البرهان في تفسير القرآن - ج ١

السيد هاشم الحسيني البحراني

البرهان في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني البحراني


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٥٢

اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (٣٢) ، وفي قوله عز وجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٣٣) ، وفي قوله عز وجل : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) (٣٤).

وأشراط كلمات الإمام مأخوذة من جهته مما تحتاج إليه الأمة من مصالح (٣٥) الدنيا والآخرة.

وقول إبراهيم عليه‌السلام : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) من : حرف تبعيض ، ليعلم أن من الذرية من يستحق الإمامة ، ومنهم من لا يستحقها ، هذا من جملة المسلمين ، وذلك أنه يستحيل أن يدعو إبراهيم بالإمامة للكافر أو للمسلم الذي ليس بمعصوم ، فصح أن باب التبعيض وقع على خواص المؤمنين ، والخواص إنما صاروا خواصا بالبعد عن الكفر ، ثم من اجتنب الكبائر صار من جملة الخواص. أخص ، ثم المعصوم هو الخاص الأخص ، ولو كان للتخصيص صورة أربى عليه (٣٦) ، لجعل ذلك من أوصاف الإمام.

وقد سمى الله عز وجل عيسى من ذرية إبراهيم ، وكان ابن بنته من بعده ، ولما صح أن ابن البنت ذرية ، ودعا إبراهيم لذريته بالإمامة ، وجب على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاقتداء به في وضع الإمامة في المعصومين من ذريته حذو النعل بالنعل بعد ما أوحى الله عز وجل إليه ، وحكم عليه بقوله : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (٣٧) الآية ، ولو خالف ذلك لكان داخلا في قوله : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) جل نبي الله عن ذلك.

قال الله عز وجل : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٣٨) وأمير المؤمنين عليه‌السلام أبو ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ووضع الإمامة فيه وضعها في ذريته المعصومين بعده.

وقوله عز وجل : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) يعني بذلك أن الإمامة لا تصلح لمن قد عبد وثنا أو صنما ، أو أشرك بالله طرفة عين ، وإن أسلم بعد ذلك ، والظلم وضع الشيء في غير موضعه ، وأعظم الظلم الشرك ، قال الله عز وجل : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٣٩) وكذلك لا يصلح للإمامة من (٤٠) قد ارتكب من المحارم شيئا صغيرا كان أو كبيرا ، وإن تاب منه بعد ذلك ، وكذلك لا يقيم الحد من في جنبه حد ، فإذن لا يكون الإمام إلا معصوما ، ولا تعلم عصمته إلا بنص الله عز وجل عليه على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأن العصمة ليست في ظاهر الخلقة فترى

__________________

(٣٢) البقرة ٢ : ١٣٢.

(٣٣) النّحل ١٦ : ١٢٣.

(٣٤) الحج ٢٢ : ٧٨.

(٣٥) في المصدر : مأخوذة ممّا تحتاج إليه الأمّة من جهة من مصالح.

(٣٦) أي أعلى وأرفع مرتبة.

(٣٧) النّحل ١٦ : ١٢٣.

(٣٨) آل عمران ٣ : ٦٨.

(٣٩) لقمان ٣١ : ١٣.

(٤٠) في المصدر : لا تصلح الإمامة لمن.

٣٢١

كالسواد والبياض وما أشبه ذلك ، وهي مغيبة لا تعرف إلا بتعريف علام الغيوب عز وجل.

٦٠٤ / ٢ ـ محمد بن يعقوب : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي يحيى الواسطي ، عن هشام ابن سالم ؛ ودرست بن أبي منصور ، عنه ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «قد كان إبراهيم نبيا وليس بإمام حتى قال الله له : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) فقال الله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) من عبد صنما أو وثنا لا يكون إماما».

٦٠٥ / ٣ ـ عنه : عن محمد بن الحسن ، عمن ذكره ، عن محمد بن خالد ، عن محمد بن سنان ، عن زيد الشحام ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عليه‌السلام عبدا قبل أن يتخذه نبيا ، وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا ، وإن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا ، وإن الله اتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما ، فلما جمع له الأشياء قال : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً)».

قال : «فمن عظمها في عين إبراهيم عليه‌السلام : (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ـ قال ـ : لا يكون السفيه إمام التقي».

٦٠٦ / ٤ ـ وعنه : عن علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن الحسين ، عن إسحاق بن عبد العزيز أبي السفاتج ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «إن الله اتخذ إبراهيم عليه‌السلام ، عبدا قبل أن يتخذه نبيا ، واتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا ، واتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا ، واتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما ، فلما جمع له هذه الأشياء ـ وقبض يده (١) ـ قال له : يا إبراهيم (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) فمن عظمها في عين إبراهيم ، قال : يا رب (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)».

٦٠٧ / ٥ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا أبو أحمد القاسم بن محمد بن علي الهاروني ، قال : حدثنا أبو حامد عمران بن موسى بن إبراهيم ، عن الحسن بن القاسم الرقام ، قال : حدثني القاسم بن مسلم ، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم ، قال : كنا في أيام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام بمرو ، فاجتمعنا في مسجد جامعها يوم الجمعة في بدء مقدمنا ، فأدار الناس أمر الإمامة ، وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها.

فدخلت على سيدي ومولاي الرضا عليه‌السلام فأعلمته ما خاض الناس فيه فتبسم عليه‌السلام ، ثم قال : «يا عبد العزيز ، جهله القوم وخدعوا عن أديانهم ، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أكمل له الدين ،

__________________

٢ ـ الكافي ١ : ١٣٣ / ١.

٣ ـ الكافي ١ : ١٣٣ / ٢.

٤ ـ الكافي ١ : ١٣٤ / ١.

(١) هذه الجملة إمّا اعتراضية من كلام الراوي ، يعني أنّ الإمام عليه‌السلام قبض أصابعه ليحكي اجتماع هذه الصفات في إبراهيم عليه‌السلام ، وإمّا من كلام الإمام عليه‌السلام أي قبض الله يد إبراهيم عليه‌السلام كناية عن كمال لطفه تبارك وتعالى بإبراهيم عليه‌السلام حين خاطبه.

٥ ـ عيون أخبار الرّضا عليه‌السلام ١ : ٢١٦ / ١.

٣٢٢

وأنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء ، بين فيه الحلال والحرام ، والحدود والأحكام ، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا ، فقال عز وجل (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (١) وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) (٢) فأمر الإمامة من تمام الدين ، ولم يمض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى بين لامته تمام دينهم (٣) ، وأوضح لهم سبيلهم ، وتركهم على قصد الحق ، وأقام لهم عليا عليه‌السلام علما وإماما ، وما ترك شيئا تحتاج إليه الامة إلا بينه.

فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله ومن رد كتاب الله فهو كافر ، هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الامة ، فيجوز فيها اختيارهم؟! إن الامامة أجل قدرا ، وأعظم شأنا ، وأعلى مكانا ، وأمنع جانبا ، وأبعد غورا من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو ينالوها بآرائهم ، أو يقيموا إماما باختيارهم.

إن الإمامة خص الله بها إبراهيم الخليل عليه‌السلام بعد النبوة ، والخلة مرتبة ثالثة ، وفضيلة شرفه بها ، وأشاد بها ذكره ، فقال عز وجل : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) فقال الخليل عليه‌السلام مسرورا (٤) بها : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) قال الله تبارك وتعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة فصارت في الصفوة عليهم‌السلام» الحديث.

٦٠٨ / ٦ ـ العياشي : رواه بأسانيد عن صفوان الجمال ، قال : كنا بمكة فجرى الحديث في قول الله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) قال : أتمهن بمحمد وعلي والأئمة من ولد علي (صلى الله عليهم) في قول الله : (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١) ، ثم قال : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) قال : يا رب ، ويكون من ذريتي ظالم؟ قال : نعم ، فلان وفلان وفلان ومن اتبعهم.

قال : يا رب ، فاجعل (٢) لمحمد وعلي ما وعدتني فيهما ، وعجل نصرك لهما ، وإليه أشار بقوله : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (٣) فالملة : الإمامة.

فلما أسكن ذريته بمكة ، قال : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (٤) ، فاستثنى (مَنْ آمَنَ) خوفا أن يقول له : لا ، كما قال له في الدعوة الأولى :

__________________

(١) الأنعام ٦ : ٣٨.

(٢) المائدة ٥ : ٣.

(٣) في المصدر : معالم دينهم.

(٤) في المصدر : سرورا.

٦ ـ تفسير العياشي ١ : ٥٧ / ٨٨.

(١) آل عمران ٣ : ٣٤.

(٢) في المصدر : فعجل.

(٣) البقرة ٢ : ١٣٠.

(٤) البقرة ٢ : ١٢٦.

٣٢٣

قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).

فلما قال الله : (وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٥) قال : يا رب ، ومن الذي متعتهم؟ قال : الذين كفروا بآياتي فلان وفلان وفلان.

٦٠٩ / ٧ ـ عن حريز ، عمن ذكره ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قول الله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، أي لا يكون إماما ظالما.

٦١٠ / ٨ ـ عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً).

قال : فقال : «لو علم الله أن اسما أفضل منه لسمانا به».

٦١١ / ٩ ـ سعد بن عبد الله : عن أحمد بن محمد بن عيسى ، ومحمد بن عبد الجبار ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن فضالة بن أيوب ، عن عبد الحميد بن النضر (١) ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «ينكرون الإمام المفروض الطاعة ويجحدونه؟! والله ، ما في الأرض منزلة (٢) عند الله أعظم من منزلة مفترض الطاعة ، لقد كان إبراهيم عليه‌السلام دهرا ينزل عليه الوحي [والأمر من الله وما كان مفترض الطاعة] حتى بدا لله أن يكرمه ويعظمه فقال : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) فعرف إبراهيم عليه‌السلام ما فيها من الفضل فقال : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) أي واجعل ذلك في ذريتي ، قال الله عز وجل : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)».

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنما هو في ذريتي لا يكون في غيرهم».

٦١٢ / ١٠ ـ الشيخ المفيد : عن أبي الحسن الأسدي ، عن أبي الخير (١) صالح بن أبي حماد الرازي ، يرفعه ، قال : سمعت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام يقول : «إن الله اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا ، وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا ، وإن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا ، وإن الله اتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما ، فلما جمع له الأشياء ، قال : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً)».

قال : «فمن عظمها في عين إبراهيم عليه‌السلام : (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ـ قال ـ : لا يكون السفيه إمام التقي.

__________________

(٥) البقرة ٢ : ١٢٦.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٨ / ٨٩.

٨ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٨ / ٩٠.

٩ ـ مختصر بصائر الدرجات : ٦٠.

(١) في «س ، ط» : قصي ، وفي المصدر : نصر ، والظاهر أنّ الصواب ما في المتن ، انظر معجم رجال الحديث ٩ : ٢٨١.

(٢) في المصدر زيادة : إمام.

١٠ ـ الاختصاص : ٢٢.

(١) في «س وط» : أبي الحسن ، وفي المصدر : أبي الحسين ، تصحيف صوابه ما في المتن من رجال النجاشي : ١٩٨ / ٥٢٦ ومعجم رجال الحديث ٩ : ٥٣.

٣٢٤

٦١٣ / ١١ ـ وعنه : عن أبي محمد الحسن (١) بن حمزة الحسيني ، عن محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي يحيى الواسطي ، عن هشام بن سالم ودرست بن أبي منصور ، عنهم ـ في حديث ـ قال : «قد كان إبراهيم نبيا وليس بإمام حتى قال الله تبارك وتعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) فقال الله تبارك وتعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) من عبد صنما أو وثنا أو مثالا لا يكون إماما».

٦١٤ / ١٢ ـ عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «إن الله اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا ، واتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا ، واتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا ، وإن الله اتخذ إبراهيم خليلا قبل أن يتخذه إماما ، فلما جمع له الأشياء ـ وقبض يده ـ قال له : يا إبراهيم (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) فمن عظمها في عين إبراهيم عليه‌السلام قال : يا رب (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)».

٦١٥ / ١٣ ـ الشيخ في (أماليه) : عن الحفار ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : حدثنا أبي وإسحاق بن إبراهيم الدبري (١) ، قال حدثنا عبد الرزاق ، قال : حدثنا أبي ، عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا دعوة أبي إبراهيم».

قلنا : يا رسول الله ، وكيف صرت دعوة أبيك إبراهيم؟

قال : «أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) فاستخف إبراهيم الفرح ، فقال : يا رب ، ومن ذريتي أئمة مثلي؟ فأوحى الله عز وجل إليه : أن ـ يا إبراهيم ـ إَّي لا أعطيك عهدا لا أفي لك به.

قال : يا رب ، ما العهد الذي لا تفي لي به؟ قال : لا أعطيك عهدا لظالم من ذريتك.

قال : يا رب ، ومن الظالم من ولدي الذي لا ينال عهدك؟ قال : من سجد لصنم من دوني لا أجعله إماما أبدا ، ولا يصلح (٢) أن يكون إماما.

قال إبراهيم : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) (٣)».

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فانتهت الدعوة إلي وإلى أخي علي ، لم يسجد أحد منا لصنم قط ، فاتخذني الله نبيا وعليا وصيا» (٤).

__________________

١١ ـ الاختصاص : ٢٣.

(١) في المصدر : أبو محمّد بن الحسن ، والصواب ما في المتن ، راجع رجال النجاشي : ٦٤ / ١٥٠ ، الفهرست ٥٢ : ١٨٤.

١٢ ـ الاختصاص : ٢٣.

١٣ ـ الأمالي ١ : ٣٨٨.

(١) في «س» والمصدر : الديري ، وفي «ط» : الزبيري ، كلاهما تصحيف ، والصواب ما في المتن نسبة إلى (دبر) من قرى صنعاء اليمن. راجع معجم البلدان ٢ : ٤٣٧ ، وسير أعلام النبلاء ١٣ : ٤١٦.

(٢) في المصدر : ولا يصح.

(٣) إبراهيم ١٤ : ٣٥ ـ ٣٦.

(٤) في «ط» نسخة بدل : وليا.

٣٢٥

٦١٦ / ١٤ ـ ومن طريق المخالفين : ما رواه الشافعي ابن المغازلي في كتاب (المناقب) بإسناده ، يرفعه إلى عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا دعوة أبي إبراهيم عليه‌السلام».

قلت : يا رسول الله ، وكيف صرت دعوة إبراهيم أبيك عليه‌السلام؟

وساق الحديث السابق بعينه إلى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فانتهت الدعوة إلي وإلى علي عليه‌السلام لم يسجد أحدنا (١) لصنم قط ، فاتخذني الله نبيا واتخذ عليا وصيا».

قوله تعالى :

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ

مُصَلًّى [١٢٥]

٦١٧ / ١ ـ قال علي بن إبراهيم : المثابة : العود إليه.

٦١٨ / ٢ ـ محمد بن يعقوب : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام في طواف الحج والعمرة؟

فقال : «إن كان بالبلد صلى الركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، فان الله عز وجل يقول : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) وإن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع».

٦١٩ / ٣ ـ الشيخ في (التهذيب) : بإسناده ، عن موسى بن القاسم ، عن صفوان بن يحيى ، عمن حدثه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «ليس لأحد أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام ، لقول الله : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) إن صليتهما في غيره فعليك إعادة الصلاة».

٦٢٠ / ٤ ـ وعنه : بإسناده عن موسى بن القاسم ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام ، وقد قال الله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) حتى ارتحل.

__________________

١٤ ـ المناقب : ٢٧٦ / ٣٢٢.

(١) في المصدر : لم نسجد أحد منّا.

سورة البقرة آية ـ ١٢٥ ـ

١ ـ تفسير القمّي ١ : ٥٩.

٢ ـ الكافي ٤ : ٤٢٥ / ١.

٣ ـ التهذيب ٥ : ١٣٧ / ٤٥١.

٤ ـ التهذيب ٥ : ١٤٠ / ٤٦١.

٣٢٦

فقال : «إن كان ارتحل فإني لا أشق عليه ولا آمره أن يرجع ، ولكن يصلي حيث يذكر».

٦٢١ / ٥ ـ وعنه : عن موسى بن القاسم ، عن محمد بن سنان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي عبد الله الأبزاري ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يصلي (١) ركعتي طواف الفريضة في الحجر.

قال : «يعيدهما خلف المقام ، لأن الله يقول : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) يعني بذلك ركعتي طواف الفريضة».

٦٢٢ / ٦ ـ وعنه : بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن سنان ، عن ابن مسكان ، قال حدثني من سأله عن الرجل ينسى (١) ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج. فقال : «يوكل».

قال ابن مسكان : وفي حديث آخر : «إن كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع وليصلهما ، فإن الله تعالى يقول : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)».

٦٢٣ / ٧ ـ العياشي : عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي أن يصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام في الطواف ، في الحج أو العمرة.

فقال : «إن كان بالبلد صلى ركعتين عند مقام إبراهيم ، فإن الله يقول : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) ، وإن كان ارتحل وسار ، فلا آمره أن يرجع».

٦٢٤ / ٨ ـ عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة ، في حج كان أو عمرة ، وجهل أن يصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام.

قال : «يصليها ولو بعد أيام ، لأن الله يقول : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى)».

قوله تعالى :

وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ

وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [١٢٥]

٦٢٥ / ١ ـ علي بن إبراهيم : قال الصادق عليه‌السلام : «يعني نحيا عنه المشركين».

__________________

٥ ـ التهذيب ٥ : ١٣٨ / ٤٥٤.

(١) في المصدر : نسي فصلّى.

٦ ـ التهذيب ٥ : ١٤٠ / ٤٦٣.

(١) في المصدر : نسي.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٨ / ٩١.

٨ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٨ / ٩٢.

سورة البقرة آية ـ ١٢٥ ـ

١ ـ تفسير القمّي ١ : ٥٩.

٣٢٧

وقال : «لما بنى إبراهيم البيت وحج الناس ، شكت الكعبة إلى الله تبارك وتعالى ما تلقاه من أيدي المشركين وأنفاسهم ، فأوحى الله إليها ، قري كعبتي ، فإني أبعث في آخر الزمان قوما يتنظفون بقضبان الشجر ويتخللون».

٦٢٦ / ٢ ـ محمد بن يعقوب : عن حميد بن زياد ، عن ابن سماعة ، عن غير واحد ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد بن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن الله عز وجل يقول في كتابه : (طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) فينبغي للعبد أن لا يدخل مكة إلا وهو طاهر ، قد غسل عرقه والأذى وتطهر».

٦٢٧ / ٣ ـ الشيخ : بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن عمران الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : أتغتسل النساء إذا أتين البيت؟ فقال : «نعم ، إن الله تعالى يقول : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) وينبغي للعبد أن لا يدخل إلا وهو طاهر ، قد غسل عنه العرق والأذى وتطهر».

٦٢٨ / ٤ ـ محمد بن علي بن بابويه : عن محمد بن الحسن رحمه‌الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن عبد الله بن علي الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : أتغتسل النساء إذا أتين البيت؟ قال : «نعم ، إن الله عز وجل يقول : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) فينبغي للعبد أن لا يدخل إلا وهو طاهر ، قد غسل عنه العرق والأذى وتطهر».

٦٢٩ / ٥ ـ العياشي : عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته : أتغتسل النساء إذا أتين البيت؟ قال : «نعم ، إن الله يقول : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) ينبغي للعبد أن لا يدخل إلا وهو طاهر ، قد غسل عنه العرق والأذى وتطهر».

٦٣٠ / ٦ ـ أبو علي الطبرسي في (مجمع البيان) : سبب النزول ، عن ابن عباس ، قال : لما أتى إبراهيم بإسماعيل وهاجر فوضعهما بمكة وأتت على ذلك مدة ونزلها الجرهميون ، وتزوج إسماعيل امرأة منهم ، وماتت هاجر واستأذن إبراهيم سارة أن يأتي هاجر فأذنت له ، وشرطت عليه أن لا ينزل ، فقدم إبراهيم عليه‌السلام ، وقد ماتت هاجر ، فذهب إلى بيت إسماعيل ، فقال لامرأته : «أين صاحبك؟» قالت : له ليس ها هنا ، ذهب يتصيد ؛ وكان إسماعيل يخرج من الحرم يتصيد ويرجع.

فقال لها إبراهيم : «هل عندك ضيافة؟» قالت : ليس عندي شيء ، وما عندي أحد.

فقال لها إبراهيم : «إذا جاء زوجك فأقرئيه السلام وقولي له : فليغير عتبة بابه» وذهب إبراهيم عليه‌السلام ، فجاء إسماعيل عليه‌السلام ووجد ريح أبيه ، فقال لامرأته : «هل جاءك أحد؟». قالت : جاءني شيخ صفته كذا وكذا ،

__________________

٢ ـ الكافي ٤ : ٤٠٠ / ٣.

٣ ـ التهذيب ٥ : ٢٥١ / ٨٥٢.

٤ ـ علل الشرائع : ٤١١ / ١.

٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٩ / ٩٥.

٦ ـ مجمع البيان ٢ : ٣٨٣.

٣٢٨

كالمستخفة بشأنه.

قال : «فما قال لك؟» قالت : قال لي : أقرئي زوجك السلام ، وقولي له : فليغير عتبة بابه. فطلقها وتزوج اخرى ، فلبث إبراهيم ما شاء الله أن يلبث ، ثم استأذن سارة أن يزور إسماعيل عليه‌السلام فأذنت له ، واشترطت عليه أن لا ينزل ، فجاء إبراهيم عليه‌السلام حتى انتهى إلى باب إسماعيل عليه‌السلام ، فقال لامرأته : «أين صاحبك؟». قالت : يتصيد ، وهو يجيئني الآن ـ إن شاء الله ـ فانزل يرحمك الله.

فقال لها : «هل عندك ضيافة؟». قالت : نعم ، فجاءت باللبن واللحم ، فدعا لها (١) بالبركة ، فلو جاءت يومئذ بخبز أو بر أو شعير أو تمر لكانت أكثر أرض الله برا وشعيرا وتمرا.

فقالت له : انزل حتى اغسل رأسك ؛ فلم ينزل ، فجاءت بالمقام فوضعته على شقه الأيمن فوضع قدمه عليه ، فبقي أثر قدمه عليه ، فغسلت شق رأسه الأيمن ، ثم حولت المقام إلى شقه الأيسر ، فبقي أثر قدمه عليه ، فغسلت شق رأسه الأيسر.

فقال لها : «إذا جاء زوجك فأقرئيه مني السلام ، وقولي له : قد استقامت عتبة بابك».

فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه ، فقال لامرأته : «هل جاءك أحد؟». قالت : نعم ، شيخ أحسن الناس وجها ، وأطيبهم ريحا ، وقال لي : كذا وكذا ، وقلت له : كذا ، وغسلت رأسه ، وهذا موضع قدميه على المقام ، فقال لها إسماعيل عليه‌السلام : «ذاك إبراهيم عليه‌السلام».

٦٣١ / ٧ ـ ثم قال أبو علي : وقد روى هذه القصة بعينها علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان ، عن الصادق عليه‌السلام ، وإن اختلفت بعض ألفاظه ، وقال في آخرها : «إذا جاء زوجك ، فقولي له : قد جاء ها هنا شيخ وهو يوصيك بعتبة بابك خيرا ، فأكب إسماعيل عليه‌السلام على المقام يبكي ويقبله».

٦٣٢ / ٨ ـ ثم قال : وفي رواية اخرى ، عنه عليه‌السلام : «أن إبراهيم عليه‌السلام استأذن سارة أن يزور إسماعيل عليه‌السلام ، فأذنت له على أن لا يلبث عنها وأن لا ينزل من حماره ، فقيل : كيف كان ذلك؟ فقال : إن الأرض طويت له».

قوله تعالى :

وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ

الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ

__________________

(١) في المصدر : لهما.

٧ ـ مجمع البيان ١ : ٣٨٤.

٨ ـ مجمع البيان ١ : ٣٨٤.

٣٢٩

قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ

الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ

الْعَلِيمُ ـ إلى قوله تعالى ـ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [١٢٩]

٦٣٣ / ١ ـ محمد بن يعقوب : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، والحسين بن محمد ، عن عبدويه بن عامر ، ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، جميعا ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن أبان بن عثمان ، عن عقبة ابن بشير ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : «إن الله عز وجل أمر إبراهيم عليه‌السلام ببناء الكعبة ، وأن يرفع قواعدها ويري الناس مناسكهم ، فبنى إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام البيت كل يوم سافا (١) حتى انتهى إلى موضع الحجر الأسود».

وقال أبو جعفر عليه‌السلام «فنادى أبو قبيس إبراهيم عليه‌السلام : أن لك عندي وديعة ؛ فأعطاه الحجر ، فوضعه موضعه ، ثم إن إبراهيم عليه‌السلام أذن في الناس بالحج ، فقال : أيها الناس ، إني إبراهيم خليل الله ، وإن الله يأمركم أن تحجوا هذا البيت فحجوه ، فأجابه من يحج إلى يوم القيامة ، وكان أول من أجابه من أهل اليمن ـ قال : وحج إبراهيم عليه‌السلام هو وأهله وولده ، فمن زعم أن الذبيح هو إسحاق فمن هاهنا كان ذبحه».

وذكر عن أبي بصير أنه سمع أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما‌السلام يزعمان أنه إسحاق ، فأما زرارة فزعم أنه إسماعيل.

٦٣٤ / ٢ ـ علي بن إبراهيم ، قال : دعا إبراهيم ربه أن يرزق من آمن منهم ، فقال الله : يا إبراهيم (وَمَنْ كَفَرَ ـ أيضا أرزقه ـ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

٦٣٥ / ٣ ـ أبو علي الطبرسي في (مجمع البيان) ، قال : روي عن أبي جعفر عليه‌السلام : «أن المراد بذلك أن الثمرات تحمل إليهم من الآفاق».

وروي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : «إنما هي ثمرات القلوب ، أي حببهم إلى الناس ليثوبوا (١) إليهم».

٦٣٦ / ٤ ـ علي بن إبراهيم ، قال : حدثني أبي ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن إبراهيم عليه‌السلام كان نازلا في بادية الشام ، فلما ولد له من هاجر إسماعيل عليه‌السلام اغتمت سارة من ذلك غما شديدا ، لأنه لم يكن له منها ولد ، وكانت تؤذي إبراهيم عليه‌السلام في هاجر وتغمه ،

__________________

سورة البقرة آية ـ ١٢٦ ـ ١٢٩ ـ

١ ـ الكافي ٤ : ٢٠٥ / ٤.

(١) الساف في البناء : كلّ صف من اللّبن. «لسان العرب ـ سوف ـ ٩ : ١٦٦».

٢ ـ تفسير القمّي ١ : ٦٠.

٣ ـ مجمع البيان ١ : ٣٨٧.

(١) أي يجتمعوا ويجيئوا.

٤ ـ تفسير القمّي ١ : ٦٠.

٣٣٠

فشكا إبراهيم عليه‌السلام ذلك إلى الله عز وجل ، فأوحى الله إليه : إنما مثل المرأة مثل الضلع العوجاء ، إن تركتها استمتعت (١) بها ، وإن أقمتها كسرتها ، ثم أمره أن يخرج إسماعيل عليه‌السلام وأمه. فقال : يا رب إلى أي مكان؟ قال : إلى حرمي وأمني ، وأول بقعة خلقتها من الأرض ، وهي مكة.

فأنزل الله عليه جبرئيل بالبراق ، فحمل هاجر وإسماعيل وإبراهيم عليهما‌السلام ، وكان إبراهيم لا يمر بموضع حسن فيه شجر ونخل وزرع إلا وقال : يا جبرئيل ، إلى هاهنا ، إلى هاهنا ، فيقول جبرئيل : لا ، امض ، امض ، حتى وافى (٢) مكة ، فوضعه في موضع البيت ، وقد كان إبراهيم عليه‌السلام عاهد سارة أن لا ينزل حتى يرجع إليها.

فلما نزلوا في ذلك المكان كان فيه شجر ، فألقت هاجر على ذلك الشجر كساء كان معها ، فاستظلوا تحته ، فلما سرحهم (٣) إبراهيم ووضعهم وأراد الانصراف عنهم إلى سارة ، قالت له هاجر : يا إبراهيم ، أتدعنا (٤) في موضع ليس فيه أنيس ولا ماء ولا زرع؟ فقال إبراهيم : الله الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان هو يكفيكم (٥).

ثم انصرف عنهم ، فلما بلغ كداء ـ وهو جبل بذي طوى ـ التفت إليهم إبراهيم ، فقال : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (٦) ثم مضى ، وبقيت هاجر.

فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل وطلب الماء ، فقامت هاجر في الوادي في موضع السعي ، ونادت : هل في الوادي من أنيس؟ فغاب عنها إسماعيل عليه‌السلام فصعدت على الصفا ، ولمع لها السراب في الوادي ، فظنت أنه ماء ، فنزلت في بطن الوادي وسعت ، فلما بلغت المسعى غاب عنها إسماعيل عليه‌السلام ، ثم لمع لها السراب في ناحية الصفا ، فهبطت إلى الوادي تطلب الماء ، فلما غاب عنها إسماعيل عليه‌السلام عادت حتى بلغت الصفا ، فنظرت حتى فعلت ذلك سبع مرات ، فلما كانت في الشوط السابع وهي على المروة ، نظرت إلى إسماعيل عليه‌السلام وقد ظهر الماء من تحت رجليه ، فعادت حتى جمعت حوله رملا ، فإنه كان سائلا ، فزمته (٧) بما جعلته حوله ، فلذلك سميت زمزم.

وكانت جرهم نازلة بذي المجاز (٨) وعرفات ، فلما ظهر الماء بمكة عكفت الطير والوحش على الماء ، فنظرت جرهم إلى تعكف الطير والوحش على ذلك المكان ، فأتبعوها (٩) حتى نظروا إلى امرأة وصبي نازلين في

__________________

(١) في المصدر : استمتعتها.

(٢) في المصدر : أتى.

(٣) سرّحت فلانا إلى موضع كذا : إذا أرسلته. «الصحاح ـ سرح ـ ١ : ٣٧٤».

(٤) في المصدر : لم تدعنا.

(٥) في المصدر : المكان حاضر عليكم.

(٦) إبراهيم ١٤ : ٣٧.

(٧) زمّته شدّته وحجزته بما جعلت حوله من الرمل.

(٨) ذو المجاز : موضع سوق بعرفة على ناحية كبكب. «معجم البلدان ٥ : ٥٥».

(٩) في «س وط» : فأتبعتها.

٣٣١

ذلك الموضع قد استظلا بشجرة ، وقد ظهر الماء لهما ، فقالوا لهاجر : من أنت ، وما شأنك وشأن هذا الصبي؟ قالت : أنا ام ولد إبراهيم خليل الرحمن ، وهذا ابنه ، أمره الله أن ينزلنا هاهنا. فقالوا لها : أتأذنين (١٠) لنا أن نكون بالقرب منكما؟ فقالت لهم : حتى يأتي إبراهيم.

فلما زارهما إبراهيم عليه‌السلام في اليوم الثالث ، قالت هاجر : يا خليل الله ، إن هاهنا قوما من جرهم يسألونك أن تأذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا ، أفتأذن لهم في ذلك؟ فقال إبراهيم : نعم ، فأذنت هاجر لجرهم فنزلوا بالقرب منهم وضربوا خيامهم ، فأنست هاجر وإسماعيل بهم ، فلما زارهم إبراهيم في المرة الثانية (١١) نظر إلى كثرة الناس حولهم فسر بذلك سرورا شديدا ، فلما ترعرع إسماعيل عليه‌السلام ، وكانت جرهم قد وهبوا لإسماعيل كل واحد منهم شاة أو شاتين ، فكانت هاجر وإسماعيل يعيشان [بها].

فلما بلغ إسماعيل عليه‌السلام مبلغ الرجال أمر الله إبراهيم عليه‌السلام أن يبني البيت ، فقال : يا رب ، في أي بقعة؟

قال : في البقعة التي أنزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم ، فلم تزل القبة التي أنزلها الله على آدم عليه‌السلام قائمة حتى كان أيام الطوفان أيام نوح عليه‌السلام ، فلما غرقت الدنيا رفع الله تلك القبة وغرقت الدنيا إلا موضع البيت ، فسميت البيت العتيق ، لأنه أعتق من الغرق.

فلما أمر الله عز وجل إبراهيم عليه‌السلام أن يبني البيت لم يدر في أي مكان يبنيه ، فبعث الله عز وجل جبرئيل عليه‌السلام فخط له موضع البيت ، فأنزل الله عليه القواعد من الجنة ، وكان الحجر الذي أنزله الله على آدم عليه‌السلام أشد بياضا من الثلج ، فلما مسته أيدي الكفار اسود.

فبنى إبراهيم عليه‌السلام البيت ، ونقل إسماعيل عليه‌السلام الحجر من ذي طوى ، فرفعه في (١٢) السماء تسعة أذرع ، ثم دله على موضع الحجر ، فاستخرجه إبراهيم عليه‌السلام ووضعه في موضعه الذي هو فيه الآن ، وجعل له بابين : بابا إلى الشرق ، وبابا إلى الغرب ؛ والباب الذي إلى الغرب يسمى المستجار ، ثم ألقى عليه الشجر والإذخر ، وألقت (١٣) هاجر على بابه كساء كان معها ، وكانوا يكنون تحته.

فلما بناه وفرغ منه حج إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام ، ونزل عليهما جبرئيل عليه‌السلام يوم التروية لثمان من ذي الحجة ، فقال : يا إبراهيم قم فارتو من الماء. لأنه لم يكن بمنى وعرفات ماء. فسميت التروية لذلك ، ثم أخرجه إلى منى فبات بها ، ففعل به ما فعل بآدم عليه‌السلام.

فقال إبراهيم عليه‌السلام لما فرغ من بناء البيت والحج : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) : قال : من ثمرات القلوب ، أي حببهم إلى الناس لينتابوا إليهم (١٤) ويعودوا

__________________

(١٠) في المصدر : فقالوا لها : أيّها المباركة أفتأذني.

(١١) في المصدر : الثالثة.

(١٢) في المصدر : إلى.

(١٣) في المصدر : وعلّقت.

(١٤) انتاب الرجل القوم انتيابا : إذا قصدهم وأتاهم مرّة بعد مرّة. «لسان العرب ـ نوب ـ ١ : ٧٧٥».

٣٣٢

إليهم».

٦٣٧ / ٥ ـ العياشي : عن المنذر الثوري ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن الحجر. فقال : «نزلت ثلاثة أحجار من الجنة : الحجر الأسود استودعه إبراهيم عليه‌السلام ، ومقام إبراهيم ، وحجر بني إسرائيل».

قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن الله استودع إبراهيم الحجر الأبيض ، وكان أشد بياضا من القراطيس ، فاسود من خطايا بني آدم».

٦٣٨ / ٦ ـ عن جابر الجعفي ، قال : قال محمد بن علي عليهما‌السلام : «يا جابر ، ما أعظم فرية أهل الشام على الله ، يزعمون أن الله تبارك وتعالى حيث صعد إلى السماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدس ، ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على حجر ، فأمرنا الله تبارك وتعالى أن نتخذه مصلى.

يا جابر ، إن الله تبارك وتعالى لا نظير له ولا شبيه ، تعالى الله عن صفة الواصفين ، وجل عن أوهام المتوهمين ، واحتجب عن عين الناظرين ، لا يزول مع الزائلين ، ولا يأفل مع الآفلين ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع العليم».

٦٣٩ / ٧ ـ عن عبد الله بن غالب ، عن أبيه ، عن رجل ، عن علي بن الحسين عليه‌السلام : «قول إبراهيم : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ) إيانا عنى بذلك وأولياءه وشيعة وصيه».

قال : «(وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ) قال : عنى بذلك من جحد وصيه ولم يتبعه من أمته ، وكذلك والله حال هذه الامة».

٦٤٠ / ٨ ـ عن أحمد بن محمد ، عنه عليه‌السلام ، قال : «إن إبراهيم لما أن دعا ربه أن يرزق أهله من الثمرات قطع قطعة من الأردن ، فأقبلت حتى طافت بالبيت سبعا ، ثم أقرها الله في موضعها ، وإنما سميت الطائف للطواف بالبيت».

٦٤١ / ٩ ـ عن أبي سلمة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أن الله أنزل الحجر الأسود من الجنة لآدم ، وكان البيت درة بيضاء فرفعه الله إلى السماء وبقي أساسه ، فهو حيال هذا البيت».

وقال : «يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يرجعون إليه أبدا ، فأمر الله إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام أن يبنيا البيت على القواعد».

٦٤٢ / ١٠ ـ قال الحلبي : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن البيت ، أكان يحج قبل أن يبعث

__________________

٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٩ / ٩٣.

٦ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٩ / ٩٤.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٩ / ٩٦.

٨ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٦٠ / ٩٧.

٩ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٦٠ / ٩٨.

١٠ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٦٠ / ٩٩.

٣٣٣

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : «نعم ، وتصديقه في القرآن قول شعيب حين قال لموسى عليهما‌السلام حيث تزوج : (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ) (١) ولم يقل ثماني سنين ، وإن آدم ونوحا عليهما‌السلام حجا ، وسليمان بن داود عليهما‌السلام قد حج البيت بالجن والإنس والطير والريح ، وحج موسى عليه‌السلام على جمل أحمر ، يقول : لبيك لبيك. وإنه كما قال الله : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) (٢) وقال : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) وقال : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (٣) وإن الله أنزل الحجر لآدم وكان البيت».

٦٤٣ / ١١ ـ عن أبي الورقاء ، قال : قلت لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام أول شيء نزل من السماء ، ما هو؟ قال : «أول شيء نزل من السماء إلى الأرض فهو البيت الذي بمكة ، أنزله الله ياقوتة حمراء ، ففسق قوم نوح في الأرض ، فرفعه حيث يقول : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ)».

٦٤٤ / ١٢ ـ عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : أخبرني عن أمة محمد (عليه الصلاة والسلام) ، من هم؟ قال : «امة محمد بنو هاشم خاصة».

قلت : فما الحجة في امة محمد أنهم أهل بيته الذين ذكرت دون غيرهم؟ قال : «قول الله : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) فلما أجاب الله إبراهيم وإسماعيل ، وجعل من ذريتهم أمة مسلمة ، وبعث فيها رسولا منها ـ يعني من تلك الامة ـ يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، ردف إبراهيم عليه‌السلام دعوته الاولى بدعوته الاخرى ، فسأل لهم تطهيرا من الشرك ومن عبادة الأصنام ، ليصح أمره فيهم ، ولا يتبعوا غيرهم ، فقال : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) ففي هذه دلالة على أنه لا تكون الأئمة والامة المسلمة التي بعث فيها محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا من ذرية إبراهيم عليه‌السلام ، لقوله : (اجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ)».

٦٤٥ / ١٣ ـ علي بن إبراهيم ، في قوله تعالى : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) قال : يعني من ولد إسماعيل عليه‌السلام ، فلذلك

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا دعوة أبي إبراهيم عليه‌السلام»

__________________

(١) القصص ٢٨ : ٢٧.

(٢) آل عمران ٣ : ٩٦.

(٣) البقرة ٢ : ١٢٥.

١١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٦٠ / ١٠٠.

١٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٦٠ / ١٠١.

(١) إبراهيم ١٤ : ٣٥ ـ ٣٦.

١٣ ـ تفسير القمّي ١ : ٦٢.

٣٣٤

قوله تعالى :

وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي

الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [١٣٠] إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ

قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [١٣١] وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ

وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ

مُسْلِمُونَ [١٣٢]

٦٤٦ / ١ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (١) رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا حمزة ابن القاسم العلوي العباسي ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الفزاري ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن زيد الزيات ، عن محمد بن زياد الأزدي ، عن المفضل بن عمر ، عن الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام ـ في حديث له [ذكر فيه الكلمات التي ابتلى الله بهن إبراهيم عليه‌السلام] ـ قال : [«ثم استجابة الله دعوته حين قال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) (٢) وهذه آية متشابهة ، ومعناها أنه سأل عن الكيفية ، والكيفية من فعل الله عز وجل ، متى لم يعلمها العالم لم يلحقه عيب ، ولا عرض في توحيده نقص ، فقال الله عز وجل : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى) (٣).

هذه شرط عام ، لمن آمن به ، متى سئل واحد منهم : أولم تؤمن؟ وجب آن يقول : بلى ، كما قال إبراهيم عليه‌السلام ، ولما قال الله عز وجل لجميع أرواح بني آدم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (٤) ، كان أول من قال بلى ، محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصار بسبقه إلى بلى سيد الأولين والآخرين ، وأفضل النبيين والمرسلين ، فمن لم يجب عن هذه المسألة بجواب إبراهيم فقد رغب عن ملته] ، قال الله عز وجل : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ).

ثم اصطفاء الله عز وجل إياه في الدنيا ، ثم شهادته له في العاقبة أنه من الصالحين في قوله عز وجل : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ). والصالحون هم النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) ، الآخذون عن الله أمره ونهيه ، والملتمسون الصلاح من عنده ، والمجتنبون للرأي والقياس في دينه في قوله عز وجل : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ).

ثم اقتداء من بعده من الأنبياء عليهم‌السلام به في قوله عز وجل : وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ

__________________

سورة البقرة آية ـ ١٣٠ ـ ١٣٢ ـ

١ ـ الخصال : ٣٠٨ / ٨٤.

(١) في المصدر : علي بن أحمد بن موسى ، وكلاهما من مشايخ الصدوق ، ولا يبعد اتحادهما ، انظر معجم رجال الحديث ١١ : ٢٥٤ و ٢٥٥.

(٢ ، ٣) البقرة ٢ : ٢٦٠.

(٤) الأعراف ٧ : ١٧٢.

٣٣٥

اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)».

٦٤٧ / ٢ ـ ابن شهر آشوب وغيره ، عن صاحب (شرح الأخبار) قال أبو جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) قال : «بولاية علي عليه‌السلام (١)».

قوله تعالى :

أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ

مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ ـ إلى قوله تعالى ـ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [١٣٣]

٦٤٨ / ٣ ـ العياشي : عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن تفسير هذه الآية من قول الله : (إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً) ، قال : «جرت في القائم عليه‌السلام».

قوله تعالى :

وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما

كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [١٣٥]

٦٤٩ / ٤ ـ العياشي : عن الوليد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن الحنيفية هي الإسلام».

٦٥٠ / ٥ ـ عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : «ما أبقت الحنيفية شيئا ، حتى إن منها قص الشارب وقلم الأظفار والختان».

٦٥١ / ٦ ـ الي بن إبراهيم : أنزل الله تعالى على إبراهيم عليه‌السلام الحنيفية ، وهي الطهارة ، وهي عشرة أشياء :

__________________

٢ ـ المناقب ٣ : ٩٥ ، شرح الأخبار ١ : ٢٣٦ / ٢٣٨.

(١) في المناقب : لولاية علي عليه‌السلام ، وفي شرح الأخبار : مسلمون بولاية عليّ عليه‌السلام

سورة البقرة آية ـ ١٣٣ ـ

١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٦١ / ١٠٢.

سورة البقرة آية ـ ١٣٥ ـ

١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٦١ / ١٠٣.

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٦١ / ١٠٤.

٣ ـ تفسير القمّي ١ : ٥٩.

٣٣٦

خمسة في الرأس ، وخمسة في البدن ؛ فأما التي في الرأس : فأخذ الشارب ، وإعفاء اللحى ، وطم الشعر (١) ، والسواك ، والخلال ، وأما التي في البدن : فحلق الشعر من البدن ، والختان ، وقلم الأظفار ، والغسل من الجنابة ، والطهور بالماء ، وهي الحنيفية الطاهرة التي جاء بها إبراهيم فلم تنسخ ولا تنسخ إلى يوم القيامة.

قوله تعالى :

قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ

وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ

النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [١٣٦]

فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي

شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [١٣٧]

٦٥٢ / ١ ـ العياشي : عن المفضل بن صالح ، عن بعض أصحابه ، في قوله تعالى : (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) أما قوله : (قُولُوا) منه آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا) سائر الناس.

٦٥٣ / ٢ ـ عن حنان بن سدير ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : كان ولد يعقوب أنبياء؟ قال : «لا ، ولكنهم كانوا أسباط أولاد الأنبياء ، ولم يكونوا فارقوا الدنيا إلا سعداء تابوا وتذكروا ما صنعوا».

وروى هذا الحديث محمد بن يعقوب بإسناده عن حنان ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام بزيادة بعد قوله : «وتذكروا ما صنعوا» وهي قوله عليه‌السلام : «إلا (١) الشيخين ، فارقا الدنيا ولم يتوبا ولم يذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (٢).

٦٥٤ / ٣ ـ محمد بن يعقوب : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن محمد ابن النعمان ، عن سلام ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا). قال : «إنما عنى

__________________

(١) طمّ الشعر : جزّه أو قصّه. «مجمع البحرين ـ طمم ـ ٦ : ١٠٧».

سورة البقرة آية ـ ١٣٦ ـ ١٣٧ ـ

١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٦١ / ١٠٥.

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٦٢ / ١٠٦.

(١) في المصدر : إنّ.

(٢) في «ط» : ٨ : ٢٤٦ / ٣٤٣.

٣ ـ الكافي ١ : ٣٤٤ / ١٩.

٣٣٧

بذلك عليا وفاطمة والحسن والحسين ، وجرت بعدهم في الأئمة عليهم‌السلام ، [ثم] يرجع القول من الله في الناس ، فقال : (فَإِنْ آمَنُوا) يعني الناس (بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) يعني عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم‌السلام : (فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ)».

العياشي : عن سلام ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وذكر الحديث بعينه (١).

٦٥٥ / ٤ ـ قال علي بن إبراهيم : قوله (فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ) يعني في كفر.

ورواه في (مجمع البيان) عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١).

قوله تعالى :

صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ [١٣٨]

٦٥٦ / ٥ ـ محمد بن يعقوب : عن محمد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطاب ، عن علي بن حسان ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قوله : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً). قال : «صبغ المؤمنين بالولاية في الميثاق».

٦٥٧ / ٦ ـ وعنه : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، جميعا عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عز وجل : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) قال : «الإسلام».

٦٥٨ / ٧ ـ وعنه : عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن داود بن سرحان ، عن عبد الله بن فرقد ، عن حمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) قال : «الصبغة هي الإسلام».

٦٥٩ / ٨ ـ وعنه : عن حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن غير واحد ، عن أبان ، عن محمد ابن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، في قول الله : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) قال : «الصبغة هي الإسلام».

__________________

(١) تفسير العيّاشي ١ : ٦٢ / ١٠٧.

٤ ـ تفسير القمّي ١ : ٦٢.

(١) مجمع البيان ١ : ٤٠٦.

سورة البقرة آية ـ ١٣٨ ـ

١ ـ الكافي ١ : ٣٥٠ / ٥٣.

٢ ـ الكافي ٢ : ١٢ / ١.

٣ ـ الكافي ٢ : ١٢ / ٢.

٤ ـ الكافي ٢ : ١٢ / ٣.

٣٣٨

٦٦٠ / ٥ ـ ابن بابويه : عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن فضالة ، عن أبان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) قال : «هي الإسلام».

٦٦١ / ٦ ـ العياشي : عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وحمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الصبغة الإسلام».

٦٦٢ / ٧ ـ وعن عبد الرحمن (١) بن كثير الهاشمي ـ مولى أبي جعفر ـ ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) قال : «الصبغة أمير المؤمنين عليه‌السلام بالولاية في الميثاق».

قوله تعالى :

سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها

قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ

[١٤٢]

٦٦٣ / ١ ـ الشيخ بإسناده عن الطاطري ، عن وهيب ، عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، في قوله : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

فقلت له : أمره الله أن يصلي إلى بيت المقدس؟

قال : «نعم ، ألا ترى أن الله تعالى يقول : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (٢)؟

قال : «إن بني عبد الأشهل أتوهم وهم في الصلاة ، وقد صلوا ركعتين إلى بيت المقدس ، فقيل لهم : إن نبيكم

__________________

٥ ـ معاني الأخبار : ١٨٨ / ١.

٦ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٦٢ / ١٠٨.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٦٢ / ١٠٩.

(١) في «س وط» : عمران بن عبد الرحمن ، وفي المصدر : عمر بن عبد الرحمن ، وكلاهما سهو أو هما تصحيف (عن عمّه) لتشابه الرسم ولأنّ علي بن حسّان روى هذا الحديث عن عمّه عبد الرحمن كما في الكافي المتقدّم برقم (١) وهو الموافق للبحار ٣ : ٢٨١ / ٢٠ ، ومعجم رجال الحديث ٩ : ٣٤٣ ، وحذف مع سائر أسانيد تفسير العيّاشي.

سورة البقرة آية ـ ١٤٢ ـ

١ ـ التهذيب ٢ : ٤٣ / ١٣٨.

(١) البقرة ٢ : ١٤٣.

٣٣٩

قد صرف إلى الكعبة ، فتحول النساء مكان الرجال ، والرجال مكان النساء ، وصلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة ، فصلوا صلاة واحدة إلى قبلتين ، فلذلك سمي مسجدهم مسجد القبلتين».

٦٦٤ / ٢ ـ أبو علي الطبرسي ؛ عن علي بن إبراهيم ، بإسناده عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «تحولت القبلة إلى الكعبة بعد ما صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة إلى بيت المقدس ، وبعد مهاجرته إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس سبعة أشهر ـ قال ـ : ثم وجهه الله إلى الكعبة ، وذلك أن اليهود كانوا يعيرون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويقولون له : أنت تابع لنا ، تصلي إلى قبلتنا ؛ فاغتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذلك غما شديدا ، وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء ، ينتظر من الله في ذلك أمرا ، فلما أصبح وحضر وقت صلاة الظهر ، كان في مسجد بني سالم قد صلى من الظهر ركعتين ، فنزل عليه جبرئيل وأخذ بعضديه وحوله إلى الكعبة ، وأنزل عليه : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (١) وكان قد صلى ركعتين إلى بيت المقدس ، وركعتين إلى الكعبة ، فقالت اليهود والسفهاء : (ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها)».

٦٦٥ / ٣ ـ الإمام أبو محمد العسكري عليه‌السلام قال : «إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما كان بمكة أمره أن يتوجه نحو بيت المقدس في صلاته ، ويجعل الكعبة بينه وبينها إذا أمكن ، وإذا لم يكن (١) استقبل بيت المقدس كيف كان ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة.

فلما كان بالمدينة ، وكان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا ، وجعل قوم من مردة اليهود يقولون : والله ، ما درى محمد كيف صلى حتى صار يتوجه إلى قبلتنا ، ويأخذ في صلاته بهدينا ونسكنا ؛ فاشتد ذلك على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما اتصل به عنهم ، وكره قبلتهم وأحب الكعبة ، فجاءه جبرئيل عليه‌السلام ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا جبرئيل ، لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس إلى الكعبة ، فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود من قبلتهم. فقال جبرئيل : فاسأل ربك أن يحولك إليها ، فإنه لا يردك عن طلبتك ، ولا يخيبك من بغيتك.

فلما استتم دعاءه صعد جبرئيل عليه‌السلام ، ثم عاد من ساعته ، فقال : اقرأ ، يا محمد : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (٢) الآيات. فقال اليهود عند ذلك : (ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها). فأجابهم الله أحسن جواب ، فقال : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) وهو يملكهما ، وتكليفه التحول إلى جانب كتحويله لكم إلى جانب آخر

__________________

٢ ـ مجمع البيان ١ : ٤١٣.

(١) البقرة ٢ : ١٤٤.

٣ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٤٩٢ / ٣١٢.

(١) في المصدر : يتمّكن.

(٢) البقرة ٢ : ١٤٤.

٣٤٠