البرهان في تفسير القرآن - ج ١

السيد هاشم الحسيني البحراني

البرهان في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني البحراني


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٥٢

منعه منه بآفة أو داهية حتى يكفه عنه ، فيكف اضطرارا.

فلما قال موسى عليه‌السلام للفتى ذلك ، وصار الله عز وجل له لمقالته حافظا ، قال هذا المنشور ، اللهم إني أسألك بما سألك هذا الفتى من الصلاة على محمد وآله الطيبين والتوسل بهم أن تبقيني في الدنيا متمتعا بابنة عمي ، وتجزي عني أعدائي وحسادي وترزقني فيها خيرا كثيرا طيبا.

فأوحى الله إليه : يا موسى ، إنه كان لهذا الفتى المنشور بعد القتل ستون سنة ، وقد وهبته بمسألته (٣٣) وتوسله بمحمد وآله الطيبين سبعين سنة ، تمام مائة وثلاثين سنة صحيحة حواسه ، ثابت فيها جنانه ، قوية فيها شهواته ، يمتع بحلال هذه الدنيا ، ويعيش ولا يفارقها ولا تفارقه ، فإذا حان حينه حان حينها وماتا جميعا معا فصارا إلى جناتي ، وكانا زوجين فيها ناعمين.

ولو سألني ـ يا موسى ـ هذا الشقي القاتل بمثل ما توسل به هذا الفتى على صحة اعتقاده أن أعصمه من الحسد ، وأقنعه بما رزقته ـ وذلك هو الملك العظيم ـ لفعلت.

ولو سألني بعد ذلك (٣٤) مع التوبة عن صنيعه أن لا أفضحه لما فضحته (٣٥) ، ولصرفت هؤلاء عن اقتراح إبانة القاتل ، ولأغنيت هذا الفتى من غير هذا الوجه بقدر هذا المال.

ولو سألني بعد ما افتضح ، وتاب إلي ، وتوسل بمثل وسيلة هذا الفتى أن أنسي الناس فعله ـ بعد ما ألطف لأوليائه فيعفون عن القصاص ـ فعلت ، فكان لا يعيره أحد بفعله ، ولا يذكره فيهم ذاكر ، ولكن ذلك فضلي أوتيه من أشاء ، وأنا العدل الحكيم (٣٦).

فلما ذبحوها قال الله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) فأرادوا أن لا يفعلوا ذلك من عظم ثمن البقرة ، ولكن اللجاج حملهم على ذلك ، واتهامهم لموسى عليه‌السلام حدأهم (٣٧) عليه».

قال : «فضجوا إلى موسى عليه‌السلام ، وقالوا : افتقرت القبيلة ودفعت (٣٨) إلى التكفف (٣٩) ، فانسلخنا بلجاجنا عن قليلنا وكثيرنا ، فادع الله لنا بسعة الرزق.

فقال موسى عليه‌السلام : ويحكم ما أعمى قلوبكم! أما سمعتم دعاء الفتى صاحب البقرة ، وما أورثه الله تعالى من الغنى؟ أو ما سمعتم دعاء المقتول المنشور ، وما أثمر له من العمر الطويل والسعادة والتنعم (٤٠) بحواسه وسائر

__________________

(٣٣) في «س» : بمسألتي.

(٣٤) في المصدر : بذلك.

(٣٥) في «س» : أفضحته.

(٣٦) في المصدر : وأنا ذو الفضل العظيم ، وأعدل بالمنع على من أشاء ، وأنا العزيز الحكيم.

(٣٧) حدأت إليه : أي لجأت إليه. «الصحاح ـ حدأ ـ ١ : ٤٣» ، وفي «ط» : جرّهم.

(٣٨) في «س» و «ط» : رفعت.

(٣٩) تكفّف : مدّ كفّه يسأل النّاس. «الصحاح ـ كفف ـ ٤ : ١٤٢٣».

(٤٠) في المصدر زيادة : والتمتع.

٢٤١

بدنه وعقله؟ لم لا تدعون الله بمثل دعائهما ، أو تتوسلون إلى الله بمثل توسلهما إليه ، ليسد فاقتكم ، ويجبر كسركم ، ويسد خلتكم؟

فقالوا : اللهم إليك التجأنا (٤١) ، وعلى فضلك اعتمدنا ، فأزل فقرنا وسد خلتنا بجاه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم.

فأوحى الله إليه : يا موسى ، قل لهم ليذهب رؤساؤهم إلى خربة بني فلان ، ويكشفوا في موضع كذا وكذا ـ لموضع عينه ـ وجه أرضها قليلا ، ويستخرجوا ما هناك ، فإنه عشرة آلاف ألف دينار ، ليردوا (٤٢) على كل من دفع في ثمن هذه البقرة ما دفع ، لتعود أحوالهم إلى ما كانت ، ثم ليتقاسموا بعد ذلك ما يفضل ، وهو خمسة آلاف ألف ، على قدر ما دفع كل واحد منهم في هذه المحنة ، لتتضاعف أموالهم ، جزاء على توسلهم بمحمد وآله الطيبين ، واعتقادهم لتفضيلهم.

فذلك ما قال الله تعالى : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) اختلفتم فيها وتدارأتم ، ألقى بعضكم الذنب في قتل المقتول على بعض ، ودرأه عن نفسه وذريته (٤٣) (وَاللهُ مُخْرِجٌ) مظهر (ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) ما كان من خبر القاتل ، وما كنتم تكتمون من إرادة تكذيب موسى عليه‌السلام ، باقتراحكم عليه ما قدرتم أن ربه لا يجيبه إليه.

(فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها) ببعض البقرة (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) في الدنيا والآخرة كما أحيا الميت بملاقاة ميت آخر : أما في الدنيا فيلاقي ماء الرجل ماء المرأة ، فيحيي الله الذي كان في الأصلاب والأرحام حيا ، وأما في الآخرة فإن الله تعالى ينزل بين نفختي الصور ، بعد ما ينفخ النفخة الأولى من دوين السماء الدنيا ، من البحر المسجور الذي قال الله تعالى : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) (٤٤) وهو (٤٥) مني كمني الرجل ، فيمطر ذلك على الأرض ، فيلقي الماء المني مع الأموات البالية ، فينبتون من الأرض ويحيون.

قال الله عز وجل : (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) سائر آياته سوى هذه الدلالات على توحيده ، ونبوة موسى عليه‌السلام نبيه ، وفضل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الخلائق ، سيد إمائه وعبيده ، وتبيين (٤٦) فضله وفضل آله الطيبين على سائر خلق الله أجمعين (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) تتفكرون أن الذي يفعل هذه العجائب لا يأمر الخلق إلا بالحكمة ، ولا يختار محمداً إلا وهم أفضل ذوي الألباب».

٥٠٨ / ٢ ـ ابن بابويه ، قال : حدثني أبي رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا علي بن موسى بن جعفر بن أبي جعفر

__________________

(٤١) في «س» : التجاؤنا.

(٤٢) في «س» و «ط» : ويزدادوا.

(٤٣) في المصدر : وذويه.

(٤٤) الطّور ٥٢ : ٦.

(٤٥) في المصدر : وهي.

(٤٦) في المصدر : وتبيينه.

٢ ـ عيون أخبار الرّضا عليه‌السلام : ٢ : ١٣ / ٣١.

٢٤٢

الكمنداني ، ومحمد بن يحيى العطار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : «إن رجلا من بني إسرائيل قتل قرابة له (١) ، ثم أخذه وطرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل (٢) ، ثم جاء يطلب بدمه. فقالوا لموسى عليه‌السلام : إن سبط آل فلان قتلوا فلانا ، فأخبرنا (٣) من قتله.

قال : ائتوني ببقرة.

(قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ولو أنهم عمدوا إلى أي بقرة أجزأتهم ، ولكن شددوا فشدد الله عليهم. (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ) يعني لا صغيرة ولا كبيرة (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) ولو أنهم عمدوا إلى أي بقرة أجزأتهم ، ولكن شددوا فشدد الله عليهم.

(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) ولو أنهم عمدوا إلى بقرة لأجزأتهم (٤) ، ولكن شددوا فشدد الله عليهم. (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ * قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ). فطلبوها ، فوجودها عند فتى من بني إسرائيل ، فقال : لا أبيعها إلا بملء مسك (٥) ذهبا. فجاءوا إلى موسى ، وقالوا له ذلك ، فقال : اشتروها. فاشتروها وجاءوا بها ، فأمر بذبحها ، ثم أمر أن يضربوا الميت بذنبها ، فلما فعلوا ذلك حيي المقتول ، وقال : يا رسول الله ، إن ابن عمي قتلني دون من يدعي عليه قتلي ؛ فعلموا بذلك قاتله.

فقال لرسول (٦) الله موسى عليه‌السلام بعض (٧) أصحابه : إن هذه البقرة لها نبأ. فقال : وما هو؟

قالوا : إن فتى من بني إسرائيل كان بارا بأبيه ، وإنه اشترى بيعا (٨) فجاء إلى أبيه والأقاليد (٩) تحت رأسه ، فكره أن يوقظه ، فترك ذلك البيع ، فاستيقظ أبوه ، فأخبره ، فقال له : أحسنت ، خذ هذه البقرة فهي لك عوضا لما فاتك ـ قال ـ فقال له رسول الله موسى عليه‌السلام : انظر إلى البر ما بلغ أهله!».

وروى العياشي هذا الحديث ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي ، قال : سمعت أبا الحسن

__________________

(١) في «س» ، «ط» : قرابته.

(٢) الأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب. «الصحاح ـ سبط ـ ٣ : ١١٢٩».

(٣) في «س» ، «ط» : فأخبر.

(٤) في المصدر : أجزأتهم.

(٥) في المصدر : مسكها.

(٦) في المصدر : رسول.

(٧) في المصدر : لبعض.

(٨) وفي المصدر : تبيعا ، والتّبيع : ولد البقرة في أوّل سنة. «الصحاح ـ تبع ـ ٣ : ١١٩».

(٩) الأقاليد : جمع مقلد أو مقلاد ، وهو المفتاح أو الخزانة. وفي المصدر : أبيه ورأى أنّ المقاليد ، وكلاهما بمعنى.

٢٤٣

الرضا عليه‌السلام ، وذكر الحديث (١٠).

٥٠٩ / ٣ ـ علي بن إبراهيم ، قال : حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام ، قال : «إن رجلا من خيار بني إسرائيل وعلمائهم خطب امرأة منهم فأنعمت له ، وخطبها ابن عم لذلك الرجل ، وكان فاسقا رديئا ، فلم ينعموا له ، فحسد ابن عمه الذي أنعموا له (١) ، فقعد له فقتله غيلة ، ثم حمله إلى موسى. فقال : يا نبي الله ، هذا ابن عمي قد قتل. قال موسى : من قتله؟ قال : لا أدري.

وكان القتل في بني إسرائيل عظيما جدا ، فعظم ذلك على موسى ، فاجتمع إليه بنو إسرائيل ، فقالوا : ما ترى ، يا نبي الله؟ وكان في بني إسرائيل رجل له بقرة ، وكان له ابن بار ، وكان عند ابنه سلعة ، فجاء قوم يطلبون سلعته ، وكان مفتاح بيته تحت رأس أبيه ، وكان نائما ، فكره ابنه أن ينبهه وينغص عليه (٢) نومه ، فانصرف القوم ولم يشتروا سلعته. فلما انتبه أبوه ، قال له : يا بني ، ماذا صنعت في سلعتك؟ قال : هي قائمة لم أبعها ، لأن المفتاح كان تحت رأسك ، فكرهت أن أنبهك ، وأنغص عليك نومك. قال له أبوه : قد جعلت هذه البقرة لك ، عوضا عما فاتك من ربح سلعتك ؛ وشكر الله لابنه ما فعل بأبيه.

فأمر موسى بني إسرائيل ، أن يذبحوا تلك البقرة بعينها ، فلما اجتمعوا إلى موسى ، وبكوا وضجوا ، قال لهم موسى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) فتعجبوا (قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) نأتيك بقتيل ، فتقول : اذبحوا بقرة! فقال لهم موسى : (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) فعلموا أنهم قد أخطؤوا.

(قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ) الفارض : التي قد ضربها الفحل ، ولم تحمل ؛ والبكر : التي لم يضربها الفحل. (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها) أي شديدة الصفرة (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) إليها. (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ * قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) أي لم تذلل (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) أي ولا تسقي الزرع (مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها) أي لا بقع (٣) فيها إلا الصفرة. (قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِ) هي بقرة فلان ، فذهبوا ليشتروها ، فقال : لا أبيعها إلا بملء جلدها ذهبا.

فرجعوا إلى موسى فأخبروه ، فقال لهم موسى : لا بد لكم من ذبحها بعينها ؛ فاشتروها بملء جلدها ذهبا ، فذبحوها ، ثم قالوا : ما تأمرنا ، يا نبي الله. فأوحى الله تعالى إليه : قل لهم : (اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها) وقولوا : من قتلك؟

فأخذوا الذنب فضربوه به ، وقالوا : من قتلك يا فلان؟ فقال : فلان بن فلان ، ابن عمي ـ الذي جاء به ـ وهو قوله : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)».

__________________

(١٠) تفسير العيّاشي ١ : ٤٦ / ٥٧.

٣ ـ تفسير القمّي ١ : ٤٩.

(٢) أنعم له : أي قال له : نعم. «الصحاح ـ نعم ـ ٥ : ٢٠٤٣».

(٣) نغّض علينا : قطع علينا ما كنا نحبّ الاستكثار منه. «لسان العرب ـ نغص ـ ٧ : ٩٩».

(٤) في المصدر : لا نقط.

٢٤٤

٥١٠ / ٤ ـ العياشي : عن الحسن بن علي بن فضال (١) ، قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : «إن الله أمر بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة ، وإنما كانوا يحتاجون إلى ذنبها ، فشددوا (٢) ، فشدد الله عليهم».

٥١١ / ٥ ـ عن الفضل بن شاذان ، عن بعض أصحابنا ، رفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام ، أنه قال : «من لبس نعلا صفراء لم يزل مسرورا حتى يبليها ، كما قال الله : (صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ)».

وقال : «من لبس نعلا صفراء لم يبلها حتى يستفيد علما أو مالا».

٥١٢ / ٦ ـ عن يونس بن يعقوب (١) ، قال : قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : إن أهل مكة يذبحون البقرة في اللبب (٢) ، فما ترى في أكل لحومها؟ قال : فسكت هنيئة ، ثم قال : «قال الله (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) لا تأكل إلا ما ذبح من مذبحه».

قوله تعالى :

(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [٧٤])

٥١٣ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) عست (١) وجفت ويبست من الخير والرحمة قلوبكم ، معاشر اليهود (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) من بعد ما بينت من الآيات الباهرات في زمان موسى عليه‌السلام ، ومن الآيات المعجزات التي شاهدتموها من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٧ / ٥٨.

(١) في المصدر : الحسن بن عليّ بن محبوب ، عن عليّ بن يقطين ، وما في المتن هو الصحيح ، راجع معجم رجال الحديث ٥ : ٥٠.

(٢) (فشدّدوا) ليس في «ط».

٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٧ / ٥٩ و ٦٠.

٦ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٧ / ٦١.

(١) في «س» ، «ط» : يونس بن عبد الرّحمن ، وما في المتن هو الأصح لأنّه روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام واختصّ به ، أمّا يونس بن عبد الرّحمن فقد قال النجاشيّ : إنّه رأى جعفر بن محمّد عليه‌السلام بين الصّفا والمروة ، ولم يرو عنه. راجع رجال النجاشيّ : ٤٤٦ / ١٢٠٧ و ١٢٠٨.

(٢) اللّبب : المنحر من كل شيء. «النهاية ٤ : ٢٢٣».

سورة البقرة آية ـ ٧٤ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٨٣ / ١٤١.

(١) عسا الشّيء : يبس واشتدّ وصلب. «الصحاح ـ عسا ـ ٦ : ٢٤٢٥». وفي «ط» : غشت.

٢٤٥

(فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) اليابسة لا ترشح برطوبة ، ولا ينتفض منها ما ينتفع به ، أي أنكم لا حق لله تردون (٢) ، ولا من أموالكم ، ولا من حواشيها (٣) تتصدقون ، ولا بالمعروف تتكرمون وتجودون ، ولا الضيف تقرون (٤) ولا مكروبا تغيثون ، ولا بشيء من الإنسانية تعاشرون ، وتعاملون.

(أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) إنما هي في قساوة الأحجار ، أو أشد قسوة ، أبهم على السامعين ، ولم يبين لهم ، كما قال القائل : أكلت خبزا أو لحما ، وهو لا يريد به : أني لا أدري ما أكلت ، بل يريد أن يبهم على السامع حتى لا يعلم ما أكل ، وإن كان يعلم أنه قد أكل.

وليس معناه بل أشد قسوة ، لأن هذا استدراك غلط ، وهو عز وجل يرتفع عن أن يغلط في خبر ، ثم يستدرك على نفسه الغلط ، لأنه العالم بما كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون ، وإنما يستدرك الغلط على نفسه المخلوق المنقوص.

ولا يريد به أيضا فهي كالحجارة أو أشد ، أي وأشد قسوة ، لأن هذا تكذيب الأول بالثاني ، لأنه قال : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ) في الشدة لا أشد منها ولا ألين ، فإذا قال بعد ذلك : (أَوْ أَشَدُّ) فقد رجع عن قوله الأول : إنها ليست بأشد.

وهو مثل أن يقول : لا يجيء من قلوبكم خير ، لا قليل ولا كثير ، فأبهم عز وجل في الأول حيث قال : (أَوْ أَشَدُّ) وبين في الثاني أن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة ، لا بقوله : (أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) ولكن بقوله : (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ) أي فهي في القساوة بحيث لا يجيء منها الخير ، يا يهود ، وفي الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ، فيجيء بالخير والغياث لبني آدم. (وَإِنَّ مِنْها) من الحجارة (لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ) وهو ما يقطر منه الماء ، فهو خير منها ، دون الأنهار التي تتفجر من بعضها ، وقلوبهم لا يتفجر منها الخيرات ، ولا تشقق (٥) فيخرج منها قليل من الخيرات ، وإن لم يكن كثيرا.

ثم قال الله عز وجل : (وَإِنَّ مِنْها) يعني من الحجارة (لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) إذا أقسم عليها باسم الله وبأسماء أوليائه محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والطيبين من آلهم (صلى الله عليهم) ، وليس في قلوبكم شيء من هذه الخيرات (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) بل عالم به ، يجازيكم عنه بما هو به عادل عليكم ، وليس بظالم لكم ، يشدد حسابكم ، ويؤلم عقابكم.

وهذا الذي وصف الله تعالى به قلوبهم هاهنا نحو ما قال في سورة النساء : (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) (٦) وما وصف به الأحجار هاهنا نحو ما وصف في قوله : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى

__________________

(٢) في المصدر : تؤدون.

(٣) حواشي الأموال : صغار الإبل ، كابن المخاض وابن اللبون. «لسان العرب ـ حشا ـ ١٤ : ١٨٠». وفي المصدر : مواشيها.

(٤) قريت الضيف : أحسنت إليه. «الصحاح ـ قرا ـ ٦ : ٢٤٦١».

(٥) في «س» : تنشق.

(٦) النساء ٤ : ٥٣.

٢٤٦

جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) (٧) وهذا التقريع من الله تعالى لليهود والنواصب ، واليهود جمعوا الأمرين واقترفوا الخطيئتين ، فعظم (٨) على اليهود ما وبخهم به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال جماعة من رؤسائهم وذوي اللسن والبيان منهم : يا محمد ، إنك تهجونا وتدعي على قلوبنا ما الله يعلم منها خلافه ، إن فيها (٩) خيرا كثيرا ، نصوم ونتصدق ونواسي الفقراء.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنما الخير ما أريد به وجه الله تعالى ، وعمل على ما أمر الله تعالى ، فأما ما أريد به الرياء والسمعة ومعاندة (١٠) رسول الله ، وإظهار الغنى له ، والتمالك والتشرف عليه ، فليس بخير ، بل هو الشر الخالص ، ووبال على صاحبه ، يعذبه الله به أشد العذاب.

فقالوا له : يا محمد ، أنت تقول هذا ، ونحن نقول : بل ما ننفقه إلا لإبطال أمرك ، ودفع رسالتك (١١) ، ولتفريق أصحابك عنك (١٢) ، وهو الجهاد الأعظم ، نأمل به من الله تعالى الثواب الأجل الأجسم ، فأقل أحوالنا أنا تساوينا في الدعاوى ، فأي فضل لك علينا؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا إخوة اليهود ، إن الدعاوى يتساوى فيها المحقون والمبطلون ، ولكن حجج الله ودلائله تفرق بينهم فتكشف عن تمويه المبطلين ، وتبين عن حقائق المحقين ، ورسول الله محمد لا يغتنم جهلكم ، ولا يكلفكم التسليم له بغير حجة ، ولكن يقيم عليكم حجة الله تعالى التي لا يمكنكم دفعها ، ولا تطيقون الامتناع من موجبها ، ولو ذهب محمد يريكم آية من عنده لشككتم ، وقلتم : إنه متكلف مصنوع محتال فيه ، معمول أو متواطأ عليه ، فإذا اقترحتم أنتم فأراكم ما تقترحون ، لم يكن لكم أن تقولوا : معمول أو متواطأ عليه أو متأت بحيلة ومقدمات ، فما الذي تقترحون؟ فهذا رب العالمين قد وعدني أن يظهر لكم ما تقترحون ليقطع معاذير الكافرين منكم ، ويزيد في بصائر المؤمنين.

قالوا : قد أنصفتنا ـ يا محمد ـ فإن وفيت بما وعدت من نفسك من الإنصاف ، وإلا فأنت أول راجع عن دعواك للنبوة ، وداخل في غمار (١٣) الأمة ، ومسلم لحكم التوراة لعجزك عما نقترحه عليك ، وظهور الباطل في دعواك (١٤) فيما ترومه من جهتك.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الصدق ينبئ عنكم لا الوعيد (١٥) ، اقترحوا ما تقترحون ليقطع معاذيركم فيما

__________________

(٧) الحشر ٥٩ : ٢١.

(٨) في المصدر : فغلّظ.

(٩) في «ط» نسخة بدل : فينا.

(١٠) في المصدر : أو معاندة.

(١١) في «ط» نسخة بدل : ورفع رئاستك.

(١٢) في «ط» نسخة بدل : منك.

(١٣) دخلت في غمار الناس ـ يضمّ ويفتح ـ أي في زحمتهم وكثرتهم. «الصحاح ـ غمر ـ ٢ : ٧٧٢».

(١٤) في «س» : وظهور باطل دعواك.

(١٥) مثل لفظه : (الصدق ينبئ عنك لا الوعيد) ، ومعناه : أنّ ما ينبئ عدوّك عنك أن تصدق في المحاربة وغيرها ، لا أن توعده ولا تنفّذ لما

٢٤٧

تسألون.

فقالوا له : يا محمد ، زعمت أنه ما في قلوبنا شيء من مواساة الفقراء ، ومعاونة الضعفاء ، والنفقة في إبطال الباطل ، وإظهار الحق ، وأن الأحجار ألين من قلوبنا ، وأطوع لله منا ، وهذه الجبال بحضرتنا ، فهلم بنا إلى بعضها ، فاستشهدها على تصديقك وتكذيبنا ، فإن نطق بتصديقك فأنت المحق ، يلزمنا اتباعك ، وإن نطق بتكذيبك أو صمت فلم يرد جوابك (١) ، فاعلم بأنك المبطل في دعواك ، المعاند لهواك.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم ، هلموا بنا إلى أيها شئتم أستشهده ليشهد لي عليكم ؛ فخرجوا إلى أوعر جبل رأوه (٢) ، فقالوا : يا محمد ، هذا الجبل فاستشهده.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للجبل : إني أسألك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم خفف الله العرش على كواهل ثمانية من الملائكة ، بعد أن لم يقدروا على تحريكه وهم خلق كثير ، لا يعرف عددهم غير الله عز وجل ، وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم تاب الله على آدم ، وغفر خطيئته ، وأعاده إلى مرتبته ، وبحق محمد وآله الطيبين الذين بذكر أسمائهم وسؤال الله بهم رفع إدريس في الجنة مكانا عليا ، لما شهدت لمحمد بما أودعك الله بتصديقه على هؤلاء اليهود في ذكر قساوة قلوبهم وتكذيبهم ، وفي (٣) جحدهم لقول محمد رسول الله.

فتحرك الجبل وتزلزل ، وفاض منه الماء ، ونادى : يا محمد ، أشهد أنك رسول الله رب العالمين ، وسيد الخلق أجمعين ، وأشهد أن قلوب هؤلاء اليهود كما وصفت : أقسى من الحجارة ، لا يخرج منها خير ، كما قد يخرج من الحجارة الماء سيلا (٤) أو تفجرا (٥) ، وأشهد أن هؤلاء كاذبون عليك فيما به يقذفونك (٦) من الفرية على رب العالمين.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأسألك ـ أيها الجبل ـ أمرك الله بطاعتي فيما ألتمسه منك بجاه محمد وآله الطيبين الذين بهم نجى الله نوحا من الكرب العظيم ، وبرد النار على إبراهيم عليه‌السلام وجعلها عليه بردا وسلاما ، ومكنه في جوف النار على سرير وفراش وثير ، لم ير ذلك (٧) الطاغية مثله لأحد من ملوك الأرض أجمعين ، وأنبت

__________________

= توعد به. «مجمع الأمثال ١ : ٣٩٨».

(١) في «س» : جوابا.

(٢) في «س» ، «ط» : رآه.

(٣) (في) ليس في المصدر.

(٤) في «ط» نسخة بدل : سبيلا.

(٥) في المصدر : أو تفجيرا.

(٦) في المصدر : يقرفونك. يقال : هو يقرف بكذا : يرمى به ويتّهم. «الصحاح ـ قرف ـ ٤ : ١٤١٥».

(٧) في «س» : تلك.

٢٤٨

حواليه من الأشجار الخضرة النضرة النزهة ، وغمر (٢٣) ما حوله من أنواع المنثور (٢٤) ، بما لا يوجد إلا في فصول أربعة من جميع السنة؟

قال الجبل : بلى ، أشهد لك ـ يا محمد ـ بذلك ، وأشهد أنك لو اقترحت على ربك أن يجعل رجال الدنيا قرودا وخنازير لفعل ، أو يجعلهم ملائكة لفعل ، وأن يقلب النيران جليدا ، والجليد نيرانا (٢٥) لفعل ، أو يهبط السماء إلى الأرض ، أو يرفع الأرض إلى السماء لفعل ، أو يصير (٢٦) أطراف المشارق والمغارب والوهاد كلها صرة كصرة الكيس لفعل ، وأنه قد جعل الأرض والسماء طوعك ، والجبال والبحار تنصرف بأمرك ، وسائر ما خلق الله من الرياح والصواعق ، وجوارح الإنسان وأعضاء الحيوان لك مطيعة ، وما أمرتها به من شيء ائتمرت.

فقال اليهود : يا محمد : علينا (٢٧) تلبس وتشبه؟ قد أجلست مردة من أصحابك خلف صخور على هذا الجبل ، فهم ينطقون بهذا الكلام ، ونحن لا ندري أنسمع من الرجل أم من الجبل؟ لا يغتر بمثل هذا إلا ضعفاؤك الذين تبحبح (٢٨) في عقولهم ، فإن كنت صادقا فتنح عن موضعك هذا إلى ذلك القرار ، ومر هذا الجبل أن ينقلع (٢٩) من أصله ، فيسير إليك إلى هناك ، فإذا حضرك ـ ونحن نشاهده ـ فمره أن ينقطع نصفين من ارتفاع سمكه ، ثم ترتفع السفلى من قطعتيه فوق العليا ، وتنخفض العليا تحت السفلى ، فإذا أصل الجبل قلته (٣٠) ، وقلته أصله ، لنعلم أنه من الله ، لا يتفق بمواطأة ولا بمعاونة مموهين متمردين.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وأشار إلى حجر فيه قدر خمسة أرطال ـ : يا أيها الحجر ، تدحرج ؛ فتدحرج.

ثم قال لمخاطبه : خذه وقربه من أذنك ، فسيعيد عليك ما سمعته ، فإنه جزء من ذلك الجبل ؛ فأخذه الرجل ، فأدناه إلى أذنه ، فنطق (٣١) الحجر بمثل ما نطق به الجبل أولا من تصديق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما ذكر عن قلوب اليهود ، وفيما أخبر به من أن نفاقهم في دفع أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باطل ، ووبال عليهم.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أسمعت هذا؟ أخلف هذا الحجر أحد يكلمك ، ويوهمك أنه يكلمك ، قال : لا ، فآتني بما اقترحت في الجبل.

فتباعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى فضاء واسع ، ثم نادى الجبل : يا أيها الجبل ، بحق محمد وآله الطيبين ،

__________________

(٢٣) في «س» : وعمّ.

(٢٤) في «ط» نسخة بدل : الميثور.

(٢٥) في «س» : النار.

(٢٦) في «س» : تصير.

(٢٧) في المصدر : أعلينا.

(٢٨) تبحبحت في الدار : إذا توسطتها وتمكّنت منها ، والتّبحبح : التمكّن في الحلول والمقام ، والظاهر أنّ المراد هنا : تتمكن من عقولهم ، وتسيطر عليها. «لسان العرب ـ بحح ـ ٢ : ٤٠٧».

(٢٩) في «س» : ينقطع.

(٣٠) القلّة : أعلى الجبل. «الصحاح ـ قلل ـ ٥ : ١٨٠٤».

(٣١) في المصدر زيادة : به.

٢٤٩

الذين بجاههم ومسألة عباد الله بهم أرسل الله على قوم عاد ريحا صرصرا عاتية ، تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل خاوية ، وأمر جبرئيل أن يصيح صيحة هائلة في قوم صالح حتى صاروا كهشيم المحتظر (٣٢) ، لما انقلعت من مكانك بإذن الله ، وجئت إلى حضرتي هذه ؛ ووضع يده على الأرض بين يديه ، فتزلزل الجبل ، وسار كالقارح (٣٣) الهملاج (٣٤) حتى صار بين يديه ، ودنا من إصبعه أصله فلزق بها ، ووقف وناداها : أنا لك سامع طائع ـ يا رسول رب العالمين ـ وإن رغمت أنوف هؤلاء المعاندين ، مرني بأمرك.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن هؤلاء المعاندين اقترحوا علي أن آمرك أن تنقلع من أصلك ، فتصير نصفين ، ثم ينحط أعلاك ، ويرتفع أسفلك ، فتصير ذروتك أصلك ، وأصلك ذروتك.

فقال الجبل : أتأمرني بذلك ، يا رسول الله؟ قال : بلى ؛ فانقطع الجبل نصفين ، وانحط أعلاه إلى الأرض ، وارتفع أصله (٣٥) فوق أعلاه ، فصار فرعه أصله ، وأصله فرعه.

ثم نادى الجبل : معاشر اليهود ، هذا الذي ترون دون معجزات موسى عليه‌السلام الذي تزعمون أنكم به مؤمنون. فنظر اليهود بعضهم إلى بعض ، فقال بعضهم : ما عن (٣٦) هذا محيص ؛ وقال آخرون منهم : هذا رجل مبخوت يؤتى (٣٧) له ، والمبخوت تتأتى (٣٨) له العجائب ، فلا يغرنكم ما تشاهدون.

فناداهم الجبل : يا أعداء الله ، قد أبطلتم بما تقولون نبوة موسى ، هلا قلتم لموسى : إن قلب العصا ثعبانا ، وانفلاق البحر طرقا ، ووقوف الجبل كالظلة فوقكم ؛ إنك يؤتى لك ، يأتيك جدك (٣٩) بالعجائب ، فلا يغرنا ما نشاهده (٤٠) ؛ فألقمتهم الجبال ـ بمقالتها ـ الصخور ، ولزمتهم حجة رب العالمين».

قوله تعالى :

أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ

ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [٧٥] وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ

__________________

(٣٢) الهشيم : اليابس من النبت ، والمحتظر : هو الذي يعمل للحظيرة. «مجمع البحرين ـ هشم ـ ٦ : ١٨٦ و ـ حظر ـ ٣ : ٢٧٣».

(٣٣) القارح : الناقة أوّل ما تحمل. «لسان العرب ـ قرح ـ ٢ : ٥٥٩».

(٣٤) الهملاج : الحسن السير في سرعة وبخترة. «لسان العرب ـ هملج ـ ٢ : ٣٩٤».

(٣٥) في المصدر : أسفله.

(٣٦) في «س» : من.

(٣٧) في «س» : به مؤتى.

(٣٨) تأتّى له الأمر : تسهّل وتهيّأ. «مجمع البحرين ـ أتا ـ ١ : ٢١».

(٣٩) الجدّ : الحظّ. «مجمع البحرين ـ جدد ـ ٣ : ٢١».

(٤٠) في المصدر زيادة : منك.

٢٥٠

آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ

بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ [٧٦]

أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ [٧٧]

٤١٤ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «فلما بهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هؤلاء اليهود بمعجزته ، وقطع معاذيرهم بواضح دلالته ، لم يمكنهم مراجعته (١) في حجته ، ولا إدخال التلبيس عليه في معجزته ، قالوا : يا محمد ، قد آمنا بأنك الرسول الهادي المهدي ، وأن عليا أخاك هو الوصي والولي.

وكانوا إذا خلوا (٢) باليهود الآخرين يقولون لهم : إن إظهارنا له الإيمان به أمكن لنا على دفع (٣) مكروهه ، وأعون لنا على اصطلامه (٤) واصطلام أصحابه ، لأنهم عند اعتقادهم أننا معهم يقفوننا على أسرارهم ، ولا يكتموننا شيئا ، فنطلع عليهم أعداءهم ، فيقصدون أذاهم بمعاونتنا ومظاهرتنا ، في أوقات اشتغالهم واضطرابهم ، وفي أحوال تعذر المدافعة والامتناع من الأعداء عليهم.

وكانوا مع ذلك ينكرون على سائر اليهود إخبار الناس عما كانوا يشاهدونه من آياته ، ويعاينونه من معجزاته ، فأظهر الله تعالى محمدا رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على سوء اعتقادهم ، وقبح دخائلهم (٥) ، وعلى إنكارهم على من اعترف بما شاهده من آيات محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وواضح بيناته ، وباهر معجزاته.

فقال عز وجل : يا محمد (أَفَتَطْمَعُونَ) أنت وأصحابك من علي وآله الطيبين (أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) هؤلاء اليهود الذي هم بحجج الله قد بهرتموهم ، وبآيات الله ودلائله الواضحة قد قهرتموهم (أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ) ويصدقوكم بقلوبهم ، ويبدوا في الخلوات لشياطينهم شريف أحوالكم.

(وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) يعني من هؤلاء اليهود من بني إسرائيل (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ) في أصل جبل طور سيناء ، وأوامره ونواهيه (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ) عما سمعوه ، إذا أدوه إلى من ورائهم من سائر بني إسرائيل (مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) وعلموا أنهم فيما يقولونه كاذبون (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنهم في قيلهم كاذبون.

وذلك أنهم لما صاروا مع موسى إلى الجبل ، فسمعوا كلام الله ، ووقفوا على أوامره ونواهيه ، رجعوا فأدوه إلى من بعدهم فشق عليهم ؛ فأما المؤمنون منهم فثبتوا على إيمانهم ، وصدقوا في نياتهم ، وأما أسلاف هؤلاء

__________________

سورة بقرة آية ـ ٧٥ ـ ٧٧ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٩١ / ١٤٢.

(١) راجعه الكلام مراجعة : حاوره إيّاه. «لسان العرب ـ رجع ـ ٨ : ١١٦».

(٢) في «س» ، «ط» : دخلوا.

(٣) في «س» والمصدر : أمكن لنا من.

(٤) الاصطلام : الاستئصال. «الصحاح ـ صلم ـ ٥ : ١٩٦٧».

(٥) في المصدر : وقبح أخلاقهم ودخلاتهم.

٢٥١

اليهود الذين نافقوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذه القصة (٦) ، فإنهم قالوا لبني إسرائيل : إن الله تعالى قال لنا هذا ، وأمرنا بما ذكرناه لكم ونهانا ، وأتبع ذلك بأنكم إن صعب عليكم ما أمرتكم به فلا عليكم أن لا تفعلوه ، وإن صعب عليكم ما عنه نهيتكم فلا عليكم أن ترتكبوه وتواقعوه ، وهم يعلمون أنهم بقولهم هذا كاذبون.

ثم أظهر الله على نفاقهم الآخر مع جهلهم ، فقال الله عز وجل : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) كانوا إذا لقوا سلمان والمقداد وأبا ذرّ وعمارا ، قالوا : آمنا كإيمانكم ، آمنا (٧) بنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مقرونة (٨) بالإيمان بإمامة أخيه علي بن أبي طالب ، وبأنه أخوه الهادي ، ووزيره الموالي ، وخليفته على أمته ، ومنجز عدته ، والوافي بذمته ، والناهض بأعباء سياسته ، وقيم الخلق ، الذائد لهم عن سخط الرحمن ، الموجب لهم ـ إن أطاعوه ـ رضا الرحمن ، وأن خلفاءه من بعده هم النجوم الزاهرة ، والأقمار المنيرة ، والشمس المضيئة الباهرة ، وأن أولياءهم أولياء الله ، وأن أعداءهم أعداء الله.

ويقول بعضهم : نشهد أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاحب المعجزات ، ومقيم الدلالات الواضحات ، هو الذي لما تواطأت قريش على قتله ، وطلبوه فقدا لروحه ، يبس الله أيديهم فلم تعمل ، وأرجلهم فلن تنهض ، حتى رجعوا عنه خائبين (٩) مغلوبين ، ولو شاء محمد وحده قتلهم أجمعين ، وهو الذي لما جاءته قريش ، وأشخصته إلى هبل ليحكم عليه بصدقهم وكذبه خر هبل لوجهه ، وشهد له بنبوته ، ولعلي أخيه بإمامته ، ولأوليائه من بعده بوراثته ، والقيام بسياسته وإمامته. وهو الذي لما ألجأته قريش إلى الشعب (١٠) ، ووكلوا ببابه من يمنع من إيصال قوت ، ومن خروج أحد عنه ، خوفا أن يطلب لهم قوتا ، غذا هناك كافرهم ومؤمنهم أفضل من المن والسلوى ، وكل ما اشتهى كل واحد منهم من أنواع الأطعمات الطيبات ، ومن أصناف الحلاوات ، وكساهم أحسن الكسوات.

وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أظهرهم إذ يراهم (١١) وقد ضاقت لضيق فجهم (١٢) صدورهم ، قال بيده (١٣) هكذا بيمناه إلى الجبال ، وهكذا بيسراه إلى الجبال ، وقال لها : اندفعي ؛ فتندفع وتتأخر حتى يصيروا بذلك في صحراء لا ترى أطرافها ، ثم يقول بيده هكذا ، ويقول : أطلعي ـ يا أيتها المودعات لمحمد وأنصاره ـ ما أودعكها (١٤) الله من الأشجار والأثمار والأنهار وأنواع الزهر والنبات ، فتطلع (١٥) الأشجار الباسقة ، والرياحين المونقة

__________________

(٦) في المصدر : القضية.

(٧) في «ط» : إيمانا.

(٨) في «ط» : مقرونا.

(٩) في «ط» نسخة بدل : خاسئين.

(١٠) الشعب : الطريق في الجبل ، أو ما انفرج بين جبلين ، والمقصود هنا شعب أبي يوسف بمكّة.

(١١) في المصدر : إذ رآهم.

(١٢) الفجّ : الطريق الواسع بين الجبلين. «الصحاح ـ فجج ـ ١ : ٣٣٣».

(١٣) قال بيده : أشار بها. وفي «ط» نسخة بدل : شال.

(١٤) في المصدر : أودعكموها.

(١٥) في المصدر زيادة من.

٢٥٢

والخضروات النزهة ما تتمتع به القلوب والأبصار ، وتنجلي (١٦) به الهموم والغموم والأفكار ، وهم يعلمون أنه ليس لأحد من ملوك الأرض مثل صحرائهم ، على ما تشتمل عليه من عجائب أشجارها ، وتهدل (١٧) ثمارها ، واطراد أنهارها ، وغضارة رياحينها ، وحسن نباتها.

ومحمد هو الذي لما جاءه رسول أبي جهل (١٨) يتهدده ويقول : يا محمد ، إن الخيوط (١٩) التي في رأسك هي التي ضيقت عليك مكة ، ورمت بك إلى يثرب ، وإنها لا تزال بك حتى تنفرك وتحثك على ما يفسدك ويتلفك ، إلى أن تفسدها على أهلها ، وتصليهم حر نار تعديك طورك ، وما أرى ذلك إلا وسيؤول إلى أن تثور (٢٠) عليك قريش ثورة رجل واحد بقصد آثارك ، ودفع ضررك وبلائك ، فتلقاهم بسفهائك المغترين بك ، ويساعدك على ذلك من هو كافر بك ومبغض لك ، فيلجئه إلى مساعدتك ومضافرتك خوفه لأن يهلك بهلاكك ، وتعطب (٢١) عياله بعطبك ، ويفتقر هو ومن يليه بفقرك ، وبفقر شيعتك (٢٢) ، أو يعتقدون (٢٣) أن أعداءك إذا قهروك ودخلوا ديارهم عنوة لم يفرقوا بين من والاك وعاداك ، واصطلموهم باصطلامهم لك ، وأتوا على عيالاتهم وأموالهم بالسبي والنهب ، كما يأتون على أموالك وعيالك ، وقد أعذر من أنذر (٢٤) ، وبالغ من أوضح.

أديت هذه الرسالة إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بظاهر المدينة ، بحضرة كافة أصحابه ، وعامة الكفار من يهود بني إسرائيل ، وهكذا أمر الرسول ، ليجنبوا المؤمنين ، ويغروا بالوثوب عليه سائر من هناك من الكافرين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للرسول : قد أطريت (٢٥) مقالتك ، واستكملت رسالتك؟ قال : بلى.

قال : فاسمع الجواب : إن أبا جهل بالمكاره والعطب يهددني ، ورب العالمين بالنصر والظفر يعدني ، وخبر الله أصدق ، والقبول من الله أحق ، لن يضر محمدا من خذله ، أو يغضب عليه بعد أن ينصره الله ، ويتفضل بجوده وكرمه عليه ، قل له : يا أبا جهل ، إنك راسلتني بما ألقاه في خلدك (٢٦) الشيطان ، وأنا أجيبك بما ألقاه في خاطري الرحمن ، إن الحرب بيننا وبينك كائنة إلى تسعة وعشرين يوما ، وإن الله سيقتلك فيها بأضعف أصحابي ، وستلقى

__________________

(١٦) في «س» : وتتجلّى.

(١٧) تهدّلت أغصان الشجرة : تدلّت. «مجمع البحرين ـ هدل ـ ٥ : ٤٩٧».

(١٨) في «ط» نسخة بدل : أبي لهب.

(١٩) في المصدر : الخبوط.

(٢٠) في «س» : إلاّ وستثور.

(٢١) العطب : الهلاك. «الصحاح ـ عطب ـ ١ : ١٨٤».

(٢٢) في المصدر : متبعيك.

(٢٣) في المصدر : إذ يعتقدون.

(٢٤) أعذر من أنذر. مثل معناه : من حذرك ما يحلّ بك فقد أعذر إليك ، أي صار معذورا عندك. «مجمع الأمثال ٢ : ٢٩».

(٢٥) في «س» : أطردت ، وفي «ط» نسخة بدل : أطويت.

(٢٦) الخلد : البال يقال : وقع ذلك في خلدي : أي في روعي وقلبي. «الصحاح ـ خلد ـ ٢ : ٤٦٩».

٢٥٣

أنت وعتبة وشيبة والوليد وفلان وفلان ـ وذكر عددا من قريش ـ في قليب بدر (٢٧) مقتلين ، أقتل منكم سبعين ، وآسر منكم سبعين ، أحملهم على الفداء الثقيل.

ثم نادى جماعة من بحضرته من المؤمنين واليهود والنصارى وسائر الأخلاط : ألا تحبون أن أريكم مصرع كل واحد من هؤلاء؟ هلموا إلى بدر ، فإن هناك الملتقى والمحشر ، وهناك البلاء الأكبر ، لأضع قدمي على مواضع مصارعهم ، ثم ستجدونها لا تزيد ولا تنقص ، ولا تتغير ولا تتقدم ، ولا تتأخر لحظة ، ولا قليلا ولا كثيرا ؛ فلم يخف ذلك على أحد منهم ولم يجبه إلا علي بن أبي طالب عليه‌السلام وحده ، وقال : نعم ، بسم الله ؛ فقال الباقون : نحن نحتاج إلى مركوب وآلات ونفقات ، فلا يمكننا الخروج إلى هناك وهو مسيرة أيام.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسائر اليهود : فأنتم ، ماذا تقولون؟ قالوا : نحن نريد أن نستقر في بيوتنا ، ولا حاجة لنا في مشاهدة ما أنت في ادعائه محيل.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا نصب عليكم في المسير (٢٨) إلى هناك ، اخطوا خطوة واحدة فإن الله يطوي الأرض لكم ، ويوصلكم في الخطوة الثانية إلى هناك ؛ فقال المؤمنون : صدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلنتشرف (٢٩) بهذه الآية ، وقال الكافرون والمنافقون : سوف نمتحن هذا الكذب لينقطع عذر محمد ، وتصير دعواه حجة عليه ، وفاضحة له في كذبه».

قال : «فخطا القوم خطوة ، ثم الثانية ، فإذا هم عند بئر بدر فعجبوا من ذلك ، فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : اجعلوا البئر العلامة ، واذرعوا من عندها كذا ذراعا ؛ فذرعوا ، فلما انتهوا إلى آخرها ، قال : هذا مصرع أبي جهل ، يجرحه فلان الأنصاري ، ويجهز عليه عبدالله بن مسعود أضعف أصحابي.

ثم قال : اذرعوا من البئر من جانب آخر ، ثم جانب آخر ، كذا وكذا ذراعا ، وذكر أعداد الأذرع مختلفة ، فلما انتهى كل عدد إلى آخره قال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا مصرع عتبة ، وذاك مصرع شيبة ، وذاك مصرع الوليد ، وسيقتل فلان وفلان ـ إلى أن سمى تمام سبعين منهم بأسمائهم ـ وسيؤسر فلان وفلان ؛ إلى أن ذكر سبعين منهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وصفاتهم ، ونسب المنسوبين إلى الآباء منهم ، ونسب الموالي منهم إلى مواليهم.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أوقفتم على ما أخبرتكم به قالوا : بلى ؛ قال : وإن ذلك لحق كائن بعد ثمانية وعشرين يوما ، في اليوم التاسع والعشرين ، وعدا من الله مفعولا ، وقضاء حتما لازما.

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا معشر المسلمين واليهود ، اكتبوا ما (٣٠) سمعتم ؛ فقالوا : يا رسول الله ، قد سمعنا ووعينا ولا ننسى.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الكتابة أفضل وأذكر لكم ؛ فقالوا : يا رسول الله ، وأين الدواة والكتف؟

__________________

(٢٧) القليب : البئر ، وبدر : ماء مشهور بين مكّة والمدينة أسفل وادي الصفراء. «معجم البلدان ١ : ٣٥٧».

(٢٨) في «س» : في المصير.

(٢٩) في «س» : فلنشرف.

(٣٠) في المصدر : بما.

٢٥٤

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذلك للملائكة ، ثم قال : يا ملائكة ربي ، اكتبوا ما سمعتم من هذه القصة في أكتاف ، واجعلوا في كم كل واحد منهم كتفا من ذلك.

ثم قال : معاشر المسلمين ، فأملوا أكمامكم وما فيها ، وأخرجوه وأقرءوه ؛ فتأملوها فإذا في كم (٣١) كل واحد منهم صحيفة ، قرأها ، وإذا فيها ذكر ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك سواء ، لا يزيد ولا ينقص ، ولا يتقدم ولا يتأخر.

فقال : أعيدوها في أكمامكم تكن حجة عليكم ، وشرفا للمؤمنين منكم ، وحجة على أعدائكم (٣٢) ؛ فكانت معهم ، فلما كان يوم بدر جرت الأمور كلها ببدر ، ووجدوها كما قال لا تزيد ولا تنقص ، ولا تتقدم ولا تتأخر ، قابلوا بها ما في كتبهم فوجدوها كما كتبته الملائكة فيها ، لا تزيد ولا تنقص ، ولا تتقدم ولا تتأخر ، فقبل المسلمون ظاهرهم ، ووكلوا باطنهم إلى خالقهم.

فلما أفضى بعض هؤلاء اليهود إلى بعض ، قال : أي شيء صنعتم؟ أخبرتموهم (بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ) من الدلالات على صدق نبوة محمد ، وإمامة أخيه علي (لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) بأنكم كنتم قد علمتم هذا وشاهدتموه ، فلم تؤمنوا به ولم تطيعوه ، وقدروا بجهلهم أنهم إن لم يخبروهم بتلك الآيات لم يكن له عليهم حجة في غيرها.

ثم قال عز وجل : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أن هذا الذي تخبرونهم به مما فتح الله عليكم من دلائل نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجة عليكم عند ربكم؟! قال الله تعالى : (أَوَلا يَعْلَمُونَ) ـ يعني أولا يعلم هؤلاء القائلون لإخوانهم : (أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ ـ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) من عداوة محمد ويضمرونه من أن إظهارهم الإيمان به أمكن لهم من اصطلامه ، وإبادة (٣٣) أصحابه (وَما يُعْلِنُونَ) من الإيمان ظاهرا ليؤنسوهم ، ويقفوا به على أسرارهم فيذيعوها بحضرة من يضرهم (٣٤) ، وإن الله لما علم ذلك دبر لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تمام أمره ، وبلوغ غاية ما أراده ببعثه ، وإنه يتم أمره ، وإن نفاقهم وكيدهم لا يضره».

٥١٥ / ٢ ـ قال أبو علي الطبرسي في (مجمع البيان) : روي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام أنه قال : «كان قوم من اليهود ليسوا من المعاندين المتواطئين ، إذا لقوا المسلمين حدثوهم بما في التوراة من صفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنهاهم كبراؤهم عن ذلك ، وقالوا : لا تخبروهم بما في التوراة من صفة محمد فيحاجوكم به عند ربكم ، فنزلت الآية».

__________________

(٣١) الكم : الردن. «مجمع البحرين ـ كمم ـ ٦ : ١٥٩».

(٣٢) في المصدر : على الكافرين.

(٣٣) في المصدر : وإبارة ، أباره الله : أهلكه. «مجمع البحرين ـ بور ـ ٣ : ٢٣١».

(٣٤) في «س» ، «ط» : نصرهم.

٢ ـ مجمع البيان ١ : ٢٨٦.

٢٥٥

٥١٦ / ٣ ـ وقال علي بن إبراهيم : إنها نزلت في اليهود ، وقد كانوا أظهروا الإسلام وكانوا منافقين ، وكانوا إذا رأوا رسول الله قالوا : إنا معكم ، وإذا رأوا اليهود ، قالوا : إنا معكم ، وكانوا يخبرون المسلمين بما في التوراة من صفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ، فقال لهم كبراؤهم وعلماؤهم : (أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) فرد الله عليهم ، فقال : (أَوَلا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ).

قوله تعالى :

وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ [٧٨]

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ

لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا

يَكْسِبُونَ [٧٩]

٥١٧ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل : يا محمد ، ومن هؤلاء اليهود (أُمِّيُّونَ) لا يقرءون الكتاب ولا يكتبون ، فالأمي منسوب إلى أمه ، أي هو كما خرج من بطن أمه لا يقرأ ولا يكتب (لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ) المنزل من السماء ولا المكذب به ، ولا يميزون بينهما (إِلاَّ أَمانِيَ) أي إلا أن يقرأ عليهم ، ويقال لهم : إن هذا كتاب الله وكلامه ، ولا يعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف ما فيه (وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) أي ما يقول لهم رؤساؤهم من تكذيب محمد في نبوته ، وإمامة علي سيد عترته ، وهم يقلدونهم مع أنه محرم عليهم تقليدهم».

قال : «فقال رجل للصادق عليه‌السلام : فإذا كان هؤلاء القوم (١) لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره ، فكيف ذمهم بتقليدهم والقبول من علمائهم؟ وهل عوام اليهود إلا كعوامنا (٢) يقلدون علماءهم ، فإن لم يجز لأولئك القبول من علمائهم ، لم يجز لعوامنا القبول من علمائهم؟

فقال عليه‌السلام : بين عوامنا وعلمائنا وبين عوام اليهود وعلمائهم فرق من جهة ، وتسوية من جهة ، أما من حيث إنهم استووا ، فإن الله قد ذم عوامنا بتقليدهم (٣) علماءهم ، كما قد ذم عوامهم ، وأما من حيث أنهم افترقوا فلا.

__________________

٣ ـ تفسير القمّي ١ : ٥٠.

سورة البقرة آية ـ ٧٨ ـ ٧٩ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٩٩ / ١٤٣ ـ ١٤٥.

(١) في المصدر : العوام من اليهود.

(٢) في المصدر : لهؤلاء.

(٣) في «س» : تقليد.

٢٥٦

قال : بين لي ذلك ، يا ابن رسول الله.

قال عليه‌السلام : إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح ، وبأكل الحرام والرشا (٤) ، وبتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات والعنايات والمصانعات ، وعرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم ، وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه ، وأعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم ، وظلموهم (٥) من أجلهم ، وعرفوهم بأنهم يقارفون المحرمات ، واضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق ، لا يجوز أن يصدق على الله تعالى ، ولا على الوسائط بين الخلق وبين الله ، فلذلك ذمهم لما قلدوا من قد عرفوا ، ومن قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره ، ولا تصديقه في حكايته ، ولا العمل بما يؤديه (٦) إليهم عمن لم يشاهدوه (٧) ، ووجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى ، وأشهر من أن لا تظهر لهم.

وكذلك عوام أمتنا ، إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر ، والعصبية (٨) الشديدة ، والتكالب على حطام الدنيا وحرامها ، وإهلاك من يتعصبون عليه ، وإن كان لإصلاح أمره مستحقا ، وبالترفرف (٩) بالبر والإحسان على من تعصبوا له ، وإن كان للإذلال والإهانة مستحقا ، فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم.

فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه ، حافظا لدينه ، مخالفا لهواه (١٠) ، مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه ، وذلك لا يكون إلا في بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم ، فإنه من ركب من القبائح والفواحش مراكب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شيئا ، ولا كرامة لهم ، وإنما كثر التخليط فيما يتحمل عنا أهل البيت لذلك ، لأن الفسقة يتحملون عنا فيحرفونه بأسره لجهلهم (١١) ، ويضعون الأشياء على غير وجهها لقلة معرفتهم ، وآخرين يتعمدون الكذب علينا ليجروا من عرض الدنيا ما هو زادهم إلى نار جهنم.

ومنهم قوم نصاب لا يقدرون على القدح فينا ، يتعلمون بعض علومنا الصحيحة فيتوجهون به عند شيعتنا ، وينتقصون بنا عند نصابنا (١٢) ، ثم يضيفون إليه أضعافه وأضعاف أضعافه من الأكاذيب علينا التي نحن براء منها ، فيتقبله المسلمون المستسلمون من شيعتنا على أنه من علومنا فضلوا وأضلوا ، وهم أضر على ضعفاء شيعتنا من

__________________

(٤) الرشا : جمع رشوة : ما يعطيه الشخص الحاكم وغيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد. «مجمع البحرين ـ رشا ـ ١ : ١٨٤».

(٥) في «س» : وظلموا.

(٦) في «ط» : يورد به.

(٧) في «س» : لم يشاهده.

(٨) في «س» : المعصية.

(٩) في المصدر : بالترفّق ، وفي «ط» نسخة بدل : بالترفف. وترفرف عليه : عطف وتحنّى.

(١٠) في «س» ، «ط» : على هواه.

(١١) في «ط» : نسخة بدل : بجهلهم.

(١٢) في «س» نسخة بدل : وينتقصون لنا ، وفي «ط» : عند أنصارنا.

٢٥٧

جيش يزيد ـ عليه اللعنة والعذاب ـ على الحسين بن علي عليه‌السلام وأصحابه ، فإنهم يسلبونهم الأرواح والأموال ، وللمسلوبين عند الله أفضل الأحوال لما لحقهم من أعدائهم.

وهؤلاء علماء السوء الناصبون المشبهون بأنهم لنا موالون ، ولأعدائنا معادون ، يدخلون الشك والشبهة على ضعفاء شيعتنا ، فيضلونهم ويمنعونهم عن قصد الحق المصيب ، لا جرم أن من علم الله من قلبه من هؤلاء العوام أنه لا يريد إلا صيانة دينه وتعظيمه وليه ، لم يتركه في يد هذا الملبس الكافر ، ولكنه يقيض له مؤمنا يقف به على الصواب ، ثم يوفقه الله للقبول منه ، فيجمع له بذلك خير الدنيا والآخرة ، ويجمع على من أضله لعن الدنيا وعذاب الآخرة».

ثم قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شرار علماء أمتنا المضلون عنا ، القاطعون للطرق إلينا ، المسمون أضدادنا بأسمائنا ، الملقبون بألقابنا ، يصلون عليهم وهم للعن مستحقون ، ويلعنوننا ونحن بكرامات الله مغمورون ، وبصلوات الله وصلوات ملائكته المقربين علينا ، عن صلواتهم علينا مستغنون».

ثم قال : «قيل لأمير المؤمنين عليه‌السلام : من خير الخلق بعد أئمة الهدى ومصابيح الدجى؟ قال : العلماء إذا صلحوا.

قيل : فمن شرار (١٣) خلق الله بعد إبليس وفرعون ونمرود ، وبعد المتسمين بأسمائكم ، والمتلقبين بألقابكم ، والآخذين لأمكنتكم ، والمتأمرين في ممالككم؟ قال : العلماء إذا فسدوا ، وإنهم المظهرون للأباطيل ، الكاتمون للحقائق ، وفيهم قال الله عز وجل : (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا) (١٤) الآية».

ثم قال الله عز وجل : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً).

قال الإمام عليه‌السلام : «قال الله عز وجل [هذا] لقوم من هؤلاء اليهود كتبوا صفة زعموا أنها صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي خلاف صفته ، وقالوا للمستضعفين منهم : هذه صفة النبي المبعوث في آخر الزمان : أنه طويل ، عظيم البدن والبطن ، أصهب (١٥) الشعر ، ومحمد خلافه ، وهو يجيء بعد هذا الزمان بخمسمائة سنة. وإنما أرادوا بذلك لتبقى لهم على ضعفائهم رئاستهم ، وتدوم لهم منهم إصابتهم ، ويكفوا أنفسهم مؤنة خدمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخدمة علي عليه‌السلام وأهل خاصته. فقال الله عز وجل : (فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ) من هذه الصفات المحرفات المخالفات لصفة محمد وعلي عليهما‌السلام ، الشدة لهم من العذاب في أشق (١٦) بقاع جهنم (وَوَيْلٌ لَهُمْ) من الشدة في (١٧) العذاب ثانية ، مضافة إلى الأولى (مِمَّا يَكْسِبُونَ) من الأموال التي يأخذونها

__________________

(١٣) في المصدر و «ط» نسخة بدل : شرّ.

(١٤) البقرة ٢ : ١٥٩ و ١٦٠.

(١٥) الصهبة : الشقرة في شعر الرأس. «الصحاح ـ صهب ـ ١ : ١٦٦».

(١٦) في المصدر و «ط» نسخة بدل : أسوأ.

(١٧) في المصدر : الشدة لهم من ، وفي «ط» : الشدّة من.

٢٥٨

إذا أثبتوا عوامهم على الكفر بمحمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والجحد بوصية (١٨) أخيه علي ولي الله».

٥١٨ / ٢ ـ العياشي : عن محمد بن سالم (١) ، عن أبي بصير ، قال : قال جعفر بن محمد عليه‌السلام : «خرج عبدالله ابن عمرو بن العاص من عند عثمان ، فلقي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال له : يا علي ، بيتنا الليلة في أمر ، نرجو أن يثبت الله هذه الأمة.

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لن يخفى علي ما بيتم فيه ، حرفتم وغيرتم وبدلتم تسعمائة حرف : ثلاثمائة حرفتم ، وثلاثمائة غيرتم ، وثلاثمائة بدلتم (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ)» إلى آخر الآية.

قوله تعالى :

(وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ [٨٠] بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [٨١])

٥١٩ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل : (وَقالُوا) يعني اليهود المصرون للشقاوة ، المظهرون للإيمان ، المسرون للنفاق ، المدبرون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذويه بما يظنون أن فيه عطبهم : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً) وذلك أنه كان لهم أصهار وإخوة رضاع من المسلمين ، يسترون (١) كفرهم عن محمد (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصحبه ، وإن كانوا به عارفين ، صيانة لهم لأرحامهم وأصهارهم.

قال لهم هؤلاء : لم تفعلون هذا النفاق الذي تعلمون أنكم به عند الله مسخوط عليكم معذبون؟

أجابهم هؤلاء اليهود : بأن مدة ذلك العقاب الذي نعذب به لهذه (٣) الذنوب (أَيَّاماً مَعْدُودَةً) تنقضي ، ثم

__________________

(١٨) في المصدر : لوصيه.

٢ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٧ / ٦٢.

(١) في «ط» وفي المصدر نسخة بدل : مسلم.

سورة البقرة آية ـ ٨٠ ـ ٨١ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٠٣ / ١٤٦ ـ ١٤٨.

(١) في المصدر : يسرون.

(٢) في «ط» نسخة بدل : بمحمد.

(٣) في «س» ، «ط» : لذلك.

٢٥٩

نصير بعد في النعمة في الجنان ، فلا نتعجل المكروه في الدنيا للعذاب الذي هو بقدر أيام ذنوبنا ، فإنها تفنى وتنقضي ، ونكون قد حصلنا لذات الحرية من الخدمة ، ولذات نعم الدنيا ، ثم لا نبالي بما يصيبنا بعد ، فإنه إذا لم يكن دائما فكأنه قد فنى.

فقال الله عز وجل : (قُلْ) يا محمد : (أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) أن عذابكم على كفركم بمحمد ودفعكم لآياته في نفسه ، وفي علي وسائر خلفائه وأوليائه ، منقطع غير دائم؟ بل ما هو إلا عذاب دائم لا نفاد له ، فلا تجترئوا على الآثام والقبائح من الكفر بالله وبرسوله وبوليه المنصوب بعده على أمته ، ليسوسهم ويرعاهم بسياسة الوالد الشفيق الرحيم الكريم لولده ، ورعاية الحدب (٤) المشفق على خاصته.

(فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ) فكذلك أنتم بما تدعون من فناء عذاب ذنوبكم هذه في حرز (٥) (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أتخذتم عهدا ، أم تقولون؟ بل أنتم ـ في أيهما ادعيتم ـ كاذبون».

ثم قال الله عز وجل (٦) : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ)».

قال الإمام عليه‌السلام : «السيئة المحيطة به هي التي تخرجه عن جملة دين الله ، وتنزعه عن ولاية الله ، وترميه في سخط الله ، وهي الشرك بالله ، والكفر به ، والكفر بنبوة محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والكفر بولاية علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، كل واحدة من هذه سيئة تحيط به ، أي تحيط بأعماله (٧) فتبطلها وتمحقها (فَأُولئِكَ) عاملو هذه السيئة المحيطة (أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن ولاية علي حسنة لا يضر معها شيء (٨) من السيئات وإن جلت ، إلا ما يصيب أهلها من التطهير منها بمحن الدنيا ، وببعض العذاب في الآخرة إلى أن ينجو منها بشفاعة مواليه الطيبين الطاهرين ، وإن ولاية أضداد علي ومخالفة علي عليه‌السلام سيئة لا ينفع معها شيء إلا ما ينفعهم لطاعتهم في الدنيا بالنعم والصحة والسعة ، فيردون الآخرة ولا يكون لهم إلا دائم العذاب.

ثم قال : إن من جحد ولاية علي لا يرى الجنة بعينه أبدا إلا ما يراه بما يعرف به أنه لو كان يواليه لكان ذلك محله ومأواه ومنزله ، فيزداد حسرات وندامات ، وإن من توالى عليا ، وبرىء من أعدائه ، وسلم لأوليائه ، لا يرى النار بعينه أبدا إلا ما يراه ، فيقال له : لو كنت على غير هذا لكان ذلك مأواك ؛ وإلا ما يباشره منها إن كان مسرفا على نفسه بما دون الكفر إلا (٩) أن ينظف بجهنم ، كما ينظف درنه (١٠) بالحمام الحامي ، ثم ينقل (١١) عنها بشفاعة مواليه».

__________________

(٤) حدب فلان على فلان ، فهو حدب : تعطف ، وحنا عليه. «لسان العرب ـ حدب ـ ١ : ٣٠١». وفي «ط» نسخة بدل : الجدّ.

(٥) في «س» ، «ط» : حذر.

(٦) في المصدر زيادة : ردا عليهم.

(٧) في «س» : تحبط أعماله.

(٨) في «ط» نسخة بدل : سيئة.

(٩) في المصدر : إلى.

٢٦٠