البرهان في تفسير القرآن - ج ١

السيد هاشم الحسيني البحراني

البرهان في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني البحراني


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٥٢

فقد أتاك الأسد الصؤول (٦)

بصارم ليس به فلول (٧)

ينصره القاهر والرسول

فقال طلحة : من أنت ، يا غلام؟ قال : «أنا علي بن أبي طالب». قال : قد علمت ـ يا قضيم (٨) ـ أن لا يجسر علي أحد غيرك. فشد عليه طلحة فضربه ، فاتقاه أمير المؤمنين عليه‌السلام بالجحفة (٩) ، ثم ضربه أمير المؤمنين عليه‌السلام على فخذيه فقطعهما جميعا ، فسقط على ظهره وسقطت الراية ، فذهب علي عليه‌السلام ليجهز عليه فحلفه بالرحم فانصرف عنه. فقال المسلمون : ألا أجهزت عليه! قال عليه‌السلام : «قد ضربته ضربة لا يعيش منها أبدا».

ثم أخذ الراية أبو سعيد بن أبي طلحة : فقتله علي عليه‌السلام وسقطت رايته إلى الأرض ، فأخذها عثمان بن أبي طلحة ، فقتله علي عليه‌السلام وسقطت الراية إلى الأرض ، فأخذها مسافع بن أبي طلحة ، فقتله علي عليه‌السلام وسقطت الراية إلى الأرض ، فأخذها الحارث بن أبي طلحة ، فقتله علي عليه‌السلام وسقطت الراية إلى الأرض ، فأخذها أبو عزيز (١٠) بن عثمان ، فقتله علي عليه‌السلام وسقطت الراية إلى الأرض ، فأخذها عبد الله بن جميلة بن زهير ، فقتله علي عليه‌السلام وسقطت الراية إلى الأرض. فقتل أمير المؤمنين عليه‌السلام التاسع من بني عبد الدار وهو أرطاة بن شرحبيل مبارزة ، فسقطت الراية إلى الأرض ، فأخذها مولاهم صؤاب ، فضربه أمير المؤمنين عليه‌السلام على يمينه فقطعها ، وسقطت الراية إلى الأرض ، فأخذها بشماله فضربه أمير المؤمنين عليه‌السلام على شماله فقطعها ، وسقطت الراية إلى الأرض ، فاحتضنها بيديه المقطوعتين ، ثم قال : يا بني عبد الدار ، هل أعذرت فيما بيني وبينكم؟ فضربه أمير المؤمنين عليه‌السلام على رأسه فقتله ، وسقطت الراية إلى الأرض ، فأخذتها عمرة بنت علقمة الحارثية ، فقبضتها.

وانحط خالد بن الوليد على عبد الله بن جبير ، وقد فر أصحابه وبقي في نفر قليل ، فقتلوهم على باب الشعب ، فاستعقبوا المسلمين (١١) فوضعوا فيهم السيف ، ونظرت قريش في هزيمتها إلى الراية قد رفعت فلا ذوا بها ، وأقبل خالد بن الوليد على أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتلهم ، فانهزم أصحاب رسول الله هزيمة قبيحة ، وأقبلوا يصعدون في الجبال وفي كل وجه ، فلما رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الهزيمة كشف البيضة عن رأسه ، وقال : «إني أنا رسول الله ، إلى أين تفرون عن الله وعن رسوله»؟.

١٩٠١ / ٦ ـ علي بن إبراهيم ، قال : حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنه

__________________

(٦) الصؤول : الشديد الصّول. «المعجم الوسيط ـ صول ـ ١ : ٥٢٩».

(٧) فلول السيف : هي كسور في حدّه. «مجمع البحرين ـ فلل ـ ٥ : ٤٤٥».

(٨) أنظر معناها في الحديث الآتي.

(٩) الجحفة : بالتحريك التّرس ، وذلك إذا كانت من جلود وليس فيها خشب. «مجمع البحرين ـ جحف ـ ٥ : ٣٥».

(١٠) في المصدر : أبو عذير ، والظاهر أنّها تصحيف أبو عزيز بن عمير ، انظر مغازي الواقدي ١ : ٣٠٨.

(١١) في «ط» نسخة بدل : واستقفوا ، ثمّ أتى المسلمين من أدبارهم.

٦ ـ تفسير القمّي ١ : ١١٤.

٦٨١

سئل عن معنى قول طلحة بن أبي طلحة لما بارزه علي عليه‌السلام : يا قضيم.

قال : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب فأغروا به الصبيان ، وكانوا إذا خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرمونه بالحجارة والتراب ، فشكا ذلك إلى علي عليه‌السلام ، فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، إذا خرجت فأخرجني معك. فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه أمير المؤمنين عليه‌السلام فتعرض الصبيان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كعادتهم ، فحمل عليهم أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) ، وكان يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم ، فكان الصبيان يرجعون باكين إلى آبائهم ويقولون : قضمنا علي ، قضمنا علي ، فسمي لذلك : القضيم».

١٩٠٢ / ٧ ـ علي بن إبراهيم : وروي عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، قال : كنت اماشي عمر بن الخطاب (١) إذ سمعت منه همهمة ، فقلت له : مه ، ماذا يا عمر؟ فقال : ويحك ، أما ترى الهزبر (٢) القضم بن القضم (٣) ، والضارب بالبهم (٤) ، الشديد على من طغى وبغى بالسيفين والراية؟ فالتفت فإذا هو علي بن أبي طالب عليه‌السلام. فقلت له : يا عمر ، هو علي بن أبي طالب. فقال : ادن مني حتى أحدثك من شجاعته وبطولته : بايعنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم احد على أن لا نفر ، ومن فر منا فهو ضال ، ومن قتل منا فهو شهيد ، والنبي زعيمه ، إذ حمل علينا مائة صنديد تحت كل صنديد مائة رجل أو يزيدون ، فأزعجونا عن طاحونتنا (٥) ، فرأيت علينا كالليث يتقي الذر ، إذا حمل كفا من حصى فرمى به في وجوهنا ، ثم قال : «شاهت الوجوه وقطعت (٦) وبطت (٧) ولطت (٨) ، إلى أين تفرون ، إلى النار؟!» فلم نرجع ، ثم كر علينا الثانية وبيده صفيحة (٩) يقطر منها الموت ، فقال : «بايعتم ثم نكثتم ، فو الله لأنتم أولى بالقتل ممن أقتل» فنظرت إلى عينيه كأنهما سليطان (١٠) يتوقدان نارا ، أو كالقدحين المملوءين دما ، فما ظننت إلا ويأتي علينا كلنا ، فبادرت أنا إليه من بين أصحابي ، فقلت : يا أبا الحسن ، الله الله ، فإن العرب تكر وتفر ، فإن الكرة تنفي الفرة.

__________________

٧ ـ تفسير القمّي ١ : ١١٤.

(١) في المصدر : أماشي فلانا ، وكذا في الموارد الآتية.

(٢) الهزبر : من أسماء الأسد. «لسان العرب ـ هزر ـ ٥ : ٢٦٣».

(٣) في «ط» : القضيم بن القضيم ، والقضم : الذي يقضم الناس فيهلكهم. «النهاية ٤ : ٧٨».

(٤) قال المجلسي : البهم : جمع بهمة ، وهي الحيلة الشديدة ، والشجاع الذي لا يدرى من أين يؤتى ، والصخرة ، والجيش ، والأنسب هنا الأوّل والآخر. «بحار الأنوار ٢٠ : ٦٧».

(٥) قال المجلسي : الطاحونة استعيرت هنا لمجتمع القوم ومستقرّهم. «بحار الأنوار ٢٠ : ٦٧» وفي المصدر : طحونتنا ، والطحون : الكتيبة العظيمة.

«القاموس المحيط ـ طحن ـ ٤ : ٢٤٧».

(٦) قطّت : قطعت عرضا.

(٧) بطّت : شقّت.

(٨) لطّت : منعت حقها.

(٩) الصفيحة : السيف العريض.

(١٠) السّلط : ما يضاء به ومن هذا قيل للزيت : سلط. «لسان العرب سلط ـ ٧ : ٣٢١».

٦٨٢

فكأنه استحيا فولى وجهه عني ، فما زلت اسكن روعة فؤادي ، فو الله ما خرج ذلك الرعب من قلبي حتى الساعة.

ولم يبق مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا أبو دجانة الأنصاري سماك بن خرشة وأمير المؤمنين عليه‌السلام ، وكلما حملت طائفة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استقبلهم أمير المؤمنين عليه‌السلام فيدفعهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقتلهم حتى انقطع سيفه ، وبقيت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسيبة بنت كعب المازنية ، وكانت تخرج مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزواته تداوي الجرحى ، وكان ابنها معها فأراد أن ينهزم ويتراجع ، فحملت عليه ، فقالت : يا بني ، إلى أين تفر عن الله وعن رسوله؟! فردته ، فحمل عليه رجل فقتله ، فأخذت سيف ابنها فحملت على الرجل فضربته على فخذه فقتلته ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بارك الله عليك يا نسيبة» وكانت تقي رسول الله بصدرها وثدييها ويديها حتى أصابتها جراحات كثيرة.

وحمل ابن قميئة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : أروني محمدا لا نجوت إن نجا. فضربه على حبل عاتقه ، ونادى : قتلت محمدا واللات والعزى. ونظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى رجل من المهاجرين قد ألقى ترسه خلف ظهره وهو في الهزيمة ، فناداه : «يا صاحب الترس ، ألق ترسك وسر (١١) إلى النار» فرمى بترسه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا نسيبة ، خذي الترس» فأخذت الترس وكانت تقاتل المشركين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لمقام نسيبة أفضل من مقام فلان وفلان وفلان».

فلما انقطع سيف أمير المؤمنين عليه‌السلام جاء إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : «يا رسول الله ، إن الرجل يقاتل بالسلاح ، وقد انقطع سيفي» فدفع إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيفه ذا الفقار ، فقال : «قاتل بهذا» ولم يكن يحمل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد إلا ويستقبله أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فإذا رأوه رجعوا ، فانحاز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى ناحية احد فوقف ، وكان القتال من وجه واحد ، وقد انهزم أصحابه ، فلم يزل أمير المؤمنين علي عليه‌السلام يقاتلهم حتى أصابته في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة ، فتحاموه وسمعوا مناديا ينادي من السماء :

لا سيف إلا ذو الفقار

والا فتى إلا علي

فنزل جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : هذه والله المواساة يا محمد. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لأني منه وهو مني» فقال جبرئيل : وأنا منكما.

وكانت هند بنت عتبة في وسط العسكر ، فكلما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلا ومكحلة ، وقالت له : إنما أنت امرأة فاكتحل بهذا.

وكان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم فإذا رأوه انهزموا ، ولم يثبت له أحد ، وكانت هند بنت عتبة قد أعطت وحشيا عهدا : لئن قتلت محمدا أو عليا أو حمزة لأعطينك رضاك. وكان وحشي عبدا لجبير بن مطعم ، حبشيا ، فقال وحشي : أما محمد فلا أقدر عليه ، وأما علي فرأيته رجلا حذرا كثير الالتفات ، فلم أطمع فيه ، فكمنت

__________________

(١١) في المصدر : ومرّ.

٦٨٣

لحمزة ، فرأيته يهد الناس هدا ، فمر بي فوطئ على جرف نهر فسقط ، فأخذت حربتي فهززتها ، ورميته فوقعت في خاصرته ، فخرجت من مثانته مغمسة بالدم ، فسقط ، فأتيته فشققت بطنه وأخذت كبده ، وأتيت بها إلى هند ، فقلت لها : هذه كبد حمزة. فأخذتها في فيها فلاكتها ، فجعلها الله في فيها مثل الداغصة (١٢) فلفظتها ورمت بها ، فبعث الله ملكا فحملها وردها إلى موضعها ـ قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «أبى الله أن يدخل شيئا من بدن حمزة النار» ـ فجاءت إليه هند فقطعت مذاكيره ، وقطعت أذنيه وجعلتهما خرصين وشدتهما في عنقها ، وقطعت يديه ورجليه.

وتراجع الناس ، فصارت قريش على الجبل ، فقال أبو سفيان وهو على الجبل : اعل هبل. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمير المؤمنين : «قل له : الله أعلى وأجل». فقال : يا علي إنه قد أنعم علينا (١٣). فقال علي عليه‌السلام : «بل الله أنعم علينا».

ثم قال أبو سفيان : يا علي ، أسألك باللات والعزى ، هل قتل محمد؟ فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لعنك الله ، ولعن اللات والعزى معك ، والله ما قتل محمد ، وهو يسمع كلامك». فقال : أنت أصدق ، لعن الله ابن قميئة ، زعم أنه قتل محمدا.

وكان عمرو بن قيس (١٤) قد تأخر إسلامه ، فلما بلغه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحرب أخذ سيفه وترسه وأقبل كالليث العادي ، يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله. ثم خالط القوم فاستشهد ، فمر به رجل من الأنصار فرآه صريعا بين القتلى ، فقال : يا عمرو ، أنت على دينك الأول؟ فقال : لا والله (١٥) ، إني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله. ثم مات ، فقال رجل من أصحاب رسول الله : يا رسول الله ، إن عمرو بن قيس قد أسلم وقتل ، فهو شهيد؟ فقال : «إي والله شهيد ، ما رجل لم يصل لله ركعة ودخل الجنة غيره».

وكان حنظلة بن أبي عامر رجل من الخزرج ، قد تزوج في تلك الليلة التي كانت صبيحتها حرب احد ، بنت عبد الله بن أبي سلول ، ودخل بها في تلك الليلة ، واستأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقيم عندها ، فأنزل الله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ) (١٦) فأذن له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذه الآية في سورة النور ، وأخبار احد في سورة آل عمران ، فهذا دليل على أن التأليف على خلاف ما أنزل الله.

__________________

(١٢) الدّاغصة : العظم المدوّر المتحرّك في رأس الرّكبة ، «المعجم الوسيط ـ دغص ـ ١ : ٢٨٧».

(١٣) كان الرجل من قريش إذا أراد ابتداء أمر ، عمد إلى سهمين ، فكتب على أحدهما : نعم ، وعلى الآخر : لا ، ثمّ يتقدّم إلى الصّنم ويجيل سهامه ، فإن خرج سهم نعم أقدم ، وإن خرج سهم لا امتنع ، وكان أبو سفيان لمّا أراد الخروج إلى أحد استفتى هبل ، فخرج له سهم الإنعام «النهاية ٣ : ٢٩٤» ولعلّه المراد بقوله : أنعم علينا.

(١٤) الظاهر أنّه عمرو بن ثابت بن وقش. انظر أسد الغابة ٤ : ٩٠.

(١٥) في المصدر : فقال معاذ الله.

(١٦) النور ٢٤ : ٦٢.

٦٨٤

فدخل حنظلة بأهله وواقع عليها ، فأصبح وخرج وهو جنب ، فحضر القتال فبعثت امرأته إلى أربعة نفر من الأنصار ، لما أراد حنظلة أن يخرج من عندها ، وأشهدت عليه أنه قد واقعها ، فقيل لها : لم فعلت ذلك؟

قال : رأيت في هذه الليلة في نومي كأن السماء قد انفرجت فرفع فيها حنظلة ، ثم انضمت ، فعلمت أنها الشهادة ، فكرهت أن لا اشهد عليه. فحملت منه.

فلما حضر حنظلة القتال نظر إلى أبي سفيان على فرس يجول بين الصفين (١٧) ، فحمل عليه فضرب عرقوب (١٨) ، فرسه ، فاكتسعت (١٩) الفرس ، وسقط أبو سفيان إلى الأرض ، وصاح : يا معشر قريش ، أنا أبو سفيان وهذا حنظلة يريد قتلي. وعدا أبو سفيان ، ومر حنظلة في طلبه ، فعرض له رجل من المشركين فطعنه ، فمشى إلى المشرك في طعنته فضربه فقتله ، وسقط حنظلة إلى الأرض بين حمزة وعمرو بن الجموح وعبد الله بن حزام وجماعة من الأنصار ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والأرض ، بماء المزن في صحاف (٢٠) من ذهب». فكان يسمى غسيل الملائكة.

١٩٠٣ / ١ ـ أبو علي الطبرسي ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى جبرئيل بين السماء والأرض على كرسي من ذهب ، وهو يقول :

لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي».

قوله تعالى :

يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [١٢٥]

١٩٠٤ / ٢ ـ محمد بن يعقوب : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي همام (١) ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، في قول الله عز وجل : (مُسَوِّمِينَ). قال : «العمائم ، اعتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسدلها من بين يديه ومن خلفه ، وأعتم جبرئيل عليه‌السلام فسدلها من بين يديه ومن خلفه».

١٩٠٥ / ٣ ـ عنه : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن

__________________

(١٧) في المصدر : العسكرين.

(١٨) العرقوب : الوتر الذي خلف الكعبين بين مفصل القدم والساق من ذوات الأربع ، وهو في الإنسان فويق العقب. «النهاية ٣ : ٢٢١».

(١٩) أي سقطت من ناحية مؤخّرها رومت به. «النهاية ٤ : ١٧٣».

(٢٠) في «س» : والأرض على كرسيّ. والصحاف : جمع صحفة ، القصعة. وفي «ط» والمصدر : صحائف.

٨ ـ مجمع البيان ٢ : ٨٢٦ مناقب ابن المغازلي : ١٩٧ / ٢٣٤ ، ذخائر العقبى : ٧٤ الرياض النضرة ٣ : ١٥٥ ينابيع المودة : ٢٠٩.

سورة آل عمران آية ـ ١٢٥ ـ

١ ـ الكافي ٦ : ٤٦٠ / ٢.

(١) وهو إسماعيل بن همّام بن عبد الرحمن البصري ، مولى كندة ، يكنّى أبا همّام ، ثقة ، راجع الحديث الرابع ورجال النجاشي : ٣٠ / ٦٢.

٢ ـ الكافي ٦ : ٤٦١ / ٣.

٦٨٥

أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر».

١٩٠٦ / ٣ ـ العياشي : عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر».

١٩٠٧ / ٤ ـ عن إسماعيل بن همام ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، في قول الله : (مُسَوِّمِينَ). قال : «العمائم ، اعتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسدلها من بين يديه ومن خلفه».

١٩٠٨ / ٥ ـ عن ضريس بن عبد الملك ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «إن الملائكة الذين نصروا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد ولا يصعدون حتى ينصروا صاحب هذا الأمر ، وهم خمسة آلاف».

قوله تعالى :

لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ [١٢٨]

١٩٠٩ / ١ ـ الشيخ المفيد في (الاختصاص) : عن محمد بن خالد الطيالسي ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن المنخل بن جميل ، عن جابر بن يزيد ، قال : تلوت على أبي جعفر عليه‌السلام هذه الآية من قول الله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ).

قال : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرص أن يكون علي عليه‌السلام ولي الأمر من بعده ، وذلك الذي عنى الله (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) وكيف لا يكون له من الأمر شيء وقد فوض إليه فقال : ما أحل النبي فهو حلالت ، وما حرم النبي فهو حرام؟».

١٩١٠ / ٢ ـ العياشي : عن جابر الجعفي ، قال : قرأت عند أبي جعفر عليه‌السلام قول الله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ).

قال : «بلى والله ، إن له من الأمر شيئا وشيئا وشيئا ، وليس حيث ذهبت ، ولكني أخبرك أن الله تبارك وتعالى لما أمر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يظهر ولاية علي عليه‌السلام فكر في عداوة قومه له ، ومعرفته بهم. وذلك الذي فضله الله

__________________

٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٩٦ / ١٣٦.

٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٩٦ / ١٣٧.

٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٩٧ / ١٣٨.

سورة آل عمران آية ـ ١٢٨ ـ

١ ـ الاختصاص : ٣٣٢.

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٩٧ / ١٣٩.

٦٨٦

به عليهم في جميع خصاله : كان أول من آمن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبمن أرسله ، وكان أنصر الناس لله تعالى ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأقتلهم لعدوهما ، وأشدهم بغضا لمن خالفهما ، وفضل علمه الذي لم يساوره أحد ، ومناقبه التي لا تحصى شرفا.

فلما فكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عداوة قومه له في هذه الخصال ، وحسدهم له عليها ضاق عن ذلك ، فأخبر الله تعالى أنه ليس له من هذا الأمر شيء ، إنما الأمر فيه إلى الله أن يصير عليا عليه‌السلام وصيه وولي الأمر بعده ، فهذا عني الله ، وكيف لا يكون له من الأمر شيء ، وقد فوض الله إليه أن جعل ما أحل فهو حلال ، وما حرم فهو حرام ، قوله : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)؟» (١).

١٩١١ / ٣ ـ عن جابر ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قوله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) فسره لي؟

قال : فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «لشيء قاله الله ، ولشيء أراده الله ، يا جابر ، إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان حريصا على أن يكون علي عليه‌السلام من بعده على الناس ، وكان عند الله خلاف ما أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١).

قال : قلت له : فما معنى ذلك؟

قال : «نعم ، عنى بذلك قول الله لرسوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) يا محمد ، في علي عليه‌السلام (٢) وفي غيره ، ألم أتل عليك يا محمد ، فيما أنزلت من كتابي إليك (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) إلى قوله : (فَلَيَعْلَمَنَ) (٣) ـ قال ـ : فوض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمر إليه».

١٩١٢ / ٤ ـ عن الجرمي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قرأ : «ليس لك من الأمر شيء أن يتوب عليهم أو يعذبهم (١) فإنهم ظالمون».

قوله تعالى :

وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ

__________________

(١) الحشر ٥٩ : ٧.

٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٩٧ / ١٤٠.

(١) أي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حريصا على أن تقع خلافته بعده بلا فصل كما أمره الله تعالى تشريعا في قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ... ) المائدة ٥ : ٦٧ ، وكان عند الله تعالى خلاف ذلك حيث إنّه علم بأنها ستغصب منه وأنّ الامّة تفتن بعده ٦ بدليل الآية الكريمة التي في ذيل الحديث.

(٢) في المصدر زيادة : الأمر إليّ في عليّ.

(٣) العنكبوت ٢٩ : ١ ـ ٣.

٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٩٨ / ١٤١.

(١) في «س» : أن تتوب عليهم أو تعذّبهم.

٦٨٧

أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [١٣٣]

١٩١٣ / ١ ـ العياشي : عن داود بن سرحان ، عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ). قال : «إذا وضعوها (١) كذا» وبسط يديه إحداهما مع الأخرى.

١٩١٤ / ٢ ـ ابن شهر آشوب في (المناقب) : قال في تفسير يوسف القطان ، عن وكيع ، عن الثوري ، عن السدي ، قال : كنت عند عمر بن الخطاب إذ أقبل عليه كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف (١) وحيي بن أخطب ، فقالوا : إن في كتابكم جنة عرضها السماوات والأرض ، إذا كانت سعة جنة واحدة كسبع سماوات وسبع أرضين ، فالجنان كلها يوم القيامة أين تكون؟ فقال عمر : لا أدري (٢).

فبينما هم في ذلك إذ دخل علي عليه‌السلام فقال : «في أي شيء أنتم»؟ فألقى اليهودي (٣) المسألة عليه.

فقال عليه‌السلام لهم : «خبروني أن النهار إذا أقبل الليل أين يكون [والليل إذا أقبل النهار أين يكون]؟» قالوا له : في علم الله تعالى يكون. فقال علي عليه‌السلام : «كذلك الجنان تكون في علم الله تعالى» فجاء علي عليه‌السلام. إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخبره بذلك ، فنزل (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٤).

١٩١٥ / ٣ ـ ابن الفارسي في (روضة الواعظين) قال : سئل أنس بن مالك ، فقيل له : يا أبا حمزة ، الجنة في الأرض أم في السماء؟ قال : وأي الأرض تسع الجنة ، وأي سماء تسع الجنة ، قيل : فأين هي؟ قال : فوق السماء السابعة تحت العرش.

قوله تعالى :

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ

__________________

سورة آل عمران آية ـ ١٣٣ ـ

١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٩٨ / ١٤٢.

(١) في «ط» : وصفوها.

٢ ـ المناقب ٢ : ٣٥٢.

(١) في المصدر : الصيفي.

(٢) في المصدر : لا أعلم.

(٣) في المصدر : فالتفت اليهودي وذكر.

(٤) النّحل ١٦ : ٤٣ ، الأنبياء ٢١ : ٧.

٣ ـ روضة الواعظين : ٥٠٥.

٦٨٨

عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [١٣٤]

١٩١٦ / ١ ـ محمد بن يعقوب : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه (١) ، عن بعض أصحابه ، عن مالك بن حصين السكوني ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ما من عبد كظم غيظا إلا زاده الله عز وجل عزا في الدنيا والآخرة ، وقال الله عز وجل : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [وأثابه الله مكان غيظه ذلك]».

١٩١٧ / ٢ ـ المفيد في (إرشاده) ، قال : أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد ، قال : حدثني جدي ، قال : حدثني محمد بن جعفر وغيره ، قالوا : وقف على علي بن الحسين عليهما‌السلام رجل من أهل بيته ، فأسمعه وشتمه ، فلم يكلمه ، فلما انصرف قال لجلسائه : «قد سمعتم ما قال هذا الرجل ، وأنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردي عليه». قال : فقالوا له : نفعل ، ولقد كنا نحب أن تقول له ونقول.

قال : فأخذ نعليه ومشى وهو يقول : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فعلمنا أنه لا يقول شيئا. قال : فخرج حتى أتى منزل الرجل فصرخ به ، فقال : «قولوا له : هذا علي بن الحسين» قال : فخرج إلينا متوثبا للشر ، وهو لا يشك أنه إنما جاء مكافئا له على بعض ما كان منه ، فقال له علي بن الحسين عليهما‌السلام : «يا أخي ، إنك كنت وقعت علي آنفا وقلت ، فإن كنت قد قلت ما في فإني استغفر الله منه ، وإن كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك» قال : فقبل الرجل بين عينيه ، وقال : بل قلت فيك ما ليس فيك ، وأنا أحق به.

قال الراوي للحديث : والرجل هو الحسن بن الحسن.

١٩١٨ / ٣ ـ عنه ، قال : أخبرني الحسن بن محمد ، عن جده ، قال : حدثني شيخ من أهل اليمن ، قد أتت عليه بضع وسبعون (١) سنة ، قال : أخبرني رجل يقال له : عبد الله (٢) بن محمد ، قال : سمعت عبد الرزاق يقول : جعلت فداك ، جارية لعلي بن الحسين عليهما‌السلام ، تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة ، فنعست (٣) فسقط الإبريق من يد الجارية فشجه ، فرفع رأسه إليها ، فقالت له الجارية : إن الله تعالى يقول : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) قال : «قد كظمت غيظي» قالت : (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) قال لها : «عفا الله عنك» قالت : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال : «اذهبي فأنت حرة لوجه الله».

__________________

سورة آل عمران آية ـ ١٣٤ ـ

١ ـ الكافي ٢ : ٨٩ / ٥.

(١) (عن أبيه) ليس في المصدر. انظر معجم رجال الحديث ١٤ : ١٦٦.

٢ ـ الإرشاد : ٢٥٧.

٣ ـ الإرشاد ٢٥٧.

(١) في المصدر : وتسعون.

(٢) في المصدر : عبيد الله ، تصحيف ، وهو الحافظ عبد الله بن محمّد بن عبد الله الجعفي المسندي ، شيخ البخاري وأستاذه ، روى عن عبد الرزّاق. سير أعلام النبلاء ١٠ : ٦٥٨.

(٣) في المصدر : فتعبت.

٦٨٩

قوله تعالى :

وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا

لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ

يَعْلَمُونَ ـ إلى قوله تعالى ـ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ [١٣٥ ـ ١٣٦]

١٩١٩ / ١ ـ محمد بن يعقوب : عن أبي علي الأشعري ، عن محمد بن سالم ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو ابن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قول الله عز وجل : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

قال : «الإصرار هو أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله ، ولا يحدث نفسه بتوبة ، فذلك الإصرار».

١٩٢٠ / ٢ ـ عنه ، قال : حدثني علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن حفص بن المؤذن ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن محمد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١) ـ في حديث طويل ـ قال يعظ أصحابه : «وإياكم والإصرار على شيء مما حرم الله تعالى في ظهر القرآن وبطنه ، وقد قال الله تعالى : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٢) يعني المؤمنين قبلكم ، إذا نسوا شيئا مما اشترط الله في كتابه عرفوا أنهم قد عصوا في تركهم ذلك الشيء ، فاستغفروا ولم يعودوا إلى تركه ، فذلك معنى قول الله : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)».

١٩٢١ / ٣ ـ العياشي : عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «رحم الله عبدا لم يرض من نفسه أن يكون إبليس نظيرا له في دينه ، وفي كتاب الله نجاة من الردى ، وبصيرة من العمى ، ودليل إلى الهدى ، وشفاء لما في الصدور فيما أمركم الله تعالى به من الاستغفار والتوبة ، قال الله : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) وقال : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) (١) فهذا ما أمر الله به من الاستغفار ، واشترط معه بالتوبة والإقلاع عما حرم الله ، فإنه يقول : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (٢)

__________________

سورة آل عمران آية ـ ١٣٥ ـ ١٣٦ ـ

١ ـ الكافي ٢ : ٢١٩ / ٢.

٢ ـ الكافي ٨ : ١٠ / ١.

(١) في المصدر زيادة : قال : وحدثني الحسن بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي ، عن القاسم بن الربيع الصّحّاف ، عن إسماعيل بن مخلّد السّرّاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٢) في المصدر زيادة : إلى ها هنا رواية القاسم بن الربيع.

٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٩٨ / ١٤٣.

(١) النّساء ٤ : ١١٠.

(٢) فاطر ٣٥ : ١٠.

٦٩٠

وهذه الآية تدل على أن الاستغفار لا يرفعه إلى الله تعالى إلا العمل الصالح والتوبة».

١٩٢٢ / ٤ ـ عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قول الله : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

قال : «الإصرار أن يذنب العبد ولا يستغفر الله ، ولا يحدث نفسه بالتوبة ، فذلك الإصرار».

الشيخ ورام : عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قول الله تبارك وتعالى : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) مثله (١).

١٩٢٣ / ٥ ـ ابن بابويه ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن موسى بن جعفر بن وهب البغدادي ، عن علي بن معبد ، عن علي بن سليمان النوفلي ، عن فطر بن خليفة ، عن الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : «لما نزلت هذه الآية : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) صعد إبليس جبلا بمكة ، يقال له : ثور ، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه ، فقالوا : يا سيدنا ، لم تدعونا (١)؟! قال : نزلت هذه الآية ، فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين ، فقال : أنا لها بكذا وكذا. فقال : لست لها.

فقام آخر فقال مثل ذلك ، فقال : لست لها. فقال الوسواس الخناس : أنا لها. فقال : بماذا؟ قال : أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة ، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار. فقال : أنت لها. فوكله بها إلى يوم القيامة».

١٩٢٤ / ٦ ـ عنه ، قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رحمه‌الله ، قال : حدثنا أحمد بن محمد الهمداني ، قال : أخبرنا أحمد بن صالح بن سعد التميمي ، قال : حدثنا موسى بن داود ، قال : حدثنا الوليد بن هشام ، قال : حدثنا هشام بن حسان ، عن الحسن بن أبي الحسن (١) البصري ، عن عبد الرحمن بن تميم الدوسي ، قال : دخل معاذ بن جبل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باكيا ، فسلم فرد عليه‌السلام ، ثم قال : «ما يبكيك ، يا معاذ»؟

فقال : يا رسول الله ، إن بالباب شابا طري الجسد ، نقي اللون ، حسن الصورة ، يبكي على شبابه بكاء الثكلى على ولدها ، يريد الدخول عليك.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أدخل علي الشاب ، يا معاذ» فأدخله عليه ، فسلم ، فرد عليه‌السلام ، فقال : «ما يبكيك ، يا شاب»؟ فقال : وكيف لا أبكي وقد ركبت ذنوبا إن أخذني الله عز وجل ببعضها أدخلني نار جهنم ، ولا أراني إلا سيأخذني بها ، ولا يغفرها لي أبدا.

__________________

٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٩٨ / ١٤٤.

(١) مجموعة ورام ١ : ١٨.

٥ ـ الأمالي : ٣٧٦ / ٥.

(١) في المصدر : دعوتنا.

٦ ـ الأمالي : ٤٥ / ٣.

(١) في «س وط» : الحسن بن الحسن ، والصواب ما في المتن ، روى عنه هشام بن حسّان ، راجع تهذيب الكمال ٦ : ٩٥ ـ ١٢٦ ، سير أعلام النبلاء ٤ : ٥٦٣ ـ ٥٨٨.

٦٩١

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هل أشركت بالله شيئا»؟ قال : أعوذ بالله أن أشرك بربي شيئا.

قال : «أقتلت النفس التي حرم الله»؟ قال : لا.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يغفر الله لك ذنوبك ، وإن كانت مثل الجبال الرواسي» قال الشاب : فإنها أعظم من الجبال الرواسي.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يغفر الله لك ذنوبك ، وإن كانت مثل الأرضين السبع ، وبحارها ، ورمالها ، وأشجارها ، وما فيها من الخلق» قال : فإنها أعظم من الأرضين وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق (٢).

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يغفر الله لك ذنوبك ، وإن كانت مثل السماوات ونجومها ، ومثل العرش والكرسي» قال : فإنها أعظم من ذلك.

فنظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كهيئة الغضبان ، ثم قال : «ويحك يا شاب ، ذنوبك أعظم من ربك»؟ فخر الشاب على وجهه ، وهو يقول : سبحان الله ربي ، ما من شيء أعظم من ربي ، ربي أعظم يا نبي الله ، الله أعظم من كل عظيم.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم»؟ فقال الشاب : لا والله ، يا رسول الله. ثم سكت الشاب. فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ويحك ـ يا شاب ـ ألا تخبرني بذنب واحد من نوبك»؟.

قال : بلى ، أخبرك ، أني كنت أنبش القبور سبع سنين ، أخرج الأموات وأنزع الأكفان ، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار ، فلما حملت إلى قبرها ودفنت ، وانصرف عنها أهلها ، وجن عليهم الليل ، أتيت قبرها فنبشتها ، ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها ، وتركتها مجردة على شفير قبرها ومضيت منصرفا ، فأتاني الشيطان فأقبل يزينها لي ، ويقول : أما ترى بطنها وبياضها ، أما ترى وركيها؟! فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ، ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها ، فإذا أنا بصوت من ورائي ، يقول : يا شاب ، ويل لك من ديان يوم الدين ، يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عسكر الموتى (٣) ، ونزعتني من حفرتي وسلبتني أكفاني ، وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي ، فويل لشبابك من النار. فما أظن أني أشم رائحة الجنة أبدا ، فما ترى لي ، يا رسول الله؟

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تنح عني يا فاسق ، إني أخاف أن أحترق بنارك ، فما أقربك من النار!».

ثم لم يزل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول ويشير إليه حتى أمعن من بين يديه فذهب ، فأتى المدينة فتزود منها ، ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها ، ولبس مسحا ، وغل يديه جميعا إلى عنقه ، ونادى : يا رب ، هذا عبدك بهلول ، بين يديك مغلول ، يا رب أنت الذي تعرفني ، وزل مني ما تعلم يا سيدي ، يا رب ، إني أصبحت من النادمين ، وأتيت نبيك تائبا فطردني وزادني خوفا ، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك أن لا تخيب رجائي ، سيدي ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك. فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة ، تبكي له السباع والوحوش ، فلما تم له أربعون يوما وليلة رفع يديه إلى السماء ، وقال : اللهم ما فعلت في حاجتي؟ إن كنت استجبت دعائي ، وغفرت خطيئتي ، فأوح

__________________

(٢) (قال فإنّها أعظم من الأرضين ... الخلق) ليس في المصدر.

(٣) في المصدر : عساكر الموت.

٦٩٢

إلى نبيك ، وإن لم تستجب دعائي ، ولم تغفر لي خطيئتي ، وأردت عقوبتي ، فعجل بنار تحرقني أو عقوبة في الدنيا تهلكني ، وخلصني من فضيحة يوم القيامة. فأنزل الله تبارك وتعالى على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) يعني الزنا (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) يعني بارتكاب ذنب أعظم من الزنا ، ونبش القبور ، وأخذ الأكفان (ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) يقول : خافوا الله فعجلوا التوبة (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ) يقول الله عز وجل : أتاك عبدي ـ يا محمد ـ تائبا فطردته ، فأين يذهب ، وإلى من يقصد ، ومن يسأل أن يغفر له ذنبا غيري؟! ثم قال عز وجل : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) يقول : لم يقيموا على الزنا ، ونبش القبور ، وأخذ الأكفان (أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ).

فلما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وهو يتلوها ويتبسم (٤). فقال لأصحابه : «من يدلني على ذلك الشاب»؟ فقال معاذ : يا رسول الله ، بلغنا أنه في موضع كذا وكذا. فمضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأصحابه حتى انتهوا إلى ذلك الجبل ، فصعدوا إليه يطلبون الشاب ، فإذا هم بالشاب قائم بين صخرتين ، مغلولة يداه إلى عنقه ، قد اسود وجهه ، وتساقطت أشفار عينيه من البكاء ، وهو يقول : سيدي ، قد أحسنت خلقي وأحسنت صورتي ، فليت شعري ما ذا تريد بي ، أفي النار تحرقني أم في جوارك تسكنني؟

اللهم إنك قد أكثرت الإحسان إلي وأنعمت علي ، فليت شعري ماذا يكون آخر أمري ، إلى الجنة تزفني ، أم إلى النار تسوقني؟ اللهم إن خطيئتي أعظم من السماوات والأرضين ، ومن كرسيك الواسع ، وعرشك العظيم ، فليت شعري تغفر خطيئتي ، أم تفضحني بها يوم القيامة؟

فلم يزل يقول نحو هذا وهو يبكي ويحثو التراب على رأسه ، وقد أحاطت به السباع ، وصفت فوقه الطير وهم يبكون لبكائه ، فدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأطلق يديه من عنقه ، ونفض التراب عن رأسه ، وقال : «يا بهلول ، أبشر فإنك عتيق الله من النار» ثم قال عليه‌السلام لأصحابه : «هكذا تداركوا الذنوب ، كما تداركها بهلول» ثم تلا عليه ما أنزل الله عز وجل فيه ، وبشره بالجنة.

قوله تعالى :

إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها

بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا

__________________

(٤) في «ط» : يتلوها في تبسّم.

٦٩٣

يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [١٤٠]

١٩٢٥ / ١ ـ علي بن إبراهيم ، قال : وتآمرت قريش على أن يرجعوا ويغيروا (١) على المدينة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أي رجل يأتينا بخبر القوم» فلم يجبه أحد ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أنا آتيك بخبرهم» قال : «اذهب ، فإن كانوا ركبوا الخيل وجنبوا الإبل فإنهم يريدون المدينة ، والله لئن أرادوا المدينة لأنازلن (٢) الله فيهم ، وإن كانوا ركبوا الإبل وجنبوا الخيل فإنهم يريدون مكة».

فمضى أمير المؤمنين عليه‌السلام على ما به من الألم والجراحات حتى كان قريبا من القوم ، فرآهم قد ركبوا الإبل وجنبوا الخيل ، فرجع أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أرادوا مكة».

فلما دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المدينة نزل عليه جبرئيل عليه‌السلام ، فقال : يا محمد ، إن الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم ولا يخرج معك إلا من كانت به جراحة. فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مناديا ينادي : يا معشر المهاجرين والأنصار ، من كانت به جراحة فليخرج ، ومن لم يكن به جراحة فليقم. فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها ، فأنزل الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ) (٣) وهذه الآية في سورة النساء ، ويجب أن تكون في هذه السورة.

قال الله عز وجل : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) فخرجوا على ما بهم من الألم والجراح ، فلما بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحمراء الأسد (٤) ، وقريش قد نزلت الروحاء ، قال عكرمة بن أبي جهل ، والحارث بن هشام ، وعمرو بن العاص ، وخالد بن الوليد : نرجع فنغير على المدينة ، فقد قتلنا سراتهم (٥) وكبشهم (٦) ـ يعنون حمزة ـ فوافاهم رجل خرج من المدينة فسألوه الخبر ، فقال : تركت محمدا وأصحابه بحمراء الأسد يطلبونكم أجد الطلب. فقال أبو سفيان : هكذا النكد والبغي ، قد ظفرنا بالقوم وبغينا ، والله ما أفلح قوم قط بغوا.

فوافاهم نعيم بن مسعود الأشجعي ، فقال أبو سفيان : أين تريد؟ قال : المدينة ، لأمتار (٧) لأهلي طعاما. قال :

__________________

سورة آل عمران آية ـ ١٤٠ ـ

١ ـ تفسير القمّي ١ : ١٢٤.

(١) (ويغيروا) ليس في المصدر.

(٢) في المصدر : لا يأذن.

(٣) النّساء ٤ : ١٠٤.

(٤) حمراء الأسد : موضع على ثمانية أميال من المدينة. «معجم البلدان ٢ : ٣٠١».

(٥) أي أشرافهم. «النهاية ٢ : ٣٦٣».

(٦) الكبش : سيّد القوم وقائدهم. «تاج العروس ـ كبش ـ ٤ : ٣٤١».

(٧) الميرة : الطعام. «تاج العروس ـ مير ـ ٣ : ٥٥٢».

٦٩٤

هل لك أن تمر بحمراء الأسد وتلقى أصحاب محمد وتعلمهم أن حلفاءنا وموالينا قد وافونا من الأحابيش (٨) حتى يرجعوا عنا ، ولك عندي عشرة قلائص (٩) أملأها تمرا وزبيبا؟ قال : نعم.

فوافى من غد ذلك اليوم حمراء الأسد ، فقال لأصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أين تريدون؟ قالوا : قريش.

قال : ارجعوا ، فإن قريشا قد اجتمع (١٠) إليهم حلفاؤهم ، ومن كان تخلف عنهم ، وما أظن إلا وأوائل القوم قد طلعوا عليكم الساعة. فقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ، ما نبالي أن يطلعوا علينا.

فنزل جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ارجع ـ يا محمد ـ فإن الله قد أرعب قريشا ، ومروا لا يلوون على شيء. فرجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة فأنزل الله : (الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ) يعني نعيم بن مسعود ، فهذا لفظه عام ومعناه خاص (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (١١).

فلما دخلوا المدينة ، قال أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما هذا الذي أصابنا ، ولقد كنت تعدنا النصر؟

فأنزل الله : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (١٢) وذلك أن يوم بدر قتل من قريش سبعون ، وأسر منهم سبعون ، وكان الحكم في الأسارى القتل ، فقامت الأنصار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، هبهم لنا ، ولا تقتلهم حتى نفاديهم. فنزل به جبرئيل ، وقال : إن الله قد أباح لهم الفداء ، أن يأخذوا من هؤلاء ويطلقوهم ، على أن يستشهد منهم في عام قابل بقدر من يأخذون منه الفداء من هؤلاء. فأخبرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا الشرط ، فقالوا : قد رضينا به ، نأخذ العام الفداء من هؤلاء ونتقوى به ، ويقتل منا في عام قابل بعدد ما نأخذ منه الفداء وندخل الجنة ، فأخذوا منهم الفداء وأطلقوهم.

فلما كان في هذا اليوم ـ وهو يوم احد ـ قتل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعون ، فقالوا : يا رسول الله ، ما هذا الذي قد أصابنا ، وقد كنت تعدنا النصر؟ فأنزل الله : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) بما اشترطتم يوم بدر.

١٩٢٦ / ٢ ـ العياشي : عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ).

__________________

(٨) الأحابيش : الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة.

(٩) القائص : الشوابّ من الإبل ، والنوق الطويلة القوائم. «تاج العروس ـ قلص ـ ٤ : ٤٢٦».

(١٠) في المصدر : أجنحت.

(١١) آل عمران ٣ : ١٧٢ ـ ١٧٤.

(١٢) آل عمران ٣ : ١٦٥.

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٩٩ / ١٤٥.

٦٩٥

قال : «ما زال منذ خلق الله تعالى آدم دولة لله ودولة لإبليس ، فأين دولة الله تعالى ، أما (١) هو إلا قائم واحدا؟».

قوله تعالى :

وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ [١٤١]

١٩٢٧ / ١ ـ العياشي : عن الحسن بن علي الوشاء ، بإسناد له يرسله إلى أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «والله لتمحصن ، والله لتميزن ، والله لتغربلن حتى لا يبقى منكم إلا الأندر».

قلت : وما الأندر؟ قال : «البيدر (١) ، وهو أن يدخل الرجل بيته (٢) الطعام يطين عليه ، ثم يخرجه قد أكل بعضه بعضا ، فلا يزال ينقيه ، ثم يكن عليه ، ثم يخرجه ، حتى يفعل ذلك ثلاث مرات ، حتى يبقى ما لا يضره شيء».

قوله تعالى :

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ

وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [١٤٢]

١٩٢٨ / ٢ ـ العياشي : عن داود الرقي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن قول الله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ).

قال : «إن الله هو أعلم بما هو مكونه قبل أن يكونه ، وهم ذر ، وعلم من يجاهد ممن لا يجاهد ، كما علم أنه يميت خلقه قبل أن يميتهم ، ولم يرهم موتهم وهم أحياء».

١٩٢٩ / ٣ ـ علي بن إبراهيم ، قال : روي أن المغيرة بن العاص كان رجلا أعسر ، فحمل في طريقه إلى احد ثلاثة أحجار ، فقال : بهذه أقتل محمدا. فلما حضر القتال نظر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبيده السيف ، فرماه

__________________

(١) في «ط» : فإنّ دولة الله ما.

سورة آل عمران آية ـ ١٤١ ـ

١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٩٩ / ١٤٦.

(١) في «س ، ط» : الأندر. وفي القاموس المحيط ـ ندر. ٢ : ١٤٥ : الأندر : البيدر ، أو كدس القمح.

(٢) في «س ، ط» : فيه ، وما أثبتناه من نسخة من البحار ٥ : ٢١٦ / ١.

سورة آل عمران آية ـ ١٤٢ ـ

١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٩٩ / ١٤٧.

٢ ـ تفسير القمّي ١ : ١١٨.

٦٩٦

بحجر فأصاب به (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسقط السيف من يده ، فقال : قتلته واللات والعزى. فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «كذبت ، لعنك (٢) الله» فرماه بحجر آخر فأصاب جبهته ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهم حيره» فلما انكشف الناس تحير ، فلحقه عمار بن ياسر فقتله. وسلط الله على ابن قميئة الشجر ، وكان يمر بالشجرة فيقع وسطها فتأخذ من لحمه ، فلم يزل كذلك حتى صار مثل الصر (٣) ، ومات لعنه الله.

ورجع المنهزمون من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأنزل الله على رسوله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ) يعني ولما ير ، لأنه عز وجل قد علم قبل ذلك من يجاهد ومن لا يجاهد ، فأقام العلم مقام الرؤية ، لأنه يعاقب الناس بفعلهم لا بعلمه.

١٩٣٠ / ٣ ـ عبد الله بن جعفر الحميري : بإسناده عن جعفر عليه‌السلام ، قال : كان يقول : «والله [لا يكون] الذي تمدون إليه أعناقكم حتى تميزوا وتمحصوا ، ثم يذهب من كل عشرة شيء ، ولا يبقى منكم إلا الأندر ، ثم تلا هذه الآية : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)».

قوله تعالى :

وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ

تَنْظُرُونَ [١٤٣]

١٩٣١ / ١ ـ علي بن إبراهيم ، قال : في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) الآية : «فإن المؤمنين لما أخبرهم الله بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر ومنازلهم في الجنة رغبوا في ذلك ، فقالوا : اللهم أرنا قتالا نستشهد فيه. فأراهم الله إياه يوم احد ، فلم يثبتوا إلا من شاء الله منهم ، فذلك قوله : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ)» الآية.

قوله تعالى :

وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ

__________________

(١) في «ط» : يد.

(٢) في المصدر : كذب لعنه.

(٣) الصرّ : طائر كالعصفور أصفر.

٣ ـ قرب الإسناد : ١٦٢.

سورة آل عمران آية ـ ١٤٣ ـ

١ ـ تفسير القمّي ١ : ١١٩.

٦٩٧

انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ ـ إلى قوله تعالى ـ وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ [١٤٤]

١٩٣٢ / ١ ـ علي بن إبراهيم ، قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما خرج يوم احد وعهد العاهد به على تلك الحال ، فجعل الرجل يقول لمن لقيه : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ، قتل النجاء النجاء (١). فلما رجعوا إلى المدينة أنزل الله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) إلى قوله تعالى : (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) يقول : إلى الكفر.

١٩٣٣ / ٢ ـ محمد بن يعقوب : بإسناده عن حنان ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا ثلاثة».

فقلت : ومن الثلاثة؟ فقال : «المقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي (رحمة الله وبركاته عليهم) ، ثم عرف أناس بعد يسير». وقال : «هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى ، وأبوا أن يبايعوا حتى جاءوا بأمير المؤمنين عليه‌السلام مكرها فبايع ، وذلك قول الله عز وجل : (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)».

١٩٣٤ / ٣ ـ عنه : بإسناده عن ابن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إن العامة يزعمون أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس كانت رضا لله عز ذكره ، وما كان الله تعالى ليفتن امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «أو ما يقرءون كتاب الله؟ أو ليس الله يقول : (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)؟.

قال : فقلت له : إنهم يفسرون على وجه آخر.

فقال : «أو ليس قد أخبر الله عز وجل عن الذين من قبلهم من الأمم أنهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات ، حيث قال : (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (١)».

__________________

سورة آل عمران آية ـ ١٤٤ ـ

١ ـ تفسير القمّي ١ : ١١٩.

(١) أي انجوا بأنفسكم.

٢ ـ الكافي ٨ : ٢٤٥ / ٣٤١.

٣ ـ الكافي ٨ : ٢٧٠ / ٣٩٨.

(١) البقرة ٢ : ٢٥٣.

٦٩٨

١٩٣٥ / ٤ ـ أمالي الشيخ : بإسناده عن ابن عباس (رحمه‌الله): أن عليا عليه‌السلام كان يقول في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الله عز وجل يقول : (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ولئن مات أو قتل لأقاتلن على ما قاتل (١) عليه حتى أموت ، والله إني لأخوه وابن عمه ووارثه ، فمن أحق به مني؟».

١٩٣٦ / ٥ ـ ابن شهر آشوب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله تعالى : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) يعني بالشاكرين (١) علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، والمرتدين على أعقابهم : الذين ارتدوا عنه.

١٩٣٧ / ٦ ـ العياشي : عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا ثلاثة».

فقلت : ومن الثلاثة؟

قال : «المقداد ، وأبو ذر ، وسلمان الفارسي» ثم عرف أناس بعد يسير ، فقال : «هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى ، وأبوا أن يبايعوا حتى جاءوا بأمير المؤمنين عليه‌السلام مكرها فبايع ، وذلك قول الله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ)».

١٩٣٨ / ٧ ـ عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قبض صار الناس كلهم أهل جاهلية إلا أربعة : علي عليه‌السلام ، والمقداد ، وسلمان ، وأبو ذر» فقلت : فعمار؟ فقال : «إن كنت تريد الذين لم يدخلهم شيء فهؤلاء الثلاثة».

١٩٣٩ / ٨ ـ عن الأصبغ بن نباتة ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول في كلام له يوم الجمل : «يا أيها الناس ، إن الله تبارك اسمه وعز جنده لم يقبض نبيا قط حتى يكون له في أمته من يهدي بهداه ، ويقصد سيرته ، ويدل على معالم سبيل الحق الذي فرض الله على عباده» ثم قرأ : (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ).

__________________

٤ ـ الأمالي ٢ : ١١٦ ، ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام لابن عساكر ١ : ١٢٧ / ١٥٣ ، الرياض النضرة ٣ : ٢٠٦ ، فرائد السمطين ١ : ٢٢٤ / ١٧٥.

(١) في «ط» : أو قتل قاتلت.

٥ ـ المناقب ٢ : ١٢٠.

(١) في المصدر زيادة : صاحبك.

٦ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٩٩ / ١٤٨.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٩٩ / ١٤٩.

٨ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٢٠٠ / ١٥٠.

٦٩٩

١٩٤٠ / ٩ ـ عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبيه ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إن العامة تزعم أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع لها الناس كانت رضا لله ، وما كان الله ليفتن امة محمد من بعده.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «أو ما يقرءون كتاب الله؟ أليس الله يقول : (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ)؟» الآية.

قال : فقلت له : إنهم يفسرون هذا على وجه آخر.

قال : فقال : «أو ليس قد أخبر الله عن الذين من قبلهم من الأمم أنهم اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات ، حين قال : (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) إلى قوله : (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) (١) الآية ، ففي هذا ما يستدل به على أن أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد اختلفوا من بعده ، فمنهم من آمن ، ومنهم من كفر».

١٩٤١ / ١٠ ـ عن عبد الصمد بن بشير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال «تدرون مات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو قتل ، إن الله يقول : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) فسم قبل الموت ، إنهما سقتاه» فقلنا : إنهما وأبويهما شر من خلق الله.

١٩٤٢ / ١١ ـ عن الحسين بن المنذر ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) القتل أو الموت؟ قال : «يعني أصحابه الذين فعلوا ما فعلوا».

قوله تعالى :

وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ ـ إلى قوله تعالى ـ وَاللهُ يُحِبُّ

الصَّابِرِينَ [١٤٥ ـ ١٤٦]

١٩٤٣ / ١ ـ العياشي : عن منصور بن الصيقل ، أنه سمع أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام يقرأ : «وكاين من نبي قتل (١) معه ربيون كثير» قال : «ألوف وألوف ـ ثم قال ـ إي والله يقتلون».

__________________

٩ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٢٠٠ / ١٥١.

(١) البقرة ٢ : ٢٥٣.

١٠ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٢٠٠ / ١٥٢.

١١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٢٠٠ / ١٥٣.

سورة آل عمران آية ـ ١٤٥ ـ ١٤٦ ـ

١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٢٠١ / ١٥٤.

(١) قال الطبرسيّ رحمه‌الله : قرأ أهل البصرة وابن كثير ونافع (قتل) بضم القاف بغير ألف ، وهي قراءة ابن عبّاس ، والباقون «قاتل» بألف ، وهي قراءة ابن مسعود. «مجمع البيان ٢ : ٨٥٣».

٧٠٠