البرهان في تفسير القرآن - ج ١

السيد هاشم الحسيني البحراني

البرهان في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني البحراني


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٥٢

ديني من استعمل القياس في ديني».

١٢٥ / ٥ ـ عنه ، قال : حدثنا أبو الحسن علي بن عبدالله الأسواري المذكر ، قال : حدثنا أبو يوسف أحمد بن محمد بن قيس السجزي المذكر ، قال : حدثنا أبو يعقوب ، قال : حدثنا علي بن خشرم ، قال : حدثنا عيسى ، عن أبي عبيدة ، عن محمد بن كعب ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنما أتخوف على أمتي من بعدي ثلاث خصال : أن يتأولوا القرآن على غير تأويله ، أو يتبعوا زلة العالم ، أو يظهر فيهم المال حتى يطغوا ويبطروا ، وسأنبئكم المخرج من ذلك ؛ أما القرآن فاعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه ، وأما العالم فانتظروا فيئته (١) ولا تتبعوا زلته ، وأما المال فإن المخرج منه شكر النعمة وأداء حقه».

١٢٦ / ٦ ـ وعنه : عن أحمد بن الحسن القطان رحمه‌الله قال : حدثنا أحمد بن يحيى ، عن بكر بن عبدالله بن حبيب ، قال : حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر ، قال : حدثني محمد بن الحسن بن عبد العزيز الأحدب الجنديسابوري ، قال : وجدت في كتاب أبي بخطه : حدثنا طلحة بن زيد ، عن عبدالله بن عبيد (١) ، عن أبي معمر السعداني ، أن رجلا قال له أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «إياك أن تفسر القرآن برأيك حتى تفقهه عن العلماء ، فإنه رب تنزيل يشبه كلام البشر ، وهو كلام الله ، وتأويله لا يشبه كلام البشر ، كما ليس شيء من خلقه يشبهه ، كذلك لا يشبه فعله تبارك وتعالى شيئا من أفعال البشر ، ولا يشبه شيء من كلامه كلام البشر ، وكلام الله تبارك وتعالى صفته ، وكلام البشر أفعالهم ، فلا تشبه كلام الله بكلام البشر فتهلك وتضل».

١٢٧ / ٧ ـ العياشي : عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ، إن الآية ينزل أولها في شيء ، وأوسطها في شيء ، وآخرها في شيء» ، ثم قال : «(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١) من ميلاد الجاهلية».

١٢٨ / ٨ ـ عن جابر ، قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : «يا جابر ، إن للقرآن بطنا ، وللبطن ظهرا».

ثم قال : «يا جابر ، وليس شيء أبعد من عقول الرجال منه ، إن الآية لينزل أولها في شيء ، وأوسطها في شيء ، وآخرها في شيء ، وهو كلام متصل يتصرف (١) على وجوه».

__________________

٥ ـ الخصال : ١٦٤ / ٢١٦.

(١) الفيئة : بكسر الفاء ، الحالة من الرجوع عن الشّيء الذي يكون قد لا بسه الإنسان وباشره. «لسان العرب ـ فيأ ـ ١ : ١٢٥». وفي «س» : فانظروا فتنته.

٦ ـ التّوحيد : ٢٦٤ / ٥.

(١) في المصدر : حدّثنا طلحة بن يزيد ، عن عبيد الله بن عبيد.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٧ / ١.

(١) الأحزاب ٣٣ : ٣٣. وأوّل هذه الآية في نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأوسطها في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، وآخرها في تطهير أهل البيت وعصمتهم :

٨ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١١ / ٢.

(١) في «ط» : ينصرف.

٤١

١٢٩ / ٩ ـ عن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام (١) ، قال : «من فسر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر ، وإن أخطأ كان إثمه عليه».

١٣٠ / ١٠ ـ عن أبي الجارود ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «ما علمتم فقولوا ، وما لم تعلموا فقولوا : الله أعلم ، فإن الرجل ينزع بالآية فيخر بها أبعد ما بين السماء والأرض».

١٣١ / ١١ ـ عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «من فسر القرآن برأيه ، إن أصاب لم يؤجر ، وإن أخطأ فهو أبعد من السماء».

١٣٢ / ١٢ ـ عن عبدالرحمن بن الحجاج ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام ، يقول : ليس (١) أبعد من عقول الرجال من القرآن».

١٣٣ / ١٣ ـ عن عمار بن موسى ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سئل عن الحكومة؟ قال : «من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر ، ومن فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر».

١٣٤ / ١٤ ـ عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «إياكم والخصومة ، فإنها تحبط العمل ، وتمحق الدين ، وإن أحدكم لينزع بالآية يقع فيها أبعد من السماء».

١٣٥ / ١٥ ـ عن القاسم (١) بن سليمان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : «قال أبي عليه‌السلام : ما ضرب رجل (٢) القرآن بعضه ببعض إلا كفر».

١٣٦ / ١٦ ـ عن يعقوب بن يزيد ، عن ياسر ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، يقول : «المراء في كتاب الله كفر». (١)

__________________

٩ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٧ / ٢.

(١) في «س» و «ط» : عن أبي جعفر ٧

١٠ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٧ / ٣.

١١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٧ / ٤.

١٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٧ / ٥.

(١) في «ط» : ما.

١٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٨ / ٦.

١٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٨ / ١.

١٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٨ / ٢.

(١) في المصدر : المعمّر ، وهو تحريف صوابه ما في المتن ، راجع جامع الرواة ٢ : ١٧ ، معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٠.

(٢) في «ط» : ما من رجل ضرب.

١٦ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٨ / ٣.

(١) المراء : الجدال ، قال الطّريحي : قيل : إنّما سمّاه كفرا لأنّه من عمل الكفّار ، أو لأنّه يفضي بصاحبه إلى الكفر إذا عاند صاحب الذي يماريه على الحقّ ، لأنّه لا بدّ أن يكون أحد الرجلين ، محقّا والآخر مبطلا ، ومن جعل كتاب الله سناد باطله فقد كفر ، مع احتمال أن يراد بالمراء الشكّ ، ومن المعلوم أنّ الشكّ فيه كفر. «مجمع البحرين ـ مرا ـ ١ : ٣٩٠».

٤٢

١٣٧ / ١٧ ـ عن داود بن فرقد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : «لا تقولوا لكل آية هذه رجل وهذه رجل ، إن من القرآن حلالا ومنه حراما ، وفيه نبأ من قبلكم ، وخبر من بعدكم ، وحكم ما بينكم ، فهكذا هو.

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مفوض فيه إن شاء فعل الشيء ، وإن شاء ترك ، حتى إذا فرضت فرائضه ، وخمست أخماسه ، حق على الناس أن يأخذوا به ، لأن الله قال : (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)». (١)

١٣٨ / ١٨ ـ محمد بن يعقوب : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر ابن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : «قال أبي عليه‌السلام : ما ضرب رجل القرآن بعضه ببعض إلا كفر».

قلت : ذكر محمد بن علي بن بابويه في كتاب (معاني الأخبار) عن بعض العلماء (١) في معنى هذا الحديث : هو أن يفسر آية بتفسير آية أخرى. (٢)

__________________

١٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٨ / ٤.

(١) الحشر ٥٩ : ٧.

١٨ ـ الكافي ٢ : ٤٦٢ / ١٧.

(١) في «ط» : الفقهاء.

(٢) معاني الأخبار : ١٩٠ / ١.

٤٣

٧ ـ باب في أن القرآن له ظهر وبطن ، وعام وخاص ، ومحكم ومتشابه ، وناسخ ومنسوخ ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام

يعلمون ذلك ، وهم الراسخون في العلم ٍ

١٣٩ / ١ ـ محمد بن الحسن الصفار : عن محمد بن عبد الجبار ، عن محمد بن إسماعيل ، عن منصور ، عن ابن أذينة ، عن الفضيل بن يسار ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن هذه الرواية : «ما من آية إلا ولها ظهر وبطن» (١) فقال : «ظهر وبطن هو تأويله ؛ منه ما قد مضى ، ومنه ما لم يجيء ، يجري كما تجري الشمس والقمر ، كلما جاء فيه تأويل شيء منه يكون على الأموات كما يكون على الأحياء ، قال الله تبارك وتعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (٢) نحن نعلمه».

١٤٠ / ٢ ـ وعنه : عن محمد بن الحسين ، عن وهيب (١) بن حفص ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «إن القرآن فيه محكم ومتشابه ، فأما المحكم فيؤمن به ويعمل ، (٢) وأما المتشابه فيؤمن (٣) به ولا يعمل (٤) به ، وهو قول الله تبارك وتعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)». (٥)

__________________

٧ ـ باب في أن القرآن له ظهر وبطن ، وعام وخاص ، ومحكم ومتشابه ،

وناسخ ومنسوخ ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته عليهم‌السلام يعلمون ذلك ، وهم الراسخون في العلم ٍ

١ ـ بصائر الدرجات : ٢٢٣ / ٢.

(١) في المصدر زيادة : وما فيه حرف إلاّ وله حدّ يطلع ، ما يعني بقوله : لها ظهر وبطن.

(٢) آل عمران ٣ : ٧.

٢ ـ بصائر الدرجات : ٢٢٣ / ٣.

(١) في المصدر : وهب. ولعلّ الصواب ما أثبتناه. راجع معجم رجال الحديث ١٩ : ٢٠٦ و ٢١٥.

(٢) في المصدر : فنؤمن به فنعمل به وندين به.

(٣) في المصدر : فنؤمن.

(٤) في المصدر : ولا نعمل.

(٥) آل عمران ٣ : ٧.

٤٤

١٤١ / ٣ ـ [حدثنا إبراهيم بن إسحاق ، عن عبدالله بن حماد ، عن بريد بن معاوية العجلي ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، في قول الله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)]. (١) قال : «رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته (٢) أفضل الراسخين في العلم ، قد علمه الله جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل ، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله ، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله ، والذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيه بعلم فأجابهم الله : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (٣) فالقرآن : عام ، وخاص ، ومحكم ، ومتشابه ، وناسخ ، ومنسوخ ، والراسخون في العلم يعلمونه».

١٤٢ / ٤ ـ وعنه : عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي الصباح الكناني ، قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : «يا أبا الصباح ، نحن قوم فرض الله طاعتنا ، لنا الأنفال ولنا صفو المال ، ونحن الراسخون في العلم ، ونحن المحسودون الذين قال الله : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ)». (١)

١٤٣ / ٥ ـ وعنه : عن محمد بن خالد ، (١) عن سيف بن عميرة ، عن أبي بصير ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «نحن الراسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله».

١٤٤ / ٦ ـ العياشي : عن أبي محمد الهمداني ، عن رجل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، فقال : «الناسخ الثابت ، والمنسوخ ما مضى ، والمحكم ما يعمل به ، والمتشابه الذي يشبه بعضه بعضا».

١٤٥ / ٧ ـ عن جابر ، قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : «يا جابر ، إن للقرآن بطنا ، وللبطن ظهرا».

ثم قال : «يا جابر ، وليس شيء أبعد من عقول الرجال منه ، إن الآية لينزل أولها في شيء ، وأوسطها في شيء ، وآخرها في شيء ، وهو كلام متصل يتصرف على وجوه».

١٤٦ / ٨ ـ عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «نزل القرآن ناسخا ومنسوخا».

__________________

٣ ـ بصائر الدرجات : ٢٢٤ / ٨.

(١) آل عمران ٣ : ٧.

(٢) (وأهل بيته) ليس في المصدر.

(٣) آل عمران ٣ : ٧.

٤ ـ بصائر الدرجات : ٢٢٢ / ١.

(١) النّساء ٤ : ٥٤.

٥ ـ بصائر الدرجات : ٢٢٤ / ٧.

(١) في المصدر : أحمد بن محمّد بن خالد ، والظاهر أنّه : أحمد بن محمّد ، عن محمّد خالد ، كما في عدّة موارد من المصدر. وما في المتن صحيح أيضا لأنّه من مشايخ الصفّار. راجع معجم رجال الحديث ١٥ : ٢٥٧ و ١٦ : ٦٣.

٦ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٠ / ١.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١١ / ٢.

٨ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١١ / ٣.

٤٥

١٤٧ / ٩ ـ عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «ظهر القرآن الذين نزل فيهم ، وبطنه الذين عملوا بمثل أعمالهم».

١٤٨ / ١٠ ـ عن الفضيل بن يسار ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن هذه الرواية : «ما في القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن ، وما فيه حرف إلا وله حد ، ولكل حد مطلع». ما يعني بقوله : «لها ظهر وبطن؟».

فقال : «ظهره [تنزيله] ، وبطنه تأويله ، منه ما مضى ، ومنه ما لم يكن بعد ، يجري كما تجري الشمس والقمر ، كلما جاء منه شيء وقع ، قال الله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (١) نحن نعلمه».

١٤٩ / ١١ ـ عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : «إن القرآن فيه محكم ومتشابه ، فأما المحكم فنؤمن به ونعمل به ، وندين به ، وأما المتشابه فنؤمن به ولا نعمل به».

١٥٠ / ١٢ ـ عن مسعدة بن صدقة ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن الناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه؟ قال : «الناسخ الثابت المعمول به ، والمنسوخ ما قد كان يعمل به ثم جاء ما نسخه ، والمتشابه ما اشتبه على جاهله».

١٥١ / ١٣ ـ عن جابر ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن شيء في تفسير القرآن فأجابني ، ثم سألته ثانية فأجابني بجواب آخر ، فقلت : جعلت فداك ، كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم؟! فقال لي : «يا جابر ، إن للقرآن بطنا ، وللبطن بطنا وظهرا ، وللظهر (١) ظهرا ـ يا جابر ـ وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ، إن الآية ليكون أولها في شيء وأوسطها في شيء وآخرها في شيء ، وهو كلام متصل يتصرف على وجوه».

١٥٢ / ١٤ ـ عن أبي عبد الرحمن السلمي ، أن عليا عليه‌السلام مر على قاض فقال : «هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟» فقال : لا ، فقال : «هلكت وأهلكت ، تأويل كل حرف من القرآن على وجوه».

١٥٣ / ١٥ ـ عن إبراهيم بن عمر ، قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : «إن في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن ، كانت فيه أسماء الرجال فألقيت ، وإنما الاسم الواحد منه في وجوه لا تحصى ، يعرف ذلك الوصاة».

__________________

٩ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١١ / ٤.

١٠ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١١ / ٥.

(١) آل عمران ٣ : ٧.

١١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١١ / ٦.

١٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١١ / ٧.

١٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٢ / ٨.

(١) (بطنا وظهرا وللظهر) ليس في المصدر.

١٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٢ / ٩.

١٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٢ / ١٠.

٤٦

١٥٤ / ١٦ ـ عن حماد بن عثمان ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : إن الأحاديث تختلف عنكم؟ قال : فقال : «إن القرآن نزل على سبعة أحرف (١) ، وأدنى [ما] للإمام أن يفتي على سبعة وجوه ـ ثم قال ـ : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ)». (٢)

١٥٥ / ١٧ ـ محمد بن يعقوب : عن الحسين بن محمد ، عن المعلى (١) بن محمد ، عن الوشاء ، عن جميل بن دراج ، عن محمد بن مسلم ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «إن القرآن واحد ، نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة».

١٥٦ / ١٨ ـ عنه : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة ، عن الفضيل بن يسار ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : إن الناس يقولون : إن القرآن نزل على سبعة أحرف؟ فقال : «كذبوا أعداء الله ، ولكنه نزل على حرف واحد ، من عند الواحد».

١٥٧ / ١٩ ـ ومن طريق الجمهور : من كتاب (حلية الأولياء) يرفعه إلى عبدالله بن مسعود أنه قال : «القرآن نزل (١) على سبعة أحرف ، ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن ، وإن علي بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر والباطن».

__________________

١٦ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٢ / ١١.

(١) أحرف : جمع حرف ، وقد اختلفوا في معناه على أقوال ، فقيل : المراد بالحرف الإعراب ، وقيل : الكيفيّات ، وقيل : إنّها وجوه القراءة التي اختارها القرّاء. «مجمع البحرين ـ حرف ـ ٥ : ٣٦».

(٢) سورة ص ٣٨ : ٣٩.

١٧ ـ الكافي ٢ : ٤٦١ / ١٢.

(٣) في المصدر : عليّ ، والظاهر أنّه تصحيف ، كما أشار لذلك في جامع الرواة ٢ : ٢٥١ ، معجم رجال الحديث ٢٣ : ١٦٧.

١٨ ـ الكافي ٢ : ٤٦١ / ١٣.

١٩ ـ حيلة الأولياء ١ : ٦٥ ، النور المشتعل : ٢١ / ١ ، فرائد السمطين ١ : ٣٥٥ / ٢٨١ ، ترجمة الإمام عليّ عليه‌السلام من تاريخ ابن عساكر ٣ : ٣٢ / ١٠٥٧ ، ينابيع المودّة ٧٠ و ٣٧٣.

(٤) في المصدر : إنّ القرآن أنزل.

٤٧

٨ ـ باب في ما نزل عليه القرآن من الأقسام

١٥٨ / ١ ـ محمد بن يعقوب : عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ؛ وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي حمزة ، عن أبي يحيى ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام ، يقول : «أنزل (١) القرآن أثلاثا : ثلث فينا وفي عدونا ، وثلث سنن وأمثال ، وثلث فرائض وأحكام».

١٥٩ / ٢ ـ وعنه : عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحجال ، عن علي بن عقبة ، عن داود بن فرقد ، عمن ذكره ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : «إن القرآن نزل أربعة أرباع : ربع حلال ، وربع حرام ، وربع سنن وأحكام ، وربع خبر ما كان قبلكم ، ونبأ ما يكون بعدكم ، وفصل ما بينكم».

١٦٠ / ٣ ـ وعنه : عن أبي علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «نزل القرآن أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدونا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام».

١٦١ / ٤ ـ العياشي : عن أبي الجارود ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «نزل القرآن على أربعة أرباع : ربع فينا ، وربع في عدونا ، وربع في فرائض وأحكام ، وربع سنن وأمثال. ولنا كرائم القرآن».

١٦٢ / ٥ ـ عن عبدالله بن سنان ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن القرآن والفرقان؟ قال : «القرآن : جملة الكتاب ، وأخبار ما يكون ، والفرقان : المحكم الذي يعمل به ، وكل محكم فهو فرقان».

١٦٣ / ٦ ـ عن الأصبغ بن نباتة ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : «نزل القرآن أثلاثا : ثلث فينا وفي عدونا ، وثلث سنن وأمثال ، وثلث فرائض وأحكام».

__________________

٨ ـ باب في ما نزل عليه القرآن من الأقسام

١ ـ الكافي ٢ : ٤٥٩ / ٢ ، شواهد التنزيل ١ : ٤٤ / ٥٩.

(١) في المصدر : نزل.

٢ ـ الكافي ٢ : ٤٥٩ / ٣.

٣ ـ الكافي ٢ : ٤٥٩ / ٤ ، شواهد التنزيل ١ : ٤٣ / ٥٧ و ٥٨ و : ٤٥ / ٦٠ و : ٤٦ / ٦٥.

٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٩ / ١ ، تفسير الحبري : ٢٣٣ / ٢ ، النور المشتعل : ٣٦ ـ ٣٨ / ٩ ـ ١٢.

٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٩ / ٢.

٦ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٩ / ٣ ، شواهد التنزيل ١ : ٤٤ / ٥٩.

٤٨

١٦٤ / ٧ ـ عن محمد بن خالد الحجاج الكرخي ، عن بعض أصحابه ، رفعه إلى خيثمة ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «يا خيثمة ، القرآن نزل أثلاثا : ثلث فينا وفي أحبائنا ، وثلث في أعدائنا وعدو من كان قبلنا ، وثلث سنة ومثل. ولو أن الآية إذا نزلت في قوم ثم مات أولئك القوم ماتت الآية ، لما بقي من القرآن شيء ، ولكن القرآن يجري أوله على آخره ما دامت السماوات والأرض ، ولكل قوم آية يتلونها ، هم منها من خير أو شر».

١٦٥ / ٨ ـ ومن طريق الجمهور : عن ابن المغازلي ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «إن القرآن أربعة أرباع : فربع فينا أهل البيت خاصة ، (١) وربع (٢) حلال ، وربع حرام ، وربع فرائض وأحكام ؛ والله أنزل فينا (٣) كرائم القرآن».

١٦٦ / ٩ ـ العياشي : عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : «إن القرآن آمر وزاجر : آمر بالجنة ، ويزجر عن النار».

١٦٧ / ١٠ ـ محمد بن يعقوب : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن سنان ـ أو عن غيره ـ ، عمن ذكره ، قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن القرآن والفرقان ، أهما شيئان ، أو شيء واحد؟

فقال عليه‌السلام : «القرآن جملة الكتاب ، والفرقان المحكم الواجب العمل به».

١٦٨ / ١١ ـ عنه : عن حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : «إن القرآن زاجر وآمر : يأمر بالجنة ، ويزجر عن النار».

__________________

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٠ / ٧.

٨ ـ مناقب ابن المغازلي : ٣٢٨ / ٣٧٥ ، النور المشتعل : ٣٨ / ١٢ و : ٣٩ / ١٣.

(١) في المصدر زيادة : وربع في أعدائنا.

(٢) (ربع) ليس في المصدر.

(٣) في المصدر : في عليّ ٧.

٩ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٠ / ٦.

١٠ ـ الكافي ٢ : ٤٦١ / ١١.

١١ ـ الكافي ٢ : ٤٣٩ / ٩.

٤٩

٩ ـ باب في أن القرآن نزل بـ (إياك أعني واسمعي يا جارة) (١)

١٦٩ / ١ ـ محمد بن يعقوب : عن محمد بن يحيى ، عن عبدالله بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن عبدالله ابن بكير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «نزل القرآن بـ (إياك أعني واسمعي يا جارة)».

ثم قال الكليني : وفي رواية أخرى ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : «معناه ما عاتب الله عز وجل به نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو يعني به ما قد مضى في القرآن ، مثل قوله : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (١) عنى بذلك غيره».

١٧٠ / ٢ ـ العياشي : عن عبدالله بن بكير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : «نزل القرآن بـ (إياك أعني واسمعي يا جارة)».

١٧١ / ٣ ـ عن ابن أبي عمير ، عمن حدثه ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : «ما عاتب الله نبيه فهو يعني به من قد مضى في القرآن ، مثل قوله : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (١) عنى بذلك غيره».

__________________

٩ ـ باب في أن القرآن نزل بـ (إياك أعني واسمعي يا جارة)

(١) مثل يضرب لمن يتكلم بكلام ويريد به غيره. «مجمع الأمثال ١ : ٤٩ / ١٨٧».

١ ـ الكافي ٢ : ٤٦١ / ١٤.

(١) الإسراء ١٧ : ٧٤.

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٠ / ٤.

٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٠ / ٥.

(١) الإسراء ١٧ : ٧٤.

٥٠

١٠ ـ باب في ما عنى به الأئمة عليهم‌السلام في القرآن

١٧٢ / ١ ـ العياشي : عن ابن مسكان ، قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : «من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكب الفتن». (١)

١٧٣ / ٢ ـ عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «يا أبا الفضل ، لنا حق في كتاب الله المحكم من الله لو محوه فقالوا : ليس من عند الله ، أو لم يعلموا ، لكان سواء». (١)

١٧٤ / ٣ ـ عن محمد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «يا محمد ، إذا سمعت الله ذكر أحدا من هذه الأمة بخير ، فهم نحن ، وإذا سمعت الله ذكر قوما بسوء ممن مضى ، فهم عدونا».

١٧٥ / ٤ ـ عن داود بن فرقد ، عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتنا (١) فيه مسمين».

١٧٦ / ٥ ـ وقال سعيد بن الحسين الكندي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ بعد مسمين ـ : «كما سمي من قبلنا».

١٧٧ / ٦ ـ عن ميسر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «لو لا أن زيد في كتاب الله ونقص منه ما خفي حقنا على ذي الحجا ، (١) ولو قد قام قائمنا فنطق صدقه القرآن».

__________________

١٠ ـ باب في ما عنى به الأئمة عليهم‌السلام في القرآن

١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣ / ١.

(١) لم يتنكب الفتن : أي لا مخلص له مها. «مجمع البحرين ـ نكب ـ ٢ : ١٧٦».

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣ / ٢.

(١) في المصدر : سواه.

٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣ / ٣.

٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣ / ٤.

(١) ألفيت الشيء : وجدته. «الصحاح ـ لفا ـ ٦ : ٢٤٨٤».

٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣ / ٥.

٦ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣ / ٦.

(١) الحجا : العقل والفطنة ، والجمع أحجاء. «لسان العرب ـ حجا ـ ١٤ : ١٦٥».

٥١

١٧٨ / ٧ ـ عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، عن أبيه ، عن جده ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سموهم بأحسن أمثال القرآن يعني عترة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هذا عذب فرات فاشربوا ، وهذا ملح أجاج (١) فاجتنبوا».

١٧٩ / ٨ ـ عن عمر بن حنظلة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام : عن قول الله : (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (١) فلما رآني أتتبع هذا وأشباهه من الكتاب ، قال : «حسبك كل شيء في الكتاب من فاتحته إلى خاتمته مثل هذا فهو في الأئمة عنى به».

١٨٠ / ٩ ـ وروى الشيخ الكامل شرف الدين النجفي في كتاب (تأويل الآيات الباهرة في فضائل العترة الطاهرة قال : ورد من طريق العامة والخاصة الخبر المأثور عن عبدالله بن عباس رضي‌الله‌عنه أنه قال : قال لي أمير المؤمنين عليه‌السلام : «نزل القرآن أرباعا : ربع فينا ، وربع في عدونا ، وربع سنن وأمثال ، وربع فرائض وأحكام ، ولنا كرائم القرآن». وكرائم القرآن أحسنه (١) لقوله تعالى : (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) (٢) والقول هو القرآن.

١٨١ / ١٠ ـ قال : ويؤيد هذا ما رواه أبو جعفر الطوسي بإسناده إلى الفضل بن شاذان ، عن داود بن كثير ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام أنتم الصلاة في كتاب الله عز وجل ، وأنتم الزكاة ، (١) وأنتم الحج؟

فقال : «يا داود ، نحن الصلاة في كتاب الله عز وجل ، ونحن الزكاة ، ونحن الصيام ، ونحن الحج ، ونحن الشهر الحرام ، ونحن البلد الحرام ، ونحن كعبة الله ، ونحن قبلة الله ، ونحن وجه الله ، قال الله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٢) ، ونحن الآيات ، ونحن البينات.

وعدونا في كتاب الله : الفحشاء والمنكر والبغي ، والخمر والميسر ، والأنصاب والأزلام ، والأصنام والأوثان ، والجبت والطاغوت ، والميتة والدم ولحم الخنزير.

يا داود ، إن الله خلقنا ، وأكرم خلقنا ، وفضلنا ، وجعلنا أمناءه وحفظته وخزانه على ما في السماوات وما في الأرض ، وجعل لنا أضدادا وأعداء ، فسمانا في كتابه وكنى عن أسمائنا بأحسن الأسماء وأحبها إليه ، تكنية عن

__________________

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣ / ٧.

(١) أجاج : ملح مرّ. «مختار الصحاح ـ أجج ـ : ٦».

٨ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣ / ٨.

(١) الرّعد ١٣ : ٤٣.

٩ ـ تأويل الآيات ١ : ١٨ / ١ ، تفسير الحبري : ٢٣٣ / ٢ ، شواهد التنزيل ١ : ٤٣ / ٥٧ و ٥٨ و : ٤٥ / ٦٠.

(١) في «ط» : مجامعه وأحسنه ، وفي المصدر : محاسنه وأحسنه.

(٢) الزّمر ٣٩ : ١٨.

١٠ ـ تأويل الآيات ١ : ١٩ / ٢.

(١) في المصدر زيادة : وأنتم الصيام.

(٢) البقرة ٢ : ١١٥.

٥٢

العدو ، وسمى أضدادنا وأعداءنا في كتابه وكنى عن أسمائهم وضرب لهم الأمثال في كتابه في أبغض (٣) الأسماء إليه وإلى عباده المتقين».

١٨٢ / ١١ ـ ويؤيد هذا ما رواه ـ أيضا ـ عن الفضل بن شاذان ، بإسناده عن أبي عبدالله عليه‌السلام أنه قال : «نحن أصل كل بر ، ومن فروعنا كل بر ؛ ومن البر التوحيد ، والصلاة ، والصيام ، وكظم الغيظ ، والعفو عن المسيء ، ورحمة الفقير ، وتعاهد الجار ، والإقرار بالفضل لأهله.

وعدونا أصل كل شر ، ومن فروعهم كل قبيح وفاحشة ، فهم الكذب ، والنميمة ، والبخل ، والقطيعة وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم بغير حق ، وتعدي الحدود التي أمر الله عز وجل بها ، وركوب الفواحش ما ظهر منها وما بطن من الزنا والسرقة ، وكل ما [وافق] ذلك من القبيح ، وكذب من قال : إنه معنا ، وهو متعلق بفرع غيرنا».

__________________

(٣) في «س» و «ط» : بعض.

١١ ـ تأويل الآيات ١ : ١٩ / ٣.

٥٣

١١ ـ باب آخر

١٨٣ / ١ ـ سعد بن عبدالله في (بصائر الدرجات) قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى بن الحسين بن سعيد ، عن الحسن بن علي ، عن حفص المؤذن (١) ، قال : كتب أبو عبدالله عليه‌السلام إلى أبي الخطاب : «بلغني أنك تزعم أن الخمر رجل ، وأن الزنا رجل ، وأن الصلاة رجل ، وأن الصوم رجل ؛ وليس كما تقول ، نحن أصل الخير ، وفروعه طاعة الله ، وعدونا أصل الشر ، وفروعه معصية الله».

ثم كتب : «كيف يطاع من لا يعرف ، وكيف يعرف من لا يطاع؟!».

١٨٤ / ٢ ـ وعنه : عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن داود بن فرقد ، قال : قال أبو عبدالله عليه‌السلام : «لا تقولوا في كل آية هذا رجل وهذا رجل ، من القرآن حلال ، ومنه حرام ، ومنه نبأ ما قبلكم ، وحكم ما بينكم ، وخبر ما بعدكم ، وهكذا هو».

١٨٥ / ٣ ـ وعنه : عن القاسم بن الربيع الوراق ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن سنان ، عن مياح (١) المدائني ، عن المفضل بن عمر أنه كتب إلى أبي عبدالله عليه‌السلام كتابا فجاءه جواب أبي عبدالله عليه‌السلام بهذا : «أما بعد ، فإني أوصيك بتقوى الله وطاعته ، فإن من التقوى الطاعة ، والورع ، والتواضع لله والطمأنينة ، والاجتهاد له ، والأخذ بأمره ، والنصيحة لرسله ، والمسارعة في مرضاته ، واجتناب ما نهى عنه ؛ فإنه من يتق الله فقد أحرز نفسه من النار بإذن الله ، وأصاب الخير كله في الدنيا والآخرة ، فإنه من أمر بالتقوى فقد أبلغ في الموعظة ، جعلنا الله وإياكم من المتقين برحمته.

جاءني كتابك فقرأته وفهمت الذي فيه ، وحمدت الله على سلامتك وعافية الله إياك ، ألبسنا الله وإياك عافيته في الدنيا والآخرة.

__________________

١ ـ بصائر الدرجات : ٥٥٦ / ٢ ، مختصر بصائر الدرجات : ٧٨.

(١) في «س» : المؤدّب ، وما في المتن هو الصحيح ، راجع رجال الطوسي : ١٨٥ ، ومعجم رجال الحديث ٦ : ١٥٩.

٢ ـ بصائر الدرجات : ٥٥٦ / ٣ ، مختصر بصائر الدرجات : ٧٨.

٣ ـ بصائر الدرجات : ٥٤٦ / ١ ، مختصر بصائر الدرجات : ٧٨.

(١) في «س» و «ط» : منّاح ، وفي المصدر : صيّاح ، تصحيف ، صوابه ما في المتن ، راجع رجال النجاشي : ٤٢٤ / ١١٤٠ ، جامع الرواة ٢ : ٢٨٣.

٥٤

كتبت تذكر أن قوما أنا أعرفهم (٢) كان أعجبك نحوهم وشأنهم ، وأنك أبلغت عنهم أمورا زائدة عليهم كرهتها لهم ، ولم تر منهم هديا ولا حسنا وورعا وتخشعا.

وبلغك أنهم يزعمون أن الدين إنما هو معرفة الرجال ، ثم من بعد ذلك إذا عرفتهم فاعمل ما شئت ، وذكرت أنك قد قلت : أصل الدين معرفة الرجال ؛ وفقك الله.

وذكرت أنه قد بلغك أنهم يزعمون أن الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج والعمرة والمسجد الحرام (٣) والشهر الحرام (٤) رجال ، وأن الطهر والاغتسال من الجنابة هو رجل ، وكل فريضة افترضها الله عز وجل على عباده فهي رجال.

وأنهم ذكروا لك (٥) بزعمهم أن من عرف ذلك الرجل فقد اكتفى بعلمه من غير عمل ، وقد صلى وآتى الزكاة وصام وحج واعتمر ، واغتسل من الجنابة وتطهر ، وعظم حرمات الله والشهر الحرام والمسجد الحرام والبيت الحرام.

وأنهم ذكروا أن من عرف هذا بعينه وبحده وثبت في قلبه جاز له أن يتهاون بالعمل ، وليس عليه أن يجتهد في العمل ، ويزعمون أنه إذا عرفوا ذلك الرجل فقد قبلت منهم هذه الحدود لوقتها وإن لم يعملوا بها.

وأنه بلغك أنهم يزعمون أن الفواحش التي نهى الله عنها من الخمر والميسر والميتة والدم ولحم الخنزير هم رجال ، وذكروا إنما حرم الله عز وجل من نكاح الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت ، وما حرم الله على المؤمنين (٦) من النساء ، إنما عنى بذلك نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما سوى ذلك فمباح. (٧) وذكرت أنه بلغك أنهم يترادفون المرأة الواحدة ، ويتشاهدون بعضهم لبعض (٨) ، ويزعمون أن لهذا بطنا وظهرا يعرفونه ؛ فالظاهر ما يتناهون عنه يأخذون به مدافعة عنهم ، والباطن هو الذي يطلبون وبه أمروا بزعمهم.

وكنت تذكر الذي (٩) عظم (١٠) عليك من ذلك حين (١١) بلغك ، فكتبت تسألني عن قولهم في ذلك ، أحلال

__________________

(٢) في «س» و «ط» : كما.

(٣) في المصدر زيادة : والبيت الحرام والمشعر الحرام.

(٤) في المصدر زيادة : هم.

(٥) في المصدر : ذلك.

(٦) في «س» : علي أمير المؤمنين ٧. وما في المتن الأنسب.

(٧) في المصدر زيادة : كلّه.

(٨) في المصدر زيادة : بالزور.

(٩) في المصدر : وكتبت تذكر الذين.

(١٠) في «ط» : الذي طمّ عظيم. وطمّ : كثر وعلا حتّى غلب.

(١١) في «س» : حتّى.

٥٥

هو أم حرام؟ وكتبت تسألني عن تفسير ذلك ، وأنا أبينه لك حتى لا تكون من ذلك في عمى (١٢) ولا شبهة تدخل عليك.

وقد كتبت إليك في كتابي هذا تفسير ما سألت عنه فاحفظه الحفاظ (١٣) كله وعه ، كما قال الله تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (١٤) وأنا أصفه لك بحله (١٥) وأنفي عنك حرامه ـ إن شاء الله ـ كما وصفت لك ، وأعرفكه حتى تعرفه ـ إن شاء الله تعالى ـ ولا تنكره ، ولا قوة إلا بالله ، والقوة والعزة لله جميعا.

أخبرك أنه من كان يؤمن ويدين بهذه الصفة التي سألتني عنها فهو مشرك بالله بين الشرك ، لا يسع أحدا الشك فيه ، وأخبرك أن هذا القول كان من قوم سمعوا ما لم يعقلوه عن أهله ، ولم يعطوا فهم ذلك ، ولم يعرفوا حدود ما سمعوا ، فوضعوا حدود تلك الأشياء مقايسة برأيهم ومقتضى (١٦) عقولهم ، ولم يضعوها على حدود ما أمروا ، كذبا وافتراء على الله وعلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجرأة على المعاصي ، فكفى بهذا جهلا لهم ، ولو أنهم وضعوها على حدودها التي حدت لهم وقبلوها لم يكن به بأس ، ولكن حرفوها وتعدوا الحق ، وكذبوا فيها وتهاونوا بأمر الله وطاعته.

ولكن أخبرك أن الله عز وجل حدها بحدودها لئلا يتعدى حدود الله أحد ، ولو كان الأمر كما ذكروا لعذر الناس بجهل ما لم يعرفوا حد ما حد لهم فيه ، ولكان المقصر والمتعدي حدود الله معذورا إذا لم يعرفها ، ولكن جعلها الله حدودا محدودة لا يتعداها إلا مشرك كافر ، قال الله عز وجل : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). (١٧) فأخبرك حقا يقينا أن الله تبارك وتعالى اختار لنفسه الإسلام دينا ورضيه لخلقه ، فلم يقبل من أحد عملا إلا به ، وبه بعث أنبياءه ورسله ، ثم قال : (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) (١٨) فعليه وبه بعث أنبياءه ورسله ونبيه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأصل الدين معرفة الرسل وولايتهم ، وأن الله عز وجل أحل حلالا وحرم حراما ؛ فجعل حلاله حلالا إلى يوم القيامة ، وجعل حرامه حراما إلى يوم القيامة.

فمعرفة الرسل وولايتهم وطاعتهم هي الحلال ، فالمحلل ما حللوا ، والمحرم ما حرموا ، وهم أصله ومنهم الفروع الحلال ، وحج البيت والعمرة ، وتعظيمهم حرمات الله وشعائره ومشاعره ، وتعظيم البيت الحرام والمسجد الحرام

__________________

(١٢) في «س» : غمّ.

(١٣) الحفاظ : المحافظة ، وهو المواظبة والذبّ عن المحارم. «القاموس المحيط ـ حفظ ـ ٢ : ٤٠٩».

(١٤) الحاقّة ٦٩ : ١٢.

(١٥) الحلّ : الحلال ، وهو ضدّ الحرام. «الصحاح ـ حلل ـ ٤ : ١٦٧٢».

(١٦) في «س» : ومنتهى.

(١٧) البقرة ٢ : ٢٢٩.

(١٨) الاسراء ١٧ : ١٠٥.

٥٦

والشهر الحرام ، والطهر والاغتسال من الجنابة ومكارم الأخلاق ومحاسنها وجميع البر ، وذكر ذلك في كتابه ، فقال : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). (١٩) وعدوهم هم الحرام المحرم ، وأولياؤهم هم الداخلون في أمرهم إلى يوم القيامة ، وهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، والخمر والميسر والزنا والربا والميتة والدم ولحم الخنزير هي الحرام والمحرم وأصل كل حرام ، وهم الشر وأصل كل شر ، ومنهم فروع الشر كله ، ومن تلك الفروع ؛ استحلالهم الحرام وإتيانهم إياه ، ومن فروعهم تكذيب الأنبياء وجحود الأوصياء ، وركوب الفواحش من الزنا والسرقة ، وشرب الخمر والمسكر ، وأكل مال اليتيم وأكل الربا ، والخديعة والخيانة ، وركوب المحارم كلها ، وانتهاك المعاصي.

وإنما أمر الله بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ـ يعني مودة ذي القربى واتباع (٢٠) طاعتهم ـ وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، وهم أعداء الأنبياء وأوصياء الأنبياء ، وهم المنهي عنهم وعن مودتهم وطاعتهم ، يعظكم بهذا لعلكم تذكرون.

وأخبركم أني لو قلت لكم : إن الفاحشة والخمر والزنا والميتة والدم ولحم الخنزير هو رجل ، وأنا أعلم أن الله عز وجل قد حرم هذا الأصل وحرم فروعه ونهى عنه ، وجعل ولايته كمن عبد من دون الله وثنا وشركاء ، ومن دعا إلى عبادة نفسه كفرعون إذ قال : أنا ربكم الأعلى ، فهذا كله (٢١) إن شئت قلت هو رجل ، وهو إلى جهنم وكل من شايعه على ذلك ، فإنهم مثل قول الله عز وجل : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) (٢٢) لصدقت ، ثم أني لو قلت : إنه فلان ، وهو ذلك كله ، لصدقت أن فلانا هو المعبود من دون الله ، والمتعدي لحدود الله التي نهى عنها أن تتعدى.

ثم أخبرك أن أصل الدين هو رجل ، وذلك الرجل هو اليقين ، وهو الإيمان ، وهو إمام أهل زمانه ، فمن عرفه عرف الله ودينه (٢٣) وشرائعه ، ومن أنكره أنكر الله ودينه ، ومن جهله جهل الله ودينه وشرائعه ، ولا يعرف الله ودينه بغير ذلك الإمام ، كذلك جرى بأن معرفة الرجال دين الله.

والمعرفة على وجهين : معرفة ثابتة على بصيرة يعرف بها دين الله وتوصل إلى معرفة الله ، فهذه المعرفة الباطنة (٢٤) بعينها ، الموجبة حقها ، المستوجب عليها الشكر لله الذي من عليكم بها منا ، من الله الذي يمن به على

__________________

(١٩) النّحل ١٦ : ٩٠.

(٢٠) في المصدر و «ط» نسخة بدل : وابتغاء.

(٢١) في المصدر زيادة : على وجه.

(٢٢) البقرة ٢ : ١٧٣.

(٢٣) في «ط» زيادة : ومن لم يعرفه لا يعرف الله ودينه.

(٢٤) في المصدر زيادة : الثابتة.

٥٧

من يشاء من عباده ، مع المعرفة الظاهرة ، ومعرفة في الظاهر من الحق (٢٥) على غير علم به ، لا يستحق أهلها ما يستحق أهل المعرفة في الباطن على بصيرتهم ، ولا يصلون بتلك المعرفة المقصرة إلى حق معرفة الله ، كما قال في كتابه : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٢٦) فمن شهد شهادة الحق لا يعقد عليها قلبه ، ولا يتبصر بها (٢٧) ، لم يثبه الله ثواب من عقد عليها قلبه وأبصرها ، وكذلك من تكلم بحرف (٢٨) لا يعقد عليه قلبه ، ولا يعاقب عليه عقوبة من عقد عليه قلبه ، وثبت عليه على بصيرة.

وقد عرفت كيف كان حال أهل المعرفة في الظاهر ، والإقرار بالحق على غير علم ، في قديم الدهر وحديثه إلى انتهاء الأمر إلى نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده صار الأمر إلى ما صار ، وإلى ما انتهت معرفتهم به ، فإنما عرفوا بمعرفة أعمالهم ودينهم الذي أتوا (٢٩) به الله عز وجل ، المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ، وقد يقال : إن من دخل في هذا الأمر بغير يقين ولا بصيرة خرج منه كما كان دخل فيه ، رزقنا الله وإياكم معرفة ثابتة على بصيرة وأجزل.

وأخبرك أني لو قلت : إن الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج والعمرة والمسجد الحرام والبيت الحرام والمشعر الحرام والطهر والاغتسال من الجنابة وكل فريضة ، كان ذلك هو النبي الذي جاء به من عند ربه لصدقت ، لأن ذلك كله إنما يعرف بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو لا معرفة ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإقرار به والتسليم له ما عرفت ذلك ، فذلك من الله عز وجل على من يمن به عليه ، ولو لا ذلك لم أعرف شيئا من هذا.

فهذا كله ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصله ، وهو فرعه ، وهو دعاني إليه ، ودلني عليه ، وعرفنيه ، وأمرني به ، وأوجب له علي الطاعة فيما أمرني به ، ولا يسعني جهله ، وكيف يسعني جهل من هو فيما بيني وبين الله عز وجل؟! وكيف يستقيم لي لو لا أني أصف دينا (٣٠) غيره؟! وكيف لا يكون ذلك هو معرفة الرجل؟! وإنما هو الذي جاء به عن الله عز وجل ، وإنما أنكر دين الله من أنكره بأن قال : أبعث الله بشرا رسولا؟! ثم قال : أبشر يهدوننا؟! فكفروا بذلك الرجل ، وكذبوا به ، وتولوا عنه وهم معرضون ، وقالوا : لولا أنزل عليه ملك؟

فقال الله تبارك وتعالى : (قُلْ ـ لهم ـ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ) (٣١) ثم قال في آية أخرى : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً). (٣٢)

__________________

(٢٥) في المصدر : ومعرفة في الظاهر فأهل المعرفة في الظاهر الذين علموا أمرنا بالحقّ.

(٢٦) الزّخرف ٤٣ : ٨٦.

(٢٧) في المصدر : ولا يبصر ما يتكلّم به.

(٢٨) في المصدر : بجور.

(٢٩) في المصدر : دانوا.

(٣٠) في المصدر زيادة : هو الذي أتاني به ذلك النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أصف أن الدّين.

(٣١) الأنعام ٦ : ٩١.

(٣٢) الأنعام ٦ : ٨ و ٩.

٥٨

والله تبارك وتعالى إنما أحب أن يعرف بالرجال ، وأن يطاع بطاعتهم ، فجعلهم سبيله ووجهه الذي يؤتى منه ، لا يقبل من العباد غير ذلك (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٣٣) وقال فيما أوجب من محبته لذلك : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (٣٤).

فمن قال لك : إن هذه الفريضة كلها هي رجل ، وهو يعرف حد ما يتكلم به فقد صدق ، ومن قال على الصفة التي ذكرت بغير طاعة لم يغن التمسك بالأصل بترك الفرع شيئا ، كما لا تغني شهادة أن لا إله إلا الله بترك شهادة أن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولم يبعث الله نبيا قط إلا بالبر والعدل والمكارم ، ومحاسن الأخلاق ومحاسن الأعمال ، والنهي عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فالباطن منها ولاية أهل الباطل (٣٥) والظاهر منها فروعهم.

ولم يبعث الله نبيا قط يدعو إلى معرفة ليس معها طاعة في أمر أو نهي ، إنما يقبل الله من العباد العمل بالفرائض التي فرضها (٣٦) على حدودها ، مع معرفة من جاءهم بها من عنده ودعاهم إليه ، فأول ذلك معرفة من دعا إليه ، ثم طاعته فيما افترض وأمر به ممن لا طاعة له.

وإنه من عرف أطاع ، ومن أطاع حرم الحرام ظاهره وباطنه ، ولا يكون تحريم الباطن لاستحلال الظاهر ، إنما حرم الله الظاهر بالباطن ، والباطن بالظاهر معا جميعا ، و [لا يكون] الأصل والفرع والباطن الحرام حراما وظاهره [حلالا] ، ويحرم الباطن ويستحل الظاهر.

كذلك لا يستقيم أن يعرف صلاة الباطن ولا يعرف صلاة الظاهر ، ولا الزكاة ، ولا الصوم ، ولا الحج ، ولا العمرة ، ولا المسجد الحرام ، وجميع حرمات الله وشعائره أن تترك بمعرفة الباطن لأن باطنه ظهره ، ولا يستقيم واحد منهما إلا بصاحبه ، إذا كان الباطن حراما خبيثا فالظاهر منه حرام [خبيث ، إنما يشبه الباطن بالظاهر من زعم] أنه إذا عرف اكتفى بغير طاعة وقد كذب وأشرك ، وذلك لم يعرف ولم يطع.

وإنما قيل : اعرف واعمل ما شئت من الخير ، فإنه يقبل ذلك منك ، ولا يقبل ذلك منك بغير معرفة ، فإذا عرفت فاعمل لنفسك ما شئت من الطاعة والخير ـ قل أو كثر ـ بعد أن لا تترك شيئا من الفرائض والسنن الواجبة ، فإنه مقبول منك جميع أعمالك.

وأخبرك أنه من عرف [أطاع] ، فإذا عرف صلى وصام وحج واعتمر ، وعظم حرمات الله كلها ولم يدع منها شيئا ، وعمل بالبر كله ومكارم الأخلاق كلها ، واجتنب سيئها ، وكل ذلك هو النبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصله ، وهو أصل هذا كله ، لأنه هو الذي جاء به ودل عليه وأمر به.

ولا يقبل الله عز وجل من أحد شيئا إلا به ، فمن عرفه اجتنب الكبائر والفواحش كلها ما ظهر منها وما بطن ،

__________________

(٣٣) الأنبياء ٢١ : ٢٣.

(٣٤) النّساء ٤ : ٨٠.

(٣٥) في «س» : الباطن.

(٣٦) في المصدر : افترضها.

٥٩

وحرم المحارم كلها ، لأنه بمعرفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطاعته دخل فيما دخل فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخرج بما خرج عنه.

ومن زعم أنه يحلل الحلال ويحرم الحرام بغير معرفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لم يحلل له حلالا ولم يحرم له حراما ، وأن من صلى وزكى وحج واعتمر وفعل البر كله بغير معرفة من افترض الله طاعته فإنه لم يقبل منه شيئا من ذلك ، ولم يصل ، ولم يصم ، ولم يزك ، ولم يحج ولم يعتمر ، ولا اغتسل غسل الجنابة ، ولم يتطهر ، ولم يحرم لله حراما ، ولم يحل ولم يصل صلاة ، وإن ركع وسجد ، ولا له زكاة ، وإن أخرج من كل أربعين درهما درهما ، ولا له حج ولا له عمرة. وإنما يقبل ذلك كله بمعرفة رجل ، وهو من أمر الله خلقه بطاعته والأخذ عنه ، فمن عرفه وأخذ عنه فقد أطاع الله عز وجل».

والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

٦٠