أعداء الدين ما يعيشون به من الأطعمة والأشربة والألبسة وغيرها من غير نكير ولا ردع من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام مضافاً إلى أنّ في صحيح عليّ بن جعفر الآتي ما هو نصّ في الجواز.

وكيف كان فينبغي لاستعلام ما هو الحقّ من أقوال المسألة النظر في نصوصها ، وهي من المطلق والمقيّد منها عدّة روايات : مثل صحيح عليّ بن جعفر المرويّ عن كتاب مسائله وعن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : «سألته عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة؟ قال : إذا لم يحملوا سلاحاً فلا بأس» (٢) وما رواه الصدوق بإسناده عن جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم‌السلام في وصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام قال : «يا عليّ كفر بالله العظيم من هذه الامّة عشرة أصناف ... إلى أن قال : وبائع السلاح من أهل الحرب» (٣) وهذا كمفهوم الأوّل من جهة الإطلاق يعمّ حال الحرب وغيرها من حال

__________________

(١) شرح القواعد ١ : ١٦٢.

(٢) الوسائل ١٧ : ١٠٣ / ٦ ، ب ٨ ما يكتسب به ، مسائل عليّ بن جعفر : ١٧٦ / ٣٢٠.

(٣) الوسائل ١٧ : ١٣٠ / ٧ ، ب ٨ ما يكتسب به ، الفقيه ٤ : ٢٥٧ / ٨٢١.

١٧١

الهدنة والمباينة ، بناءً على إرادة ما يقابل أهل الذمّة من أهل الحرب وهم الّذين لا يلتزمون شرائط الجزية وإن كانوا لا يتعرّضون المسلمين بالقتال والمحاربة.

وفي مقابلهما رواية أبي بكر الحضرمي قال : «دخلنا على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له حكم السرّاج : ما تقول فيمن يحمل إلى الشام السروج وأداتها؟ فقال : لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّكم في هدنة ، فإذا كانت المبائنة حرم عليكم أن يحملوا إليهم السروج والسلاح» (١) ورواية هند السرّاج قال : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلحك الله أنّي كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعه منهم ، فلمّا عرّفني الله هذا الأمر ضقت بذلك وقلت : لا أحمل إلى أعداء الله ، فقال لي : احمل إليهم وبعهم ، فإنّ الله يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم ـ يعني الروم ـ فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا ، فمن حمل إلى عدوّنا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك» (٢) وصريحه كالأوّل اختصاص الحكم بصورة المبائنة المقابلة للهدنة وهو صلح المسلمين مع أهل الحرب على ترك الحرب إلى مدّة معيّنة ، فتكون بمعنى ارتفاع الصلح أو انقضاء زمانه ، ولا يكون إلّا بعزم أهل الحرب على قتال المسلمين وتهيّؤهم له وإن لم يتحرّكوا عن مقرّهم وأوطانهم بعد. فوجب الخروج من إطلاق الأوّلين بحملهما عليهما من باب حمل المطلق على المقيّد دفعاً للمعارضة الظاهرة.

فالمحصّل من المجموع بعد إعمال الجمع بين المطلقات والمقيّدات هو حرمة بيع السلاح لأهل الحرب من أعداء الدين في حال المبائنة وارتفاع الهدنة والصلح الّذي يتحقّق بالعزم على قتال المسلمين والتهيّؤ له وإن لم يتشاغلوا به بعد ، بل ولم يخرجوا عن منازلهم وأوطانهم كما يرشد إليه الخبران الأوّلان لتضمّنهما النهي عن حمل السلاح إلى الشام عند صيرورة المبائنة والحرب. فما تقدّم من الجماعة : من إطلاق القول بالتحريم حتّى في صورة الهدنة والصلح ولا سيّما الشهيد في حواشيه (٣) لصراحة كلامه فيه ، غير صحيح ، لكونه طرحاً للمقيّدات من روايات المسألة.

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ١٠١ / ١ ، ب ٨ ما يكتسب به ، الكافي ٥ : ١١٢ / ١.

(٢) الوسائل ١٧ : ١٠١ / ٢ ، ب ٨ ما يكتسب به ، الكافي ٥ : ١١٢ / ٢.

(٣) حاشية الشرائع : ٣٢٦.

١٧٢

وأمّا التقييد بحال الحرب أو قيامه في كلامه الآخرين ، فإن أرادوا بحال الحرب أو قيامه ما يرجع إلى ما استظهرناه من الخبرين فمرحباً بالوفاق ، وإن أرادوا به خصوص حال التشاغل به أعني وقوع المعركة أو ما يقرب منه كتلاقي الفئتين وتقابلهما للمعركة فهو خروج من إطلاق نصوص المسألة بلا شاهد عليه ، لما عرفت من أنّها بعد إرجاع مطلقاتها إلى مقيّداتها تفيد المنع والتحريم في أزيد من ذلك.

وأمّا من اعتبر القصد إلى الإعانة في محلّ التحريم فإن اعتبره مع قيام الحرب بالمعنى المذكور كما عرفت القول به فهو أيضاً تقييد بلا دليل فينفيه الإطلاق ، وإن أراد به الاكتفاء به في محلّ التحريم ولو مع عدم قيام الحرب ففيه : أنّ قصد الإعانة من دون ترتّب المعان عليه ممّا لا تأثير له في الحكم ، ومع ذلك فهو طرح لما دلّ على الاختصاص بصورة قيام الحرب والمباينة من الخبرين.

فروع :

الأوّل : لا فرق في محلّ التحريم بين كون أعداء الدين من فرق الكفر كالمشركين وغيرهم ، أو من المسلمين كالخوارج الّذين يخرجون على إمام العصر ويستحلّون قتاله ـ كخوارج صفّين والنهروان وأصحاب الجمل الموسومين بالقاسطين والمارقين والناكثين ـ كما نصّ عليه في المسالك (١). والدليل على ذلك أوّلاً : عموم أهل الحرب في وصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ عليه‌السلام بناءً على كون المراد من الحرب معناه اللغوي المقيّد بصورة المبائنة لا خصوص من لا يلتزم بشرائط الذمّة من الكفّار. وثانياً : روايتا السرّاجين لاختصاص موردهما بأهل الشام وهم في زمان الصدور كانوا يعدّون من المسلمين.

الثاني : هل يلحق بأعداء الدين قطّاع الطريق؟ كما صرّح به في المسالك ٢ أيضاً وجهان : من الاقتصار على مورد النصّ حذراً عن القياس ، ومن عموم تحريم الإعانة على الإثم. وهذا أوجه ، ولكن وجب تقييده حينئذٍ بقصد الإعانة وتعقّبه بحصول المعان عليه وهو إثم قطع الطريق ، لما ذكرناه مراراً من عدم صدق عنوان الإعانة على الإثم إلّا بتحقّق الشرطين ، أمّا الأوّل فلأنّ المصداق المشترك بين عنوانين لا يتعيّن لأحدهما إلّا

__________________

(١ و ٢) المسالك ٣ : ١٢٣.

١٧٣

بقصد التعيين وهو قصد العنوان ، وأمّا الثاني فلانتفاء الأمر النسبي بانتفاء أحد المنتسبات ، ولذا لا يقال على من قصد الإعانة على الإثم ولكن لم يترتّب عليه حصول الإثم أنّه أعانه على الإثم ، فهذا ليس بإعانة بل قصد إعانة ، ومن المعلوم عدم لحوق قصد الشي‌ء به في الحكم.

الثالث : يلحق السروج بالسلاح في الحكم ، لصراحة رواية حكم السرّاج فيه. وفي لحوق ما يتوقّى العدوّ نفسه من القتل من الجثّة والخود والدرع ونحوهما وجهان : من الجمود على موضع النصّ وهذا غير مذكور فيه فيكون التعدّي قياساً ، ومن الأولويّة بالقياس إلى السرج لأنّه أدخل في استقرار الحرب والإقدام عليه من السرج. وهذا أوجه لا لمجرّد الأولويّة لكونها ظنّيّة بما لا يبلغ حدّ الاطمئنان ، بل للتعليل المستفاد ممّا في ذيل رواية هند السرّاج من قوله عليه‌السلام : «فمن حمل إلى عدوّنا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك» (١) نظراً إلى أنّ توصيف موضوع الحكم بالوصف المناسب للحكم يفيد علّيّة الوصف ، فهو كمنصوص العلّة. فحاصل ما يستفاد من الوصف كون المناط ما به يتقوّى العدوّ على المسلم فيندرج فيه ما نحن فيه. ومن ذلك ظهر لحوق الفرس أيضاً بل هو أولى بالحكم من السرج جزماً ، وأمّا لباس الفرس كالتمتام بكسر التاء ونحوه فلحوقه مشكل بل الظاهر عدمه حذراً عن القياس ، مع انتفاء الأولويّة والمناط المذكور فيه كما لا يخفى.

الرابع : هل البيع من أعداء الدين حيث يحرم فاسد أيضاً أو لا؟ قولان ، حكاهما في المسالك (٢) واختار أوّلهما تمسّكاً بالنهي لتعلّقه بالمعوّض. وفيه : أنّ كبرى هذه القاعدة ممّا لا كلام فيه على معنى أنّ اقتضاء النهي عن المعاملة باعتبار أحد العوضين الفساد مسلّم لكشفه عن عدم صلاحية المورد للتمليك والتملّك ، والكلام إنّما هو في الصغرى وهو كون ما نحن فيه من النهي المتعلّق بالمعاملة باعتبار أحد العوضين لذاته ، لأنّ الظاهر المنساق من نصوص المسألة ولا سيّما ما في رواية هند من وصف السلاح بكونه ما يستعان به أي يتقوّى به العدوّ ، وهذا كما ترى أمر خارج ، فالنهي إنّما تعلّق ببيع

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ١٠١ / ٢ ، ب ٨ ما يكتسب به.

(٢) المسالك ٣ : ١٢٣.

١٧٤

السلاح وغيره باعتبار هذا الأمر الخارج ، ومثله لا يقتضي الفساد.

نعم يمكن إثبات الفساد ممّا في رواية التحف من قوله عليه‌السلام : «وملكه» بالتقريب الّذي قدّمناه مراراً من كون المراد تحريم ترتيب جميع آثار الملكيّة ، ولا يكون إلّا من جهة انتفاء الملكيّة. هذا ، ولكن في النفس بعد شي‌ء لظهوره في انتفاء الملكيّة عن الشي‌ء في نفسه ، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل ، والمقصود إثبات الفساد في المبيع بهذا البيع لا مطلقاً ، وإلّا فلا إشكال في أنّه مع قطع النظر عن هذا البيع ملك ويملك في غير هذه الصورة من البيوع.

١٧٥

الباب الثالث

فيما لا ينتفع به من الأشياء

كالحشرات وفضلات الإنسان وما يلحق بهما من المسوخ والسباع ، والتعبير عن العنوان بما سمعت كما وقع في كلام جماعة بل الأكثر ، كالمبسوط (١) والغنية (٢) والوسيلة (٣) والشرائع (٤) والنافع (٥) والتذكرة (٦) والقواعد (٧) والسرائر (٨) والإرشاد (٩) والكفاية (١٠) وغيرها (١١). وفي الدروس (١٢) التعبير عنه بما لا نفع مقصوداً منه للعقلاء كالحشار وفضلات الإنسان ، وفي معناه ما في المستند من التعبير «ممّا لا يكون فيه نفع معتدّ به عند العقلاء» (١٣) وفي اللمعة التعبير «بما لا نفع فيه غالباً كالحشرات وفضلات الإنسان» (١٤) والمعنى عند الكلّ واحد.

وما يتراءى من العبارات المذكورة اختلاف في التعبير لا في المعنى لرجوع عبارة المطلقين إلى المقيّد المصرّح به في كلام الآخرين أعني ما لا يكون فيه نفع مقصود للعقلاء سواء لم يكن فيه نفع أصلاً أو كان ولم يكن مقصوداً للعقلاء. وإليه يرجع أيضاً النفع الغالب قبالاً للنفع النادر ، إذ ليس المراد بغلبة النفع وندرته غلبة أو ندرة وجوده ولا غلبة أو ندرة اتّفاق الحاجة إليه ، بل غلبة أو ندرة قصده وطلبه ، فإنّ المنفعة عبارة

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٦٦.

(٢) الغنية : ٢١٣.

(٣) الوسيلة : ٢٤٨.

(٤) الشرائع : ٢٤٨.

(٥) النافع : ١١٦.

(٦) التذكرة ١٠ : ٣٥.

(٧) القواعد ٢ : ٦.

(٨) السرائر ٢ : ٢٢٠.

(٩) الإرشاد ١ : ٣٥٧.

(١٠) الكفاية : ٨٥.

(١١) كما في المسالك ٣ : ١٢٥ ، مجمع البرهان ٨ : ٥٣.

(١٢) الدروس ٣ : ١٦٣.

(١٣) المستند ١٤ : ١٠١.

(١٤) اللمعة : ٦٣.

١٧٦

عن الفائدة المطلوبة أي المقصودة من الشي‌ء ولا بدّ له من طالب وقاصد وهو قد يكون الغالب من العقلاء وقد يكون البعض النادر منهم.

وبعبارة اخرى أنّ الفائدة الموجودة في الشي‌ء إن كان ممّا يعتدّ به ويعتني إليه غالب العقلاء فهو النفع الغالب ، وإن كان بحيث لا يعتدّ ولا يعتني به إلّا البعض النادر منهم فهو النفع النادر ، والّذي يشهد بذلك كلّه أنّ الجميع على اختلاف عبائرهم مثّلوا للعنوان بالحشرات ، ومنهم من أضاف إليها فضلات الإنسان ، ومنهم من أضاف إليها جملة من المسوخ والسباع كلّها أو بعضها. ولذا ترى ما في كلام جماعة من منع جواز بيع القردة لفائدة حفظ المتاع تعليلاً بأنّه منفعة نادرة أي ندرة من يطلب هذه المنفعة من العقلاء ، ونحوه من منعه في دود القزّ لفائدة صيد السمك تعليلاً بالندرة. ومن ثمّ أيضاً قال العلّامة في التذكرة ـ بعد ما ذكر لما لا ينتفع به أمثلة من الحشرات ـ : «ولا اعتبار بما يورد في الخواصّ من منافعها ، فإنّها مع ذلك لا تعدّ مالاً» (١) فإنّ مراده أنّ هذه الخواصّ في الأشياء المذكورة منافع لا يقصدها العقلاء أي لا يعتني بها غالبهم بدليل أنّهم لا يعدّون هذه الأشياء مع هذه الخواصّ أموالاً حيث لا يعتبرون لها قيمة بل لا قيمة لها عندهم ولا يقابلون لها بالمال إلّا نادراً.

ولا ينافي ما ذكرناه ما قد يوجد في كلامهم من التمثيل لما لا ينتفع به بغير الحشرات كما في الشرائع (٢) حيث مثّل بالمسوخ برّيّة كانت أو بحرّية وبالسباع ، لأنّ هذا منه مبنيّ على كلام صغروي تتعرّض له فيما بعد ذلك إن شاء الله ، وهو أنّ المسوخ والسباع أيضاً كالحشرات ليس فيها منفعة غالبة مقصودة للعقلاء أوّلاً ، فما سمعت بناءً منه فيها على العدم.

وبالجملة محلّ المنع في هذا الباب الأشياء الّتي ليس فيها منفعة غالبة مقصودة للعقلاء وإن فرض في بعضها منفعة نادرة غير مقصودة لهم كالفضلات والحشرات من الحيوانات كالفار والعقارب والحيّات والخنافس والجعلان وبنات وردان (٣) والديدان

__________________

(١) التذكرة ١٠ : ٣٥.

(٢) الشرائع ٢ : ١٠.

(٣) ما يقال له بالفارسيّة سوسك ويكون في الحمّامات وبيوت التخلّي. منه.

١٧٧

والقنافذ واليرابيع والنمل والزنبور والبعوضة والبق والقمّل والبرغوث وما يلحق بها كالخفّاش الّذي يطير بالليل.

ويرجع الحكم عليها بعدم جواز التكسّب بها وعدم صحّة المعاملة عليها إلى بيان أنّ من شروط صحّة البيع وغيره من عقود المعاوضة اشتمال المورد على منفعة معتدّ بها عند العقلاء وهو النفع الغالب المقصود لهم.

وإذا تمهّد هذا فينبغي التكلّم في مقامين :

المقام الأوّل : في الحكم الكبروي للأشياء الغير المنتفع بها جزماً فنقول : المعروف من مذهب الأصحاب فيما لا ينتفع به من الأشياء ـ كالمذكورات ـ هو عدم جواز التكسّب بها وعدم صحّة المعاملة عليها مطلقاً بلا خلاف يظهر ، بل الظاهر المظنون القويّ المتاخم للعلم إن لم ندّع القطع أنّه إجماعي كما صرّح به في الرياض (١) ونصّ عليه بقسميه في الجواهر (٢).

وصرّح الشيخ في موضع من المبسوط بعدم الخلاف فيه حيث إنّه في حكم ما يصحّ بيعه وما لا يصحّ قال : «الأشياء على ضربين حيوان أو غير حيوان ، والحيوان على ضربين آدمي وبهيمة ... إلى أن قال : وما ليس بآدمي من البهيمة فعلى ضربين نجس وطاهر ... إلى أن قال : وأمّا الطاهر فعلى ضربين ضرب ينتفع والآخر لا ينتفع به ... إلى أن قال : وإن كان ممّا لا ينتفع به فلا يجوز بيعه بلا خلاف مثل الأسد والذئب وسائر الحشرات من الحيّات والعقارب والفار والخنافس والجعلان والحدأة والنسر والرخمة وبغاث الطير وكذلك الغربان سواء كان أبقع أو أسود ... إلى آخر ما ذكر. وفي موضع آخر بعيد ذلك بأسطر صرّح بالإجماع قائلاً : «كلّما ينفصل من آدمي من شعر ومخاط ولعاب وظفر وغيره لا يجوز بيعه إجماعاً ، لأنّه لا ثمن له ولا منفعة فيه» (٣) الخ.

لا يقال : هذا مخصوص بفضلات الإنسان ولا يتعدّاها إلى غيره. لإمكان تعدية الحكم أوّلاً بالإجماع المركّب ، وثانياً بتنقيح المناط لوضوح أنّ مناط الحكم كما يظهر من تعليله انتفاء الثمن على معنى عدم قيمة لهذه الأشياء في العرف والعادة وعدم

__________________

(١) الرياض ٨ : ١٤٧.

(٢) الجواهر ٢٢ : ٣٤.

(٣) المبسوط ٢ : ١٦٥ ـ ١٦٧.

١٧٨

المنفعة ، وكلّ منهما موجود في الحشرات وما يلحق بها من السباع والمسوخ ، وثالثاً ظهور كون الإجماع المذكور إجماعاً على الحكم والعلّة معاً على معنى كونه نقلاً للكاشف عن قول المعصوم في كليهما فتكون نوعاً من العلّة المنصوصة وهي حجّة.

ويظهر دعوى الإجماع أيضاً من تذكرة العلّامة ومن التنقيح ، أمّا الأوّل فلأنّه قال : «لا يجوز بيع ما لا ينتفع به من الحيوانات كالخفّاش والعقارب والحيّات وبنات وردان والجعلان والقنافذ واليرابيع ، لخسّتها وعدم التفات نظر الشارع إلى مثلها في التقويم ولا يثبت الملكيّة لأحد عليها ولا اعتبار بما يورد في الخواصّ من منافعها فإنّها مع ذلك لا تعدّ مالاً وكذا عند الشافعي» (١) الخ فإنّ قوله «وكذا عند الشافعي» يفيد كون لفظ «عندنا» مطويّاً قبل ذلك في العبارة بل ربّما يفيد كون الاتّفاق عند الأصحاب على الحكم في الوضوح بحيث لا يحتاج إلى التصريح به في الكلام.

وأمّا الثاني فلأنّه عند بيان حكم ما يصحّ بيعه من الأشياء وما لا يصحّ فإنّه بعد ما قسّم الأشياء إلى ما لا منفعة فيه أصلاً وإلى ما فيه منفعة وقسّم الثاني إلى ما يكون جميع منافعه محلّلة وما يكون جميع منافعه محرّمة وما بعض منافعه محرّمة وبعضها محرّمة على ما حكي ذكر «أنّ الأوّل من هذه الأقسام يجوز بيعه والثاني يجوز بيعه إجماعاً والثالث لا يجوز إجماعاً» (٢) فهو ملحوق بمعدوم المنفعة فإنّ ذلك يدلّ على كون معدوم المنفعة أيضاً إجماعيّاً. وهذا ربّما يعطي دعوى الإجماع في معدوم المنفعة على وجه أبلغ من التصريح به لأنّ اللحوق يقتضي كون الملحوق به أصلاً والملحوق فرعاً ، فيكون الإجماع على الفرع من جهة الإجماع على الأصل ، أو أنّ الأصل أولى بالإجماع.

وهذه الإجماعات إن لم نقل بحجّيّة كلّ واحد من حيث إنّه إجماع فلا أقلّ من أنّه يحصل من ملاحظة مجموعها مع اعتضادها بما ذكرناه من ظهور عدم الخلاف ، بل ظهور الإجماع الظنّ القويّ البالغ حدّ الاطمئنان بالحكم ، وعليه مدار الاستنباط عندنا غالباً هذا.

__________________

(١) التذكرة ١٠ : ٣٥.

(٢) التنقيح ٢ : ١٠.

١٧٩

ويدلّ عليه أيضاً وجوه اخر :

منها : أنّ هذه الأشياء لا يثبت عليها الملكيّة لأحد كما نصّ عليه فيما سمعت من التذكرة ، فلا يجري عليها البيع وغيره من عقود المعاوضة لاشتراط الملكيّة في صحّتها ، أمّا الصغرى فيكفي في إحرازها الأصل لأنّ الملكيّة في الأملاك صفة حادثة ، والأصل عدم حدوثها في هذه الأشياء بشي‌ء من أسبابها حتّى الحيازة.

لا يقال : إنّ الأصل بالنسبة إلى الحيازة منقطع بعموم قوله عليه‌السلام : «لليد ما أخذت». لأنّ عامّ في مورده والمقام ليس من مورده لاعتبار قابليّة التملّك في مورده فهو عامّ في الأشياء القابلة لأن يحدث فيها الملكيّة ، ونحن نشكّ في عروض صفة الملكيّة لهذه الأشياء باعتبار الشكّ في قابليّتها للتملّك. فالأصل المذكور ممّا لا وارد عليه من جهة هذه الرواية إذ القابليّة لا تحرز بها ، على أنّه يمكن إثبات عدم القابليّة فيها بملاحظة العرف والعادة ـ أعني عادةً الناس وعامّة العقلاء ـ لجريانها بأنّهم لا يتملّكون هذه الأشياء لخسّتها وعدم منفعة فيها تكون مقصودة للعقلاء ولا يرتّبون عليها آثار الملكيّة أصلاً ، فتكون سيرة بينهم وليست بحادثة بل قديمة ثابتة من عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما قبله وما بعده من أعصار الأئمّة عليهم‌السلام وغيرها إلى يومنا ، فتكون كاشفة عن تقرير المعصومين عليهم‌السلام الناس على معتقدهم وعملهم.

ومنها : أنّ هذه الأشياء لا تعدّ أموالاً في العرف والعادة ولا يعتبر لها قيمة عند العقلاء ، وما قد يتّفق نادراً من التقويم وأخذ القيمة أو بذلها فهو لا يوجب الماليّة لعدم اعتناء الشارع بها بل هو في الحقيقة ليس تقويماً بل قد يقصد به رفع اليد فلا تصلح للتعويض فلا تجري عليها عقود المعاوضة ولا غيرها ممّا ينوط انعقاده بماليّة المورد ، كما أشار إلى هذا الوجه في عبارة التذكرة كقوله : «ولا اعتبار بما يورد في الخواصّ من منافعها تعليلاً بأنّها مع ذلك لا تعدّ مالاً» (١).

ومنها : أنّ التكسّب بهذه الأشياء معاملة سفهيّة ، وهي خارجة من مقاصد العقلاء فلا يشملها عمومات الصحّة لاختصاصها بحكم التبادر بما يتداوله العقلاء.

__________________

(١) التذكرة ١٠ : ٣٥.

١٨٠