البرهان في تفسير القرآن - ج ١

السيد هاشم الحسيني البحراني

البرهان في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني البحراني


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٥٢

٥٢٠ / ٢ ـ محمد بن يعقوب : عن محمد بن يحيى ، عن حمدان بن سليمان ، عن عبدالله بن محمد اليماني ، عن منيع بن الحجاج ، عن يونس ، عن صباح المزني ، عن أبي حمزة ، عن أحدهما عليهما‌السلام في قول الله عز وجل : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) قال : «إذا جحدوا إمامة أمير المؤمنين عليه‌السلام (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)».

٥٢١ / ٣ ـ الشيخ في (أماليه) بإسناده عن علي عليه‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه تلا هذه الآية : (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) قيل : يا رسول الله ، من أصحاب النار؟ قال : «من قاتل عليا بعدي ، فأولئك أصحاب النار مع الكفار ، فقد كفروا بالحق لما جاءهم ، ألا وإن عليا بضعة مني ، فمن حاربه فقد حاربني وأسخط ربي». ثم دعا عليا فقال : «يا علي ، حربك حربي ، وسلمك سلمي ، وأنت العلم فيما بيني وبين أمتي».

قوله تعالى :

وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ

إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً

وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ

مُعْرِضُونَ [٨٣]

٥٢٢ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل لبني إسرائيل : واذكروا (إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) عهدهم المؤكد عليهم (١) : (لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ) أي بأن لا تعبدوا إلا الله ، أي لا تشبهوه (٢) بخلقه ، ولا تجوروه (٣) في حكمه ، ولا تعملوا بما يراد به وجهه تريدون به وجه غيره.

(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وأخذنا ميثاقهم بأن يعملوا بوالديهم إحسانا ، مكافأة عن إنعامهما عليهم ، وإحسانهما إليهم ، واحتمال المكروه الغليظ فيهم ، لترفيههما وتوديعهما (وَذِي الْقُرْبى) قرابات الوالدين بأن

__________________

(١٠) في المصدر ، و «ط» نسخة بدل : ينظف القذر من بدنه.

(١١) في «ط» نسخة بدل : ينتقل.

٢ ـ الكافي ١ : ٣٥٥ / ٨٢.

٣ ـ الأمالي ١ : ٣٧٤.

سورة البقرة آية ـ ٨٣ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٢٦ / ١٧٤.

(١) في «ط» نسخة بدل : عهد التوكيد.

(٢) في المصدر : لا يشبهوه.

(٣) في المصدر : ولا يجوروه ، وفي «ط» : ولا يجوزوه.

٢٦١

يحسنوا إليهم لكرامة الوالدين (وَالْيَتامى) أي وأن يحسنوا إلى اليتامى الذين فقدوا آباءهم الكافلين لهم أمورهم ، السائقين لهم (٤) غذاءهم وقوتهم ، المصلحين لهم معاشهم.

(وَقُولُوا لِلنَّاسِ) الذين لا مؤونة لهم عليكم (حُسْناً) عاملوهم بخلق جميل (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) الصلوات الخمس ، وأقيموا أيضا الصلاة على محمد وآل محمد الطيبين عند أحوال غضبكم ورضاكم ، وشدتكم ورخائكم ، وهمومكم المعلقة بقلوبكم.

(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) أيها اليهود عن الوفاء بما قد نقل إليكم من العهد الذي أداه أسلافكم إليكم (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) عن ذلك العهد ، تاركون له ، غافلون عنه».

٥٢٣ / ٢ ـ ابن الفارسي في (روضة الواعظين) قال : قال الصادق عليه‌السلام قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) قال : «الوالدان (١) محمد وعلي عليهما‌السلام».

٥٢٤ / ٣ ـ محمد بن يعقوب : بسنده عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً). قال : «قولوا للناس حسنا ، ولا تقولوا إلا خيرا حتى تعلموا ما هو».

٥٢٥ / ٤ ـ وعنه : بسنده عن ابن أبي نجران ، عن أبي جميلة المفضل بن صالح ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قول الله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً). قال : «قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال فيكم».

٥٢٦ / ٥ ـ وعنه : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن سدير الصيرفي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أطعم سائلا لا أعرفه مسلما؟

فقال : «نعم ، أعط من لا تعرفه بولاية ولا عداوة للحق ، إن الله عز وجل يقول : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) ولا تعط (١) من نصب لشيء من الحق ، أو دعا (٢) إلى شيء من الباطل».

٥٢٧ / ٦ ـ وعنه : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ؛ وعلي بن محمد القاساني جميعا ، عن القاسم بن محمد ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قوله تعالى : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً).

__________________

(٤) في المصدر ، و «ط» نسخة بدل : إليهم.

٢ ـ روضة الواعظين ١ : ١٠٥.

(١) في المصدر : الوالد.

٣ ـ الكافي ٢ : ١٣٢ / ١٠.

٤ ـ الكافي ٢ : ١٣٢ / ١.

٥ ـ الكافي ٤ : ١٣ / ١.

(١) في المصدر : تعطعم.

(٢) في «س» ، «ط» : ادعى.

٦ ـ الكافي ٥ : ١١ / ٢.

٢٦٢

قال : «نزلت هذه الآية في أهل الذمة ، ثم نسخها قوله عز وجل : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (١) فمن كان منهم في دار الإسلام فلن يقبل منه إلا الجزية أو القتل ، وما لهم فيء ، وذراريهم سبي ، وإذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم ، وحرمت أموالهم ، وحلت لنا مناكحتهم ، ومن كان منهم في دار الحرب حل لنا سبيهم وأموالهم ، ولم تحل لنا مناكحتهم ، ولم يقبل من أحدهم إلا الدخول في (٢) الإسلام ، أو الجزية ، أو القتل».

٥٢٨ / ٧ ـ ابن بابويه : عن محمد بن علي ما جيلويه ، قال : حدثني عمي محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن الحكم ، عن المفضل ، عن جابر ، عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، في قول الله عز وجل : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً).

قال : «قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم ، فإن الله عز وجل يبغض اللعان السباب (١) ، الطعان على المؤمنين ، الفاحش المتفحش ، السائل الملحف (٢) ، ويحب الحيي (٣) الحليم ، العفيف المتعفف».

٥٢٩ / ٨ ـ العياشي : عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في قوله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً).

قال : «قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم ، فإن الله يبغض اللعان السباب (١) ، الطعان على المؤمنين ، المتفحش ، السائل الملحف ، ويحب الحيي الحليم ، العفيف (٢) المتعفف».

٥٣٠ / ٩ ـ عن حريز ، عن بريد (١) ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أطعم رجلا سائلا لا أعرفه مسلما؟

قال : «نعم ، أطعمه ما لم تعرفه بولاية ولا بعداوة ، إن الله يقول : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) ولا تطعم من نصب لشيء من الحق ، أو دعا إلى شيء من الباطل».

__________________

(١) التّوبة ٩ : ٢٩.

(٢) في المصدر زيادة : دار.

٧ ـ الأمالي : ٢١٠ / ٤.

(١) في «س» : الساب.

(٢) ألحف السائل : ألحّ. «الصحاح ـ لحف ـ ٤ : ١٤٢٦».

(٣) حييت منه : استحييت. «الصحاح ـ حيا ـ ٦ : ٢٣٢٣».

٨ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٨ / ٦٣.

(١) في «س» : الساب.

(٢) في المصدر : الضعيف.

٩ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٨ / ٦٤.

(١) في «س» ، «ط» : جرير ، عن سدير ، وفي المصدر : حريز ، عن برير ، تصحيف ، والصواب ما أثبتناه ، وهما : حريز بن عبد الله السجستانيّ الأزديّ وبريد بن معاوية العجليّ ، أنظر معجم رجال الحديث ٣ : ٢٨٥ و ٤ : ٢٤٩.

٢٦٣

٥٣١ / ١٠ ـ عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «اتقوا الله ولا تحملوا الناس على أكتافكم ، إن الله يقول في كتابه (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) ـ قال ـ : وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، وصلوا معهم في مساجدهم حتى [ينقطع] النفس ، وحتى تكون المباينة».

٥٣٢ / ١١ ـ عن حفص بن غياث ، عن جعفر بن محمد عليه‌السلام ، قال : «إن الله بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمسة أسياف ... ؛ فسيف على أهل الذمة ، قال الله : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) نزلت في أهل الذمة ، ثم نسختها أخرى ، قوله : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) (١)» الآية.

٥٣٣ / ١٢ ـ وقال الإمام العسكري عليه‌السلام : «أما قوله : (لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ) فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من شغلته عبادة الله عن مسألته ، أعطاه الله أفضل ما يعطي السائلين.

وقال علي عليه‌السلام : قال الله عز وجل من فوق عرشه : يا عبادي ، اعبدوني فيما أمرتكم به ولا تعلموني ما يصلحكم ، فإني أعلم به ، ولا أبخل عليكم بصلاحكم (١)».

٥٣٤ / ١٣ ـ وقال الإمام العسكري عليه‌السلام : «وقد قال الله عز وجل : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفضل والديكم وأحقهما لشكركم محمد وعلي.

وقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : أنا وعلي أبوا هذه الأمة ، ولحقنا عليهم أعظم من حق والديهم (١) ، فإنا ننقذهم ـ إن أطاعونا ـ من النار إلى دار القرار ، ولنلحقهم من العبودية بخيار الأحرار.

وأما قوله عز وجل : (وَذِي الْقُرْبى) فهم من قراباتك من أبيك وأمك ، قيل لك : اعرف حقهم كما أخذ به العهد على بني إسرائيل ، وأخذ عليكم ـ معاشر أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بمعرفة حق قرابات محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين هم الأئمة بعده ، ومن يليهم بعد من خيار أهل دينهم».

قال الإمام عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من رعى حق قرابات والديه أعطي في الجنة ألف درجة ، بعد ما بين الدرجتين (٢) حضر (٣) الفرس الجواد المضمر (٤) مائة (٥) سنة ؛ إحدى الدرجات من فضة ، والأخرى من

__________________

١٠ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٨ / ٦٥.

١١ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٨ / ٦٦.

(١) التّوبة ٩ : ٢٩.

١٢ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٢٧ / ١٧٥ و ١٧٦.

(١) في المصدر : بمصالحكم.

١٣ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٣٠ / ١٨٩ و ١٩٠ و : ٣٣٣ / ٢٠١ و ٢٠٢.

(١) في المصدر : أبوي ولادتهم.

(٢) في «ط» نسخة بدل : كل درجتين

(٣) الحضر : العدو. «الصحاح ـ حضر ـ ٢ : ٦٣٢».

(٤) الضمر : الهزال وخفّة اللحم ، وتضمير الفرس : أن تعلفه حتّى سمن ثمّ تردّه إلى القوت ، وذلك في أربعين يوما. «الصحاح ـ ضمر ـ ٢ : ٧٢٢».

٢٦٤

ذهب ، والأخرى من لؤلؤ ، والأخرى من زمرد ، وأخرى من زبرجد ، وأخرى من مسك ، وأخرى من عنبر ، وأخرى من كافور ، وتلك الدرجات من هذه الأصناف. ومن رعى حق قربى محمد وعلي ، أعطي من فضائل (٦) الدرجات وزيادة المثوبات على قدر زيادة فضل محمد وعلي على أبوي نسبه (٧)».

٥٣٥ / ١٤ ـ وقال الإمام عليه‌السلام : «وأما قول الله عز وجل : (وَالْيَتامى) فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : حث الله عز وجل على بر اليتامى لانقطاعهم عن آبائهم ، فمن صانهم صانه الله ، ومن أكرمهم أكرمه الله ، ومن مسح يده برأس يتيم رفقا به ، جعل الله له في الجنة بكل شعرة مرت تحت يده قصرا أوسع من الدنيا بما فيها ، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين ، وهم فيها خالدون».

٥٣٦ / ١٥ ـ وقال الإمام عليه‌السلام : «وأشد من يتم هذا اليتيم ، يتيم ينقطع عن إمامه لا يقدر على الوصول إليه ، ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه ، ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا ، وهذا الجاهل بشريعتنا ، المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في حجره ، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى ؛ حدثني بذلك أبي ، عن آبائه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

٥٣٧ / ١٦ ـ وقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا ، فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه (١) ، جاء يوم القيامة وعلى رأسه تاج من نور يضيء لأهل جميع تلك العرصات ، وحلة (٢) لا يقوم لأقل سلك منها ، الدنيا بحذافيرها.

ثم ينادي مناد من عند الله : يا عباد الله ، هذا عالم من بعض تلامذة آل محمد ، ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره ، ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزهة (٣) الجنان ؛ فيخرج كل من كان علمه في الدنيا خيرا ، أو فتح عن قلبه من الجهل قفلا ، أو أوضح له عن شبهة».

٥٣٨ / ١٧ ـ وقال الإمام العسكري عليه‌السلام : «وأما قوله عز وجل : (وَالْمَساكِينِ) فهو من سكن الضر والفقر حركته ؛ ألا فمن واساهم بحواشي ماله ، وسع الله عليه جنانه ، وأناله غفرانه ورضوانه».

وقال الإمام عليه‌السلام : «وإن من محبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام مساكين ، مواساتهم أفضل من

__________________

(٥) في «ط» : مائة ألف.

(٦) في «ط» : اوتي من فضل.

(٧) في «ط» نسخة بدل : نفسه.

١٤ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٣٨ / ٢١٣.

١٥ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٣٩ / ٢١٤.

١٦ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٣٩ / ٢١٥.

(١) حبوت الرجل حباء : أعطيته الشّيء بغير عوض. «مجمع البحرين ـ حبا ـ ١ : ٩٤».

(٢) أي وعليه حلّة.

(٣) في المصدر : نزه ، وفي «ط» نسخة بدل : ذروة.

١٧ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٤٥ / ٢٢٦ ـ ٢٢٨.

٢٦٥

مواساة مساكين الفقراء ، وهم الذين سكنت (١) جوارحهم ، وضعفت قواهم عن مقاتلة أعداء الله الذين يعيرونهم بدينهم ، ويسفهون أحلامهم.

ألا فمن قواهم بفقهه ، وعلمهم (٢) حتى أزال مسكنتهم ، ثم سلطهم على الأعداء الظاهرين من النواصب ، وعلى الأعداء الباطنين ، إبليس ومردته ، حتى يهزموهم عن دين الله ، ويذودوهم (٣) عن أولياء الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حول الله تلك المسكنة إلى شياطينهم ، فأعجزهم عن إضلالهم ، قضى الله تعالى بذلك قضاء حقا على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقال علي بن أبي طالب عليه‌السلام : من قوى مسكينا في دينه ، ضعيفا في معرفته ، على ناصب مخالف ، فأفحمه (٤) لقنه الله يوم يدلى في قبره أن يقول : الله ربي ، ومحمد نبيي ، وعلي وليي ، والكعبة قبلتي ، والقرآن بهجتي وعدتي ، والمؤمنون إخواني ؛ فيقول الله : أدليت بالحجة ، فوجبت لك أعالي درجات الجنة ؛ فعند ذلك يتحول عليه قبره أنزه رياض الجنة».

٥٣٩ / ١٨ ـ وقال الإمام عليه‌السلام : «قوله عز وجل : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) قال الصادق عليه‌السلام : (وَقُولُوا لِلنَّاسِ) كلهم (حُسْناً) مؤمنهم ومخالفهم : أما المؤمنون فيبسط لهم وجهه (١) ، وأما المخالفون فيكلمهم بالمداراة لاجتذابهم إلى الإيمان ، فإن ييأس من ذلك يكف شرورهم عن نفسه ، وعن إخوانه المؤمنين».

٥٤٠ / ١٩ ـ قال الإمام عليه‌السلام : «وأما قوله عز وجل : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فهو أقيموا الصلاة بتمام ركوعها وسجودها ومواقيتها ، وأداء حقوقها التي إذا لم تؤد لم يتقبلها رب الخلائق ، أتدرون ما تلك الحقوق؟ فهي اتباعها بالصلاة على محمد وعلي وآلهما عليهم‌السلام ، منطويا على الاعتقاد بأنهم أفضل خيرة الله ، والقوام (١) بحقوق الله ، والنصار لدين الله».

٥٤١ / ٢٠ ـ قال الإمام عليه‌السلام : «(وَآتُوا الزَّكاةَ) من المال والجاه وقوة البدن : فمن المال مواساة إخوانك المؤمنين ، ومن الجاه إيصالهم إلى ما يتقاعسون عنه لضعفهم عن حوائجهم المترددة في صدورهم ، وبالقوة معونة أخ لك قد سقط حماره أو جمله في صحراء أو طريق ، وهو يستغيث فلا يغاث ، تعينه حتى يحمل

__________________

(١) في «س» : تنكست.

(٢) في المصدر : وعلمه.

(٣) الذّياد : الطرد ، وذدت الإبل : سقتها وطردتها. «الصحاح ـ ذود ـ ٢ : ٤٧١».

(٤) كلّمته حتّى أفحمته : إذا أسكتّه في خصومة أو غيرها. «مجمع البحرين ـ فحم ـ ٦ : ١٣٠».

١٨ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٥٣ / ٢٤٠.

(١) في المصدر زيادة : وبشره.

١٩ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٦٤ / ٢٥٣.

(١) في «س» : القوّامون.

٢٠ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٦٤ / ٢٥٤.ٍ

٢٦٦

عليه متاعه ، وتركبه وتنهضه حتى يلحق القافلة ، وأنت في ذلك كله معتقد لموالاة محمد وآله الطيبين ، فإن الله يزكي أعمالك ويضاعفها بموالاتك لهم ، وبراءتك من أعدائهم».

٥٤٢ / ٢١ ـ قال الإمام عليه‌السلام : «قال الله عز وجل : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ) يا معشر اليهود ، المأخوذ عليكم من هذه العهود ، كما أخذ على أسلافكم (وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) عن أمر الله عز وجل الذي فرضه».

قال مؤلف الكتاب : الحديث اختصرناه من كلام الإمام العسكري عليه‌السلام في (تفسيره) وهو حديث حسن ، فلتقف عليه من هناك.

قوله تعالى :

وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ

دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ [٨٤] ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ

أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ

وَالْعُدْوانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ

إِخْراجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ

يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ

إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [٨٥] أُولئِكَ الَّذِينَ

اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ

يُنْصَرُونَ [٨٦]

٥٤٣ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) واذكروا ـ يا بني إسرائيل ـ حين أخذنا ميثاقكم على أسلافكم ، وعلى كل من يصل إليه الخبر بذلك من أخلافهم الذين أنتم منهم (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) لا يسفك بعضكم دماء بعض (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) ولا يخرج بعضكم بعضا من ديارهم.

__________________

٢١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٦٥ / ٢٥٥.

سورة البقرة آية ـ ٨٤ ـ ٨٦ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٦٧ / ٢٥٧ و ٢٥٨.

٢٦٧

(ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) بذلك الميثاق ، كما أقر به أسلافكم ، والتزمتموه كما التزموه (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) بذلك على أسلافكم وأنفسكم (ثُمَّ أَنْتُمْ) معاشر اليهود (تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) يقتل بعضكم بعضا (وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ) غصبا وقهرا (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ) يظاهر بعضكم بعضا على إخراج من تخرجونه من ديارهم ، وقتل من تقتلونه منهم بغير حق (بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) بالتعدي تتعاونون وتتظاهرون.

(وَإِنْ يَأْتُوكُمْ) يعني هؤلاء الذين تخرجونهم ، أي ترومون إخراجهم وقتلهم ظلما ، إن يأتوكم (أُسارى) قد أسرهم أعداؤكم وأعداؤهم (تُفادُوهُمْ) من الأعداء بأموالكم (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) أعاد قوله عز وجل : (إِخْراجُهُمْ) ولم يقتصر على أن يقول : (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ) لأنه لو قال ذلك لرأى أن المحرم إنما هو مفاداتهم.

ثم قال عز وجل : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ) وهو الذي أوجب عليكم المفاداة (وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) وهو الذي حرم قتلهم وإخراجهم ، فقال : فإذا كان قد حرم الكتاب قتل النفوس والإخراج من الديار كما فرض فداء الأسراء ، فما بالكم تطيعون في بعض ، وتعصون في بعض ، كأنكم ببعض كافرون ، وببعض مؤمنون؟! ثم قال عز وجل : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ) يا معشر اليهود (إِلاَّ خِزْيٌ) ذل (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) جزية تضرب عليه ، ويذل بها (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ) إلى جنس أشد العذاب ، يتفاوت ذلك على قدر تفاوت معاصيهم (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) يعمل هؤلاء اليهود.

ثم وصفهم فقال عز وجل : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) رضوا بالدنيا وحطامها بدلا من نعيم الجنان المستحق بطاعات الله (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) لا ينصرهم أحد يرفع عنهم العذاب.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لما نزلت هذه الآية في اليهود ، هؤلاء اليهود [الذين] نقضوا عهد الله ، وكذبوا رسل الله ، وقتلوا أولياء الله ـ : أفلا أنبئكم بمن يضاهئهم من يهود هذه الأمة؟ قالوا : بلى يا رسول الله.

قال : قوم من أمتي ينتحلون بأنهم من أهل ملتي ، يقتلون أفاضل ذريتي ، وأطايب أرومتي (١) ، ويبدلون شريعتي وسنتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين ، كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريا ويحيى.

ألا وإن الله يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هاديا مهديا من ولد الحسين المظلوم ، يحرفهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنم.

ألا ولعن الله قتلة الحسين ومحبيهم وناصريهم ، والساكتين عن لعنهم من غير تقية تسكتهم.

ألا وصلى الله على الباكين على الحسين بن علي رحمة وشفقة ، واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظا وحنقا.

ألا وإن الراضين بقتل الحسين شركاء قتلته.

__________________

(١) الأرومة : أصل الشجرة واستعملت للحسب يقال : هو طيّب الأرومة. «المعجم الوسيط ـ آرم ـ ١ : ١٥».

٢٦٨

ألا وإن قتلته وأعوانهم وأشياعهم والمقتدين بهم برآء من دين الله.

ألا وإن الله ليأمر الملائكة المقربين أن ينقلوا (٢) دموعهم المصبوبة لقتل (٣) الحسين إلى الخزان في الجنان ، فيمزجونها بماء الحيوان ، فتزيد في عذوبتها وطيبها ألف ضعفها ؛ وإن الملائكة ليتلقون دموع الفرحين الضاحكين لقتل الحسين فيلقونها في الهاوية ، ويمزجونها بحميمها وصديدها وغساقها وغسلينها ، فتزيد في شدة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها ، يشدد بها على المنقولين إليها من أعداء آل محمد عذابهم».

٥٤٤ / ٢ ـ العياشي : عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه : فمنها كفر البراءة ـ وهو على قسمين ـ وكفر النعم ، والكفر بترك أمر الله ، والكفر بما نقول من أمر الله فهو كفر المعاصي (١) ، وترك ما أمر الله عز وجل ، وذلك قوله عز وجل : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ ـ إلى قوله ـ : أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) فكفرهم بتركهم ما أمر الله عز وجل ، ونسبهم إلى الإيمان ولم يقبله منهم ، ولم ينفعهم عنده ، فقال : (فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ ـ إلى قوله ـ : عَمَّا تَعْمَلُونَ).

٥٤٥ / ٣ ـ وفي تفسير علي بن إبراهيم : أن الآية نزلت في أبي ذر وعثمان ، في نفي عثمان له إلى الربذة (١) ، وذكرنا الرواية في (تفسير الهادي).

قوله تعالى :

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى

ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما

لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ [٨٧]

٥٤٦ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل ـ وهو يخاطب اليهود الذي أظهر

__________________

(٢) في «ط» نسخة بدل : أن يتلقّوا ، وفي «س» : أن يسلكوا.

(٣) في «س» ، «ط» : بقتل.

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٨ / ٦٧.

(١) العبارة فيها ارتباك ظاهر ، وفي الكافي : فمنها كفر الجحود ـ والجحود على وجهين ـ والكفر بترك ما أمر الله ، وكفر البراءة ، وكفر النعم .. الكافي ٢ : ٢٨٧ / ١.

٣ ـ تفسير القمّيّ ١ : ٥١.

(١) الرّبذة : من قرى المدينة على ثلاثة أيّام ، قريبة من ذات عرق ، وبهذا الموضع قبر أبي ذرّ الغفاري (رضوان الله تعالى عليه). «معجم البلدان ٣ : ٢٤».

سورة البقرة آية ـ ٨٧ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٧١ / ٢٦٠ و : ٣٧٩ / ٢٦٤.

٢٦٩

محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المعجزات لهم عند تلك الجبال ويوبخهم ـ : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) التوراة ، المشتمل (١) على أحكامنا ، وعلى ذكر فضل محمد وآله (٢) الطيبين ، وإمامة علي بن أبي طالب عليه‌السلام وخلفائه بعده ، وشرف أحوال المسلمين له ، وسوء أحوال المخالفين عليه.

(وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ) جعلنا رسولا في إثر رسول (وَآتَيْنا) أعطينا (عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) الآيات الواضحات ، مثل : إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، والإنباء بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) وهو جبرئيل عليه‌السلام ، وذلك حين رفعه من روزنة (٣) بيته إلى السماء ، وألقى شبهه على من رام قتله ، فقتل بدلا منه ، وقيل : هو المسيح».

وقال الإمام عليه‌السلام : «ثم وجه الله عز وجل العذل (٤) نحو اليهود المذكورين في قوله : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) (٥) فقال : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ) فأخذ عهودكم ومواثيقكم بما لا تحبون : من بذل الطاعة لأوليائه الله الأفضلين وعباده المنتجبين محمد وآله الطيبين الطاهرين ، لما قالوا لكم ، كما أداه إليكم أسلافكم الذين قيل لهم : إن ولاية محمد وآل محمد هي الغرض الأقصى والمراد الأفضل ، ما خلق الله أحدا من خلقه ولا بعث أحدا من رسله (٦) إلا ليدعوهم إلى ولاية محمد وعلي وخلفائه عليهم‌السلام ، ويأخذ بها عليهم العهد ليقيموا عليه ، وليعمل به سائر عوام الأمم ؛ فلهذا (اسْتَكْبَرْتُمْ) كما استكبر أوائلكم حتى قتلوا زكريا ويحيى ، واستكبرتم أنتم حتى رمتم قتل محمد وعلي عليهما‌السلام ، فخيب الله تعالى سعيكم ، ورد في نحوركم كيدكم.

وأما قوله عز وجل : (تَقْتُلُونَ) فمعناه : قتلتم ، كما تقول لمن توبخه : ويلك كم تكذب وكم تخرق (٧) ، ولا تريد ما لم يفعله بعد ، وإنما تريد : كم فعلت وأنت عليه موطن (٨)».

٥٤٧ / ٢ ـ محمد بن يعقوب : عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن حسان ، عن محمد بن علي ، عن عمار بن مروان (١) ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «أفكلما جاءكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما لا تهوى أنفسكم بولاية علي عليه‌السلام استكبرتم ؛ ففريقا من آل محمد عليهم‌السلام كذبتم ، وفريقا تقتلون».

__________________

(١) في «س» نسخة بدل : أحكامها.

(٢) في المصدر : فضل محمّد وعليّ وآلهما.

(٣) الروزنة : الكوّة. «الصحاح ـ رزق ـ ٥ : ٢١٢٣».

(٤) العذل : الملامة. «الصحاح ـ عذل ـ ٥ : ١٧٦٢». وفي «ط» : العدل.

(٥) البقرة ٢ : ٧٤.

(٦) في «ط» نسخة بدل : ممّن أرسله.

(٧) التخرّق : لغة في التخلّق من الكذب. «الصحاح ـ خرق ـ ٤ : ١٤٦٧» ، وفي المصدر : تمخرق.

(٨) وطّن نفسه على الشّيء : حملها عليه ومهّد عليه ومهّد لها. والمعنى وأنت على الكذب مستمر وثابت.

٢ ـ الكافي ١ : ٣٤٦ / ٣١.

(١) زاد في المصدر : عن منخل. ويصح السند بكلا الحالين ، فقد روى عمّار عن منخل وعن جابر ، أنظر معجم رجال الحديث ١٢ : ٢٥٦.

٢٧٠

٥٤٨ / ٣ ـ العياشي : عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : أما قوله : (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ) قال أبو جعفر : «ذلك مثل موسى والرسل من بعده وعيسى (صلوات الله عليهم) ، ضرب مثلا لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال الله لهم : فإن جاءكم محمد بما لا تهوى أنفسكم بموالاة علي استكبرتم ؛ ففريقا من آل محمد كذبتم ، وفريقا تقتلون ، فذلك تفسيرها في الباطن».

قوله تعالى :

وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ [٨٨]

٥٤٩ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل : (وَقالُوا) يعني هؤلاء اليهود الذي أراهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المعجزات المذكورات عند قوله : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) (١) الآية (قُلُوبُنا غُلْفٌ) أوعية للخير والعلوم ، قد أحاطت بها واشتملت عليها ، ثم هي مع ذلك لا تعرف لك ـ يا محمد ـ فضلا مذكورا في شيء من كتب الله ، ولا على لسان أحد من أنبياء الله.

فقال الله تعالى ردا عليهم : (بَلْ) ليس كما يقولون أوعية للعلوم ، ولكن قد (لَعَنَهُمُ اللهُ) أبعدهم الله من الخير (فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ) قليل إيمانهم ، يؤمنون ببعض ما أنزل الله ، ويكفرون ببعض ، فإذا كذبوا محمدا في سائر ما يقول : فقد صار ما كذبوا به أكثر ، وما صدقوا به أقل.

وإذا قرئ (غلف) (٢) فإنهم قالوا : قلوبنا غلف في غطاء ، فلا نفهم كلامك وحديثك ، نحو ما قال الله عز وجل : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) (٣) وكلا القراءتين حق ، وقد قالوا بهذا وبهذا جميعا.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : معاشر اليهود ، تعاندون رسول الله رب العالمين ، وتأبون الاعتراف بأنكم كنتم بذنوبكم من الجاهلين ، إن الله لا يعذب بها أحدا ، ولا يزيل عن فاعل هذا عذابه أبدا ، إن آدم عليه‌السلام لم يقترح على ربه المغفرة لذنبه إلا بالتوبة ، فكيف تقترحونها أنتم مع عنادكم؟! قيل : وكيف كان ذاك ، يا رسول الله؟

__________________

٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٩ / ٦٨.

سورة البقرة آية ـ ٨٨ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٩٠ / ٢٦٦ و ٢٦٧.

(١) البقرة ٢ : ٧٤.

(٢) القراءة المشهورة (غلف) بسكون اللاّم ، وروي في الشواذ (غلف) بضمّ اللاّم ، والأولى جمع» الأغلف) مثل (أحمر وحمر) ، والثانية جمع (غلاف) مثل (حمار وحمر). «مجمع البيان للطبرسيّ ١ : ٣٠٨».

(٣) فصّلت ٤١ : ٥.

٢٧١

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما زلت الخطيئة من آدم عليه‌السلام وأخرج من الجنة وعوتب ووبخ ، قال : يا رب ، إن تبت وأصلحت ، أتردني إلى الجنة؟ قال : بلى. قال آدم : فكيف أصنع ـ يا رب ـ حتى أكون تائبا وتقبل توبتي؟

فقال الله عز وجل : تسبحني بما أنا أهله ، وتعترف بخطيئتك كما أنت أهله ، وتتوسل إلي بالفاضلين الذين علمتك أسماءهم ، وفضلتك بهم على ملائكتي ، وهم محمد وآله الطيبون ، وأصحابه الخيرون.

فوفقه الله تعالى ، فقال : يا رب ، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ، عملت سوءا وظلمت نفسي ، فارحمني وأنت أرحم الراحمين ، بحق محمد وآله الطيبين وخيار أصحابه المنتجبين ، سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت ، عملت سوءا وظلمت نفسي ، فتب علي إنك أنت التواب الرحيم ، بحق محمد وآله الطيبين وخيار أصحابه المنتجبين.

فقال الله تعالى : لقد قبلت توبتك ، وآية ذلك أن (٤) أنقي بشرتك فقد تغيرت ـ وكان ذلك لثلاثة عشر من شهر رمضان ـ فصم هذه الثلاثة أيام التي تستقبلك ، فهي أيام البيض ، ينقي الله في كل يوم بعض بشرتك ؛ فصامها فنقى في كل يوم منها ثلث بشرته. فعند ذلك قال آدم : يا رب ، ما أعظم شأن محمد وآله وخيار أصحابه؟! فأوحى الله إليه : يا آدم ، إنك لو عرفت كنه جلال محمد عندي وآله وخيار أصحابه ، لأحببته حبا يكون أفضل أعمالك ؛ قال : يا رب ، عرفني لأعرف.

قال الله تعالى : يا آدم ، إن محمدا لو وزن به جميع الخلق من النبيين والمرسلين والملائكة المقربين وسائر عبادي الصالحين من أول الدهر إلى آخره ومن الثرى إلى العرش لرجح به ، وإن رجلا من خيار آل محمد لو وزن به جميع آل النبيين لرجح بهم ، وإن رجلا من خيار أصحاب محمد لو وزن به جميع أصحاب المرسلين لرجح بهم.

يا آدم ، لو أحب رجل من الكفار أو جميعهم رجلا من آل محمد وأصحابه الخيرين لكافأه الله عن ذلك بأن يختم له بالتوبة والإيمان ، ثم يدخله الله الجنة ، إن الله ليفيض على كل واحد من محبي محمد وآل محمد وأصحابه من الرحمة ما لو قسمت على عدد كعدد كل ما خلق الله تعالى من أول الدهر إلى آخره ـ وإن كانوا كفارا ـ لكفاهم ، ولأداهم إلى عاقبة محمودة : الإيمان بالله حتى يستحقوا به الجنة ، وإن رجلا ممن يبغض آل محمد وأصحابه الخيرين أو واحدا منهم لعذبه الله عذابا لو قسم على مثل عدد ما خلق الله لأهلكهم أجمعين».

قوله تعالى :

وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ

يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ

__________________

(٤) في المصدر : أني.

٢٧٢

اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ [٨٩]

٥٥٠ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «ذم الله اليهود ، فقال : (وَلَمَّا جاءَهُمْ) يعني هؤلاء اليهود الذين تقدم ذكرهم ، وإخوانهم من اليهود ، جاءهم (كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ) القرآن (مُصَدِّقٌ) ذلك الكتاب (لِما مَعَهُمْ) من التوراة التي بين فيها أن محمدا الأمي من ولد إسماعيل ، المؤيد بخير خلق الله بعده : علي ولي الله (وَكانُوا) يعني هؤلاء اليهود (مِنْ قَبْلُ) ظهور محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة (يَسْتَفْتِحُونَ) يسألون الله الفتح والظفر (عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) من أعدائهم والمناوئين لهم ، وكان الله يفتح لهم وينصرهم.

قال الله عز وجل : (فَلَمَّا جاءَهُمْ) جاء هؤلاء اليهود (ما عَرَفُوا) من نعت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصفته (كَفَرُوا بِهِ) جحدوا نبوته حسدا له ، وبغيا عليه ، قال الله عز وجل : (فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ).

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن الله تعالى أخبر رسوله بما كان من إيمان اليهود بمحمد (صلوات الله عليه وآله) قبل ظهوره ، ومن استفتاحهم على أعدائهم بذكره ، والصلاة عليه وعلى آله».

قال عليه‌السلام : «وكان الله عز وجل أمر اليهود في أيام موسى عليه‌السلام وبعده إذا دهمهم أمر ، أو دهتهم داهية أن يدعوا الله عز وجل بمحمد وآله الطيبين ، وأن يستنصروا بهم ، وكانوا يفعلون ذلك حتى كانت اليهود من أهل المدينة قبل ظهور محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسنين كثيرة يفعلون ذلك ، فيكفون البلاء والدهماء والداهية.

وكانت اليهود قبل ظهور محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعشر سنين تعاديهم أسد وغطفان ـ قوم من المشركين ـ ويقصدون أذاهم ، فكانوا يستدفعون شرورهم وبلاءهم بسؤالهم ربهم بمحمد وآله الطيبين ، حتى قصدهم في بعض الأوقات أسد وغطفان في ثلاثة آلاف فارس إلى بعض قرى اليهود حوالي المدينة ، فتلقاهم اليهود وهم ثلاثمائة فارس ، ودعوا الله بمحمد وآله فهزموهم وقطعوهم.

فقالت أسد وغطفان بعضهما لبعضهم : تعالوا نستعين عليهم بسائر القبائل ؛ فاستعانوا عليهم بالقبائل وأكثروا حتى اجتمعوا قدر ثلاثين ألفا ، وقصدوا هؤلاء الثلاثمائة في قريتهم ، فألجئوهم إلى بيوتها ، وقطعوا عنها المياه الجارية التي كانت تدخل إلى قراهم ، ومنعوا عنهم الطعام ، واستأمن اليهود (١) فلم يأمنوهم ، وقالوا : لا ، إلا أن نقتلكم ونسبيكم وننهبكم.

فقالت اليهود بعضها لبعض : كيف نصنع؟ فقال لهم أماثلهم وذوو الرأي منهم : أما أمر موسى أسلافكم ومن بعدهم بالاستنصار بمحمد وآله الطيبين؟ أما أمركم بالابتهال إلى الله عز وجل عند الشدائد بهم؟ قالوا : بلى ؛ قالوا : فافعلوا.

فقالوا : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما سقيتنا ، فقد قطعت الظلمة عنا المياه حتى ضعف شباننا ، وتماوت

__________________

سورة البقرة آية ـ ٨٩ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٩٣ / ٢٦٨ ـ ٢٧٠.

(١) في المصدر زيادة : منهم.

٢٧٣

ولداننا ، وأشرفنا على الهلكة ؛ فبعث الله تعالى لهم وابلا هطلا سحا (٢) ، ملأ حياضهم وآبارهم وأنهارهم وأوعيتهم وظروفهم ، فقالوا : هذه إحدى الحسنيين ؛ ثم أشرفوا من سطوحهم على العساكر المحيطة بهم ، فإذا المطر قد آذاهم غاية الأذى ، وأفسد أمتعتهم وأسلحتهم وأموالهم ، فانصرف عنهم لذلك بعضهم ، لأن ذلك المطر أتاهم في غير أوانه ، في حمارة القيظ (٣) ، حين لا يكون مطر.

فقال الباقون من العساكر : هبكم سقيتم ، فمن أين تأكلون؟ ولئن انصرف عنكم هؤلاء ، فلسنا ننصرف حتى نقهركم على أنفسكم وعيالاتكم ، وأهاليكم وأموالكم ، ونشفي غيظنا منكم.

فقالت اليهود : إن الذي سقانا بدعائنا بمحمد وآله قادر على أن يطعمنا ، وإن الذي صرف عنا من صرفه ، قادر على أن يصرف عنا الباقين.

ثم دعوا الله بمحمد وآله أن يطعمهم ، فجاءت قافلة عظيمة من قوافل الطعام قدر ألفي جمل وبغل وحمار موقرة (٤) حنطة ودقيقا ، وهم لا يشعرون بالعساكر ، فانتهوا إليهم وهم نيام ، ولم يشعروا بهم ، لأن الله تعالى ثقل نومهم حتى دخلوا القرية ، ولم يمنعوهم ، وطرحوا (٥) أمتعتهم وباعوها منهم فانصرفوا وبعدوا ، وتركوا العساكر نائمة ليس في أهلها عين تطرف ، فلما بعدوا انتبهوا ، ونابذوا (٦) اليهود الحرب ، وجعل يقول بعضهم لبعض : الوحى الوحى (٧) ، فإن هؤلاء اشتد بهم الجوع وسيذلون لنا.

قال لهم اليهود : هيهات ، بل قد أطعمنا ربنا وكنتم نياما ، جاءنا من الطعام كذا وكذا ، ولو أردنا قتالكم (٨) في حال نومكم لتهيأ لنا ، ولكنا كرهنا البغي عليكم ، فانصرفوا عنا ، وإلا دعونا عليكم بمحمد وآله ، واستنصرنا بهم أن يخزيكم كما قد أطعمنا وسقانا ؛ فأبوا إلا طغيانا ، فدعوا الله تعالى بمحمد وآله واستنصروا بهم ، ثم برز الثلاثمائة إلى ثلاثين ألفا (٩) ، فقتلوا منهم وأسروا وطحطحوهم (١٠) ، واستوثقوا منهم بأسرائهم ، فكان لا ينالهم (١١) مكروه من جهتهم ، لخوفهم على من لهم في أيدي اليهود ؛ فلما ظهر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسدوه ، إذ كان من العرب ، فكذبوه.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذه نصرة الله تعالى لليهود على المشركين بذكرهم لمحمد وآله ، ألا فاذكروا ـ يا أمة محمد ـ محمدا وآله عند نوائبكم وشدائدكم ، لينصر الله به ملائكتكم على الشياطين الذين يقصدونكم ،

__________________

(٢) سحّ الماء سحّا : سال من فوق. «الصحاح ـ سحح ١ : ٣٧٣».

(٣) حمارّة القيظ : شدّة حرّه. «مجمع البحرين ـ حمر ـ ٣ : ٢٧٦».

(٤) الوقر : الحمل. «الصحاح ـ وقر ـ ٢ : ٨٤٨».

(٥) في المصدر زيادة : فيها.

(٦) نابذه الحرب : كاشفه. «الصحاح ـ نبذ ـ ٢ : ٥٧١».

(٧) الوحى : السرعة ، ويقال الوحى الوحى ، يعني البدار البدار. «الصحاح ـ وحى ـ ٦ : ٢٥٢٠».

(٨) في «ط» نسخة بدل : قتلكم.

(٩) في المصدر : إلى النّاس للقاء.

(١٠) طحطحت الشيء : كسّرته وفرقته .. «الصحاح ـ طحح ـ ١ : ٣٨٦».

(١١) في المصدر : فكانوا لا ينداهم.

٢٧٤

فإن كل واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته ، وملك عن يساره يكتب سيئاته ، ومعه شيطانان من عند إبليس يغويانه ، فإذا وسوسا في قلبه ، ذكرا الله ، وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين ؛ خنس (١٢) الشيطانان ثم صارا إلى إبليس فشكواه ، وقالا له : قد أعيانا أمره ، فأمددنا (١٣) بالمردة ؛ فلا يزال يمدهما حتى يمدهما بألف مارد فيأتونه ، فكلما راموه ذكر الله ، وصلى على محمد وآله الطيبين لم يجدوا عليه طريقا ولا منفذا.

قالوا لإبليس : ليس له غيرك تباشره بجنودك فتغلبه وتغويه ، فيقصده إبليس بجنوده ، فيقول الله تعالى للملائكة : هذا إبليس قد قصد عبدي فلانا ، أو أمتي فلانة بجنوده ألا فقاتلوهم ؛ فيقاتلهم بإزاء كل شيطان رجيم منهم مائة ألف ملك ، وهم على أفراس من نار ، بأيديهم سيوف من نار ورماح من نار ، وقسي (١٤) ونشاشيب (١٥) وسكاكين ، وأسلحتهم من نار ، فلا يزالون يخرجونهم ويقتلونهم بها ، ويأسرون إبليس ، فيضعون عليه تلك الأسلحة ، فيقول : يا رب ، وعدك وعدك ، قد أجلتني إلى يوم الوقت المعلوم.

فيقول الله تعالى للملائكة : وعدته أن لا أميته ، ولم أعده أن لا أسلط عليه السلاح والعذاب والآلام ، اشتفوا منه ضربا بأسلحتكم فإني لا أميته ، فيثخنونه بالجراحات ، ثم يدعونه ، فلا يزال سخين العين على نفسه وأولاده المقتولين ، ولا يندمل شيء من جراحاته إلا بسماعه أصوات المشركين ، بكفرهم.

فإن بقي هذا المؤمن على طاعة الله وذكره والصلاة على محمد وآله ، بقي على إبليس تلك الجراحات ، وإن زال العبد عن ذلك ، وانهمك في مخالفة الله عز وجل ومعاصيه ، اندملت جراحات إبليس ، ثم قوي على ذلك العبد حتى يلجمه ويسرج على ظهره ويركبه ، ثم ينزل عنه ويركب على ظهره شيطانا من شياطينه ، ويقول لأصحابه : أما تذكرون ما أصابنا من شأن هذا؟ ذل وانقاد لنا الآن حتى صار يركبه (١٦) هذا.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإن أردتم أن تديموا على إبليس سخينة (١٧) عينه وألم جراحاته فدوموا على طاعة الله وذكره ، والصلاة على محمد وآله ، وإن زلتم عن ذلك كنتم أسراء إبليس فيركب أقفيتكم بعض مردته».

٥٥١ / ٢ ـ محمد بن يعقوب : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن زرعة بن محمد ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في قول الله عز وجل : (وَكانُوا

__________________

(١٢) خنس : تأخر. «الصحاح ـ خنس ـ ٣ : ٩٢٥».

(١٣) في «س» : فأيدنا.

(١٤) القسي : جمع قوس. «الصحاح ـ قوس ـ ٣ : ٩٦٧».

(١٥) النشاشيب : السهام. «أساس البلاغة : ٤٥٦».

(١٦) في «ط» : نركبه.

(١٧) في المصدر : سخنة.

٢ ـ الكافي ٨ : ٣٠٨ / ٤٨١.

٢٧٥

مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ).

قال : «كانت اليهود تجد في كتبها أن مهاجر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما بين عير (١) وأحد ، فخرجوا يطلبون الموضع ، فمروا بجبل يسمى حددا ، فقالوا : حدد وأحد (٢) سواء ؛ فتفرقوا عنده فنزل بعضهم بتيماء (٣) ، وبعضهم بفدك ، وبعضهم بخيبر ، فاشتاق الذين بتيماء إلى بعض إخوانهم ، فمر بهم أعرابي من قيس فتكاروا (٤) منه ، وقال لهم : أمر بكم ما بين عير وأحد؟ فقالوا له : إذا مررت بهما فآذنا (٥) بهما. فلما توسط بهم أرض المدينة ، قال لهم : ذاك عير ، وهذا أحد ؛ فنزلوا عن ظهر إبله ، وقالوا : قد أصبنا بغيتنا فلا حاجة لنا في إبلك ، فاذهب حيث شئت.

فكتبوا إلى إخوانهم الذين بفدك وخيبر : أنا قد أصبنا الموضع فهلموا إلينا. فكتبوا إليهم : أنا قد استقرت بنا الدار واتخذنا الأموال وما أقربنا منكم ، فإذا كان ذلك فما أسرعنا إليكم! فاتخذوا بأرض المدينة الأموال ، فلما كثرت أموال بلغ تبع (٦) فغزاهم ، فتحصنوا منه فحاصرهم ، وكانوا يرقون لضعفاء أصحاب تبع ، فيلقون إليهم بالليل التمر والشعير ، فبلغ ذلك تبع فرق لهم وآمنهم فنزلوا إليه ، فقال لهم : إني قد استطبت بلادكم ، ولا أراني إلا مقيما فيكم.

فقالوا : إنه ليس ذاك لك ، إنها مهاجر نبي ، وليس ذلك لأحد حتى يكون ذلك.

فقال لهم : إني مخلف فيكم من أسرتي من إذا كان ذلك يساعده وينصره (٧) ؛ فخلف حيين : الأوس ، والخزرج. فلما كثروا بها كانوا يتناولون أموال اليهود ، وكانت اليهود تقول لهم : أما لو قد بعث محمد لنخرجنكم (٨) من ديارنا وأموالنا ؛ فلما بعث الله عز وجل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آمنت به الأنصار ، وكفرت به اليهود ، وهو قول الله عز وجل : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ).

وروى العياشي ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام الحديث بعينه (٩).

٥٥٢ / ٣ ـ وعنه : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله تبارك وتعالى : (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ)؟

__________________

(١) عير : جبل في المدينة ، وقيل : في الحجاز. «معجم البلدان ٤ : ١٧٢».

(٢) حدد : جبل مطل على تيماء. «معجم البلدان ٢ : ٢٢٩».

(٣) التيماء : الفلاة ، وتيماء : بليد في أطراف الشام ما بين الشام ووادي القرى. «معجم البلدان ٢ : ٦٧».

(٤) تكاروا : استأجروا.

(٥) آذنتك بالشيء : أعلمتكه. «الصحاح ـ أذن ـ ٥ : ٢٠٦٩».

(٦) تبع : من ملوك حمير. «مجمع البحرين ـ تبع ـ ٤ : ٣٠٥».

(٧) في «ط» نسخة بدل : ساعده ونصره.

(٨) في المصدر : ليخرجنكم.

(٩) تفسير العياشي ١ : ٤٩ / ٦٩.

٣ ـ الكافي ٨ : ٣١٠ / ٤٨٢.

٢٧٦

قال : «كان قوم فيما بين محمد وعيسى (صلوات الله عليهما) ، كانوا يتوعدون أهل الأصنام بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويقولون : ليخرجن نبي ، وليكسرن أصنامكم ، وليفعلن بكم ما يفعلن ؛ فلما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفروا به».

٥٥٣ / ٤ ـ العياشي : عن جابر ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن هذه الآية ، عن قول الله : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ).

قال : «تفسيرها في الباطن : لما جاءهم ما عرفوا في علي عليه‌السلام كفروا به ، فقال الله فيهم : (فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) في باطن القرآن». قال أبو جعفر عليه‌السلام : «يعني بني أمية ، هم الكافرون في باطن القرآن».

قوله تعالى :

(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ [٩٠])

٥٥٤ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «ذم الله تعالى اليهود وعاب فعلهم في كفرهم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) أي اشتروها بالهدايا والفضول (١) التي كانت تصل إليهم ، وكان الله أمرهم بشرائها من الله بطاعتهم له ، ليجعل (٢) لهم أنفسهم والانتفاع بها دائما في نعيم الآخرة فلم يشتروها ، بل اشتروها بما أنفقوه في عداوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليبقى لهم عزهم في الدنيا ، ورئاستهم على الجهال ، وينالوا المحرمات ، وأصابوا الفضولات من السفلة وصرفوهم عن سبيل الرشاد ، ووقفوهم على طريق الضلالات.

ثم قال الله عز وجل : (أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً) أي بما أنزل الله على موسى عليه‌السلام من تصديق محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغيا (أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ)».

قال : «وإنما كان كفرهم لبغيهم وحسدهم له ، لما أنزل الله من فضله عليه ، وهو القرآن الذي أبان فيه نبوته ، وأظهر به آيته ومعجزته ، ثم قال : (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) يعني رجعوا وعليهم الغضب من الله على غضب

__________________

٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٠ / ٧٠.

سورة البقرة آية ـ ٩٠ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٤٠١ / ٢٧٢.

(١) فضول الغنائم : ما فضل منها حين تقسم ، وفضول المال : بقاياه الزائدة من الحاجة.

(٢) في «ط» نسخة بدل : ليحصل.

٢٧٧

في إثر غضب ـ قال ـ : «والغضب الأول حين كذبوا بعيسى بن مريم عليه‌السلام ، والغضب الثاني حين كذبوا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم».

قال : «والغضب الأول أن جعلهم قردة خاسئين ، ولعنهم على لسان عيسى عليه‌السلام ، والغضب الثاني حين سلط الله عليهم سيوف محمد وآله وأصحابه وأمته حتى ذللهم بها ؛ فإما دخلوا في الإسلام طائعين ، وإما أدوا الجزية صاغرين داخرين (٣)».

٥٥٥ / ٢ ـ محمد بن يعقوب : عن علي بن إبراهيم ، عن أحمد بن محمد البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن عمار بن مروان ، عن المنخل ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «نزل جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هكذا : بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله في علي بغيا».

٥٥٦ / ٣ ـ العياشي : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [هكذا] : بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله في علي بغيا ؛ وقال الله في علي عليه‌السلام : (أَنْ يُنَزِّلَ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) يعني عليا ، قال الله : (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) يعني بني أمية (وَلِلْكافِرِينَ) يعني بني أمية (عَذابٌ مُهِينٌ)».

قوله تعالى :

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا

وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ

أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [٩١]

٥٥٧ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «(وَإِذا قِيلَ) لهؤلاء اليهود الذين تقدم ذكرهم (آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ) على محمد من القرآن المشتمل على الحلال والحرام ، والفرائض والأحكام (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) وهو التوراة (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) يعني ما سواه ، لا يؤمنون به (وَهُوَ الْحَقُ) والذي يقول هؤلاء اليهود : إنه وراءه ، هو الحق ، لأنه هو الناسخ والمنسوخ (١) الذي قدمه الله عز وجل.

قال الله تعالى : (قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ) أي : لم كان يقتل أسلافكم (أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)

__________________

(٣) الدّخور : الصغار والذّل. «الصحاح ـ دخر ـ ٢ : ٦٥٥».

٢ ـ الكافي ١ : ٣٤٥ / ٢٥.

٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٥٠ / ٧٠.

سورة البقرة آية ـ ٩١ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٤٠٣ / ٢٧٥ و ٢٧٦.

(١) في المصدر : للمنسوخ.

٢٧٨

بالتوراة ، أي ليست التوراة الآمرة (٢) بقتل الأنبياء ، فإذا كنتم (تَقْتُلُونَ) الأنبياء ، فما آمنتم بما أنزل عليكم من التوراة ، لأن فيها تحريم قتل الأنبياء ، كذلك إذا لم تؤمنوا بمحمد ، وبما أنزل عليه وهو القرآن ، وفيه الأمر بالإيمان به ، فأنتم ما آمنتم بعد بالتوراة.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أخبر الله تعالى أن من لا يؤمن بالقرآن ، فما آمن بالتوراة ، لأن الله تعالى أخذ عليهم الإيمان بهما ، لا يقبل الإيمان بأحدهما إلا مع الإيمان بالآخر. فكذلك فرض الله الإيمان بولاية علي بن أبي طالب (٣) كما فرض الإيمان بمحمد ، فمن قال : آمنت بنبوة محمد وكفرت بولاية علي بن أبي طالب ، فما آمن بنبوة محمد.

إن الله تعالى إذا بعث الخلائق يوم القيامة ، نادى منادي ربنا نداء تعريف الخلائق في إيمانهم وكفرهم ، فقال : الله أكبر ، الله أكبر ؛ ومناد آخر ينادي : معاشر الخلائق ساعدوه على هذه المقالة ؛ فأما الدهرية (٤) والمعطلة فيخرسون عن ذلك ، ولا تنطق (٥) ألسنتهم ، ويقولها سائر الناس من الخلائق ، فيمتاز الدهرية والمعطلة من سائر الناس بالخرس.

ثم يقول المنادي : أشهد أن لا إله إلا الله ؛ فيقول الخلائق كلهم ذلك ، إلا من كان يشرك بالله تعالى من المجوس والنصارى وعبدة الأوثان ، فإنهم يخرسون فيتبينون بذلك من سائر الخلائق.

ثم يقول المنادي : اشهد أن محمدا رسول الله ؛ فيقولها المسلمون أجمعون ، وتخرس عنها اليهود والنصارى وسائر المشركين.

ثم ينادي مناد آخر من عرصات القيامة : ألا فسوقوهم إلى الجنة لشهادتهم لمحمد بالنبوة ، فإذا النداء من قبل الله تعالى : لا ، بل (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) (٦).

يقول الملائكة ـ الذين قالوا : سوقوهم إلى الجنة لشهادتهم لمحمد بالنبوة : لماذا يوقفون ، يا ربنا؟

فإذا النداء من قبل الله تعالى : قفوهم إنهم مسئولون عن ولاية علي بن أبي طالب وآل محمد ـ يا عبادي وإمائي ـ إني أمرتهم مع الشهادة بمحمد بشهادة أخرى ، فإن جاءوا بها يعطوا (٧) ثوابهم ، وأكرموا مآبهم ، وإن لم يأتوا بها ، لم تنفعهم الشهادة لمحمد بالنبوة ولا لي بالربوبية ، فمن جاء بها فهو من الفائزين ، ومن لم يأت بها فهو من الهالكين».

__________________

(٢) في المصدر : أي ليس في التوراة الأمر.

(٣) في «ط» نسخة بدل : بولاية أمير المؤمنين.

(٤) الدهريّة : وهم القائلون بقدم العالم وقدم الدهر ، وتدبيره للعالم وتأثيره فيه ، وإنّه ما أبلى الدهر من شيء إلاّ أحدث شيئا آخر. وكلّهم متّفقون على نفي الربوبية عن الله الجليل الخالق ، تبارك وتعالى عمّا يصفون علوّا كبيرا. «المقالات والفرق : ١٩٤».

(٥) في المصدر : ولا تنطلق.

(٦) الصّافات ٣٧ : ٢٤.

(٧) في المصدر : فعظّموا.

٢٧٩

قال : «فمنهم من يقول : قد كنت لعلي بن أبي طالب بالولاية شاهدا ، ولآل محمد محبا ؛ وهو في ذلك كاذب ، يظن أن كذبه ينجيه. فيقال له : سوف نستشهد على ذلك عليا. فتشهد أنت ـ يا أبا حسن ـ فتقول : الجنة لأوليائي شاهدة ، والنار على أعدائي شاهدة ؛ فمن كان منهم صادقا خرجت إليه رياح الجنة ونسيمها فاحتملته ، فأوردته علالي الجنة وغرفها ، وأحلته دار المقامة من فضل ربه (٨) ، لا يمسه فيها نصب ، ولا يمسه فيها لغوب ، ومن كان منهم كاذبا ، جاءته (٩) سموم النار وحميمها وظلها الذي هو ثلاث شعب ، لا ظليل ولا يغنى من اللهب (١٠) فتحمله ، فترفعه في الهواء ، وتورده في نار جهنم.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فلذلك أنت قسيم الجنة والنار ، تقول لها : هذا لي ، وهذا لك».

٥٥٨ / ٢ ـ العياشي : قال جابر : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «نزلت هذه الآية على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هكذا والله (وإذا قيل لهم ما ذا أنزل ربكم في علي) يعني بني أمية ، (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) يعني في قلوبهم ، بما أنزل الله عليه (وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ) بما أنزل الله في علي (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ) يعني عليا».

٥٥٩ / ٣ ـ عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال الله في كتابه يحكى قول اليهود : (إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ) (١) الآية ، وقال : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) وإنما أنزل هذا في قوم يهود ، وكانوا على عهد محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقتلوا أنبياء الله بأيديهم ، ولا كانوا في زمانهم ، وإنما قتل أوائلهم (٢) الذين كانوا من قبلهم ، فنزلوا بهم أولئك القتلة ، فجعلهم الله منهم ، وأضاف إليهم فعل أوائلهم بما تبعوهم وتولوهم».

قوله تعالى :

(وَلَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ [٩٢])

٥٦٠ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل لليهود الذين تقدم ذكرهم : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ

__________________

(٨) في «ط» نسخة بدل : ربي.

(٩) في «ط» نسخة بدل : أصابته.

(١٠) تضمين من سورة المرسلات ٧٧ : ٣٠ و ٣١.

٢ ـ تفسير العياشي ١ : ٥١ / ٧١.

٣ ـ تفسير العياشي ١ : ٥١ / ٢٧.

(١) آل عمران ٣ : ١٨٣.

(٢) في «س» ، «ط» : أوليائهم.

سورة البقرة آية ـ ٩٣ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٤٠٨ / ٢٧٨.

٢٨٠