البرهان في تفسير القرآن - ج ١

السيد هاشم الحسيني البحراني

البرهان في تفسير القرآن - ج ١

المؤلف:

السيد هاشم الحسيني البحراني


المحقق: مؤسسة البعثة
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة البعثة
المطبعة: مؤسسة البعثة
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٥٢

لما كلمه الله عز وجل وقربه نجيا ، رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله كلمه وقربه ، وناجاه فقالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) حتى نسمع كلامه كما سمعت ، وكان القوم سبعمائة ألف (٣) ، فاختار منهم سبعين ألفا ، ثم اختار منهم سبعة آلاف ، ثم اختار منهم سبعمائة ، ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه. فخرج بهم إلى طور سيناء ، فأقامهم في سفح الجبل ، وصعد موسى عليه‌السلام إلى الطور فسأل الله تبارك وتعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه ؛ فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام ، لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة ، ثم جعله منبعثا منها حتى سمعوه من جميع الوجوه.

فقالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) بأن الذي سمعناه كلام الله (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) فلما قالوا هذا القول العظيم ، واستكبروا وعتوا ، بعث الله عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا.

فقال موسى : يا رب ، ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم ، وقالوا : إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت من مناجاة الله عز وجل إياك ؛ فأحياهم الله وبعثهم بعد (٤) ، فقالوا : إنك لو سألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك ، وكنت تخبرنا كيف هو ، فنعرفه حق معرفته.

فقال موسى عليه‌السلام : يا قوم ، إن الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له ، وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى تسأله.

فقال موسى عليه‌السلام : يا رب ، إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله عز وجل إليه ، يا موسى ، سلني عما سألوك فلن أو آخذك بجهلهم.

فعند ذلك قال موسى : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ) وهو يهوي (فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) (٥) بآية من آياته (جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) (٦) يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) (٧) منهم بأنك لا ترى».

فقال المأمون : لله درك ، يا أبا الحسن!

٤٧٩ / ٣ ـ سعد بن عبد الله : عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن الحسين بن علوان ، عن محمد بن داود العبدي ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ في كلامه لابن الكواء ـ قال له : «اسأل عما بدا لك». فقال : نعم ، إن أناسا من أصحابك يزعمون أنهم يردون بعد الموت؟

فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «نعم ، تكلم بما سمعت ، ولا تزد في الكلام ، فما قلت لهم (١)».

__________________

(٣) في المصدر زيادة : رجل.

(٤) في المصدر : معه.

(٥ ـ ٧) الأعراف ٧ : ١٤٣.

٣ ـ مختصر بصائر الدرجات : ٢٢

(١) في المصدر : ممّا قلت.

٢٢١

قال : قلت : لا أؤمن بشيء مما قلتم؟

فقال له أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) : «ويلك ، إن الله عز وجل ابتلى قوما بما كان من ذنوبهم ، فأماتهم قبل آجالهم التي سميت لهم ، ثم ردهم إلى الدنيا ليستوفوا رزقهم ، ثم أماتهم بعد ذلك».

قال : فكبر (٢) على ابن الكواء ولم يهتد له ، فقال له أمير المؤمنين : «ويلك تعلم أن الله عز وجل قال في كتابه : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) (٣) فانطلق بهم ليشهدوا له إذا رجعوا عند الملأ من بني إسرائيل أن ربي قد كلمني ، فلو أنهم سلموا ذلك له وصدقوه لكان خيرا لهم ، ولكنهم قالوا لموسى عليه‌السلام : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) قال الله عز وجل : (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) يعني الموت (وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فترى ـ يا ابن الكواء ـ أن هؤلاء رجعوا إلى منازلهم بعد ما ماتوا؟».

فقال ابن الكواء : وما ذلك ، ثم أماتهم مكانهم؟

فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : «لا ، ويلك! أوليس قد أخبرك في كتاب الله حيث يقول : (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) (٤)؟ فهذا بعد الموت إذ بعثهم».

قوله تعالى :

وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ

طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

[٥٧]

٤٨٠ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل : واذكروا ـ يا بني إسرائيل ـ إذ (ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) لما كنتم في التيه ، يصيبكم (١) حر الشمس وبرد القمر (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَ) الترنجبين ، (٢) كان يسقط على شجرهم فيتناولونه (وَالسَّلْوى) السماني (٣) طير ، أطيب طير لحما ، يسترسل لهم (٤) فيصطادونه.

__________________

(٢) كبر عليه الأمر : شقّ وثقل. «المعجم الوسيط ـ كبر ـ ٢ : ٧٧٢».

(٣) الأعراف ٧ : ١٥٥.

(٤) البقرة ٢ : ٥٧.

سورة بقرة آية ـ ٥٧ ـ

١ ـ التفسير المنسوب الى الامام العسكري عليه‌السلام : ٢٥٧ / ١٢٦.

(١) في المصدر : يقيكم.

(٢) الترنجبين : معرّب الترانگبين ، وهو كلّ طلّ ينزل من السّماء على شجر أو حجر ، ويحلو وينعقد عسلا ، ويجفّ جفاف الصمغ. «تاج العروس ـ منن ـ ٩ : ٣٥٠».

(٣) السّماني : وهو طائر صغير من رتبة الدجاجيات ، جسمه منضغط ممتلئ ، وهو من القواطع التي تهاجر شتاء إلى الحبشة والسّودان ، =

٢٢٢

قال الله عز وجل لهم : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) واشكروا نعمتي ، وعظموا من عظمته ، ووقروا من وقرته ممن أخذت عليكم العهود والمواثيق لهم محمدا وآله الطيبين.

قال الله عز وجل : (وَما ظَلَمُونا) لما بدلوا ، وقالوا غير ما به أمروا ، ولم يفوا بما عليه عاهدوا ، لأن كفر الكافر لا يقدح في سلطاننا وممالكنا ، كما أن إيمان المؤمن لا يزيد في سلطاننا (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) يصرون بها بكفرهم وتبديلهم».

ثم [قال عليه‌السلام :] «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عباد الله ، عليكم باعتقاد ولايتنا أهل البيت ، وأن لا تفرقوا بيننا ، وانظروا كيف وسع الله عليكم حيث أوضح لكم الحجة ليسهل عليكم معرفة الحق ، ثم وسع لكم في التقية لتسلموا من شرور الخلق ، ثم إن بدلتم وغيرتم عرض عليكم التوبة وقبلها منكم ، فكونوا لنعم الله شاكرين».

٤٨١ / ٢ ـ ابن بابويه : عن محمد بن أحمد بن الحسين بن يوسف البغدادي ، قال : حدثنا علي بن محمد بن عنبسة (١) ، قال : حدثنا دارم بن قبيصة (٢) ، قال : حدثنا علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الكمأة (٣) من المن الذي نزل على بني إسرائيل ، وهي شفاء للعين ؛ والعجوة (٤) التي من البرني (٥) من الجنة ، وهي شفاء من السم».

٣٨٢ / ٣ ـ أحمد بن محمد بن خالد البرقي : عن محمد بن علي ، عن محمد بن الفضيل ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الكمأة من المن ، والمن من الجنة ، وماؤها شفاء العين».

٤٨٣ / ٤ ـ الشيخ : مرسلا عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «نومة الغداة مشؤومة تطرد الرزق ، وتصفر اللون ، وتقبحه وتغيره ، وهو نوم كل مشؤوم ، إن الله تعالى قسم الأرزاق ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، وإياكم وتلك النومة ، وكان المن والسلوى ينزل على بني إسرائيل ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، فمن نام تلك الساعة لم ينزل نصيبه ، وكان إذا انتبه فلا يرى نصيبه احتاج إلى السؤال والطلب».

__________________

ويستوطن أوربة وحوض البحر المتوسط. «المعجم الوسيط ـ سلا ـ ١ : ٤٤٦».

(٤) استرسل إليه : انبسط واستأنس. «الصحاح ـ رسل ـ ٤ : ١٧٠٩».

٢ ـ عيون أخبار الرّضا عليه‌السلام ١ : ٧٥ / ٣٤٩.

(١) في «س» : عيينة ، والصّواب ما في المتن وهو راوي كتابي دارم عنه. راجع رجال النجاشي : ٢٦١ / ٤٢٩.

(٢) في «ط» : قتيبة ، تصحيف ، صوابه ما في «س» ، راجع رجال النجاشي : ١٦٢ / ٤٢٩ ، ومعجم رجال الحديث ٧ : ٨٦.

(٣) الكماة : فطر من الفصيلة الكمئية ، وهي أرضية تنتفخ حاملات أبواغها ، فتجنى وتؤكل مطبوخة. «المعجم الوسيط ـ كمأ ـ ٢ : ٧٩٧».

(٤) العجوة : ضرب من أجود التمر بالمدينة ، ونخلتها تسمّى لينة. «الصحاح ـ عجا ـ ٦ : ٢٤١٩».

(٥) البرني : وهو نوع من أجود التمر. «مجمع البحرين ـ برن ٦ : ٢١٣» ، وفي المصدر : في البرني.

٣ ـ المحاسن : ٥٢٧ / ٧٦١.

(١) في «س» : مسلم ، تصحيف صوابه ما في المتن ، راجع رجال الطوسي ٢٣٢ / ١٣٨ ، ومعجم رجال الحديث ٩ : ٣٢٨.

٤ ـ التّهذيب ٢ : ١٣٩ / ٥٤٠.

٢٢٣

٤٨٤ / ٥ ـ محمد بن يعقوب : عن عدة من (١) أصحابنا ، عن محمد بن عبد الله ، عن عبد الوهاب بن بشير (٢) ، عن موسى بن قادم ، عن سليمان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن قول الله عز وجل : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). قال : «إن الله أعظم وأعز وأجل وأمنع من أن يظلم ، ولكنه خلطنا بنفسه ، فجعل ظلمنا ظلمه ، وولايتنا ولايته ، حيث يقول : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) (٣) يعني الأئمة منا».

ثم قال في موضع آخر : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ثم ذكر مثله.

٤٨٥ / ٦ ـ عنه : عن علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن ابن محبوب ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام ، في قوله : (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (١).

قال : «إن الله أعز وأمنع من أن يظلم ، أو ينسب نفسه إلى الظلم ، ولكن الله خلطنا بنفسه ، فجعل ظلمنا ظلمه ، وولايتنا ولايته ، ثم أنزل بذلك قرآنا على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)».

قلت : هذا تنزيل؟ قال : «نعم».

٤٨٦ / ٧ ـ علي بن إبراهيم ـ في معنى الآية ـ : أن بني إسرائيل لما عبر موسى بهم البحر نزلوا في مفازة ، فقالوا : يا موسى ، أهلكتنا وقتلتنا وأخرجتنا من العمران إلى مفازة لا ظل ولا شجر ولا ماء ، وكانت تجيء بالنهار غمامة تظلهم من الشمس ، وينزل عليهم بالليل المن فيقع على النبات والشجر والحجر فيأكلونه ، وبالعشي يأتيهم طائر مشوي يقع على موائدهم ، فإذا أكلوا وشربوا (١) طار ومر ، وكان مع موسى حجر يضعه وسط العسكر ثم يضربه بعصاه فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا ، كما حكى الله ، فيذهب إلى كل سبط في رحله ، وكانوا اثنا عشر سبطا».

قوله تعالى :

وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا

الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَسَنَزِيدُ

__________________

٥ ـ الكافي ١ : ١١٣ / ١١.

(١) في المصدر : عن بعض.

(٢) في المصدر : بشر ، وكلاهما وارد ، راجع معجم رجال الحديث ١١ : ٤١ و ١٩ : ٦٤.

(٣) المائدة ٥ : ٥٥.

٦ ـ الكافي ١ : ٣٦٠ / ٩١.

(١) النّحل ١٦ : ١١٨.

٧ ـ تفسير القمّي ١ : ٤٨.

(١) في المصدر : وشبعوا.

٢٢٤

الْمُحْسِنِينَ [٥٨] فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ

فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ

[٥٩] وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ

فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا

وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ [٦٠] وَإِذْ

قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا

مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ

أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما

سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ذلِكَ

بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ

بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ [٦١] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا

وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً

فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ

يَحْزَنُونَ [٦٢]

٤٨٧ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله تعالى : واذكروا ، يا بني إسرائيل (إِذْ قُلْنَا) لأسلافكم : (ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ) ـ وهي أريحا (١) من بلاد الشام ، وذلك حين خرجوا من التيه ـ (فَكُلُوا مِنْها) من القرية (حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً) واسعا ، بلا تعب ولا نصب (وَادْخُلُوا الْبابَ) باب القرية (سُجَّداً).

مثل الله عز وجل على الباب مثال محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي عليه‌السلام وأمرهم أن يسجدوا تعظيما لذلك المثال ، ويجددوا على أنفسهم بيعتهما ، وذكر موالاتهما ، وليذكروا العهد والميثاق المأخوذين عليهم لهما.

(وَقُولُوا حِطَّةٌ) أي قولوا : إن سجودنا لله تعالى تعظيما لمثال محمد وعلي (صلوات الله عليهما) ، واعتقادنا

__________________

سورة البقرة آية ـ ٥٨ ـ ٦٢ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٥٩ / ١٢٧ ـ ١٣٣.

(١) أريحا : مدينة بفلسطين.

٢٢٥

لولايتهما ، حطة لذنوبنا ، ومحو لسيئاتنا.

قال الله تعالى : (نَغْفِرْ لَكُمْ) بهذا الفعل (خَطاياكُمْ) السالفة ، ونزيل عنكم آثامكم الماضية (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) من كان منكم لم يقارف (٢) الذنوب التي قارفها من خالف الولاية ، وثبت على ما أعطى الله من نفسه من عهد الولاية ، فإنا نزيدهم بهذا الفعل زيادة درجات ومثوبات ، وذلك قوله : (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) قال الله عز وجل : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ). لم يسجدوا كما أمروا ، ولا قالوا ما أمروا ، وظلموا ، ولكن دخلوها مستقبليها بأستاههم (٣) ، وقالوا : هطا سمقانا ـ يعني حنطة حمراء نتقوتها ـ أحب إلينا من هذا الفعل ، وهذا القول.

قال الله تعالى : (فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) غيروا وبدلوا ما قيل لهم ، ولم ينقادوا لولاية الله وولاية محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي (٤) وآلهما الطيبين الطاهرين (رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) يخرجون من أمر الله تعالى وطاعته ، والرجز الذي أصابهم أنه مات منهم بالطاعون في بعض يوم مائة وعشرون ألفا ، وهم من علم الله أنهم لا يؤمنون ولا يتوبون ، ولا ينزل هذا الرجز على من علم الله أنه يتوب ، أو يخرج من صلبه ذرية طيبة توحد الله ، وتؤمن بمحمد ، وتعرف موالاة علي وصية وأخيه».

قال الله عز وجل : (وَإِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ) قال عليه‌السلام : «واذكروا ، يا بني إسرائيل (إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ) طلب لهم السقيا ، لما لحقهم من العطش في التيه ، وضجوا بالبكاء (٥) ، وقالوا : هلكنا بالعطش.

فقال موسى : إلهي بحق محمد سيد الأنبياء ، وبحق علي سيد الأوصياء ، وبحق فاطمة سيدة النساء ، وبحق الحسن سيد الأولياء ، وبحق الحسين أفضل الشهداء ، وبحق عترتهم وخلفائهم سادة الأزكياء لما سقيت عبادك هؤلاء.

فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ) فضربه بها (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) كل قبيلة من (٦) أولاد يعقوب مشربهم ، فلا يزاحمهم الآخرون في مشربهم.

قال الله عز وجل : (كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللهِ) الذي آتاكموه (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) لا تسعوا فيها وأنتم مفسدون عاصون.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أقام على ولايتنا أهل البيت ، سقاه الله من محبته كأسا لا يبغون به بدلا ، ولا يريدون سواه كافيا ولا كالئا (٧) ولا ناصرا ، ومن وطن نفسه (٨) على احتمال المكاره في موالاتنا ، جعله الله يوم

__________________

(٢) قارف فلان الخطيئة : خالطها. «الصحاح ـ قرف ـ ٤ : ١٤١٦».

(٣) الأستاه : جمع است ، وهو العجز. «الصحاح ـ سته ـ ٦ : ٢٢٣٣».

(٤) في المصدر : ولم ينقادوا لولاية محمّد وعليّ.

(٥) في المصدر زيادة : إلى موسى.

(٦) في المصدر زيادة : بني أب من.

(٧) كلأه الله : حفظه وحرسه. «الصحاح ـ كلأ ـ ١ : ٦٩».

٢٢٦

القيامة في عرصاتها بحيث تقصر (١) كل من تضمنته تلك العرصات أبصارهم مما يشاهدون من درجاتهم ، وإن كل واحد منهم ليحيط بما له من درجاته ، كإحاطته في الدنيا بما يتلقاه بين يديه.

ثم يقال له : وطنت نفسك على احتمال المكاره في موالاة محمد وآله الطيبين ، فقد جعل الله إليك ومكنك من تخليص كل من تحب تخليصه من أهل الشدائد في هذه العرصات ؛ فيمد بصره ، فيحيط بهم ، ثم ينقد (٢) من أحسن إليه أو بره في الدنيا بقول أو فعل أو رد غيبة أو حسن محضر أو إرفاق ، فينقده من بينهم كما ينقد الدرهم الصحيح من المكسور.

ثم يقال له : اجعل هؤلاء في الجنة حيث شئت ؛ فينزلهم جنات ربنا. ثم يقال له : وقد جعلنا لك ، ومكناك من إلقاء من تريد في نار جهنم ؛ فيراهم فيحيط بهم ، وينتقد من بينهم كما ينتقد الدينار من القراضة (٣). ثم يقال له : صيرهم من النيران إلى حيث تشاء (٤) ؛ فيصيرهم حيث يشاء من مضائق النار.

فيقول الله تعالى لبني إسرائيل الموجودين في عصر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإذا كان أسلافكم إنما دعوا إلى موالاة محمد وآله ، فأنتم الآن لما شاهدتموهم ، فقد وصلتم إلى الغرض والمطلب الأفضل ، إلى موالاة محمد وآله ؛ فتقربوا إلى الله عز وجل بالتقرب إلينا ، ولا تتقربوا من سخطه ، وتتباعدوا من رحمته بالازورار (٥) عنا.

ثم قال الله عز وجل : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ). واذكروا إذ قال أسلافكم : لن نصبر على طعام واحد ، المن والسلوى ، ولا بد لنا من خلطة معه (فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ) موسى (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) يريد أتستدعون الأدنى ليكون لكم بدلا من الأفضل؟ ثم قال : (اهْبِطُوا مِصْراً) من الأمصار من هذا التيه (فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) في المصر.

قال الله تعالى : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ) الجزية ، أخزوا بها عند ربهم وعند مؤمني عباده (وَالْمَسْكَنَةُ) هي الفقر والذلة (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) احتملوا الغضب واللعنة من الله (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) قبل أن يضرب عليهم الذلة والمسكنة (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِ) كانوا يقتلونهم بغير حق ، بلا جرم كان منهم إليهم ، ولا إلى غيرهم.

(ذلِكَ بِما عَصَوْا) ذلك الخذلان الذي استولى عليهم حتى فعلوا الآثام التي من أجلها ضربت عليهم الذلة والمسكنة ، وباءوا بغضب من الله (وَكانُوا يَعْتَدُونَ) يتجاوزون أمر الله تعالى إلى أمر إبليس.

__________________

= (٨) وطّن نفسه على الشّيء : حملها عليه فتحمّلت وذلّت له. «لسان العرب ـ وطن ـ ١٣ : ٤٥١».

(٩) في «ط» : يقيم.

(١٠) نقد الدراهم : ميّز جيّدها من رديئها. «أساس البلاغة : ٤٦٩».

(١١) القراضة : ما سقط بالقرض. «الصحاح ـ قرض ـ ٣ : ١١٠١».

(١٢) في المصدر : شئت.

(١٣) الازورار عن الشيء : العدول عنه. «الصحاح ـ زور ـ ٢ : ٦٧٣».

٢٢٧

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ألا فلا تفعلوا كما فعلت بنو إسرائيل ، ولا تسخطوا (١٤) الله تعالى ، ولا تقترحوا على الله تعالى ، وإذا ابتلي أحدكم في رزقه أو معيشته بما لا يحب ، فلا يحدس (١٥) شيئا يسأله ، لعل في ذلك حتفه وهلاكه ، ولكن ليقل : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين إن كان ما كرهته من أمري (١٦) خيرا لي وأفضل في ديني ، فصبرني عليه ، وقوني على احتماله ، ونشطني على النهوض بثقل أعبائه ، وإن كان خلاف ذلك خيرا فجد علي به ، ورضني بقضائك على كل حال ، فلك الحمد ؛ فإنك إذا قلت ذلك قدر الله ويسر لك ما هو خير.

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عباد الله ، فاحذروا الانهماك في المعاصي والتهاون بها ، فإن المعاصي يستولي بها الخذلان على صاحبها حتى يوقعه فيما هو أعظم منها ، فلا يزال يعصي ويتهاون ويخذل ويقع فيما هو أعظم (١٧) ، حتى يوقعه في رد ولاية وصي رسول الله ، ودفع نبوة نبي الله ، ولا يزال أيضا بذلك حتى يوقعه في دفع توحيد الله ، والإلحاد في دين الله.

ثم قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ، وبما فرض الإيمان به من الولاية لعلي بن أبي طالب والطيبين من آله (وَالَّذِينَ هادُوا) يعني اليهود (وَالنَّصارى) الذين زعموا أنهم في دين الله متناصرون (وَالصَّابِئِينَ) الذين زعموا أنهم صبؤوا (١٨) إلى دين الله ، وهم بقولهم كاذبون.

(مَنْ آمَنَ بِاللهِ) من هؤلاء الكفار ، ونزع من كفره ، ومن آمن من هؤلاء المؤمنين في مستقبل أعمارهم (١٩) ، ووفى بالعهد والميثاق المأخوذين عليه لمحمد وعلي وخلفائه الطاهرين (وَعَمِلَ صالِحاً) من هؤلاء المؤمنين (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) ثوابهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ) في الآخرة (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) هناك حين يخاف الفاسقون (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) إذا حزن المخالفون ، لأنهم لم يعملوا من مخالفة الله ما يخاف من فعله ، ولا يحزن له.

ونظر أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى رجل [فرأى] أثر الخوف عليه ، فقال : ما بالك؟ فقال : إني أخاف الله.

فقال : يا عبد الله ، خف ذنوبك ، وخف عدل الله عليك في مظالم عباده ، وأطعه فيما كلفك ، ولا تعصه فيما يصلحك ، ثم لا تخف الله بعد ذلك ، فإنه لا يظلم أحدا ولا يعذبه فوق استحقاقه أبدا ، إلا أن تخاف سوء العاقبة بأن تغير أو تبدل ، فإن أردت أن يؤمنك الله سوء العاقبة ، فاعلم أن ما تأتيه من خير فبفضل الله وتوفيقه ، وما تأتيه من سوء فبإمهال الله وإنظاره إياك وحلمه عنك».

__________________

(١٤) في المصدر زيادة : نعم.

(١٥) الحدس : الظنّ والتخمين ، ويحدس : يقول شيئا برأيه. «الصحاح ـ حدس ـ ٣ : ٩١٥»! وفي «س» : تخزينّ ، وفي «ط» : تجزينّ.

(١٦) في المصدر زيادة : هذا.

(١٧) في المصدر زيادة : ممّا جنى.

(١٨) صبأ : خرج من دين إلى دين. «الصحاح ـ صبأ ـ ١ : ٥٩».

(١٩) في المصدر زيادة : وأخلص.

٢٢٨

٤٨٨ / ٢ ـ محمد بن يعقوب : عن أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد الله ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «نزل جبرئيل بهذه الآية على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هكذا : فبدل الذين ظلموا آل محمد حقهم قولا غير الذي قيل لهم ، فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزا من السماء بما كانوا يفسقون».

٤٨٩ / ٣ ـ العياشي : عن سليمان الجعفري ، قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام ، في قول الله (وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ) فقال : «قال أبو جعفر عليه‌السلام : نحن باب حطتكم».

٤٩٠ / ٤ ـ عن أبي إسحاق ، عمن ذكره : (وَقُولُوا حِطَّةٌ) مغفرة ، حط عنا : أي اغفر لنا.

٤٩١ / ٥ ـ عن زيد الشحام (١) ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «نزل جبرئيل بهذه الآية : فبدل الذين ظلموا آل محمد حقهم غير الذي قيل لهم ، فأنزلنا على الذين ظلموا آل محمد حقهم رجزا من السماء بما كانوا يفسقون».

٤٩٢ / ٦ ـ عن صفوان الجمال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال الله لقوم موسى : (ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ * فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ)» الآية.

٤٩٣ / ٧ ـ عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : أنه تلا هذه الآية : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ). فقال : «والله ، ما ضربوهم بأيديهم ، ولا قتلوهم بأسيافهم ، ولكن سمعوا أحاديثهم فأذاعوها ، فأخذوا عليها ، فقتلوا ، فصار قتلا واعتداء ومعصية».

٤٩٤ / ٨ ـ محمد بن يعقوب : بإسناده ، عن يونس ، عن ابن سنان ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وتلا هذه الآية : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ). قال : «والله ، ما قتلوهم بأيديهم ، ولا ضربوهم بأسيافهم ، ولكن سمعوا أحاديثهم فأذاعوها ، فأخذوا عليها ، فقتلوا ، فصار قتلا واعتداء ومعصية».

٤٩٥ / ٩ ـ سليم بن قيس الهلالي : عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ في حديث له مع معاوية ـ قال عليه‌السلام : «يا معاوية ، إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، ولم يرض لنا بالدنيا ثوابا.

__________________

٢ ـ الكافي ١ : ٣٥٠ / ٥٨.

٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٥ / ٤٧.

٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٥ / ٤٨.

٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٥ / ٤٩.

(١) زاد في «س» : عن صفوان ، والظاهر أنّها : عن صفوان ، عن زيد الشّحام ، إذ روى صفوان عن زيد كتابه وروى الأخير عن أبي جعفر عليه‌السلام ، أو أنّ جملة (عن صفوان) أثبتت سهوا من الحديث الآتي ، راجع رجال النجاشي ١٧٥ / ٤٦٢ ومعجم رجال الحديث ٧ : ٣٦١ و ٩ : ١٢٣ ـ ١٣٦.

٦ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٥ / ٥٠.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٥ / ٥١.

٨ ـ الكافي ٢ : ٢٧٥ / ٦.

٩ ـ كتاب سليم بن قيس الهلالي : ١٥٨.

٢٢٩

يا معاوية ، إن نبي الله زكريا قد نشر بالمناشير ، ويحيى بن زكريا قتله (١) قومه وهو يدعوهم إلى الله ، إن أولياء الشيطان قد حاربوا أولياء الرحمن».

٤٩٦ / ١٠ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي ، قال : حدثنا علي بن الحسين بن علي بن فضال ، عن أبيه ، قال : قلت للرضا عليه‌السلام : لم سمي النصارى نصارى؟

قال : «لأنهم كانوا من قرية اسمها الناصرة (٢) من بلاد الشام ، نزلتها مريم وعيسى عليهما‌السلام بعد رجوعهما من مصر».

٤٩٧ / ١١ ـ علي بن إبراهيم ، قال : الصابئون : قوم لا مجوس ولا يهود ولا نصارى ولا مسلمون ، وهم قوم يعبدون الكواكب والنجوم.

قوله تعالى :

وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ

وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [٦٣] ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا

فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ [٦٤] وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ

الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خسِئِينَ

[٦٥] فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ

[٦٦]

٤٩٨ / ١ ـ ابن بابويه ، قال : حدثنا محمد بن علي القزويني رضي‌الله‌عنه ، قال : حدثنا المظفر بن أحمد أبو الفرج القزويني ، قال : حدثنا محمد بن جعفر الأسدي الكوفي ، قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين

__________________

(١) في المصدر : ويحيى ذبح وقتله.

١٠ ـ علل الشرائع : ٨١ / ١ ، وعيون أخبار الرّضا عليه‌السلام ٢ : ٧٩ / ١٠.

(١) الناصرة : قرية بينها وبين طبريّة ثلاثة عشر ميلا ، فيها كان مولد المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام ، ومنها اشتقّ اسم النّصارى. «معجم البلدان ٥ : ٢٥١».

١١ ـ تفسير القمّي ١ : ٤٨.

سورة البقرة ـ ٦٣ ـ ٦٦ ـ

١ ـ علل الشرائع : ٦٧ / ١.

٢٣٠

ابن يزيد النوفلي ، عن علي بن سالم ، عن سعيد بن جبير ، عن عبد الله بن عباس (١) ، قال : إنما سمي الجبل الذي كان عليه موسى (عليه السلام) طور سيناء ، لأنه جبل كان عليه شجر الزيتون ، وكل جبل يكون عليه ما ينتفع به من النبات والأشجار سمي طور سيناء وطور (٢) سينين ، وما لم يكن عليه ما ينتفع به من النبات أو الأشجار من الجبال سمي طور ، ولا يقال له : طور سيناء وطور سينين.

٤٩٩ / ٢ ـ أحمد بن محمد بن خالد البرقي : [عن أبيه] (١) عن ابن أبي عمير ، عن أبي المغرا (٢) ، عن إسحاق ابن عمار ، ويونس ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوله عز وجل : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) أقوة [في] الأبدان ، أو قوة [في] القلب؟ قال : «فيهما جميعا».

٥٠٠ / ٣ ـ العياشي : عن إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) أقوة في الأبدان ، أم قوة في القلوب؟ قال : «فيهما جميعا».

٥٠١ / ٤ ـ عن عبيد الله الحلبي ، قال : قال : «اذكروا ما فيه ، واذكروا ما في تركه من العقوبة».

٥٠٢ / ٥ ـ عن محمد بن أبي حمزة ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عز وجل : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) قال : «السجود ، ووضع اليدين على الركبتين في الصلاة وأنت راكع».

٥٠٣ / ٦ ـ عن عبد الصمد بن برار (١) ، قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول : «كانت القردة هم اليهود الذين اعتدوا في السبت ، فمسخهم الله قرودا».

٥٠٤ / ٧ ـ عن زرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، في قوله : (فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ). قال : لما معها ، ينظر إليها من أهل القرى ، ولما خلفها ـ قال ـ : ونحن ، ولنا فيها موعظة».

٥٠٥ / ٨ ـ محمد بن يعقوب : عن علي بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن آدم بن إسحاق ، عن عبد الرزاق بن مهران ، عن الحسين بن ميمون ، عن محمد بن سالم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «كان من السبيل والسنة التي أمر

__________________

(١) في «س» و «ط» : عبد الله بن سنان ، وسهو.

(٢) طور سيناء : جبل بقرب أيلة ، وأضيف إلى سيناء ، وهو شجر ، وكذلك طور سينين. «معجم البلدان ٤ : ٤٨».

٢ ـ المحاسن : ٢٦١ / ٣١٩.

(١) أثبتناه من المصدر ، وهو صحيح ، أنظر معجم رجال الحديث ١٤ : ٢٧٩ و ٢٢ : ١٠١.

(٢) في «ط» : المعزا ، وهو محل خلاف ، راجع رجال النجاشي : ١٣٣ / ٣٤٠ ، الخلاصة : ٥٨ / ١ ، تنقيح المقال ١ : ٣٧٩.

٣ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٥ / ٥٢.

٤ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٥ / ٥٣.

٥ ـ تفسير العيّاشي ١ : ٤٥ / ٥٤.

٦ ـ تفسير العيّاشي ١ لا ٤٦ / ٥٥.

(١) كذا ، وفي نسخة من تفسير العيّاشي : مرار ، والظاهر كونه عبد الصّمد بن بندار ، أنظر تفسير العيّاشي ١ : ٣٥١ / ٢٢٧.

٧ ـ تفسير العيّاشي ١ لا ٤٦ / ٥٦.

٨ ـ الكافي ٢ : ٢٤ / ١.

٢٣١

الله عز وجل بها موسى عليه‌السلام أن جعل الله (١) عليهم السبت ، فكان من أعظم السبت ولم يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله ، أدخله الله الجنة ، ومن استخف بحقه واستحل ما حرم الله من العمل الذي نهاه الله عنه فيه ، أدخله الله عز وجل النار ، وذلك حيث استحلوا الحيتان واحتبسوها وأكلوها يوم السبت ، غضب الله عليهم من غير أن يكونوا أشركوا بالرحمن ، ولا شكوا في شيء مما جاء به موسى عليه‌السلام ، قال الله عز وجل : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ)».

٥٠٦ / ٩ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل : (وَإِذْ أَخَذْنا) واذكروا إذ أخذنا (مِيثاقَكُمْ) وعهودكم أن تعملوا بما في التوراة ، وما في الفرقان الذي أعطيته موسى مع الكتاب المخصوص بذكر محمد وعلي والأئمة (١) الطيبين من آلهما ، بأنهم سادة الخلق ، والقوامون بالحق.

وإذ أخذنا ميثاقكم أن تقروا به ، وأن تؤدوه إلى أخلافكم ، وأن تأمروهم أن يؤدوه إلى أخلافهم إلى آخر مقرات (٢) في الدنيا ، ليؤمنن بمحمد نبي الله ، ويسلمن له ما يأمرهم به في علي ولي الله عن الله ، وما يخبرهم به من أحوال خلفائه بعده القوامين بحق الله ، فأبيتم قبول ذلك ، واستكبرتموه.

(وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) الجبل ، أمرنا جبرئيل عليه‌السلام أن يقطع من جبل فلسطين قطعة على قدر معسكر أسلافكم فرسخا في فرسخ ، فقطعها ، وجاء بها ، فرفعها فوق رؤوسهم ، وقال موسى عليه‌السلام لهم : إما أن تأخذوا بما أمرتم به فيه ، وإما [أن] ألقي عليكم هذا الجبل ؛ والجئوا إلى قبوله كارهين إلا من عصمه الله من العباد (٣) ، فإنه قبله طائعا مختارا ، ثم لما قبلوه سجدوا وعفروا ، وكثير منهم عفر خديه لا يريد (٤) الخضوع لله ، ولكن نظر إلى الجبل هل يقع أم لا ، وآخرون سجدوا طائعين مختارين.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : احمدوا الله ـ معاشر شيعتنا ـ على توفيقه إياكم ، فإنكم تعفرون في سجودكم لا كما عفر (٥) كفرة بني إسرائيل ، ولكن كما عفره خيارهم.

قال الله عز وجل : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) من هذه الأوامر والنواهي ، من هذا الأمر الجليل ، من ذكر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وآلهما الطيبين (وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) فيما آتيناكم ، اذكروا جزيل ثوابنا على قيامكم به ، وشديد عقابنا على إبائكم له (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) تتقون المخالفة الموجبة للعقاب ، فتستحقون بذلك جزيل الثواب.

__________________

(١) (الله) ليس في «ط».

٩ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٦٦ / ١٣٤ ـ ١٣٩.

(١) (الأئمّة) ليس في المصدر.

(٢) في المصدر : مقدراتي.

(٣) في المصدر : العناد.

(٤) في المصدر : لارادة.

(٥) في المصدر : عفّره.

٢٣٢

قال الله عز وجل : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) يعني تولى أسلافكم (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) عن القيام به ، والوفاء بما عاهدوا عليه (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) يعني على أسلافكم ، لو لا فضل الله عليهم بإمهاله إياهم للتوبة ، وإنظارهم لمحو الخطيئة بالإنابة (لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) المغبونين ، قد خسرتم الآخرة والدنيا ، لأن الآخرة فسدت عليكم بكفركم ، والدنيا كان لا يحصل لكم نعيمها لاخترامنا (٦) لكم ، وتبقى عليكم حسرات نفوسكم وأمانيكم التي اقتطعتم دونها ، ولكنا أمهلناكم للتوبة ، وأنظرناكم للإنابة ، أي فعلنا ذلك بأسلافكم ، فتاب من تاب منهم ، فسعد ، وخرج من صلبه من قدر أن تخرج منه الذرية الطيبة التي تطيب في الدنيا بالله معيشتها ، وتشرف في الآخرة بطاعة الله مرتبتها.

قال الحسين بن علي عليهما‌السلام : أما إنهم لو كانوا دعوا الله بمحمد وآله الطيبين بصدق من نياتهم ، وصحة اعتقادهم من قلوبهم ، أن يعصمهم حتى لا يعاندوه بعد مشاهدة تلك المعجزات الباهرات ، لفعل ذلك بجوده وكرمه ، ولكنهم قصروا وآثروا الهوى بنا ، ومضوا مع الهوى في طلب لذاتهم.

قال الله عز وجل : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) لما اصطادوا السمك (٧) فيه (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) مبعدين عن كل خير (فَجَعَلْناها) أي جعلنا تلك المسخة التي أخزيناهم ولعناهم بها (نَكالاً) عقابا وردعا (لِما بَيْنَ يَدَيْها) بين يدي المسخة من ذنوبهم الموبقات (٨) التي استحقوا بها العقوبات (وَما خَلْفَها) للقوم الذين شاهدوهم بعد مسخهم يرتدعون عن مثل أفعالهم لما شاهدوا ما حل بهم من عقابنا (٩) (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) يتعظون بها ، فيفارقون المحرمات (١٠) ويعظون بها الناس ، ويحذرونهم المؤذيات (١١).

قال علي بن الحسين عليه‌السلام : كان هؤلاء قوم يسكنون على شاطئ البحر ، نهاهم الله وأنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت ، فتوصلوا إلى حيلة ليحلوا بها إلى أنفسهم ما حرم الله ، فخدوا أخاديد ، وعملوا طرقا تؤدي إلى حياض ، يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق ، ولا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع منها إلى اللجج (١٢).

فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على أمان الله لها ، فدخلت الأخاديد وحصلت (١٣) في الحياض

__________________

(٦) اخترمهم الدهر : أي اقتطعهم واستأصلهم. «الصحاح ـ خرم ـ ٥ : ١٩١٠».

(٧) في المصدر : السموك ، والسموك : جمع سمك ، واحدتها سمكة. «الصحاح ـ سمك ـ ٤ : ١٥٩٢».

(٨) موبقات الذنوب : أي مهلكاتها. «مجمع البحرين ـ وبق ـ ٥ : ٢٤٣».

(٩) في «س» و «ط» : عقابها.

(١٠) في المصدر : المخزيات.

(١١) في المصدر : المرديات.

(١٢) اللّجج : جمع لجّة! ولجّة الماء : معظمه. «الصحاح ـ لجج ـ ١ : ٣٣٨».

(١٣) حصّلت : تجمّعت وثبتت. «القاموس المحيط ـ حصل ـ ٣ : ٣٦٨».

٢٣٣

والغدران ، فلما كانت عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن من صائدها ، فرامت الرجوع فلم تقدر ، وبقيت ليلها (١٤) في مكان يتهيأ أخذها بلا اصطياد لاسترسالها فيه ، وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها ، فكانوا يأخذونها يوم الأحد ، ويقولون : ما اصطدنا يوم السبت ، وإنما اصطدنا في الأحد ، وكذب أعداء الله ، بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت حتى كثر من ذلك ما لهم وثراؤهم ، وتنعموا بالنساء وغيرها لا تساع أيديهم (١٥).

وكانوا في المدينة نيفا وثمانين ألفا ، فعل هذا منهم سبعون ألفا ، وأنكر عليهم الباقون ، كما قص الله : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ) (١٦) الآية ؛ وذلك أن طائفة منهم وعظوهم وزجروهم ، ومن عذاب (١٧) الله خوفوهم ، ومن انتقامه وشديد بأسه حذروهم ، فأجابوهم عن وعظهم : (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ) بذنوبهم هلاك الاصطلام (١٨) : (أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً).

أجابوا القائلين هذا لهم : (مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ) إذ كلفنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فنحن ننهى عن المنكر ليعلم ربنا مخالفتنا لهم ، وكراهتنا لفعلهم ، قالوا : (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (١٩) ونعظهم أيضا لعله تنجع (٢٠) فيهم المواعظ ، فيتقون هذه الموبقة ، ويحذرون عقوبتها.

قال الله عز وجل : (فَلَمَّا عَتَوْا) حادوا وأعرضوا وتكبروا عن قبولهم الزجر (عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٢١) مبعدين عن الخير ، مقصين (٢٢).

قال : فلما نظر العشرة آلاف والنيف أن السبعين ألفا لا يقبلون مواعظهم ، ولا يحفلون (٢٣) بتخويفهم إياهم وتحذيرهم لهم ، اعتزلوهم إلى قرية أخرى قريبة من قريتهم ، وقالوا : نكره أن ينزل بهم عذاب الله ، ونحن في خلالهم ؛ فأمسوا ليلة ، فمسخهم الله تعالى كلهم قردة ، وبقي باب المدينة مغلقا لا يخرج منه أحد ، ولا يدخل أحد.

وتسامع بذلك أهل القرى فقصدوهم ، وتسنموا (٢٤) حيطان البلد ، فاطلعوا عليهم ، فإذا كلهم رجالهم ونساؤهم قردة ، يموج بعضهم في بعض ، يعرف هؤلاء الناظرون معارفهم وقراباتهم وخلطاءهم ، يقول المطلع

__________________

(١٤) في المصدر : وأبقيت ليلتها.

(١٥) في المصدر زيادة : به.

(١٦) الأعراف ٧ : ١٦٣.

(١٧) في «س» : وعذاب.

(١٨) الاصطلام : الاستئصال. «الصحاح ـ صلم ـ ٥ : ١٩٦٧».

(١٩) الأعراف ٧ : ١٦٦.

(٢٠) نجع فيه الخطاب والوعظ والدواء : أي دخل وأثر. «الصحاح ـ نجع ـ ٣ : ١٢٨٨».

(٢١) الأعراف ٧ : ١٦٦.

(٢٢) المقصى : المبعد. «الصحاح ـ قصا ـ ٦ لا ٢٤٦٢».

(٢٣) لا يحفل : لا يبالي. «الصحاح ـ حفل ـ ٤ : ١٦٧١».

(٢٤) تسنّمه : علاه. «الصحاح ـ سنم ـ ٥ : ١٩٥٥».

٢٣٤

لبعضهم : أنت فلان ، أنت فلانة؟ فتدمع عينه ، ويومئ برأسه أن نعم (٢٥).

فما زالوا كذلك ثلاثة أيام ، ثم بعث الله عز وجل عليهم مطرا وريحا فجرفهم إلى البحر ، وما بقي مسخ بعد ثلاثة أيام ، وإنما الذين ترون من هذه المصورات بصورها فإنما هي أشباهها (٢٦) ، لا هي بأعيانها ، ولا من نسلها.

ثم قال علي بن الحسين عليه‌السلام : إن الله تعالى مسخ هؤلاء لاصطياد السمك ، فكيف ترى عند الله عز وجل يكون حال من قتل أولاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهتك حريمه؟! إن الله تعالى وإن لم يمسخهم في الدنيا ، فإن المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف عذاب هذا المسخ.

فقيل : يا ابن رسول الله ، فإنا قد سمعنا مثل (٢٧) هذا الحديث ، فقال لنا بعض النصاب : فإن كان قتل الحسين باطلا ، فهو أعظم من صيد السمك في السبت ، أفما كان يغضب الله على قاتليه كما غضب على صيادي السمك؟! قال علي بن الحسين عليه‌السلام : قل لهؤلاء النصاب : فإن كان إبليس معاصيه أعظم من معاصي من كفر بإغوائه ، فأهلك الله من شاء منهم كقوم نوح وقوم فرعون ، فلم لم يهلك إبليس لعنه الله ، وهو أولى بالهلاك؟ فما باله أهلك هؤلاء الذين قصروا عن إبليس لعنه الله في عمل الموبقات ، وأمهل إبليس مع إيثاره لكشف المخزيات؟ ألا كان ربنا عز وجل حكيما وتدبيره حكمة (٢٨) فيمن أهلك وفيمن استبقى ، وكذلك هؤلاء الصائدون في السبت ، وهؤلاء القاتلون للحسين عليه‌السلام ، يفعل في الفريقين ما يعلم أنه أولى بالصواب والحكمة ، (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٢٩).

ثم قال علي بن الحسين عليه‌السلام : أما إن هؤلاء الذين اعتدوا في السبت ، لو كانوا حين هموا بقبيح أفعالهم ، سألوا ربهم بجاه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وآله الطيبين أن يعصمهم من ذلك لعصمهم ، وكذلك الناهون لهم لو سألوا الله عز وجل أن يعصمهم بجاه محمد وآله الطيبين لعصمهم ، ولكن الله عز وجل لم يلهمهم ذلك ، ولم يوفقهم له ، فجرت معلومات الله تعالى فيه على ما كانت مسطرة في اللوح المحفوظ.

وقال الباقر عليه‌السلام : فلما حدث علي بن الحسين عليهما‌السلام بهذا الحديث ، قال له بعض من في مجلسه : يا ابن رسول الله ، كيف يعاقب الله ويوبخ هؤلاء الأخلاف على قبائح أتى بها أسلافهم ، وهو يقول : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٣٠)؟! فقال زين العابدين عليه‌السلام : إن القرآن نزل بلغة العرب ، فهو يخاطب العرب فيه ـ أهل اللسان ـ بلغتهم ، يقول

__________________

(٢٥) في المصدر : برأسه بلا أو نعم.

(٢٦) في «س» : أشباحها.

(٢٧) في المصدر : منك.

(٢٨) في المصدر : بتدبيره وحكمه.

(٢٩) الأنبياء ٢١ : ٢٣.

(٣٠) الأنعام ٦ : ١٦٤.

٢٣٥

الرجل التميمي وقد أغار قومه على بلد وقتلوا من فيه : أغرتم على بلد كذا وكذا ، وفعلتم (١) كذا وكذا.

ويقول العربي أيضا : نحن فعلنا ببني فلان ، ونحن سبينا آل فلان ، ونحن خربنا بلد كذا ؛ لا يريد أنهم باشروا ذلك ، ولكن يريد هؤلاء بالعذل ، وهؤلاء بالافتخار (٢) أن قومهم فعلوا كذا وكذا.

وقول الله عز وجل في هذه الآيات إنما هو توبيخ لأسلافهم ، وتوبيخ العذل على هؤلاء الموجودين ، لأن ذلك هو اللغة التي بها نزل القرآن ، ولأن هؤلاء الأخلاف أيضا راضون بما فعل أسلافهم ، مصوبون ذلك لهم ، فجاز أن يقال : أنتم فعلتم إذ رضيتم قبيح فعلهم».

قوله تعالى :

وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا

هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [٦٧] قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ

يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ

ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ [٦٨] قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها

قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ [٦٩]

قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ

اللهُ لَمُهْتَدُونَ [٧٠] قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ

وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ

فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ [٧١] وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها

وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [٧٢] فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ

يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [٧٣]

٥٠٧ / ١ ـ قال الإمام العسكري عليه‌السلام : «قال الله عز وجل ليهود المدينة : واذكروا (إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ

__________________

(٣١) في المصدر : وقتلتم.

(٣٢) في «س» و «ط» : بالامتحان.

سورة البقرة آية ـ ٦٧ ـ ٧٣ ـ

١ ـ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه‌السلام : ٢٧٣ / ١٤٠.

٢٣٦

اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) وتضربون ببعضها هذا المقتول بين أظهركم ليقوم حيا سويا بإذن الله تعالى ، ويخبركم بقاتله ؛ وذلك حين ألقي القتيل بين أظهرهم.

فألزم موسى عليه‌السلام أهل القبيلة بأمر الله تعالى أن يحلف خمسون من أماثلهم (١) بالله القوي الشديد إله بني إسرائيل ، مفضل محمد وآله الطيبين على البرايا أجمعين : أنا ما قتلناه ، ولا علمنا له قاتلا ، فإن حلفوا بذلك غرموا دية المقتول ، وإن نكلوا نصوا على القاتل ، أو أقر القاتل فيقاد (٢) منه ، فإن لم يفعلوا احبسوا في محبس ضنك إلى أن يحلفوا ، أو يقروا ، أو يشهدوا على القاتل.

فقالوا : يا نبي الله ، أما وقت (٣) أيماننا أموالنا ، ولا أموالنا أيماننا؟ قال : لا ، هذا حكم الله.

وكان السبب أن امرأة حسناء ذات جمال ، وخلق كامل ، وفضل بارع ، ونسب شريف ، وستر ثخين ؛ كثر خطابها ، وكان لها بنو أعمام ثلاثة ، فرضيت بأفضلهم علما ، وأثخنهم سترا ، وأرادت التزويج [به] ، فاشتد حسد ابني عمه الآخرين له ، وغبطاه (٤) عليها ، لإيثارها من آثرته (٥) ، فعمدا إلى ابن عمها المرضي فأخذاه إلى دعوتهما ، ثم قتلاه وحملاه إلى محلة تشتمل على أكبر قبيلة من بني إسرائيل ، فألقياه بين أظهرهم ليلا ، فلما أصبحوا وجدوا القتيل هناك ، فعرف حاله ، فجاء ابنا عمه القاتلان ، فمزقا ثيابهما على أنفسهما ، وحثيا التراب على رؤوسهما ، واستعديا (٦) عليهم ، فأحضرهم موسى عليه‌السلام وسألهم ، فأنكروا أن يكونوا قتلوه ، أو علموا قاتله».

قال : «فحكم الله على من فعل هذه الحادثة ما عرفتموه فالتزموه ، فقالوا : يا موسى ، أي نفع في أيماننا لنا ، إذا لم تدرأ عنا الأيمان الغرامة الثقيلة؟ أم أي نفع لنا في غرامتنا إذا لم تدرأ عنا الأيمان؟ فقال موسى عليه‌السلام : كل النفع في طاعة الله ، والائتمار (٧) لأمره ، والانتهاء عما نهى عنه.

فقالوا : يا نبي الله ، غرم (٨) ثقيل ولا جناية لنا ، وأيمان غليظة ولا حق في رقابنا ، لو أن الله عز وجل عرفنا قاتله بعينه ، وكفانا مؤونته ، فادع لنا ربك يبين لنا هذا القاتل لتنزل به ما يستحق من العقاب ، وينكشف أمره لذوي الألباب.

فقال موسى عليه‌السلام : إن الله عز وجل قد بين ما أحكم به في هذا ، فليس لي أن اقترح عليه غير ما حكم ، ولا

__________________

(١) أماثل القوم : خيارهم. «الصحاح ـ مثل ـ ٥ : ١٨١٦».

(٢) القود : القصاص ، وأقدت القاتل بالقتيل ، أي قتلته به. «الصحاح ـ قود ـ ٢ : ٥٢٨».

(٣) وفي «س» : وفت ، أي ساوت أو وازت.

(٤) الغبطة : أن تتمنّى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه. «الصحاح ـ غبط ـ ٣ : ١١٤٦».

(٥) في المصدر : لإيثارها إيّاه.

(٦) العدوى : طلبك إلى وال ليعديك على من ظلمك ، أي ينتقم منه ، يقال : استعديت على فلان الأمير فأعداني عليه ، أي استعنت به عليه فأعانني «الصحاح ـ عدا ـ ٦ : ٢٤٢١».

(٧) ائتمر الأمر : أي امتثله. «الصحاح ـ أمر ـ ٢ : ٥٨٢».

(٨) الغرم : ما يلزم أداؤه. «الصحاح ـ غرم ـ ٥ : ١٩٩٦».

٢٣٧

أعترض عليه فيما أمر ، ألا ترون أنه لما حرم العمل يوم السبت ، وحرم لحم الجمل ، لم يكن لنا أن نقترح عليه أن يغير ما حكم الله (٩) علينا من ذلك ، بل علينا أن نسلم له حكمه ، ونلتزم ما ألزمنا ؛ وهم أن يحكم عليهم بالذي كان يحكم به على غيرهم في مثل حادثتهم.

فأوحى الله عز وجل إليه : يا موسى ، أجبهم إلى ما اقترحوا ، وسلني أن أبين لهم القاتل ليقتل ، ويسلم غيره من التهمة والغرامة ، فإني إنما أريد بإجابتهم إلى ما اقترحوا توسعة الرزق على رجل من خيار أمتك ، دينه الصلاة على محمد وآله الطيبين ، والتفضيل لمحمد وعلي بعده على سائر البرايا ، أغنيه في الدنيا في هذه القصة (١٠) ، ليكون من بعض ثوابه عن تعظيمه لمحمد وآله.

فقال موسى : يا رب ، بين لنا قاتله ؛ فأوحى الله تعالى إليه : قل لبني إسرائيل : إن الله يبين لكم ذلك ، بأن يأمركم أن تذبحوا بقرة ، فتضربوا ببعضها المقتول فيحيا ، فتقبلوا (١١) لرب العالمين ذلك ، وإلا فكفوا عن المسألة ، والتزموا ظاهر حكمي.

فذلك ما حكى الله عز وجل : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) إن أردتم الوقوف على القاتل ، تضربوا المقتول ببعضها فيحيا ، ويخبر بالقاتل (قالُوا ـ يا موسى ـ أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) سخرية؟ تزعم أن الله أمرنا أن نذبح بقرة ، ونأخذ قطعة من الميت ، ونضرب بها ميتا ، فيحيا أحد الميتين بملاقاته بعض الميت الآخر ، كيف يكون هذا؟! قال موسى عليه‌السلام : (أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) أنسب إلى الله تعالى ما لم يقل لي ، وأن أكون من الجاهلين ، أعارض أمر الله بقياسي على ما شاهدت ، دافعا لقول الله تعالى وأمره.

ثم قال موسى عليه‌السلام : أوليس ماء الرجل نطفة ميتة ، وماء المرأة كذلك ، ميتان يلتقيان فيحدث الله تعالى من التقاء الميتين بشرا حيا سويا؟ أوليس بذوركم التي تزرعونها في أرضيكم تتفسخ وتتعفن وهي ميتة ، ثم تخرج (١٢) منها هذه السنابل الحسنة البهيجة ، وهذه الأشجار الباسقة (١٣) المونقة؟

فلما بهرهم موسى عليه‌السلام (قالُوا) يا موسى (ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) أي ما صفتها ، لنقف عليها ؛ فسأل موسى ربه عز وجل ، فقال : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ) كبيرة (وَلا بِكْرٌ) صغيرة لم تفرض (١٤) (عَوانٌ) وسط (بَيْنَ ذلِكَ) بين الفارض والبكر (فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ) إذا ما أمرتم به. (قالُوا) يا موسى (ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها) أي لون هذه البقرة التي تريد أن تأمرنا بذبحها.

__________________

(٩) في المصدر زيادة : به.

(١٠) في المصدر : القضية.

(١١) في المصدر : فتسلّمون.

(١٢) في المصدر : يخرج الله.

(١٣) الباسقة : الطويلة.

(١٤) فرضت البقرة : كبرت وطعنت في السن. «الصحاح ـ فرض ـ ٣ : ١٠٩٧» ، في المصدر : لم تغبط.

٢٣٨

قال الله جل وعز (١٥) بعد السؤال والجواب : (إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ) حسنة لون الصفرة (١٦) ، ليس بناقص يضرب إلى البياض ، ولا بمشبع يضرب إلى السواد (لَوْنُها) هكذا فاقع (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) إليها ، لبهجتها وحسنها وبريقها. (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ) ما صفتها؟ يزيد في صفتها.

قال (١٧) الله عز وجل : (إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ) لم تذلل لإثارة الأرض ، ولم ترض (١٨) بها (وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) ولا هي مما تجر الدوالي (١٩) ، ولا تدير النواعير (٢٠) ، قد أعفيت من جميع ذلك (مُسَلَّمَةٌ) من العيوب كلها ، لا عيب فيها (لا شِيَةَ فِيها) لا لون فيها من غيرها.

فلما سمعوا هذه الصفات ، قالوا : يا موسى ، فقد أمرنا ربنا بذبح بقرة هذه صفتها؟ قال : بلى ؛ ولم يقل موسى في الابتداء بذلك ، لأنه لو قال : إن الله أمركم ؛ لكانوا إذا قالوا : ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ، وما لونها؟ كان لا يحتاج أن يسأله ذلك عز وجل ، ولكن كان يجيبهم هو بأن يقول : أمركم ببقرة ؛ فأي شيء وقع عليه اسم بقرة فقد خرجتم من أمره إذا ذبحتموها».

قال : «فلما استقر الأمر عليها (٢١) طلبوا هذه البقرة ، فلم يجدوها إلا عند شاب من بني إسرائيل ، أراه الله عز وجل في منامه محمدا وعليا وطيبي ذريتهما ، فقالا له : إنك كنت لنا محبا مفضلا ، ونحن نريد أن نسوق إليك بعض جزائك في الدنيا ، فإذا راموا شراء بقرتك فلا تبعها إلا بأمر أمك ، فإن الله عز وجل يلقنها ما يغنيك به وعقبك (٢٢).

ففرح الغلام وجاءه القوم يطلبون بقرته ، فقالوا : بكم تبيع بقرتك؟ فقال : بدينارين ، والخيار لأمي. قالوا : رضينا بدينار. فسألها فقالت : بأربعة. فأخبرهم ، فقالوا : نعطيك دينارين. فأخبر أمه فقالت : بثمانية. فما زالوا يطلبون على النصف مما تقول أمه (٢٣) فتضعف الثمن ، حتى بلغ ثمنها ملء مسك (٢٤) ثور أكبر ما يكون ملؤه دنانير ، فأوجب لهم البيع.

__________________

(١٥) في المصدر : قال موسى عن الله.

(١٦) في المصدر : حسن الصفرة.

(١٧) في المصدر زيادة : عن.

(١٨) رضت الدابّة : ذلّلتها. «مجمع البحرين ـ روض ـ ٤ : ٢١٠».

(١٩) الدوالي : جمع دالية ، وهي خشبة تصنع كهيئة الصليب وتشدّ برأس الدلو ، ثمّ يؤخذ حبل يربط طرفه بذلك ، وطرفه الآخر ، بجذع قائمة على رأس البئر ويستقى بها. «مجمع البحرين ـ دلا ـ ١ : ١٤٦».

(٢٠) النواعير : جمع ناعورة ، دولاب ذو دلاء أو نحوها ، يدور بدفع الماء أو جرّ الماشية ، فيخرج الماء من البئر أو النهر إلى الحقل. «المعجم الوسيط ـ نعر ـ ٢ : ٩٣٤».

(٢١) في المصدر : عليهم.

(٢٢) عقب الرجل : ولده وولد ولده. «الصحاح ـ عقب ـ ١ : ١٨٤».

(٢٣) في المصدر زيادة : ويرجع إلى أمه.

(٢٤) المسك : الجلد. «الصحاح ـ مسك ـ ٤ : ١٦٠٨».

٢٣٩

ثم ذبحوها وأخذوا قطعة ـ وهي عجب (٢٥) الذنب الذي منه خلق ابن آدم ، وعليه يركب إذا أعيد خلقا جديدا ـ فضربوه بها ، وقالوا : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين لما أحييت هذا الميت ، وأنطقته ليخبر عن قاتله ؛ فقام سالما سويا ، وقال : يا نبي الله ، قتلني هذان ابنا عمي ، حسداني على بنت عمي فقتلاني ، وألقياني في محلة هؤلاء ليأخذا ديتي منهم.

فأخذ موسى عليه‌السلام الرجلين فقتلهما ، فكان قبل أن يقوم الميت ضرب بقطعة من البقرة فلم يحي ، فقالوا : يا نبي الله ، أين ما وعدتنا عن الله عز وجل؟ فقال موسى عليه‌السلام : قد صدقت ، وذلك إلى الله عز وجل.

فأوحى الله عز وجل إليه : يا موسى ، إني لا أخلف وعدي ، ولكن لينقدوا إلى الفتى (٢٦) ثمن بقرته ملء مسك ثور (٢٧) دنانير ، ثم أحيي هذا الغلام.

فجمعوا أموالهم ، فوسع الله جلد الثور حتى وزن ما مليء به جلده فبلغ خمسة آلاف ألف دينار ، فقال بعض بني إسرائيل لموسى عليه‌السلام ـ وذلك بحضرة المقتول المنشور المضروب ببعض البقرة ـ : لا ندري أيهما أعجب : إحياء الله هذا الميت وإنطاقه بما نطق ، أو إغناء هذا الفتى بهذا المال العظيم!! فأوحى الله إليه : يا موسى ، قل لبني إسرائيل من أحب منكم أن يطيب في الدنيا عيشه ، وأعظم في جناني محله ، وأجعل لمحمد (٢٨) فيها منادمته ، فليفعل كما فعل هذا الصبي ، إنه قد سمع من موسى بن عمران عليه‌السلام ذكر محمد وعلي وآلهما الطيبين ، فكان عليهم مصليا ، ولهم على جميع الخلائق من الجن والإنس والملائكة مفضلا ، فلذلك صرفت إليه المال العظيم ليتنعم بالطيبات ويتكرم بالهبات والصلات ، ويتحبب بمعروفه إلى ذوي المودات ، ويكبت (٢٩) بنفقاته ذوي العداوات.

فقال الفتى : يا نبي الله ، كيف أحفظ هذه الأموال؟ أم كيف أحذر من عداوة من يعاديني فيها ، وحسد من يحسدني من أجلها؟

قال : قل عليها من الصلاة على محمد وآله الطيبين ما كنت تقول قبل أن تنالها ، فإن الذي رزقكها بذلك القول مع صحة الاعتقاد يحفظها عليك أيضا ويدفع عنك (٣٠) ، فقالها الفتى فما رامها (٣١) حاسد له ليفسدها ، أو لص ليسرقها ، أو غاصب ليغصبها ، إلا دفعه الله عز وجل عنها بلطف من ألطافه (٣٢) حتى يمتنع من ظلمه اختيارا ، أو

__________________

(٢٥) العجب : أصل الذنب. «الصحاح ـ عجب ـ ١ : ١٧٧» ، وفي المصدر : عجز.

(٢٦) في المصدر : ليقدموا للفتى.

(٢٧) في المصدر : ملء مسكها.

(٢٨) في المصدر : لمحمّد وآله الطيّبين.

(٢٩) الكبت : الصرف والإذلال. «الصحاح ـ كبت ـ ١ : ٢٦٢».

(٣٠) في المصدر : عليك أيضا بهذا القول مع صحّة الاعتقاد.

(٣١) في «س» : رآها.

(٣٢) في «ط» نسخة بدل : بلطيفة من لطائفة.

٢٤٠