البرهان في تفسير القرآن - ج ١

السيد هاشم الحسيني البحراني

البرهان في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني البحراني


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٥٢

عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [١٠٦] أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ

وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [١٠٧]

٥٧٥ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال محمد بن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) أي (١) نرفع حكمها (أَوْ نُنْسِها) بأن نرفع رسمها ، ونزيل عن القلوب حفظها ، وعن قلبك ـ يا محمد ـ كما قال الله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى * إِلاَّ ما شاءَ اللهُ) (٢) أن ينسيك ، فرفع ذكره عن قلبك (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) يعني بخير لكم (٣) ، فهذه الثانية أعظم لثوابكم ، وأجل لصلاحكم من الآية الأولى المنسوخة (أَوْ مِثْلِها) من مثلها في الصلاح لكم ، أي إنا لا ننسخ ولا نبدل إلا وغرضنا في ذلك مصالحكم.

ثم قال : يا محمد (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فإنه قدير يقدر على النسخ وغيره (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهو العالم بتدبيرها ومصالحها ، وهو يدبركم بعلمه (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍ) يلي صلاحكم إذ كان العالم بالمصالح هو الله عز وجل دون غيره (وَلا نَصِيرٍ) وما لكم من ناصر ينصركم من مكروه إن أراد الله إنزاله بكم ، أو عقاب إن أراد إحلاله بكم.

وقال محمد بن علي الباقر عليهما‌السلام : وربما قدر الله عليه النسخ والتنزيل (٤) لمصالحكم ومنافعكم ، لتؤمنوا بها ، ويتوفر عليكم الثواب بالتصديق بها ، فهو يفعل من ذلك ما فيه صلاحكم والخيرة لكم.

ثم قال : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو يملكهما (٥) بقدرته ، ويصلحهما (٦) بحسب (٧) مشيئته ، لا مقدم لما أخر ، ولا مؤخر لما قدم.

ثم قال الله تعالى : (وَما لَكُمْ) يا معشر اليهود ، والمكذبين بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والجاحدين لنسخ الشرائع (مِنْ دُونِ اللهِ) سوى الله تعالى (مِنْ وَلِيٍ) يلي مصالحكم ، إن لم يدلكم ربكم للمصالح (٨) (وَلا نَصِيرٍ) ينصركم من دون الله ، فيدفع عنكم عذابه».

__________________

سورة البقرة آية ـ ١٠٦ ـ ١٠٧ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٤٩١ / ٣١١.

(١) في المصدر : بأن.

(٢) الأعلى ٨٧ : ٦ و ٧.

(٣) في «س» : عملك ، وفي «ط» : عملكم.

(٤) في المصدر : والتبديل.

(٥) في المصدر : يملكها.

(٦) في المصدر : ويصرفها.

(٧) في «ط» نسخة بدل : تحت.

(٨) في المصدر : يل لكم ربكم المصالح.

٣٠١

٥٧٦ / ٢ ـ العياشي : عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها).

قال : «الناسخ ما حول ، وما ينساها مثل الغيب الذي لم يكن بعد ، كقوله : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (١)». قال : «فيفعل الله ما يشاء ويحول ما يشاء ، مثل قوم يونس إذ بدا له فرحمهم ، ومثل قوله : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) (٢) ـ قال ـ : أدركهم برحمته (٣)».

٥٧٧ / ٣ ـ عن عمر بن يزيد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن قول الله : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها)؟ فقال : «كذبوا ما هكذا هي ، إذا كان (١) ينسخها ويأتي بمثلها لم ينسخها».

قلت : هكذا قال الله! قال : «ليس هكذا قال تبارك وتعالى».

قلت : فكيف؟ قال : «ليس فيها ألف ولا واو ، قال : (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها مثلها) ، يقول : ما نميت من إمام أو ننس ذكره نأت بخير منه من صلبه مثله».

٥٧٨ / ٤ ـ الشيخ في (التهذيب) : بإسناده عن يونس ، عن عبد الله بن سنان ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «الرجم في القرآن في قوله تعالى : الشيخ والشيخة إذا زنيا (١) فارجموهما البتة (٢) فإنهما قضيا الشهوة».

قوله تعالى :

أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ

الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ [١٠٨]

٥٧٩ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا عليهم‌السلام : (أَمْ

__________________

٢ تفسير العياشي ١ : ٥٥ / ٧٧.

(١) الرعد ١٣ : ٣٩.

(٢) الذاريات ٥١ : ٥٤.

(٣) في المصدر : أدركتم رحمته.

٣ ـ تفسير العياشي ١ : ٥٦ / ٧٨.

(١) في المصدر زيادة : ينسى و.

٤ ـ التهذيب ١٠ : ٣ / ٧.

(١) في المصدر : إذا زنى الشيخ والشيوخ.

(٢) يقال : لا أفعله البتة : لكل أمر لا رجعة فيه. «الصحاح ـ بتت ـ ١ : ٢٤٢».

سورة البقرة آية ـ ١٠٨ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٤٩٦ / ٣١٣.

٣٠٢

تُرِيدُونَ) بل تريدون ، يا كفار قريش واليهود (أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) ما تقترحونه من الآيات التي لا تعلمون هل فيها صلاحكم أو فسادكم (كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) واقترح عليه ، لما قيل له : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) (١).

(وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) بعد جواب الرسول له : أن ما سأله لا يصلح اقتراحه على الله ، أو بعد ما يظهر الله تعالى له ما اقترح ، إن كان صوابا (٢).

(وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ) بأن لا يؤمن عند مشاهدة ما يقترح من الآيات ، أو لا يؤمن إذا عرف أنه ليس له أن يقترح ، وأنه يجب أن يكتفي بما قد أقامه الله تعالى من الدلالات ، وأوضحه من الآيات البينات ، فيتبدل الكفر بالإيمان بأن يعاند ولا يلتزم الحجة القائمة عليه (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أخطأ قصد الطريق المؤدية إلى الجنان ، وأخذ في الطريق المؤدية إلى النيران».

قال عليه‌السلام : «قال الله عز وجل لليهود : يا أيها اليهود (أَمْ تُرِيدُونَ) بل تريدون من بعد ما آتيناكم (أَنْ تَسْئَلُوا رَسُولَكُمْ) وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قصده عشرة من اليهود يريدون أن يتعنتوه (٣) ، ويسألوه عن أشياء يريدون أن يعانتوه (٤) بها ، فبينا هم كذلك إذ جاء أعرابي كأنه (٥) يدفع في قفاه ، قد علق على عصا ـ على عاتقه ـ جرابا مشدود الرأس ، فيه شيء قد ملأه ، لا يدرون ما هو ، فقال : يا محمد ، أجبني عما أسألك.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أخا العرب ، قد سبقك اليهود ليسألوا ، أفتأذن لهم حتى أبدأ بهم؟ فقال الأعرابي : لا ، فإني غريب مجتاز.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فأنت إذن أحق منهم لغربتك واجتيازك. فقال الأعرابي : ولفظة أخرى.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما هي؟ قال : إن هؤلاء أهل كتاب ، يدعونه بزعمهم (٦) حقا ، ولست آمن أن تقول شيئا يواطئونك عليه ويصدقونك ، ليفتن الناس عن دينهم ، وأنا لا أقنع بمثل هذا ، لا أقنع إلا بأمر بين.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أين علي بن أبي طالب؟ فدعي بعلي فجاء حتى قرب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فقال الأعرابي : يا محمد ، وما تصنع بهذا في محاورتي إياك؟

قال : يا أعرابي ، سألت البيان ، وهذا البيان الشافي ، وصاحب العلم الكافي ، أنا مدينة الحكمة وهذا بابها ، فمن أراد الحكمة والعلم فليأت الباب.

فلما مثل بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأعلى صوته : يا عباد الله ، من أراد أن

__________________

(١) البقرة ٢ : ٥٥.

(٢) (بعد جواب الرسول ... صوابا) ليس في «س».

(٣) تعنّته : سأله عن شيء أراد به اللبس عليه والمشقّة. «لسان العرب ـ عنت ـ ٢ : ٦١».

(٤) في المصدر : يتعانتوه.

(٥) في المصدر : كأنّما.

(٦) في المصدر : ويزعمونه.

٣٠٣

ينظر إلى آدم في جلالته ، وإلى شيث في حكمته ، وإلى إدريس في نباهته ومهابته ، وإلى نوح في شكره لربه وعبادته ، وإلى إبراهيم في وفائه وخلته ، وإلى موسى في بغض كل عدو لله ومنابذته ، وإلى عيسى في حب كل مؤمن وحسن معاشرته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب هذا.

فأما المؤمنون فازدادوا بذلك إيمانا ، وأما المنافقون فازداد نفاقهم ، فقال الأعرابي : يا محمد ، هكذا مدحك لابن عمك ، إن شرفه شرفك ، وعزه عزك ، ولست أقبل من هذا شيئا إلا بشهادة من لا تحتمل شهادته بطلانا ولا فسادا ، بشهادة هذا الضب.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أخا العرب ، فأخرجه من جرابك لتستشهده ، فيشهد لي بالنبوة ، ولأخي هذا بالفضيلة. فقال الأعرابي : لقد تعبت في اصطياده ، وأنا خائف أن يطفر (٧) ويهرب.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تخف ، فإنه لا يطفر ، بل يقف ويشهد لنا بتصديقنا وتفضيلنا. فقال الأعرابي : إني أخاف أن يطفر.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإن طفر فقد كفاك به تكذيبا لنا ، واحتجاجا علينا ، ولن يطفر ، ولكنه سيشهد لنا بشهادة الحق ، فإذا فعل ذلك فخل سبيله فإن محمدا يعوضك عنه ما هو خير لك منه.

فأخرجه الأعرابي من الجراب ، ووضعه على الأرض ، فوقف واستقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومرغ خديه في التراب ، ثم رفع رأسه ، وأنطقه الله تعالى ، فقال : أشهد أن إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وسيد المرسلين ، وأفضل الخلق أجمعين ، وخاتم النبيين ، وقائد الغر المحجلين ، وأشهد أن أخاك علي بن أبي طالب على الوصف الذي وصفته ، وبالفضل الذي ذكرته ، وأن أولياءه في الجنان مكرمون (٨) ، وأن أعداءه في النار خالدون (٩).

فقال الأعرابي وهو يبكي : يا رسول الله ، وأنا أشهد بما شهد به هذا الضب ، فقد رأيت وشاهدت وسمعت ما ليس لي عنه معدل ولا محيص.

ثم أقبل الأعرابي إلى اليهود ، فقال : ويلكم ، أي آية بعد هذه تريدون؟! ومعجزة بعد هذه تقترحون؟! ليس إلا أن تؤمنوا أو تهلكوا أجمعين ، فآمن أولئك اليهود كلهم ، وقالوا : عظمت بركة ضبك علينا ، يا أخا العرب.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أخا العرب ، خل الضب على أن يعوضك الله عز وجل عنه ما هو خير منه ، فإنه ضب مؤمن بالله وبرسوله ، وبأخي رسوله ، شاهد بالحق ، ما ينبغي أن يكون مصيدا ولا أسيرا ، لكنه يكون مخلى سربه (١٠) [تكون له مزية] على سائر الضباب ، بما فضله الله أميرا.

فناداه الضب : يا رسول الله ، فخلني وولني تعويضه لأعوضه. فقال الأعرابي : وما عساك تعوضني؟

__________________

(٧) طفر : وثب في ارتفاع. «لسان العرب ـ طفر ـ ٤ : ٥٠٢».

(٨) في المصدر : يكرمون.

(٩) في المصدر ، و «ط» نسخة بدل : يهانون.

(١٠) السّرب : الطريق. «لسان العرب ـ سرب ـ ١ : ٤٦٤».

٣٠٤

قال : تذهب إلى الجحر الذي أخذتني منه ففيه عشرة آلاف دينار خسروانية ، وثمانمائة (١١) ألف درهم ، فخذها.

فقال الأعرابي : كيف أصنع؟ قد سمع هذا من الضب جماعات الحاضرين هاهنا ، وأنا تعب ، فإن من (١٢) هو مستريح يذهب إلى هناك فيأخذه.

فقال الضب : يا أخا العرب ، إن الله قد جعله لك عوضا مني ، فما كان ليترك أحدا يسبقك إليه ، ولا يروم أحد أخذه إلا أهلكه الله.

وكان الأعرابي تعبا فمشى قليلا ، وسبقه إلى الجحر جماعة من المنافقين كانوا بحضرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأدخلوا أيديهم إلى الجحر ليتناولوا منه ما سمعوا فخرجت عليهم أفعى عظيمة ، فلسعتهم وقتلتهم ، ووقفت حتى حضر الأعرابي ، فنادته : يا أخا العرب ، انظر إلى هؤلاء ، كيف أمرني الله بقتلهم دون مالك ، الذي هو عوض ضبك ، وجعلني حافظته ، فتناوله.

فاستخرج الأعرابي الدراهم والدنانير ، فلم يطق احتمالها ، فنادته الأفعى : خذ الحبل الذي في وسطك ، وشده بالكيسين ، ثم شد الحبل في ذنبي فإني سأجره لك إلى منزلك ، وأنا فيه خادمك (١٣) وحارسة مالك (١٤) ، فجاءت الأفعى ، فما زالت تحرسه والمال إلى أن فرقه الأعرابي في ضياع وعقار وبساتين اشتراها ، ثم انصرفت الأفعى».

قوله تعالى :

(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [١٠٩])

٥٨٠ / ١ ـ قال الإمام الحسن بن علي العسكري أبو القائم عليهما‌السلام ، في قوله تعالى : (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً). «بما يوردونه عليكم من الشبهة (حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) لكم ،

__________________

(١١) في المصدر : وثلاثمائة.

(١٢) في المصدر : متعب فلن آمن ممّن.

(١٣) في المصدر ، وفي «ط» نسخة بدل : حارسك.

(١٤) في المصدر زيادة : هذا.

سورة البقرة آية ـ ١٠٩ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٥١٥ / ٣١٥.

٣٠٥

بأن أكرمكم بمحمد وعلي وآلهما الطيبين (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ) المعجزات (١) الدالات على صدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفضل علي عليه‌السلام وآلهما (٢).

(فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا) عن جهلهم وقابلوهم بحجج الله ، وادفعوا بها باطلهم (حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) فيهم بالقتل يوم فتح مكة ، فحينئذ تحولونهم عن بلد مكة وعن (٣) جزيرة العرب ، ولا تقرون بها كافرا.

(إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ولقدرته على الأشياء ، قدر ما هو أصلح لكم في تعبده إياكم من مداراتهم ومقابلتهم بالجدال بالتي هي أحسن».

قوله تعالى :

(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [١١٠])

٥٨١ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «(أَقِيمُوا الصَّلاةَ) بإتمام وضوئها وتكبيراتها وقيامها وقراءتها وركوعها وسجودها وحدودها (وَآتُوا الزَّكاةَ) مستحقيها ، لا تؤتوها كافرا ولا منافقا (١) ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المتصدق على أعدائنا كالسارق في حرم الله.

(وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ) من مال تنفقونه في طاعة الله ، فإن لم يكن لكم مال ، فمن جاهكم تبذلونه لإخوانكم المؤمنين ، تجرون به إليهم المنافع ، وتدفعون به عنهم المضار (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) ينفعكم الله تعالى بجاه محمد وعلي وآلهما الطيبين يوم القيامة ، فيحط به عن سيئاتكم ، ويضاعف به حسناتكم ، ويرفع به درجاتكم.

(إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) عالم ليس يخفى عليه ظاهر بطن ، ولا باطن ظهر (٢) ، فهو يجازيكم على حسب اعتقاداتكم ونياتكم ، وليس هو كملوك الدنيا الذين يلبس (٣) على بعضهم ، فينسب فعل بعض (٤) إلى غير

__________________

(١) في المصدر : بالمعجزات.

(٢) في المصدر زيادة : الطّيبين من بعده.

(٣) في المصدر : فحينئذ تجلونهم من بلد مكّة ومن.

سورة البقرة آية ـ ١١٠ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٥٢٠ / ٣١٨.

(١) في المصدر : ولا مناصبا.

(٢) في المصدر : يخفى عليه شيء ، ظاهر فعل ، ولا باطن ضمير.

(٣) في المصدر : يلتبس.

(١) في المصدر : بعضهم.

٣٠٦

فاعله ، وجناية بعض (٥) إلى غير جانيه ، فيقع ثوابه وعقابه ـ بجهله بما لبس عليه ـ بغير مستحقه.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مفتاح الصلاة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم ، ولا يقبل الله الصلاة بغير طهور ، ولا صدقة من غلول (٦) ، وإن أعظم طهور الصلاة الذي لا تقبل الصلاة إلا به ، ولا شيء من الطاعات مع فقده ، موالاة محمد ، وأنه سيد المرسلين وموالاة علي ، وأنه سيد الوصيين ، وموالاة أوليائهما ، ومعاداة أعدائهما».

قوله تعالى :

وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ

هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ [١١١] بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ

مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [١١٢]

٥٨٢ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : (وَقالُوا) يعني اليهود والنصارى ، قالت اليهود : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً) ، وقوله : (أَوْ نَصارى) يعني وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : وقد قال غيرهم ، قالت الدهرية : الأشياء لا بدء لها ، وهي دائمة ، ومن خالفنا في هذا فهو ضال مخطئ مضل. وقالت الثنوية : النور والظلمة هما المدبران ، ومن خالفنا في هذا فقد ضل. وقال مشركو العرب : إن أوثاننا آلهة ، من خالفنا في هذا ضل. فقال الله تعالى : (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) التي يتمنونها (قُلْ) لهم : (هاتُوا بُرْهانَكُمْ) على مقالتكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.)

وقال الصادق عليه‌السلام ، وقد ذكر عنده الجدال في الدين ، وأن رسول الله والأئمة (صلوات الله عليهم) قد نهوا عنه ، فقال الصادق عليه‌السلام : لم ينه عنه مطلقا ، لكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن ، أما تسمعون الله عز وجل يقول : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١) وقوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (٢).

__________________

(٥) في المصدر : بعضهم.

(٦) الغلول : الخيانة ، وكلّ من خان في شيء خفية فقد غلّ. «النهاية ـ غلل ـ ٣ : ٣٨٠».

سورة البقرة آية ـ ١١١ ـ ١١٢ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٥٢٦ / ٣٢١ و ٣٢٢ و : ٥٤٣ / ٣٢٤.

(١) العنكبوت ٢٩ : ٤٦.

(٢) النّحل ١٦ : ١٢٥.

٣٠٧

فالجدال بالتي هي أحسن قد قرنه العلماء بالدين ، والجدال بغير التي هي أحسن محرم حرمه الله تعالى على شيعتنا ، وكيف يحرم الله الجدال جملة ، وهو يقول : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) وقال الله تعالى : (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)؟ فجعل الله علم الصدق والإيمان بالبرهان ، [وهل يؤتى بالبرهان] إلا في الجدال بالتي هي أحسن.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه : قولوا : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (٣) أي نعبد واحدا ، لا نقول كما قالت الدهرية : إن الأشياء لا بدء لها وهي دائمة ، ولا كما قالت الثنوية الذين قالوا : إن النور والظلمة هما المدبران ، ولا كما قال مشركو العرب : إن أوثاننا آلهة ، فلا نشرك بك شيئا ، ولا ندعو من دونك إلها ، كما يقول هؤلاء الكفار ، ولا نقول كما قالت اليهود والنصارى : إن لك ولدا ، تعاليت عن ذلك [علوا كبيرا]».

قال : «فذلك قوله : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) وقال غيرهم من هؤلاء الكفار ما قالوا ، قال الله تعالى : يا محمد (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) التي يتمنونها بلا حجة (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) حجتكم على دعواكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) كما أتى محمد ببراهينه التي سمعتموها.

ثم قال : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) يعني كما فعل هؤلاء الذين آمنوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما سمعوا براهينه وحججه (وَهُوَ مُحْسِنٌ) في عمله لله (فَلَهُ أَجْرُهُ) ثوابه (عِنْدَ رَبِّهِ) يوم فصل القضاء (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) حين يخاف الكافرون مما يشاهدونه من العذاب (٤) (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) عند الموت ، لأن البشارة بالجنان تأتيهم».

وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ معنى الجدال بالتي هي أحسن في تفسير قوله تعالى : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) من سورة النحل عن الصادق عليه‌السلام (٥) والحديث طويل مذكور في تفسير العسكري عليه‌السلام ، في تفسير قوله تعالى : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) اختصرناه مخافة الإطالة.

قوله تعالى :

وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى

لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا

يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ

__________________

(٣) الفاتحة ١ : ٥.

(٤) في المصدر : العقاب.

(٥) يأتي في الحديث (٣) من تفسير الآية (١٢٥) من سورة النحل.

٣٠٨

يَخْتَلِفُونَ [١١٣]

٥٨٣ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ) من الدين ، بل دينهم باطل وكفر (وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ) من الدين ، بل دينهم باطل وكفر (وَهُمْ) اليهود (يَتْلُونَ الْكِتابَ) التوراة».

فقال : «هؤلاء وهؤلاء مقلدون بلا حجة ، وهم يتلون الكتاب فلا يتأملونه ، ليعملوا بما يوجبه فيتخلصوا من الضلالة ، ثم قال : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) الحق ، ولم ينظروا فيه من حيث أمرهم الله ، فقال بعضهم لبعض وهم مختلفون ، كقول اليهود والنصارى بعضهم لبعض ، هؤلاء يكفر هؤلاء ، وهؤلاء يكفر هؤلاء.

ثم قال الله تعالى : (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) في الدنيا يبين ضلالتهم وفسقهم ، ويجازي كل واحد منهم بقدر استحقاقه.

وقال الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام : إنما أنزلت الآية لأن قوما من اليهود ، وقوما من النصارى جاءوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالوا : يا محمد ، اقض بيننا. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قصوا علي قصتكم.

فقالت اليهود : نحن المؤمنون بالإله الواحد الحكيم وأوليائه ، وليست النصارى على شيء من الدين والحق.

وقالت النصارى : بل نحن المؤمنون بالإله الواحد الحكيم وأوليائه ، وليست اليهود على شيء من الدين والحق.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلكم مخطئون مبطلون ، فاسقون عن دين الله وأمره.

فقالت اليهود : كيف نكون كافرين وفينا كتاب الله التوراة نقرؤه؟

وقالت النصارى : كيف نكون كافرين ولنا كتاب الله الإنجيل نقرؤه؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنكم خالفتم ـ أيها اليهود والنصارى ـ كتاب الله ولم تعملوا به ، فلو كنتم عاملين بالكتابين لما كفر بعضكم بعضا بغير حجة ، لأن كتب الله أنزلها شفاء من العمى ، وبيانا من الضلالة ، يهدي العاملين بها إلى صراط مستقيم ، وكتاب الله إذا لم تعملوا به (١) كان وبالا عليكم ، وحجة الله إذا لم تنقادوا لها كنتم لله عاصين ، ولسخطه متعرضين.

ثم أقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على اليهود ، فقال : احذروا أن ينالكم بخلاف أمر الله وبخلاف كتابه ما أصاب أوائلكم الذين قال الله فيهم : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) (٢) وأمروا بأن يقولوه.

قال الله تعالى : (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ) (٣) عذابا من السماء ، طاعونا نزل بهم فمات

__________________

سورة البقرة آية ـ ١١٣ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٥٤٤ / ٣٢٥ و ٣٢٦.

(١) في «ط» نسخة بدل : ما فيه.

(٢ ، ٣) البقرة ٢ : ٥٩.

٣٠٩

منهم مائة وعشرون ألفا ، ثم أخذهم بعد ذلك (٤) فمات منهم مائة وعشرون ألفا أيضا ، وكان خلافهم أنهم لما بلغوا الباب رأوا بابا مرتفعا ، فقالوا : ما بالنا نحتاج إلى أن نركع عند الدخول هاهنا ، ظننا أنه باب منحط (٥) لا بد من الركوع فيه ، وهذا باب مرتفع ، إلى متى يسخر بنا هؤلاء؟ ـ يعنون موسى ويوشع بن نون ـ ويسجدوننا في الأباطيل ، وجعلوا أستاههم نحو الباب ، وقالوا بدل قولهم : حطة ، الذي أمروا به : هطا سمقانا ـ يعنون حنطة حمراء ـ فذلك تبديلهم.

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : فهؤلاء بنو إسرائيل نصب لهم باب حطة ، وأنتم ـ يا معشر أمة محمد ـ نصب لكم باب حطة أهل بيت محمد (عليه وعليهم‌السلام) ، وأمرتم باتباع هداهم ولزوم طريقتهم ، ليغفر لكم بذلك خطاياكم وذنوبكم ، وليزداد المحسنون منكم ، وباب حطتكم أفضل من باب حطتهم ، لأن ذلك كان باب خشب ، ونحن الناطقون الصادقون المؤمنون (٦) الهادون الفاضلون ، كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن النجوم في السماء أمان من الغرق ، وإن أهل بيتي أمان لأمتي من الضلالة في أديانهم ، لا يهلكون فيها ما دام فيهم من يتبعون هداه (٧) وسنته.

أما إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قال : من أراد أن يحيا حياتي ، وأن يموت مماتي ، وأن يسكن جنة عدن (٨) التي وعدني ربي ، وأن يمسك قضيبا غرسه بيده ، وقال له : كن فكان ، فليتول علي بن أبي طالب ، وليوال وليه ، وليعاد عدوه ، وليتول ذريته الفاضلين المطيعين لله من بعده ، فإنهم خلقوا من طينتي ، فرزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي».

قوله تعالى :

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي

خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا

خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ [١١٤]

٥٨٤ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : قال الحسن بن علي عليهما‌السلام (١) : لما بعث الله

__________________

(٤) في المصدر : بعد قباع ، وفي «ط» زيادة : قباع.

(٥) في المصدر : متطامن.

(٦) في المصدر : المرتضون.

(٧) في المصدر : هديه.

(٨) في المصدر : الجنّة.

سورة البقرة آية ـ ١١٤ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٥٥٤ / ٣٢٩ و : ٥٥٨ / ٣٣٠.

(٦) في المصدر : عليّ بن الحسين.

٣١٠

محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة وأظهر بها دعوته ، ونشر بها كلمته ، وعاب أديانهم في عبادتهم الأصنام ، وأخذوه وأساءوا معاشرته ، وسعوا في خراب المساجد المبنية ، كانت لقوم من خيار أصحاب محمد (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشيعة علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، كان بفناء الكعبة مساجد يحيون فيها ما أماته المبطلون ، فسعى هؤلاء المشركون في خرابها ، وأذى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر أصحابه ، وألجؤوه إلى الخروج من مكة نحو المدينة ، التفت خلفه إليها ، فقال : الله يعلم أني أحبك ، ولولا أن أهلك أخرجوني عنك لما آثرت عليك بلدا ، ولا ابتغيت عنك بدلا ، وإني لمغتم على مفارقتك.

فأوحى الله تعالى إليه : يا محمد ، إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ، ويقول : سأردك إلى هذا البلد ظافرا غانما سالما قادرا قاهرا ، وذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) (٣) يعني إلى مكة ظافرا غانما ، وأخبر بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه ، فاتصل بأهل مكة ، فسخروا منه.

فقال الله تعالى لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سوف أظفرك (٤) بمكة ، وأجري (٥) عليهم حكمي ، وسوف أمنع من (٦) دخولها المشركين حتى لا يدخلها أحد منهم إلا خائفا ، أو دخلها مستخفيا من أنه إن عثر عليه قتل.

فلما حتم قضاء الله بفتح مكة واستوسقت (٧) له ، أمر عليهم عتاب بن أسيد (٨) ، فلما اتصل بهم خبره ، قالوا : إن محمدا لا يزال يستخف بنا حتى ولى علينا غلاما حدث السن ابن ثماني عشرة سنة ، ونحن مشايخ ذوو الأسنان ، وخدام بيت الله الحرام ، وجيران حرمه الآمن ، وخير بقعة له على وجه الأرض.

وكتب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعتاب بن أسيد عهدا على [أهل] مكة ، وكتب في أوله : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى جيران بيت الله ، وسكان حرم الله. أما بعد» وذكر العهد وقرأه عتاب بن أسيد على أهل مكة.

ثم قال الإمام عليه‌السلام بعد ذلك : «ثم بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعشر آيات من سورة براءة مع أبي بكر بن أبي قحافة ، وفيها ذكر نبذ العهود إلى الكافرين ، وتحريم قرب مكة على المشركين ، وأمر أبا بكر على الحج ، ليحج بمن ضمه الموسم ، ويقرأ الآيات عليهم ، فلما صدر عنه أبو بكر جاءه المطوق بالنور جبرئيل عليه‌السلام ، فقال : يا محمد ، إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ، ويقول : يا محمد ، إنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ، فابعث عليا

__________________

(٢) في المصدر زيادة : وشيعته.

(٣) القصص ٢٨ : ٨٥.

(٤) في المصدر : أظهرك.

(٥) في «ط» : يظفرك الله بمكّة ويجري.

(٦) في المصدر : عن.

(٧) استوسق لك الأمر : إذا أمكنك. «لسان العرب ـ وسق ـ ١٠ : ٣٨٠».

(٨) عتّاب بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة ، وال أموي من الصحابة ، أسلم يوم فتح مكّة ، واستعمله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليها عند مخرجه إلى حنين في ٨ ه‍ ، وأمّره أبو بكر ، فاستمر فيها إلى أن مات يوم مات أبو بكر في ١٣ ه‍ ، وقيل في ٢٣ ه‍. الكامل في التاريخ ٢ : ٢٦٢ ، الاصابة ٤ : ٢١١ / ٥٣٨٣ ، أعلى الزركلي ٤ : ١٩٩.

٣١١

ليتناول الآيات ، فيكون هو الذي ينبذ العهود ويقرأ الآيات.

وقال جبرئيل : يا محمد ، ما أمرك ربك بدفعها إلى علي عليه‌السلام ونزعها من أبي بكر سهوا ولا شكا ، ولا استدراكا على نفسه غلطا ، ولكن أراد أن يبين لضعفاء المسلمين أن المقام الذي يقومه أخوك علي عليه‌السلام لن يقومه غيره سواك ـ يا محمد ـ وإن جلت في عيون هؤلاء الضعفاء مرتبته ، وعرفت (٩) عندهم منزلته.

فلما انتزع علي عليه‌السلام الآيات من يده ، لقي أبو بكر بعد ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : بأبي أنت وأمي ـ يا رسول الله ـ أنت أمرت عليا أن يأخذ هذه الآيات من يدي؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ، ولكن العلي العظيم أمرني أن لا ينوب عني إلا من هو مني ، وأما أنت فقد عوضك الله بما (١٠) حملك من آياته ، وكلفك من طاعاته الدرجات الرفيعة ، والمراتب الشريفة ، أما إنك إن دمت على موالاتنا ، ووافيتنا في عرصات القيامة ، وفيا بما أخذنا به عليك من العهود والمواثيق ، [فأنت] من خيار شيعتنا ، وكرام أهل مودتنا ، فسري (١١) بذلك عن أبي بكر».

قال : «فمضى علي عليه‌السلام لأمر الله ، ونبذ العهود إلى أعداء الله ، وأيس المشركون من الدخول بعد عامهم ذلك إلى حرم الله ، وكانوا عددا كثيرا وجما غفيرا ؛ غشاه الله نوره ، وكساه فيهم هيبة وجلالا ، لم يجسروا معها على إظهار خلاف ولا قصد بسوء ـ قال ـ : وذلك قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ).

وهي مساجد خيار المؤمنين بمكة ، لما منعوهم من التعبد فيها بأن ألجؤوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الخروج عن مكة (وَسَعى فِي خَرابِها) خراب تلك المساجد لئلا تعمر بطاعة الله ، قال الله تعالى : (أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاَّ خائِفِينَ) أن يدخلوا بقاع تلك المساجد في الحرم إلا خائفين من عذابه (١٢) وحكمه النافذ عليهم ، إن يدخلوها كافرين ، بسيوفه وسياطه (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) وهو طرده إياهم عن الحرم ، ومنعهم أن يعودوا إليه (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)».

٥٨٥ / ٢ ـ أبو علي الطبرسي ـ في معنى الآية ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أنهم قريش حين منعوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخول مكة والمسجد الحرام».

قوله تعالى :

وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ

__________________

(٩) في المصدر : وشرفت.

(١٠) في المصدر زيادة : قد.

(١١) سرّي عنه : تجلّى همّه. «لسان العرب ـ سرا ـ ١٤ : ٣٨٠».

(١٢) في المصدر : من عدله.

٢ ـ مجمع البيان ١ : ٣٦١.

٣١٢

عَلِيمٌ [١١٥]

٥٨٦ / ١ ـ علي بن إبراهيم : قال العالم عليه‌السلام (١) : «فإنها نزلت في صلاة النافلة ، فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر ، وأما الفرائض فقوله : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (٢) يعني الفرائض ، لا تصليها إلا إلى القبلة».

٥٨٧ / ٢ ـ الشيخ في (التهذيب) ، بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن الحصين ، قال : كتبت إلى العبد الصالح عليه‌السلام : الرجل يصلي في يوم غيم في فلاة من الأرض ولا يعرف القبلة ، فيصلي حتى إذا فرغ من صلاته بدت له الشمس ، فإذا هو قد صلى لغير القبلة أيعتد بصلاته ، أم يعيدها؟

فكتب : «يعيدها ما لم يفت الوقت ، أو لم يعلم أن الله يقول وقوله الحق : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)».

٥٨٨ / ٣ ـ عنه : بإسناده عن أحمد بن الحسين ، عن علي بن مهزيار ، عن محمد بن عبد الله بن مروان ، قال : رأيت يونس بمنى يسأل أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل إذا حضرته صلاة الفريضة وهو في الكعبة ، فلم يمكنه الخروج من الكعبة؟

قال : «استلقى على قفاه وصلى إيماء» وذكر قوله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ).

٥٨٩ / ٤ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه‌الله ، قال : حدثنا الحسين بن محمد بن عامر ، عن عمه عبد الله بن عامر ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابته؟

قال : «يسجد حيث توجهت به ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي على ناقته وهو مستقبل المدينة ، يقول الله عز وجل : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ)».

٥٩٠ / ٥ ـ العياشي : عن حريز ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «أنزل الله هذه الآية في التطوع خاصة (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) وصلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيماء على راحلته أينما توجهت به حين (١) خرج إلى خيبر ، وحين رجع من مكة ، وجعل الكعبة خلف ظهره».

__________________

سورة البقرة آية ـ ١١٥ ـ

١ ـ تفسير القمّيّ ١ : ٥٩.

(١) (قال العالم عليه‌السلام) ليس في المصدر.

(٢) البقرة ٢ : ١٤٤.

٢ ـ التّهذيب ٢ : ٤٩ / ١٦٠.

٣ ـ التّهذيب ٥ : ٤٥٣ / ١٥٨٣.

٤ ـ علل الشرائع : ٣٥٨ / ١.

٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٦ / ٨٠.

(١) في المصدر : حيث.

٣١٣

٥٩١ / ٦ ـ قال : قال زرارة : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الصلاة في السفر في السفينة والمحمل سواء؟

قال : «النافلة كلها سواء تومئ إيماء أينما توجهت دابتك وسفينتك ، والفريضة تنزل لها من المحمل إلى الأرض إلا من خوف ، فإن خفت أو أومأت ، وأما السفينة فصل فيها قائما وتوجه إلى القبلة (١) بجهدك ، فإن نوحا عليه‌السلام قد صلى الفريضة فيها قائما متوجها إلى القبلة وهي مطبقة عليهم».

قال : وما كان علمه بالقبلة فيتوجهها وهي مطبقة عليهم؟ قال : «كان جبرئيل عليه‌السلام يقومه نحوها».

قال : قلت : فأتوجه نحوها في كل تكبيرة؟ قال : «أما في النافلة فلا ، إنما تكبر في النافلة على غير القبلة ، الله أكبر». ثم قال : «كل ذلك قبلة للمتنفل ، فإنه تعالى قال : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ)».

٥٩٢ / ٧ ـ عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل يقرأ السجدة وهو على ظهر دابته ، قال : «يسجد حيث توجهت ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي على ناقته النافلة وهو مستقبل المدينة ، يقول : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ واسِعٌ عَلِيمٌ)».

قوله تعالى :

وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ

كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ [١١٦]

٥٩٣ / ١ ـ محمد بن يعقوب : عن أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، عن علي بن أسباط ، عن سليمان مولى طربال ، عن هشام الجواليقي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول : سبحان الله (١) ، ما يعنى به؟ قال : «تنزيهه».

وستأتي ـ إن شاء الله ـ في ذلك الروايات بكثرة في معنى قوله تعالى : (وَسُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٢) في سورة يوسف (٣).

__________________

٦ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٦ / ٨١.

(١) في المصدر : وتوخّ القبلة.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٧ / ٨٢.

سورة البقرة آية ـ ١١٦ ـ

١ ـ الكافي ١ : ٩٢ / ١١.

(١) في المصدر : عن قوله الله عزّ وجلّ : سُبْحانَ اللهِ.

(٢) يوسف ١٢ : ١٠٨.

(٣) تأتي في الأحاديث (١٢ ـ ١٦) من تفسير الآية (١٠٨) من سورة يوسف.

٣١٤

قوله تعالى :

بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [١١٧]

٥٩٤ / ١ ـ محمد بن يعقوب : عن محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن سدير الصيرفي ، قال : سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)؟

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «إن الله عز وجل ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قبله ، فابتدع السماوات والأرضين ولم يكن قبلهن سماوات ولا أرضون ، أما تسمع لقوله : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) (١)».

وروى هذا الحديث محمد بن الحسن الصفار في (بصائر الدرجات) عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن سدير ، قال : سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر عليه‌السلام الحديث (٢).

٥٩٥ / ٢ ـ محمد بن يعقوب : عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : أخبرني عن الإرادة من الله ومن الخلق؟

قال : فقال : «الإرادة من الخلق الضمير ، وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل ، وأما من الله تعالى فإرادته للفعل إحداثه لا غير ذلك ، لأنه لا يروي (٣) ولا يهم ولا يتفكر ، وهذه الصفات منفية عنه ، وهي صفات الخلق ، فإرادة الله الفعل لا غير ذلك ، يقول له : كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان ، ولا همة ولا تفكر ، ولا كيف لذلك ، كما أنه لا كيف له».

قوله تعالى :

الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ

يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ [١٢١]

٥٩٦ / ٣ ـ محمد بن يعقوب : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي ولاد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله عز وجل : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ)؟

__________________

سورة البقرة آية ـ ١١٧ ـ

١ ـ الكافي ١ : ٢٠٠ / ٢.

(١) هود ١١ : ٧.

(٢) بصائر الدرجات : ١٣٣ / ١.

٢ ـ الكافي ١ : ٨٥ / ٣.

(١) روّيت في الأمر : إذا نظرت فيه وفكّرت. «الصحاح ـ روى ـ ٦ : ٢٣٦٤».

سورة البقرة آية ـ ١٢١ ـ

١ ـ الكافي ١ : ١٦٨ / ٤.

٣١٥

قال : «هم الأئمة عليهم‌السلام».

٥٩٧ / ٢ ـ العياشي : عن أبي ولاد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ).

قال : فقال : «هم الأئمة عليهم‌السلام».

٥٩٨ / ٣ ـ عن منصور ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ).

فقال : «الوقوف عند الجنة والنار».

٥٩٩ / ٤ ـ الحسن بن أبي الحسن الديلمي : عن جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ).

قال : «يرتلون آياته ، ويتفقهون به ، ويعملون بأحكامه ، ويرجون وعده ، ويخافون وعيده ، ويعتبرون بقصصه ، ويأتمرون بأوامره ، وينتهون بنواهيه (١) ؛ ما هو ـ والله ـ حفظ آياته ، ودرس حروفه ، وتلاوة سوره ، ودرس أعشاره وأخماسه ، حفظوا حروفه وأضاعوا حدوده ، وإنما هو تدبر آياته والعمل بأحكامه ، قال الله تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) (٢)».

قوله تعالى :

(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ [١٢٣]) تقدم تفسير الآية في صدر السورة (١) ، ونزيد هاهنا في معنى العدل :

٦٠٠ / ٥ ـ العياشي : عن يعقوب الأحمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «العدل : الفريضة».

٦٠١ / ٦ ـ عن إبراهيم بن الفضيل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «العدل في قول أبي جعفر عليه‌السلام : الفداء».

__________________

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٧ / ٨٤.

٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٧ / ٨٤.

٤ ـ إرشاد القلوب : ٧٨.

(١) في المصدر : يتناهون عن نواهيه.

(٢) سورة ص ٣٨ : ٢٩.

سورة البقرة آية ـ ١٢٣ ـ

(١) تقدّم في تفسير الآية (٤٨) من هذه السورة.

١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٧ / ٨٥.

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٧ / ٨٦.

٣١٦

٦٠٢ / ٣ ـ ورواه أسباط الزطي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله : «لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا»؟

قال : «الصرف : النافلة ، والعدل : الفريضة».

قوله تعالى :

وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ

إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [١٢٤]

٦٠٣ / ١ ـ محمد بن علي بن بابويه : قال : حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (١) رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا حمزة بن القاسم العلوي العباسي ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مالك الكوفي الفزاري ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن زيد الزيات ، قال : حدثنا محمد بن زياد الأزدي ، عن المفضل بن عمر ، عن الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : سألته عن قول الله عز وجل : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ) ما هذه الكلمات؟

قال : «هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ، وهو أنه قال : يا رب ، أسألك بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلا تبت علي ؛ فتاب الله عليه إنه هو التواب الرحيم».

فقلت له : يا بن رسول الله ، فما يعني عز وجل بقوله : (فَأَتَمَّهُنَ)؟

قال : «يعني فأتمهن إلى القائم عليه‌السلام اثني عشر إماما ، تسعة من ولد الحسين عليه‌السلام».

قال المفضل : فقلت له : يا ابن رسول الله ، فأخبرني عن قول الله عز وجل : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) (٢)؟

قال : «يعني بذلك الإمامة ، جعلها الله في عقب الحسين إلى يوم القيامة».

قال : فقلت له : يا بن رسول الله ، فكيف صارت الإمامة في ولد الحسين دون ولد الحسن ، وهما جميعا ولدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسبطاه ، وسيدا شباب أهل الجنة؟

فقال عليه‌السلام : «إن موسى وهارون كانا نبيين مرسلين أخوين ، فجعل الله النبوة في صلب هارون دون صلب موسى ، ولم يكن لأحد أن يقول : لم فعل الله ذلك؟ وإن الإمامة خلافة الله عز وجل ، ليس لأحد أن يقول : لم جعلها الله في صلب الحسين دون صلب الحسن؟ لأن الله هو الحكيم في أفعاله (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ

__________________

٣ ـ تفسير العياشي ١ : ٥٧ / ٨٧.

١ ـ الخصال : ٣٠٤ / ٨٤.

(١) في المصدر : علي بن أحمد بن موسى ، وكلاهما من مشايخ الصدوق ، ولا يبعد اتحادهما ، انظر معجم رجال الحديث ١١ : ٢٥٤ و ٢٥٥.

(٢) الزخرف ٤٣ : ٢٨.

٣١٧

يُسْئَلُونَ) (٣)».

ولقول الله تبارك وتعالى (٤) : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) وجه آخر ، وما ذكرناه أصله.

والابتلاء على ضربين : أحدهما مستحيل (٥) على الله تعالى ذكره ، والآخر جائز.

فأما ما يستحيل : فهو أن يختبره ليعلم ما تكشف الأيام عنه ، وهذا ما لا يصلح (٦) لأنه عز وجل علام الغيوب.

والضرب الآخر من الابتلاء : أن يبتليه حتى يصبر فيما يبتليه به ، فيكون ما يعطيه من العطاء على سبيل الاستحقاق ، ولينظر إليه الناظر فيقتدي به ، فيعلم من حكمة الله تعالى أنه لم يكمل (٧) أسباب الإمامة إلا إلى الكافي المستقل ، الذي كشفت الأيام عنه بخير (٨).

فأما الكلمات ، فمنها ما ذكرناه ، ومنها : اليقين ، وذلك قول الله عز وجل : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) (٩).

ومنها : المعرفة بقدم بارئه ، وتوحيده وتنزيهه من التشبيه : حين نظر إلى الكواكب والقمر والشمس ، واستدل بأفول كل واحد منها على حدوثه ، وبحدوثه على محدثه.

ثم علمه عليه‌السلام بأن الحكم بالنجوم خطأ : في قوله عز وجل : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) (١٠) وإنما قيده الله سبحانه بالنظرة الواحدة ، لأن النظرة الواحدة لا توجب الخطأ إلا بعد النظرة الثانية ، بدلالة قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما قال لأمير المؤمنين عليه‌السلام : «يا علي أول النظرة لك ، والثانية عليك لا لك».

ومنها : الشجاعة : وقد كشفت الأيام عنه ، بدلالة قوله عز وجل : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ * قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ * قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللاَّعِبِينَ * قالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) (١١) ومقاومة الرجل الواحد الوفا من أعداء الله عز وجل تمام الشجاعة.

__________________

(٣) سورة الأنبياء ٢١ : ٢٣.

(٤) الظاهر أنّ هذا الكلام وما بعده للصدوق ١ ، وليس للإمام ٧

(٥) في المصدر : يستحيل.

(٦) في المصدر : يصحّ.

(٧) في المصدر : لم يكل.

(٨) في المصدر : بخبره.

(٩) الأنعام ٦ : ٧٥.

(١٠) الصّافّات ٣٧ : ٨٨ و ٨٩.

(١١) الأنبياء ٢١ : ٥٢ ـ ٥٨.

٣١٨

ثم الحلم : مضمن معناه في قوله عز وجل : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) (١٢).

ثم السخاء : وبيانه في حديث ضيف إبراهيم المكرمين.

ثم العزلة عن أهل البيت والعشيرة : مضمن معناه في قوله : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) (١٣) الآية.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : بيان ذلك في قوله عز وجل : (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا * يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا * يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا) (١٤).

ودفع السيئة بالحسنة : وذلك لما قال له أبوه : (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) فقال في جواب أبيه : (سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) (١٥).

والتوكل : بيان ذلك في قوله : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (١٦).

ثم الحكم والانتماء إلى الصالحين : في قوله : (رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) (١٧) يعني بالصالحين الذين لا يحكمون إلا بحكم الله عز وجل ، ولا يحكمون بالآراء والمقاييس حتى يشهد له من يكون بعده من الحجج بالصدق ، بيان ذلك في قوله : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (١٨) أراد في هذه الأمة الفاضلة ، فأجابه الله وجعل له ولغيره من الأنبياء لسان صدق في الآخرين ، وهو علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وذلك قوله : (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) (١٩).

والمحنة في النفس : حين جعل في المنجنيق وقذف به في النار.

ثم المحنة في الولد : حين امر بذبح ولده إسماعيل.

ثم المحنة بالأهل : حين خلص الله عز وجل حرمته من عرارة (٢٠) القبطي ، في الخبر المذكور في القصة.

ثم الصبر على سوء خلق سارة.

__________________

(١٢) هود ١١ : ٧٥.

(١٣) مريم ١٩ : ٤٨.

(١٤) مريم ١٩ : ٤٢ ـ ٤٥.

(١٥) مريم ١٩ : ٤٦ و ٤٧.

(١٦) الشّعراء ٢٦ : ٧٨ ـ ٨٢.

(١٧) الشّعراء ٢٦ : ٨٣.

(١٨) الشّعراء ٢٦ : ٨٤.

(١٩) مريم ١٩ : ٥٠.

(٢٠) في المصدر : عزازة ، والقصة كاملة في الكافي ٨ : ٣٧٠ / ٥٦٠.

٣١٩

ثم استقصار النفس في الطاعة : في قوله : (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) (٢١).

ثم النزاهة : في قوله عز وجل : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (٢٢).

ثم الجمع لأشراط الطاعات (٢٣) : في قوله : (إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (٢٤) فقد جمع في قوله : (مَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) جميع أشراط الطاعات كلها حتى لا تعزب (٢٥) عنها عازبة ، ولا تغيب عن معانيها غائبة.

ثم استجابة الله دعوته : حين قال : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى) (٢٦) وهذه الآية متشابهة ، ومعناها أنه سأل عن الكيفية ، والكيفية من فعل الله عز وجل ، متى لم يعلمها العالم لم يلحقه عيب ، ولا عرض له في توحيده نقص. فقال الله عز وجل : (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى) (٢٧) هذا شرط عام لمن آمن به ، متى سئل واحد منهم : أو لم تؤمن؟ وجب أن يقول : بلى ، كما قال إبراهيم ، ولما قال الله عز وجل لجميع أرواح بني آدم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (٢٨) كان أول من قال : بلى ، محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فصار بسبقه إلى بلى سيد الأولين والآخرين ، وأفضل النبيين والمرسلين ، فمن لم يجب عن هذه المسألة بجواب إبراهيم عليه‌السلام فقد رغب عن ملته ، قال الله عز وجل : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) (٢٩).

ثم اصطفاء الله عز وجل إياه في الدنيا ، ثم شهادته له في العاقبة أنه من الصالحين : في قوله عز وجل : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (٣٠) والصالحون هم النبي والأئمة (صلوات الله عليهم) ، الآخذون عن الله أمره ونهيه ، الملتمسون للصلاح من عنده ، والمجتنبون للرأي والقياس في دينه ، في قوله عز وجل : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٣١).

ثم اقتداء من بعده من الأنبياء عليهم‌السلام به : في قوله : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ

__________________

(٢١) الشعراء ٢٦ : ٨٧.

(٢٢) آل عمران ٣ : ٦٧.

(٢٣) في المصدر : الكلمات.

(٢٤) الأنعام ٦ لا ١٦٢ و ١٦٣.

(٢٥) عزب عني فلان يعزب ويعزب : أي بعد وغبا. «الصحاح ـ عزب ـ ١ : ١٨١».

(٢٦) البقرة ٢ : ٢٦٠.

(٢٧) البقرة ٢ : ٢٦٠.

(٢٨) الأعراف ٧ : ١٧٢.

(٢٩) البقرة ٢ : ١٣٠.

(٣٠) البقرة ٢ : ١٣٠.

(٣١) البقرة ٢ : ١٣١.

٣٢٠