البرهان في تفسير القرآن - ج ١

السيد هاشم الحسيني البحراني

البرهان في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني البحراني


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٥٢

أفضل ما أنزل عليك؟

قال : آية الكرسي ، ما السماوات السبع والأرضون السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، ثم وإن فضل العرش على الكرسي (٢) كفضل الفلاة على الحلقة».

١٤٠٠ / ١٨ ـ عن زرارة ، قال : سألت أحدهما عليهما‌السلام عن قوله : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أيهما وسع الآخر؟

قال : «الأرضون كلها ، والسماوات كلها ، وجميع ما خلق الله في الكرسي».

١٤٠١ / ١٩ ـ عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ) السماوات والأرض وسعن الكرسي ، أو الكرسي وسع السماوات والأرض؟

قال : «لا ، بل الكرسي وسع السماوات والأرض والعرش ، وكل شيء خلق الله في الكرسي».

١٤٠٢ / ٢٠ ـ عن الأصبع بن نباتة ، قال : «سئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن قول الله : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ). فقال : «إن السماء والأرض وما فيهما من خلق مخلوق في جوف الكرسي ، وله أربعة أملاك يحملونه بإذن الله».

١٤٠٣ / ٢١ ـ (احتجاج الطبرسي) : في حديث عن الصادق عليه‌السلام وقد سأله رجل ، قال له : الكرسي أكبر أم العرش؟

قال عليه‌السلام : «كل شيء خلق (١) الله في جوف الكرسي ما خلا عرشه ، فإنه أعظم من أن يحيط به الكرسي».

قال : فخلق النهار قبل الليل؟

قال : «نعم ، خلق النهار قبل الليل ، والشمس قبل القمر ، والأرض قبل السماء ، ووضع الأرض على الحوت [والحوت في الماء ، والماء] في صخرة مخرمة (٢) ، والصخرة على عاتق ملك ، والملك على الثرى ، والثرى على الريح العقيم ، والريح على الهواء ، والهواء تمسكه القدرة ، وليس تحت الريح العقيم إلا الهواء والظلمات ، ولا وراء ذلك سعة ولا ضيق ، ولا شيء يتوهم ، ثم خلق الكرسي فحشاه السماوات والأرض ، والكرسي أكبر من كل شيء خلق (٣) ، ثم خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي».

__________________

(٢) في المصدر : بأرض بلاقع ، وانّ فضله على العرش.

١٨ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣٧ / ٤٥٦.

١٩ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣٧ / ٤٥٧.

٢٠ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣٧ / ٤٥٨.

٢١ ـ الاحتجاج : ٣٥٢.

(١) في المصدر : خلقه.

(٢) في المصدر : مجوّفة.

(٣) في المصدر : خلقه الله.

٥٢١

قوله تعالى :

لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [٢٥٦]

١٤٠٤ / ١ ـ علي بن إبراهيم : أي لا يكره أحد على دينه إلا بعد أن قد تبين له الرشد من الغي.

فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا

انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ

الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ

يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها

خالِدُونَ [٢٥٦ ـ ٢٥٧]

١٤٠٥ / ٢ ـ محمد بن يعقوب : عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبد العزيز ، عن عبد الله بن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أخالط الناس ، فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ، ويتولون فلانا وفلانا ، لهم أمانة وصدق ووفاء ، وأقوام يتولونكم ، وليس لهم تلك الأمانة ، ولا الوفاء ، ولا الصدق! قال : فاستوى أبو عبد الله عليه‌السلام جالسا ، فأقبل علي كالغضبان ، ثم قال : «لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله ، ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله».

قلت : لا دين لأولئك ، ولا عتب على هؤلاء؟

قال : «نعم ، لا دين لأولئك ولا عتب على هؤلاء ـ ثم قال ـ : ألا تسمع لقول الله عز وجل : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) يعني من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة ، بولايتهم كل إمام عادل من الله. وقال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) إنما عنى بهذا أنهم كانوا على نور الإسلام ، فلما تولوا كل إمام جائر ليس من الله عز وجل ، خرجوا بولايتهم إياه من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر ، فأوجب الله لهم النار مع الكفار ، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون».

__________________

سورة البقرة آية ـ ٢٥٦ ـ

١ ـ تفسير القمّي ١ : ٨٤.

سورة البقرة آية ـ ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ـ

١ ـ الكافي ١ : ٣٠٧ / ٣.

٥٢٢

١٤٠٦ / ٢ ـ وعنه : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، جميعا ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عز وجل : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى).

قال : «هي الإيمان بالله وحده لا شريك له».

١٤٠٧ / ٣ ـ وعنه : عن حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن غير واحد ، عن أبان ، عن محمد ابن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، في قول الله عز وجل : (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى). قال : «هي الإيمان».

١٤٠٨ / ٤ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا محمد بن علي ما جيلويه ، قال : حدثني عمي محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن خلف بن حماد الأسدي ، عن أبي الحسن العبدي ، عن الأعمش ، عن عباية بن ربعي ، عن عبد الله بن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحب أن يستمسك (١) بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها ، فليستمسك (٢) بولاية أخي ووصيي علي بن أبي طالب ، فانه لا يهلك من أحبه وتولاه ، ولا ينجو من أبغضه وعاداه».

١٤٠٩ / ٥ ـ وعنه ، بإسناده عن حذيفة بن أسيد ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا حذيفة ، إن حجة الله عليكم بعدي علي بن أبي طالب ، الكفر به كفر بالله ، والشرك به شرك بالله ، والشك فيه شك في الله ، والإلحاد فيه إلحاد في الله ، والإنكار له إنكار لله ، والإيمان به إيمان بالله ، لأنه أخو رسول الله ووصيه ، وإمام أمته ، وهو حبل الله المتين ، وعروته الوثقى لا انفصام لها ، وسيهلك فيه اثنان ولا ذنب له : غال ، ومقصر.

يا حذيفة ، لا تفارقن عليا فتفارقني ، ولا تخالفن عليا فتخالفني ، إن عليا مني ، وأنا منه ، من أسخطه فقد أسخطني ، ومن أرضاه فقد أرضاني».

١٤١٠ / ٦ ـ وعنه : بإسناده ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الأئمة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ، ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى ، وهم الوسيلة إلى الله تعالى».

١٤١١ / ٧ ـ وعنه : بإسناده ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحب أن يستمسك بالعروة الوثقى فليستمسك

__________________

٢ ـ الكافي ٢ : ١٢ / ١.

٣ ـ الكافي ٢ : ١٢ / ٣.

٤ ـ معاني الأخبار : ٣٦٨ / ١.

(١) في المصدر : يتمسّك.

(٢) في المصدر : فليتمسّك.

٥ ـ أمالي الصدوق : ١٦٥ / ٢.

٦ ـ عيون أخبار الرّضا عليه‌السلام ٢ : ٥٨ / ٢١٧ ، ينابيع المودة : ٢٥٩ و ٤٤٥.

٧ ـ عيون أخبار الرّضا عليه‌السلام ٢ : ٥٨ / ٢١٦.

٥٢٣

بحب علي وأهل بيته».

١٤١٢ / ٨ ـ سعد بن عبد الله القمي ، بإسناده عن إسحاق بن غالب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال في خطبة طويلة له : «مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخلف في أمته كتاب الله ووصيه علي بن أبي طالب عليه‌السلام أمير المؤمنين ، وإمام المتقين ، وحبل الله المتين ، والعروة الوثقى لا انفصام لها ، وعهده المؤكد ، صاحبان مؤتلفان ، يشهد كل واحد منهما لصاحبه بالتصديق».

١٤١٣ / ٩ ـ ومن طريق المخالفين ، ما رواه موفق بن أحمد ، بإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : «أنت العروة الوثقى».

١٤١٤ / ١٠ ـ وروى الحسين بن جبير في (نخب المناقب) : بإسناده إلى الرضا عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحب أن يستمسك بالعروة الوثقى فليستمسك بحب علي بن أبي طالب».

١٤١٥ / ١١ ـ ابن شاذان : عن الرضا عليه‌السلام (١) ، عن آبائه عليهم‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ستكون بعدي فتنة مظلمة ، الناجي منها من استمسك (٢) بالعروة الوثقى. فقيل : يا رسول الله ، وما العروة الوثقى؟

قال : ولاية سيد الوصيين. قيل : يا رسول الله ، ومن سيد الوصيين؟ قال : أمير المؤمنين.

قيل : يا رسول الله ، ومن أمير المؤمنين؟ قال : مولى المسلمين ، وإمامهم بعدي.

قيل : يا رسول الله ، من مولى المسلمين وإمامهم بعدك؟ قال : أخي علي بن أبي طالب عليه‌السلام».

١٤١٦ / ١٢ ـ العياشي : عن زرارة ، وحمران ، ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله : (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى). قال : «هي الإيمان بالله ، يؤمن بالله وحده».

١٤١٧ / ١٣ ـ عن عبد الله بن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أخالط الناس ، فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ، فيتولون فلانا وفلانا ، لهم أمانة وصدق ووفاء ، وأقوام يتولونكم ، ليس لهم تلك الأمانة ، ولا الوفاء ، ولا الصدق! قال : فاستوى أبو عبد الله عليه‌السلام جالسا ، وأقبل علي كالغضبان ، ثم قال : «لا دين لمن دان بولاية إمام جائر ليس من الله ، ولا عتب على من دان بولاية إمام عدل من الله».

قال : قلت : لا دين لأولئك ، ولا عتب على هؤلاء؟

__________________

٨ ـ مختصر بصائر الدرجات : ٨٩.

٩ ـ مناقب الخوارزمي : ٢٤.

١٠ ـ ... مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٧٦.

١١ ـ مائة منقبة : ١٤٩ / ٨١.

(١) رواه في المصدر بهذا السند : حدّثنى قاضي القضاة أبو عبد الله الحسين بن هارون الضّبّي رحمه‌الله ، قال : حدّثني أحمد بن محمّد ، قال : حدّثني عليّ بن الحسن ، عن أبيه ، قال حدثني عليّ بن موسى عليه‌السلام.

(٢) في المصدر : من تمسّك.

١٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣٨ / ٤٥٩.

١٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣٨ / ٤٦٠.

٥٢٤

فقال : «نعم ، لا دين لأولئك ، ولا عتب على هؤلاء ـ ثم قال ـ : أما تسمع لقول الله : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) يخرجهم من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة ، لولايتهم كل إمام عادل من الله ، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ)».

قال : قلت : أليس الله عنى بها الكفار حين قال : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا)؟

قال : قال : «وأي نور للكافر وهو كافر ، فاخرج منه إلى الظلمات؟! إنما عنى الله بهذا أنهم كانوا على نور الإسلام ، فلما أن تولوا كل إمام جائر ليس من الله ، خرجوا بولايتهم إياهم من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر ، فأوجب لهم النار مع الكفار ، فقال : (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)».

١٤١٨ / ١٤ ـ عن مسعدة بن صدقة ، قال : قص أبو عبد الله قصة الفريقين جميعا في الميثاق ، حتى بلغ الاستثناء من الله في الفريقين ، فقال : «إن الخير والشر خلقان من خلق الله ، له فيهما المشيئة في تحويل ما يشاء فيما قدر فيها حال عن حال ، والمشيئة فيما خلق لها من خلقه في منتهى ما قسم لهم من الخير والشر ، وذلك أن الله قال في كتابه : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) فالنور هم آل محمد (صلوات الله عليهم) ، والظلمات عدوهم».

١٤١٩ / ١٥ ـ عن مهزم الأسدي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «قال الله تبارك وتعالى : لأعذبن كل رعية دانت بإمام ليس من الله ، وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية ، ولأغفرن عن كل رعية دانت بكل إمام من الله ، وإن كانت الرعية في أعمالها سيئة».

قلت : فيعفو عن هؤلاء ، ويعذب هؤلاء؟ قال : «نعم ، إن الله يقول : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ)».

ثم ذكر الحديث الأول ـ حديث ابن أبي يعفور ، برواية محمد بن الحسين ـ وزاد فيه : «فأعداء علي أمير المؤمنين عليه‌السلام هم الخالدون في النار ، وإن كانوا في أديانهم على غاية الورع والزهد والعبادة ، والمؤمنون بعلي عليه‌السلام هم الخالدون في الجنة ، وإن كانوا في أعمالهم على ضد ذلك».

١٤٢٠ / ١٦ ـ ابن شهر آشوب : عن الباقر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) بولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام (أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) نزلت في أعدائه ومن تبعهم ، أخرجوا الناس من النور ـ والنور : ولاية علي ـ فصاروا إلى ظلمة ولاية أعدائه.

١٤٢١ / ١٧ ـ محمد بن يعقوب : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن الحسين بن المختار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «كل راية ترفع قبل قيام

__________________

١٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣٨ / ٤٦١.

١٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣٩ / ٤٦٢.

١٦ ـ المناقب ٣ : ٨١.

١٧ ـ الكافي ٨ : ٢٩٥ / ٤٥٢.

٥٢٥

القائم فصاحبها طاغوت ، يعبد من دون الله عز وجل».

باب فضل آية الكرسي

١٤٢٢ / ١ ـ محمد بن يعقوب : عن حميد بن زياد ، عن الخشاب ، عن ابن بقاح ، عن معاذ ، عن عمرو بن جميع ، رفعه إلى علي بن الحسين عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من قرأ أربع آيات من أول البقرة ، وآية الكرسي ، وآيتين بعدها ، وثلاث آيات من آخرها ، لم ير في نفسه وماله شيئا يكرهه ، ولا يقربه شيطان ، ولا ينسى القرآن».

١٤٢٣ / ٢ ـ عنه : عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي ، عن الحسن بن الجهم ، عن إبراهيم بن مهزم ، عن رجل سمع أبا الحسن عليه‌السلام يقول : «من قرأ آية الكرسي عند منامه ، لم يخف الفالج إن شاء الله ، ومن قرأها في دبر كل فريضة ، لم يضره ذو حمة» (١).

١٤٢٤ / ٣ ـ وعنه : عن حميد بن زياد ، عن الحسن (١) بن محمد ، عن أحمد بن الحسن الميثمي ، عن يعقوب ابن شعيب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لما أمر الله عز وجل هذه الآيات أن يهبطن إلى الأرض ، تعلقن بالعرش ، وقلن : أي رب ، إلى أين تهبطنا ، إلى أهل الخطايا والذنوب؟

فأوحى الله عز وجل إليهن : أن اهبطن ، فوعزتي وجلالي لا يقولكن (٢) أحد من آل محمد وشيعتهم في دبر ما افترضت عليه [من المكتوبة في كل يوم] إلا نظرت إليه بعيني المكنونة في كل يوم سبعين نظرة ، أقضي له في كل نظرة سبعين حاجة ، وقبلته على ما فيه من المعاصي ، وهي أم الكتاب ، (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ) (٣) وآية الكرسي ، وآية الملك».

١٤٢٥ / ٤ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس ، قال : حدثنا أبي ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن جعفر الأزدي ، عن عمرو بن أبي المقدام ، قال : سمعت أبا جعفر الباقر عليه‌السلام يقول : «من قرأ آية الكرسي مرة ، صرف الله عنه ألف مكروه من مكروه الدنيا ، وألف مكروه من مكروه الآخرة ، أيسر مكروه الدنيا الفقر ، وأيسر مكروه الآخرة عذاب القبر».

__________________

باب فضل آية الكرسي

١ ـ الكافي ٢ : ٤٥٤ / ٥.

٢ ـ الكافي ٢ : ٤٥٥ / ٨.

(١) الحمة : السمّ أو الضرر ، والمراد بذي حمة : ما كان من الدوابّ سامّا أو ضارا.

٣ ـ الكافي ٢ : ٤٥٤ / ٢.

(١) في المصدر : الحسين ، وهو تصحيف أشار له في معجم رجال الحديث ٦ : ٢٩١.

(٢) في المصدر : لا يتلوكنّ.

(٣) آل عمران ٣ : ١٨ ، وفي المصدر زيادة : والملائكة وأولو العلم.

٤ ـ الأمالي : ٨٨ / ٦.

٥٢٦

١٤٢٦ / ٥ ـ عنه ، قال : حدثنا علي بن أحمد بن موسى رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد ، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : «سمع بعض آبائي [رجلا] يقرأ ام الكتاب ، فقال : شكر واجر. ثم سمعه يقرأ : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١). فقال : آمن وأمن. وسمعه يقرأ : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) (٢). فقال : صدق وغفر له. ثم سمعه يقرأ آية الكرسي ، فقال : بخ بخ ، نزلت براءة هذا من النار».

١٤٢٧ / ٦ ـ محمد بن يعقوب : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن محمد بن مروان ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ألا أخبركم بما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول إذا أوى إلى فراشه؟» قلت : بلى. قال : «كان يقرأ آية الكرسي ، ويقول : بسم الله آمنت بالله ، وكفرت بالطاغوت ، اللهم احفظني في منامي وفي يقظتي».

١٤٢٨ / ٧ ـ العياشي : عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن لكل شيء ذروة ، وذروة القرآن آية الكرسي ؛ من قرأها مرة صرف الله عنه ألف مكروه من مكاره الدنيا ، وألف مكروه من مكاره الآخرة ، أيسر مكروه الدنيا الفقر ، وأيسر مكروه الآخرة عذاب القبر ، وإني لأستعين بها على صعود الدرجة».

١٤٢٩ / ٨ ـ (أمالي الشيخ) : بإسناده عن أبي امامة الباهلي ، أنه سمع علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) يقول : «ما أرى رجلا أدرك عقله الإسلام ودله في الإسلام يبيت ليلة [في] سوادها ـ قلت : وما سوادها؟ قال : جميعها ـ حتى يقرأ هذه الآية : (اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) ، فقرأ الآية إلى قوله : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) ، ثم قال : «فلو تعلمون ما هي ـ أو قال : ما فيها ـ ما تركتموها على حال. إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أعطيت آية الكرسي من كنز تحت العرش ، ولم يؤتها نبي كان قبلي». قال علي عليه‌السلام : «فما بت ليلة قط منذ سمعتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أقرأها». ثم قال : يا أبا امامة ، إني أقرأها ثلاث مرات في ثلاثة أحايين من كل ليلة».

قلت : وكيف تصنع في قراءتك لها ، يا بن عم محمد؟ قال : «أقرأها قبل الركعتين بعد صلاة العشاء الآخرة ، فو الله ما تركتها منذ سمعت هذا الخبر من نبيكم حتى أخبرتك به».

قال أبو امامة : والله ، ما تركت قراءتها منذ سمعت الخبر من علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

__________________

٥ ـ الأمالي : ٤٨٥ / ١٠.

(١) الإخلاص ١١٢ : ١.

(٢) القدر ٩٧ : ١.

٦ ـ الكافي ٢ : ٣٨٩ / ٤.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣٦ / ٤٥١.

٨ ـ الأمالي ٢ : ١٢٢.

٥٢٧

١٤٣٠ / ٩ ـ وعن الرضا عليه‌السلام ، عن آبائه ، قال : «قال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : إذا أراد أحدكم الحاجة فليباكر في طلبها يوم الخميس ، وليقرأ إذا خرج من منزله آخر سورة آل عمران وآية الكرسي و (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) (١) وأم الكتاب ، فإن فيها حوائج الدنيا والآخرة».

قوله تعالى :

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ

إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ـ إلى قوله

تعالى ـ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [٢٥٨]

١٤٣١ / ١ ـ العياشي : عن أبان ، عن حجر (١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «خالف إبراهيم عليه‌السلام قومه ، وعاب آلهتهم حتى ادخل على نمرود فخاصمهم. فقال إبراهيم : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ). قال : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) ، قال إبراهيم : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)».

١٤٣٢ / ٢ ـ عن أبي بصير ، قال : لما دخل يوسف على الملك ، قال له : كيف أنت يا إبراهيم؟ قال : «إني لست بإبراهيم ، أنا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم».

قال : وهو صاحب إبراهيم الذي حاج إبراهيم في ربه. قال : وكان أربع مائة سنة شابا.

١٤٣٣ / ٣ ـ عن حنان بن سدير ، عن رجل من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «إن أشد الناس عذابا يوم القيامة سبعة نفر : أولهم ابن آدم الذي قتل أخاه ، ونمرود بن كنعان الذي حاج إبراهيم في ربه».

١٤٣٤ / ٤ ـ علي بن إبراهيم ، قال : إنه لما ألقى نمرود إبراهيم عليه‌السلام في النار ، وجعلها الله عليه بردا وسلاما ، قال : نمرود : يا إبراهيم ، من ربك؟ قال : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ). قال له نمرود : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ).

__________________

٩ ـ الخصال : ٦٢٣ / ١٠.

(١) القدر ٩٧ : ١.

سورة البقرة آية ـ ٢٥٨ ـ

١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣٩ / ٤٦٤.

(١) في «س ، ط» : والمصدر : عن أبان بن حجر ، تصحيف ، صحيحه ما أثبتناه ، انظر روضة الكافي : ٣٦٨ / ٥٥٩ ، معجم رجال الحديث ١ : ١٦٣.

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٣٩ / ٤٦٣.

٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٤٠ / ٤٦٥.

٤ ـ تفسير القمّي ١ : ٨٦.

٥٢٨

فقال له إبراهيم عليه‌السلام : «كيف تحيي وتميت؟». قال : أعمد إلى رجلين ممن قد وجب عليهما القتل فأطلق عن واحد ، وأقتل واحدا ، فأكون (١) قد أحييت وأمت.

قال إبراهيم عليه‌السلام : «إن كنت صادقا فأحيى الذي قتلته» ثم قال : «دع هذا ، فإن ربي يأتي بالشمس من المشرق ، فأت بها من المغرب» فكان كما قال الله عز وجل : (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) أي انقطع ، وذلك أنه علم أن الشمس أقدم منه.

١٤٣٥ / ٥ ـ أبو علي الطبرسي ، قال : اختلف في وقت هذه المحاجة : فقيل : عند كسر الأصنام ، قبل إلقائه في النار عن مقاتل. وقيل بعد إلقائه في النار (١) وجعلها عليه بردا وسلاما. عن الصادق عليه‌السلام.

وقال : وروي عن الصادق عليه‌السلام : «أن إبراهيم عليه‌السلام قال له : أحيى من قتلته إن كنت صادقا».

قوله تعالى :

أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي

هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها ـ إلى قوله تعالى ـ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ

قَدِيرٌ [٢٥٩]

١٤٣٦ / ١ ـ علي بن إبراهيم ، قال : حدثني أبي ، عن النضر بن سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لما عملت بنو إسرائيل المعاصي وعتوا عن أمر ربهم ، أراد الله أن يسلط عليهم من يذلهم ويقتلهم ، فأوحى الله تعالى إلى إرميا : يا إرميا ، ما بلد انتجبته (١) من بين البلدان ، فغرست فيه من كرائم الشجر ، فأخلف فأنبت خرنوبا؟ (٢) فأخبر إرميا أحبار (٣) بني إسرائيل ، فقالوا له : راجع ربك ، ليخبرنا ما معنى هذا المثل.

فصام إرميا سبعا ، فأوحى الله إليه : يا إرميا ، أما البلد فبيت المقدس ، وأما ما أنبت فيه فبنو إسرائيل الذين

__________________

(١) في «س ، ط» : فيكون.

٥ ـ مجمع البيان ٢ : ٦٣٥.

(١) (عن مقاتل ، وقيل بعد إلقائه في النار) ليس في المصدر.

سورة البقرة آية ـ ٢٥٩ ـ

١ ـ تفسير القمّي ١ : ٨٦.

(١) في المصدر : انتخبته.

(٢) الخرنوب : شجر برّيّ من الفصيلة القرنية ، ذو شو وحمل كالتّفاح لكنّه بشع. «القاموس المحيط ـ خرب ـ ١ : ٦٣ ، المعجم الوسيط ـ خرب ـ ١ : ٢٢٣».

(٣) في المصدر : أخيار علماء.

٥٢٩

أسكنتهم فيها ، فعملوا بالمعاصي ، وغيروا ديني ، وبدلوا نعمتي كفرا ، فبي حلفت ، لأمتحننهم بفتنة يظل الحليم فيها حيرانا ، ولا سلطن عليهم شر عبادي ولادة ، وشرهم طعاما ، فيسلطن عليهم بالجبرية فيقتل مقاتليهم ، ويسبي حريمهم ، ويخرب ديارهم التي يغترون بها ، ويلقي حجرهم الذي يفتخرون به على الناس في المزابل مائة سنة.

فأخبر إرميا أحبار بني إسرائيل ، فقالوا له : راجع ربك ، فقل له : ما ذنب الفقراء والمساكين والضعفاء؟

فصام إرميا سبعا ، ثم أكل أكلة فلم يوح إليه شيء ، ثم صام سبعا (٤) ، فأوحى الله إليه : يا إرميا ، لتكفن عن هذا ، أو لأردن وجهك إلى (٥) قفاك». قال : «ثم أوحى الله تعالى إليه : قل لهم لأنكم رأيتم المنكر فلم تنكروه.

فقال أرميا : رب ، أعلمني من هو حتى آتيه ، فآخذ لنفسي وأهل بيتي منه أمانا؟ قال : ائت موضع كذا وكذا ، فانظر إلى غلام أشدهم زمانة (٦) ، وأخبثهم ولادة ، وأضعفهم جسما ، وشرهم غذاء ، فهو ذلك.

فأتى إرميا ذلك البلد فإذا هو بغلام في خان ، زمن (٧) ، ملقى على مزبلة وسط الخان ، وإذا له أم ترمي بالكسر ، وتفت الكسر في القصعة ، وتحلب عليه خنزيرة لها ، ثم تدنيه من ذلك الغلام فيأكله.

فقال إرميا : إن كان في الدنيا الذي وصفه الله فهو هذا. فدنا منه ، فقال له : ما اسمك؟ قال : بخت نصر. فعرف أنه هو ، فعالجه حتى برئ. ثم قال له : تعرفني؟ قال : لا ، أنت رجل صالح. قال : أنا إرميا نبي بني إسرائيل ، أخبرني الله أنه سيسلطك على بني إسرائيل فتقتل رجالهم ، وتفعل بهم كذا وكذا ـ قال ـ : فتاه (٨) الغلام في نفسه في ذلك الوقت ، ثم قال إرميا : اكتب لي كتابا بأمان منك. فكتب له كتابا ، وكان يخرج إلى الجبل ويحتطب ، ويدخله المدينة ويبيعه ، فدعا إلى حرب بني إسرائيل فأجابوه ، وكان مسكنهم في بيت المقدس ، وأقبل بخت نصر ومن أجابه نحو بيت المقدس ، وقد اجتمع إليه بشر كثير ، فلما بلغ إرميا إقباله نحو بيت المقدس ، استقبله على حمار له ومعه الأمان الذي كتبه له بخت نصر ، فلم يصل إليه إرميا من كثرة جنوده وأصحابه ، فصير الأمان على قصبة أو خشبة ورفعها ، فقال : من أنت؟ فقال : أنا أرميا النبي الذي بشرتك بأنك سيسلطك الله على بني إسرائيل ، وهذا أمانك لي.

فقال : أما أنت فقد أمنتك ، وأما أهل بيتك فإني أرمي من هاهنا إلى بيت المقدس ، فإن وصلت رميتي إلى بيت المقدس فلا أمان لهم عندي ، وإن لم تصل فهم آمنون. وانتزع قوسه ورمى نحو بيت المقدس ، فحملت الريح النشابة حتى علقتها في بيت المقدس ، فقال : لا أمان لهم عندي.

فلما وافى نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة ، وإذا دم يغلي وسطه ، كلما ألقي عليه التراب خرج وهو يغلي ، فقال : ما هذا؟ فقالوا : هذا [دم] نبي كان لله ، فقتله ملوك بني إسرائيل ودمه يغلي ، وكلما ألقينا عليه التراب خرج يغلي.

__________________

(٤) في المصدر زيادة : وأكل أكلة ، ولم يوح إليه شيء ، ثمّ صام سبعا.

(٥) في المصدر : في.

(٦) الزّمانة : مرض يدوم. «المعجم الوسط ـ زمن ـ ١ : ٤٠١».

(٧) الزّمن : وصف من الزّمانة ، أي مريض.

(٨) تاه : تحيّر أو تكبّر. «الصحاح ـ تيه ـ ٦ : ٢٢٢٩».

٥٣٠

فقال بخت نصر : لأقتلن بني إسرائيل أبدا حتى يسكن هذا الدم. وكان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا عليه‌السلام ، وكان في زمانه ملك جبار يزني بنساء بني إسرائيل ، وكان يمر بيحيى بن زكريا ، فقال له يحيى : اتق الله ـ أيها الملك ـ لا يحل لك هذا. فقالت له امرأة من اللواتي كان يزني بهن حين سكر : أيها الملك اقتل يحيى. فأمر أن يؤتى برأسه ، فأتي (٩) برأس يحيى عليه‌السلام في طست ، وكان الرأس يكلمه ، ويقول له : يا هذا ، اتق الله ، لا يحل لك هذا. ثم غلى الدم في الطست حتى فاض إلى الأرض ، فخرج يغلي ولا يسكن ، وكان بين قتل يحيى وبين خروج بخت نصر مائة سنة.

ولم يزل بخت نصر يقتلهم ، وكان يدخل قرية قرية ، فيقتل الرجال والنساء والصبيان ، وكل حيوان ، والدم يغلي حتى أفناهم ، فقال : بقي أحد في هذه البلاد؟ فقالوا : عجوز في موضع كذا وكذا. فبعث إليها فضرب عنقها على الدم فسكن ، وكانت آخر من بقي.

ثم أتى بابل فبنى بها مدينة ، وأقام وحفر بئرا ، فألقى فيها دانيال ، وألقى معه اللبوة ، فجعلت اللبوة تأكل (١٠) طين البئر ، ويشرب دانيال لبنها ، فلبث بذلك زمانا. فأوحى الله إلى النبي الذي كان في بيت المقدس : أن اذهب بهذا الطعام والشراب إلى دانيال ، وأقرئه مني السلام. قال : وأين دانيال ، يا رب؟ قال : في بئر ببابل في موضع كذا وكذا.

فأتاه فاطلع في البئر ، فقال : يا دانيال؟ فقال : لبيك ، صوت غريب (١١). قال : إن ربك يقرئك السلام ، وقد بعث إليك بالطعام والشراب. فدلاه إليه ـ قال ـ فقال دانيال : الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره ، الحمد لله الذي لا يخيب من دعاه ، الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه ، الحمد لله الذي من وثق به لم يكله إلى غيره ، الحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا ، الحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة ، الحمد لله الذي يكشف ضرنا عند كربتنا ، الحمد لله الذي هو ثقتنا حين تنقطع الحيل منا ، الحمد لله الذي هو رجاؤنا حين ساء ظننا بأعمالنا».

قال : «فرأى بخت نصر في منامه (١٢) كأن رأسه من حديد ، ورجليه من نحاس ، وصدره من ذهب ـ قال ـ : فدعا المنجمين ، فقال لهم : ما رأيت في المنام؟ قالوا : ما ندري ، ولكن قص علينا ما رأيت. فقال : أنا اجري عليكم الأرزاق منذ كذا وكذا ، ولا تدرون ما رأيت في المنام؟! وأمر بهم فقتلوا».

قال : «فقال له بعض من كان عنده : إن كان عند أحد شيء فعند صاحب الجب ، فإن اللبوة لم تتعرض له ، وهي تأكل الطين وترضعه ، فبعث إلى دانيال ، فقال : ما رأيت في المنام؟ قال : رأيت كأن رأسك من حديد ، ورجليك من نحاس ، وصدرك من ذهب.

فقال : هكذا رأيت ، فما ذاك؟ قال : قد ذهب ملكك ، وأنت مقتول إلى ثلاثة أيام ، يقتلك رجل من ولد فارس».

__________________

(٩) في المصدر : فأتوا.

(١٠) في المصدر زيادة : من.

(١١) في «ط» نسخة بدل : بصوت غريب.

(١٢) في المصدر : نومه.

٥٣١

قال : «فقال : إن علي سبع مدائن ، على باب كل مدينة حرس ، وما رضيت بذلك حتى وضعت بطة من نحاس على باب كل مدينة ، لا يدخل غريب إلا صاحت عليه ، حتى يؤخذ ـ قال ـ فقال له : إن الأمر كما قلت لك».

قال : «فبث الخيل ، وقال : لا تلقون أحدا من الخلق إلا قتلتموه كائنا من كان. وكان دانيال جالسا عنده ، وقال : لا تفارقني هذه الثلاثة أيام ، فإن مضت هذه الثلاثة أيام وأنا سالم قتلتك.

فلما كان في اليوم الثالث ممسيا أخذه الغم ، فخرج فتلقاه غلام كان يخدم ابنا له ، من أهل فارس ، وهو لا يعلم أنه من أهل فارس ، فدفع إليه سيفه ، وقال : يا غلام ، لا تلقى أحدا من الخلق إلا وقتلته ، وإن لقيتني أنا فاقتلني. فأخذ الغلام سيفه فضرب به بخت نصر ضربة فقتله.

فخرج إرميا على حمار ومعه تين قد تزوده ، وشيء من عصير ، فنظر إلى سباع البر وسباع البحر وسباع الجو تأكل الجيف ، ففكر في نفسه ساعة ، ثم قال : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها) وقد أكلتهم السباع ، فأماته الله مكانه ؛ وهو قول الله تبارك وتعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) أي أحياه.

فلما رحم الله بني إسرائيل ، وأهلك بخت نصر ، رد بني إسرائيل إلى الدنيا ، وكان عزير لما سلط الله بخت نصر على بني إسرائيل ، هرب ودخل في عين وغاب فيها ، وبقي إرميا (١٣) ميتا مائة سنة ، ثم أحياه الله تعالى ، فأول ما أحيا منه عيناه في مثل غرقئ (١٤) البيض ، فنظر ، فأوحى الله تعالى إليه : كم لبثت؟ قال لبثت يوما. ثم نظر إلى الشمس وقد ارتفعت فقال : أو بعض يوم.

فقال الله تعالى : (بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ) أي لم يتغير (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) فجعل ينظر إلى العظام البالية المنفطرة تجتمع إليه وإلى اللحم الذي قد أكلته السباع يتألف إلى العظام من هاهنا وهاهنا ، ويلتزق بها حتى قام ، وقام حماره ، فقال : (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)».

١٤٣٧ / ١ ـ العياشي : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها).

فقال : «إن الله بعث إلى بني إسرائيل نبيا يقال له إرميا ، فقال : قل لهم : ما بلد تنقيته من كرائم البلدان ، وغرست فيه من كرائم الغرس ، ونقيته من كل غريبة ، فأخلف فأنبت خرنوبا؟ ـ قال ـ فضحكوا واستهزءوا به ، فشكاهم إلى الله ـ قال ـ : فأوحى الله إليه : أن قل لهم : إن البلد بيت المقدس ، والغرس بنو إسرائيل تنقيته من كل غريبة ، ونحيت عنهم كل جبار ، فأخلفوا فعملوا بمعاصي الله ، فلا سلطن عليهم في بلدهم من يسفك دماءهم ،

__________________

(١٣) في «ط» نسخة بدل : دانيال.

(١٤) الغرقى : القشرة الرقيقة الملتزقة ببياض البيض. «المعجم الوسيط ـ غرقأ ـ ٢ : ٦٥٠».

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٤٠ / ٤٦٦.

٥٣٢

ويأخذ أموالهم ، فإن بكوا إلي فلم أرحم بكاءهم ، وإن دعوا لم أستجب دعاءهم (١) ثم لأخربنها مائة عام ، ثم لا عمرنها.

فلما حدثهم جزعت العلماء ، فقالوا : يا رسول الله ، ما ذنبنا نحن ، ولم نكن نعمل بعملهم ، فعاود لنا ربك.

فصام سبعا ، فلم يوح إليه شيء ، فأكل أكلة ثم صام سبعا فلم يوح إليه شيء ، فأكل أكلة ، ثم صام سبعا. فلما كان يوم الواحد والعشرين أوحى الله إليه : لترجعن عما تصنع ، أتراجعني في أمر قضيته ، أو لأردن وجهك على دبرك. ثم أوحى إليه : قل لهم : لأنكم رأيتم المنكر فلم تنكروه. فسلط الله عليهم بخت نصر ، فصنع بها ما قد بلغك ، ثم بعث بخت نصر إلى النبي عليه‌السلام ، فقال : إنك قد نبئت عن ربك ، وحدثتهم بما أصنع بهم ، فإن شئت فأقم عندي فيمن شئت ، وإن شئت فاخرج.

فقال : لا بل أخرج ، فتزود عصيرا وتينا وخرج. فلما أن كان (٢) مد البصر التفت إليها ، فقال : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) ، أماته غدوة ، وبعثه عشية قبل أن تغيب الشمس ، وكان أول شيء خلق منه عينيه في مثل غرقئ البيض ، ثم قيل له : كم لبثت؟ قال : لبثت يوما. فلما نظر إلى الشمس لم تغب ، قال : (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً)».

قال : «فجعل ينظر إلى عظامه ، كيف يصل بعضها إلى بعض ، ويرى العروق كيف تجري ، فلما استوى قائما ، قال : (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)».

وفي رواية هارون : فتزود عصيرا ولبنا.

١٤٣٨ / ٣ ـ عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هكذا : ألم تر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له ـ قال : ما تبين لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنها في السماوات ـ قال الرسول : أعلم أن الله على كل شيء قدير. سلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للرب ، وآمن بقول الله : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)».

١٤٣٩ / ٤ ـ أبو طاهر العلوي ، عن علي بن محمد العلوي ، عن علي بن مرزوق ، عن إبراهيم بن محمد ، قال : ذكر جماعة من أهل العلم أن ابن الكواء قال لعلي عليه‌السلام : يا أمير المؤمنين ، ما ولد أكبر من أبيه من أهل الدنيا؟

قال : «نعم ، أولئك ولد عزيز ، حين مر على قرية خربة وقد جاء من ضيعة له ، تحته حمار ، ومعه شنة (١) فيها تين ، وكوز فيه عصير ، فمر على قرية خربة ، فقال : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) فتوالد

__________________

(١) زاد في «ط» : فشّلتهم وفشّلت.

(٢) في المصدر : أن غاب.

٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٤١ / ٤٦٧.

٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٤١ / ٤٦٨.

(١) الشّنّ : القربة الخلق ، وهي الشّنّة أيضا. «الصحاح ـ شنن ـ ٥ : ٢١٤٦».

٥٣٣

ولده وتناسلوا ، ثم بعث الله إليه فأحياه في المولد الذي أماته فيه ، فأولئك ولده أكبر من أبيهم».

١٤٤٠ / ٥ ـ الطبرسي في (الاحتجاج) : في حديث عن الصادق عليه‌السلام وقد سأله زنديق ، فقال : فلو أن الله رد إلينا من الأموات في كل مائة عام [واحدا] ، لنسأله عمن مضى منا إلى ما صاروا وكيف حالهم ، وماذا لقوا بعد الموت ، أي شيء صنع بهم ، لعمل الناس على اليقين ، واضمحل الشك ، وذهب الغل عن القلوب.

قال عليه‌السلام : «إن هذه مقالة من أنكر الرسل وكذبهم [ولم يصدق] بما جاءوا به من عند الله ، [إذ] أخبروا وقالوا : إن الله عز وجل أخبر في كتابه على لسان الأنبياء عليهم‌السلام حال من مات منا ، أفيكون أحدا أصدق من الله قولا ومن رسله ، وقد رجع إلى الدنيا ممن مات خلق كثير ، منهم : أصحاب الكهف ، أماتهم الله ثلاث مائة عام وتسعة ، ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ، ليقطع حجتهم ، وليريهم قدرته ، وليعلموا أن البعث حق.

وأمات الله إرميا النبي عليه‌السلام الذي نظر إلى خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاهم بخت نصر ، فقال : (أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) ثم أحياه ونظر إلى أعضائه كيف تلتئم ، وكيف تلبس اللحم ، وإلى مفاصله وعروقه كيف توصل ، فلما استوى قائما (١) ، قال : (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)».

١٤٤١ / ٦ ـ أبو علي الطبرسي ، قال : الذي مر على قرية هو عزير. قال : وهو المروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

قال : وقيل : هو إرميا. وهو المروي عن أبي جعفر عليه‌السلام.

١٤٤٢ / ٧ ـ عنه ، قال : وروي عن علي عليه‌السلام : «أن عزيرا خرج من أهله ، وامرأته حامل ، وله خمسون سنة ، فأماته الله مائة سنة ، ثم بعثه فرجع إلى أهله ابن خمسين سنة ، وله ابن له مائة سنة ، فكان ابنه أكبر منه ، فذلك من آيات الله».

١٤٤٣ / ٨ ـ قلت : وروى سعد بن عبد الله القمي في (بصائر الدرجات) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : «أن الآية في عزير وعزرة (١)».

قوله تعالى :

وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ

بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ

__________________

٥ ـ الاحتجاج : ٣٤٣.

(١) في المصدر : قاعدا.

٦ ـ مجمع البيان ٢ : ٦٣٩.

٧ ـ مجمع البيان ٢ : ٦٤١.

٨ ـ مختصر بصائر الدرجات : ٢٣.

(١) (وعزرة) ليس في المصدر.

٥٣٤

ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ

أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [٢٦٠]

١٤٤٤ / ١ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (١) رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الفزاري ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن زيد الزيات ، قال : حدثنا محمد بن زياد الأزدي ، عن المفضل بن عمر ، عن الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : «استجاب الله عز وجل دعوة إبراهيم عليه‌السلام حين قال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) وهذه آية متشابهة ، ومعناها : أنه سأل عن الكيفية ، والكيفية من فعل الله عز وجل ، متى لم يعلمها العالم لم يلحقه عيب ، ولا عرض في توحيده نقص. فقال الله عز وجل : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى) هذا شرط عام ، من آمن به متى سئل واحد منهم : أولم تؤمن. وجب أن يقول : بلى ؛ كما قال إبراهيم ، ولما قال الله عز وجل لجميع أرواح بني آدم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (٢) كان أول من قال : بلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصار بسبقه إلى (بلى) سيد الأولين والآخرين ، وأفضل النبيين والمرسلين. فمن لم يجب عن هذه المسألة بجواب إبراهيم فقد رغب عن ملته ؛ قال الله عز وجل : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) (٣) ثم اصطفاه الله عز وجل في الدنيا».

١٤٤٥ / ٢ ـ عنه ، قال : حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي ، قال : حدثني أبي ، عن حمدان بن سليمان النيسابوري ، عن علي بن محمد بن الجهم ، قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليه‌السلام ، فقال له المأمون : يا ابن رسول الله ، أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال : «بلى».

فسأله عن آيات من القرآن ، فكان فيما سأله أن قال له : فأخبرني عن قول الله : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي).

قال الرضا عليه‌السلام : «إن الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم عليه‌السلام : أني متخذ من عبادي خليلا ، إن سألني إحياء الموتى أجبته ، فوقع في نفس إبراهيم عليه‌السلام أنه ذلك الخليل ، فقال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) على الخلة (قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). فأخذ إبراهيم عليه‌السلام نسرا وبطا وطاوسا وديكا فقطعهن وخلطهن ، ثم جعل على كل جبل من الجبال التي كانت حوله ـ وكانت عشرة ـ

__________________

سورة البقرة آية ـ ٢٦٠ ـ

١ ـ الخصال : ٣٠٨ / ٨٤.

(١) في المصدر : عليّ بن أحمد بن موسى ، وكلاهما من مشايخ الصدوق ، ولا يبعد اتحادهما ، انظر معجم رجال الحديث ١١ : ٢٥٤ و ٢٥٥.

(٢) الأعراف ٧ : ١٧٢.

(٣) البقرة ٢ : ١٣٠.

٢ ـ عيون أخبار الرّضا عليه‌السلام ١ : ١٩٨ / ١.

٥٣٥

منهن جزءا ، وجعل مناقيرهن بين أصابعه ، ثم دعاهن بأسمائهن ، ووضع عنده حبا وماء ، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتى استوت الأبدان ، وجاء كل بدن حتى انضم إلى رقبته ورأسه ، فخلى إبراهيم عليه‌السلام عن مناقيرهن فطرن ، ثم وقعن وشربن من ذلك الماء ، والتقطن من ذلك الحب ، وقلن : يا نبي الله ، أحييتنا أحياك الله. فقال إبراهيم عليه‌السلام : بل الله يحيي ويميت ، وهو على كل شيء قدير».

قال المأمون : بارك الله فيك يا أبا الحسن.

١٤٤٦ / ٣ ـ علي بن إبراهيم ، قال : حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي أيوب ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن إبراهيم عليه‌السلام نظر إلى جيفة على ساحل البحر تأكلها سباع البر وسباع البحر ، ثم تثب (١) السباع بعضها على بعض ، فيأكل بعضها بعضا ، فتعجب إبراهيم عليه‌السلام ، فقال : يا رب ، أرني كيف تحيي الموتى؟ فقال الله تعالى : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ)؟ قال : (بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي). قال : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). فأخذ إبراهيم عليه‌السلام الطاوس والديك والحمام والغراب ، فقال الله عز وجل : (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) أي قطعهن ، ثم اخلط لحمهن وفرقهن على عشرة جبال ، ثم خذ مناقيرهن وادعهن يأتينك سعيا. ففعل إبراهيم عليه‌السلام ذلك ، وفرقهن على عشرة جبال ، ثم دعاهن ، فقال : أجيبيني بإذن الله تعالى. فكانت تجتمع وتتألف لحم كل واحد وعظمه إلى رأسه ، فطارت إلى إبراهيم عليه‌السلام ، فعند ذلك قال إبراهيم عليه‌السلام : إن الله عزيز حكيم».

١٤٤٧ / ٤ ـ محمد بن يعقوب : عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن الحسين بن الحكم ، قال : كتبت إلى العبد الصالح عليه‌السلام أخبره أني شاك ، وقد قال إبراهيم عليه‌السلام : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) فإني أحب أن تريني شيئا من ذلك.

فكتب عليه‌السلام إليه : «إن إبراهيم كان مؤمنا وأحب أن يزداد إيمانا ، وأنت شاك والشاك لا خير فيه».

وكتب إليه : «إنما الشك ما لم يأت اليقين ، فإذا جاء اليقين لم يجز الشك».

وكتب : «إن الله عز وجل يقول : (ما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ) (١) ـ قال ـ نزلت في الشاك».

١٤٤٨ / ٥ ـ عنه : عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن نصر بن قابوس ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا أحببت أحدا من إخوانك فأعلمه ذلك ، فإن إبراهيم عليه‌السلام قال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)».

__________________

٣ ـ تفسير القمّي ١ : ٩١.

(١) في المصدر : تحمل.

٤ ـ الكافي ٢ : ٢٩٣ / ١.

(١) الأعراف ٧ : ١٠٢.

٥ ـ الكافي ٢ : ٤٧٠ / ١.

٥٣٦

١٤٤٩ / ٦ ـ أحمد بن محمد بن خالد البرقي : عن محمد بن عبد الحميد ، عن صفوان بن يحيى ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن قول الله لإبراهيم : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أكان في قلبه شك؟

قال : «لا ، كان على يقين ، ولكنه أراد من الله الزيادة في يقينه».

١٤٥٠ / ٧ ـ العياشي : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول إبراهيم عليه‌السلام : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى).

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لما رأى (١) إبراهيم عليه‌السلام ملكوت السماوات والأرض ، رأى رجلا يزني ، فدعا عليه فمات ، ثم رأى آخر ، فدعا عليه فمات ، حتى رأى ثلاثة ، فدعا عليهم فماتوا. فأوحى الله إليه : أن ـ يا إبراهيم ـ إن دعوتك مجابة ، فلا تدع على عبادي ، فإني لو شئت لم أخلقهم ، إني خلقت خلقي على ثلاثة أصناف : عبدا يعبدني ولا يشرك بي شيئا فأثيبه ، وعبدا يعبد (٢) غيري فلن يفوتني ، وعبدا يعبد غيري فاخرج من صلبه من يعبدني.

ثم التفت فرأى جيفة على ساحل ، بعضها في الماء ، وبعضها في البر (٣) ، تجيء سباع البحر فتأكل ما في الماء ، ثم ترجع فيشد بعضها على بعض ، ويأكل بعضها بعضا ، وتجيء سباع البر فتأكل منها ، فيشد بعضها على بعض ويأكل بعضها بعضا. فعند ذلك تعجب مما رأى ، وقال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) قال : كيف تخرج ما تناسخ! هذه أمم أكل بعضها بعضا. قال : أو لم تؤمن؟ قال : (بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) يعني حتى أرى هذا كما أراني (٤) الله الأشياء كلها. قال : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ) تقطعهن وتخلطهن ، كما اخلطت هذه الجيفة في هذه السباع التي أكلت بعضها بعضا (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً) ، فلما دعاهن أجبنه ، وكانت الجبال عشرة».

١٤٥١ / ٨ ـ وروى أبو بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «كانت الجبال عشرة ، وكانت الطيور : الديك ، والحمامة ، والطاوس ، والغراب. وقال : فخذ أربعة من الطير فصرهن وقطعهن بلحمهن وعظامهن وريشهن ثم أمسك رؤوسهن ، ثم فرقهن على عشرة جبال ، على كل جبل منهن جزء. فجعل ما كان في هذا الجبل يذهب إلى هذا الجبل بريشه ولحمه ودمه ، ثم يأتيه حتى يضع رأسه في عنقه حتى فرغ من أربعتهن».

__________________

٦ ـ المحاسن : ٢٤٧ / ٢٤٩.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٤٢ / ٤٦٩.

(١) في المصدر : أري.

(٢) في «ط» : عبد.

(٣) في «ط» : نسخة بدل : نصفها في الماء ، نصفها في البرّ.

(٤) في المصدر : رأى.

٨ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٤٢ / ٤٧٠.

٥٣٧

١٤٥٢ / ٩ ـ عن معروف بن خربوذ ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «إن الله لما أوحى إلى إبراهيم عليه‌السلام : أن خذ أربعة من الطير ، عمد إبراهيم فأخذ النعامة والطاوس والوزة والديك ، فنتف ريشهن بعد الذبح ، ثم جمعهن في مهراسة (١) فهرسهن ، ثم فرقهن على جبال الأردن ، وكانت يومئذ عشرة جبال ، فوضع على كل جبل منهن جزءا ، ثم دعاهن بأسمائهن ، فأقبلن إليه سعيا ـ يعني مسرعات ـ فقال إبراهيم عند ذلك : أعلم أن الله على كل شيء قدير».

١٤٥٣ / ١٠ ـ عن علي بن أسباط : أن أبا الحسن الرضا عليه‌السلام سئل عن قول الله : (قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أكان في قلبه شك؟ قال : «لا ، ولكن أراد من الله الزيادة في يقينه». قال : والجزء واحد من عشرة (١).

١٤٥٤ / ١١ ـ عن عبد الصمد بن بشير ، قال : جمع لأبي جعفر المنصور القضاة ، فقال لهم : رجل أوصى بجزء من ماله ، فكم الجزء؟ فلم يعلموا كم الجزء واشتكوا إليه فيه ، فأبرد بريدا إلى صاحب المدينة أن يسأل جعفر بن محمد عليه‌السلام : رجل أوصى بجزء من ماله فكم الجزء؟ وقد أشكل ذلك على القضاة ، فلم يعلموا كم الجزء. فإن هو أخبرك به وإلا فاحمله على البريد ووجهه إلي.

فأتى صاحب المدينة أبا عبد الله عليه‌السلام فقال له : إن أبا جعفر بعث إلي أن أسألك عن رجل أوصى بجزء من ماله ، وسأل من قبله من القضاة فلم يخبروه ما هو ، وقد كتب إلي إن فسرت ذلك له وإلا حملتك على البريد إليه.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «هذا في كتاب الله بين ، إن الله يقول لما قال إبراهيم : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) إلى قوله تعالى : (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) فكانت الطير أربعة والجبال عشرة ، يخرج الرجل من كل عشرة أجزاء جزءا واحدا.

وإن إبراهيم عليه‌السلام دعا بمهراس فدق فيه الطيور جميعا ، وحبس الرؤوس عنده ، ثم إنه دعا بالذي امر به ، فجعل ينظر إلى الريش كيف يخرج ، وإلى العروق عرقا عرقا حتى تم جناحه مستويا ، فأهوى نحو إبراهيم عليه‌السلام فأخذ (١) إبراهيم ببعض الرؤوس فاستقبله به ، فلم يكن الرأس الذي استقبله به لذلك البدن حتى انتقل إليه غيره ، فكان موافقا للرأس ، فتمت العدة ، وتمت الأبدان».

١٤٥٥ / ١٢ ـ عن عبد الرحمن بن سيابة ، قال : إن امرأة أوصت إلي ، وقالت لي : ثلثي تقضي به دين ابن أخي ،

__________________

٩ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٤٣ / ٤٧١.

(١) المهراسة : الآلة المهروس بها. «لسان العرب ـ هرس ـ ٦ : ٢٤٧».

١٠ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٤٣ / ٤٧٢.

(١) هذه الجملة توضيح لقوله في الحديث السابق «فوضع على كلّ جبل منهن جزءا» أو للأحاديث الآتية.

١١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٤٣ / ٤٧٣.

(١) في «س» : فقال ، والمراد فأشار ، وفي المصدر : فمال.

١٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٤٤ / ٤٧٤.

٥٣٨

وجزء منه لفلانة (١). فسألت عن ذلك ابن أبي ليلى ، فقال : ما أرى لها شيئا ، وما أدري ما الجزء.

فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام وأخبرته كيف قالت المرأة ، وما قال ابن أبي ليلى. فقال : «كذب ابن ليلى ، لها عشر الثلث ، إن الله أمر إبراهيم عليه‌السلام ، فقال : (اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) وكانت الجبال يومئذ عشرة ، وهو العشر من الشيء».

١٤٥٦ / ١٣ ـ عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل أوصى بجزء من ماله. فقال : «جزء من عشرة ، كانت الجبال عشرة ، وكانت الطير : الطاوس ، والحمامة ، والديك ، والهدهد ، فأمره الله أن يقطعهن ، وأن يضع على كل جبل منهن جزءا ، وأن يأخذ رأس كل طير منها بيده ـ قال ـ : فكان إذا أخذ رأس الطير منها بيده ، تطاير إليه ما كان منه حتى يعود كما كان».

١٤٥٧ / ١٤ ـ عن محمد بن إسماعيل ، عن عبد الله بن عبد الله ، قال : جاءني أبو جعفر بن سليمان الخراساني ، وقال : نزل بي رجل من خراسان من الحجاج فتذاكرنا الحديث ، فقال : مات لنا أخ بمرو ، وأوصى إلي بمائة ألف درهم ، وأمرني أن اعطي أبا حنيفة منها جزءا ، ولم أعرف الجزء كم هو مما ترك؟ فلما قدمت الكوفة أتيت أبا حنيفة ، فسألته عن الجزء ، فقال لي : الربع. فأبى قلبي ذلك ، فقلت : لا أفعل حتى أحج واستقصي المسألة. فلما رأيت أهل الكوفة قد أجمعوا على الربع ، قلت لأبي حنيفة : لا سوءة بذلك ، لك أوصى بها يا أبا حنيفة ، ولكن أحج واستقصي المسألة. فقال أبو حنيفة : وأنا أريد الحج.

فلما أتينا مكة ، وكنا في الطواف فإذا نحن برجل شيخ قاعد ، قد فرغ من طوافه ، وهو يدعو ويسبح ، إذ التفت أبو حنيفة ، فلما رآه قال : إن أردت أن تسأل غاية الناس فسل هذا ، فلا أحد بعده. قلت : ومن هذا؟ قال : جعفر بن محمد.

فلما قعدت واستمكنت ، إذ استدار أبو حنيفة خلف ظهر جعفر بن محمد عليه‌السلام ، فقعد قريبا مني فسلم عليه وعظمه ، وجاء غير واحد مزدلفين مسلمين عليه وقعدوا. فلما رأيت ذلك من تعظيمهم له اشتد ظهري ، فغمزني أبو حنيفة أن تكلم. فقلت : جعلت فداك ، إني رجل من أهل خراسان ، وإن رجلا مات وأوصى إلي بمائة ألف درهم ، وأمرني أن أعطي منها جزءا ، وسمى لي الرجل ، فكم الجزء ، جعلت فداك؟

فقال جعفر بن محمد عليهما‌السلام : «يا أبا حنيفة ، لك أوصى ، قل فيها» فقال : الربع ، فقال لابن أبي ليلي : «قل فيها» فقال : الربع.

فقال جعفر عليه‌السلام : «من أين قلتم الربع؟».

قال : لقول الله : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً).

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام لهم ، وأنا أسمع هذا : «قد علمت أن الطير أربعة ، فكم كانت الجبال ، إنما الأجزاء

__________________

(١) في «ط» : لفلان.

١٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٤٤ / ٤٧٥.

١٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٤٤ / ٤٧٦.

٥٣٩

للجبال ليس للطير؟» فقالوا : ظننا أنها أربعة. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ولكن الجبال عشرة».

١٤٥٨ / ١٥ ـ عن صالح بن سهل الهمداني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله : (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً).

فقال : «أخذ الهدهد والصرد (١) والطاوس ، والغراب ، فذبحهن وعزل رؤوسهن ، ثم نحز (٢) أبدانهم بالمنحاز (٣) بريشهن ، ولحومهن ، وعظامهن حتى اختلطت ، ثم جزأهن عشرة أجزاء على عشرة جبال ، ثم وضع عنده حبا وماء (٤) ، ثم جعل مناقيرهن بين أصابعه ، ثم قال : ائتيني سعيا بإذن الله ، فتطايرت بعض (٥) إلى بعض ، اللحوم والريش والعظام حتى استوت الأبدان (٦) كما كانت ، وجاء كل بدن حتى التزق برقبته التي فيها المنقار ، فخلى إبراهيم عليه‌السلام عن مناقيرها ، فرفعن وشربن من ذلك الماء ، والتقطن من ذلك الحب ، ثم قلن : يا نبي الله ، أحييتنا أحياك الله. فقال : بل الله يحيي ويميت.

فهذا تفسيره في الظاهر ، وأما تفسيره في باطن القرآن ، قال : خذ أربعة (٧) ممن يحتمل الكلام فاستودعهم علمك ، ثم ابعثهم في أطراف الأرض حججا لك على الناس ، فإذا أردت أن يأتوك دعوتهم بالاسم الأكبر يأتونك سعيا ، بإذن الله تعالى».

قوله تعالى :

(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ [٢٦١])

١٤٥٩ / ١ ـ أحمد بن محمد بن خالد البرقي : عن ابن محبوب ، عن عمر بن يزيد ، قال : سمعت أبا

__________________

١٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ١٤٥ / ٤٧٧.

(١) الصّرد : طائر أكبر من العصفور ، ضخم الرأس والمنقار يصيد صغار الحشرات ، وربما صاد العصفور ، وكانوا يتشاءمون به. «المعجم الوسيط ـ صرد ـ ١ : ٥١٢».

(٢) نحز الشيء : دقّه وسحقه بالمنحاز. وفي المصدر : نخر.

(٣) المنحاز : الهاون. «لسان العرب ـ نحز ـ ٥ : ٤١٤» ، وفي المصدر : بالمنخار.

(٤) في «س وط» : عنده أكبادها.

(٥) في المصدر : بعضهن.

(٦) في المصدر : بالأبدان.

(٧) في المصدر زيادة : من الطير.

سورة البقرة آية ـ ٢٦١ ـ

١ ـ المحاسن : ٢٥٤ / ٢٨٣.

٥٤٠